
زيارة الدولة الأولى لرئيس الولايات المتحدة إلى قطر
156
في مستهل جلسة المباحثات الرسمية التي عقدها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، مع فخامة الرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة، في الديوان الأميري، يوم الأربعاء الموافق 14 مايو 2025، وبعد الترحيب بالضيف والوفد المرافق له، وصف سموه الزيارة، بـ «الزيارة التاريخية لكونها زيارة الدولة الأولى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى قطر». ومعلوم في مجال الدبلوماسية أن زيارة الدولة هي أعلى أنواع الزِّيارات الرسميَّة الَّتي تتمُّ بَيْنَ قادة الدوَل، ولها مراسمها الخاصَّة وبرامجها المميَّزة، إذ تعد من أبرز أشكال العلاقات الدولية بين الدول، ومن أهم صنوف الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي. وزيارة الدولة تختلف عن زيارة العمل، وعن الزيارة الخاصة، فالرئيس الضيف في زيارة الدولة يكون ضيفاً شخصياً على رئيس الدولة المضيفة، ويسكن في أحد مقرات إقامته الرسمية حتى نهاية الزيارة. وكقاعدة عامة لا تقام زيارة الدولة لأي رئيس من نفس الدولة، إلا مرة واحدة أثناء مدة حكمه. وهي تُعبر عن معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية كبيرة في الاستقبال والوداع. ويكون هناك استقبال رسمي في المطار ويتضمن عادةً استعراضًا عسكريًا، مع التقيد التام بجميع إجراءات البروتوكول بعد التوافق عليها بين الطرفين قبل الزيارة.
وتهدف زيارة الدولة بصورة عامة إلى تعزيز العلاقات الثنائية، سواء كانت سياسية، اقتصادية، تجارية، أو ثقافية. ودعم التعاون العسكري أو الاقتصادي: مثل توقيع اتفاقيات تخص التجارة أو الصفقات العسكرية، وتقوية التحالفات أو تهدئة التوترات بين الدول، فضلاً عن بحث القضايا الإقليمية والدولية. وتكمن أهمية الزيارة في تدعيم الشراكات الإستراتيجية، وفتح آفاق جديدة في التعاون التجاري: من خلال توقيع اتفاقيات تجارية أو استثمارية ضخمة، إلى جانب تقوية التعاون الثقافي والإنساني: عن طريق التبادل الثقافي، الذي يعزز الفهم المشترك بين الشعوب.
* جاءت زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر في إطار جولته الخليجية التي شملت السعودية والإمارات. وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها في ولايته الثانية التي بدأت في يناير الماضي، وتأتي في وقت حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي. عكست الزيارة التزام الولايات المتحدة بتعميق شراكتها مع دول الخليج، وتُعد مؤشرًا على تحولات محتملة في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. كما تُعتبر الزيارة خطوة مهمة في إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية.
لقد حملت زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر عدة دلالات إستراتيجية مهمة تُؤثر في مستقبل العلاقات القطرية– الأمريكية، وفي شكل النظام الإقليمي والدولي. لقد عززت الزيارة التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة ودولة قطر، من خلال التعاطي مع دولة قطر كشريك اقتصادي وتجاري مهم للولايات المتحدة. الأمر الذي يدل على أن واشنطن ترى في قطر شريكًا طويل الأمد، وليس مجرد حليف مؤقت في أزمات معينة. عبرت الزيارة عن إمكانية تحول واشنطن من سياسة «التحالف الحصري» إلى سياسة «التحالفات المتعددة».
كما أن دعوة ترامب خلال زيارته لدولة قطر إلى تحسين العلاقات مع إيران، توحي بأن واشنطن قد تتجه نحو إعادة فتح قنوات تفاوض مع طهران.
* وربطاً بقول فخامة الرئيس ترامب «إيران محظوظة جدا لوجود الأمير (الشيخ تميم بن حمد) لأنه في الحقيقة يقاتل من أجلهم، لا يريدنا أن نقوم بضربة وحشية ضد إيران، ويقول إنه يمكن التوصل لعقد صفقة». وأضاف ترامب، قائلاً: أعتقد أن على إيران تقديم شكر كبير للأمير لأنه يقاتل كثيرا. هنا يبرز دور دولة قطر وحرصها على بناء السلام الإقليمي والعالمي، وعملها المستمر عبر دبلوماسية الوساطة.
وبهذا يمكن أن تصبح دولة قطر محورًا دبلوماسيًا جديدًا في قضايا إقليمية معقدة مثل الملف النووي الإيراني، خاصة مع طلب الرئيس ترامب لتدخل دولة قطر. ولا ينفصل هذا عما أعرب عنه فخامة الرئيس ترامب في كلمته في المباحثات الرسمية، حيث أكد فخامته على عمق العلاقات الودية الطويلة التي تجمعه مع سمو الأمير المفدى منذ أول لقاء جمعهما، متطلعاً إلى العمل مع سموه وبأعلى القدرات لإحلال السلام في المنطقة وعبر العالم. وكان سموه قد شدد في كلمته على أهمية إحلال السلام في المنطقة، مشيداً بمعرفته الطويلة بفخامة الرئيس، وبما يبذله فخامته من جهود لإحلال السلام في المنطقة، واصفاً إياه «برجل السلام»، ومعرباً عن أمله في أن تتحقق هذه التطلعات المشتركة.
* في تقديري أن زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر عبرت عن تحوّل في السياسة الأمريكية نحو علاقات أكثر تنوعًا وتوازنًا في المنطقة. وحملت مؤشرات قوية على إعادة تموضع إستراتيجي، وعبرت عن أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط باتت أكثر واقعية وبراغماتية، وهي تسعى للتوازن لا للتحالفات المطلقة. كما أكدت على أن الدوحة أصبحت فاعلاً إقليميًا ودوليًا لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل التوترات الدولية وتغير ملامح التحالفات العالمية.
مساحة إعلانية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ 12 ساعات
- صحيفة الشرق
زيارة الدولة الأولى لرئيس الولايات المتحدة إلى قطر
156 في مستهل جلسة المباحثات الرسمية التي عقدها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، مع فخامة الرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة، في الديوان الأميري، يوم الأربعاء الموافق 14 مايو 2025، وبعد الترحيب بالضيف والوفد المرافق له، وصف سموه الزيارة، بـ «الزيارة التاريخية لكونها زيارة الدولة الأولى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى قطر». ومعلوم في مجال الدبلوماسية أن زيارة الدولة هي أعلى أنواع الزِّيارات الرسميَّة الَّتي تتمُّ بَيْنَ قادة الدوَل، ولها مراسمها الخاصَّة وبرامجها المميَّزة، إذ تعد من أبرز أشكال العلاقات الدولية بين الدول، ومن أهم صنوف الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي. وزيارة الدولة تختلف عن زيارة العمل، وعن الزيارة الخاصة، فالرئيس الضيف في زيارة الدولة يكون ضيفاً شخصياً على رئيس الدولة المضيفة، ويسكن في أحد مقرات إقامته الرسمية حتى نهاية الزيارة. وكقاعدة عامة لا تقام زيارة الدولة لأي رئيس من نفس الدولة، إلا مرة واحدة أثناء مدة حكمه. وهي تُعبر عن معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية كبيرة في الاستقبال والوداع. ويكون هناك استقبال رسمي في المطار ويتضمن عادةً استعراضًا عسكريًا، مع التقيد التام بجميع إجراءات البروتوكول بعد التوافق عليها بين الطرفين قبل الزيارة. وتهدف زيارة الدولة بصورة عامة إلى تعزيز العلاقات الثنائية، سواء كانت سياسية، اقتصادية، تجارية، أو ثقافية. ودعم التعاون العسكري أو الاقتصادي: مثل توقيع اتفاقيات تخص التجارة أو الصفقات العسكرية، وتقوية التحالفات أو تهدئة التوترات بين الدول، فضلاً عن بحث القضايا الإقليمية والدولية. وتكمن أهمية الزيارة في تدعيم الشراكات الإستراتيجية، وفتح آفاق جديدة في التعاون التجاري: من خلال توقيع اتفاقيات تجارية أو استثمارية ضخمة، إلى جانب تقوية التعاون الثقافي والإنساني: عن طريق التبادل الثقافي، الذي يعزز الفهم المشترك بين الشعوب. * جاءت زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر في إطار جولته الخليجية التي شملت السعودية والإمارات. وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها في ولايته الثانية التي بدأت في يناير الماضي، وتأتي في وقت حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي. عكست الزيارة التزام الولايات المتحدة بتعميق شراكتها مع دول الخليج، وتُعد مؤشرًا على تحولات محتملة في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. كما تُعتبر الزيارة خطوة مهمة في إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية. لقد حملت زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر عدة دلالات إستراتيجية مهمة تُؤثر في مستقبل العلاقات القطرية– الأمريكية، وفي شكل النظام الإقليمي والدولي. لقد عززت الزيارة التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة ودولة قطر، من خلال التعاطي مع دولة قطر كشريك اقتصادي وتجاري مهم للولايات المتحدة. الأمر الذي يدل على أن واشنطن ترى في قطر شريكًا طويل الأمد، وليس مجرد حليف مؤقت في أزمات معينة. عبرت الزيارة عن إمكانية تحول واشنطن من سياسة «التحالف الحصري» إلى سياسة «التحالفات المتعددة». كما أن دعوة ترامب خلال زيارته لدولة قطر إلى تحسين العلاقات مع إيران، توحي بأن واشنطن قد تتجه نحو إعادة فتح قنوات تفاوض مع طهران. * وربطاً بقول فخامة الرئيس ترامب «إيران محظوظة جدا لوجود الأمير (الشيخ تميم بن حمد) لأنه في الحقيقة يقاتل من أجلهم، لا يريدنا أن نقوم بضربة وحشية ضد إيران، ويقول إنه يمكن التوصل لعقد صفقة». وأضاف ترامب، قائلاً: أعتقد أن على إيران تقديم شكر كبير للأمير لأنه يقاتل كثيرا. هنا يبرز دور دولة قطر وحرصها على بناء السلام الإقليمي والعالمي، وعملها المستمر عبر دبلوماسية الوساطة. وبهذا يمكن أن تصبح دولة قطر محورًا دبلوماسيًا جديدًا في قضايا إقليمية معقدة مثل الملف النووي الإيراني، خاصة مع طلب الرئيس ترامب لتدخل دولة قطر. ولا ينفصل هذا عما أعرب عنه فخامة الرئيس ترامب في كلمته في المباحثات الرسمية، حيث أكد فخامته على عمق العلاقات الودية الطويلة التي تجمعه مع سمو الأمير المفدى منذ أول لقاء جمعهما، متطلعاً إلى العمل مع سموه وبأعلى القدرات لإحلال السلام في المنطقة وعبر العالم. وكان سموه قد شدد في كلمته على أهمية إحلال السلام في المنطقة، مشيداً بمعرفته الطويلة بفخامة الرئيس، وبما يبذله فخامته من جهود لإحلال السلام في المنطقة، واصفاً إياه «برجل السلام»، ومعرباً عن أمله في أن تتحقق هذه التطلعات المشتركة. * في تقديري أن زيارة فخامة الرئيس ترامب إلى دولة قطر عبرت عن تحوّل في السياسة الأمريكية نحو علاقات أكثر تنوعًا وتوازنًا في المنطقة. وحملت مؤشرات قوية على إعادة تموضع إستراتيجي، وعبرت عن أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط باتت أكثر واقعية وبراغماتية، وهي تسعى للتوازن لا للتحالفات المطلقة. كما أكدت على أن الدوحة أصبحت فاعلاً إقليميًا ودوليًا لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل التوترات الدولية وتغير ملامح التحالفات العالمية. مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
منذ 12 ساعات
- صحيفة الشرق
أما آن للعدوان الإسرائيلي أن يتوقف؟
مقالات 105 ابتسام آل سـعـد A+ A- تابعت منذ يومين لقاء في منصة إحدى وسائل التواصل الاجتماعي لناشط أمريكي في بث مباشر تواجد فيه عشرات الآلاف من متابعيه وتكلم بحرقة عن صدمته الشخصية بتخاذل الدول العربية والإسلامية عن نصرة أهل غزة رغم الفظائع والمجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن على وجه الخصوص والأبرياء من المدنيين العُزّل على وجه العموم. وقال إنه يتأمل خيرا بالقمة العربية التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد وإن الأمور يمكن أن تتغير لكنه شخصيا لم يجد شيئا من القمم العربية الفائتة يمكن أن يجعل الأمل يحيا في داخله حتى جاءت الهدن الإنسانية التي سعت لها دول الوساطات العربية، وتأمل أن تستمر بهذا النجاح الصعب خصوصا أنه قال إن إسرائيل كيان متعصب لإراقة الدماء وإنه لن يرضى أمام ضغوط شعبه إلا أن يعود للشيء الوحيد الذي يجيده وهو قتل المدنيين وسياسة العقاب الاجتماعي لينهار أمله بعد صدق ظنه في إسرائيل ومع هذا كان لا يزال أمله أن تنهض الأمة العربية والأمة الإسلامية ليكون جهدا جماعيا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بصورة دائمة قائما ولكن تلاشى كل شيء كان يدور في خاطره متسائلا: أليست الدول العربية تتشارك مع أهل غزة الدين واللغة والبقعة الجغرافية الواحدة؟ ألم يكن للدول العربية التي تحظى بثروة النفط أن تتخذ قرارا شجاعا بوقف تصديره لإسرائيل أو حتى للدول الغربية التي تدعمها؟ فقلت في نفسي مسكين هذا المتأمل الذي هوى العرب بآماله للحضيض وقبله بآمال أهل غزة الذين حتى الآن وهم في عز نكبتهم وعقب كل قصف لأي مربعات وأحياء سكنية يصرخون أين الدول العربية والدول الإسلامية؟ أنجدونا ياعرب وينكم؟ ثم يتحسبون بطريقة مؤلمة وخارجة من قلوب مكلومة فقدت للتو العشرات من أفراد عوائلها دفعة واحدة وقد كانوا قبل دقيقة من القصف مجتمعين يدعون الله أن ينجوا من صاروخ عشوائي يفتتهم لأشلاء عوضا عن استشهادهم بأجسام سليمة ليست أشلاء. فهل يمكن للدول العربية أن تستخدم سلاح النفط كما كان في حرب 73 حينما اجتمع أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوبك) بالإضافة لمصر وسوريا بإعلان حظر بيع النفط للدول الداعمة لإسرائيل لإجبارها على الانسحاب من الأراضي المحتلة ونجح السلاح هذا نجاحا سابقا في تحقيق النصر للقوات المسلحة المصرية واعتبر العرب أنه نصر لكل العرب وليس للقاهرة وحدها؟ لذا ما كان لا يمكن أن يكون الآن ويتكرر اليوم ما دام العدوان الإسرائيلي لم يلمس شبرا من أي أرض عربية ولا امتد تهديدها أيضا لأي كرسي من كراسي الحكومات العربية التي تبدو اليوم أكثر حرصا على ألا تُمس بأي شكل من الأشكال وإذا كان العدوان الإسرائيلي محصورا في قطاع غزة الصغير رغم قسوته وآلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل والصواريخ التي تُلقى بعشوائية على بيوت الآمنين فيها فإن الأمر يبدو معقولا إذا ما تكثفت الدعوات والمطالبات بوقف فوري لإطلاق النار وعقد القمم وتوحيد الدعوة العربية للإدانة والاستنكار وإلى هنا يتوقف الدور المنوطة به كل دولة عربية بخلاف قطر التي بذلت وتبذل جهدا كبيرا جدا لتحقيق أي هدنة أو أي محاولة لوقف العدوان التي تنهار مع التعنت الإسرائيلي بالعودة للغة القتل والدمار وتسعى اليوم بكل ثقلها الدبلوماسي للعودة لطاولة الهدنة وإلى الدور الذي تجيده دائما في الصراعات والمشكلات والأزمات العويصة التي تلقى الدوحة أنه يمكن لها أن تُمسك العصا من المنتصف ولطالما نجحت بهذا الدور وعليه تبدو مهمتها هذه المرة صعبة جدا وندعو الله أن تنجح فيها لأنه بذلك سوف تكون مثل الذي يهب متنفسا للحياة وممرا آمنا لشعب غزة لأن يعيد تجميع أشلائه وشهدائه وستنجح بحول الله وقوته فقولوا إن شاء الله. مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
منذ 15 ساعات
- صحيفة الشرق
الخليج في قلب السياسة الخارجية الأمريكية
519 فهد عبدالرحمن بادار A+ A- يتوافق الأسلوب الشخصي للرئيس دونالد ترامب مع أسلوب دول الخليج؛ فهو يفضّل إبرام الصفقات بشكل مباشر مع القادة الأقوياء، ويشعر بالارتياح تجاه الاستثمارات الضخمة. ومن الواضح أنه يشعر بالراحة في هذه المنطقة، التي اختارها لتكون وجهة أول جولة رسمية له إلى الخارج منذ تنصيبه في شهر يناير الماضي. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن جولة ترامب إلى منطقة الخليج في منتصف شهر مايو الجاري، التي شملت القيام بزيارة إلى قطر، كانت تدور في معظمها حول المظاهر والبروتوكولات أو المجاملات، أو حتى أنها كانت مجرد زيارة لإبرام الصفقات التجارية. فقد ناقش الرئيس الأمريكي قضايا دبلوماسية واستراتيجية حيوية، في الوقت الذي حظيت فيه الصفقات الاقتصادية التي أبرمها مع دول المنطقة بأهمية كبيرة. وكان من بين الأهداف الاستراتيجية للرئيس ترامب تقليص الالتزام الأمني للولايات المتحدة ونفقاتها الخارجية. ولكي يكون هذا الأمر فعالاً، من الضروري وجود شركاء موثوقين للولايات المتحدة. وتُقدّر إدارة ترامب دور القادة السعوديين والقطريين في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في إسرائيل وغزة، وبين أوكرانيا وروسيا. وكان من أبرز العناوين الدبلوماسية لهذه الزيارة إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد 45 عامًا، وهو ما أثار أجواء من الاحتفالات داخل سوريا . وقد جاء هذا القرار بعد أن بادرت دول الخليج بالاعتراف بنظام الرئيس أحمد الشرع. وصدر هذا الإعلان بعد محادثات أجراها الرئيس ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وكذلك، فإن الصفقات التجارية التي جرى الإعلان عنها خلال جولة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط كانت ضخمة. فقد أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن طلبية طائرات هائلة مع شركتي بوينغ وGE، تتضمن اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ 787 دريملاينر و777X، تعمل بمحركات من إنتاج شركة GE، حسبما أعلن البيت الأبيض. وتُعد هذه أكبر طلبية طائرات عريضة البدن في تاريخ شركة بوينغ، وأكبر طلبية لطائرات 787 على الإطلاق. وكان من الأمور المهمة أيضًا تعزيز الروابط بين الولايات المتحدة ودول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وثيقة الصلة، فقد رافق الرئيس ترامب خلال زيارته أهم قادة الأعمال في الولايات المتحدة، بما في ذلك قادة قطاعي الاستثمار والتكنولوجيا. وقد وقّعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اتفاقيات تتيح لهما إمكانية الوصول إلى الرقاقات المتطورة التي تُنتجها شركتا إنفيديا وAMD، واللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وأكد جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، خلال الزيارة أن الشركة ستبيع أكثر من 18,000 من أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لشركة هيوماين السعودية. وتدخل هذه الاتفاقية في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الشركتين، حيث تستثمر شركة هيوماين السعودية فيما تصفه الشركتان بمراكز بيانات "فائقة الحجم" تهدف إلى توفير بنية تحتية أساسية لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي السيادية على نطاق واسع بغرض تمكين الشركات في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول من "تسريع وتيرة الابتكار والتحول الرقمي". وألغت إدارة ترامب قانون التوزيع الذي فرضته إدارة بايدن، والذي كان يقيد تصدير الرقائق المتطورة إلى دول الشرق الأوسط، بهدف الحد من الانتشار المحتمل للتكنولوجيا الأمريكية بين أعداء الولايات المتحدة. وقد تراجع هذا الخطر مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقائق الصينية بشكل مماثل، واحتمال مساهمة قيود التصدير في حصول دول المنطقة على هذه التكنولوجيا من الصين بدلاً من الولايات المتحدة. وستوفر شركة AMD رقاقات وبرامج لمراكز البيانات في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في مشروع بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، وفقًا لإعلان مشترك صادر عن شركتي هيوماين وAMD. وتم الكشف عن المرحلة الأولى من مشروع بناء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات في أبوظبي، وهو المجمع الأكبر خارج الولايات المتحدة. ومن المهم أن الرئيس ترامب جعل دول الخليج وجهته الأولى في زيارته الرسمية، بدلاً من الدول الغربية مثل كندا والمكسيك أو الدول الأوروبية التي كانت من أولويات الرؤساء السابقين للولايات المتحدة. ولم يزر ترامب إسرائيل خلال هذه الجولة، وهو ما يدل على أنه يعتبر دول الخليج ذات أهمية جوهرية، سواء من حيث التحالف الاستراتيجي أو الفرص الاقتصادية.