logo
أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس»   (2)

أهمية مضمون محاورة «كراتيليوس» (2)

الرياضمنذ 4 أيام
ختم المقال السابق بتساؤل: إن كانت الحقائق بذاتها مستقلة، فكيف يصل الإنسان لمعرفتها إن كانت معرفته بها ستغير من حقيقتها بحسب ما يظهر له؟ ما المعيار المميز بين معرفة الحقائق ومعرفة الظواهر؟ هنا تظهر فلسفة أفلاطون في جانبيها: الصاعد والنازل، أمّا الصاعد فاقترن ظهوره بنظرية «التذكر»؛ تذكر المُثل، وأمّا النازل فهو العلم الأوّل النقي من قِبل فئة خاصّة تهب التسميات بصحة، وهي: «الآلهة». وبما أن اللغة صادرة عن الموجودات، بفعلها اللغوي، ونوعها الخاص «التسمية»؛ فهي آلة لا بدّ لها من «فاعل-صانع»، وهذا الصانع له ثلاثة أصناف: صانع مصيب دائماً «الآلهة»، صانع ذو مرتبة عالية «الحكماء»؛ وهم أكثر توفيقاً من بقية البشر، صانع بشري يتفاوت الحكم على صواب تسميته بحسب تفاوت البشر في إدراك الحقائق. ومن هذه التصنيفات الثلاث يمكن استذكار أهم مسألة عمّت «فلسفة اللغة»، حتى في صلب التراث الإسلامي العقدي، وهي: هل اللغات توقيفية أم لا؟ (وهذا ما سيشار له تفصيلاً في التالي).
ولن يعدم القارئ أن يجد هذه المسائل في كتب التراث الإسلامي، ولك مثلاً أن تبحثها في أول كتاب «المزهر في اللغة» للإمام السيوطيّ. فضلا عن توزع مسائل هذه المحاورة في كثير من أصول المسائل في مباحث عدّة، فضلاً عن منطلق اللغة من «المفردة»، وما جرّ إلى مسائل شائكة في العلوم الإسلامية، وكثير من العلوم الإنسانية عامّة. والإشارة الأولى لجامع المسائل في فلسفة اللغة، وهو: أصل اللغات توقيفية أم طبيعية أم اتفاقية-اعتباطيّة؟
لننعطف إلى «صانع الأسماء» (وقبل ذلك لا بدّ من التأكيد على أوّليّة «الأسماء» في كثير من اللغات التي احتضنت الفلسفة، واستحضار هذا الأمر مهم عند التناول الفلسفي-المنطقيّ وفق اللغة العربيّة، وكيف حُوّلت دلالات في أصلها فعليّة إلى اسميّة بعد التداخل الفلسفيّ، نحو: «العقل»)، فصانع الأسماء لا بدّ أن يكون «عالماً بطبيعة المسمّى»، و»عالماً بطبيعة الأسماء» (أي المقابلة بين المستوى البياني والمستوى الوجوديّ)، أي يقدر على المقابلة بين أجزاء الكلمة والمسمّى، مثل خاصية حرف «أيوتا» في دلالته على العناصر الرقيقة القابلة لمرور الأشياء من خلالها، فيدخل في أسماء أخر لمسميّات لها هذه الخاصيّة، نحو «إيتاي» أي يذهب، و»هيثاي» أي يسرع. وهذه الطريقة في المقابلة بين المسمّى وأجزاء أو حروف الاسم موجودة أيضاً في التراث الإسلاميّ، الجامع بين الجانبين اللغويّ والكلاميّ في آن. ومن هنا إعادة لطرح السؤال: اللغة توقيفية أم اتفاقية أم طبيعية؟ فأصل الطرح كما يظهر من المحاورة أنّ الأصالة هي «مقابلة البيان بالوجود» للتثبت من الحقائق، وأن التسميات الطبيعية الصحيحة من قِبل الآلهة فهي «توقيفية»، في حين ما دون ذلك «اتفاقيّ»، وقد يكون خاطئاً. فالسؤال الأسبق عن أصل اللغات، في أصله مرتبط بعلّة صانعها، وأصالة التفلسف اللفظي في علاقة الدال بالمدلول، لنقل حقائق الوجود عبر خط لغويّ هو «خط تسمية الآلهة»، أمّا الخط المعاكس الصاعد، فهو خط الناس، ومنه خطّ «الفيلسوف» الذي يعيد بالتذكّر وفق طرائق محكمة، تذهب التباسيّة اللغة لنقل تلك الحقائق. وهذا متصل بالمقال المتقدّم عن إشكالية «حمل الوجود على اللغة» عند أفلاطون.
ومراتب التسمية من هذه الجهة «علاقة الاسم بالمسمّى» هي: تسمية تامّة؛ عند وصف طبيعة الشيء بتمامه، وتسمية جزئية؛ لوصف جزئيّ، وتسمية خاطئة؛ إذا حادت عن الوصف الحقيقي ضلالاً أو تعمّداً. ولعل دارس المنطق يتذكّر مراتب الحدود، وصلة المنطق أصالة بـ «المفردات»، والمقصود منها «مفردات الأسماء»، وما يتصل من شروط واجبة لهذا الاسم؛ حتى يدخل في دائرة المباحث المنطقيّة. ويسميّ «السيّد» طريقة التسمية الطبيعية بـ «نظرية المحاكاة الطبيعية»، في حين يسميها «طه عبد الرحمن» بـ «التعليل»؛ معتمداً على الدلالة الفلسفية الأعم عند أفلاطون، وهي «العلاقة السببية».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المملكة تنافس 14 دولة في أولمبياد العلوم النووية
المملكة تنافس 14 دولة في أولمبياد العلوم النووية

الرياض

timeمنذ دقيقة واحدة

  • الرياض

المملكة تنافس 14 دولة في أولمبياد العلوم النووية

خاض المنتخب السعودي للعلوم النووية الجولة الثانية من منافسات أولمبياد العلوم النووية الدولي (INSO 2025)، الذي تستضيفه العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال الفترة من 30 يوليو - 6 أغسطس الجاري، بمشاركة 56 طالبًا وطالبة يمثلون 14 دولة. وتتضمن منافسات الأولمبياد، التي يترقب المنتخب السعودي نتائج مشاركته فيها، اختبارين رئيسين؛ أحدهما نظري يُجرى على مدى خمس ساعات، والآخر عملي يُنفذ خلال المدة نفسها، ويتضمن تجربة أو محاكاة تطبيقية في أحد مجالات العلوم النووية، مع التركيز على المهارات التحليلية والإبداعية للطلبة المشاركين. ويمثل المملكة، في هذه النسخة 4 طلاب، بعد اجتيازهم مراحل تدريب وتأهيل مكثفة نظّمتها مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، بالشراكة الإستراتيجية مع وزارة التعليم، وبالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. ويضم منتخب المملكة لهذا العام: حسن علي العوض من تعليم الأحساء، وعزام خالد العمري من تعليم جدة، والبراء سعيد عواجي من تعليم المدينة المنورة، وإبراهيم عبدالعزيز العثمان من تعليم الهيئة الملكية للجبيل. وتأتي هذه المشاركة امتدادًا لمشاركة المملكة في النسخة الأولى من الأولمبياد، التي حققت خلالها 4 جوائز دولية، بينها ميدالية فضية و3 ميداليات برونزية، في إنجاز يعكس مستوى التقدم الذي أحرزته المملكة في مجالات العلوم المتقدمة، ضمن منظومة وطنية متكاملة لرعاية الموهبة وصناعة الابتكار. ويُعد أولمبياد العلوم النووية الدولي، الذي أقرّته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2024، منصة علمية عالمية تهدف إلى تعزيز الاستخدام السلمي والآمن للتقنيات النووية، وتحفيز الشباب على التخصص في هذا المجال الحيوي، وتشجيعهم على ابتكار حلول علمية تُسهم في توسيع تطبيقاته.

بصائرالإعلامي والذكاء الاصطناعي: تحديات وفرص التفوق
بصائرالإعلامي والذكاء الاصطناعي: تحديات وفرص التفوق

الرياض

timeمنذ دقيقة واحدة

  • الرياض

بصائرالإعلامي والذكاء الاصطناعي: تحديات وفرص التفوق

في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها العالم بفضل الذكاء الاصطناعي، بات الإعلامي أمام تحديات -غير مسبوقة- تهدد بتراجع دوره التقليدي، فمع قدرة الآلة على تحليل البيانات الهائلة، وإنتاج المحتوى بسرعة ودقة، بل وحتى محاكاة أساليب الكتابة البشرية، يبرز تساؤل محوري: هل سيحل الإعلامي الاصطناعي محل الإعلامي البشري؟ للإجابة عن هذا التساؤل، ينبغي النظر فيما يميز الطرفين. تمتاز الآلة بالسرعة والكفاءة والتكلفة المنخفضة، لكنها تفتقر إلى الفهم الإنساني العميق والقدرة على الإبداع الحقيقي. الإعلامي البشري هو من يستطيع تقديم محتوى يرتبط بالوجدان ويعكس السياقات الثقافية والاجتماعية التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي استيعابها -بشكل كامل-. ولأجل تفوق الإعلامي البشري، يصبح تطوير المهارات ضرورة ملحة، إذ إن فهم التقنية‏ الحديثة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يمنح الإعلامي القدرة على استثمارها بذكاء لتعزيز عمله، وليس لمنافستها. كذلك، تعد المهارات التحليلية ركيزة أساسية تمكن الإعلامي من تقديم رؤى ثاقبة تستند إلى فهم عميق لاحتياجات الجمهور وتحركات المنافسين. الإبداع يظل المفتاح الأهم، فالإعلامي القادر على ابتكار محتوى فريد يعكس الروح الإنسانية ويعالج قضايا المجتمع بأسلوب مؤثر، سيظل دائما في الصدارة. إلى جانب ذلك، التفاعل الإنساني مع الجمهور يمنح الإعلامي ميزة لا يمكن للآلة مجاراتها، حيث يظل التواصل المباشر عاملا جوهريا في بناء الثقة وتعزيز العلاقات. التعلم المستمر هو السلاح الذي يضمن للإعلامي مواجهة المستقبل بثقة، إن متابعة أحدث التطورات التقنية وتحديث المهارات بشكل دوري لا يعني فقط تعلم أدوات جديدة، بل يشمل تطوير التفكير النقدي والابتكار في تقديم زوايا إعلامية فريدة ومؤثرة. الذكاء الاصطناعي ليس تهديدا بل أداة يمكن للإعلامي توظيفها بذكاء. التفوق في هذا العصر يتطلب من الإعلامي الجمع بين المهارات التقنية والإبداعية والإنسانية، ليظل عنصرا لا غنى عنه في منظومة إعلامية متغيرة. بصيرة: القيمة الحقيقية للإعلامي تكمن في لمسته الإنسانية وقدرته على تقديم محتوى يحمل عمقا ورؤية لا يمكن للآلة تقليدها.

"أنثروبيك" تحظر وصول OpenAI إلى واجهة Claude بعد انتهاك شروط الاستخدام
"أنثروبيك" تحظر وصول OpenAI إلى واجهة Claude بعد انتهاك شروط الاستخدام

الشرق السعودية

timeمنذ 7 ساعات

  • الشرق السعودية

"أنثروبيك" تحظر وصول OpenAI إلى واجهة Claude بعد انتهاك شروط الاستخدام

في خطوة تعكس تصاعد التوتر في سباق الذكاء الاصطناعي، أقدمت شركة "أنثروبيك" على سحب صلاحية الوصول الخاصة بشركة OpenAI إلى واجهة برمجة التطبيقات (API) لنموذجها اللغوي Claude، وذلك بعد أن اتهمتها بانتهاك شروط الاستخدام المنصوص عليها في الاتفاق التجاري بين الطرفين. ونقلت مجلة WIRED عن مصادر مطلعة، أن عملية الإيقاف أجريت الثلاثاء الماضي، حيث تم إخطار OpenAI بأن قرار المنع جاء نتيجة لاستخدام غير مصرح به للواجهة البرمجية الخاصة بـClaude. وقال المتحدث باسم "أنثروبيك"، كريستوفر نولتي، إن Claude Code "بات الخيار الأول للمبرمجين على مستوى العالم، لذلك لم يكن مفاجئاً أن نعلم أن موظفين تقنيين من OpenAI كانوا يستخدمون أدواتنا البرمجية قبيل طرح GPT-5. إلا أن هذا يشكل انتهاكاً صريحاً لشروط الخدمة". وتتضمن شروط الاستخدام التجاري لـ"أنثروبيك" بنوداً تحظر على العملاء استخدام خدماتها لبناء منتجات أو نماذج ذكاء اصطناعي منافسة، أو محاولة تحليل أو استنساخ خوارزميات الخدمة. ويأتي قرار الحظر في وقت تشير فيه التقارير إلى قرب إعلان OpenAI عن إطلاق نموذجها الجديد GPT-5، والذي يُتوقع أن يحمل تحسينات كبيرة في مجالات البرمجة التوليدية. وفقًا للمصادر، كانت OpenAI تستخدم Claude ضمن أدواتها الداخلية باستخدام صلاحيات مطورين خاصة، بدلاً من الواجهة العامة، وذلك لتقييم قدراته في البرمجة والكتابة الإبداعية، واختباره في سياقات حساسة تشمل خطاب الكراهية، والانتحار، والتشهير، وغيرها من المحاور الأمنية. الهدف من تلك الاختبارات أن تجري OpenAI مقارنات مع نماذجها الداخلية لتحسين الأداء وضمان التوافق مع معايير السلامة. معايير قياسية في ردها على القرار، قالت هانا وونج، رئيسة الاتصالات في OpenAI، إن اختبار النماذج المنافسة يمثل "ممارسة قياسية" في الصناعة، مشيرة إلى أن API الخاصة بـOpenAI لا تزال متاحة لـ"أنثروبيك" دون قيود. وأضافت: "بينما نحترم قرارهم بقطع الوصول، إلا أننا نشعر بخيبة أمل إزاء ذلك". من جهته، أكد نولتي، أن "أنثروبيك" ستواصل إتاحة وصول OpenAI فقط لأغراض السلامة والتقييم، وهي ممارسات متعارف عليها بين الشركات، لكنه رفض الإفصاح عما إذا كانت القيود الحالية ستؤثر على هذا التوجه. وقائع سابقة وهذه ليست المرة الأولى التي يُستخدم فيها سحب واجهات البرمجة كأداة تنافسية بين شركات التقنية، فقد سبق أن حظرت "ميتا" الوصول عن تطبيق "فاين" المملوك لمنصة "إكس"، في خطوة وُصفت لاحقاً بأنها سلوك احتكاري. كما اتخذت "سيلزفورس" في يوليو الماضي، خطوة مشابهة بمنع منافسين من الوصول إلى بيانات عبر Slack API. أما بالنسبة لـ"أنثروبيك"، فكانت قد منعت الشهر الماضي شركة Windsurf الناشئة من الوصول إلى Claude بعد شائعات عن نية OpenAI الاستحواذ عليها، وهي صفقة لم تكتمل في النهاية. وقال كبير العلماء في أنثروبيك، جاريد كابلان، في تصريحات سابقة لموقع TechCrunch: "سيكون من الغريب أن نبيع Claude لشركة مثل OpenAI". وقبل يوم واحد فقط من قطع الوصول إلى OpenAI، أعلنت Anthropic، فرض حدود جديدة على معدل استخدام Claude Code، بسبب تزايد الإقبال بشكل كبير، وبعض الانتهاكات لشروط الخدمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store