
9 آلاف إسرائيلي يطالبون بتعويضات والخسائر تقدر بملايين الدولارات
أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية اليوم الاثنين بأن صندوق التعويضات تسلم نحو 9 آلاف طلب للتعويض جراء الخسائر منذ بدء العملية العسكرية ضد طهران الجمعة الماضي، وذلك في إطار تصاعد الهجمات الإيرانية ضمن عملية "الوعد الصادق 3".
وكشف مدير سلطة الضرائب الإسرائيلي شاي أهرونوفيتش أن الأضرار الناتجة عن الهجوم الإيراني خلال أول يومين تقدر بنحو مليار شيكل (277 مليون دولار)، مع توقع استقبال 12 ألف مطالبة تعويض.
ورغم الرقابة العسكرية التي تفرضها سلطات الاحتلال على وسائل الإعلام لمنع عرض الخسائر، أظهرت صور دمارا هائلا وسط إسرائيل ، لا سيما تل أبيب، نتيجة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية.
من جانبها، قالت بلدية رمات غان وسط إسرائيل إن الصواريخ التي أطلقتها إيران على المنطقة خلفت "دمارا لا يمكن تصوره" وسط تضرر عشرات المباني وفقدان السكان منازلهم.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، استهدفت إيران تل أبيب وحيفا بمئات الصواريخ والمسيرات أدت إلى تدمير مبان بأكملها، منها معهد وايزمان للأبحاث، فضلا عن استهداف خطوط ومنشآت النفط في حيفا.
ومنذ فجر الجمعة، بدأت إسرائيل، وبدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، أسمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران عملية الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، بلغ عدد موجاتها حتى الآن 10، مخلفة 24 قتيلا و592 مصابا وعدد من المفقودين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لماذا تطلق إيران صواريخها الباليستية على إسرائيل ليلا؟
خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت إسرائيل ما لم تشهده في تاريخها حسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين، رشقات صاروخية لأيام متتالية ضجّت بها تل أبيب وحيفا ومدن مجاورة، وهرع معها الإسرائيليون للملاجئ، وما زالوا. ما لم تشهده إسرائيل أيضا هو حجم الدمار الذي رشح من هواتف الإسرائيليين على منصات التواصل، رغم الرقابة الإسرائيلية، ومحاولة حكومة الاحتلال إدارة المشهد الإعلامي بصيغة لا تُظهر الآثار الحقيقية للضرر الذي طال البشر والحجر. صواريخ باليستية وطائرات مسيرة تُحلق تجاه إسرائيل في ضربات متعددة، مع وعيد إيراني بالمزيد، في سياق رد طهران على بدء إسرائيل لهجماتها المباغتة على إيران، والذي استهدفت به عددا من المنشآت النووية والعسكرية، إضافة لاغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين. أمر لافت في الاستهدافات الإيرانية أن معظمها كان في الليل، عدا بعض الضربات مثل ضربة عصر أمس الأحد، فكانت نهارا. صحيح أن إطلاق الصواريخ الباليستية في الليل أو النهار أمر ممكن ووارد، لكن الإطلاق الليلي يوفر عديدا من المزايا التكتيكية والإستراتيجية، خاصة في الحروب الحديثة. ثمن التمويه إحدى المزايا الرئيسية لليل، أنه يمكن لأقمار الخصم الصناعية وطائراته المسيرة ذات الوظائف التجسسية أن تفقد فعاليتها بشكل جزئي، بسبب نقص الضوء المرئي في الليل. إذ تقوم الأقمار الصناعية برصد الصواريخ الباليستية بطرق عدة، أولها التصوير المباشر، وثانيها رصد الأثر الحراري لمحركاتها، ثم ترسل بيانات الموقع والسرعة بشكل لحظي إلى مراكز القيادة، التي تستخدم هذه البيانات لتحديد الهدف المتوقع للصاروخ وموعد سقوطه. وعادة ما تمر أقمار الاستطلاع في أوقات معروفة -غالبا ما تكون في النهار لمسح المنطقة المستهدفة-، ولذلك يكون إطلاق الصواريخ في المساء وسيلة لتجنب رصد عمليات الإطلاق، إذ تتعطل قدرة الأقمار الصناعية البصرية التي تحتاج إلى ضوء الشمس لرؤية معالم الأرض من الرصد وجمع المعلومات، فهذه الأقمار تستخدم كاميرات ضوئية مثل تلك الموجودة في هواتفنا، لكن مع دقة أعلى بفارق كبير. صحيحٌ أن التصوير الحراري (عبر رصد الأشعة تحت الحمراء الصادرة من جسم ساخن) قد أفقد الضربات الليلية عددا من مزاياها التقنية في العصر الحديث، ومن ثم أصبح الليل يتساوى مع النهار في بعض أنواع المعارك، إلا أنه يمكن تضليل المستشعرات الحرارية بسهولة أكبر ليلا باستخدام إجراءات مضادة مناسبة (مثل الطعوم الحرارية أو التمويه). حيث تطلق بعض أنواع الصواريخ الباليستية ما يُعرف بالطعوم الحرارية باعتبارها إشارات وهمية وزائفة تُطلق بجانب الرؤوس الحربية بهدف تضليل الأقمار الصناعية من رصد الصواريخ بدقة، سواء من حيث مكان انطلاقها، أو من حيث مسارها. وعلى إثر هذا التضليل يصبح التمييز البصري بين الأهداف الحقيقية والزائفة أكثر صعوبة في الليل، كما أن هذه الطعوم الحرارية تشتت منظومات البحث الحراري، وبالتالي ترفع من احتمالات إهدار الصواريخ الاعتراضية بالتوجه ناحية أهداف زائفة. كما أن الهجمات الجوية المتزامنة التي تستخدم صواريخ كروز أو المسيرات التي تحلق على ارتفاع منخفض ليلا، بالتوازي مع هجمات الصواريخ التي تستخدم الطعوم الحرارية، قد ترهق قدرة مشغّلي الرادار على الإدراك اللحظي لما يجري، في ظل غياب الرؤية البصرية الدقيقة. إطلاق متخفي رغم ما سبق، فذلك ليس الجانب الأهم في اختيار الليل لعمليات الإطلاق، فهناك جانب شديد الأهمية يتصل بعملية الإطلاق نفسها، إذ إن عديدا من الصواريخ الباليستية تنطلق من منصات متحركة، ومن ثم فإن التحرك نحو منطقة الإطلاق وما يليها من إعداد لعملية إطلاق الصواريخ، ثم إعادة التمركز التي تلي ذلك في جنح الظلام، يقلل بشكل كبير من خطر رصد منصة الإطلاق أو استهدافها أو مهاجمتها، سواء كان ذلك قبل الإطلاق أو أثنائه أو بعده مباشرة. يصبح ذلك مهما بشكل خاص إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأخطار المحدقة بإطلاق هذه الصواريخ في وضح النهار، إذ تزيد إمكانية رصد التحركات الأرضية، وتزيد أيضا من احتمالية رصد وميض ودخان إطلاق الصواريخ الباليستية بسهولة أكبر، ومن ثم تتزايد احتمالية استهداف منصة الإطلاق قبل حتى أن يُطلق الصاروخ. يؤكد ما سبق أيضا دافعا إستراتيجيا رئيسيا، وهو أن عمليات الإطلاق الليلية تزيد من احتمالات صمود بطاريات الصواريخ والمنصات المعدة للإطلاق، ومن ثم إمكانية استخدامها مجددا. عوامل بشرية هناك أيضا عوامل بشرية في هذا السياق، حيث يرجّح أن يكون مشغّلو الدفاع الجوي والقادة وفنيو الرادار والجنود بشكل عام أكثر عرضة للإرهاق أو النوم خلال ساعات الليل. ويعوّل الطرف المُهاجم في هذه الحالة، أن العوامل البشرية الخاصة بالطرف المُدافع، قد تؤدي إلى إبطاء عملية اتخاذ القرار الأكثر ملاءمة دفاعيا، وهو ما يزيد من احتمالية حدوث أخطاء في عمليات الرصد والاعتراض. شاهدنا ذلك مثلا في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان الروس يستخدمون ضربات المسيرات في الليل التالي لهجوم نهاري، بهدف استغلال الإرهاق الشديد الذي تعرض له الجنود في كل المواقع نهارا، من أجل تحقيق ضربات قوية. إضافة لما سبق، تجبر الهجمات المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيّرة الدفاعات على العمل بشكل دائم، مما يؤدي إلى احتمالية تراجع جاهزية منظومات الدفاع الجوي، وقد تكون إيران قد اتبعت طريقة شبيهة حينما أتبعت الضربات الليلية بأخرى نهارية، ثم تلتها ضربات ليلية في اليوم نفسه، وهو يوم أمس الموافق 15 يونيو/حزيران الحالي. صحيح أن أنظمة الدفاع الجوي، مثل القبة الحديدية وباتريوت وإس-400، لا تزال تعمل ليلا بكفاءة حيث تعتمد على الرادار والتتبع الحاسوبي، وهي تقنيات لا يعوقها الظلام، لكن هذه الكفاءة التقنية قد لا تنعكس بذات الدرجة على كفاءة المشغّلين أنفسهم، وهذه مساحة عسكرية حساسة تتطلب يقظة عالية، فشرود دقيقة في مثل هذه الأوضاع الخطيرة والدقيقة قد يعني دمارا واسعا. إذ يمثل التأكيد البصري المباشر لطبيعة الهجوم، وتتبع المقذوفات في اللحظة الأخيرة للتحقق من طبيعتها والوسيلة الأمثل للتعامل معها؛ أمورا شديدة الأهمية في القرار النهائي الذي سيتخذه المدافع. وعلى هذا المنوال أيضا يصبح التفريق بين الطعوم الزائفة وبين الأجسام الحقيقية أكثر إرباكا في ظل الإضاءة الخافتة. الحرب النفسية في الحروب، عادة ما يستند القرار العسكريّ على مجموعة متضافرة من الأسباب التي تشكل الصيغة النهائية للقرار، وتجعله مرجحا على ما دونه من قرارات. وعلى هذا المنوال، يحضر الجانب النفسي أيضا بوصفه أحد العوامل الأشد تأثيرا في سياق تفضيل الليل، فالانفجارات، وصفارات الإنذار، والكرات النارية التي تظهر بجلاء في السماء المظلمة أكثر رعبا وإرباكا للمدنيين والعسكريين على حد سواء. يضخّم الظلام الخوف والارتباك والشعور بالعجز والرغبة في الاحتماء والانتظار للنور، وهذا النوع من الضغط النفسي يعدّ أحد العوامل الأساسية في إضعاف الروح المعنوية، حتى لو كان الضرر المادي الحقيقي محدودا، وقد يصل الأمر إلى فقدان الثقة بالقيادة (وتظهر أسئلة مثل "هل سنموت الليلة" و"لماذا لا يحموننا ليلا؟") وإرهاقا نفسيا في المجتمع، وهذا هو الهدف الرئيسي للحرب النفسية: تآكل التماسك الداخلي وإضعاف الحاضنة الشعبية. وفي أوكرانيا، خلال الفترة 2023-2025، واجه المدنيون في مدن مثل كييف وخاركيف ولفيف هجمات ليلية بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة، استمرت لليال متتالية. وفي هذا السياق، لاحظ العاملون في مجال الصحة النفسية زيادة في القلق، ونوبات الهلع، وصولا إلى سلوكيات توسم بأنها تعبير عن الانحدار إلى مرحلة الطفولة (مثل التبول اللاإرادي والخوف من النوم بمفردهم). فأدمغة البشر مصممة للراحة والتعافي ليلا، ومن ثم قد يؤدي انقطاع النوم في أثناء القصف إلى ضعف الإدراك وبطء التفكير وسوء التقدير، مع زيادة في احتمالية الإصابة بالذعر أو انخفاض المعنويات، وهو ما قد يقود إلى صدمات نفسية طويلة الأمد مثل الأرق، والكوابيس، أو اضطراب ما بعد الصدمة. عمليات معقدة وعلى الرغم من كل ما سبق، يظل القصف الليلي أمرا معقدا، إذ يتطلب مجهودا أكبر في الإعداد اللوجستي، ويتطلب تهيئة معدات ليلية خاصة تمكّن الطرف المهاجم من إطلاق وتتبع الصاروخ ليلا وتحديد الهدف بدقة. وحتى إذا اعتمدت عمليات الإطلاق الليلية بشكل كبير على الأنظمة الآلية والمسارات المبرمجة مسبقا نظرا لحدود الرؤية والتنسيق، فإن ذلك يزيد من احتمالية تعرض الأسلحة للاختراقات والرصد المبكر. ومن ثم فإن كل دولة تحدد موعد الإطلاق (ليلا كان أو نهارا) بناء على أهدافها التكتيكية والإستراتيجية، وهو أمر يبدو أن الجانب الإيراني يعيه جيدا في الحرب الجارية، والتي لا يُتوقع إلى أي مدى زمني ولا تدميري ستصل.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كيف ترى مراكز الأبحاث الإسرائيلية إيران؟ وبماذا تُوصي نتنياهو؟
تُبدي مراكز الأبحاث الإستراتيجية في إسرائيل اهتماما كبيرا بإيران ودورها في المنطقة والعالم، وبعد هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشن حرب "السيوف الحديدية" من قِبل إسرائيل على قطاع غزة ، زاد الاهتمام، وتكاثرت الدراسات التي تناقش دور إيران في دعم المقاومة الفلسطينية و محور المقاومة بشكل عام، وكذلك المقترحات الخاصة بخيارات التعامل مع إيران وصولا إلى إضعاف قوتها. النقاش الإستراتيجي حول إيران في مراكز الأبحاث الإسرائيلية"، حاول خلالها الإجابة على السؤالين التاليين: ما أبرز الأفكار التي تداولتها مراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع إيران منذ فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات؟ هل يوجد فرق في توجهات مراكز الأبحاث الإسرائيلية فيما يتعلق بالتعامل مع إيران؟ وللإجابة على السؤالين، عملت الدراسة على قراءة مجموع المقالات والدراسات التي تم نشرها على موقعين إلكترونيين لمركزين مهمين من مراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية المتخصصة في الأمن القومي، وهما: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، ومعهد دراسات الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية (مسجاف). تمهيد نُشر على موقع مركز مسجاف قبيل إجراء الانتخابات الأميركية، وعلى وجه التحديد في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، 7 مقالات، أما مركز دراسات الأمن القومي فلم ينشر في هذا الشهر أية مقالات بشأن إيران. ويبدو من خلال استعراض الأفكار الرئيسية الواردة في الجزء التمهيدي من الدراسة أن الباحثين في الشأن الإستراتيجي في معهد مسجاف قدّروا -قبيل فوز ترامب- أن قدرة الردع الإيرانية قد ضعفت، بسبب الضربات التي تلقاها حلفاء إيران، إضافة إلى الضربة الجوية التي وجهتها إسرائيل لإيران. ويعتقد هؤلاء الباحثون -وهم يوسي منشروف، وموشيه فوزايلوف، وإيلي كلوتشتاين، ويوسي كزفيرفيسر- أن ما أصاب قدرة إيران على الردع أو الهجوم ربما يدفعها باتجاه تسريع إنتاج القنبلة النووية كوسيلة لتعزيز الردع، لكنه في كل الأحوال وضع إيران أمام معضلة إستراتيجية ناتجة عن محدودية خياراتها، وخشيتها من ضربة إسرائيلية أميركية قد تعرّض نظامها الحاكم للخطر، إضافة إلى مشاكلها الداخلية المتفاقمة والمتعددة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، إلى جانب ما أثارته الحالة الجديدة من أسئلة داخل إيران بشأن نظريتها الأمنية والعسكرية. يتناول هذا المحور 9 مقالات نُشرت على موقعي مركزي الأبحاث، 6 منها على موقع معهد مسجاف، و3 على موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. أما مقالات معهد مسجاف، فقد كتب 3 منها إيلي كلوتشتاين، والرابع كتبه يوسي منشروف، أما الخامس فمن إعداد دافيد فيمبرج، والسادس من كتابة جلعاد إردان. ويتضح من مجموعة مقالات معهد مسجاف أنها ركّزت على تعدد وتنوع وشمول المشاكل الداخلية الضاغطة على إيران، والتي تمتد من أزمة الطاقة إلى ضعف الخدمات الصحية وقلّة الإقبال على المشاركة في الانتخابات، بالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية وإبداء الرغبة العلنية في تغيير النظام، والتي يمكن لها مجتمعة أن تولِّد لدى القيادة الإيرانية قابلية للتنازل إذا ما مُورست عليها ضغوط هائلة، وذلك من أجل الحفاظ على بقاء النظام. وجاءت مقالات معهد دراسات الأمن القومي في هذا المحور في 3 مقالات، واحد من إعداد داني سيترونيفيتش، واثنان منها من إعداد راز تسيمت. ويتضح من المقالات الثلاثة أن باحثي مركز دراسات الأمن القومي ركّزوا على الأزمات الاقتصادية الداخلية في إيران، وتأثير هذه الأزمات على النظام، لكنها اختلفت عن مقالات مركز مسجاف، حيث أبرزت ضغوطا متناقضة يتعرض لها النظام الإيراني، فمن جهة تتعرض القيادة الإيرانية لاعتراض الرأي العام، ومن جهة أخرى فإنها تتعرض لضغوط القاعدة الثورية الأيديولوجية للنظام، والتي تطالب باتخاذ مواقف متشددة إزاء إسرائيل. كما تطرقت إلى وجود تصدعات داخل القاعدة الأيديولوجية للنظام، حيث يتفق التيار البراغماتي والتيار الراديكالي التقليدي على ضرورة خفض التصعيد، في حين يشدد التيار الراديكالي الثوري على ضرورة التصعيد، لكن في النهاية فإن المقالات سابقة الذكر لا ترى في الأزمات الداخلية تهديدا آنيا للنظام الحاكم في إيران، وأنها ربما تشكّل تهديدا على المدى البعيد. المحور الثاني: الانكشاف الإيراني على الصعيد الأمني والعسكري والسياسي يتناول هذا المحور 3 مقالات من إعداد باحثي معهد مسجاف: اثنان من إعداد يوسي منشروف، والثالث من إعداد إيلي كلوتشتاين. تؤكد المقالات الثلاثة على أن الأرض باتت تهتز تحت أقدام إيران بفعل التهديدات، ويرى باحثو مسجاف أن التحولات السياسية منذ فوز ترامب، إضافة إلى الضربات العسكرية الإسرائيلية، قد أظهرت إيران مكشوفة أمنيا وعسكريا، وأن مواصلة الضغط سيحقق المزيد من المكاسب. المحور الثالث: رسم صورة ذهنية سلبية لإيران يشمل هذا المحور 9 مقالات، 8 منها منشورة على موقع معهد مسجاف، والتاسع على موقع معهد دراسات الأمن القومي. وكتب يوسي منشروف 4 من مقالات مسجاف، وكتبت نواه لزيمي اثنين، وإيلي كلوتشتاين كتب مقالا واحدا، وكتب دافيد فينبرج مقالين، وأحد المقالات السابقة مشترك بين يوسي منشروف ونواه لزيمي، أما مقال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي فهو من إعداد راز تسيمت. ويبدو من خلال استعراض المقالات الثمانية أن هناك توجها لدى باحثي مركز مسجاف نحو رسم صورة ذهنية سلبية عن إيران، تدعم اتجاه الحسم معها، وقد أوضح أحد هذه المقالات -قبل سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد- أن إيران تخطط للهجوم على إسرائيل من الجولان، ومقال آخر أوضح أن إيران لا تتوقف عن تهريب الأسلحة لحلفائها. وبعد بدء المفاوضات بين أميركا وإيران، ركّزت المقالات على أن مشاركة إيران في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لا تقتصر على التدريب والتخطيط، بل إن إيران شاركت فعلا في الهجوم، وتم توجيه نداء للحكومة بتوظيف هذه الأدلة من أجل إدانة إيران، التي وصفوها باستغلال وقت المفاوضات لتطوير قدراتها النووية وإيصالها إلى نقطة اللاعودة، إضافة إلى تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية، وأنه يجب عدم منح إيران هذه الفرصة. المحور الرابع: التحالفات الإسرائيلية الإقليمية والدولية لضرب إيران يشمل هذا المحور 17 مقالا، 13 من بينها على موقع معهد مسجاف، و4 على موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وكتب مقالات معهد مسجاف نواه لزيمي، ويوسي منشروف، وإيلي كلوتشتاين، ودافيد فينبرج، وزكي شالوم، أما جلعاد إردان، ومئير بن شابات، ورفائيل بن ليفي فقد أسهموا بمقال واحد لكل منهم. وركّزت المقالات الواردة في هذا المحور على أن هناك حاجة ماسة لبناء تحالف دولي وإقليمي لمواجهة أنشطة إيران المتعلقة بتسريع تخصيب اليورانيوم، أو تطوير منظومات الدفاع والهجوم. وفيما يتعلّق بالمفاوضات الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران فإنها يجب ألا تقتصر على وقف البرنامج النووي وتفكيك كل ما له علاقة به من أسلحة ومعدات، بل يجب أن يشمل الاتفاق منع تطوير الصواريخ، بالإضافة إلى قطع إيران علاقتها مع حلفائها. والتأكيد على أن إيران لا يمكن أن تتوقف عن المناورة، ولهذا يجب تحقيق نصر حاسم معها، يؤدي إلى تغيير النظام الحاكم، وأن اللحظة الراهنة مناسبة للقيام بذلك بعد ما أصاب إيران ومحورها من ضعف، وأن التفاوض لن يأتي بنتائج جيدة إلا إذا تم تطبيق النموذج الليبي في الاتفاق، أما نموذج اتفاق 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فإنه سيُبقي إيران قادرة على مواصلة تخصيب اليورانيوم والحصول على القنبلة النووية في أي لحظة في المستقبل. وبخصوص المقالات الأربعة التي نشرها موقع دراسات الأمن القومي، فأحدها من إعداد داني سيترونيفيتش، والثاني من إعداد إلداد شابيط وسيما شاين، أما الثالث فمن إعداد تامير هايمان وراز تسيمت، والمقال الرابع من إعداد إلداد شابيط. ويبدو من خلال استعراض مضمون المقالات الأربعة أنها تؤكد أن إيران قادرة على الوصول إلى القنبلة النووية، لكنها لم تتخذ القرار بعد، وهذا يعني أنها تفتح الباب أمام الحل الدبلوماسي، كما تشير المقالات إلى ضرورة التعاون الدولي (خاصة الأميركي الإسرائيلي) من أجل التوصل لاتفاق، وضمان تنفيذ هذا الاتفاق. الخاتمة والاستنتاجات يتضح من مجمل المقالات التي تناولتها هذه الدراسة أن هناك جملة من الأفكار التي يدور حولها النقاش ، وتشكّل أرضية للبدائل التي تفكر فيها نخبة الخبراء الإسرائيليين في الشأن الإيراني، وهي: قدّر باحثو معهد مسجاف -قبيل فوز ترامب- أن قدرة الردع الإيرانية قد ضعفت، بسبب الضربات التي تلقتها إيران وحلفاؤها. يعتقد هؤلاء الباحثون أن ما أصاب قدرة إيران على الردع أو الهجوم ربما يدفعها باتجاه تسريع إنتاج القنبلة النووية وسيلة لتعزيز الردع، لكنه في كل الأحوال وضع إيران أمام معضلة إستراتيجية ناتجة عن محدودية خياراتها، وخشيتها من ضربة إسرائيلية أميركية قد تعرّض نظامها الحاكم للخطر، إضافة إلى مشاكلها الداخلية المتفاقمة. عبّر باحثو معهد مسجاف عن تطلعهم إلى استمرار سعي إسرائيل لإضعاف إيران. يعتقد هؤلاء الباحثون أن المشاكل الداخلية المتنوعة في إيران قد تولّد لدى القيادة الإيرانية قابلية للتنازل إذا ما مُورست عليها ضغوط هائلة، وذلك من أجل الحفاظ على بقاء النظام. يعتقد باحثو مركز دراسات الأمن القومي أن الأزمات الاقتصادية الداخلية في إيران مؤثرة على سلوك النظام الإيراني. أوضح باحثو مركز مسجاف أن فوز ترامب ولّد ذعرا لدى الإيرانيين، تم التعبير عنه بالميل للتفاوض والتصالح، وأن استمرار الضغط على إيران هو الذي سيحقق الأهداف وليس التفاوض. تكثر في كتابات باحثي معهد مسجاف محاولات رسم صورة ذهنية سلبية لإيران، بدءا من إمداد حلفائها بالأسلحة، والمشاركة عمليا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأن إيران تستغل وقت المفاوضات لتطوير قدراتها النووية والصاروخية والدفاعية، وتطالب بالحسم مع إيران. طالب باحثو معهد مسجاف ببناء تحالف دولي وإقليمي لمواجهة أنشطة إيران المتعلقة بتسريع تخصيب اليورانيوم، أو تطوير منظومات الدفاع والهجوم. طالبت الدراسات بألا يقتصر الاتفاق المتوقع إبرامه بين إيران والولايات المتحدة على وقف البرنامج النووي، بل يجب أن يشمل الاتفاق منع تطوير الصواريخ، بالإضافة إلى قطع إيران علاقتها مع حلفائها. أكد الباحثون أن إيران لا يمكن أن تتوقف عن المناورة، ولهذا يجب تحقيق نصر حاسم معها، يؤدي إلى تغيير النظام الحاكم، وأن اللحظة الراهنة مناسبة للقيام بذلك. أكد باحثو معهد دراسات الأمن القومي أن إيران قادرة على الوصول إلى القنبلة النووية، لكنها لم تتخذ القرار بعد، وهذا يعني أنها تفتح الباب أمام الحل الدبلوماسي. أشار هؤلاء الباحثون إلى أن إسرائيل تتابع المفاوضات وتستعد لخيار عسكري في حال فشل التفاوض، أو جاءت بنتائج غير مرضية لحكومة إسرائيل. أبدت دراسات المركز شكوكا إزاء قدرة الردع والتفاوض على الوصول إلى اتفاق يُرضي أميركا وإسرائيل، لكنها لم تتحمس للخيار العسكري، وأوصت الحكومة الإسرائيلية بأخذ مصالح ترامب بعين الاعتبار، وهذه نقطة خلاف جوهرية مع ما يطرحه باحثو معهد مسجاف الذين يرون أن الحل يتمثل في واحد من اثنين: إما صفقة على النموذج الليبي، أو ضربة عسكرية تؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني. أبدى باحثو معهد دراسات الأمن القومي تحفظا على التعويل على الضربة العسكرية، ويرون أنها يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، لأنها لن تُسقط النظام، بل قد تدفعه للسعي الحثيث نحو امتلاك القنبلة النووية.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
كيف انقلبت إسرائيل من الداخل رأسًا على عقب؟
لم تترك إسرائيل لحلفائها مجالًا للمناورة، ولا ما يكفي من الهامش للتلاعب باللغة. الدولة التي تحاكم بتهمة إبادة بشرية، قائدها مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، والكاميرات تنقل على مدار الساعة الحدث الأكثر بربرية ووحشية منذ الحرب العالمية الثانية. وزراء الحكومة الإسرائيلية يعبّرون، بلا مجاز، عن عزمهم على تصفية غزّة من السكان، التصفية العرقية كما هي في كتب المدرسة. حتى سكانها العقلاء قد يضطرون لتركها والرحيل إلى أميركا وأستراليا، كما يتوقع توماس فريدمان على نيويورك تايمز. مطلع هذا الشهر نشرت مؤسسة YouGov نتائج استطلاعها الذي أجرته على ست دول من غرب أوروبا حول الموقف من إسرائيل. تراوحت نسبة الذين يحملون نظرة إيجابية عن إسرائيل بين 13-21%. مستوى التعاطف مع إسرائيل في غرب أوروبا، بحسب YouGov، هو الأضعف على الإطلاق. فقد قال 6% فقط من الإيطاليين إن إسرائيل كانت محقّة في إرسال قواتها إلى غزة. أعلى نسبة تأييد لاجتياح غزة كانت في فرنسا، ومع ذلك فلم يتجاوز ذلك التأييد 16%، بحسب الاستطلاع. تعتاش إسرائيل على البروباغندا، الهاسبارا بالعبرية، أحاطت نفسها بجدار ناري مكوّن من طبقات: الهولوكوست، البوغروم، معاداة السامية، الأقلّية، الكتاب المقدس، والتاريخ اليهودي- المسيحي المشترك. معاداة السامية، جدار الحماية الأول، يوشك أن يخسر صلاحيته بسبب تسليحه، ولسوء استخدامه. في الأيام الماضية نشرت الأكاديمية الإسرائيلية- اليهودية أورنا بن ديفيد مقالة قالت فيها إن جامعة هارفارد أدرجت أعمالها في تقرير حول الأنشطة المعرفية المعادية للسامية. في الشهر الأخير من العام 2023 أعدت مجلة The Harvard Crimson ملفًا بعنوان "معاداة السامية في هارفارد كما يراها سبعة من المنتسبين اليهود". شارك المعلّم بيرني شتاينبيرغ في كتابة مقالة بعنوان "لأجل سلامة اليهود والفلسطينيين، توقفوا عن عسكرة معاداة السامية". لاقت المقالة صدى كبيرًا، ومما جاء فيها: "خلال مسيرتي الطويلة كمعلم وقائد يهودي، بما في ذلك ثلاثة عشر عامًا قضيتها في القدس، شهدت وعشت صراعات مجتمعي. والآن، بصفتي قائدًا مخضرمًا، ومع ما أتاحه لي الزمن من نظرة متبصرة، أشعر بأن عليّ واجب التحدث عمّا أراه توجهًا مزعجًا يهيمن على حرمنا الجامعي، وعلى كثير غيره، ألا وهو: الاستخدام الانتهازي لمعاداة السامية كسلاح من قبل قوى نافذة تهدف إلى ترهيب المنتقدين وإسكات النقد المشروع لإسرائيل ولسياسة الولايات المتحدة تجاهها". هراوة معاداة السامية تفقد معقوليتها الأخلاقية، وحتى قيمتها السياسية. تنبه لهذه الورطة 370 باحثًا إسرائيليًّا من حقول المعرفة الثلاثة: دراسات الهولوكوست، الدراسات اليهودية، ودراسات الشرق الأوسط. أصدر الباحثون قبل ثلاثة أعوام تعريفًا جديدًا لمعاداة السامية أُطلق عليه إعلان القدس، ويهدف إلى الحيلولة دون أن تذهب دالّة معاداة السامية إلى مصادمة مباشرة مع حريّة التعبير. فرّق الباحثون باستفاضة بين معاداة اليهودية، كدين وعرقيّة، ونقد الدولة الإسرائيلية وحتى الصهيونية. التعريف الذي أصدره التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، 2016، واعتمده الاتحاد الأوروبي كتعريف "عملي إجرائي" يجعل اليهودية والصهيونية والدولة الإسرائيلية شيئًا واحدًا. زعزعت غزّة كل ذلك، وأجرت المياه الكثيرة في السواقي التي تفصل المسائل الثلاث. بل قادت إلى حرب ثقافية مزلزلة، نشهد تجلياتها في العالم الغربي من برلين إلى واشنطن. في العام 2016 أقرت الدول الأوروبية تعريفًا واسعًا لمعاداة السامية يتكوّن من 46 صفحة، يتسع ليشمل كل شيء تقريبًا، حد القول إن اليهود يملكون نفوذًا ماليًا أو إعلاميًا يعتبر معاداة للسامية. أضافت ألمانيا إلى التعريف الواسع مادة خاصة بها، جاء فيها أن انتقاد إسرائيل، بحسبها المشروع اليهودي الأكبر، يعد من قبيل معاداة السامية. والآن فيما يبدو سقطت هذه العصا العشوائية بسبب سوء استخدامها، وعلى ضوء الجريمة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة. ثمّة تحوّل متسارع للغة الغربيّة، من مديح إسرائيل الديمقراطية -التي لا يمكنها إلا أن تفعل أمورًا مشروعة، كما قال مستشار ألمانيا السابق- إلى علك الحديث عن القيم الغربية الديمقراطية التي ترفض التجويع والتصفيات العرقية. تململت ألمانيا الرسمية أخيرًا، وتحرّكت بعض أستوديوهات التحليل في برلين على خجل. مثل ذلك يجري في الأجواء البريطانية والفرنسية. وجدت الليبرالية الغربية مخرجًا من المأزق الأخلاقي من خلال الحديث عن "حكومة متطرّفة في تل أبيب"، لا عن إسرائيل. حتى هذه الجملة لم تكتمل بعد، إذ يجري أغلب الحديث حول بعض الوزراء المتطرّفين، ويُلقى باللوم على وزيرين متطرفين، أحدهما من أصول كردية، والآخر من أصول أوكرانية. عوقب الرجلان من قبل بعض الدول الغربية مؤخرًا. تحاول الديمقراطية الليبرالية، من خلال هكذا تمويه وتشتيت أخلاقي، أن تحافظ على طهارتها، أو تقفز من السفينة الغارقة، إذا استعرنا من نورمان فينكلشتاين. غير أن دير شبيغل ترى الأمر على نحو مختلف، فالدبلوماسيون الألمان في الجنوب العالمي لم يعودوا يسمعون سوى كلمة واحدة: "النفاق". تقود إسرائيلَ مجموعةٌ سياسية تنتمي إلى اليمين الفاشي، وهذه ليست كل الأزمة. فالأجواء السياسية الإسرائيلية ملبّدة بذلك اليمين، حتى إن 82% من المستطلعة آراؤهم، في دراسة حديثة لجامعة بنسلفانيا، يؤيدون تطهير غزة عرقيًّا، بينما يرى أكثر من نصف السكان أن إبادة أهل غزة تتماشى مع ما جاء في سفر التثنية من الكتاب المقدس اليهودي. عجلة التطرّف تدور بتسارع مثير، سوق المزايدة التوراتية مفتوح على مصراعيه، ولا حياة لسياسي ما لم يضرب بسهم في تلك المياه العكرة. لا معتدلين في إسرائيل، هنالك "مجتمع متعفن يندفع بغباء وجنون نحو غياهب النسيان والهلاك" بحسب الكاتبة الإسرائيلية رافيت هيشت في مقالتها على صحيفة هآرتس في مايو/ أيار من العام الماضي. أما اليسار- الذي قاد المجتمع اليهودي إلى حلم الدولة عبر حزب ماباي- فباتت أقصى أحلامه بلوغ الكنيست ولو ببضعة مرشّحين. عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، مطلع تسعينيات القرن الماضي، هاجر قرابة المليون شخص من المستعمرات السوفياتية إلى إسرائيل. ظنّ اليسار الإسرائيلي أن الكتلة البشرية تلك ستضخ دماء جديدة في شرايينه التي أدركها التصلّب، فهم قادمون من الأراضي الشيوعية. غير أن ما حدث كان شيئًا آخر. فأمام تشكيك القوى الحاخامية بيهودية الوافدين الجدد، راح الأخيرون يبالغون في التعبير عن انتمائهم التوراتي وعن ولائهم للدولة اليهودية. الأمر نفسه حدث مع يهود السفارديم، القادمين من الدول العربية وشمال أفريقيا، وإن اختلفت ظروف المزايدة التوراتية. فالقادمون السّمر، الذين لم تكن اللغة العربية قد سقطت عن ألسنتهم بعد، اصطدموا بحوائط العنصرية الأشكنازية البيضاء. اليهودية البيضاء امتلكت المال والنفوذ وآلة الإعلام، وانتظرت أن يذهب اليهود العرب لحراثة أراضي المستوطنات، لا للخوض في شؤون السياسة في تل أبيب. فعَل يهود السفارديم ما فعله اليهود الروس، أو ما سيفعله اليهود الروس: المزايدة التوراتية. وبينما كانت اليهودية البيضاء تحلم على طريقتها، بمزيد من النفوذ والثروة، كان اليهود المستبعدون يفخخون الحياة السياسية ويعدّلون في جيناتها. في الأجواء تلك، في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1994، صعد شاب يهودي من أصول عربية إلى منصة في ساحة الملوك، بمدينة تل أبيب، وأطلق النار على إسحاق رابين وأرداه قتيلًا. في الأثناء تلك كان رابين، الزعيم اليساري، يلقي خطابًا من أجل السلام مع العرب. قال القاتل، أمام التحقيقات "فعلت ذلك كي أوقف اتفاق أوسلو. يريد رابين أن يسلّم أرض اليهود لأعدائهم، وهذا ضد التوراة." انفجرت الظاهرة التوراتية تحت سماء إسرائيل، وتأكد المضاربون السياسيون أنها اللعبة الأكثر ضمانة، ومن يُجدْها يربح المعارك كلها. أدرك نتنياهو حقيقة بلاده وطبيعتها، وراح يسبح سباحة حرّة في تلك المياه. بمقدورنا أن نحصي للرجل 18 عامًا في الحكم، متفوّقًا على ديفيد بن غوريون، الأب المؤسس، الذي لم يتجاوز حكمه الـ13 عامًا. من الصعب الإطاحة باليمين المتطرف من حكم إسرائيل في المستقبل المنظور. فوفقًا لدراسة أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي (IDI)، أغسطس/ آب 2022، فإن نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم يمينيين ارتفعت من 46% قبل انتخابات أبريل/ نيسان 2019 إلى 62% في العام 2022، أي قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بأكثر من سنة. ثمّة ظاهرة أخرى عميقة في الحياة السياسية الإسرائيلية وهي أثر الحريديم. يشكل المتدينون اليهود، الحريديم، حوالي 14% من سكان إسرائيل، وحوالي 20% من المجتمع اليهودي. وهم منقسمون سياسيًا إلى حزبين: حزب شاس وهو عبارة عن تجمّع راديكالي لليهود السفارديم. والآخر هو يهدوت هتوراه، للمتطرفين الأشكناز. هذا التشكيل الديني الصغير نسبيًّا يعد بالغ الأثر في الحياة السياسية الإسرائيلية، ويضمن حوالي 18 مقعدًا في الكنيست. أعضاء هذا التشكيل الديني يمتازون بالانضباط السياسي، وبكثافة الحضور حيث يشترك أكثر من 80% منهم في عملية التصويت. كما يصوّتون ككتلة واحدة وفقًا لتوجيه الحاخامات. تمتاز النسخة الإسرائيلية من الديمقراطية بما يُسمى "صانعي الملوك" King Makers، وهي الجماعات الصغيرة بالغة الأثر، كالحريديم، والقادرة في سياقات معقدة على تسمية القائد، ثم الهيمنة على إدارته السياسية. قراءة الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل تدلّنا على استنتاج وحيد، وهو أن الدولة وقعت في يد اليمين، وأن اليمين يذهب يمينًا أكثر وأكثر، حتى اجتاز الحد الرفيع الفاصل بين الراديكالية والفاشية. تشير البيانات، وليس الملاحظات وحسب، إلى أن ما نشاهده حاليًا ليس مصادفة تاريخية بل نتيجة طبيعية لتحولات عميقة تشكلت على مدى عقود، كما أشرنا إليها أعلاه. من المثير أن الأجيال القادمة لا ينتظر منها أن تأخذ الحياة السياسية في طريق آخر، بل بخلاف ذلك، فقد التحقت بقطار التطرف اليميني القومي كما تشير البيانات. فوفقًا لمؤشر الديمقراطية الإسرائيلي لعام 2022 الصادر عن معهد الديمقراطية الإسرائيلي (IDI)، فإن 73% من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يُعرّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى التيار اليميني سياسيًا. للبقاء داخل اللعبة، وربما لركوب الموجة، انتقل جزء من اليسار إلى منطقة بين الوسط واليمين، وهي مساحة رمادية تعرّف بـ"الوسط الأمني". في الوسط الأمني انتقل اليسار من الحديث عن السلام إلى الأمن، وهو شكل من أشكال المضاربة السياسية داخل مجتمع افترسته الراديكالية، بل ذهبت به إلى الفاشية. في آخر المطاف لم تعد إسرائيل، بفعل كل هذه التعقيدات، قادرة على تقديم شريك واحد للسلام. وهي حقيقة مروّعة بالنسبة لدولة صغيرة تعيش بين ثلاث أمم كبرى: العرب، والفرس، والترك، وتبادلهم العداء والكراهية، وتريد أن تعيش طويلًا.