
هل تدفع تغيرات المناخ تركيا إلى مرحلة الانهيار المائي؟
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نصيب الفرد من المياه المتجددة في تركيا انخفض من نحو 1650 مترا مكعبا مطلع الألفية إلى ما دون 1300 متر مكعب حاليا، مقتربا من الخط الأحمر الذي حددته الأمم المتحدة عند ألف متر مكعب سنويا.
ولا يعكس هذا التراجع، الذي يقدر بنسبة 19% خلال عقدين فقط، أزمة موارد فحسب، بل يكشف عن نمط استهلاك غير مستدام، ونظام إدارة مائية يواجه تحديا هيكليا بالغ الخطورة، حسب الخبراء.
وبينما تتصاعد مؤشرات الإجهاد المائي، يحذر الخبراء من أن هامش الإصلاح يضيق بسرعة، وأن السنوات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت تركيا قادرة على تجنب "الانهيار المائي" المرتقب.
أزمة ملموسة
لم تعد أزمة شح المياه في تركيا حبيسة التقارير العلمية، بل باتت ملموسة في الحياة اليومية في عدة مدن. ففي بلدة تشيشمه الساحلية بولاية إزمير، يواجه السكان انقطاعات تصل إلى 12 ساعة يوميا.
كما شمل التقنين مدينة إزمير نفسها ابتداء من 6 أغسطس/آب الماضي، بعد تراجع منسوب سد تاهتالي وتوقف الإمدادات من سد غوردس، وانخفاض أحد خزانات تشيشمه إلى أقل من 5% من سعته.
وفي أنقرة، هبطت مخزونات المياه في السدود إلى 18% مطلع 2023، وسط تحذيرات من نفاد الإمدادات خلال أربعة إلى 5 أشهر ما لم تهطل الأمطار. ويعزى ذلك إلى جفاف حاد وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
ويعزى هذا التدهور إلى عام من الجفاف الحاد، تميز بندرة التساقطات، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. وجفاف بحيرات ومسطحات مائية، فقد شهدت البلاد أكثر شهور ديسمبر/كانون الأول حرارة منذ أكثر من نصف قرن، مع عجز مطري تجاوز 50% عن المعدلات الموسمية، وفق بيانات هيئة الأرصاد الجوية التركية.
تباطؤ السياسات الرسمية
رغم تزايد التحذيرات من خبراء المناخ والبيئة بشأن خطر الفقر المائي المحدق بتركيا، فإن الاستجابة الرسمية لا تزال، في نظر كثير من المختصين، دون مستوى التحدي. ويشير هؤلاء إلى وجود فجوة متنامية بين جدية التهديدات التي ترصدها الأبحاث العلمية، وبين طبيعة الإجراءات التي تتخذها السلطات على الأرض.
وفي هذا السياق، حذر مصطفى شاشماز، أستاذ المناخ في جامعة البحر الأسود، من أن التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة أصبح اليوم أحد أبرز أسباب فقدان الموارد المائية في تركيا، مشيرا إلى أن تخزين المياه في سدود سطحية واسعة، دون مراعاة المعايير المناخية، يجعلها أكثر عرضة للتبخر في ظل تزايد موجات الحر.
وأوضح شاشماز في حديث للجزيرة نت، أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب حلولا تقنية عاجلة، من بينها إعادة تصميم الخزانات لتكون أكثر عمقا وأقل عرضة لأشعة الشمس، وتغطية الأحواض المكشوفة في المناطق الحساسة، إلى جانب حظر استخدام المياه العذبة في أحواض السباحة الخاصة بالمنتجعات الساحلية، واستبدالها بالمياه المالحة المعالجة.
كما لفت إلى أن مؤسسات الدولة تشكل بدورها جزءا من المشكلة، إذ تستهلك المرافق العامة كميات كبيرة من المياه من دون تطبيق فعال لأنظمة الترشيد أو اعتماد تقنيات توفير حديثة، داعيا إلى إصلاح شامل لهذه البنى وتطويرها بما يتلاءم مع التحديات المناخية المتسارعة.
التصحر وتغير المناخ
في تقاطع خطير بين الظواهر المناخية العالمية والقصور في الإدارة المحلية، تواجه تركيا أحد أعقد التحديات البيئية في تاريخها الحديث، يتمثل في اتساع رقعة التصحر وتفاقم موجات الجفاف.
ويضع تقرير "بؤر الجفاف حول العالم 2023-2025″، الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تركيا ضمن النطاقات الحرجة الواقعة في حزام الجفاف الممتد من جنوب أوروبا حتى الشرق الأوسط.
وحذر التقرير من أن استمرار الاتجاهات الحالية قد يدفع البلاد إلى حالة ندرة مائية حادة بحلول عام 2030، مع إمكانية تعرض ما يقرب من 80% من الأراضي الزراعية لموجات جفاف متكررة وشديدة خلال العقد المقبل.
وتزايدت مظاهر الإجهاد البيئي في تركيا خلال السنوات الأخيرة، مع تكرار موجات الحر الشديد وحرائق الغابات، وأبرزها حرائق صيف العام الجاري والتي بلغت نحو 3 آلاف حريق حسب تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتتجاوز أزمة المياه في تركيا حدودها الداخلية لتؤثر على الأمن المائي الإقليمي، خاصة في سوريا والعراق، حيث تتحكم أنقرة في نحو 90% من مياه الفرات وجزء كبير من مياه دجلة.
ومنذ عقود، أنشأت تركيا عشرات السدود ضمن مشروع تطوير جنوب شرق الأناضول لتأمين الري والطاقة، مما أثار خلافات مع بغداد ودمشق اللتين تتهمانها بعدم الالتزام ببروتوكول 1987 القاضي بتمرير 500 متر مكعب/ثانية من مياه الفرات، وهي حصة تقولان إنها تتراجع خاصة في مواسم الجفاف.
جهود حكومية
في سياق معالجتها للأزمة، ضاعفت أنقرة خلال الأعوام الأخيرة من استثماراتها في البنية التحتية المائية، إذ شهد شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 افتتاح 369 منشأة جديدة في أنحاء متفرقة من البلاد، شملت 20 سدا، ومحطات معالجة، وشبكات ري، ومرافق لتخزين المياه، بتمويل تجاوز 53 مليار ليرة تركية (نحو مليار و330 مليون دولار).
إعلان
وفي كلمة له خلال افتتاح المشاريع، شدد الرئيس رجب طيب أردوغان على أن تركيا "ليست بلدا غنيا بالمياه كما يُظن"، موضحا أن المعدل السنوي للهطول المطري لا يتجاوز 574 مليمترا، وهو ما يقل كثيرا عن المعدل العالمي.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة عن برنامج لترميم البحيرات المتقلصة أو الجافة، ومن أبرزها بحيرة مرمرة غربي البلاد، إلى جانب الاستثمار في محطات إعادة تدوير مياه الصرف لاستخدامها في الري والزراعة والصناعة.
ويشمل هذا التوجه أيضا بناء محطات تحلية جديدة في مناطق تعاني من ندرة مزمنة في الموارد العذبة، لاسيما في غرب الأناضول وسواحل البحر المتوسط.
ويرى الخبير في شؤون المياه بلال يلدريم أن الإجراءات التي تتخذها تركيا حاليا -مثل بناء السدود الجديدة وتحديث أنظمة الري- تمثل خطوات مهمة، لكنها غير كافية ما لم تُدعم بسياسات صارمة لإدارة الطلب، وتقليل الهدر، وتوسيع إعادة استخدام المياه.
ويشير الخبير إلى أن الزراعة تستهلك ما بين 70 و75% من إجمالي السحب المائي، فيما تهدر المدن ما بين 20 و35% عبر فواقد الشبكات، بينما تتأثر كفاءة السدود بعوامل التبخر وتراكم الرواسب.
ويضيف يلدريم أن الأولويات العاجلة تشمل خفض الفواقد الحضرية إلى أقل من 15%، وتعميم أنظمة الري عالية الكفاءة لتوفير ما يصل إلى 30% من استهلاك الزراعة، وتقليل التبخر عبر تحسين تصميم الخزانات والتوسع في التخزين الجوفي، ورفع إعادة استخدام المياه المعالجة إلى 20% من الطلب الحضري، فضلا عن تعديل التعرفة المائية، والتحول نحو محاصيل أقل استهلاكا للمياه، ووضع خطط إلزامية لإدارة الجفاف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الليثيوم.. المعدن الحيوي يشعل سباقا عالميا في عصر الطاقة المتجددة
في خضم التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة تشتعل حرب صامتة على معدن الليثيوم باعتباره أحد أكثر الموارد الطبيعية أهمية في القرن 21. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
دوّامات الكم.. الفيزياء ترسم أشهر لوحات فان جوخ في المختبر
في ليلة صيفية من عام 1889، رسم فان جوخ لوحته الشهيرة "ليلة النجوم"، حيث تدور السحب في السماء مثل أمواج البحر، ويضيء القمر الهلالي الزاوية العليا من اللوحة، وبعد أكثر من قرن، اقترن هذا المشهد البديع باكتشاف فريد من نوعه في عالم الفيزياء الكمومية. ودار هذا الاكتشاف الذي تم الإعلان عنه في دورية"نيتشر فيزكس"، حول الظاهرة الفيزيائية المعروفة باسم "عدم استقرار كلفن-هلمهولتز"، والتي تحدث عندما تنزلق طبقتان من الموائع (سواء كانت غازات أو سوائل، وهي المواد التي تنساب وتأخذ شكل الوعاء وتشمل السوائل والغازات) فوق بعضهما بسرعات مختلفة. يسبب ذلك تموجات تشبه الأمواج البحرية، وهذه التموجات تظهر في الغيوم، وفي الغلاف الجوي للكواكب، وحتى في الفضاء حول الكواكب والنجوم. وفي المختبر، تساءل فريق من جامعة أوساكا متروبوليتان باليابان والمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، حول ما إذا كان من الممكن أن تتكرر هذه الظاهرة التي نراها في الغيوم أو أمواج البحر داخل عالم الذرات والجسيمات. وبدلا من الماء أو الهواء، استخدم العلماء غاز الليثيوم، وقرروا تبريده إلى درجة قريبة من الصفر المطلق، حتى أصبح "سائلا كموميا" فائق الغرابة (يسمى تكاثف بوز-آينشتاين)، ثم جعلوه يتدفق في تيارين بسرعات مختلفة، وعند التقاء التيارين بدأت القصة، حيث ظهرت تموجات صغيرة، ثم تحولت إلى دوامات كمومية غريبة الشكل. مفاجأة غير متوقعة والمفاجأة التي أدهشت الباحثين أن هذه الدوامات كانت على شكل هلال، يشبه تماما قمر لوحة "ليلة النجوم"، وأطلق عليها العلماء اسم "سكيرميونات كسرية غريبة الشكل"، وهي نوع جديد من الأنماط الفيزيائية لم يره أحد من قبل. ولشرح هذا الاكتشاف، تخيل أنك ترسم دوامة صغيرة على سطح ماء، فهذه الدوامة عادة تكون متناسقة ومنتظمة، مثل دائرة أو حلقة متكاملة. في عالم الفيزياء، هناك أشياء تشبه هذه الدوامات تُسمى "سكيرميونات"، وهي أنماط دوامية صغيرة جدا موجودة في بعض المواد، وتعتبر مهمة لأنها مستقرة ويمكن استخدامها في تقنيات مستقبلية مثل أجهزة الكمبيوتر والذاكرة. لكن العلماء الآن، اكتشفوا نوعا جديدا من هذه الدوامات، ليس له شكل دائري منتظم، بل يشبه الهلال، لأنها ليست لفة كاملة، وإنما كسر من اللفة، ولذلك سميت "سكيرميونات كسرية غريبة الشكل". وهذا الاكتشاف جديد لأنه يضيف نوعا جديدا من الدوامات في عالم الجسيمات الصغيرة جدا، ويفتح الباب أمام فهم أعمق لكيفية تصرف المواد الكمومية. ويقول هيروميتسو تاكيوتشي، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا للعلوم بجامعة أوساكا متروبوليتان، وأحد المؤلفين الرئيسيين لهذه الدراسة في بيان نشره الموقع الإلكتروني للجامعة إن "السكيرميونات مهمة في التكنولوجيا الحديثة، خاصة في تطوير أجهزة الكمبيوتر وتقنيات الذاكرة". ويرجع تاكيوتشي أهمية تلك الأنماط إلى استقرارها وحجمها الصغير وحركتها الفريدة، مضيفا أن اكتشاف نوع جديد منها في سوائل كمومية قد يفتح آفاقا جديدة في التكنولوجيا وفهما أعمق لأنظمة الكم".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
المقاتلة الشبح "قآن".. درع تركيا لتقليص الاعتماد على السلاح الأميركي
مقاتلة شبح من الجيل الخامس، طورتها تركيا بهدف إنتاج طائرة مقاتلة محلية الصنع، تعوض بها طائرات "إف 16" الأميركية التي تملكها القوات الجوية التركية، والمقرر إخراجها تدريجيا من الخدمة والاستغناء عنها بحلول عام 2030. وفي مطلع مارس/آذار 2025 أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقاتلة الوطنية "قآن" ستدخل مرحلة الإنتاج المتسلسل في غضون مدة قليلة لكنه لم يحددها، وجاء ذلك أثناء كلمة ألقاها في الاجتماع التعريفي لإستراتيجية الصناعة والتكنولوجيا بالمجمع الرئاسي التركي في العاصمة أنقرة. التسمية تُعرف المقاتلة "قآن" أيضا باسم "تي إف"، وهو اختصار لترجمة عبارة "المقاتلة التركية"، وكانت تُعرف سابقا باسم "إم إم يو"، اختصارا لعبارة "الطائرة القتالية الوطنية" باللغة التركية. وكشف أردوغان عن اسم الطائرة الجديدة في كلمة ألقاها أثناء حفل "مئوية المستقبل" للتعريف بمنتجات الصناعات الدفاعية التركية في الأول من مايو/أيار 2023. وأشار الرئيس التركي إلى أن الطائرة المقاتلة "قآن" من شأنها جعل تركيا واحدة من 5 دول فقط تنتج المقاتلات من الجيل الخامس في العالم. التصنيع والتطوير بدأت تركيا العمل على التصاميم النظرية للمقاتلة "قآن" عام 2011، بعدما قررت تعزيز استقلاليتها في مجال الصناعات الدفاعية، فأطلقت في سبيل ذلك مجموعة من المشاريع، وكان تصنيع مقاتلة شبح محلية الصنع أبرزها وأكثرها طموحا. انطلق مشروع تصنيع المقاتلة رسميا في 5 أغسطس/آب 2016، بعد توقيع اتفاقية بين رئاسة الصناعات الدفاعية التركية وشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش). وبموجب الاتفاقية تولت "توساش" مهمة تصميم الطائرة وإنتاجها ودمج أنظمتها، ضمن ميزانية بلغت 1.18 مليار دولار أميركي، مع تنفيذ المشروع بدعم مجموعة واسعة من الموردين المحليين والمؤسسات البحثية التركية. اعتمدت الشركة في أغلب عمليات التنفيذ على الموارد الوطنية، في إطار خطة تهدف إلى توطين تقنيات الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة. كما استكملت مراحل التصميم الأولي، وإنشاء البنية التحتية الهندسية ومنشآت الاختبار، وصولا إلى تصنيع النماذج الأولية التي دخلت مرحلة التجريب مطلع عام 2024، وتحديدا في 21 فبراير/شباط، عندما حلقت المقاتلة للمرة الأولى مدة 13 دقيقة على ارتفاع تجاوز 2400 متر وبسرعة فاقت 400 كيلومتر في الساعة. بعد ذلك أقلعت المقاتلة برحلة تجريبية ثانية في 6 مايو/أيار من العام ذاته، وحلقت مدة 14 دقيقة، وبلغ ارتفاعها أكثر من 3 آلاف متر بالسرعة ذاتها. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول أجرت المقاتلة بنجاح اختبار تشغيل مزدوج للمحركات باستخدام نظام حرق إضافي. تعمل المقاتلة بمحركين من طراز "إف-110" من إنتاج شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، وهو الطراز نفسه المستخدم أيضا في مقاتلات الجيل الرابع من طراز "إف 16" التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن". يعتمد تشغيل المقاتلة في مرحلتها الأولى على محركات أميركية الصنع، ريثما يكتمل تطوير المحركات المحلية المخطط دخولها الخدمة بحلول عام 2028. إضافة إلى الطائرة الأولى المخصصة للاختبارات والتجارب، جرى تصنيع 7 طائرات إضافية على مراحل متباعدة، وتعتزم الشركة تسليم الدفعة الأولى المكونة من 20 طائرة للقوات الجوية التركية عام 2028، ثم المضي في إنتاج طائرتين شهريا لاحقا، لتحل محل طائرات إف 16 الأميركية. الخصائص والمميزات يبلغ طول الطائرة نحو 21 مترا، ويمتد جناحاها على عرض 14 مترا، أما ارتفاعها فيصل إلى 6 أمتار. تتميز "قآن" بتصميم انسيابي متطور، إذ صُنع هيكلها من مواد مركبة تقلل انعكاس الموجات الرادارية، وتمنحها القدرة على التخفي. تضم الطائرة قمرة قيادة لشخص واحد، مع قدرة عالية على المناورة، وبصمة رادارية منخفضة، فضلا عن توفرها على مخزن داخلي للأسلحة وقدرتها على الاستطلاع الإلكتروني والتنسيق مع الطائرات المسيرة والأنظمة الإلكترونية الأخرى، الأمر الذي يمكّنها من العمل ضمن شبكة متكاملة. وتعمل الطائرة بمحركين من طراز "إف 110″، وهما محركان توربينيان مروحيان مزودان بنظام حرق إضافي يزيد قوة الدفع، مما يتيح للطائرة تسارعا وقدرة أداء عالية. وتعمل تركيا على تطوير محرك محلي عالي الأداء، بهدف بلوغ سرعة قصوى تتراوح بين 1.8 و2 ماخ، مع مدى عملياتي يتجاوز 1100 كيلومتر وارتفاع تشغيلي يزيد عن 16.7 كيلومترا. أنظمة إلكترونية محلية متطورة صُممت "قآن" في سياق سعي تركيا إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية، ضمن إستراتيجية أكبر لإنتاج وتصدير المعدات الدفاعية المتقدمة، ولذلك طرحت أنقرة هذه الطائرة بوصفها خيارا جاذبا للدول التي تسعى إلى التزود بأنظمة قتالية متطورة خارج نطاق الهيمنة التقليدية للقوى الكبرى. "قآن" مزودة برادار "مراد 100 إيه" المحلي الصنع، القادر على رصد وتتبع أهداف متعددة في مختلف الظروف الجوية، مع إمكانية الاشتباك بعيد المدى. كما تتميز بمنظومات استشعار متقدمة تشمل مستشعرات الأشعة تحت الحمراء التي تمكّنها من رصد وتتبع الأهداف دون الحاجة إلى تشغيل الرادار، وكاميرات كهروضوئية توفر قدرة عالية على تحديد الأهداف بصريا، علاوة على تقنية دمج بيانات المستشعرات التي تجمع وتوحد المعلومات في صورة ميدانية واحدة شاملة، ما يمنح الطيار إدراكا عالي الدقة ويعزز من فعاليته القتالية في مختلف ظروف المعركة. وتستطيع "قآن" قيادة المسيرات القتالية "كيزيل إلما" و"أنكا 3″، مما يجعل منها مركز قيادة جويا متكاملا يستطيع إدارة عمليات جوية معقدة في الزمن الحقيقي، وتعزيز التنسيق بين الوحدات المختلفة في ساحة المعركة. وللمقاتلة "قآن" القدرة على حمل ما يصل إلى 10 أطنان من الأسلحة، تشمل صواريخ جو-جو بعيدة المدى، من طراز "بوزدوغان" و"غوكدوغان"، وصواريخ جو-أرض دقيقة التوجيه مثل "كوزغون" وصواريخ كروز من طراز "إس أو إم"، إضافة إلى قنابل ذكية موجهة من طراز "إتش جي كا". تزود "قآن" بأنظمة تشويش وحماية إلكترونية متطورة تتيح لها اختراق شبكات الدفاع الجوي المعادية دون كشفها، مما يرفع من كفاءتها القتالية في البيئات العملياتية المعقدة. وتتمكن الطائرة من بلوغ أقصى حمولة ممكنة عبر الاستفادة من نقاط تعليق خارجية تُضاف إلى خزانات الأسلحة الداخلية عند انتفاء الحاجة إلى وضع التخفي، بما يتيح حمل مزيد من الأسلحة أو خزانات وقود إضافية لزيادة المدى التشغيلي. تسويق وشراكات تسعى تركيا إلى تسويق مقاتلتها الشبح "قآن" على نطاق واسع، وقد خطت أول خطوة في هذا المسار أواخر يوليو/تموز 2025، عندما وقعت عقدا لتزويد إندونيسيا بـ48 طائرة بقيمة تقدر بنحو 10 مليارات دولار. ويتضمن الاتفاق تصنيعا محليا جزئيا وتعاونا تقنيا مع الشركات الوطنية الإندونيسية، على أن تبدأ التسليمات عام 2028، وقد تم توقيعه على هامش معرض الصناعات الدفاعية الدولي السابع عشر "آيدف 2025" في إسطنبول. كما كشفت وسائل إعلام تركية في أغسطس/آب 2025 عن موافقة أنقرة على انضمام مصر شريكا مطورا في مشروع إنتاج المقاتلة التركية، وذلك في أعقاب زيارة ميدانية أجراها وفد من خبراء القوات الجوية المصرية للاطلاع على النموذج الأولي للطائرة وخطوط الإنتاج. كما أعلنت الدولتان عزمهما إبرام مذكرة تفاهم رسمية قبل اختتام عام 2025، لبدء شراكة تقنية تشمل أوجها عدة من التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.