أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس» (2)
ولن يعدم القارئ أن يجد هذه المسائل في كتب التراث الإسلامي، ولك مثلاً أن تبحثها في أول كتاب «المزهر في اللغة» للإمام السيوطيّ. فضلا عن توزع مسائل هذه المحاورة في كثير من أصول المسائل في مباحث عدّة، فضلاً عن منطلق اللغة من «المفردة»، وما جرّ إلى مسائل شائكة في العلوم الإسلامية، وكثير من العلوم الإنسانية عامّة. والإشارة الأولى لجامع المسائل في فلسفة اللغة، وهو: أصل اللغات توقيفية أم طبيعية أم اتفاقية-اعتباطيّة؟
لننعطف إلى «صانع الأسماء» (وقبل ذلك لا بدّ من التأكيد على أوّليّة «الأسماء» في كثير من اللغات التي احتضنت الفلسفة، واستحضار هذا الأمر مهم عند التناول الفلسفي-المنطقيّ وفق اللغة العربيّة، وكيف حُوّلت دلالات في أصلها فعليّة إلى اسميّة بعد التداخل الفلسفيّ، نحو: «العقل»)، فصانع الأسماء لا بدّ أن يكون «عالماً بطبيعة المسمّى»، و»عالماً بطبيعة الأسماء» (أي المقابلة بين المستوى البياني والمستوى الوجوديّ)، أي يقدر على المقابلة بين أجزاء الكلمة والمسمّى، مثل خاصية حرف «أيوتا» في دلالته على العناصر الرقيقة القابلة لمرور الأشياء من خلالها، فيدخل في أسماء أخر لمسميّات لها هذه الخاصيّة، نحو «إيتاي» أي يذهب، و»هيثاي» أي يسرع. وهذه الطريقة في المقابلة بين المسمّى وأجزاء أو حروف الاسم موجودة أيضاً في التراث الإسلاميّ، الجامع بين الجانبين اللغويّ والكلاميّ في آن. ومن هنا إعادة لطرح السؤال: اللغة توقيفية أم اتفاقية أم طبيعية؟ فأصل الطرح كما يظهر من المحاورة أنّ الأصالة هي «مقابلة البيان بالوجود» للتثبت من الحقائق، وأن التسميات الطبيعية الصحيحة من قِبل الآلهة فهي «توقيفية»، في حين ما دون ذلك «اتفاقيّ»، وقد يكون خاطئاً. فالسؤال الأسبق عن أصل اللغات، في أصله مرتبط بعلّة صانعها، وأصالة التفلسف اللفظي في علاقة الدال بالمدلول، لنقل حقائق الوجود عبر خط لغويّ هو «خط تسمية الآلهة»، أمّا الخط المعاكس الصاعد، فهو خط الناس، ومنه خطّ «الفيلسوف» الذي يعيد بالتذكّر وفق طرائق محكمة، تذهب التباسيّة اللغة لنقل تلك الحقائق. وهذا متصل بالمقال المتقدّم عن إشكالية «حمل الوجود على اللغة» عند أفلاطون.
ومراتب التسمية من هذه الجهة «علاقة الاسم بالمسمّى» هي: تسمية تامّة؛ عند وصف طبيعة الشيء بتمامه، وتسمية جزئية؛ لوصف جزئيّ، وتسمية خاطئة؛ إذا حادت عن الوصف الحقيقي ضلالاً أو تعمّداً. ولعل دارس المنطق يتذكّر مراتب الحدود، وصلة المنطق أصالة ب «المفردات»، والمقصود منها «مفردات الأسماء»، وما يتصل من شروط واجبة لهذا الاسم؛ حتى يدخل في دائرة المباحث المنطقيّة. ويسميّ «السيّد» طريقة التسمية الطبيعية ب «نظرية المحاكاة الطبيعية»، في حين يسميها «طه عبد الرحمن» ب «التعليل»؛ معتمداً على الدلالة الفلسفية الأعم عند أفلاطون، وهي «العلاقة السببية».
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 2 أيام
- سعورس
أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس» (2)
ختم المقال السابق بتساؤل: إن كانت الحقائق بذاتها مستقلة، فكيف يصل الإنسان لمعرفتها إن كانت معرفته بها ستغير من حقيقتها بحسب ما يظهر له؟ ما المعيار المميز بين معرفة الحقائق ومعرفة الظواهر؟ هنا تظهر فلسفة أفلاطون في جانبيها: الصاعد والنازل، أمّا الصاعد فاقترن ظهوره بنظرية «التذكر»؛ تذكر المُثل، وأمّا النازل فهو العلم الأوّل النقي من قِبل فئة خاصّة تهب التسميات بصحة، وهي: «الآلهة». وبما أن اللغة صادرة عن الموجودات، بفعلها اللغوي، ونوعها الخاص «التسمية»؛ فهي آلة لا بدّ لها من «فاعل-صانع»، وهذا الصانع له ثلاثة أصناف: صانع مصيب دائماً «الآلهة»، صانع ذو مرتبة عالية «الحكماء»؛ وهم أكثر توفيقاً من بقية البشر، صانع بشري يتفاوت الحكم على صواب تسميته بحسب تفاوت البشر في إدراك الحقائق. ومن هذه التصنيفات الثلاث يمكن استذكار أهم مسألة عمّت «فلسفة اللغة»، حتى في صلب التراث الإسلامي العقدي، وهي: هل اللغات توقيفية أم لا؟ (وهذا ما سيشار له تفصيلاً في التالي). ولن يعدم القارئ أن يجد هذه المسائل في كتب التراث الإسلامي، ولك مثلاً أن تبحثها في أول كتاب «المزهر في اللغة» للإمام السيوطيّ. فضلا عن توزع مسائل هذه المحاورة في كثير من أصول المسائل في مباحث عدّة، فضلاً عن منطلق اللغة من «المفردة»، وما جرّ إلى مسائل شائكة في العلوم الإسلامية، وكثير من العلوم الإنسانية عامّة. والإشارة الأولى لجامع المسائل في فلسفة اللغة، وهو: أصل اللغات توقيفية أم طبيعية أم اتفاقية-اعتباطيّة؟ لننعطف إلى «صانع الأسماء» (وقبل ذلك لا بدّ من التأكيد على أوّليّة «الأسماء» في كثير من اللغات التي احتضنت الفلسفة، واستحضار هذا الأمر مهم عند التناول الفلسفي-المنطقيّ وفق اللغة العربيّة، وكيف حُوّلت دلالات في أصلها فعليّة إلى اسميّة بعد التداخل الفلسفيّ، نحو: «العقل»)، فصانع الأسماء لا بدّ أن يكون «عالماً بطبيعة المسمّى»، و»عالماً بطبيعة الأسماء» (أي المقابلة بين المستوى البياني والمستوى الوجوديّ)، أي يقدر على المقابلة بين أجزاء الكلمة والمسمّى، مثل خاصية حرف «أيوتا» في دلالته على العناصر الرقيقة القابلة لمرور الأشياء من خلالها، فيدخل في أسماء أخر لمسميّات لها هذه الخاصيّة، نحو «إيتاي» أي يذهب، و»هيثاي» أي يسرع. وهذه الطريقة في المقابلة بين المسمّى وأجزاء أو حروف الاسم موجودة أيضاً في التراث الإسلاميّ، الجامع بين الجانبين اللغويّ والكلاميّ في آن. ومن هنا إعادة لطرح السؤال: اللغة توقيفية أم اتفاقية أم طبيعية؟ فأصل الطرح كما يظهر من المحاورة أنّ الأصالة هي «مقابلة البيان بالوجود» للتثبت من الحقائق، وأن التسميات الطبيعية الصحيحة من قِبل الآلهة فهي «توقيفية»، في حين ما دون ذلك «اتفاقيّ»، وقد يكون خاطئاً. فالسؤال الأسبق عن أصل اللغات، في أصله مرتبط بعلّة صانعها، وأصالة التفلسف اللفظي في علاقة الدال بالمدلول، لنقل حقائق الوجود عبر خط لغويّ هو «خط تسمية الآلهة»، أمّا الخط المعاكس الصاعد، فهو خط الناس، ومنه خطّ «الفيلسوف» الذي يعيد بالتذكّر وفق طرائق محكمة، تذهب التباسيّة اللغة لنقل تلك الحقائق. وهذا متصل بالمقال المتقدّم عن إشكالية «حمل الوجود على اللغة» عند أفلاطون. ومراتب التسمية من هذه الجهة «علاقة الاسم بالمسمّى» هي: تسمية تامّة؛ عند وصف طبيعة الشيء بتمامه، وتسمية جزئية؛ لوصف جزئيّ، وتسمية خاطئة؛ إذا حادت عن الوصف الحقيقي ضلالاً أو تعمّداً. ولعل دارس المنطق يتذكّر مراتب الحدود، وصلة المنطق أصالة ب «المفردات»، والمقصود منها «مفردات الأسماء»، وما يتصل من شروط واجبة لهذا الاسم؛ حتى يدخل في دائرة المباحث المنطقيّة. ويسميّ «السيّد» طريقة التسمية الطبيعية ب «نظرية المحاكاة الطبيعية»، في حين يسميها «طه عبد الرحمن» ب «التعليل»؛ معتمداً على الدلالة الفلسفية الأعم عند أفلاطون، وهي «العلاقة السببية». انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.


الرياض
منذ 2 أيام
- الرياض
أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس» (2)
ختم المقال السابق بتساؤل: إن كانت الحقائق بذاتها مستقلة، فكيف يصل الإنسان لمعرفتها إن كانت معرفته بها ستغير من حقيقتها بحسب ما يظهر له؟ ما المعيار المميز بين معرفة الحقائق ومعرفة الظواهر؟ هنا تظهر فلسفة أفلاطون في جانبيها: الصاعد والنازل، أمّا الصاعد فاقترن ظهوره بنظرية «التذكر»؛ تذكر المُثل، وأمّا النازل فهو العلم الأوّل النقي من قِبل فئة خاصّة تهب التسميات بصحة، وهي: «الآلهة». وبما أن اللغة صادرة عن الموجودات، بفعلها اللغوي، ونوعها الخاص «التسمية»؛ فهي آلة لا بدّ لها من «فاعل-صانع»، وهذا الصانع له ثلاثة أصناف: صانع مصيب دائماً «الآلهة»، صانع ذو مرتبة عالية «الحكماء»؛ وهم أكثر توفيقاً من بقية البشر، صانع بشري يتفاوت الحكم على صواب تسميته بحسب تفاوت البشر في إدراك الحقائق. ومن هذه التصنيفات الثلاث يمكن استذكار أهم مسألة عمّت «فلسفة اللغة»، حتى في صلب التراث الإسلامي العقدي، وهي: هل اللغات توقيفية أم لا؟ (وهذا ما سيشار له تفصيلاً في التالي). ولن يعدم القارئ أن يجد هذه المسائل في كتب التراث الإسلامي، ولك مثلاً أن تبحثها في أول كتاب «المزهر في اللغة» للإمام السيوطيّ. فضلا عن توزع مسائل هذه المحاورة في كثير من أصول المسائل في مباحث عدّة، فضلاً عن منطلق اللغة من «المفردة»، وما جرّ إلى مسائل شائكة في العلوم الإسلامية، وكثير من العلوم الإنسانية عامّة. والإشارة الأولى لجامع المسائل في فلسفة اللغة، وهو: أصل اللغات توقيفية أم طبيعية أم اتفاقية-اعتباطيّة؟ لننعطف إلى «صانع الأسماء» (وقبل ذلك لا بدّ من التأكيد على أوّليّة «الأسماء» في كثير من اللغات التي احتضنت الفلسفة، واستحضار هذا الأمر مهم عند التناول الفلسفي-المنطقيّ وفق اللغة العربيّة، وكيف حُوّلت دلالات في أصلها فعليّة إلى اسميّة بعد التداخل الفلسفيّ، نحو: «العقل»)، فصانع الأسماء لا بدّ أن يكون «عالماً بطبيعة المسمّى»، و»عالماً بطبيعة الأسماء» (أي المقابلة بين المستوى البياني والمستوى الوجوديّ)، أي يقدر على المقابلة بين أجزاء الكلمة والمسمّى، مثل خاصية حرف «أيوتا» في دلالته على العناصر الرقيقة القابلة لمرور الأشياء من خلالها، فيدخل في أسماء أخر لمسميّات لها هذه الخاصيّة، نحو «إيتاي» أي يذهب، و»هيثاي» أي يسرع. وهذه الطريقة في المقابلة بين المسمّى وأجزاء أو حروف الاسم موجودة أيضاً في التراث الإسلاميّ، الجامع بين الجانبين اللغويّ والكلاميّ في آن. ومن هنا إعادة لطرح السؤال: اللغة توقيفية أم اتفاقية أم طبيعية؟ فأصل الطرح كما يظهر من المحاورة أنّ الأصالة هي «مقابلة البيان بالوجود» للتثبت من الحقائق، وأن التسميات الطبيعية الصحيحة من قِبل الآلهة فهي «توقيفية»، في حين ما دون ذلك «اتفاقيّ»، وقد يكون خاطئاً. فالسؤال الأسبق عن أصل اللغات، في أصله مرتبط بعلّة صانعها، وأصالة التفلسف اللفظي في علاقة الدال بالمدلول، لنقل حقائق الوجود عبر خط لغويّ هو «خط تسمية الآلهة»، أمّا الخط المعاكس الصاعد، فهو خط الناس، ومنه خطّ «الفيلسوف» الذي يعيد بالتذكّر وفق طرائق محكمة، تذهب التباسيّة اللغة لنقل تلك الحقائق. وهذا متصل بالمقال المتقدّم عن إشكالية «حمل الوجود على اللغة» عند أفلاطون. ومراتب التسمية من هذه الجهة «علاقة الاسم بالمسمّى» هي: تسمية تامّة؛ عند وصف طبيعة الشيء بتمامه، وتسمية جزئية؛ لوصف جزئيّ، وتسمية خاطئة؛ إذا حادت عن الوصف الحقيقي ضلالاً أو تعمّداً. ولعل دارس المنطق يتذكّر مراتب الحدود، وصلة المنطق أصالة بـ «المفردات»، والمقصود منها «مفردات الأسماء»، وما يتصل من شروط واجبة لهذا الاسم؛ حتى يدخل في دائرة المباحث المنطقيّة. ويسميّ «السيّد» طريقة التسمية الطبيعية بـ «نظرية المحاكاة الطبيعية»، في حين يسميها «طه عبد الرحمن» بـ «التعليل»؛ معتمداً على الدلالة الفلسفية الأعم عند أفلاطون، وهي «العلاقة السببية».


الرياض
٢٤-٠٧-٢٠٢٥
- الرياض
أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس» (2)
ختم المقال السابق بتساؤل: إن كانت الحقائق بذاتها مستقلة، فكيف يصل الإنسان لمعرفتها إن كانت معرفته بها ستغير من حقيقتها بحسب ما يظهر له؟ ما المعيار المميز بين معرفة الحقائق ومعرفة الظواهر؟ هنا تظهر فلسفة أفلاطون في جانبيها: الصاعد والنازل، أمّا الصاعد فاقترن ظهوره بنظرية «التذكر»؛ تذكر المُثل، وأمّا النازل فهو العلم الأوّل النقي من قِبل فئة خاصّة تهب التسميات بصحة، وهي: «الآلهة». وبما أن اللغة صادرة عن الموجودات، بفعلها اللغوي، ونوعها الخاص «التسمية»؛ فهي آلة لا بدّ لها من «فاعل-صانع»، وهذا الصانع له ثلاثة أصناف: صانع مصيب دائماً «الآلهة»، صانع ذو مرتبة عالية «الحكماء»؛ وهم أكثر توفيقاً من بقية البشر، صانع بشري يتفاوت الحكم على صواب تسميته بحسب تفاوت البشر في إدراك الحقائق. ومن هذه التصنيفات الثلاث يمكن استذكار أهم مسألة عمّت «فلسفة اللغة»، حتى في صلب التراث الإسلامي العقدي، وهي: هل اللغات توقيفية أم لا؟ (وهذا ما سيشار له تفصيلاً في التالي). ولن يعدم القارئ أن يجد هذه المسائل في كتب التراث الإسلامي، ولك مثلاً أن تبحثها في أول كتاب «المزهر في اللغة» للإمام السيوطيّ. فضلا عن توزع مسائل هذه المحاورة في كثير من أصول المسائل في مباحث عدّة، فضلاً عن منطلق اللغة من «المفردة»، وما جرّ إلى مسائل شائكة في العلوم الإسلامية، وكثير من العلوم الإنسانية عامّة. والإشارة الأولى لجامع المسائل في فلسفة اللغة، وهو: أصل اللغات توقيفية أم طبيعية أم اتفاقية-اعتباطيّة؟ لننعطف إلى «صانع الأسماء» (وقبل ذلك لا بدّ من التأكيد على أوّليّة «الأسماء» في كثير من اللغات التي احتضنت الفلسفة، واستحضار هذا الأمر مهم عند التناول الفلسفي-المنطقيّ وفق اللغة العربيّة، وكيف حُوّلت دلالات في أصلها فعليّة إلى اسميّة بعد التداخل الفلسفيّ، نحو: «العقل»)، فصانع الأسماء لا بدّ أن يكون «عالماً بطبيعة المسمّى»، و»عالماً بطبيعة الأسماء» (أي المقابلة بين المستوى البياني والمستوى الوجوديّ)، أي يقدر على المقابلة بين أجزاء الكلمة والمسمّى، مثل خاصية حرف «أيوتا» في دلالته على العناصر الرقيقة القابلة لمرور الأشياء من خلالها، فيدخل في أسماء أخر لمسميّات لها هذه الخاصيّة، نحو «إيتاي» أي يذهب، و»هيثاي» أي يسرع. وهذه الطريقة في المقابلة بين المسمّى وأجزاء أو حروف الاسم موجودة أيضاً في التراث الإسلاميّ، الجامع بين الجانبين اللغويّ والكلاميّ في آن. ومن هنا إعادة لطرح السؤال: اللغة توقيفية أم اتفاقية أم طبيعية؟ فأصل الطرح كما يظهر من المحاورة أنّ الأصالة هي «مقابلة البيان بالوجود» للتثبت من الحقائق، وأن التسميات الطبيعية الصحيحة من قِبل الآلهة فهي «توقيفية»، في حين ما دون ذلك «اتفاقيّ»، وقد يكون خاطئاً. فالسؤال الأسبق عن أصل اللغات، في أصله مرتبط بعلّة صانعها، وأصالة التفلسف اللفظي في علاقة الدال بالمدلول، لنقل حقائق الوجود عبر خط لغويّ هو «خط تسمية الآلهة»، أمّا الخط المعاكس الصاعد، فهو خط الناس، ومنه خطّ «الفيلسوف» الذي يعيد بالتذكّر وفق طرائق محكمة، تذهب التباسيّة اللغة لنقل تلك الحقائق. وهذا متصل بالمقال المتقدّم عن إشكالية «حمل الوجود على اللغة» عند أفلاطون. ومراتب التسمية من هذه الجهة «علاقة الاسم بالمسمّى» هي: تسمية تامّة؛ عند وصف طبيعة الشيء بتمامه، وتسمية جزئية؛ لوصف جزئيّ، وتسمية خاطئة؛ إذا حادت عن الوصف الحقيقي ضلالاً أو تعمّداً. ولعل دارس المنطق يتذكّر مراتب الحدود، وصلة المنطق أصالة بـ «المفردات»، والمقصود منها «مفردات الأسماء»، وما يتصل من شروط واجبة لهذا الاسم؛ حتى يدخل في دائرة المباحث المنطقيّة. ويسميّ «السيّد» طريقة التسمية الطبيعية بـ «نظرية المحاكاة الطبيعية»، في حين يسميها «طه عبد الرحمن» بـ «التعليل»؛ معتمداً على الدلالة الفلسفية الأعم عند أفلاطون، وهي «العلاقة السببية».