logo
فايننشال تايمز البريطانية : التاريخ السري لأحمد الشرع

فايننشال تايمز البريطانية : التاريخ السري لأحمد الشرع

خبرني٠٨-٠٣-٢٠٢٥

خبرني - نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريرا حمل عنوان : " التاريخ السري لأحمد الشرع "
نعيد تاليا في خبرني نشر التقرير بترجمة حرفية لما اوردته الصحيفة :
مر أكثر من عقد منذ أن اندس أحمد الشرع داخل المصعد الضيق الذي صعد به إلى شقة والديه في الطابق العاشر.
لم يتغير المبنى ذو الطراز السوفيتي كثيرًا منذ آخر مرة رآه فيها، ولا يزال يطل على سلسلة من المباني الخرسانية المتطابقة والبقع المهملة التي تفصل بينها.
كانت الممرات بنفس الظل الأبيض الرمادي الذي كانت عليه عندما كان طفلًا، وإن كانت تحمل الآن آثار الزمن بعد سنوات من الصراع المدني والأزمة الاقتصادية.
كان الشرع قد وصل إلى دمشق فاتحًا قبل بضع ساعات، يقود جيشًا من المتمردين إلى عاصمة اجتاحها حلفاؤه بالفعل.
انهارت القوات الموالية لديكتاتور سوريا بشار الأسد، أمام تقدمهم، مما أتاح للشرع أن يصل إلى السلطة دون إراقة دماء في صباح أحد أيام الشتاء القارس في ديسمبر 2024.
كان أول ما فعله الشرع بعد وصوله هو التوجه إلى تلة عشبية، حيث سجد لله، بينما كان مسدسه يبرز من حزامه وهو يخفض جبهته إلى الأرض.
تم توثيق اللحظة بالفيديو وتوزيعها على نطاق واسع، لتأكيد سقوط دمشق ثم توجه إلى المسجد الأموي التاريخي في المدينة والكاميرات تتبعه، ليعلن أن عصر الأسد انتهى أخيرًا بعد أربعة عشر عامًا من الحرب.
كانت هذه لحظات نصر موجهة للجمهور، أما رحلته عبر المدينة إلى الشقة القديمة في حي المزة، فلم تكن كذلك.
لقد عاد إلى منزله دون كاميرات أو حاشية كبيرة، بل برفقة عدد قليل من الحراس الشخصيين.
كان العديد من سكان العاصمة قد فروا إلى الساحل بحثًا عن الأمان النسبي بحلول ذلك الوقت، بينما كان آخرون يحزمون أمتعتهم على عجل، في ظل انتشار المسلحين بسيارات مغطاة بالطين يجوبون شوارع المدينة.
عند خروجه من المصعد مرتديًا زيه العسكري، طرق الشرع باب الشقة، وكانت عائلة سليمان قد انتقلت إليها مؤخرًا بعد أن منحها النظام لهم، والآن، كانوا يرمون متاعهم في صناديق وأكياس، محاولين المغادرة بأسرع وقت ممكن، وفوجئوا برؤية الرجل الذي أصبح الحاكم الفعلي لسوريا.
يقول احد معاونيه، في رواية أكدها لاحقًا أحد الجيران "قال لهم الشرع بلطف: 'لا تتعجلوا.. خذوا وقتكم.. لكن هذا منزل عائلتي، ولدينا فيه ذكريات كثيرة، لذا نرغب في استعادته الآن،''.
لم يرفع الشرع صوته كما ابلغني الجار، بل 'أعطاهم وقتًا كافيًا لحزم أمتعتهم والمغادرة'.
يحتل حي المزة، الذي يقطنه خليط ديني من الطبقة المتوسطة العليا، مكانة بارزة في ذاكرة طفولة الشرع.. هنا لعب كرة القدم وهو طفل، وعمل بعد الظهر في متجر بقالة عائلته، وانخرط في نقاشات لا تنتهي حول السياسة مع والده ووالدته وإخوته الستة، وهنا أيضًا، علموا بأنه تخلى عن دراسته ليقاتل ضد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
كانت عائلته تظن انه مات منذ زمن طويل بحلول وقت عودته.
عندما أعلن الشرع نفسه رئيسًا لسوريا الجديدة هذا العام، كان ذلك تتويجًا لمسيرة قادته من زنازين سجن أبو غريب في العراق إلى جبال شمال غربي سوريا.
استخدم الشرع عدة أسماء وألقاب على مر السنين، من بينها القائد، والشيخ، والأخ، وكان يلقب نفسه حتى وقت قريب، بـ 'الفاتح أبو محمد الجولاني'، وهو اسم حركي يعكس أصول عائلته وطموحه (الفاتح تعني 'القاهر' أو 'المنتصر').
كانت الجماعة الإسلامية المسلحة التي يقودها منذ 2011، والتي كانت سابقًا فرعًا من القاعدة، تُعرف باسم جبهة النصرة قبل أن تخفف من توجهها وتصبح هيئة تحرير الشام (HTS)، وهذا يعني أن الشراع قضى معظم العقدين الماضيين في غموض نسبي.
لم تكن أجهزة المخابرات السورية متأكدة من اسمه الحقيقي حتى عام 2016، وكان ذلك العام أيضًا هو الذي كشف فيه الشرع عن وجهه للعامة لأول مرة.
لم يمنح الشرع حتى وقت متأخر سوى مقابلة واحدة متعمقة تطرقت إلى ماضيه، بينما ركزت بقية المقابلات على مستقبله فقط.
ولم يستجب الشراع لطلبات المقابلة العديدة التي أرسلتها له، لكن القلة الذين تمكنوا من سؤاله عن أصوله تلقوا إجابات مقتضبة أو متعمدة الإبهام.
هذا ليس مصادفة، وفقًا لأكثر من 30 شخصًا تحدثت إليهم في إطار هذا التحقيق، بما في ذلك مسؤولون حكوميون حاليون، وضباط استخبارات إقليميون وغربيون، ومقاتلون سابقون، ودبلوماسيون، وأصدقاء، وجيران.
تكشف رواياتهم، إلى جانب وثائق استخباراتية مسترجعة ومراسلات بين الجهاديين، قصة رجل يدرك تمامًا كيف يمكن أن يُنظر إلى ماضيه على أنه يتناقض مع أيديولوجية حركته المتمردة.
كلما تعمقنا في ماضي الشرع، زاد وضوح أن هذا الغموض المدروس لم يسمح له فقط بالبقاء على قيد الحياة لأكثر من عقدين في قلب الحركات الإسلامية المسلحة، بل ساعده على هزيمة الأسد، وقد يكون أيضًا العامل الذي يحدد قدرته على الاحتفاظ بالسلطة عندما يتلاشى وهج النصر الساحق.
ولد أحمد حسين الشرع في أكتوبر 1982 في السعودية، حيث قضى السنوات السبع الأولى من حياته.
يظهر الشرع بنفس التعبير الغامض الخالي من الابتسام الذي يُرى به غالبًا اليوم في صورة نادرة له كطفل، عُثِر عليها في ملف جمعته أجهزة استخبارات الأسد.
تنحدر عائلة الشرع من فِق، وهي منطقة في الجولان المحتل من قبل إسرائيل حاليًا. كان الشراعات من ملاك الأراضي الإقطاعيين الذين، وفقًا لروايات العائلة، يعود نسبهم إلى النبي محمد.
كان جد الشرع تاجرًا معروفًا، شارك في ثورة مسلحة ضد القوات الاستعمارية الفرنسية في جنوب سوريا، أما والده، حسين، فقد سار على خطاه، محتجًا على استيلاء حزب البعث على السلطة عندما كان لا يزال في المرحلة الثانوية.
سُجِن حسين في النهاية ونُفي إلى العراق، حيث التحق بالجامعة، وعندما عاد إلى سوريا بعد سنوات عدة، كانت العائلة قد طُرِدت من فِق على يد القوات الإسرائيلية، ما أجبر الشراع وعائلته على العيش في ظروف أكثر تواضعًا.
ورغم معارضته لحكم عائلة الأسد، أدرك حسين أن بقائه في سوريا يعتمد على التخفيف من حدة خطابه العلني، بعد ان حصل على وظيفة في الدولة وانخرط في السياسة المحلية، لكنه مُنع من التقدم الوظيفي بسبب ماضيه.
انتقل حسين مع أسرته الصغيرة إلى السعودية لفترة من الزمن، حيث عمل في وزارة النفط لمدة عقد، ونشر كتبا عدة بشأن اقتصاديات النفط في الخليج، إلى جانب مقالات جدلية في الصحف الإقليمية.
بعد عودتهم إلى دمشق، اعتاد والدا الشرع تذكير أبنائهما الخمسة وبنتيهما بأنهم، كأبناء لمسؤول حكومي، مُطالَبون بالتحلي بالانضباط، وكان الشرع وإخوته في الغالب على مستوى هذه التوقعات العالية وفقًا لجيران وأصدقاء الطفولة.
يتذكر أصدقاء وجيران الشرع حياته وهو شاب بانه كان يتميز بذكائه الشديد والهدوء، وهي صفات لا تزال تُنسب إليه اليوم.
رغم أن عائلته لم تكن متدينة بشكل خاص، كان الشرع معروفًا بتدينه أكثر من أصدقائه.
قال أحد أصدقاء الطفولة: 'كنا جميعًا نصلي، لكنه كان يحرص على الذهاب إلى المسجد"، وأضاف: 'كان والدانا سعداء جدًا لأن لدينا صديقًا متدينًا، وكانوا دائمًا يقولون إن عقل أحمد كان أنضج من عمره، وكانوا يأملون أن يؤثر ذلك علينا".
روى هذا الشخص قصة عن كيف حاول الشرع، عندما كان مراهقًا، مساعدة صديق ضال 'كان يواجه بعض المشاكل ولم يكن لديه علاقة قوية بالله' حيث حاول الشرع إقناعه بأداء العمرة، 'ظنًا منه أنها قد تساعده'، وعندما وافق الصديق، جمع الشرع المال اللازم لإرساله.
أكد العديد ممن عرفوه أن علاقته بالدين لم تكن متطرفة، حتى أنه كان يصلي في المسجد الشافعي المحلي، الذي كان يفضله شباب الحي لأن إمامه كان أقل تشددًا من غيره.
لكن مع اقترابه من سن الرشد، تغير العالم من حوله.
كان الشرع يقارب 18 عامًا عندما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من 'حرب أمريكا على الإرهاب'، وهي احداث دفعت العديد من الشباب في المنطقة إلى الصحوة السياسية، لا سيما في سوريا، حيث كان الشبان المثاليون والقلقون مثل الشرع يبحثون عن قضية يناضلون من أجلها.
توجه الشرع نحو صف من الحافلات العادية في دمشق قبل حوالي أسبوعين من بدء القصف على بغداد في مارس 2003، حيث كانت الحافلات تصطف عبر الشارع من السفارة الأمريكية، وخارج مسجده المحلي، وفي ساحة العرض بدمشق لأسابيع، وكانت تمتلئ بالمتطوعين من جميع أنحاء العالم العربي، المتجهين إلى العراق لحمل السلاح ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
قرر الشرع، الذي كان يبلغ من العمر عشرين عامًا في ذلك الوقت، الانضمام إليهم، وصعد إلى الحافلة، محاطًا بأشخاص آخرين متحمسين للقتال، وعبر الصحراء في غضون ساعات إلى البلد الذي سيقضي فيه معظم السنوات الثماني التالية.
قال أحد أصدقائه في الطفولة: 'اختفى بين ليلة وضحاها، ولم نره مرة أخرى أبدًا".
كان الشرع قد تأثر بصديق أكبر سنًا في مسجده، والذي تأثر بدوره بخطباء متشددين ازداد نفوذهم مع تصعيد واشنطن لحجتها لغزو العراق.
في ذلك الوقت، انتقل خالد مشعل، الزعيم السابق لحركة حماس، وعدد من الناشطين الآخرين إلى دمشق وبدأوا في الحضور إلى نفس المسجد، مما أضفى عليه طابعًا إسلاميًا أكثر تشددًا، وفقًا لأشخاص عاشوا هناك آنذاك الذين أضافوا أنه قبل مغادرته، بدأ الشرع في ارتداء الجلابية—وهي ثوب فضفاض طويل يصل إلى الكاحل يرتديه الرجال في المناطق الريفية—وأصبحت لحيته أطول، وقد تكون هذه إشارات إلى اهتمام متزايد بالسلفية، وهي حركة إحيائية أصولية داخل الإسلام السني.
بمجرد عبورهم الحدود، استقبلهم جنود عراقيون موالون لصدام حسين، وقدموا لهم بضعة أيام من التدريب على الأسلحة، وكانوا لا يزالون يتدربون عندما سقطت بغداد.
يقول حسام جزماني، الخبير السوري في شؤون الجهادية، ان المجندين السوريين صدموا عندما رأوا العراقيين يحتفلون بسقوط صدام، مما جعله موقفًا محيرًا لأولئك الذين جاؤوا للدفاع عن العراق.
عاد الشراع إلى دمشق بعد فترة وجيزة، لكنه لم يعد مرحبًا به في منزله في المزة، بعد خلافه مع والده، وفقًا لوثائق استخباراتية سورية، لينجذب إلى الدوائر الإسلامية، بالتزامن مع تحول التمرد العراقي من مقاومة بعثية إلى جهادية، وعندما عاد إلى العراق عام 2005، كان ذلك للانضمام إلى تنظيم سلفي جهادي اندمج لاحقًا مع تنظيم القاعدة، وأوضح الشراع لاحقًا أنه أراد فهم مفهوم 'الحرب الشاملة'، لاستخلاص الدروس التي قد يعود بها إلى سوريا يومًا ما.
العديد ممن عرفوا الشرع في العراق إما قُتلوا، أو اختفوا، أو أصبحوا موالين للغاية بحيث لا يناقشون ماضيه دون إذن.
تحدث الشرع عن وقته هناك وعن ارتباطه بالقاعدة بحذر شديد، على الأرجح لأن هذا الجزء من تاريخه هو الأكثر حساسية بالنسبة لأي حلفاء غربيين محتملين.
سأله روري ستيوارت، الدبلوماسي البريطاني السابق الذي دعم غزو العراق وعمل لصالح سلطة الاحتلال المؤقتة هناك، عن تلك الفترة خلال مقابلة في بودكاست في أوائل فبراير، وتجنب الشرع الإجابة بإصرار، مما دفع ستيوارت إلى التعليق على مدى 'غرابة' لقائهما، بالنظر إلى أنهما كانا خصمين في الماضي.
في ذلك الوقت، استهدفت الجماعات المسلحة الوليدة مسؤولين أمميين وسفارات أجنبية ومسؤولين عراقيين، ما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين. كما بدأت باستهداف الكنائس وأماكن العبادة الشيعية. أصرّ الشراع على أنه لم يشارك في أي أعمال أضرت بالمدنيين في العراق، لكن خبراء وأشخاصًا يعرفونه يشيرون إلى أن ذلك يبدو غير مرجح.
بعد بضعة أشهر فقط من بداية جولته الثانية في العراق، ألقت القوات الأمريكية القبض على الشرع، كان وقتها يستخدم هوية مزيفة، لكنه اجتاز اختبار اللهجة الذي يستخدمه المحققون العراقيون والأمريكيون لفرز المقاتلين الأجانب، وأمضى بعدها قرابة ست سنوات في بعض أسوأ سجون العراق سمعة، بما في ذلك سجن أبو غريب ومعسكر بوكا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منظمة غامضة ومرتزقة أجانب ورئيس وزراء بريطاني سابق: خطة أمريكية إسرائيلية للسيطرة على مساعدات غزة
منظمة غامضة ومرتزقة أجانب ورئيس وزراء بريطاني سابق: خطة أمريكية إسرائيلية للسيطرة على مساعدات غزة

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ يوم واحد

  • سواليف احمد الزعبي

منظمة غامضة ومرتزقة أجانب ورئيس وزراء بريطاني سابق: خطة أمريكية إسرائيلية للسيطرة على مساعدات غزة

#سواليف نشرت صحيفة 'فايننشال تايمز' تقريرًا من إعداد نيري زيبلر وميهول سترفاستافا وديفيد شيبرد أشاروا فيه إلى المجموعة التي لا يعرف الكثيرون عنها شيئًا، ومن المقرر أن تسيطر على عمليات توزيع المواد الإنسانية في #غزة. وجاء في التقرير أن أعدادًا من #المرتزقة الأجانب وصلوا إلى إسرائيل للعمل على تنفيذ #خطة مثيرة للجدل، وتحظى بدعم أمريكي، وقد تجبر #الأمم_المتحدة على التخلي عن إدارة واحدة من أسوأ #الأزمات_الإنسانية في العالم. وسمحت إسرائيل، هذا الأسبوع، بدخول 60 شاحنة للقطاع، بعد موجة شجب دولي بسبب #الحصار المطلق على غزة، منذ 3 أشهر، ودفع السكان هناك إلى حافة #المجاعة. حذر توم فليتشر أن خطة 'مؤسسة غزة الإنسانية' تجعل ' #المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية'، و'أنها تجعل من #التجويع ورقة مساومة' لكن الإمدادات الأخيرة، بحسب إسرائيل، هي 'جسر' لآلية دعمتها ودافعت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب. ويتوقع أن تكون هذه الآلية جاهزة بنهاية الشهر الحالي، بحيث تصبح الطريق الوحيد لدخول المساعدات إلى القطاع. وبموجب الخطة، ستوزع 'مؤسسة غزة الإنسانية'، وهي مؤسسة سويسرية غير معروفة، المساعدات في مراكز توزيع يحرسها الجيش الإسرائيلي وشركات خاصة. وإذا أرادت الأمم المتحدة وجهات أخرى توزيع المساعدات، فستحتاج إلى استخدام هذه المواقع، التي يتركز معظمها في جنوب غزة، ما يجبر الفلسطينيين على قطع مسافات طويلة للحصول على الغذاء. ومع ذلك، ومنذ طرحها لأول مرة في بداية مايو/أيار، واجهت مبادرة المساعدات مشاكل متعددة، ويقول أشخاص مطلعون على الخطة، التي تلقت حتى بعض النصائح غير الرسمية من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إنها غير قادرة أو جاهزة لإطعام أكثر من مليوني فلسطيني. وقد أدانت الأمم المتحدة، التي طالما كانت المزود الرئيسي للمساعدات إلى غزة، هذا الترتيب ووصفته بأنه 'غطاء' للتهجير، بينما قال أحد 'أعضاء مجلس الإدارة' في المؤسسة، الذين وردت أسماؤهم في مسودة وثيقة صندوق الإغاثة العالمي، هذا الشهر، لصحيفة 'فايننشال تايمز' بأنهم لم يكونوا أعضاء في المجلس قط. وقال شخص مطلع على البرنامج: 'لقد أصبح الأمر برمّته مدعاة للجدل والسلبية'. وتقول 'مؤسسة غزة الإنسانية' إنها ستوزع 300 مليون وجبة طعام في الأشهر الثلاثة من عملها، وبحسب مسودة الخطة فإنها ستطعم الفلسطينيين بوجبات كلفة الواحدة منها 1.30 دولارًا، بما في ذلك كلفة المرتزقة الأجانب الذين استأجرتهم لحراسة الطعام والمنشآت. لكن لا توجد معلومات واضحة حول كيفية تمويل المؤسسة، ولم تسهم أي دولة أجنبية مانحة في ماليتها حتى نهاية الأسبوع، ما يطرح شكوكًا حول تمويلها ومن أين يأتي الدعم، حسب ثلاثة أشخاص على معرفة بالأمر. وقال شخص مطلع على عمليات 'مؤسسة غزة الإنسانية' إن المانحين التزموا بـ100 مليون دولار على الأقل، لكنه لم يُسمّهم. ومنذ البداية، حاول المشروع استقطاب شخصيات بارزة في عالم العمل الإنساني. وقال ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر، إن بلير تحدث مع ديفيد بيزلي، الرئيس السابق لبرنامج الأغذية العالمي، المدرج في وثيقة لمؤسسة التمويل الإنسانية العالمية كعضو محتمل في مجلس الإدارة، من أجل النظر في الخطة. ولعل ارتباط الخطة ببيزلي، حاكم ولاية نورث كارولينا السابق، الذي أدار برنامج الغذاء العالمي عندما فاز بجائزة نوبل، يعزز مصداقية المشروع الناشئ. ولم يرد بيزلي على الاتصالات والرسائل للتعليق. ورغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي في مؤسسة الغذاء العالمي، إلا أن شخصًا مطلعًا على عملياتها أفاد بأن المؤسسة تجري محادثات معه. وتم ذكر اسم نات موك، مدير المطبخ العالمي، والذي أسهمت جمعيته الخيرية بإطعام مئات الآلاف من الفلسطينيين، قبل أن تنفد الإمدادات بسبب الحصار، كواحد من أعضاء مجلس إدارة 'مؤسسة غزة الإنسانية'، وكونه 'أحد أعضائه المهمين'. ونقلت الصحيفة عن موك قوله إنه 'ليس عضوًا في المجلس'، ولم يقدم مزيدًا من المعلومات. وقال شخص مطلع إن اسم موك 'ظهر في مسودة داخلية، وللأسف تم تسريبها للإعلام'. وأثارت 'مؤسسة غزة الإنسانية' الكثير من الشكوك والأسئلة حول بنيتها الغامضة، وتضم فرعًا سويسريًا أسسه مواطن أرمني، في أوائل شباط/فبراير الماضي، ليس له أي صلة وثيقة بالعمل الإنساني، وفرعًا أمريكيًا ثانيًا للمؤسسة لم يُكشف عن اسمه، إلى جانب أنه لم يُكشف إلا عن القليل من معلومات تمويل المؤسسة. ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية، في الأيام الأخيرة، صورًا لمتعاقدين أمنيين/مرتزقة أجانب يرتدون الزي الكاكي، وهم يهبطون إلى إسرائيل ويتلقون إحاطات، قبل نشرهم لحراسة قوافل المساعدات ومواقع التوزيع. وتشترك شركتان أمنيتان في العمليات، وهما 'سيف سوليوشنز' و'يو جي سوليوشنز'، في الخطة، حيث تم الاستعانة بخدماتهما لإدارة نقاط التفتيش داخل غزة، بداية العام الحالي، وخلال الهدنة القصيرة التي استمرت حتى 18 آذار/مارس. أما المدير التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية فهو جي وود، وهو عضو سابق في وحدات المارينز ويدير وكالة لإغاثة الكوارث 'فريق روبيكون'، فقد قال إن الخطة، وإن لم تكن كاملة، إلا أنها الوحيدة المتوفرة، وبموافقة إسرائيلية. قال متحدث باسم مؤسسة غزة الإنسانية: 'نحن ملتزمون بإيصال المساعدة الإنسانية بطريقة لا تبدو وأنها عسكرية'، و'ستتم عملية التوزيع عبر فرق مدنية فقط'. وأشار إلى مظاهر قلق الأمم المتحدة، لكنها الوحيدة التي يتم من خلالها إيصال المساعدات لغزة الجائعة وبموافقة من إسرائيل. ونفى معهد توني بلير أن يكون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قد قام بتقديم استشارات رسمية نيابة عن الخطة. ورفضت الأمم المتحدة ووكالات أخرى، حتى الآن، المشاركة، بحجة أن إنشاء عدد قليل من مراكز التوزيع الجماعي، معظمها متمركز في جنوب غزة، سيجبر الفلسطينيين الجوعى على جلب عائلاتهم إلى المنطقة القريبة من مصر. وزادت المخاوف من تصريحات بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، التي وصف فيها العملية الأخيرة التي يشنها الإسرائيليون بأنها وسيلة لطرد سكان غزة من القطاع في نهاية المطاف و'تغيير مجرى التاريخ'. وقد حذر توم فليتشر، منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، في كلمة أمام مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، بأن خطة 'مؤسسة غزة الإنسانية' تجعل 'المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية'، و'أنها تجعل من التجويع ورقة مساومة'. لاحظت الصحيفة أن خطة 'مؤسسة غزة الإنسانية' تتوافق بشكل وثيق مع أفكار طرحها الجيش الإسرائيلي وبسبب الانتقادات، حاولت المؤسسة تكييف عملياتها والاستجابة لقلق المؤسسات الدولية، وفي رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، طلبت إنشاء مراكز توزيع إغاثة في الشمال. كما تعهدت بعدم مشاركة معلوماتها عن المتلقين للمساعدات مع أي جهة، ولا يُعرف إن كانت إسرائيل ستوافق على هذه المطالب. وتناقش الولايات المتحدة وإسرائيل أن خطة 'مؤسسة غزة الإنسانية' هي الوحيدة للتأكد من عدم سيطرة 'حماس' على المساعدات، وهي المزاعم التي استخدمت لفرض الحصار، وعدم نجاح إسرائيل في تفكيك سيطرة الجماعة على القطاع. ولاحظت الصحيفة أن خطة 'مؤسسة غزة الإنسانية' تتوافق بشكل وثيق مع أفكار طرحها الجيش الإسرائيلي على مدى العام الماضي، ومنها أفكار طرحت الشهر الماضي، حسب ملاحظات اجتماعات اطلعت عليها الصحيفة. وتدور هذه الأفكار على إنشاء محاور 'مطهرة'، أو معقمة خالية من 'حماس'، حيث يتم توزيع المساعدات. ويتناقض هذا مع نموذج المجتمع الدولي، الذي يتضمن مئات من نقاط التوزيع الأصغر في جميع أنحاء القطاع. وقال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، إن وكالته لم تلاحظ أبدًا تحويلاً 'كبيرًا' للمساعدات من قبل 'حماس'، وألقى باللوم في حوادث النهب على 'اليأس' ونقص الغذاء. وقال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون وغربيون آخرون لصحيفة 'فايننشال تايمز' إن لديهم مخاوف بشأن قواعد الاشتباك التي يتبعها المقاولون في حالة وقوع هجمات من 'حماس'، أو في إدارة حشود الجياع من سكان غزة في مواقع التوزيع، والتي من المفترض أن يخدم كل منها 300,000 شخص. ومع ذلك، تحظى الخطة بدعم كامل من حكومة الولايات المتحدة التي قالت إنه عندما تكون جاهزة للتنفيذ، فستكون المسار الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن 'الرئيس ترامب دعا لحل إبداعي يقود إلى السلام، ويحمي إسرائيل، ويترك 'حماس' خاوية الوفاض، ويوصل المساعدات التي تنقذ الحياة لأهل غزة'.

وزير الخارجية الأميركي يقول إن سوريا تقترب بشكل خطير من اندلاع حرب أهلية شاملة بسبب تدهور الأوضاع الداخلية
وزير الخارجية الأميركي يقول إن سوريا تقترب بشكل خطير من اندلاع حرب أهلية شاملة بسبب تدهور الأوضاع الداخلية

العرب اليوم

timeمنذ 2 أيام

  • العرب اليوم

وزير الخارجية الأميركي يقول إن سوريا تقترب بشكل خطير من اندلاع حرب أهلية شاملة بسبب تدهور الأوضاع الداخلية

دعا وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو ، إلى دعم السلطات الانتقالية في سوريا، محذراً من أن البلاد قد تكون على بُعد أسابيع فقط من "انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية".وفي جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دافع روبيو عن قرار الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي برفع العقوبات عن سوريا قبل لقائه أحمد الشرع - رئيس الفترة الانتقالية في سوريا، والقائد السابق في تنظيم القاعدة الذي قاد هجوماً أطاح ببشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول. وأوضح روبيو أن مبرر ترامب هو أن دولاً أخرى أرادت مساعدة إدارة الشرع وإرسال المساعدات، لكنها كانت متخوفة من العقوبات. ولم يصدر أي تعليق فوري من دمشق على تصريحات الخارجية الأمريكية. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سوريا رداً على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الموالية للأسد خلال الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد على مدى 13 عاماً، وقُتل فيها أكثر من 600 ألف شخص وأُجبر 12 مليوناً آخرين على النزوح من ديارهم. كما أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أصرت سابقاً على استيفاء دمشق لعدة شروط قبل رفع العقوبات عنها، بما في ذلك حماية الأقليات الدينية والعرقية. ورغم وعد الشرع بذلك، إلا أن البلاد شهدت موجتين من العنف الطائفي المميت في الأشهر الأخيرة. ففي مارس/آذار، قُتل ما يقرب من 900 مدني، معظمهم من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، على يد القوات الموالية للحكومة في جميع أنحاء المنطقة الساحلية الغربية خلال معارك بين قوات الأمن والموالين للنظام السابق، وفقاً لإحدى مجموعات الرصد. وأفادت التقارير بأن الموالين للنظام السابق قتلوا ما يقرب من 450 مدنياً و170 من أفراد الأمن. وفي مطلع مايو/أيار، أفادت التقارير بمقتل أكثر من 100 شخص في اشتباكات بين مسلحين من الأقلية الدرزية وقوات الأمن الجديدة ومقاتلين من الجماعات الإسلامية المتحالفة معها في ضاحيتين في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء الجنوبية. وحتى قبل اندلاع أعمال العنف، كان العديد من أبناء الأقليات قلقين بشأن السلطات الانتقالية الجديدة، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، التي يقودها الشرع. وهي جماعة كانت تتبع في السابق لتنظيم القاعدة، وتصنفها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كمنظمة إرهابية. كما لا يزال الشرع نفسه مُدرجاً في قائمة الولايات المتحدة "للإرهابيين العالميين المُصنفين بشكل خاص"، على الرغم من أن إدارة بايدن أعلنت في ديسمبر/كانون الأول أن الولايات المتحدة ستلغي مكافأة الـ"عشرة ملايين دولار"، التي خصصتها لمن يساعد في اعتقاله. وعلى الرغم من ماضي الشرع، انتهز ترامب الفرصة لمقابلته أثناء حضوره قمة قادة الخليج في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي. وبعد اللقاء، وصفه الرئيس الأمريكي في تصريح للصحفيين بأنه "شاب جذاب"، مضيفاً أنه"رجلٌ قوي. له ماضٍ قوي. ماضٍ قويٌّ جداً. ومقاتل". وقال "لديه فرصة حقيقية لتوحيد سوريا"، مضيفاً "أنها دولة مُمزّقة". في غضون ذلك، قال الشرع إن قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا "كان قراراً تاريخياً وشجاعاً، يُخفف معاناة الشعب، ويُساهم في نهضته، ويُرسي أسس الاستقرار في المنطقة". وفي حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في العاصمة الأمريكية واشنطن، الثلاثاء، قال روبيو مازحاً "الخبر السيء هو أن شخصيات السلطة الانتقالية. لم يجتازوا فحص خلفياتهم، الذي عادة ما يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي". وأضاف "لكن من ناحية أخرى، إذا تواصلنا معهم، فقد ينجح الأمر، وقد لا ينجح. في حين إذا لم نتواصل معهم، فمن المؤكد أن الأمر لن ينجح". وقال روبيو: في الواقع، نعتقد، وبصراحة، أن السلطة الانتقالية، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها، على بُعد أسابيع، وليس أشهر، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية، أي تقسيم البلاد. ولم يُفصّل الوزير، لكنه قال إن أقليات سوريا "تعاني من انعدام ثقة داخلي عميق. لأن الأسد حرّض هذه الجماعات عمداً على بعضها البعض". وأضاف أن ترامب قرر رفع العقوبات عن سوريا بسرعة لأن "دول المنطقة ترغب في إيصال المساعدات، وتريد البدء بمساعدتها. لكنها لا تستطيع ذلك خوفاً من عقوباتنا". وفي سياق متصل، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أيضاً. وكتبت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على منصة إكس "نريد مساعدة الشعب السوري في إعادة بناء سوريا جديدة، شاملة، وسلمية". وأضافت "لطالما وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب السوريين على مدار السنوات الأربع عشرة الماضية، وسيواصل ذلك". وقالت وزارة الخارجية السورية إن القرار يمثل "بداية فصل جديد في العلاقات السورية الأوروبية المبنية على الرخاء المشترك والاحترام المتبادل". قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

عن اختلاف نظرة العرب والغرب لـ'حماس' و'الهيئة'
عن اختلاف نظرة العرب والغرب لـ'حماس' و'الهيئة'

وطنا نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • وطنا نيوز

عن اختلاف نظرة العرب والغرب لـ'حماس' و'الهيئة'

كتب: عريب الرنتاوي تَطرح الحفاوة العربية والدولية التي قوبل بها قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، سؤالاً جوهرياً، حول الأسباب التي دفعت عواصم عربية ودولية عدة، إلى الانفتاح على 'هيئة تحرير الشام' التي تتولى إدارة المشهد الانتقالي في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، في الوقت الذي ما زالت توصِد فيه أبوابها، في وجه 'حركة المقاومة الإسلامية-حماس'، وتحتفي بتصفية قادتها، وتصنفها حركة إرهابية، بل وتبدي بزعامة واشنطن، تأييداً معلناً حيناً، ومضمراً في أغلب الأحيان، لصيحات اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً، الداعية إلى تصفية الحركة وتفكيكها؟ مع أن عودة سريعة إلى تجربة الحركتين في العقود الفائتة، تظهر أرجحية حماس وأفضليتها على الهيئة في ميزان التطرف والاعتدال، فالحركة، وإن كانت مرجعيتها الفكرية والعقائدية، إخوانية بامتياز، إلا أنها في سلوكها وبرنامجها تنتمي إلى حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وليس 'الجهاد العالمي' من ضمن أجندتها، بخلاف الهيئة، التي نشأت من رحم 'سلفية جهادية'، ومرّ قادتها، ومنهم أحمد الشرع، بمختلف 'طبعاتها' 'الزرقاوية' والداعشية والقاعدية، قبل أن تخضع لمسار طويل من التحولات وإعادة التكيف والتكيّف، لتصل إلى ما انتهت إليه في سوريا. بهذا المعنى، ثمة دماء أميركية وغربية كثيرة، على أيدي التنظيمات الجهادية، وإن كانت بالطبع، أقل من دماء السوريين والعراقيين واللبنانيين، لكننا لم نعرف عن إسرائيلي واحد، تم 'تحييده' على أيدي هؤلاء، بخلاف حركة حماس التي 'حيّدت' كثيراً من الإسرائيليين في عملياتها المختلفة، وبالذات في عامي 'الطوفان'، ولم يُسجل عليها 'جهاد' في 'دار الحرب'، وكل غربي أو أميركي سقط بفعل عملياتها، إمّا أنه كان 'مزدوج الجنسية' أو سقط كـ'عرض جانبي' في عمليات استهدفت الإسرائيليين، وفي 'إسرائيل' حصراً. يعيدنا ذلك إلى ما سبق أن قلناه مراراً وتكراراً في السنوات الماضية: الغرب، والولايات المتحدة بخاصة، يمكن أن يغفر لمن أزهق أرواح مواطنيه، بيد أنه لا يغفر لمن يزهق روحاً إسرائيلية واحدة، ما لم تمنحه تل أبيب 'الصفح' و'صك الغفران'، كما حصل مع فصائل الحركة الوطنية التي انتقلت مع 'أوسلو'، من خنادق 'الكفاح المسلح' إلى موائد التفاوض، خلعت 'الفوتيك' و'السفاري' لترتدي أفخر الملابس الغربية. لكن ذلك، على أهميته، لا يفسر ظاهرة الانفتاح المتسارع على 'الهيئة' والشيطنة المستمرة لـ 'الحركة'…بالتأكيد ثمة عوامل أخرى، أكثر أهمية، تدخل في حسابات هذه الأطراف، بعضها يعود إلى تحولات الهيئة ذاتها، وبعضها الآخر مستمد من موقع سوريا ومكانتها، من دون أن ننسى أثر التدخلات من عواصم الإقليم، التي لطالما استمرأت التعاون مع السلفية الجهادية، وناصبت الإخوان عداءً ظاهراً أو مستتراً، قبل عشرية الربيع العربي، وبالأخص بعدها. أثر 'العامل الإسرائيلي' التحولات في مواقف 'الهيئة' جاءت متسارعة على نحو أذهل أصدقاءها وخصومها على حد سواء، لعل أهمها على الإطلاق، إبداء قدر هائل من التهافت لـ'طمأنة' 'إسرائيل' والغرب، بأن 'سوريا الجديدة' ترغب في سلام مع 'تل أبيب'، وأن التطبيع معها، مُدرج في جدول أعمالها، وأن لحظة صعودها في العربة الخامسة للقطار الإبراهيمي تنتظر التوقيت المناسب… ذهب 'جهاديو الأمس' أبعد من ذلك، ولم تكن لديهم مشكلة بعد أقل من نصف عام على توليهم السلطة، في الانخراط في مفاوضات مباشرة مع 'إسرائيل'، في باكو، وثمة من يقول في 'إسرائيل' ذاتها، بوساطة تركية 'مجربة'، وأحياناً بتدخل خليجي 'إبراهيمي' فعّال. أدرك الشرع وصحبه، أن الطريق إلى 'قلب الغرب' يمر بـ'المعدة الإسرائيلية'، رغم أنها مستعدّة دوماً لابتلاع وهضم المزيد من التنازلات، ورغم أنها لا تعرف الشبع أبداً، إذ كلما ظننا أنها امتلأت، تقول: هل من مزيد… بسط السيادة الإسرائيلية على الجولان، لم يعد كافياً، إخراجها في دائرة التفاوض، هو شرط إسرائيلي يرتقي إلى مستوى 'الخط الأحمر'… تدمير البنى العسكرية السورية وعدم تمكين دمشق من إعادة بناء قدارتها، هو 'أحط أحمر ثانٍ'، لا تراجع عنه، حتى مع الجيش الجديد، الذي فرضت قيوداً صارمة على حركته وانتشاره وتسلحه جنوب دمشق، وفي المحافظات الجنوبية الثلاث… احتلال مساحات 'نوعية' مهمة من الأرض السورية، كأعالي قمم الجبال ومساقط المياه، من جبل الشيخ إلى حوض اليرموك، كل ذلك سيصبح حقاً مكتسباً تحت ذريعة 'عدم تكرار سيناريو السابع من أكتوبر'، 'حلف الأقليات' وتقديم 'إسرائيل' نفسها 'حامية حمى' لها، بات في عداد 'الأمر الواقع'، الذي أسهم في إنعاش هويات ثانوية، وشجع على مطالب الانفصال والإدارة الذاتية شمالاً وجنوباً، وربما ساحلاً في مرحلة لاحقة. والمفارقة اللافتة، أنه كلما استعجلت دمشق إنجاز 'تفاهمات مرّة' مع 'تل أبيب'، استأخرتها الأخيرة، فهي معنية أولاً بالتوصل إلى تفاهمات مع أنقرة للوصول إلى 'آلية لتفادي الاحتكاك'، أما التفاهمات مع دمشق، فتأتي تالياً، بل وتتعمد 'تل أبيب' أن تقابل المحاولات السورية تبريد الجنوب، بتصريحات تكرر انعدام الثقة' بالشرع وقيادته، وتسخر من محاولات وزير خارجيته المتكررة التواصل مع الإسرائيليين، كما تقول صحافة عبرية، وتنقل عن مسؤولين إسرائيليين، ضيقهم بالمكالمات السورية المزعجة التي لا يردون عليها. هذا عامل بالغ الأهمية والخطورة، ولا مكان هنا للمقارنة بين مواقف وسلوك حركة المقاومة الإسلامية – حماس من 'إسرائيل' ومواقف 'الهيئة' منها، لا قبل الثامن من ديسمبر، ولا بعده، وبالأخص مذ أن تولى السيد الشرع، مقاليد حكم شبه مطلق في دمشق، ولنا أن نتخيل أي ديناميات كانت حماس ستطلقها في علاقاتها مع العرب والغرب، وحتى مع 'إسرائيل'، لو أنها تبنّت الخطاب والسردية اللذين تبنتهما الإدارة السورية الجديدة. هل هي انحناءة تكتيكية تُمليها 'التركة الثقيلة' التي خلفها النظام الراحل وسنوات الحرب المديدة والمريرة في سوريا وعليها، أم أننا أمام 'استراتيجية' جديدة لسوريا، وقد استكملت مشوار انتقالاتها وتحولاتها؟ … بعض أصدقاء النظام الجديد، خصوصاً من أنصار المدارس 'الإسلامية'، يروجون فرضية 'الانحناءة' ولا يجدون سوى 'النوايا الطيبة الخبيئة' للنظام الجديد لإضفاء 'الجدية' على رهاناتهم، مع أنهم هم أنفسهم، الأكثر ترديداً لعبارة 'الطريق إلى جهنم معبّد بالنيات الطيبة'… بعض المراقبين، ومنهم من يتمنى الخير لتجربة الانتقال في سوريا، يرى أن طريقاً كهذا، عادة ما يكون 'ذا اتجاه واحد'، لا عودة فيه أو عنه، إلا في حالة واحدة: انقلاب المشهد من جديد في سوريا. أثر 'العامل الإيراني' وثمة عامل آخر، لا يقل أهمية عن 'العامل الإسرائيلي' الذي ميّز 'حماس' عن 'الهيئة'، ويتعلق باختلاف المواقف والمواقع من إيران ومحورها، فحماس انخرطت في علاقة مع طهران وحزب الله وبقية القوى الحليفة والرديفة، وهذه حقيقة، لا يمكن إنكارها بعد أن 'ثمّنها' قادة حماس الميدانيين والسياسيين أنفسهم، كما أنه لا يجوز المبالغة في تضخيمها إلى الحد الذي يدفع بدوائر إسرائيلية، وأخرى عربية ودولية، للزعم بأن 'الحركة' تحوّلت إلى 'ذراع' إيرانية… لا الإنكار ولا المبالغة نجحا في نزع هوية حماس كحركة تحرر وطني فلسطينية، وإن بمرجعية إسلامية (إخوانية)، ولا يقللان من قدرتها على اتخاذ قرارها المستقل، بمعزل عن المحور أو من دون علمه كما في السابع من أكتوبر، أو حتى بالضد من رغباته ومصالحه، كما في خروج الحركة من سوريا في بواكير أزمتها، وانتهاج خط مغاير حيالها، خارج عن إجماع المحور ومكوناته. الغرب، وتحديداً واشنطن ، 'إسرائيل' وكثرة من العرب، وضعوا نصب أعينهم جميعاً، هدف إخراج إيران من سوريا، وتدمير 'أذرع' طهران في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وسبق لهذه الأطراف، حتى قبل عشرية الربيع العربي، أن عملت بنشاط، من أجل 'إعادة توجيه السلفية الجهادية' من استهداف 'الخطر الشيوعي' كما في أفغانستان، إلى التصدي لـ'الخطر الشيعي' في محوره، وثمة وقائع وأحداث في هذه الدول، تدلل على ذلك، وحين يقول آخر سفير أميركي في سوريا جيمس جيفري، بأن علاقات بلاده مع الشرع والهيئة سابقة للتغيير في سوريا، وأن الاتصالات كانت قائمة بين الطرفين، وأن واشنطن وفرت الحماية لهما في مراحل معينة، ومنعت داعش حيناً ونظام الأسد أحياناً، من الانقضاض عليه في 'إدلب'، فمعنى ذلك أن ثمة 'علاقة عمل' يمكن أن تنشأ بين هذه المدرسة 'الجهادية' وذاك 'التحا…

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store