
رهائن لـ"حماس" أم للمجاعة؟ ما تقوله أضلاع ديفيد
تعيش غزة منذ الثاني من مارس (آذار) الماضي، حصاراً محكماً أوقفت خلاله إسرائيل إمداد القطاع بالغذاء، مما أدى إلى تفشي الجوع من الدرجة الخامسة (أي إن مدينة الحرب على وشك إعلان المجاعة)، ومات نتيجة الحرمان من الغذاء نحو 166 مدنياً.
وتوجه الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية ودول مختلفة الاتهام لإسرائيل بأنها تمارس تجويعاً ممنهجاً ضد المدنيين في غزة، وبحسب الفصائل الفلسطينية فإن سياسة التجويع والحرمان من الغذاء انعكست بسرعة على الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
ووفقاً لأستاذة الدراسات السياسية فدوى جرادة، فإن جميع الكائنات الحية في غزة من بشر وحيوان وطيور تعاني سوء التغذية، وبدت علامات المجاعة تظهر عليها. تقول "من المؤكد أن الرهائن الإسرائيليين ليسوا في حال أفضل، بل يعيشون الواقع نفسه الذي لا يجد فيه سكان غزة الطعام".
مثلما يأكل الغزيون
ما يؤكد هذه النظرية، أن الرهائن الذين نشرت الفصائل الفلسطينية مقاطع مصورة لهم أخيراً جميعهم بدا عليهم سوء التغذية وفقدان شديد في الوزن وعلامات واضحة من الهزال والتعب، نتيجة استمرار سياسة التجويع الإسرائيلية لغزة.
في رواية "حماس"، يأكل الرهائن المحتجزون لديها مما يأكله سكان غزة. وتوضح الباحثة جرادة أن الحركة تأثرت كثيراً بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية للقطاع، إذ لم تستطع إطعام عناصرها ولا دفع رواتبهم، وانعكس ذلك على الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها. وبحسب الباحثة فإنهم آخر من تأثر بالجوع.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول جرادة "منعت إسرائيل الغذاء عن غزة لدرجة سقوط ضحايا من الجوع، وتأثر بسياسة التجويع كل سكان القطاع، وليس ببعيد أن ينعكس ذلك على الرهائن الإسرائيليين الذين يعانون قلة الطعام ويتناولون كما السكان وجبة واحدة صغيرة طوال اليوم".
وتضيف "يعد الرهائن الورقة الوحيدة في يد (حماس) التي تريد الحفاظ عليها لأبعد حد، لأن ذلك الملف له أبعاد كبيرة، إذ يراقب العالم كيفية التعامل مع المحتجزين، كما أن وضع الرهائن الصحي له ثمن في محادثات صفقة التبادل، وأيضاً انعكاس عسكري إذ يهدد الجيش بمزيد من التدمير والعمليات العسكرية إذا مسهم أي ضرر".
تعتقد جرادة أن الجوع الذي يعانيه الرهائن كان نتيجة التجويع الإسرائيلي لغزة، وليس متعمداً من "حماس" أو الفصائل الفلسطينية الأخرى، مشيرة إلى أن إسرائيل قد تتسبب بموتهم إذا لم تحسن جودة الحياة في القطاع.
3 أقراص فلافل
لم تجر "حماس" أية مقابلة مصورة مع الرهائن المحتجزين لديها، أما حركة "الجهاد" فقد أتاحت الفرصة للرهينة روم براسلافسكي للتعبير عن وضعه حين قال "أعاني من وضع غير جيد، توجد آلام في قدمي وفي يدي، كلما حاولت القيام والذهاب إلى الحمام أشعر بدوار وأسقط، ولا أستطيع التنفس، لا أستطيع مواصلة الحياة".
وأضاف الرهينة "هناك تراجع كبير في كمية الطعام المقدمة إلي، من الصباح حتى الليل لا يوجد شيء، أتناول ثلاثة أقراص فلافل فقط طوال اليوم، أو صحناً من الرز بالكاد أحصل عليه، لا آكل ولا أشرب، ببساطة لا يوجد طعام هنا، الطعام شحيح، بالكاد نحصل عليه".
ما أدلى به براسلافسكي دليل واضح على أن الجوع الذي يعيشه هو نفسه الجوع الذي يعيشه حراسه وباقي سكان القطاع، وهو ليس متعمداً من الفصائل الفلسطينية وإنما نتيجة سياسة التجويع الممنهجة التي تنفذها إسرائيل في غزة.
ربما لا يعد تحليل أستاذة الدراسات السياسية وتصريح براسلافسكي وتبرير "حماس" دليلاً واقعياً على أن المجاعة باتت تنهش أجساد الرهائن، أو أنها نتيجة حتمية لممارسات إسرائيل، لذلك تعرض "اندبندنت عربية" حسابات أخرى للوضع في غزة. إذ توقفت الزراعة بسبب الحرب، وتفيد منظمة الأغذية والزراعة "فاو" أن 90 في المئة من أراضي القطاع باتت غير منتجة، وهي تقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. ويقول متحدث وزارة الزراعة في غزة أدهم بسيوني "غزة لم تعد تنتج الخضراوات والفاكهة، والأشجار قلعها الجيش وجرف المحاصيل الزراعية ومنع قطف المثمر، باختصار أية كمية من أي محصول زراعي لا تزال متبقية في غزة لا تكفي لإطعام حي شعبي غير مكتظ بالسكان".
نظام "معايرة الجوع"
كذلك حظرت إسرائيل الصيد، ومنعت التقاط الأسماك لتناولها، ولا يوجد منتجات حيوانية في القطاع نهائياً بعدما دمر الجيش الحظائر ومنع إدخال علف الحيوانات، كما توقفت مصانع المنتجات الغذائية القليلة عن العمل بسبب منع المواد الخام والوقود. باختصار، فإن كل سعر حراري يتناوله الغزيون يجب أن يستورد من الخارج، ولكن إسرائيل تغلق المعابر وتمنع سلاسل التوريد.
في عام 2006 وضع قال مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، خطة لإدارة النظام الغذائي للغزاويين أطلق عليه "حاسبة السعرات الحرارية"، وقال "الفكرة هي وضع الفلسطينيين على نظام غذائي من دون أن يموتوا من الجوع".
بحسب نظام "معايرة الجوع"، فإن المركز الإسرائيلي لتنسيق دخول البضائع إلى غزة "كوغات"، قدر أن الغزاوي يحتاج كل يوم لنحو 2279 سعراً حرارياً، أي ما يعادل 1.8 كيلوغرام من الغذاء يومياً.
منذ مارس (آذار) الماضي، لم تسمح إسرائيل بدخول كمية السعرات الحرارية هذه للغزاويين، إذ طلبت الأمم المتحدة دخول 62 طناً من الأغذية الجافة والمعلبة شهرياً إلى القطاع، أي بمعدل كيلوغرام واحد يومياً للفرد، لكن إسرائيل رفضت.
ومنذ مارس وحتى نهاية يوليو (تموز) من العام الحالي، أدخلت إسرائيل ما مجموعه 56 ألف طن من الغذاء فحسب، أي أقل من ربع الحاجات، وكانت حصة الفرد يومياً 250 غراماً من الغذاء، ويشمل ذلك الرهائن.
"اللجنة المستقلة لمراجعة المجاعة في غزة" أكدت أن شحنات الغذاء غير كافية بدرجة كارثية، وأن سوء التغذية وصل إلى المرحلة الخامسة، وهذا يعني أن الجوع بدأ يتسبب في خسارة الغزاويين والرهائن معاً لأوزانهم، مما ينعكس على نشاطهم وقدرتهم الجسدية والعقلية.
"حماس": نتنياهو السبب
لدى سؤالها عن مدى انعكاس سوء تغذية في غزة على الرهائن أجابت أستاذة التغذية مهيتاب العجلة "المجاعة لا تفرق بين الإسرائيليين المحتجزين في غزة والسكان، منع الطعام كان عن جميع الموجودين في القطاع من دون استثناء".
من "حماس" يقول متحدثها سامي أبوزهري، إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرتكب جريمة حرب بتجويع الغزاويين، وتمتد الجريمة إلى أسرى إسرائيل الذين يسري عليهم ما يسري على شعبنا من تضييق وتجويع".
ويضيف "نتنياهو غير مكترث بأسراه في قطاع غزة، وقد يقتلهم جوعاً كما قتلهم قبل ذلك قصفاً (حماس) بذلت جهداً كبيراً للحفاظ على حياة الأسرى الإسرائيليين لديها، لكن الظروف الحالية أشد قسوة".
بعد بث فيديو الرهائن وهم يعانون سوء التغذية علق نتنياهو قائلاً "نواصل جهود إطلاق سراح الرهائن المحتجزين على رغم رفض الحركة، كما عملنا على إدخال الغذاء للقطاع، وسنعمل على توسيع تدفق الطعام".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 29 دقائق
- الشرق السعودية
تقارير إسرائيلية: نتنياهو يتجه لـ"احتلال كامل لغزة"
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتجه نحو "الاحتلال الكامل لغزة"، رغم تحفظ رئيس الأركان إيال زامير، وذلك عقب اختتام اجتماع أمني مصغر ناقش مستقبل الحرب على القطاع الفلسطيني. ورغم أنه لم يصدر أي قرار رسمي، إلا أن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً بحكومة نتنياهو أخبر "القناة 12" الإسرائيلية، بأن "القرار اتخذ"، وأن إسرائيل "سوف تحتل قطاع غزة كاملاً"، لكن تقارير إعلامية ألمحت إلى أن هذه التصريحات قد تكون جزءاً من "تكتيكات التفاوض" للضغط على حركة "حماس". وبحسب "القناة 12"، فإن من المتوقع أن تُعرَض الخطة على المجلس الوزاري الأمني الموسع للمصادقة عليها الخميس المقبل. وخلال اجتماع الثلاثاء، الذي شارك فيه أيضاً وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، عرض رئيس الأركان، الخيارات المختلفة لمواصلة الحرب على غزة، معرباً عن معارضته لاحتلال القطاع، وحذَّر من تداعيات ذلك على حياة المحتجزين الإسرائيليين، ومن استنزاف قوات الجيش. وفي بيان مقتضب، قال مكتب نتنياهو إنه "عقد اليوم (الثلاثاء) اجتماعاً أمنياً محدوداً استمر نحو ثلاث ساعات، عرض خلاله رئيس الأركان الخيارات المتاحة لمواصلة الحرب على غزة". وأضاف البيان: "الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ أي قرار يصدر عن المجلس الوزاري الأمني". وبحسب الخطة الجديدة، فإن الجيش الإسرائيلي، الذي يسيطر حالياً على نحو 75% من مساحة القطاع، سيُطلب منه السيطرة على ما تبقى من الأراضي، ما يعني فرض سيطرة إسرائيلية كاملة على غزة. وكشف مصدر لهيئة البث الإسرائيلية (كان) أن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن السيطرة الكاملة على القطاع قد تُعرّض حياة المحتجزين المتبقين للخطر. كما كشف مصدر لصحيفة "جيروزاليم بوست" أن هناك "إجماعاً كبيراً على ضرورة أن تشمل أي صفقة جميع المحتجزين"، وذلك بعد عودة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى واشنطن عقب زيارته لإسرائيل. خلاف في إسرائيل بشأن "احتلال غزة" وتشير التقارير إلى أن توجُّه نتنياهو لتعميق الحرب في غزة واحتلال ما تبقى منها، فجَّر موجة خلافات واسعة في إسرائيل، وصلت حد توجيه دعوات لقائد الجيش إيال زامير للاستقالة لمعارضته العلنية لهذه التوجهات. كما وجهت أوساط واسعة في الجيش وبين العسكريين المتقاعدين نقداً حاداً لتوجهات نتنياهو، محذرين من آثارها على حياة المحتجزين وعلى قدرات الجيش وعلى إسرائيل ومكانتها بين دول العالم. وكانت القناتان الـ12 والـ13 ذكرتا أن قرار توسيع الحرب "ربما يتم اتخاذه هذا الأسبوع"، وأن الحكومة "تتجه لحسم الحرب واستعادة المحتجزين". وقال مصدر مقرب من نتنياهو: "إلى الآن لم نحسم الحرب ولم نهزم حماس، علينا الذهاب لتحقيق هذا الهدف". وكان رئيس الأركان الإسرائيلي أصدر قراراً بتقليص حجم القوات النظامية، فيما وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، القرار بأنه رفض ضمني لضغوط وزراء اليمين المتطرف بالحكومة الإسرائيلية. وذكرت الصحيفة أن قرار إلغاء أمر الطوارئ الذي مدّد خدمة جنود الاحتياط النظاميين لأربعة أشهر إضافية منذ بدء حرب السابع من أكتوبر 2023، فُسّر على أنه رد ضمني مباشر على تهديدات بإقالة رئيس الأركان "إذا لم يقبل مقترحات احتلال قطاع غزة بالكامل". لكن صحيفة "جيروزاليم بوست" أشارت إلى أن زامير نفى خلال لقاء مع نتنياهو وكاتس أنه هدد بالاستقالة.


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
الصين والحرب في أوكرانيا.. دبلوماسية الحذر في زمن الانقسام
خاص – الوئام منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أصبحت الصين في موقع معقّد داخل المعادلة الدولية، حيث تسعى إلى الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع موسكو دون أن تُقوّض مصالحها الاقتصادية الكبرى مع أوروبا والولايات المتحدة. ومع مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، يتزايد الضغط الأوروبي والدولي على بكين لدفع روسيا نحو إنهاء القتال. إلا أن استجابة الصين تظل غامضة، وتعكس انقسامًا داخليًا واستراتيجية حذرة في إدارة علاقاتها الدولية. العلاقات الصينية الأوروبية وفق ما نشرت فورين أفيرز الامريكية، أثناء زيارة قادة الاتحاد الأوروبي إلى بكين مؤخرًا، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن الحرب في أوكرانيا تمثل نقطة تحول في العلاقات الصينية الأوروبية. وعلى الرغم من الحوار الذي دار حول التجارة والأمن، كانت الدعوة الأوروبية واضحة: على الصين استخدام نفوذها للضغط على روسيا لاحترام ميثاق الأمم المتحدة وإنهاء 'حرب العدوان' على أوكرانيا. لكن ورغم هذه الضغوط، لا تبدو الصين مستعدة لتأدية دور قيادي في حل النزاع. فخلال سنوات الحرب، قدمت بكين بعض المبادرات الدبلوماسية، أبرزها الورقة ذات الـ12 بندًا في فبراير 2023، لكنها لم تحرز تقدمًا ملموسًا على أرض الواقع. انقسام داخلي حول الموقف من الحرب اللافت أن الصين لا تتعامل مع الملف الأوكراني برؤية موحدة. فالانقسام يعمّ النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية وحتى الرأي العام. فهناك تيار صيني يرى في الحرب انتهاكًا صارخًا للسيادة الأوكرانية، وهو موقف ينسجم مع مبادئ الصين المُعلنة المتعلقة باحترام وحدة أراضي الدول ورفض التدخل الأجنبي. هذا التيار يستحضر تجارب الصين التاريخية في مواجهة الاحتلال الأجنبي ويتعاطف مع أوكرانيا انطلاقًا من مرجعيات أخلاقية وقانونية. بالمقابل، يرى تيار آخر أن ما يحدث في أوكرانيا هو امتداد لإعادة ترتيب جيوسياسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، معتبرًا أن الغرب تجاهل مخاوف روسيا الأمنية وتمادى في التوسع شرقًا من خلال الناتو. ومن هذا المنطلق، يتفهم كثير من الصينيين الدوافع الروسية، بل ويعتبرون أن ما تواجهه روسيا من 'احتواء غربي' شبيه بما تواجهه الصين من قيود وضغوط استراتيجية واقتصادية. موازنة معقدة في السياسة الخارجية تنعكس هذه الانقسامات في سلوك الصين الدبلوماسي، الذي يمكن وصفه بأنه 'انحياز محسوب' أو 'حياد تكتيكي'. فمن ناحية، لم تعترف بكين رسميًا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو بالمناطق الشرقية التي أعلنت موسكو ضمّها. ومن ناحية أخرى، تؤكد الصين أن 'المخاوف الأمنية المشروعة لجميع الدول يجب أن تُؤخذ بجدية'، وهي إشارة ضمنية لتفهم مخاوف روسيا من توسع الناتو. فيما تسعى الصين للحفاظ على علاقات جيدة مع كلا الطرفين: فهي ما زالت الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا، بينما بلغ حجم التبادل التجاري مع روسيا نحو 250 مليار دولار في 2024. هذا التوازن الهش يعكس سعي بكين لحماية مصالحها دون الاصطدام الصريح بأي من الجانبين. تعقيدات العلاقة مع روسيا رغم الشراكة الاستراتيجية، تواجه العلاقات الصينية الروسية تحديات على أرض الواقع. العقوبات الغربية أجبرت بكين على إيجاد طرق جديدة لتسوية المدفوعات مع موسكو، وأدت إلى تباطؤ نمو التجارة بين البلدين. ورغم حديث بعض المسؤولين الغربيين عن 'شراكة بلا حدود' بين بكين وموسكو، فإن الواقع يشير إلى أن العلاقات لا تخلو من البراجماتية والحسابات الذاتية. في الوقت نفسه، لا تغفل الصين عن أهمية علاقاتها مع أوروبا، التي تُعد شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا. ومع تصاعد الانتقادات الأوروبية لدعم الصين غير المباشر لروسيا، باتت بكين تخشى من أن تتحول الحرب في أوكرانيا إلى نقطة صدام دائم مع الغرب، وهو ما لا تريده في ظل تباطؤ اقتصادي داخلي وحرب تجارية مستمرة مع الولايات المتحدة. معضلة استراتيجية الحرب في أوكرانيا وضعت الصين أمام معضلة استراتيجية، إما الوقوف بحزم إلى جانب روسيا مع ما يحمله ذلك من تبعات دولية واقتصادية، أو الحفاظ على علاقاتها مع الغرب على حساب تحالفها مع موسكو. وحتى الآن، تفضل بكين التوازن الدقيق، مُستخدمة لغة دبلوماسية مبهمة ومواقف مرنة لتجنب التصعيد مع أي طرف. ومع استمرار الحرب دون أفق واضح للحل، سيزداد صعوبة الحفاظ على هذا التوازن، وقد تجد الصين نفسها مضطرة قريبًا لاتخاذ قرارات أوضح في هذا النزاع الدولي.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
آلية إسرائيل الجديدة لإدخال البضائع إلى غزة... قطرة أمل في صحراء قاحلة
بعثت عودة إسرائيل إلى تفعيل آلية إدخال البضائع لغزة عبر تجار محليين، بدلاً من توزيع مساعدات إنسانية عبر منظمات أممية ودولية، آمالاً بالقطاع في تخفيف قدر مما يعانونه من جوع؛ لكنها أثارت في الوقت ذاته تساؤلات حول أهدافها الحقيقية في وقت يجري الحديث فيه عن إعادة احتلال غزة وتوسيع العملية العسكرية بها. فقد أعلن مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أنه تقرر إدخال البضائع عبر عدد محدود من التجار المحليين، «بناءً على معايير محددة وتقييم أمني دقيق»؛ وهي آلية سبق أن اعتمدتها إسرائيل خلال الحرب الحالية مرتين على الأقل، قبل أن توقفها قبل نحو عام بدعوى أنها تخدم «حماس». وقال المكتب إن البضائع ستشمل مواد غذائية أساسية، وغذاء للأطفال، وفواكه وخضراوات، ومستلزمات النظافة، وسيكون الدفع من خلال التحويلات البنكية فقط؛ مشيراً إلى أنها ستخضع لتدقيق من قبل هيئة المعابر البرية قبل دخولها القطاع. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الهدف من هذه الخطوة تقليل الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر منظمات دولية بسبب «رفض الأمم المتحدة التعاون مع إسرائيل» في عملية توزيعها، مشيرةً إلى أن الشاحنات سيزيد عددها من 200 شاحنة إلى 300 شاحنة يومياً. فلسطينيون يهرعون لالتقاط مساعدات أُسقطت جواً في النصيرات بوسط قطاع غزة الثلاثاء ودخان يملأ المكان (أ.ف.ب) ولم يشر مكتب المنسق الإسرائيلي لموعد بدء دخول هذه البضائع؛ لكن صحيفة «الشرق الأوسط» لم ترصد دخول أي بضائع للقطاع الخاص، حتى ظهيرة الثلاثاء، سوى ست شاحنات محملة بمواد مختلفة لصالح تجار في منطقة دير البلح بوسط قطاع غزة، وبقيت في المخازن ولم تعرض في الأسواق. وفقاً للآلية الجديدة، سيدفع التجار ثمن البضائع عبر التحويلات البنكية من دون أموال نقدية، وهي خطوة يرى البعض أنها تهدف بالأساس لإبقاء أزمة السيولة النقدية المتفاقمة بغزة، وعدم تبديل أوراق جديدة عبر التجار بالأوراق البالية منها، ومنع استفادة «حماس» من هذه الخطوة، وحرمانها من أي محاولة لجني ضرائب أو للسيطرة على البضائع، بحسب منظور إسرائيل التي كانت قد وجهت اتهامات بهذا الشأن خلال الهدنة السابقة التي امتدت من يناير (كانون الثاني) الماضي حتى مارس (آذار). ويأمل الغزيون دخول البضائع وتأمينها وعرضها بالأسواق بأسعار معقولة، وفي البيع والشراء عبر التطبيقات البنكية الإلكترونية لتفادي دفع عمولة مالية كبيرة وصلت نسبتها إلى 55 في المائة، يأخذها بعض التجار مقابل توفير سيولة نقدية للمواطنين الذين يحوّلون بدورهم مبالغ من حساباتهم عبر التطبيقات البنكية لأولئك التجار، مع استمرار إغلاق البنوك الرسمية ومنع دخول أي أموال للقطاع. فلسطينية تفتش بين الرمال عن أي حبات بقوليات أو أرز في النصيرات بوسط قطاع غزة خلال إسقاط غذاء جواً (أ.ف.ب) وقال رامي مقداد، الموظف في حكومة السلطة الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط»: «عانينا كثيراً في الأشهر الماضية بفعل ارتفاع سعر العمولة للحصول على السيولة النقدية. وهذه الخطوة الجديدة بالتعامل عبر التطبيقات البنكية قد تخفف من معاناتنا». وتمنى ألا يزيد التجار سعر البضائع لبيعها مقابل الدفع الإلكتروني كما فعل البعض في الهدنة الماضية. وأضاف: «نريد رقابة شديدة على التجار بما يسمح بتخفيف معاناتنا الإنسانية المتفاقمة وسط هذه الأوضاع الكارثية التي تجمَّعت فيها كل الظروف ضد المواطن الذي لا يملك من الأمر شيئاً». وترى أريج الحلو، الموظفة في مؤسسة اجتماعية، أن هذه خطوة مهمة لحل الأزمات التي يعيشها السكان في ظل عدم توفر أي سيولة نقدية إلا برسوم عمولة عالية مُبالغ فيها. وأعربت عن أملها التزام التجار ببيع البضائع عبر التطبيقات الإلكترونية «بأسعار طبيعية»، خاصةً أنهم دفعوا مقابلها بنكياً بالفعل دون سيولة نقدية. ووسط مجاعة متفشية، تشهد أسواق غزة ظروفاً قاسية، يغيب فيها العديد من أنواع الخُضر، أما تلك التي تُزرع محلياً فتُباع بأسعار باهظة، وصل معها سعر الكيلوغرام الواحد من البندورة (الطماطم) إلى 110 شواقل (أي ما يعادل 32 دولاراً)، والكيلوغرام من البطاطا (البطاطس) إلى 60 شيقلاً (نحو 18 دولاراً). ويعني اضطرار أهالي القطاع لسحب مبالغ مالية بعمولة وصلت إلى 55 في المائة في الأيام الأخيرة أن سعر كيلوغرام الطماطم يتجاوز 55 دولاراً فعلياً. أطفال يفحصون الدمار الناجم عن قصف مخيم يؤوي نازحين في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب) ويأمل الشاب رأفت الخطيب أن يساهم دخول البضائع إلى القطاع وبيعها عبر التطبيق البنكي في تغيير واقع الحال للأفضل، وقال إن هذه «خطوة يحتاج إليها الجميع». وروى كيف أنه يضطر للذهاب إلى شاحنات المساعدات، في رحلة محفوفة بالمخاطر بسبب الاستهداف الإسرائيلي، من أجل محاولة الحصول على أي طحين أو غذاء يقيه الجوع هو وأسرته ووالده الطاعن في السن. يأتي ذلك في ظل استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وتسجيل حالات وفاة جديدة بفعل المجاعة المتفشية؛ كما يجيء في وقت تبحث فيه إسرائيل عن خيارات عسكرية لاحتلال مناطق في قطاع غزة مع استمرار تجمد المفاوضات. قعيد فلسطيني يتفحص بحسرة مشاهد الدمار بعد قصف مخيم يؤوي نازحين في مواصي خان يونس يوم الثلاثاء (أ.ف.ب) وسجلت مستشفيات قطاع غزة خلال 24 ساعة، من ظهر الاثنين إلى الثلاثاء، 8 وفيات جديدة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينهم طفل؛ ليرتفع العدد الإجمالي منذ بداية الحرب الإسرائيلية إلى 188، من بينهم 94 طفلاً. كما قُتل نحو 80 آخرين في أحدث قصف إسرائيلي. ويتواكب كل هذا مع استمرار نهب المساعدات التي تدخل القطاع، وكذلك تلك التي تلقيها المظلات الجوية، الأمر الذي يمنع وصولها لمستحقيها، ما يفاقم الواقع الإنساني الصعب في القطاع.