logo
الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان

الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان

صحيفة الخليجمنذ 14 ساعات

في ظل عداء مزمن بين الهند وباكستان تغذّيه ذاكرة التقسيم وتوترات سياسية متجددة، يبدو السلام بين الجارتين النوويتين هدفاً بعيداً، غير أن الباحث سمير أحمد يستعرض في كتابه «الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان» (2025) مساراً بديلاً يعمل خارج القنوات الرسمية، قائماً على مبادرات شعبية وحوارية تسعى لتقريب وجهات النظر بعيداً عن الحسابات الحكومية.
ينطلق سمير أحمد من تحليل واقع الصراع المزمن بين الهند وباكستان، ليرى أن الدبلوماسية الرسمية (Track One) ظلت محدودة بمواءمات سياسية دقيقة، وبقيت رهينة المواقف المعلنة، ما يجعلها عاجزة عن التقدّم في ملفات شديدة الحساسية ككشمير ومكافحة الإرهاب والحدود.
في هذا السياق، تظهر أهمية المسار الثاني كأداة تواصل مفتوحة على المجتمع، لا ترتبط بالبروتوكولات، بل بمبادرات الأفراد ومراكز البحث والجهات غير الحكومية وهو ما يُتيح مناقشة الملفات العالقة خارج منطق البيانات الرسمية والخطابات القومية.
يُحلّل الكتاب ما يُعرف بـ«المسار الثاني» في الدبلوماسية (Track Two Diplomacy) وهو نمط من التواصل غير الرسمي بين أفراد المجتمع المدني، المثقفين، الأكاديميين، والصحفيين من الطرفين، ممن اجتمعوا في مؤتمرات، أو شاركوا في برامج تبادل ثقافي، أو أسهموا في إطلاق مبادرات سلام رمزية، عندما كانت الحكومات مشغولة بتبادل الاتهامات أو خفض التمثيل الدبلوماسي.
يستعرض المؤلف تاريخ هذه المبادرات وأثرها الرمزي والفعلي ويُقيِّم مدى نجاحها في خلق «مساحات رمادية» من التفاهم في ظل انغلاق المسارات الرسمية.
يتكوّن الكتاب من ستة فصول، تبدأ بمقدمة عن السياق العام للعلاقات الهندية الباكستانية وتنتقل إلى تحليل نشوء الدبلوماسية المتعددة (Multi-Track Diplomacy)، مع تقييم شامل لجهود المسار الثاني، وتحدياته وأفقه المستقبلي. ويُركّز المؤلف على أهمية الحفاظ على خطوط التواصل في لحظات الانقطاع الدبلوماسي، حين تُغلق السفارات أو تتجمّد القنوات الرسمية، مؤكداً أن استمرارية هذه المبادرات قد لا تُثمر حلولاً فورية، لكنها تحافظ على لغة الحوار.
ما يميّز هذا العمل هو نزاهته النقدية؛ فلا نجده يبالغ في تصوير أثر هذه المبادرات، بل يعترف بصعوباتها ومنها محدودية التغطية الإعلامية، وتراجع الدعم المؤسسي، وانعدام التأثير السياسي المباشر، لكنه في المقابل يُشدّد على أن الفشل في تحقيق اختراق لا يعني انعدام القيمة، إذ أن مجرد اللقاء وتبادل الآراء بين «الخصوم التاريخيين» يحمل بذوراً رمزية تُمهد لتغيير طويل الأمد.
دبلوماسية المسار الثاني
شهدت طبيعة وآليات الدبلوماسية بين الدول تحوّلات كبيرة خلال العقود الأخيرة، في الماضي كانت الدبلوماسية تتم غالباً عبر نخب مدرّبة من الدبلوماسيين الرسميين وكانت تجري ضمن ما يُعرف بـ«المسار الأول»، أي عبر قنوات الدولة الرسمية وباستخدام أدوات غير قسرية مثل المفاوضات والوساطة والتوفيق وأحياناً العقوبات أو التحكيم.
لكن في العالم المعاصر، أصبحت العلاقات الدولية لا تقتصر على الحكومات فحسب، بل تشمل أيضاً عدداً متزايداً من المؤسسات متعددة الأطراف والبنوك ومراكز البحوث والمنظمات الخاصة، التي باتت تلعب دوراً مهماً في التأثير على السياسات العامة الدولية، هذا الواقع أفسح المجال لظهور ما يُعرف بـ«دبلوماسية المسار الثاني»، التي يُديرها فاعلون غير حكوميين ضمن أطر غير رسمية ولكنها مؤثرة.
تُعد دبلوماسية المسار الثاني اليوم إحدى الآليات الحيوية لمعالجة النزاعات المعقدة، وقد لاقت نجاحاً نسبياً في حالات متعددة مثل أيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا وناغورنو-قره باغ، وجورجيا-أبخازيا.
لاحقاً، اكتسب هذا النمط من الدبلوماسية اعترافاً أوسع من قطاعات فكرية ومؤسساتية، سواء من القطاع الخيري، أو الأوساط الأكاديمية الوطنية، أو مراكز الفكر العالمية.
تركّز دبلوماسية المسار الثاني على السيناريوهات السياسية الواقعية التي قد تؤثر في احتياجات الطرفين الأساسية وتحاول على المستوى المجتمعي تعزيز بيئة سياسية تُشجّع القادة الرسميين على اتخاذ قرارات شجاعة من أجل تحقيق السلام، من خلال تثقيف الرأي العام، تحاول هذه المبادرات خلق مناخ من الضغط الأخلاقي الذي يجعل من الأسهل على القادة السياسيين اتخاذ خطوات جريئة نحو التسوية.
تمت الإشارة إلى مصطلح «دبلوماسية المسار الثاني» لأول مرة من قبل ويليام ديفيدسون وجوزيف ف. مونتفيل في مقال مشترك نُشر بعنوان «السياسة الخارجية حسب فرويد» في مجلة «فورين بوليسي» بين عامي 1981–1982.
لقاءات هندية-باكستانية غير رسمية
يقول المؤلف: «في ظل التوترات الثنائية المستمرة، اجتمع 20 مواطناً بارزاً من الهند وباكستان، يتمتعون بالخبرة والمكانة في مجالات الدبلوماسية، الشؤون العسكرية، الأوساط الأكاديمية والصحافة، في حصن نيمرانا بولاية راجستان في أكتوبر (تشرين الأول) 1991، كان هذا الاجتماع، الأول من نوعه، قد تم تسهيله برعاية هيئة خدمات المعلومات الأمريكية، لاحقاً أصبح هذا اللقاء يُعرف بـ«حوار نيمرانا» وتم الاعتراف به كأول مبادرة دبلوماسية من «المسار الثاني» بين الهند وباكستان ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقة بين البلدين عدداً كبيراً من هذه المبادرات. ووفقاً لدراسة، هناك 12 مجموعة دائمة من مجموعات المسار الثاني، إلى جانب أكثر من 20 برنامجاً آخر بين الطرفين وبينما توقفت بعض هذه المبادرات، لا تزال أخرى قيد التنفيذ، وتظهر مبادرات جديدة باستمرار».
ويبين الكاتب أنه «تتباين الآراء والافتراضات بشأن دور وأهمية دبلوماسية المسار الثاني في سياق العلاقات الهندية-الباكستانية، يرى المتشككون أنها مجرد تمرين شكلي لا يحمل سوى تأثير طفيف ويعتقدون أنها، بسبب أصلها الغربي ويعتبرونها أقل ارتباطاً بواقع جنوب آسيا، كما تنتقدها جماعات المصالح الضيقة والمجموعات ذات الخلفيات الدينية والقوميون المتشددون، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد، والقضايا الثنائية المعقدة، والأجواء العدائية بين الهند وباكستان، ما يثير التساؤلات حول مدى فعاليتها، خصوصاً في السنوات الأخيرة».
لكن الأدلة التجريبية تشير إلى أن مساهمات هذه المبادرات من المسار الثاني كانت جوهرية ولا يمكن تجاهلها بسهولة، يدافع المؤلف عن دبلوماسية المسار الثاني باعتبارها آلية واقعية وفعّالة لحل النزاعات ويرى أنها توفر نهجاً متعدد المسارات، يسمح بمشاركة فاعلين غير رسميين وتُعد منصة لاستكشاف مقاربات بديلة في ظل محدودية القنوات الرسمية ومع ذلك، هناك بعض الأدلة التي توحي بأن دبلوماسية المسار الثاني ساعدت بالفعل في فتح المجال لإجراء محادثات رسمية في عدة مناسبات وعلى الرغم من أن نطاق هذه المساهمة قد يكون محل نقاش، فإن بعض الإعلانات المشتركة مثل إعلان كاتماندو وحوار آغرا، وقمة شملا وطريق سريناغار–مظفّر آباد وممر كرتاربور، وغيرها من الترتيبات بين البلدين خلال أشد مراحل التوتر في الثلاثين عاماً الأخيرة، تعكس نتائج مبادرات المسار الثاني. ويخصص الكاتب الفصلين 3 و4 من هذا الكتاب لتحليل كيف أن العديد من اتفاقات بناء الثقة التي أُطلقت بين الهند وباكستان قد تمّ تصوّرها، وتطويرها، وتجريبها مبدئياً ضمن سياق المسار الثاني.
يوفِّر هذا الكتاب مساحة للنقاشات والتحليلات حول أبرز قضايا المسار الثاني بين الهند وباكستان، كما يتناول هذه القضايا من جوانب نظرية ومفاهيمية وتحليلية ويسلط الضوء على أشكال «القوة» المختلفة -المادية والمالية والأيديولوجية والثقافية- التي تؤثر في المسار الثاني وتشكّل آليات تفعيله أو تعطيله، يبرز الكتاب كيف يمكن أن تُستخدم التدخلات غير الرسمية كمحفز لتحولات حقيقية في النزاعات بين الدول، كما يُعدّ مرجعاً تأريخياً وتحليلياً لفهم تطوّر دبلوماسية المسارات المتعددة بين الهند وباكستان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قرقاش: نجدد تأكيد إدانة الإمارات للهجوم الإسرائيلي على إيران.. ونتمسك بالدبلوماسية لا الحرب
قرقاش: نجدد تأكيد إدانة الإمارات للهجوم الإسرائيلي على إيران.. ونتمسك بالدبلوماسية لا الحرب

الإمارات اليوم

timeمنذ 4 ساعات

  • الإمارات اليوم

قرقاش: نجدد تأكيد إدانة الإمارات للهجوم الإسرائيلي على إيران.. ونتمسك بالدبلوماسية لا الحرب

أكد المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، الدكتور أنور قرقاش، أن دولة الإمارات تجدد إدانتها للهجوم الإسرائيلي على إيران، مجدداً التزامها بنهج الدبلوماسية، ورفض التصعيد والحروب في المنطقة. وقال قرقاش، في تدوينة على منصة "إكس": سعدت بالمشاركة في جلستين حواريتين ضمن مؤتمر GLOBSEC في براغ، وفي هذه الأوقات الصعبة، جددت التأكيد على إدانة الإمارات للهجوم الإسرائيلي على إيران، وفي سياق نهجنا الثابت بتغليب الدبلوماسية، وتجنب الحروب، والسعي لخفض التصعيد وإيجاد حلول سياسية لمنطقة أعيتها وأنهكتها الصراعات."

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض 7 مسيرات
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض 7 مسيرات

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض 7 مسيرات

أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته اعترضت، الأحد، 7 مسيرات أطلقت على أراضي إسرائيل، فيما أطلقت صفارات الإنذار في شمال الدولة العبرية. وقال الجيش في بيان "خلال الساعة الماضية، اعترض سلاح الجو و البحرية الإسرائيلية 7 مسيرات أطلقت باتجاه الأراضي الإسرائيلية"، بدون أن يحدد مصدرها. ماذا حدث؟ بدأت إسرائيل فجر الجمعة 13 يونيو، بشن سلسلة من الضربات الجوية الواسعة وغير المسبوقة على أهداف داخل الأراضي الإيرانية. استهدفت هذه الضربات منشآت نووية، مصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين وعلماء نوويين بارزين، ضمن عملية أطلق عليها الاسم الرمزي "عم كلافي" (الأسد الصاعد). وردا على الهجوم الإسرائيلي، ردت إيران مساء الجمعة ولغاية فجر السبت، بموجات صاروخية ضخمة، أدت إلى مقتل إسرائيليين وإصابة العشرات ودمار غير مسبوق في شمال وجنوب ووسط إسرائيل.

الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان
الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان

صحيفة الخليج

timeمنذ 14 ساعات

  • صحيفة الخليج

الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان

في ظل عداء مزمن بين الهند وباكستان تغذّيه ذاكرة التقسيم وتوترات سياسية متجددة، يبدو السلام بين الجارتين النوويتين هدفاً بعيداً، غير أن الباحث سمير أحمد يستعرض في كتابه «الدبلوماسية الموازية بين الهند وباكستان» (2025) مساراً بديلاً يعمل خارج القنوات الرسمية، قائماً على مبادرات شعبية وحوارية تسعى لتقريب وجهات النظر بعيداً عن الحسابات الحكومية. ينطلق سمير أحمد من تحليل واقع الصراع المزمن بين الهند وباكستان، ليرى أن الدبلوماسية الرسمية (Track One) ظلت محدودة بمواءمات سياسية دقيقة، وبقيت رهينة المواقف المعلنة، ما يجعلها عاجزة عن التقدّم في ملفات شديدة الحساسية ككشمير ومكافحة الإرهاب والحدود. في هذا السياق، تظهر أهمية المسار الثاني كأداة تواصل مفتوحة على المجتمع، لا ترتبط بالبروتوكولات، بل بمبادرات الأفراد ومراكز البحث والجهات غير الحكومية وهو ما يُتيح مناقشة الملفات العالقة خارج منطق البيانات الرسمية والخطابات القومية. يُحلّل الكتاب ما يُعرف بـ«المسار الثاني» في الدبلوماسية (Track Two Diplomacy) وهو نمط من التواصل غير الرسمي بين أفراد المجتمع المدني، المثقفين، الأكاديميين، والصحفيين من الطرفين، ممن اجتمعوا في مؤتمرات، أو شاركوا في برامج تبادل ثقافي، أو أسهموا في إطلاق مبادرات سلام رمزية، عندما كانت الحكومات مشغولة بتبادل الاتهامات أو خفض التمثيل الدبلوماسي. يستعرض المؤلف تاريخ هذه المبادرات وأثرها الرمزي والفعلي ويُقيِّم مدى نجاحها في خلق «مساحات رمادية» من التفاهم في ظل انغلاق المسارات الرسمية. يتكوّن الكتاب من ستة فصول، تبدأ بمقدمة عن السياق العام للعلاقات الهندية الباكستانية وتنتقل إلى تحليل نشوء الدبلوماسية المتعددة (Multi-Track Diplomacy)، مع تقييم شامل لجهود المسار الثاني، وتحدياته وأفقه المستقبلي. ويُركّز المؤلف على أهمية الحفاظ على خطوط التواصل في لحظات الانقطاع الدبلوماسي، حين تُغلق السفارات أو تتجمّد القنوات الرسمية، مؤكداً أن استمرارية هذه المبادرات قد لا تُثمر حلولاً فورية، لكنها تحافظ على لغة الحوار. ما يميّز هذا العمل هو نزاهته النقدية؛ فلا نجده يبالغ في تصوير أثر هذه المبادرات، بل يعترف بصعوباتها ومنها محدودية التغطية الإعلامية، وتراجع الدعم المؤسسي، وانعدام التأثير السياسي المباشر، لكنه في المقابل يُشدّد على أن الفشل في تحقيق اختراق لا يعني انعدام القيمة، إذ أن مجرد اللقاء وتبادل الآراء بين «الخصوم التاريخيين» يحمل بذوراً رمزية تُمهد لتغيير طويل الأمد. دبلوماسية المسار الثاني شهدت طبيعة وآليات الدبلوماسية بين الدول تحوّلات كبيرة خلال العقود الأخيرة، في الماضي كانت الدبلوماسية تتم غالباً عبر نخب مدرّبة من الدبلوماسيين الرسميين وكانت تجري ضمن ما يُعرف بـ«المسار الأول»، أي عبر قنوات الدولة الرسمية وباستخدام أدوات غير قسرية مثل المفاوضات والوساطة والتوفيق وأحياناً العقوبات أو التحكيم. لكن في العالم المعاصر، أصبحت العلاقات الدولية لا تقتصر على الحكومات فحسب، بل تشمل أيضاً عدداً متزايداً من المؤسسات متعددة الأطراف والبنوك ومراكز البحوث والمنظمات الخاصة، التي باتت تلعب دوراً مهماً في التأثير على السياسات العامة الدولية، هذا الواقع أفسح المجال لظهور ما يُعرف بـ«دبلوماسية المسار الثاني»، التي يُديرها فاعلون غير حكوميين ضمن أطر غير رسمية ولكنها مؤثرة. تُعد دبلوماسية المسار الثاني اليوم إحدى الآليات الحيوية لمعالجة النزاعات المعقدة، وقد لاقت نجاحاً نسبياً في حالات متعددة مثل أيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا وناغورنو-قره باغ، وجورجيا-أبخازيا. لاحقاً، اكتسب هذا النمط من الدبلوماسية اعترافاً أوسع من قطاعات فكرية ومؤسساتية، سواء من القطاع الخيري، أو الأوساط الأكاديمية الوطنية، أو مراكز الفكر العالمية. تركّز دبلوماسية المسار الثاني على السيناريوهات السياسية الواقعية التي قد تؤثر في احتياجات الطرفين الأساسية وتحاول على المستوى المجتمعي تعزيز بيئة سياسية تُشجّع القادة الرسميين على اتخاذ قرارات شجاعة من أجل تحقيق السلام، من خلال تثقيف الرأي العام، تحاول هذه المبادرات خلق مناخ من الضغط الأخلاقي الذي يجعل من الأسهل على القادة السياسيين اتخاذ خطوات جريئة نحو التسوية. تمت الإشارة إلى مصطلح «دبلوماسية المسار الثاني» لأول مرة من قبل ويليام ديفيدسون وجوزيف ف. مونتفيل في مقال مشترك نُشر بعنوان «السياسة الخارجية حسب فرويد» في مجلة «فورين بوليسي» بين عامي 1981–1982. لقاءات هندية-باكستانية غير رسمية يقول المؤلف: «في ظل التوترات الثنائية المستمرة، اجتمع 20 مواطناً بارزاً من الهند وباكستان، يتمتعون بالخبرة والمكانة في مجالات الدبلوماسية، الشؤون العسكرية، الأوساط الأكاديمية والصحافة، في حصن نيمرانا بولاية راجستان في أكتوبر (تشرين الأول) 1991، كان هذا الاجتماع، الأول من نوعه، قد تم تسهيله برعاية هيئة خدمات المعلومات الأمريكية، لاحقاً أصبح هذا اللقاء يُعرف بـ«حوار نيمرانا» وتم الاعتراف به كأول مبادرة دبلوماسية من «المسار الثاني» بين الهند وباكستان ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقة بين البلدين عدداً كبيراً من هذه المبادرات. ووفقاً لدراسة، هناك 12 مجموعة دائمة من مجموعات المسار الثاني، إلى جانب أكثر من 20 برنامجاً آخر بين الطرفين وبينما توقفت بعض هذه المبادرات، لا تزال أخرى قيد التنفيذ، وتظهر مبادرات جديدة باستمرار». ويبين الكاتب أنه «تتباين الآراء والافتراضات بشأن دور وأهمية دبلوماسية المسار الثاني في سياق العلاقات الهندية-الباكستانية، يرى المتشككون أنها مجرد تمرين شكلي لا يحمل سوى تأثير طفيف ويعتقدون أنها، بسبب أصلها الغربي ويعتبرونها أقل ارتباطاً بواقع جنوب آسيا، كما تنتقدها جماعات المصالح الضيقة والمجموعات ذات الخلفيات الدينية والقوميون المتشددون، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد، والقضايا الثنائية المعقدة، والأجواء العدائية بين الهند وباكستان، ما يثير التساؤلات حول مدى فعاليتها، خصوصاً في السنوات الأخيرة». لكن الأدلة التجريبية تشير إلى أن مساهمات هذه المبادرات من المسار الثاني كانت جوهرية ولا يمكن تجاهلها بسهولة، يدافع المؤلف عن دبلوماسية المسار الثاني باعتبارها آلية واقعية وفعّالة لحل النزاعات ويرى أنها توفر نهجاً متعدد المسارات، يسمح بمشاركة فاعلين غير رسميين وتُعد منصة لاستكشاف مقاربات بديلة في ظل محدودية القنوات الرسمية ومع ذلك، هناك بعض الأدلة التي توحي بأن دبلوماسية المسار الثاني ساعدت بالفعل في فتح المجال لإجراء محادثات رسمية في عدة مناسبات وعلى الرغم من أن نطاق هذه المساهمة قد يكون محل نقاش، فإن بعض الإعلانات المشتركة مثل إعلان كاتماندو وحوار آغرا، وقمة شملا وطريق سريناغار–مظفّر آباد وممر كرتاربور، وغيرها من الترتيبات بين البلدين خلال أشد مراحل التوتر في الثلاثين عاماً الأخيرة، تعكس نتائج مبادرات المسار الثاني. ويخصص الكاتب الفصلين 3 و4 من هذا الكتاب لتحليل كيف أن العديد من اتفاقات بناء الثقة التي أُطلقت بين الهند وباكستان قد تمّ تصوّرها، وتطويرها، وتجريبها مبدئياً ضمن سياق المسار الثاني. يوفِّر هذا الكتاب مساحة للنقاشات والتحليلات حول أبرز قضايا المسار الثاني بين الهند وباكستان، كما يتناول هذه القضايا من جوانب نظرية ومفاهيمية وتحليلية ويسلط الضوء على أشكال «القوة» المختلفة -المادية والمالية والأيديولوجية والثقافية- التي تؤثر في المسار الثاني وتشكّل آليات تفعيله أو تعطيله، يبرز الكتاب كيف يمكن أن تُستخدم التدخلات غير الرسمية كمحفز لتحولات حقيقية في النزاعات بين الدول، كما يُعدّ مرجعاً تأريخياً وتحليلياً لفهم تطوّر دبلوماسية المسارات المتعددة بين الهند وباكستان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store