logo
"تشات جي بي تي" ليس روبوت المحادثة الوحيد الذي يكتسب مستخدمين

"تشات جي بي تي" ليس روبوت المحادثة الوحيد الذي يكتسب مستخدمين

العربية٠٢-٠٤-٢٠٢٥

قد يكون "تشات جي بي تي" من "OpenAI" تطبيق روبوتات الدردشة الأكثر شعبية في العالم.
لكن الخدمات المنافسة تكتسب زخمًا، وفقًا لبيانات من شركتي التحليلات "Similarweb" و"سنسور تاور".
سجلت شركة Similarweb، التي تُقدّر حركة الزيارات إلى مواقع الويب، بما في ذلك تطبيقات الويب الخاصة بروبوتات الدردشة، ارتفاعًا ملحوظًا في استخدام برامج مثل "جيميناي" من "غوغل" و"Copilot" المدعوم من "OpenAI" من "مايكروسوفت"، بحسب تقرير نشره موقع "تك كرانش" واطلعت عليه "العربية Business".
وارتفعت حركة زيارات "جيميناي" إلى 10.9 مليون زيارة يومية متوسطة عالميًا في مارس، بزيادة قدرها 7.4% على أساس شهري، بينما ارتفعت الزيارات اليومية إلى "Copilot" إلى 2.4 مليون زيارة، بزيادة قدرها 2.1% عن فبراير.
أفادت شركة Similarweb أن متوسط ​​عدد زيارات روبوت الدردشة "كلود" التابع لشركة أنثروبيك بلغ 3.3 مليون زيارة يوميًا في مارس، بينما تجاوز روبوت الدردشة التابع لمختبر الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك" عدد زياراته في الشهر نفسه بـ 16.5 مليون زيارة.
في الوقت نفسه، حقق روبوت الدردشة "غروك" التابع لشركة xAI، والذي لم يُطلق تطبيقه إلا قبل بضعة أشهر، متوسط ​​عدد زيارات الويب اليومية نفسه الذي حققه روبوت الدردشة التابع لشركة ديب سيك نحو 16.5 مليون زيارة.
الأرقام ضئيلة مقارنةً بـ "تشات جي بي تي"، الذي تجاوز عدد مستخدميه النشطين أسبوعيًا 500 مليون في أواخر مارس.
مع ذلك، أشار ديفيد كار، المحرر في "Similarweb"، إلى وجود منافسة شرسة على المركز الثاني بين برامج الدردشة الآلية.
قال كار: "في مارس، احتلت منصة ديب سيك المركز الثاني، على الرغم من انخفاض عدد الزيارات بنسبة 25% مقارنةً بشهر فبراير، بناءً على عدد الزيارات اليومية".
وأضاف: "ظهرت منصة ديب سيك الصينية فجأةً في يناير، لكن منصة الذكاء الاصطناعي التي تشهد أكبر زخم حاليًا هي غروك من شركة xAI التابعة لإيلون ماسك، حيث ارتفعت نسبة الزيارات بنسبة تقارب 800% شهريًا".
وقد ساهمت تطبيقات الدردشة الآلية التي تقدمها شركات الذكاء الاصطناعي في زيادة قواعد مستخدميها أيضًا، وربما كان ذلك مدفوعًا بإصدارات نماذج الذكاء الاصطناعي الأخيرة.
وفقًا لمقاييس شركة تحليل بيانات التطبيقات "سينسور تاور"، شهد تطبيق "كلود" زيادة أسبوعية بنسبة 21% في عدد المستخدمين النشطين أسبوعيًا خلال أسبوع 24 فبراير، عندما أطلقت "أنثروبيك" أحدث نموذج رائد للذكاء الاصطناعي، "كلود 3.7 سونيت".
قبل أسبوعين، وبعد فترة وجيزة من إتاحة "غوغل" لنموذج "جيميني 2.0 فلاش" للجميع، ارتفع عدد المستخدمين النشطين أسبوعيًا لتطبيق "جيميني" بنسبة 42%.
أبراهام يوسف، كبير محللي الرؤى في شركة سنسور تاور عزا هذا النمو ليس فقط إلى النماذج الجديدة، بل أيضًا إلى الإمكانيات الجديدة.
ففي الشهر الماضي فقط، أضافت "غوغل" ميزة "canvas" إلى منصة "جيميناي" والتي تتيح للمستخدمين معاينة مخرجات مشاريع البرمجة، كما أضافت "أنثروبيك" أدواتٍ باستمرار إلى عميلها "كلاود".
وقال يوسف: "إن طرح نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة الشهيرة، وزيادة اهتمام المستهلكين بهذا المجال، وإدخال العديد من الميزات والوظائف الجديدة، والعدد المتزايد من حالات الاستخدام الفريدة، كل ذلك دفع نمو المستخدمين لتطبيقات روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي".
لكن يبدو أن " OpenAI" لم تُصب بالذعر بعد.
أشار يوسف إلى أن "تشات جي بي تي" كان لديه عشرة أضعاف عدد المستخدمين النشطين أسبوعيًا لتطبيقات الهاتف المحمول مقارنةً بـ "جيميناي" و"كلاود" مجتمعين اعتبارًا من مارس.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشكلة بطارية تؤثر على هواتف بيكسل بعد تحديث مايو
مشكلة بطارية تؤثر على هواتف بيكسل بعد تحديث مايو

العربية

timeمنذ 8 ساعات

  • العربية

مشكلة بطارية تؤثر على هواتف بيكسل بعد تحديث مايو

اشتكى مستخدمون لهواتف بيكسل من غوغل من استنزاف شحن البطارية بعد تحديث للهواتف خلال شهر مايو الجاري. وبدأ تحديث مايو 2025 لهواتف بيكسل بالظهور في وقت سابق من هذا الشهر، ولم يتضمن تغييرات كبيرة، بل بعض الإصلاحات والتعديلات البسيطة. ومع ذلك، فقد تسبب التحديث في مشكلات لكثير من المستخدمين في ما يتعلق بعمر البطارية، إذ تتزايد الشكاوى منذ صدوره عن استنزاف البطارية سريعًا بعد تثبيته، بحسب تقرير لموقع "9TO5Google" المتخصص في أخبار التكنولوجيا، اطلعت عليه "العربية Business". ويشتكي المستخدمون أيضًا، على منتدى دعم غوغل ومنتدى فرعي لهواتف بيكسل على منصة "ريديت"، من ارتفاع درجة حرارة هواتفهم. ويبدو أن هذه المشكلة تؤثر على جميع هواتف بيكسل، بداية من "بيكسل 6" الصادر عام 2021 وحتى أحدث جيل وهو "بيكسل 9". وبدون سبب واضح، يصعُب تحديد سبب المشكلة، لكن نظرًا لتأثر مستخدمين كُثر بوضوح، قد تضطر "غوغل" للنظر في الأمر وإصدار تحديث في أسرع وقت ممكن. وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها مستخدمو هواتف بيكسل مشكلات في الآونة الأخيرة، فبعد تحديث مارس، لاحظ المستخدمون أن الأجهزة تعمل بشكل غريب، وشمل ذلك تقلبات في مستوى السطوع، ومشكلات في الصوت والاهتزاز.

مفارقات عالم محوره التكنولوجيا
مفارقات عالم محوره التكنولوجيا

Independent عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • Independent عربية

مفارقات عالم محوره التكنولوجيا

في فبراير (شباط) 2022، ومع تقدم القوات الروسية نحو كييف، واجهت الحكومة الأوكرانية نقطة ضعف حرجة، حيث كانت شبكات الإنترنت والاتصالات تتعرض للهجوم وكان من المتوقع أن يُعزل الجنود والقادة عن الاتصال قريباً، وحينئذ تقدم نحوهم إيلون ماسك، الرئيس الفعلي لشركات "تيسلا" و"سبايس إكس" و"إكس"، و"إكس إيه آي" XAI، و"بورينغ كومباني" Boring Company [المتخصصة بالإنشاءات] و"نيورالينك" Neuralink [تعمل في ربط الجهاز العصبي بالأدوات الذكية]. وخلال أيام نشرت "سبايس إكس" في أوكرانيا آلاف أجهزة ربط الاتصالات المخصصة لشبكة "ستارلينك" Starlink؛ وشغلت خدمات الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية من دون مقابل. واُمتدح ماسك كبطل استطاع إبقاء ذلك البلد على اتصال مع خطوط الإنترنت، لكن هذا التدخل الشخصي من الملياردير واعتماد كييف عليه لم يكن بلا تبعات، فبعد أشهر طلبت أوكرانيا من "سبايس إكس" توسيع تغطيتها كي تشمل شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا لتنفيذ هجوم بالطائرات المسيرة بحرية ضد أهداف بحرية روسية، غير أن ماسك رفض ذلك متذرعاً بأن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد كبير في الحرب، وحتى مناشدات الـ "بنتاغون" باسم أوكرانيا لم تنجح في تغيير موقفه، وهكذا فإن مواطناً غير منتخب ولا يخضع لأية مساءلة تمكن منفرداً من إحباط عملية عسكرية في منطقة حرب نشطة، كاشفاً في الوقت نفسه عن مدى محدودية سيطرة الحكومات على قرارات مصيرية تؤثر في أمن شعوبها ودولها. لقد قدم ذلك مثالاً حياً عن عالم باتت "التكنولوجيا قطبه الفعلي"، فالقيادي التكنولوجي لم يقتصر دوره هنا على التأثير في أسواق الأسهم بل يسيطر أيضاً على جوانب من المجتمع المدني والسياسة والشؤون الدولية، وهي مجالات كانت تقليدياً حكراً على الدول، وخلال العقد الماضي أدى صعود مثل هؤلاء الأفراد والشركات التي يتحكمون بها إلى تغيير النظام العالمي الذي ظل طوال ما يقارب 400 عام منذ "صلح وستفاليا" يُبنى على الدول بوصفها اللبنات الأساس للجغرافيا السياسية، وقد وصفت بنية هذا النظام، في معظم تلك المدة، بأنها أحادية القطب أو ثنائية أو متعددة الأقطاب تبعاً لتوزيع القوة بين الدول، غير أن العالم دخل منذ ذلك الحين ما يمكن تسميته بـ "اللحظة التكنولوجية القطبية"، وهو مصطلح استخدمته في مجلة "فورين أفيرز" عام 2021 لوصف نظام ناشئ "تنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى الدول من حيث التأثير الجيوسياسي"، فقد أصبحت هذه الشركات جهات فاعلة قوية على الساحة الجيوسياسية، تمارس شكلاً من أشكال السيادة في الفضاء الرقمي، وفي العالم المادي على نحو متزايد، مما يجعلها نداً محتملاً للدول. في عام 2021 بدا أن نفوذ تلك الشركات يتجه نحو مزيد من التوسع، وقد ازداد بالفعل خلال الأعوام الثلاث الماضية، وكان رأيي آنذاك بأن الحكومات لن تتخلى عن مواقعها من دون مقاومة، ومنذ ذلك الحين احتدم الصراع من أجل السيطرة على الفضاء الرقمي، لكن ميزان القوى بين شركات التكنولوجيا والدول شهد تغيرات مفاجئة، وما يتبلور الآن نتيجة لهذا الصراع لا يشبه أياً من السيناريوهات التي توقعتها في البداية، فهو ليس نظاماً رقمياً معولماً تنتزع فيه شركات التكنولوجيا السيطرة من الدولة، ولا حرباً باردة رقمية بين الولايات المتحدة والصين تعيد فيها الحكومات بسط سلطتها على الفضاء الرقمي، ولا عالماً تكنولوجياً قطبياً بالكامل تنهار فيه هيمنة الدول على يد شركات التكنولوجيا. وإذ لم يتحقق انتصار حاسم للدول على الشركات أو العكس، يتجه المستقبل نحو شكل هجين أكثر تعقيداً، نظام مزدوج تتقابل فيه الولايات المتحدة ذات القطب التكنولوجي، حيث يزداد تأثير الشركات التكنولوجية الخاصة في رسم السياسات الوطنية، مع الصين ذات النزعة الدولتية، حيث فرضت الحكومة سيطرة كاملة على فضائها الرقمي، أما معظم دول العالم الأخرى فستتعرض لضغوط تدفعها إلى الانحياز على مضض لأحد القطبين، لكن مع افتقار النموذجين إلى المساءلة الديمقراطية وضمان الحريات الفردية، تبدو المفاضلة أقل وضوحاً مما قد يبدو عليه الأمر، وبينما تندمج السلطة التكنولوجية مع سلطة الدولة في كل مكان، لم يعد السؤال ما إذا كانت شركات التكنولوجيا ستنافس الدول على النفوذ الجيوسياسي، بل ما إذا كانت المجتمعات المنفتحة قادرة على الصمود أمام هذا التحدي. ترسيخ القطبية التكنولوجية في أواخر عام 2021 كانت صناعة التكنولوجيا في أوج صعودها، فالشركات التي تسيطر على المنصات التكنولوجية الكبرى بلغت ذروة نفوذها، وتعهد مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ بإنشاء "ميتافيرس" متكامل يتيح عالماً موازياً غامراً بالكامل وخالياً من القيود التي تفرضها الحكومات أو العالم الواقعي، وفي الوقت نفسه بدأت العملات المشفرة مثل "بيتكوين" و"إيثيريوم" في الانتشار واعدة ببديل لا مركزي فعال لسلطة الحكومات على الأنظمة المالية وأنظمة الدفع، وقد دفع تفشي جائحة كورونا الناس إلى قضاء وقت أطول على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى مما كرس تأثير التكنولوجيا، إذ أصبحت المنصات الرقمية أساساً للعمل والتعليم والترفيه والتواصل الإنساني. وشهدت الفترة نفسها تسارعاً في ترسيخ الاعتماد على الأدوات الرقمية، وجعلت من شركات التكنولوجيا محوراً لا غنى عنه في الحياة الخاصة والاجتماعية والاقتصادية والمدنية، ومع تنامي حاجة العالم إلى الاتصال الرقمي باتت القرارات التي تتخذ داخل مجالس إدارات تلك الشركات، من إطلاق المنتجات إلى آليات عمل الخوارزميات وصولاً إلى قواعد النشر والرقابة، هي التي تحدد ما يراه ويسمعه مليارات البشر، وتؤثر في مساراتهم المهنية والاجتماعية، بل وتعيد تشكيل أنماط تفكيرهم. غير أن شركات التكنولوجيا الكبرى لم تكتف بتوسيع نفوذها داخل حدود العالم الافتراضي بل امتدت سيطرتها إلى الواقع المادي، إذ تحولت منتجاتها وخدماتها إلى بنى تحتية أساس لا غنى عنها، فمراكز البيانات والحوسبة السحابية والأقمار الاصطناعية وأشباه الموصلات وأدوات الأمن السيبراني أصبحت العمود الفقري لاقتصادات الدول وجيوشها وحكوماتها، وقد تجلت هذه التحولات بوضوح منذ اللحظات الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، فلولا تدخل شركات أميركية مثل "سبايس إكس" و"مايكروسوفت" و"بالانتير" بتمكين الاتصالات والتصدي للهجمات الإلكترونية وتحليل المعلومات الاستخباراتية وتشغيل الطائرات المسيرة، لكانت روسيا قادرة على فصل أوكرانيا عن العالم وشل بنيتها القيادية، وربما السيطرة على العاصمة خلال أيام، ولو حدث ذلك فلربما خسرت أوكرانيا الحرب منذ أسبوعها الأول. لم يعد الطموح التكنولوجي مقتصراً على تجاوز الدولة بل بات يسعى اليوم إلى السيطرة عليها غير أن الحكومات سرعان ما أدركت هشاشة الوضع، فقد كشفت حادثة "ستارلينك" في القرم، كما أظهرت أزمة سلاسل التوريد خلال الجائحة، مدى خطورة الاعتماد على عدد محدود من الشركات العملاقة في توفير خدمات وإمدادات حيوية، فقرار فردي من مدير تنفيذي واحد، أو خلل في نقطة مفصلية، قد يفضي إلى نتائج كارثية، ولمواجهة هذا الواقع شنت الدول هجوماً مضاداً، ففي عام 2022 أُطلقت موجة من التشريعات والإجراءات التنظيمية استهدفت شركات التكنولوجيا الكبرى وتناولت قضايا مثل الهيمنة السوقية وضبط المحتوى وحماية الخصوصية وحقوق المستخدمين، وأقر الاتحاد الأوروبي قانوني الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية، وهما من أكثر المبادرات طموحاً للحد من تغول شركات التكنولوجيا، أما الولايات المتحدة فشهدت دعاوى بارزة لمكافحة الاحتكار وتشريعات على مستوى الولايات وتحقيقات رقابية من الكونغرس، كما لحقت بها دول مثل الهند وجنوب أفريقيا، فيما صعدت المملكة المتحدة والبرازيل ودول أخرى إجراءاتها الرقابية ضد المنصات الكبرى، ومع ذلك بقيت هذه الجهود محدودة الأثر، إذ ظلت السيطرة الحقيقية على الفضاء الرقمي في يد الشركات لا الحكومات، فهي التي تضع القواعد وتنفذها وتتحكم بمسار العملية. وفي أواخر عام 2022 تعمق نفوذ شركات التكنولوجيا أكثر مع إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية الضخمة وما تبع ذلك من طفرة واسعة في هذا المجال الحيوي، وكانت هذه القفزة التكنولوجية كفيلة بتكريس تفوق القطاع الخاص على الدول، إذ يتطلب تطوير وتشغيل هذه الأنظمة موارد هائلة من الطاقة الحاسوبية وكميات ضخمة من البيانات وخبرات هندسية متخصصة، وهي موارد متركزة لدى عدد محدود جداً من الشركات، ووحدها هذه الجهات تعرف حدود إمكانات نماذجها وتتحكم في كيفية استخدامها وأين؟ ولصالح من؟ وحتى لو وُضعت أنظمة حوكمة مناسبة لضبط ما هو قائم من تكنولوجيا فإن وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي المتسارعة كفيلة بتجاوز تلك الأطر بسرعة فائقة. ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي وإمساكه بدور أكثر محورية بالنسبة إلى الاقتصاد والجيش والتنافس الجيوسياسي، ستتنامى سيطرة الشركات التكنولوجية الكبرى لتصبح أقوى الفاعلين على المسرح الدولي. انتقام الدولة الوطنية في مقابل توسع نفوذ الشركات عادت الجغرافيا السياسية التقليدية للواجهة بقوة، فقد تضافرت عوامل عدة ومنها تصاعد النزعة الحمائية بدفع من رد الفعل الشعبوي ضد العولمة، والدفع بعد الجائحة لتحقيق أمن اقتصادي، والصدمة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل كل شيء تصاعد التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين لتقوض وهم وجود منظومة تكنولوجية عالمية متكاملة. وفي واشنطن بدأت محاولات كبح جماح التطور التكنولوجي الصيني من خلال فرض قيود دقيقة وموجهة على الصادرات والاستثمارات في عدد محدود من التقنيات المتقدمة الحساسة إستراتيجياً، فيما سمته إدارة بايدن "فناء صغيراً بسياج عال"، غير أن هذه الحملة توسعت سريعاً لتشمل طيفاً متسعاً من القيود على عدد هائل من السلع ذات الاستخدام المزدوج، وحتى البيانات اليومية البسيطة باتت تُعد مسألة أمن قومي، شأنها شأن التطبيقات والأجهزة التي تولدها، ومنصات التواصل الاجتماعي والسيارات الكهربائية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية كلها جُرت إلى دوامة ما يُعرف بـ "خفض الأخطار"، مع سعي صانعي السياسات الأميركيين إلى الحد من وصول الصين إلى أي تكنولوجيا قد تمنحها تفوقاً في المنافسة التقنية، وهكذا اندمجت المصالح الاقتصادية والأمنية، وأصبح التشظي التكنولوجي، إن لم يكن فك الارتباط الكامل مع الصين، هو الوضع الطبيعي الجديد. وفي الوقت ذاته عاد دور الدولة الصناعية للواجهة، إذ ضخت الحكومات الغربية مليارات الدولارات في برامج دعم لبناء قدرات إستراتيجية محلية، لكن هذه الحوافز كانت مشروطة "ابن في الداخل وتخل عن الصين وإلا فستخسر الدعم الأميركي"، ومع فرض واشنطن قيوداً على أشباه الموصلات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتشديد بكين قبضتها على المعادن الحيوية، بدأت سلاسل الإمداد في الانقسام وتباطأت حركة البيانات عبر الحدود. وقد قوض هذا التراجع في العولمة الرقمية والمادية نموذج الأعمال العالمي الذي تبنته شركات مثل "أبل" و"تيسلا" والذي كان يقوم على الأسواق المفتوحة وسلاسل الإمداد المتكاملة لتعظيم الأرباح العالمية، وحتى قبل عودة ترمب للسلطة كانت كثير من هذه الشركات قد بدأت بالفعل بنقل بعض عملياتها إلى دول مثل الهند والمكسيك وفيتنام، فيما عُرف بـ "التوطين في دول صديقة" تحسباً للأخطار الجيوسياسية المتزايدة، إلا أن إعلان ترمب في الشهر الماضي عن رسوم جمركية ضخمة تطاول الحلفاء والخصوم على حد سواء، شكّل ضربة قوية لنموذج العولمة، ومؤشراً إلى انسحاب واشنطن من هذا النموذج العالمي، وفي المقابل وجدت ما يعرف بـ "الشركات الوطنية الرائدة" مثل "مايكروسوفت" و"بالانتير"، نفسها في لحظة ذهبية جديدة قادرة على استثمار تحالفها الطويل الأمد مع الحكومة الأميركية لتحقيق مكاسب في بيئة ما بعد العولمة. أما تحول واشنطن نحو دور الدولة التدخلي، فعلى رغم أنه كان مفاجئاً نسبياً، فإنه لا يزال أقل شمولاً بكثير مما فعلته بكين، فمنذ عام 2020 حين شن الحزب الشيوعي الصيني حملة قمع على مؤسس شركة "علي بابا" جاك ما الذي اعتبره المسؤولون قد أصبح مفرط النفوذ والاستقلال، أعادت بكين إحكام سيطرتها الكاملة على قطاع التكنولوجيا، واليوم تخضع كبرى الشركات الصينية، بصرف النظر عن ملكيتها الرسمية، لإرادة الرئيس شي جينبينغ، وقد حُسم الجواب في شأن من يملك السيطرة على مستقبل الصين الرقمي، إنها الدولة دون منازع. من الليبرالية إلى الدولة المتغولة في الغرب يستمر الصراع حول الإجابة على السؤال الوارد آنفاً، ويتزايد تعقيد الأمر مع عدم الوضوح في شأن من يمسك بالدولة الذي يضاف إلى عدم يقين مماثل حول السيطرة على المستقبل الرقمي. كان بعض من رواد وادي السيليكون مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وبيتر ثيل ومارك أندريسن، يرون في التكنولوجيا فرصة تتجاوز حدود الأعمال التجارية لتكون قوة ثورية قادرة على تحرير المجتمع من قيود الحكومة، وجعل الدولة نفسها مفهوماً بالياً، وقد وصفت هؤلاء في عام 2021 بأنهم "طوباويون تقنيون" يشككون في السياسة وينظرون إلى مستقبل يستبدل فيه النموذج القومي الذي هيمن على الجغرافيا السياسية منذ القرن الـ 17 بشيء مختلف تماماً. لكن خلال الأعوام الأخيرة تبنى بعض هؤلاء توجهاً تقنياً استبدادياً، فبعد أن كانوا يسعون إلى تجاوز الدولة باتوا اليوم يسعون إلى الاستيلاء عليها مستخدمين السلطة العامة لتحقيق طموحاتهم الخاصة، وقد جاء هذا التحول جزئياً بدوافع مصلحية سعياً وراء تنظيمات مواتية وخفوض ضريبية وعقود حكومية على غرار ما يحاول الأثرياء الأميركيون من أصحاب المصالح الخاصة فعله في الغالب، وفي المقابل تعبر تلك الانعطافة عن التبدل في ميزان القوة التكنولوجية وتعاظم الرهانات عليها خلال حقبة تتسم بالتنازع على الجغرافيا السياسية. وعلى عكس المنصات الرقمية الأولى التي ازدهرت في ظل الحد الأدنى من التدخل الحكومي، تتطلب معظم تقنيات اليوم المتقدمة، مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية والطاقة والحوسبة الكمية، دعماً حكومياً مباشراً أو ضمنياً لتوسيع نطاقها، ومع تحول هذه المجالات إلى ساحات محورية في المنافسة الأميركية - الصينية، وتزايد هيمنة الأمن القومي على المجال الرقمي نفسه، لم يعد الاصطفاف إضافة إلى واشنطن أمراً مزعجاً بل أصبح ضرورة إستراتيجية، وهكذا تراجعت جاذبية الرؤية الطوباوية في مقابل تصاعد نموذج "البطل الوطني"، وارتفعت الحوافز للسيطرة على الدولة مع ازدياد الغنائم الناتجة منها. وبالنسبة إلى بعض أولئك الطوبايين لم تكن السيطرة على الدولة خياراً براغماتياً فقط بل أيديولوجياً أيضاً، فقد اعتنق عدد من الشخصيات البارزة في قطاع التكنولوجيا، وعلى رأسهم ماسك وثيل، رؤية مناهضة للديمقراطية، فهم يرون أن نظام الحكم الأميركي، بل الحكم الجمهوري عموماً، منهار تماماً، ويعتبرون التعددية وفصل السلطات والخدمة المدنية المحترفة عوائق لا مزايا، ويطمح هؤلاء لأن تدار الحكومة الأميركية كما تدار الشركات الناشئة على يد "رئيس تنفيذي وطني" غير منتخب يتمتع بصلاحيات مركزة باسم التقدم التكنولوجي، ومن وجهة نظرهم ينبغي أن تنتقل السيطرة على الدولة، وعلى المستقبل، إلى نخب تكنولوجية نصبت نفسها وقادرة على قيادة البلاد في عصر التغير المتسارع، وقد صرح ثيل منذ عام 2009 بأنه لم يعد يؤمن بأن "الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعايشا"، فيما دعا ماسك عام 2023 إلى "سولا حديث"، في إشارة إلى الديكتاتور الروماني الذي شهد عهده تهاوي النظام الجمهوري. وعلى رغم احتمال أنه كان يمزح آنذاك، فقد أمضى ماسك فعلياً الأشهر الأربعة الماضية محاولاً السيطرة على مفاصل الحكومة الأميركية، لكن ما حدث لم يكن استيلاءً عدائياً، كما وصفه بعضهم، بل أشبه بصفقة كبرى مولها بنفسه للحصول على النفوذ، فقد أنفق ماسك ما يقارب 300 مليون دولار لدعم ترمب وحصول الجمهوريين على الغالبية في الكونغرس خلال انتخابات عام 2024، وهذا المبلغ دون احتساب كُلف تحويل منصة "إكس" إلى أداة دعائية مؤيدة لترمب، وفي المقابل كافأه الرئيس الأميركي الأكثر براغماتية في التاريخ الحديث بمنحه نفوذاً غير مسبوق داخل أقوى دولة في العالم، فقد كان ترمب منذ البداية ميالاً إلى خدمة رجال الأعمال الذين تجمعه بهم مصالح شخصية، لكن في ولايته الثانية لم يقتصر تمكين أباطرة التكنولوجيا على التأثير في السياسات بل جرى منحهم صلاحية تعيين (أو إقالة) من يضعون التشريعات لهم، وكتابة (أو محو) القوانين التي تحكمهم، فمنذ أن تولى ماسك رئاسة ما يسمى بـ "وزارة كفاءة الحكومة" DOGE، ومُنح إمكان الولوج الكامل إلى أنظمة الإدارة الفيدرالية، أقال عشرات آلاف الموظفين الحكوميين وعيّن أنصاره في عشرات الإدارات، وقلص الإنفاق الذي أقره الكونغرس وحصل على كميات هائلة من البيانات السرية المتعلقة بملايين الأميركيين. وقد واصل ماسك وعدد من شركائه من كبار التقنيين الذين تولوا مناصب حكومية الاحتفاظ بوظائفهم في شركاتهم الخاصة على رغم تضارب المصالح، وهؤلاء اليوم يتحكمون في شؤون التوظيف والسياسات العامة على مستوى الحكومة، ويؤثرون في صياغة القوانين وتنفيذها والمشتريات والضرائب والدعم بما يخدم مصالح شركاتهم ويضر بمنافسيهم في الوقت نفسه، وقدّر تقرير صدر أخيراً عن مجلس الشيوخ أن الأرباح التي حققها ماسك من هذا الوضع بلغت نحو 2.37 مليار دولار، من دون احتساب العقود المحتملة مع القطاع العام والمزايا التنافسية التي حصل عليها بفضل هذا النفوذ. تحالف اليمين التكنولوجي مع ترمب تعلق دوماً بالصفقات والتبادلات التجارية وليس بالأيديولوجيا وبالفعل تتحدث تقارير متزايدة عن أن "وزارة الكفاءة الحكومية" تجمع كميات هائلة من البيانات الحكومية الحساسة وتدمجها في قاعدة واحدة، ومنها بيانات الضرائب وقواعد الهجرة وسجلات الضمان الاجتماعي والمعلومات الصحية وغيرها، بهدف معلن وهو كشف مظاهر "الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام" في الإنفاق الفيدرالي، والعمل على تحسين الكفاءة الحكومية، بخاصة مع دمج هذه البيانات بأدوات الذكاء الاصطناعي، لكن مع غياب أي حدود قانونية تفصل بين دور ماسك في الحكومة ومصالحه الخاصة فلا يمكن معرفة ما إذا كان قد بدأ فعلاً باستخدام هذه البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التابعة لشركته "إكس إيه آي"، وإذا كان الأمر كذلك فلا أحد يعلم إن كانت النتائج ستستخدم لخدمة المصلحة العامة أم لخدمة مصالحه هو. وقد تنتج هذه القاعدة الموحدة من البيانات مكاسب كبيرة في الإنتاجية للاقتصاد الأميركي، مما قد يدفع دولاً أخرى إلى محاولة تقليد التجربة، لكنها قد تمنح ماسك أيضاً تفوقاً حاسماً في السباق نحو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي خارقة لا يمكن لأي منافس مجاراتها، وتفتح الباب أمام أشكال جديدة من تتبع سلوك المستهلكين واستهدافهم، وتمنحه سيطرة أكبر على الأسواق والمنصات الرقمية. لكن الآثار المحتملة تتجاوز مجرد تحقيق مكاسب شخصية، فالبنية الرقمية نفسها، التي يمكن أن تحقق فوائد اقتصادية، قد تتحول إلى أداة للسيطرة السياسية، وبحسب بلاغات مسربة فإن "وزارة الكفاءة الحكومية" تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد المشاعر المعادية لماسك وترمب بين موظفي الدولة، فيما استقال عدد من مسؤولي مصلحة الضرائب الأميركية احتجاجاً على خطط إدارة ترمب لاستخدام بيانات الضرائب في تعقب المهاجرين، والخطر هنا ليس نسخة أميركية من نظام المراقبة الصيني الذي يهدف إلى حماية سلطة الحزب، بل شيء أكثر انتشاراً وهو شبكة مراقبة لا مركزية تستند إلى قوة الخوارزميات تسخّر سلطة دولة مسيطر عليها، لكنها موجهة بحسب منطق السوق وتخدم المصالح التجارية والسياسية لأصحاب شركات التكنولوجيا الكبرى. وللتوضيح فإن هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على واشنطن قد لا تدوم، فقد صرح ماسك أن مشروع "وزارة الكفاءة الحكومية" موقت، وقد ألمح إلى رغبته في الانسحاب من الحكومة، بخاصة مع تراجع شعبيته وتصاعد غضب المستهلكين من شركاته، كما هاجم عدد من الشخصيات البارزة في الجناح الشعبوي لتحالف ترمب، مثل ستيف بانون، ماسك ومن على شاكلته، ووصفوهم بأنهم "أمراء إقطاع رقمي" يسعون إلى تحويل الأميركيين إلى "أرقاء في العصر الرقمي"، فالتحالف بين اليمين التكنولوجي وترمب كان دائماً تحالف مصالح لا تحالف أفكار، وقد جاءت سياسات الإدارة حتى الآن في مجالات التجارة والهجرة وتمويل العلوم متعارضة في كثير من الأحيان مع عقلية التسريع التي يتبناها هؤلاء التكنولوجيون، وقد تتفكك هذه الشراكة قريباً. لكن السيطرة في الوقت الحالي حقيقية، فقد انقلب النموذج الذي كانت الدولة فيه توجه شركات التكنولوجيا لخدمة الصالح العام، وأصبحت السياسات اليوم تخضع لأهداف أصحاب التكنولوجيا الخاصة، وحتى لو لم تستمر هذه الحال طويلاً فإن آثارها ستبقى، فقد أضعفت "وزارة الكفاءة الحكومية" في غضون أشهر قليلة قدرة الدولة الأميركية على أداء وظائفها الأساس إلى درجة أن شركات التكنولوجيا الخاصة قد تصبح ضرورية لسد هذا الفراغ لاحقاً. المستقبل الهجين في عام 2021 طرحتُ ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبلنا الرقمي، وهي "هل سنعيش في عالم تتزايد فيه الانقسامات الرقمية وتخضع فيه شركات التكنولوجيا لأهداف الدول التي تنشط فيها؟ أم ستنجح هذه الشركات الكبرى في انتزاع السيطرة على الفضاء الرقمي من الحكومات، متحررة من الحدود الوطنية لتصبح قوة عالمية مستقلة؟ أم أن عصر هيمنة الدول سيتلاشى لمصلحة نخبة تكنولوجية تتولى توفير الخدمات العامة التي كانت تقدمها الحكومات؟" واليوم يبدو أن العالم الرقمي يتجه نحو مستقبل هجين بصورة كبيرة مع عالم منقسم إلى مجالين رقميين متوازيين، يقود أحد هذين القطبين الولايات المتحدة التي باتت ملامح هيمنتها التكنولوجية أوضح من أي وقت مضى، حيث تسيطر مجموعة محدودة من الشركات وقادتها على الفضاء الرقمي، وتشرف على البنى التحتية الحيوية وتؤثر مباشرة في سياسات البلاد الداخلية والخارجية. لقد أصبح في وسع هذه الشركات ومن يديرونها أن يوجهوا بيئة المعلومات العالمية ويزعزعوا استقرار حكومات أجنبية ويؤثروا في النتائج السياسية على مستوى العالم، وما يزيد خطورة هذا النفوذ هو أن هؤلاء الفاعلين يحظون بدعم أميركي، سواء بصورة ضمنية أو معلنة، وقد أصبحت الحكومات الأجنبية أكثر تردداً في مواجهة شركات التكنولوجيا الأميركية، ليس فقط بسبب قوتها الرقمية والاقتصادية، بل أيضاً لأن أي تحرك ضدها قد يؤدي إلى رد فعل رسمي من واشنطن. وهكذا باتت مكونات كبرى من قطاع التكنولوجيا، المدعومة سياسياً، تتمتع بحصانة جيوسياسية وتحظى بالحماية من الدولة لكنها لا تخضع لمحاسبتها، وهذا التداخل بين القوة العامة والخاصة يمنح الشركات الأميركية القدرة على دفع دول أخرى إلى تبني منتجاتها ومنصاتها ومعاييرها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما القطب المقابل فيقوده النموذج الصيني القائم على رأسمالية الدولة، إذ تخضع شركات التكنولوجيا بالكامل لسيطرة الحزب الشيوعي الحاكم، وصحيح أن هذا النموذج قد يحد من إمكانات الابتكار على المدى الطويل ويقلل الحيوية الاقتصادية في بعض الجوانب، لكنه يضمن أن تبقى التقنيات الإستراتيجية منسجمة مع الأولويات الوطنية، والاختراقات الأخيرة من نماذج التفكير بالذكاء الاصطناعي لدى شركة "ديب سيك" إلى مجموعة شرائح "هواوي كلاود ماتريكس 384"، تُظهر أن النموذج الصيني على رغم القيود السياسية المفروضة عليه وسياسات الحظر التجاري الأميركية، لا يزال قادراً على المنافسة بقوة. وفي المنتصف تقف أوروبا التي كانت تعتبر يوماً ما قوة موازنة محتملة أمام هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، لكن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى شركات تقنية محلية عملاقة ويعاني مشكلات هيكلية في النمو والإنتاجية، ونتيجة لذلك فإن قدرته على تحويل طموحاته التنظيمية إلى سيادة رقمية حقيقية تظل محدودة، كما تواجه بروكسل ضغوطاً متزايدة لتخفيف قيود الذكاء الاصطناعي على الشركات الأميركية، وقد تتردد حتى في فرض ضرائب على خدماتها الرقمية رداً على الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب. السلطة التكنولوجية المركزة تهدد الديمقراطية والحريات الفردية وفي المقابل تواجه المحاولات الباقية، سواء على مستوى الدول أو المؤسسات الدولية لتنظيم قطاع التكنولوجيا، هجمات متواصلة تقوّض من الداخل على يد شخصيات نافذة في شركات التكنولوجيا الأميركية مثل ماسك، وتُشل بفعل الفراغ الحاصل في القيادة العالمية، ومع تعمق الانقسامات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية تنهار سريعاً الحواجز التي كانت تحد من تغول النفوذ التكنولوجي، مما يتيح له التمدد بلا قيود. والنتيجة المرجحة ليست عالماً تهيمن عليه التكنولوجيا بالكامل بل نموذجاً تنفرد فيه الولايات المتحدة بصورة متزايدة بقوة تكنولوجية ضخمة، في مقابل كتلة رقمية صينية تخضع لرقابة حكومية صارمة، ومن المرجح أن معظم الاقتصادات الصناعية المتقدمة لن تجد خياراً سوى الانضمام إلى النموذج الأميركي، في حين قد ترى غالبية دول الجنوب العالمي أن العرض الصيني أكثر جاذبية. لكن تحت هذا الانقسام الأيديولوجي يلوح تقارب فعلي في الوظيفة بين النموذجين الأميركي والصيني، الأول تحركه آليات السوق والثاني تمليه دوافع سياسية، لكن كليهما يقدم الكفاءة على المحاسبة والسيطرة على القبول والتوسع على حساب الحقوق الفردية، وفي عالم تمنح فيه السلطة لمن يسيطر على الفضاء الرقمي قد يصبح السؤال الأهم ليس أين تتركز السلطة، في يد الدولة أم الشركات؟ بل كيف تدار هذه السلطة ومدى قدرتها على التمركز دون مساءلة، وهنا تكمن مفارقة عصر الهيمنة التكنولوجية، فبدلاً من تمكين الأفراد وتعزيز الديمقراطية، كما حلم رواد الإنترنت الأوائل، قد تصبح التكنولوجيا وسيلة أكثر فاعلية لفرض أشكال جديدة من السيطرة المركزية المطلقة وغير الخاضعة للمساءلة، وقد تمكّن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي الأنظمة السياسية المغلقة من تحقيق قدر أكبر من الاستقرار مقارنة بالأنظمة المفتوحة، إذ تصبح الشفافية والتعددية والفصل بين السلطات وغيرها من مقومات الديمقراطية عبئاً في زمن التغيير المتسارع، وسواء كانت هذه القوة المركزة في يد الحكومات أو الشركات فإنها تمثل خطراً فعلياً على الديمقراطية والحريات الفردية، وكنت كتبتُ عام 2021 أن "تفوق الشركات الكبرى على الدول ليس حتمياً"، لكن يبدو أن تفوقها على الديمقراطية قد بدأ بالفعل. إيان بريمر، رئيس ومؤسس "مجموعة أوراسيا" Eurasia Group. مترجم عن "فورين أفيرز" 13 مايو (أيار) 2025

OpenAI تستعين بمدير التصميم السابق في أبل لدخول عالم الأجهزة الذكية
OpenAI تستعين بمدير التصميم السابق في أبل لدخول عالم الأجهزة الذكية

الشرق السعودية

timeمنذ 9 ساعات

  • الشرق السعودية

OpenAI تستعين بمدير التصميم السابق في أبل لدخول عالم الأجهزة الذكية

أعلنت شركة OpenAI، استحواذها على شركة الأجهزة الذكية الناشئة io، التي أسسها مصمم أبل السابق الشهير، جوني إيف، في صفقة ضخمة تُقدّر قيمتها بنحو 6.5 مليار دولار أمريكي تُدفع بالكامل على شكل أسهم. وتُعد هذه الصفقة الأكبر في تاريخ OpenAI، وتهدف إلى دفع الشركة بقوة نحو سوق الأجهزة الاستهلاكية من خلال بناء وحدة متخصصة لتصميم وتصنيع أجهزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، يقودها إيف وفريق من أبرز مهندسي ومصممي أبل السابقين. وبحسب "بلومبرغ"، فإن جوني إيف، الذي شغل منصب مدير قطاع التصميم في أبل، وأسهم في تصميم أشهر منتجاتخا مثل "آيفون" و"ماك بوك" و"آيباد" و"أبل ووتش"، سيقود الشركة الجديدة برفقة سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI وأحد مؤسسيها، لتطوير فئة جديدة كلياً من الأجهزة. وقال إيف في مقابلة مشتركة مع ألتمان: "لدي إحساس متزايد بأن كل ما تعلمته خلال الثلاثين عاماً الماضية أوصلني إلى هذه اللحظة"، مضيفاً: "إنها شراكة وطريقة عمل ستثمر عن منتجات ومنتجات ومنتجات". وأضحت "بلومبرغ"، أن أول هذه الأجهزة الجديدة التي ستثمر عنها الشراكة، سيُطرح في الأسواق في عام 2026، على أن يكون منتجاً مبتكراً لا يشبه أي فئة حالية في سوق التكنولوجيا الاستهلاكية. وقال ألتمان إن "الذكاء الاصطناعي يمثل قفزة هائلة في قدرات الإنسان، ويحتاج إلى شكل جديد من الحوسبة ليحقق أقصى إمكاناته"، مؤكّداً أن OpenAI ستُقدّم منتجاً بجودة "لم يشهدها سوق الأجهزة من قبل". فريق من خبراء أبل السابقين الاستحواذ سيمنح OpenAI فريقاً يضم حوالي 55 مهندساً ومطوراً وخبيراً في التصنيع، كانوا يعملون بالفعل ضمن شركة io، وسينتقلون لمواصلة العمل من مكاتبهم في حي، جاكسون سكوير، في سان فرانسيسكو، إلى جانب مكاتب OpenAI. ويشمل الفريق أسماء مرموقة مثل إيفانز هانكي، التي خلفت إيف في رئاسة قسم التصميم الصناعي في أبل قبل مغادرتها في 2023، وتانج تان، المسؤول عن تصميم منتجات "آيفون" و"أبل ووتش" حتى عام 2024، وسكوت كانون، أحد مؤسسي تطبيق Mailbox الذي استحوذت عليه دروب بوكس سابقاً. وتتضمن صفقة الاستحواذ، 5 مليارات دولار على هيئة أسهم، بينما تعود القيمة المتبقية إلى اتفاق سابق تم التوصل إليه في الربع الأخير من عام 2024، تملكت بموجبه OpenAI نسبة 23% من أسهم io، إلى جانب مساهمة صندوق استثمارات OpenAI في تمويل الشركة. وتشارك في تمويل io أيضاً، جهات استثمارية بارزة مثل Laurene Powell Jobs (أرملة ستيف جوبز) عبر مؤسسة Emerson Collective، وصناديق مثل Thrive Capital، Sutter Hill Ventures، Maverick Ventures، وSV Angel. وأكّدت OpenAI، أن سام ألتمان لا يمتلك أي حصة شخصية في io. عودة قوية التعاون الجديد يمثل "عودة قوية" لجوني إيف، بعد خروجه من أبل في عام 2019 وتأسيسه لشركة التصميم LoveFrom، والتي ضمت فريقاً من مصممي أبل السابقين، مثل باس أوردينج، مايك ماتاس، وكريس ويلسون. وأوضح إيف، أن هذا الفريق سيُشرف على التصاميم البصرية والواجهات لمشاريع OpenAI، بما في ذلك تطوير تطبيق ChatGPT ليتناسب مع الجيل الجديد من المستهلكين. وقال ألتمان، إن محادثاته الأولى مع إيف، لم تكن حول الأجهزة، بل عن كيفية تحسين تجربة التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، مؤكّداً أن واجهات التفاعل الحالية لا تزال "في المرحلة النهائية"، وأن OpenAI تسعى إلى اكتشاف ما يمكن أن يكون مكافئاً لواجهة المستخدم الرسومية التي غيّرت عالم الحوسبة في ثمانينيات القرن الماضي. ورغم أن الأجهزة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لا تزال في بدايتها، فإن هذه الشراكة تأتي في وقت يشهد منافسة متزايدة من شركات مثل ميتا، التي طوّرت نظارات Ray-Ban الذكية. في المقابل، فشلت محاولات أخرى مثل جهاز Humane Ai Pin ومساعد Rabbit r1. وانتقد إيف هذه المنتجات قائلاً: "كانت منتجات ضعيفة للغاية. هناك غياب حقيقي لطُرق تفكير جديدة تُعبّر عنها المنتجات." وفيما يتعلق بموقف أبل من هذه التطورات، تشير "بلومبرغ" إلى أن الشركة تعاني من تأخر ملحوظ في سباق الذكاء الاصطناعي، إذ إن منصتها الحالية Apple Intelligence تعتمد جزئياً على ChatGPT لسد فجوات قدراتها. ورغم ذلك، قال إيف إن "الهاتف الذكي لن يختفي تماماً"، كما لم تلغِ الهواتف المحمولة الحاجة إلى الحواسيب المحمولة. وأضاف ألتمان: "الناس يتطلعون إلى شيء جديد، وهو انعكاس لحالة من عدم الرضا عن الوضع الحالي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store