logo
مَن هو هذا الصبيّ؟

مَن هو هذا الصبيّ؟

النهار٠٨-٠٢-٢٠٢٥

في الحياة اليوميّة، كلّ أُم وأب أو أُخت وأخ أو زوجة وزوج يمكن أن يتعرّض أحدهم أو جميعهم لحزنٍ كبير بعد ابتلاء أحد أحبّتهم بمُصاب جلل أو بالموت. فيكون "قد جاز سَيف في نفوسهم"، لكن نادراً ما "تُكشَف أفكار من قلوب كثيرة" جرّاء هذا المُصاب أو الموت. لأنّه لا بُدّ وأن يكون الشخص المُشار إليه(ها) أو المجموعة ذات موقع عظيم في المُجتمع أو مُبتَلى بمًصابٍ كبير. هذا ما سنتحدّث عنه في المقالة الراهنة.
مريَم أُمُّ يسوع بادَرها سمعان الشيخ في هيكل القُدس-أورشليم بالقَول: "ها إِنَّ هَذا قَد جُعِلَ لِسُقوطِ وَقِيامِ كَثيرينَ في إِسرائيلَ، وَهَدَفًا لِلمُخالَفَة". يسوع قد جُعل عنصرًا يُسقط كثيرين: هو أسقط "هيرودس وكلّ أورشليم معه" يوم عرَف، مُتأخِّراً بمَولده من المجوس. إذ حوَّل أنظاره صوب كلِّ طفلٍ مولود حديثاً كشخصٍ يُهدِّد سُلطته، فقام بمجزرةٍ للتخلُّص من "الملِك" الجديد المُفترَض. تماماً كما يفعل الصهاينة اليوم إذ يقَتلون كلّ طفل(ة) فلِسطينيّ(ة)، حتّى ولو كان جنيناً في الرحم، عمداً وبِلَا تردُّد وبدون أن يرِفّ لهم جَفن خوفاً من أن يكبر ويصير "إرهابياً" فيَقتلهم. ويسوع يُسقط اليوم كلَّ مُتَجبِّر معتوه يضع نُصبَ عينَيه تهجير أصحاب وطن إلى أرضٍ غريبة ليكونوا على غرار يسوع "الغريب" في عالمٍ مُتَوحِّشٍ أراد قتله "في المهد صبيًّا" فهُجِّر إلى "ارضِ مِصر" ، عالمٍ لا يرحم البشر ولا الحجر ولا أيّ كائنٍ حيّ آخَر. لقد أنزل يسوع المتربِّعين على العروش المُزَيَّفة والفانية والمُغتصبة السُلطة لأنّهم لا يرحمون أنفسهم ولا يرحمون الآخَرين.
ويسوع "رفعَ المُتواضِعين" إلى سمائه مع المُنكَسِري القلوب والخطأة والبغايا والعشّارين واللّصَّ المصلوب إلى يمينه...
أجل كان يسوع هدفاً للمُخالَفة، إذ لم يتعرَّف شعبه إليه على أنّه "النبيّ" ولا "المسيح" المُنتَظر لأنّه لم يكن يبغي التسلُط ولا التربُّع على عرش ولا أخذ مكان مُغتصب سلطة. "لقد أتى ليَخدُم لا ليُخدَم"، وتلقّى الصفعات من "حقيرين" يعتقدون انّهم أقوياء بالسلاح الذي يمتشقون.
نعم، لقد "جاز سيفُ في نفس" مريَم، فانكشفَت "أَفكارٌ مِن قُلوبٍ كَثيرة". لقد "جاز سيفٌ في نفس" كلّ إنسان تعرَّض لَما تعرَّضت له مريم من طعنةٍ في أفريقيا -ماضياً وحاضراً- وفي آسيَا وفي أميركا اللَّاتينيّة/الجنوبيّة -ماضياً وحاضراً- وفي مَشرق الأرض ومغربها.
ذاك السَيف في عصرنا نعني به أوّلًا الانقلابات العسكريّة والأمنيّة -المُخابراتيّة، والحروب والأوبئة الجرثوميّة المنتشرة بأمر جهةٍ "خفيّة" تفتعلها لإبادة مَن لا ينصاعون لها، إلى الأعاصير المجنونة أو الحرائق الكبيرة المُفتَعلة أو الأمطار الاصطناعيّة الملوِّثة للأجواء لضرب مناطق تودّ تغيير وُجهة استعمالها، أو رشَ المبيدات السامّة فوق الأراضي الزراعيّة وغيرها من الوسائل المؤذية.
السَيف المُعاصر يبتلي بحدِّه أفراد ومحموعات وشعوب. ذلك أنّ "سائدي هذا العالم" يتكفّلون بتسليط "سيوفهم" على رقاب الجميع دون استثناء ودون استئذان، بما فيهم شعوبهم. مبتغاهم الأوحد التسيُّد والاستغلال إلى أقصى الحدود.
ولكن هناك "صبيٌّ يَنمو وَيَتَقَوّى بِٱلرّوحِ، مُمتَلِئاً حِكمَةً، وَكانَت نِعمَةُ ٱللهِ عَلَيه"، قادرٌ أن يكون مُحرِّرَ الأفراد والجماعات والشعوب.
مَن هو هذا الصبيّ؟ "هو قدَّم نفسه؛ وأنتَ، مَن أنتَ لتَتردَّد في تقديم ذاتِكَ بكليّتها؟" هو يسوع دائماً، وإلى جانبه كلّ إنسان "لا يُريد أن يعيش أبدَ الدهرِ بين الحُفَر"، إنسانٌ "إذا أراد الحياة، فلا بُدّ أن يستجيب القدَر".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مَن هو هذا الصبيّ؟
مَن هو هذا الصبيّ؟

النهار

time٠٨-٠٢-٢٠٢٥

  • النهار

مَن هو هذا الصبيّ؟

في الحياة اليوميّة، كلّ أُم وأب أو أُخت وأخ أو زوجة وزوج يمكن أن يتعرّض أحدهم أو جميعهم لحزنٍ كبير بعد ابتلاء أحد أحبّتهم بمُصاب جلل أو بالموت. فيكون "قد جاز سَيف في نفوسهم"، لكن نادراً ما "تُكشَف أفكار من قلوب كثيرة" جرّاء هذا المُصاب أو الموت. لأنّه لا بُدّ وأن يكون الشخص المُشار إليه(ها) أو المجموعة ذات موقع عظيم في المُجتمع أو مُبتَلى بمًصابٍ كبير. هذا ما سنتحدّث عنه في المقالة الراهنة. مريَم أُمُّ يسوع بادَرها سمعان الشيخ في هيكل القُدس-أورشليم بالقَول: "ها إِنَّ هَذا قَد جُعِلَ لِسُقوطِ وَقِيامِ كَثيرينَ في إِسرائيلَ، وَهَدَفًا لِلمُخالَفَة". يسوع قد جُعل عنصرًا يُسقط كثيرين: هو أسقط "هيرودس وكلّ أورشليم معه" يوم عرَف، مُتأخِّراً بمَولده من المجوس. إذ حوَّل أنظاره صوب كلِّ طفلٍ مولود حديثاً كشخصٍ يُهدِّد سُلطته، فقام بمجزرةٍ للتخلُّص من "الملِك" الجديد المُفترَض. تماماً كما يفعل الصهاينة اليوم إذ يقَتلون كلّ طفل(ة) فلِسطينيّ(ة)، حتّى ولو كان جنيناً في الرحم، عمداً وبِلَا تردُّد وبدون أن يرِفّ لهم جَفن خوفاً من أن يكبر ويصير "إرهابياً" فيَقتلهم. ويسوع يُسقط اليوم كلَّ مُتَجبِّر معتوه يضع نُصبَ عينَيه تهجير أصحاب وطن إلى أرضٍ غريبة ليكونوا على غرار يسوع "الغريب" في عالمٍ مُتَوحِّشٍ أراد قتله "في المهد صبيًّا" فهُجِّر إلى "ارضِ مِصر" ، عالمٍ لا يرحم البشر ولا الحجر ولا أيّ كائنٍ حيّ آخَر. لقد أنزل يسوع المتربِّعين على العروش المُزَيَّفة والفانية والمُغتصبة السُلطة لأنّهم لا يرحمون أنفسهم ولا يرحمون الآخَرين. ويسوع "رفعَ المُتواضِعين" إلى سمائه مع المُنكَسِري القلوب والخطأة والبغايا والعشّارين واللّصَّ المصلوب إلى يمينه... أجل كان يسوع هدفاً للمُخالَفة، إذ لم يتعرَّف شعبه إليه على أنّه "النبيّ" ولا "المسيح" المُنتَظر لأنّه لم يكن يبغي التسلُط ولا التربُّع على عرش ولا أخذ مكان مُغتصب سلطة. "لقد أتى ليَخدُم لا ليُخدَم"، وتلقّى الصفعات من "حقيرين" يعتقدون انّهم أقوياء بالسلاح الذي يمتشقون. نعم، لقد "جاز سيفُ في نفس" مريَم، فانكشفَت "أَفكارٌ مِن قُلوبٍ كَثيرة". لقد "جاز سيفٌ في نفس" كلّ إنسان تعرَّض لَما تعرَّضت له مريم من طعنةٍ في أفريقيا -ماضياً وحاضراً- وفي آسيَا وفي أميركا اللَّاتينيّة/الجنوبيّة -ماضياً وحاضراً- وفي مَشرق الأرض ومغربها. ذاك السَيف في عصرنا نعني به أوّلًا الانقلابات العسكريّة والأمنيّة -المُخابراتيّة، والحروب والأوبئة الجرثوميّة المنتشرة بأمر جهةٍ "خفيّة" تفتعلها لإبادة مَن لا ينصاعون لها، إلى الأعاصير المجنونة أو الحرائق الكبيرة المُفتَعلة أو الأمطار الاصطناعيّة الملوِّثة للأجواء لضرب مناطق تودّ تغيير وُجهة استعمالها، أو رشَ المبيدات السامّة فوق الأراضي الزراعيّة وغيرها من الوسائل المؤذية. السَيف المُعاصر يبتلي بحدِّه أفراد ومحموعات وشعوب. ذلك أنّ "سائدي هذا العالم" يتكفّلون بتسليط "سيوفهم" على رقاب الجميع دون استثناء ودون استئذان، بما فيهم شعوبهم. مبتغاهم الأوحد التسيُّد والاستغلال إلى أقصى الحدود. ولكن هناك "صبيٌّ يَنمو وَيَتَقَوّى بِٱلرّوحِ، مُمتَلِئاً حِكمَةً، وَكانَت نِعمَةُ ٱللهِ عَلَيه"، قادرٌ أن يكون مُحرِّرَ الأفراد والجماعات والشعوب. مَن هو هذا الصبيّ؟ "هو قدَّم نفسه؛ وأنتَ، مَن أنتَ لتَتردَّد في تقديم ذاتِكَ بكليّتها؟" هو يسوع دائماً، وإلى جانبه كلّ إنسان "لا يُريد أن يعيش أبدَ الدهرِ بين الحُفَر"، إنسانٌ "إذا أراد الحياة، فلا بُدّ أن يستجيب القدَر".

يوحنَّا والصدق والشجاعة
يوحنَّا والصدق والشجاعة

النشرة

time١٠-٠١-٢٠٢٥

  • النشرة

يوحنَّا والصدق والشجاعة

مسيرة حياتنا الأرضيَّة تكون لها قيمة إن سارت على طريق الحقِّ الَّذي هو الربُّ يسوع المسيح. هي مسيرة صعود نحو أورشليم السماويَّة وفي خلالها نموت على الصليب المقدَّس لنرتفع مع الربِّ. هذا ما يخبرنا إيَّاه اليوم التالي لعيد الظهور الإلهيِّ، عيد الغطاس، والَّذي نقيم فيه تذكارًا جامعًا للقدِّيس يوحنَّا المعمدان (7 ك2)، والملقَّب بالصابغ لأنَّه عمَّد المسيح، من المصدر «الاصطباغ» أي التغطيس الكامل، وأيضًا بملاك الصحراء تحقيقًا لنبوءة ملاخي (ق 5 ق م): «هاءنذا أُرسِل ملاكي فيهيِّئ الطريق أمامي. ويأتي بغتةً إلى هيكله السَّيِّدُ الَّذي تطلبونه، وملاكُ العهد الَّذي تُسَرُّون به. هوذا يأتي، قال ربُّ الجنود» (ملا 3: 1)، وبالسابق لأنَّه خاتمة الأنبياء، لهذا توضع أيقونته على حائط الأيقونات Iconostase في الكنيسة على يسار أيقونة يسوع. القدِّيس يوحنَّا المعمدان يعلِّمنا الكثير، بدءًا بما أعلنه: «ينبغي أنَّ ذلك (يسوع) يزيد وأنِّي أنا أنقُص» (يوحنَّا 3: 30). وقد شهد يوحنَّا أنَّ يسوع هو الإله قبل كلِّ الدهور، وتجسَّد، وذلك بقوله عنه: «هذا هو الَّذي قلتُ عنه: إنَّ الَّذي يأتي بعدي صار قدَّامي، لأنَّه كان قبلي» (يوحنَّا 1: 15)، لأنَّ يسوع سيعمِّد الشعب بالروح القدس ونار، وليس مثله بماء للتوبة. نعم، هذا ما حصل مع التلاميذ في العنصرة: «وظهرت لهم أَلسِنةٌ منقسمة كأنَّها من نار، واستقرَّت على كلِّ واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس» (أعمال 2: 3-4). كذلك يعلِّمنا يوحنَّا قول الحقِّ حتَّى الاستشهاد وعدم المواربة من أجل الحفاظ على أنفسنا أو مراكزنا، أو من أجل استفادة أرضيَّة ما، عملًا بما قاله الربُّ لنا عندما دعانا جميعًا أن ننكر أنفسنا ونحمل صليبنا ونتبعه: «لأنَّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلَّه وخسر نفسه؟» (مر 8: 36). والقدِّيس يوحنَّا هو خير مثال لتحقيق الآية. هذا هو طريقنا الوحيد لنكون مسيحيِّين حقًّا. قد نتذمَّر أحيانًا من جرَّاء ضعفنا البشريِّ وطلبنا للراحة، ولكنَّ الثبات هو في المتابعة، لهذا يقول الآباء القدِّيسون أنَّه ليس من السهل إطلاقًا أن يكون المرء مسيحيًّا. للقدِّيس يوحنَّا المعمدان أيقونات متنوِّعة، منها ما تُظهره يعمِّد الربَّ، ومنها ما تُظهره بمفرده، وهناك أيقونة الشفاعة Déisis حيث نرى الربَّ يسوع المسيح في الوسط وعن يمينه والدة الإله رافعة يديها الاثنتين متضرِّعة، وعن يسار يسوع يوحنَّا في وضعيَّة شبيهة بمريم العذراء. وجه القدِّيس يوحنَّا في أيقوناته يلخِّص سيرة حياته وجهاده النسكيِّ وعيشه في البرِّيَّة، كذلك تبرز صلابته وتمسُّكه بكلمة الله. قد يقول البعض إنَّ ملامحه خشنة لكنَّها في الحقيقة هي ملامح المُحارب الشجاع الَّذي لا يعرف الكلل، هو المستقيم الرأي، والبعيد كلَّ البُعد عن المواربة والمحاباة، والمعلن الاستقامة علانيَّة. وبالرغم من كلِّ هذه الصفات الَّتي كان يتحلَّى المعمدان بها إلَّا أنَّها كانت تترأَّسها فضيلة التواضع الَّتي هي أمُّ الفضائل. ومن يمتلكها يرتفع في عين الله ومن يخسرها ينخفض لا محالة. كذلك، بالرغم من كلِّ ما نشاهده من قساوة في وجهه، إلَّا أنَّ وجهه نورانيٌّ وصافٍ لا يوجد فيه زغل. وهناك فرح كبير خصوصًا في الأيقونات الَّتي نراه فيها حاملًا رأسه المقطوع عندما حكم عليه هيرودس بالموت تنفيذًا لوعده الَّذي قطعه لصالومي ابنة هيروديا، الَّتي كانت تريد أن تتخلَّص من المعمدان لاعتراضه على زواجها من هيرودس لأنَّها كانت زوجة أخيه. أيضًا قد يستغرب البعض كيف يكون هناك فرح ورأسه مقطوع. الجواب أنَّ صدقه أوصله لهذا، وهذا فخره، لأنَّ الموت الجسديَّ هو لا شيء أمام الحياة الأبديَّة الَّتي يعيشها القدِّيسون مع يسوع. وقد أكَّد لنا الربُّ ألَّا نخاف من الَّذي يقتل الجسد وليس له سلطة على الروح، بل أن نخاف أن نخسر الملكوت (مت 10: 28). وهناك أيقونات له نراه فيها حاملًا صليبًا إشارة إلى الاستشهاد، والصليب هو راية الغلبة والانتصار. الشَعر الطويل للمعمدان في الأيقونة، الَّذي يشير إلى حياته النسكيَّة، يميِّزه عن غيره، كذلك لباسه الَّذي كان من وَبَرِ الإبل، وعلى حقوَيه منطقة من جلد. وكان طعامه جرادًا وعسلًا برِّيًّا. ختامًا، يدعونا القدِّيس يوحنَّا بصريح العبارة: «أَعِدُّوا طريق الربِّ. اصنعوا سبُلَه مستقيمة» (مت 3: 3). هذا معناه أن نجعل قلوبنا مع الربِّ مستقيمة لا اعوجاج فيها ولا ازدواجيَّة، ولا نتكنَّى باسمه كذبًا وجزافًا، وإن أخطأنا، وجُلَّ من لا يخطئ، أن نتوب بصدق لنولد من جديد فتكون معموديَّتنا الجديدة. إلى الربِّ نطلب.

لِمَ هذه النَزعة إلى القتل؟
لِمَ هذه النَزعة إلى القتل؟

النهار

time٠٢-٠١-٢٠٢٥

  • النهار

لِمَ هذه النَزعة إلى القتل؟

1. جاء في نُبُؤَة إشَعيَا- حَول عدَم إدراك "الشعب المُختار" المَزعُوم لِما عمِله الله لهُ ما يأتي:"الثَورُ يعرِف مُقتَنيهِ والحمارُ[ الحمار الذي نراه في إسطبل بيت لحم قرب الطفل يسوع يُمثِّل الشعب اليهوديّ الذي كان ينبغي أن يُدفِّئه] مَعلَفَ صاحبهِ، أمّا بَنُو إسرائيل فَلَا يعرِفون، شعبي لا يفهمُ شَيئًا"(إشعيا 1: 3). ما أقوى هذا التعبير، وكَم هو صحيح حتّى يومنا هذا! وهو أمر أكَّده بولس الرسول حين قال عن سيرته قبل ولادته الجديدة:"قَد سَمِعتُم بِسيرَتي قَديمًا في مِلَّةِ ٱليَهودِ، كَيفَ كُنتُ أَضطَهِدُ كَنيسَةَ ٱللهِ إِلى ٱلغايَةِ وِأُدَمِّرُها.(غلاطيَة 1: 13-14). نعَم، تُمعِن الصَهيُونيّة في الغباء وعدَم فَهم مشيئة الله، وتُحقِّر قيمة الحياة البشَريّة. ذلك ما قاله يسوع لرؤساء الكهنة اليهود يومًا بعد حديثه عن الكرّامين القتلَة (متّى 21: 33-43):"إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه"(متّى 21: 43-45). لقد أفهمهُم أنّ الملكوت هو لجميع البشَر، ولم يُدرِكوا. كان كلَّمهم بواسطة الأنبياء مِرارًا وتكرارًا، ولم يستجيبوا للربّ الذي قال لهم:"أَصلِحوا طُرُقَكم وأَعْمالَكم..." (إرمِيا 7: 3). "أُحكُموا حُكمَ الحَقّ واصنعوا الرَّحمَةَ والرَّأفَة، كُلُّ إنْسانٍ إِلى أخيه ... ولا تُضمِروا شَرّاً في قُلوبِكم، الواحِدُ لأَخيه" (زكريّا 7: 9-10)... اغتَسِلوا وتَطَهَّروا وأَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم مِن أَمامِ عَينَيَّ وكُفُّوا عنِ الإِساءَة... تَعَلَّموا الإِحسانَ والتمسوا الحَقّ... وأَنصِفوا اليَتيم (إش1: 16-17). لِمَ عدَم الإثمار الجيِّد؟ وحده الإنسان، من بين سائر الخليقة، "ينمو (بالسِنِّ) والقامة والحكمة والنعمة أمام الله وأمام الناس"(لوقا 2: 52). والمراحل التي يمُرّ بها عبر سِنِيّ عُمره تمنحه الخبرة في الحياة، وبالتالي النُضج العاطفيّ الّلازم ليكون عاقلًا ومُتَّزنًا في أحكامه وأفعاله ومُحِبًّا في سلُوكه وتعامُلِه. وعبر تلك المراحل يتلمَّس طريقه لتَميِيز الصواب من الخطأ، ولِيَحكُم، تالِيًا، حُكمًا صحيحًا في أمور الحياة، ذاتيًّا ومع سِواه. 2. نُلاحظ أن قتلَ امرىءٍ أو ارتكابَ إبادةٍ جَماعيّة لشعب دون رادعٍ من ضمير وبِلَا إحساسٍ بالذنْب، يجعل بعضنا يشعر بالانتِشاء جرّاء فِعلتِه[ مثَلًا تسمية مُقاتلي "إسرائيل" بـ"جيش الدفاع". ايّ جيش في العالم يُسمَّى بجيش دفاع رسميًّا؟ أليسَ في الأمر مُراوَغة؟]. أمّا الدوافع للقتل فتَتعدَّد وتختلف، ولكن يُسجَّل للسلُطات على اختلافها، من سياسيّة واجتماعيّة وعقائديّة/ دينيّة، تَوظيف الدوافع لصالحها وتنفيذًا لِمآرِبها. وراء ما تَحياه مُجتَمعاتنا، قديمُها والمُعاصِر، يرجِع إلى وَحشيّة السلُطات المُتحكِّمة بها، إذ إنّ القمع المُمارَس بحقّ الإنسان يُحوِّلُه إلى "حيَوان"[ أنا أُفضِّل كلمة "وحش" أو مِسْخ، تنزيهًا للحيوان واحترامًا له لأنّ لا نيّات مُبيَّتَة عنده][ على حدّ تعبير المُفكِّر السُّوريّ ممدوح عدوان]، بحيث تصير فكرة "الإنسانيّة" في خبَر كان. بكلامٍ آخَر، "عملت التوتاليتاريّات (أي الأنظمة الشُموليّة) على مَسْخ إنسانها، وتَحويله من فاعل إلى كادِح فقط، وجَعله محصورًا بِما يحتاج إليه لِقُوته دُونما الحاجة إلى التفكير أو الفعل بوَصفه حُرًّا"[ إسلام كمال، تفاهة الشرّ.. كيف تُحوِّل النُظم الفاشيّة العاديِّين إلى أشرار، "الجزيرة" 22/9/2020|آخر تحديث: 12/1/2022]. لذا "لا تجد (آرنتِد[ الفيلسوفة اليهوديّة الألمانيّةHannah Arendt]) حرَجًا في تفسير الشرّ تفسيرًا سياسيًّا، باعتباره عملًا تافهًا/عاديًّا تتحمّل مسؤوليّته الأنظمة الشُموليّة من جهة، والفرد نتيجة عوَز الفكر من جهة أخرى، أي الجهل كما سمّاه سقراط"، "لأنّه لا يُمكن لأيِّ شخص أن يَرتكب الشرَّ طالما أنّه يَعلم بأنّه يَجلب الألَم والضرَر، إلَّا إذا كانَ جاهلًا بآثار أفعاله"[ إسلام كمال، تفاهة الشرّ.. كيف تُحوِّل النُظم الفاشيّة العاديِّين إلى أشرار، "الجزيرة"] بحسَب سُقراط نفسه. كما ترى أرنتِد "*إن قدرة الإنسان على الفعل هي ما تجعل منه كائناً سياسياً*، وهي التي تُمكِّنه من أن يلتقي أمثاله من البشر، وأن يفعل معهم بشكل متناسق، وأن يتوصل إلى تحقيق أهداف ومشاريع ما كان من شأنها أبدًا أن تتسلل إلى عقله لو أنه لم يتمتَّع بتلك الهِبة". أين نحن من ذلك؟ تنتقد حنّه أرنتِد الصهيونيّة، تقول:"حين ناضل اليهود من أجل تحقيق العدالة ورَدّ الظلم عنهم في مختلف البلدان، تحوَّلت تلك العدالة إلى نظام فاشِيّ، يَرتكب المجازر بحقِّ غَيره، ويُعيد سِيرتَه في سيرة شعبٍ آخَر، هو الشعب الفلسطيني"[ إسلام كمال، تفاهة الشرّ.. كيف تُحوِّل النُظم الفاشيّة العاديِّين إلى أشرار، "الجزيرة"]. 3. في تأمُّلنا بما جاء في "التَطويبات على الجبَل"، كيف نقرأ؟ هيرودس طلبَ نفسَ الصبيّ يسوع ليُهلِكه. ومن أجل ذلك "َأَرسَلَ فَقَتَلَ كُلَّ ٱلصِّبيانِ ٱلَّذينَ في بَيتَ لَحمَ وَفي جَميعِ تُخومِها، مِن ٱبنِ سَنَتَينِ فَما دونُ" ليتخلَّص مِمَّن سمع أنّه "ملِك اليهود" الذي جاء ملوكٌ وثنيّون ليَسجُدوا له. الدَمَويّة التي امتاز بها هيَ هيَ لدى مُغتَصِبي السُلطة الذين يخافون على عُروشهم ومُقتَنياتهم وامتيازاتهم. أمّا الناصِريّ الذي حاول هيرودس وكلّ أورشليم الغَدر به، فكان ملِكًا على قلوبِ كثيرين لأنّ "مملكته ليست من هذا العالم". نعم، هو كان على مَوجةٍ أُخرى. انظروا واقرأوا جيِّدًا. قال:" أنتُم مِلح الأرض. ولكن إن فسَد الملح، فبِماذا يُمَلَّح؟". نحن مَن يُعطي النكهة للحياة. ... وأضاف: "أنتُم نورُ العالم. فليُضئ نورُكم هكذا قُدّام الناس، ليَروا أعمالكم الصالحة...". هل نفعل؟ وقد مضى إلى أبعد حيث أشار إلى أنّ القتل يستَوجب الحُكم كما تعلًّمتُم. "أمّا أنا فأقول لكم:إنّ كلَّ مَن يعضب على أخيه باطلًا يكون مُستَوجب الحُكم، ومَن قال لأخيه: رَقا[ يرجح أنها مشتقة من كلمة أرامية معناها "فارغ" "أي خاوٍ" أو "تافه" (مت 5: 22) وهو تعبير يفيد معنى الازدراء. وترادفها في العبرية كلمة "رقيم"، وقد جاءت بمعنى "بطَّالين" (قض 11 : 3)، وبمعنى "سفهاء" (2 صم 6: 25)]، يكون مُستَوجب المَجمَع، ومَن قال: يا أحمَق، يكون مُستَوجب نارَ جهنَّم". انظُروا كَم يجب أن نُعير علائقنا أهمِّيَّةً قُصوَى لنعيش بسلام. وقد ذهبَ إلى الأقصى، نادى:"أحبّوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم ...". لَو وضعَ كلٌّ منّا هذه الحوافِز نُصبَ عينَيه وسعَى إلى عَيشها لَما كان عالمنا "إنسانيًّا"؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store