logo
الحتمية التاريخية للماركسية وللمذهب الشيعي …الى اين وصلت!

الحتمية التاريخية للماركسية وللمذهب الشيعي …الى اين وصلت!

موقع كتابات٠٤-٠٣-٢٠٢٥

'من لا يتعلم من التاريخ محكوم عليه بتكرار أخطائه.'
جورج سانتايانا
'التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة كمأساة، ومرة كمهزلة.'
ماركس
'الشيعة هم أهل الحق، وأن هذا الحق سيظهر في آخر الزمان.'
'اللحظات العظيمة من التاريخ لا تظهر إلا قليلاً، ومن لا يعرف كيف يقتنصها سيكون مجرد ذكرى في تاريخ العالم.'
لينين
1—الحتمية التاريخية للماركسية
2—الحتمية التاريخية للفكر الشيعي
3– التأثيرات الإيجابية والسلبية للحتميات التاريخية على البشر
(1)
تُعدُّ الحتمية التاريخية من المفاهيم الأساسية في الفكر الماركسي، حيث يرتكز عليها تحليل ماركس لتطور المجتمعات البشرية. وفقًا لهذا المفهوم، يعتبر ماركس أن التاريخ يتحرك وفق قوانين موضوعية تعكس تطور القوى الاقتصادية وعلاقات الإنتاج، وأنه لا بد من حدوث تحولات جذرية في شكل المجتمعات من خلال مراحل متعاقبة. يعتقد ماركس أن المجتمع يمر بشكل حتمي من العبودية، إلى الإقطاعية، ثم إلى الرأسمالية، وصولاً إلى الاشتراكية، وأخيرًا الشيوعية.
ووفقًا لهذا الرأي، فان النضال الثوري هو وسيلة ضرورية للتسريع من حدوث هذه التحولات، ولكنه أيضًا مكتوب أو محدد ضمن قوانين تاريخية لا يمكن تغييرها. الماركسية تنظر إلى الصراع الطبقي بين البروليتاريا (العمال) والبرجوازية (رؤوس الأموال) كقوة دافعة رئيسية نحو التغيير التاريخي. حيث ستسقط الرأسمالية في النهاية، ويحل محلها النظام الاشتراكي، الذي بدوره سيتطور إلى الشيوعية.
وما حدث هو نهاية الأنظمة الشيوعية وبقاء الراسمالية مسيطرة الى الحد الذي اعتقد فيه فوكوياما بان ذلك نهاية التاريخ!
مع تحول كبير في فكر النظام الشيوعي الصيني باتجاه أفكار السوق الحرة والاستثمارات جنبا الى جنب مع النموذج الاشتراكي في سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج!
ومازالت ملكية الدولة تتوسع في الراسمالية العالمية!
راجع موضوعي في سلسة:
مكسيم العراقي – بزوغ عصر الراسمالية الحكومية في العالم… اين نظام الفساد والتخريب العراقي منها؟-1
لكن هذه الحتمية التاريخية في الفكر الماركسي قد أسهمت في تجميد أو حتى تقليص النضال الثوري في بعض الأوقات.
حيث اعتقد العديد من الماركسيين أن التغيير الثوري سيحدث بالضرورة، وأنه ليس بالضرورة أن يكون العمل الثوري اليومي أو الفوري هو الوسيلة الوحيدة لتحقيقه. وبذلك، غابت الاستراتيجيات الثورية النشطة في العديد من اللحظات التاريخية، حيث كانت الحركات الثورية تعتقد أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية ستحدث بشكل طبيعي مع مرور الزمن.
على سبيل المثال، في بعض الأحيان كان الثوار يعتقدون أن الطبقات العاملة ستكتسب الوعي الثوري في وقت ما من خلال التجربة والاضطهاد الطبقي، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى التنظيم الثوري الفعال أو التحركات الثورية السريعة.
تم تقليص أهمية العمل الثوري الفوري لصالح الانتظار لمراحل تاريخية محددة، مثل أن الرأسمالية ستسقط تدريجيًا بفعل تطورات اقتصادية ونضوج طبقات معينة.
أحد أبرز الأمثلة على تأثير هذه الفكرة كان في العديد من الحركات الاشتراكية في القرن العشرين، حيث حاول العديد من الأحزاب الماركسية تطبيق المبادئ الماركسية بشكل مقيد وصارم وغير انساني, بسبب التوقعات التي كانت تشير إلى الانتقال الحتمي من الرأسمالية إلى الاشتراكية. هذا النهج التاريخي المحدد أحيانًا أدى إلى تأجيل الثورة أو التراخي في مواجهة الأنظمة الرأسمالية والاستبدادية التي كانت في بعض الأحيان بحاجة إلى نضال ثوري حقيقي او الى تطبيقات اشتراكية قاسية لاداعي لها!
أيضًا، كان هناك ميل لبعض الماركسيين، مثل لينين في مراحل معينة، إلى التقليل من أهمية العمل الثوري المستمر والتركيز على فكرة أن التحولات الاجتماعية ستكون نتيجة حتمية للنضال الطبقي. هذا التوجه قد جعلهم في بعض الأحيان يقيمون التغيير الثوري على أنه أمر سيحدث في لحظة معينة وليس كعملية مستمرة تحتاج إلى تنظيم دائم وإرادة سياسية فاعلة.
وادت الحتمية التاريخية ربما بستالين الى رفض فكرة الثورة الدائمة لتروتسكي والتصادم معه وفي النهاية وقتله!
إضافة إلى ذلك، كان لبعض التفسيرات الماركسية المتشددة تأثير في تجميد النضال الثوري، إذ اعتبرت أن أي محاولة لتغيير الواقع الاجتماعي قبل تحقق الظروف الموضوعية (مثل نضج الطبقات العاملة أو تدهور الرأسمالية) هو مخالفة للواقع المادي وانتهازية. هذا النوع من التفكير قد يُحدِث شعورًا بالعجز أو الجمود بين الثوار، إذ يعتقدون أن الثورة لا بد أن تحدث في وقت معين لا يمكن التسرع فيه.
وبناءً على ذلك، يُظهر التيار الماركسي كيف أن التفسير الحتمي للتاريخ قد يؤثر في توقيت الثورة وطبيعة النضال الثوري. النضال الذي كان من المفترض أن يكون مستمرًا ويوميًا قد تحول إلى انتظار للحظة الحتمية التي يأتي فيها التغيير، مما أدى إلى تجميد النضال الثوري في فترات معينة من التاريخ.
(2)
يعتبر ظهور الامام المهدي هو حتمية تاريخية في المفاهيم الأساسية للفكر الشيعي، حيث تقوم على الاعتقاد الراسخ بوجود الإمام المهدي المنتظر الذي سيظهر في المستقبل ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا. وفقًا لهذا المفهوم، يعتقد رجال دين الشيعة أن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من نسل الإمام علي بن أبي طالب، وهو غائب عن الأنظار منذ القرن التاسع، وسوف يظهر في الوقت المقدر ليقود الأمة الإسلامية نحو العدل والمساواة. هذه الفكرة تحمل في طياتها تصورًا حتميًا للمستقبل، وان ظهور المهدي هو حدث تاريخي حتمي لن يتأخر أبدًا، وأنه سينقلب من خلاله الوضع العالمي ليعم السلام.
وعلى الرغم من طول الخراب والتدهور وسفك الدماء والاحتلالات فان المهدي لم يظهر وتم استخدامه من قبل البعض من اجل السلطة وتدمير المسلمين وخدمة اعدائهم!
لكن الحتمية الشيعية بظهور المهدي قد أثرت بشكل كبير على النضال الاجتماعي والسياسي في العالم الشيعي. فهذه العقيدة تزرع في النفوس فكرة أن العدالة الإلهية ستتحقق في النهاية دون الحاجة إلى مبادرة سياسية من البشر. من هنا، نشأت فكرة الانتظار، التي تعتبر أن العمل الثوري أو السياسي ليس ضروريًا طالما أن الإمام المهدي سيظهر في وقت محدد ليقلب الأمور ويقضي على الظلم.
في بعض الأحيان، كانت هذه الحتمية الشيعية بمثابة تجميد للجهود الثورية أو التقليل من أهمية النضال المستمر.
إذ أن جزءًا من الفكر الشيعي يرى أن الظلم والفقر والمعاناة التي يعيشها المسلمون هي جزء من الاختبار الإلهي الذي سيستمر حتى يخرج المهدي، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يغير الوضع الحالي بشكل جذري قبل ظهوره. هذا التفكير دفع بعض الأفراد والجماعات الشيعية إلى الانتظار السلبي بدلًا من التحرك الفوري لتغيير الواقع.
من جانب آخر، تساهم فكرة الانتظار للمهدي في تعميق العجز السياسي لدى بعض الفئات، حيث يُنظر إلى الظروف السياسية السيئة على أنها جزء من الواقع الإلهي الذي ينبغي على المؤمنين تحمله إلى حين ظهور المهدي. وبالتالي، يعتبر البعض أن الاحتجاج أو النضال السياسي يتعارض مع إرادة الله، بما أن ظهور المهدي هو الحتمية التي ستغير الأوضاع.
وقد وصل المهدويون الاطاريون للسلطة في الأرض وافسدوا وارهبوا ايما فساد وإرهاب من اجل التعجيل بظهور الامام المهدي!
في إيران، كان لهذه الفكرة تأثير بارز على الثورة الإسلامية، حيث تزامنت الدعوات لتحقيق الدولة الإسلامية مع التركيز على إعادة ظهور المهدي. رغم أن الخميني قد أرسى مفهوم ولاية الفقيه ليحل محل قيادة الإمام الغائب، إلا أن بعض الفئات الشيعية كانت ترى في ولاية الفقيه محاولة للتدخل في مجال مخصص للإمام المهدي، وهو ما أدى إلى جدل فكري هناك.
هذه الحتمية الشيعية التي تركز على ظهور المهدي المنتظر قد أسهمت في تقليل الإحساس بالحاجة إلى الإصلاحات الفورية في بعض المجتمعات الشيعية، حيث إن الفكرة السائدة هي أن التغيير الحقيقي لن يأتي إلا من القيادة الإلهية المتمثلة في الإمام المهدي. وفي هذا السياق، يكون هذا التأجيل الفكري والاعتماد على فكرة الحتمية سببًا في إعاقة النضال الثوري في الفترات التي كان فيها العالم الشيعي او في البلدان المختلطة في أمس الحاجة إلى تحرك اجتماعي أو سياسي.
وتتحمل تلك الفكرة مسوولية كل الخراب والدمار والبوس والقتل والنهب والاثراء في ايران لنائب الامام المنتظر الولي الفقيه, ودول المحور تحت ذلك الشعار!
التأثيرات الإيجابية:
1. تفسير التاريخ:
تساعد الحتميات التاريخية في تفسير تطور المجتمعات والتاريخ بشكل منظم، مما يعطي للأفراد والمجتمعات شعورًا بأن هناك هدفًا أو غاية معينة للتطور البشري. على سبيل المثال، نظرية الماركسية تقدم تفسيرًا مفصلًا للصراع الطبقي والتطور الاجتماعي.
2. الأمل والتحفيز:
في بعض الأحيان، تعتبر الحتمية التاريخية مصدرًا للأمل والتحفيز، حيث توفر للمجتمعات فكرة أن العدالة أو التحرر قادمان في المستقبل، مثل الحتمية الشيعية بظهور المهدي أو الإيمان بالوصول الى الاشتراكية.
3. الاستمرارية والتطور:
من خلال الحتميات التاريخية، يشعر البشر بأن هناك تطورًا مستمرًا للإنسانية نحو الأفضل وان كان الواقع يشير الى انهم يسيرون نحو الفناء!
4. توجيه الثورات والشعوب نحو أهداف مشتركة:
الحتميات التاريخية مثل الحتمية الماركسية كانت تعمل على توجيه الحركات الثورية نحو التغيير الجذري، مع تأكيد أنها تسير في اتجاه معين في نهاية المطاف، مما يساهم في جمع الشعوب حول فكرة النضال المشترك.
التأثيرات السلبية:
1. التراخي والانتظار:
ادت الحتمية التاريخية أحيانا إلى الانتظار السلبي وعدم التحرك الفوري لتغيير الواقع. في الفكر الشيعي مثلًا، الاعتقاد بأن الإمام المهدي سيظهر في وقت ما أدى إلى تأجيل العمل الاجتماعي والسياسي الفوري.
او الى ظهور نظام قمعي دموي فاسد مثل نظام ولاية الفقيه!
2. فقدان المبادرة الشخصية:
عند الإيمان بحتمية تطور التاريخ، قد يفقد الأفراد أو الجماعات قدرتهم على اتخاذ قرارات نشطة وفعلية، مما يؤدي إلى الركود الاجتماعي والسياسي. يمكن أن يُنظر إلى التغيرات الجذرية كأمر لا مفر منه في المستقبل، وبالتالي لا يستحق بذل جهد اكبر لتحقيقها في الحاضر.
3. توجيه المجتمعات نحو اللاعقلانية أو التطرف:
في بعض الأحيان، ساهمت الحتمية في التفكير بأن الوصول إلى النهاية المأمولة يتطلب تضحية أو تدمير الواقع الحالي بالقوة، كما حدث في الأنظمة السياسية المتطرفة مثل الفاشية أو الشيوعية.
4. التبرير للظلم والاستبداد:
بعض الحتميات التاريخية اُستخدمت كأداة لتبرير الظلم أو الاستبداد كما حصل مع الأنظمة الشيوعية السابقة او نظام الملالي!
5. الركود الفكري والجمود:
عندما تُعتبر التغيرات المستقبلية حتمية، قد يؤدي ذلك إلى جمود فكري، حيث يتم رفض التفكير النقدي أو التغيير الفوري لأن الجميع يعتقد أن المستقبل سينتج بشكل طبيعي باتجاه واحد وشكل واحد لافكاك منه!
بعض الحتميات التاريخية قد تكون مضللة، خاصة عندما تُستخدم لتبرير الظلم أو الاستبداد. مثل الحتمية الفاشية أو القومية التي كانت تُستخدم لتبرير القمع والسيطرة على شعوب أخرى.
أيضًا، فكرة الحتمية التاريخية في الماركسية قد تكون مبالغ فيها، مثل تصور أن الرأسمالية ستسقط حتمًا دون النظر إلى تعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي ناهيك عن التصور بعدم قدرتها على تجديد وتطوير نفسها!
ان بعض الحتميات قد تكون حقيقية جزئيًا، خاصة عندما تتعلق بمسائل طبيعية أو بيولوجية، مثل نظرية داروين التي تفسر التطور البيولوجي عبر الانتقاء الطبيعي. هذه الحتمية تتعلق بقوانين الطبيعة التي لا يمكن تجاهلها.
الحتمية الاقتصادية في الماركسية قد تكون صحيحة في بعض جوانبها، مثل الصراع الطبقي وتأثيره على النظام الاجتماعي، لكنها قد تفتقر إلى القدرة على التنبؤ بتوقيت أو كيفية حدوث الثورات او اتجاهات تطور الراسمالية وقدرتها على البقاء والتطور.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي
مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي

موقع كتابات

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي

الترجمة 'إن تاريخ الطبيعة، أو ما نسميه 'العلوم الطبيعية'، لا يهمنا هنا؛ ولكن 'سيتعين علينا أن نتعامل مع تاريخ البشر، لأن الأيديولوجية بأكملها تقريبًا قد تم تقليصها إما إلى مفهوم خاطئ لهذا التاريخ أو إلى تجريد كامل من هذا التاريخ. ' (كارل ماركس: الأعمال الفلسفية، المجلد السادس، ص 153-154). تتعلق مشكلة الوعي الزائف بالتاريخ الألماني الحديث بطريقتين. ومن ناحية أخرى، يعود الفضل في وضع الأسس الفلسفية لهذه المشكلة إلى المنظرين الماركسيين غير التقليديين في ألمانيا في عهد جمهورية فايمار. علاوة على ذلك، فإن العقيدة الاشتراكية الوطنية تمثل بلا شك مثالاً نموذجياً للأيديولوجية بالمعنى الماركسي للمصطلح، أي على وجه التحديد نظام أفكار غريب عن الواقع وحامل لوعي زائف. ومن الواضح أن هذا التفسير للاشتراكية الوطنية باعتبارها وعياً زائفاً له تأثير على مسألة المسؤولية الألمانية التي أثارت الكثير من الجدل، ولكن ليس من شأننا الخوض في تفاصيل هذه المسألة هنا. ومن المؤكد أن النقاد الألمان لكتابنا سوف ينظرون فيه ويناقشونه. إن وضع الماركسية ككل فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف مماثل. إن نظرية الأيديولوجية ونتيجتها، نظرية الوعي الزائف، هي من أصل ماركسي؛ إنها تشكل فصلاً – بالنسبة لنا الفصل الرئيسي – من مجال الاغتراب العظيم. ولكن إذا كانت الماركسية قد قدمت المقدمة لموقف نظري بشأن هذه المسألة، فإنها قدمت أيضاً توضيحها غير الطوعي: فلم يكن اغتراب الروح الإنسانية في أي مكان أكثر عمقاً مما كان عليه في الستالينية، ولم يكن أي شكل من أشكال الوعي السياسي أكثر زيفاً من هذا. لكن النظرية التي أصبحت أيديولوجية سياسية لا تستطيع أن تدين نفسها. وإلى جانب الوعي الزائف، فقد أصبح هذا بمثابة تبلور للطلاق بين الماركسية النظرية والماركسية السياسية؛ نقطة اللاعودة التي قد تتحول عندها الماركسية إلى نظرية مدمرة للذات. إن الماركسية العقائدية كانت متسقة مع نفسها فقط في منع تطور أي نقد أيديولوجي بنيوي بشكل منهجي – وهو نقد لا ينفصل عن صحة مفهوم الوعي الزائف – ليحل محله رفض عالمي وغير متمايز للبنى الفوقية للمعسكر المعارض كما رأينا في روسيا وكما يبدو أنه ينشأ حاليًا في الصين. تنشأ مشكلة أولية لأي نظرية متماسكة للوعي الزائف: كيف نحدد الوعي الأصيل وبالعلاقة معه يمكن تسمية شكل آخر من أشكال الوعي 'زائفًا' وما هي الطبقة الاجتماعية التي تشكل مستودعًا للوعي الأصيل. المشكلة فلسفية واجتماعية. تقترح الماركسية الأرثوذكسية حلاً لهذه المشكلة، وهو الحل الذي لا يمنع من التماسك أكثر من التضحية باستقلالية مشكلة الضمير من أجل إنشاء فرع لعلم اجتماع المعرفة. الضمير الضمير هو مجموعة من «النظريات غير الملائمة» التي لا يعتبرها القصور بمثابة مكافأة للمصلحة الطبقية. الضمير الأصيل – خلية البروليتاريا – هو مجموعة من 'النظريات المناسبة للواقع' التي تم إعدادها من قبل نظريات الأصل التي ليست بروليتارية، فهي بمثابة مصدر للطبقة العاملة الممثلة من قبل الحزب. لينين وكاوتسكي، اللذان كانا يقاتلان معًا، وجدا اتفاقًا لتقدير أن الضمير الطبقي البروليتاري يجب أن يأتي إلى الخارج. إنها تتزامن مع الحد الأقصى من الوقت مع إيديولوجية حزب غير قابل للفشل ومع الانتصارات القيمة في العلوم الاجتماعية. لقد صممنا مصطلح 'المفهوم المعرفي الماني' للضمير السياسي هذا التفسير الذي يميل إلى الظهور اليوم كجزء من مؤسسات النقد الإيديولوجي للماركسية الأرثوذكسية. بدلاً من العمل على إثبات بنية الاتصال بين الضمير والوجود، يتم تحملها للتنصل من خطأ الخصم. هذه النظرية تتوافق بشكل خاص مع الماركسية الأرثوذكسية، وهي لا تتسطح أبدًا مع التوجه العلمي والنزعة المانوية: الحقيقة ضد الخطأ، والروح العلمية ضد اللاعقلانية. ومع ذلك، فإن تبني الماركسية يلتزم باستقلالية مشكلة الضمير: يمكن أن يكون شكل من أشكال جائزة الضمير ثمرة «فورية» للحياة الاجتماعية ؛ يجب أن يتم تطوير نظرية اجتماعية من قبل المتخصصين. إن المفهوم الذي حاولنا الدفاع عنه في سياق العمل الحالي هو 'فكر ضد' هذا التفسير. نحن ننتقد مفهوم 'الآلة المعرفية' لقيامه بعقلنة مشكلة الوعي السياسي، متجاهلاً العامل غير العقلاني، الذي يظل دوره واضحاً رغم ذلك. ويمكننا أيضًا أن ننتقدها بسبب السذاجة التي تتعامل بها مع فكرة 'عدم الكفاية' (الخطأ) باعتبارها حقيقة لا تقبل الجدل وقادرة على أن تكون نقطة انطلاق، في حين أنها تفترض تحقيقًا منطقيًا ومعرفيًا صعبًا بالكامل. هل يمكن أن نعتبر الستالينية، التي قادت روسيا إلى النصر في أعظم الحروب، خطأً سياسياً حقيقياً؟ لا، بالتأكيد لا. فهل نحن ملزمون إذن بالموافقة على استيعابه للتروتسكية والنازية، وهوسه البارانويدي بالمؤامرة خارج الزمن، ورفضه المزمن للتاريخ، باعتبارها حقيقة علمية؟ هل كان الانتصار العسكري الذي حققته ألمانيا النازية، والذي لم يكن مستحيلاً على الإطلاق، من شأنه أن يحول بأثر رجعي أخطاء العنصرية إلى حقيقة علمية؟ ومن ثم يمكننا أن نرى مدى خطورة ادعاء تبرير مشكلة الوعي الزائف من خلال إقامة مفهوم 'الكفاية' كفئة مركزية. إن التعريف التقليدي للحقيقة: ملاءمة الشيء مع الفهم هو إطار فارغ يطالب بمحتوى: يمكن أن يأتي هذا المحتوى إما من أبحاث معرفية صعبة من النوع الذي قام به فيكتور بروشارد في الماضي، أو بسهولة أكبر من سلطة خارجية. إن المفهوم العقلاني للوعي السياسي يؤدي بعد ذلك إلى أيديولوجية استبدادية. كنا نعتقد أننا نستطيع الهروب من هذه التناقضات من خلال تأسيس أبحاثنا الخاصة ليس على معيار الكفاية ولكن على المعيار الجدلي، الخالي من رهن أي حكم قيمي معرفي. وعلى النقيض من أنصار الماركسية العقائدية، فإننا لا نعتبر مصطلح 'الديالكتيكي' مرادفًا لـ 'الحقيقة العلمية'. النهج العلمي هو توليفة من المناهج الديالكتيكية وغير الديالكتيكية. لا شك أن الوعي الديالكتيكي الكامل غير ممكن ولا حتى مرغوب فيه. لم تعد مشكلة الوعي الزائف تقع بين مصطلحات معضلة 'الحقيقة والخطأ'، حيث تميل إلى أن تصبح غير شخصية، ولكن بين مصطلحات 'التفكير الديالكتيكي' و'التفكير غير الديالكتيكي': فئتها المركزية ليست عدم الكفاية للواقع – لا يمكن تعريف مفهوم 'الكفاية للواقع' إلا بطريقة استبدادية – ولكن درجة الوظيفة التاريخية والشمولية (الديالكتيكية) للبيانات السياسية. ومن ثم فإن التصور السياسي المعادي للجدلية وغير التاريخي والمتجسد بشكل عنيد من شأنه أن يشكل الفئة الأساسية للوعي الزائف. نقطة البداية لهذا المفهوم هي دراسة خصصناها في عام 1949 لعلم نفس الشيوعية والتي تمكنا من إعادة نشرها مؤخرًا بفضل المساعدة المتميزة من دار نشر فيشر والسيد بيترو دوميتريو. إن 'علم نفس الفكر الشيوعي' هذا ينبغي أن يسمى الآن، بكل إنصاف، 'الأسس النفسية والمنطقية للأيديولوجية الستالينية'. في الواقع، لقد نجحت الشيوعية في التخلص من عزلتها إلى حد كبير منذ ذلك الحين؛ ربما تظل استنتاجاتنا التي توصلنا إليها في عام 1949 صالحة فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف؛ إنها لا تنطبق إلا جزئيا على الوعي الشيوعي لعام 1967، على الأقل على وعي المنظمات الخاضعة للنفوذ الروسي. لقد انطلقنا من الملاحظة التي مفادها أن الفكر الشيوعي، على الرغم من ادعائه بأنه جدلي، إلا أنه في مناهجه الفعلية يقع على النقيض تمامًا من المنهج الجدلي. إلى جانب النزعة المدرسية في العصور الوسطى، فإن الستالينية هي بلا شك المجموعة العقائدية الأكثر ثباتاً في معاداة الجدلية في تاريخ الأفكار بأكمله. إنها فكرة أنانية وهندسية، تهيمن عليها 'التعريف الزائف' وتعتمد على الوعي المتجسد. ربما كانت الأيديولوجية الستالينية تمثل الدرجة القصوى التي يمكن أن يصل إليها الوعي الزائف. في ذلك الوقت، عندما كنا نقرأ الصحافة الشيوعية أو نستمع إلى الخطابات الدبلوماسيين السوفييت، كان لدينا انطباع حقيقي بأننا نتعامل مع كائنات ذات دماغ مختلف عن دماغنا. هذا يُلقي نظرةً على هويةٍ بنيويةٍ بين الوعي الزائف والوعي الفصامي. قد يبدو هذا التعريف للوعي الزائف كفكرٍ لا ديالكتيكي تعسفيًا. لنُلاحظ، لمصلحة القراء المُحتملين المُهتمين بالوفاء للنصوص الكلاسيكية، أن التعريف الماركسي للأيديولوجيا مُلهمٌ بشكلٍ وثيقٍ إلى حدٍّ ما، شريطة أن نُعتبر الرؤية التاريخية بُعدًا هامًا في أي جدلية. لكن هذه ليست النقطة الجوهرية في المسألة. جميع العلوم تعمل بمساعدة مُسلَّماتٍ تعسفيةٍ إلى حدٍّ ما، وغالبًا ما تتزامن مع أنظمةٍ بديهيةٍ غير متوافقة. القيمة الأداتيَّه للأنظمة البديهية وحدها هي التي تُتيح لنا قياس قيمتها بأثرٍ رجعي. وسواءً أكان تعريفنا 'الديالكتيكي' للوعي الزائف تعسفيًا أم لا، فقد مكّن من تطوير توليفةٍ واسعةٍ تشمل – ولأول مرةٍ على حدِّ علمنا – قطاعًا من الاغتراب السريري. وبقدر ما يُثبت هذا التوليف تماسكه وفائدته، فإنه يُبرِّر بأثرٍ رجعيٍّ التعريف الذي كان بمثابة نقطة انطلاقه. ليس هناك ما يمنعنا من معارضة المفهوم 'الإيلي' للتعريف 'الجدلي' للوعي الزائف. لقد كشف كتاب آخرون، أكثر تألقاً من كتابنا، عن الصعوبات التي تكتنف نظرية فيلفريدو باريتو حول تداول النخب. ولكن إذا أثبتت هذه النظرية قدرتها على تفسير بعض جوانب الوهم السياسي ـ ونحن نفكر هنا في المكون الطوباوي لبعض البرامج ـ فليس لدينا سبب لرفض هذه المساعدة، حتى ولو كان ذلك يعني الترحيب لاحقاً، دون ندم، بالمفهوم الجدلي لمشاكل مختلفة. الحقيقة لا تتعايش مع الخطأ أبدًا؛ يمكن لنظامين بديهيين مختلفين أن يتعايشا ويتشاركا المهام؛ هناك رياضيات تستخدم هندسة إقليدس وهندسة ريمان بالتناوب. إن المنظورية في العلوم الإنسانية لا تنفصل عن الوضع الديمقراطي للفكر، في حين أن الاستبداد يميل إلى 'إطلاق' منظور الفرد واعتبار الآخرين غير شرعيين. ', ومن بين البنيات المضادة للجدلية التي تترك بصماتها على الوعي الزائف، لا بد من الإشارة بشكل خاص إلى التعريف. وتغطي مشكلة تحديد الهوية وإساءة استخدامها مساحة ضخمة. ويتعلق الأمر بتخصصات متنوعة مثل نظرية المعرفة (راجع أعمال إميل مايرسون)، وعلم نفس الطفل، وعلم الأمراض النفسية، والتحليل النفسي، وعلم اجتماع المعرفة والأيديولوجيا، وحتى، إلى حد ما، فلسفة القانون. إن تجميع هذه الجوانب المختلفة يتطلب كتابًا. في المسائل العلمية، يعتبر التعريف تقنية مشروعة تم تسليط الضوء على أهميتها وتدوين استخدامها في الأعمال الكلاسيكية لإميل مايرسون (الهوية والواقع). إن إساءة استخدامها في الأمور السياسية هي نتيجة حتمية للهيكلة الأنانية للفكر. إن النظام الذي يحتل مكانة متميزة في أذهان أنصاره (أي أنه لا يستطيع بحكم التعريف الدخول في علاقة عكسية) يفرض تصوراً مانوياً يرى التاريخ ببساطة باعتباره صداماً بين معسكرين متجانسين. وتميل الدعاية، من جانبها، إلى تعزيز هذا الاتجاه بهدف الاقتصاد في الفكر. ومن هنا ازدهار هذه المفاهيم الأنانية في الأيديولوجيات الشمولية، والتي تترجم على المستوى المنطقي الفرضية اللاواعية حول الوحدة الأساسية للمعسكر المعارض (البلشفية اليهودية). لقد رأى لابرويير بوضوح هذه العلاقة السببية بين الأنانية وشيوع مبدأ التعريف. في أحد فصول كتاب الشخصيات نجد هذه الفقرة المذهلة: 'الأمراء، دون أي علم أو قاعدة أخرى، لديهم ذوق للمقارنة: إنهم يولدون وينشؤون في وسط أفضل الأشياء، وكأنها في مركزها، والتي يربطون بها ما يقرؤون، وما يرون، وما يسمعون'. إن ريموند آرون، الذي لا يحب كلمة 'جدلية' ولكن تحليلاته تشكل في كثير من الأحيان نماذج للنقد الأيديولوجي الجدلي، قد ندد في كثير من الأحيان في كتاباته بتقنية تحديد السلسلة، والتي يعزو أصلها إلى الموقع المتميز للحزب في الكون الذهني الشيوعي، أي باختصار إلى العامل الأناني. وسوف نظهر في سياق هذا العمل أن هذه الظاهرة هي في الأساس جانب جزئي من الانتشار العام للهياكل اللاديالكتيكية – غلبة المكان على الزمن هي جانب آخر – في عالم الاغتراب. خصص الماركسي المجري بيلا فوجارناسي فصلاً من كتابه 'الماركسية هي المنطق' لمشكلة التعريف الزائف في السياسة؛ وأمثلته مستمدة من ما يسمى بالأيديولوجيات 'اليمينية'؛ لقد أخذنا فكرتها المركزية لاستخدامها في نقد أيديولوجية اليسار المتطرف. وفي نهاية المطاف فإن مجال الاغتراب الفردي ليس غافلاً عن هذه الظاهرة. يمكننا أن نقتصر على ذكر مثال سهل للغاية – ومع ذلك صحيح – للفتيشية الجنسية: إن استبدال شيء ما بمجموع شريك الحب هو تحديد زائف حقيقي تمامًا. من ناحية أخرى، سيكون هناك نقاش مطول لاحقًا حول البحث المثير للاهتمام الذي أجراه سيلفانو أرييتي من نيويورك، والذي أظهر في دراسته لما يسميه 'الاركيولوجيا القديمة' للمصابين بالفصام، أن هؤلاء المرضى النفسيين لديهم أيضًا 'تحديد سهل'. نحن إذن أمام بنية أساسية ـ قاسم مشترك حقيقي ـ لمختلف جوانب الاغتراب، التي يشكل استمرارها على المستوى الفردي والجماعي أحد أسس ما نسميه البنية الانفصامية للوعي الزائف. السؤال الذي يطرح نفسه هو: بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على نهاية الستالينية، هل لا يزال لهذا المفهوم للوعي الزائف أي قيمة تفسيرية في السياسة؟ هذا ليس سؤالا بلاغيا. لقد تم الإشارة إلى نهاية العصر الأيديولوجي مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة؛ بالنسبة للماركسيين، الوعي الزائف لا ينفصل عن الأيديولوجية. علاوة على ذلك، فإن موقف المشكلة نفسه ليس خاليا تماما من الغموض. في الواقع، يشير مصطلح الأيديولوجية إما إلى الجهاز العقائدي بأكمله لحزب ما، أو إلى التعبير الأيديولوجي عن رؤية تاريخية متدهورة. في الحالة الأولى، سيكون تراجع الأيديولوجيات ظاهرة من ظواهر الانحطاط الثقافي؛ أما في الحالة الثانية، فعلى العكس من ذلك، فإنها ستعلن عن قدوم عصر الوضوح. يمكن أن تتعايش هاتان العمليتان، بل وتتداخلان؛ أما الثاني فهو وحده مرادف لتراجع الوعي الزائف. ويحدث أيضًا – ويعرف الأطباء النفسيون هذه الظاهرة جيدًا – أن فقر المظاهر الفكرية يخفي وراءه استمرارًا لقاعدة من الإدراك غير الواقعي. بعض أشكال الوعي الزائف، مثل الستالينية، تحيط نفسها بدرع أيديولوجي سميك. والبعض الآخر، مثل أصحاب التوجه العرقي الأميركي، متمردون على أي أيديولوجية. وبالتالي فإن تراجع نفوذ الأيديولوجيات لا يشكل تقدماً في حد ذاته. ولا يمكن أن نصل إلى معلومات صحيحة بشأن هذه المشكلة إلا من خلال دراسة كل حالة على حدة على مختلف القطاعات المعنية. في مقدمة العمل، يكون هذا الفحص بالضرورة ملخصًا. ومن المؤكد أننا نشهد عملية حقيقية لإزالة الاغتراب في القطاع الروسي من العالم الشيوعي. في عمل حظي بتعليقات واسعة النطاق في فرنسا حوالي عام 1954، يشرح السيد إسحاق دويتشر هذه العملية من خلال التأثيرات المسببة للاغتراب للتقدم التقني الذي أدى، من خلال ضمان سيطرة جديدة للإنسان على الطبيعة، إلى دفع السحر البدائي إلى الوراء، وهو إرث من الستالينية. إن هذا التفسير الذي قدمه دويتشر لا يجذبنا إلا إلى حد ما. إن مثال ألمانيا في عهد هتلر يثبت أن التكنولوجيا الأكثر تقدماً يمكن أن تتعايش مع تراجع عميق في الوعي. لا يمكن اعتبار التقدم التقني في حد ذاته عاملاً من عوامل إزالة الاغتراب. وربما لعبت الآلية التي وصفها السيد دويتشر دوراً ثانوياً؛ إن السبب الاجتماعي الحقيقي وراء هذا الذوبان الأيديولوجي يجب أن نبحث عنه في مكان آخر. ربما يكون هذا السبب هو ظهور الاشتراكية متعددة المراكز التي، من خلال كسر المخطط المانويّ للعالم الخاص بالشيوعية، جعلت في الوقت نفسه الأساس الوجودي للأنانية الجماعية يختفي، والتي تشكل 'معادلاتها' العامل الأساسي لهندسة (انفصام) الوعي. وفي الوقت نفسه، استعادت نظرية الاغتراب، التي حظرها ستالين بشدة، بعض المصداقية في المعسكر الماركسي، كما يتضح من كتابات ج. نادور في المجر، وآدم شاف في بولندا، وأخيراً روجيه جارودي في فرنسا. وفي الوقت الذي تعالج فيه الماركسية الحكومية نفسها جزئياً من حالة عميقة من الاغتراب والوعي الزائف، فإنها تعيد اكتشاف الأهمية النظرية لمشكلة الاغتراب. لقد شهدنا في الولايات المتحدة مؤخراً ظهور مناخ سياسي بدأ يشبه مناخ ألمانيا في عهد جمهورية فايمار، ولكن من دون البؤس. إن صعود المطابقة، وصعود 'التحديد الخارجي' على حساب 'التحديد الداخلي' للسلوك، وإزالة الصفة الشخصية عن الإنسان الأمريكي، سجين 'التنظيم'، المحاصر في مرمى نيران الدعاية والإعلان، كل هذا يؤدي إلى ظهور اتهامات لا تقل انتقاداً لشكل أمريكي محدد من الاغتراب الاجتماعي. هناك بالفعل رصيد دائم من الوعي الزائف في الولايات المتحدة يتكون في المقام الأول من مقاومة التغيير. إن المكارثية، والغولدووترية الأقرب إلينا، هما في الأساس نتيجة للاستياء المؤقت لهذا الصندوق الدائم لصالح الظروف السياسية. لقد حرصنا أعلاه على تحديد الوعي الزائف بوضوح فيما يتعلق بسلوك الفشل في السياسة: تشكل الستالينية في نفس الوقت 'النوع المثالي' التلقائي للوعي الزائف وفي نفس الوقت الحالة النموذجية للأيديولوجية التي، على حد تعبير ماركس، 'تصبح قوة مادية من خلال الاستيلاء على الجماهير'. ولكن ليست كل أشكال الوعي الزائف أدوات للنجاح، ولم تقدم أي حركة فكرية خدمة أكثر عفوية لخصمها من المكارثية وخلفائها. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المركزية العرقية الجنوبية، وهو وعي زائف نموذجي لإدراكها المتشدد والمُزيل للطابع الشخصي لأعضاء ما يسمى بالأعراق 'الدنيا'، وعدم وعيها بدوافعها الحقيقية، ومانويتها، ورفضها لأي إمكانية للتقدم للمجموعة العرقية 'الدنيا'، وهو رفض متبلور في هويات زائفة حقيقية ['الزنجي يظل زنجيًا دائمًا']. إن المركزية العرقية السوداء تضعنا، حتى قبل مغادرة أمريكا، في وسط أجواء العالم الثالث. لقد كان إنهاء الاستعمار هو الحقيقة العظيمة لإزالة الاغتراب في عصرنا ـ وقد أظهر جاك بيرك ذلك في صفحات مبهرة. لكن كما هو الحال مع كل حركات التحرر في التاريخ، فإنها مهددة بالوعي الزائف، ربما في شكله الطوباوي. إن الفضل الكبير لعمل جان زيجلر: علم اجتماع أفريقيا الجديدة هو أنه طرح هذه المشكلة بوعي شديد. إن زيجلر مطلع على أعمال لوكاش، وهو يدرك أهمية مشكلة الاغتراب. وكان خطأه هو رغبته في تغطية مساحة هائلة في ثلاثمائة وثمانين صفحة، مما اضطره إلى اللجوء إلى أسلوب أخذ العينات التعسفي إلى حد ما. ولا يمكننا أن نفكر هنا في التعامل، ولو بشكل مختصر، مع المشكلة العالمية المتمثلة في الوعي الزائف بالمسيحانية والطوباوية السياسية في العالم الثالث؛ وسنقتصر هنا على الإشارة إلى وجود مشكلة وخطورة هذه المشكلة التي تتطلب المعالجة إما في دراسات أحادية أو في عمل تاريخي عالمي وليس عملاً نظرياً مثل عملنا. إننا سوف نترك جانباً عمداً تحليل بعض الأشكال 'الثانوية' للوعي الزائف، ذات البنية المثيرة للاهتمام، ولكن نطاقها التاريخي محدود، مثل البوجادية الفرنسية، التي شكل حنينها إلى الجمعية العامة مثالاً بارزاً على اللاتاريخية الأيديولوجية، أو حركة جون بيرش في الولايات المتحدة. كما أن استخدام مفهوم الوعي الزائف في البحث التاريخي هامشي أيضًا مقارنة بدراستنا التي ركزت على الأحداث الجارية. ولكن يجب أن نشير إلى بعض المشاكل التي يواجهها الباحثون المتخصصون الذين لا يترددون في استخدام اقتراحات غير المتخصصين في عملهم. وهكذا ــ ولنأخذ مثالاً واحداً فقط ــ فإن الفترة المعروفة باسم 'إعادة الإعمار' في التاريخ الأميركي (التي تلت الحرب الأهلية مباشرة) تميزت من جانب المنتصرين بشكل غريب من الوعي الزائف الذي لا شك أن وجوده هو أحد الأسباب البعيدة للدراما العنصرية الحالية. إن الرغبة في إسناد المسؤوليات الحكومية فورًا إلى أشخاص بالكاد ابتعدوا عن حالة العبودية ــ بغض النظر عن لون بشرتهم ــ هي علامة على شكل خطير من أشكال التفكير غير التاريخي، وقد تم الانتقام من هذا الخطأ منذ ذلك الحين بوحشية. وهناك مجال آخر حيث يمكن لمفهوم الوعي الزائف أن يساعد المؤرخ بشكل مفيد على فهم موضوعه وهو أصل الأنظمة الفاشية. من المؤكد أننا لا ننوي ـ كما يود أي ناقد سهل أن نصدق ـ أن نختزل المشكلة الاجتماعية المتمثلة في الفاشية في مسألة الوعي الزائف. الفاشية ظاهرة معقدة تتعلق بالاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة؛ علاوة على ذلك، فهي تحمل دائمًا علامة الخصوصية التاريخية وحتى العرقية لمكان نشأتها. لا يستطيع أحد أن يدعي جدياً أن الفاشية هي وعي زائف، ولكن هذه الفئة تلعب مع ذلك دوراً أساسياً في البنية الأيديولوجية للأجواء ما قبل الفاشية وفي أيديولوجية الفاشية القائمة. يخصص أحد فصول هذا الكتاب لدراسة الاشتراكية الوطنية باعتبارها أيديولوجية متجسدة؛ تقول صيغتنا ضمناً أننا لا نرفض مسبقاً أي تفسير اقتصادي أو سياسي (على مستوى ما يسميه الأنجلوساكسونيون 'صنع القرار') أو تاريخي. لقد امتنعنا أيضًا عن أي فرضية تتعلق بالأصل. وأخيرًا، دعونا نشير، فيما يتعلق بأصول الفاشية الإيطالية، إلى العمل الرائع لروبرت باريس والذي يشكل، على وجه التحديد في الاستخدام التوضيحي لمفهوم الوعي الزائف، نموذجًا لهذا النوع. وعلى الرغم من التراجع الذي لا يمكن إنكاره للأيديولوجيات، فإن مفهوم الوعي الزائف يبدو أنه يحتفظ ببعض القيمة كفئة تفسيرية للأحداث الجارية. ونحن نشهد أيضاً، على الأقل في فرنسا، النشر المتتالي للأعمال السياسية التي غالباً ما تشكل، تحت عناوين مختلفة، تحليلاً للهياكل غير الواقعية، وغير الجدلية في كثير من الأحيان، أو حتى المنفصلة بوضوح عن التجربة السياسية للمجموعات. نحن لا نفكر هنا في أعمال من نوع 'اغتراب…' التي تتكاثر حاليًا والتي غالبًا ما يلعب فيها مفهوم الاغتراب دور الكليشيه، بل نفكر في أعمال جادة من نوع 'الوهم السياسي' لجاك إيلول ، و'الانسان المحير' لـ ر. موري، دون أن ننسى العمل الرائع 'مداخلات في أمور مختلفة' لجان بولهان. ومرة أخرى، يمنعنا الإطار المحدود لـ'المقدمة' من أن نكون شاملين. لذلك سوف نقتصر – كنوع من الاستنتاج – على وضع عمل ذو نطاق دولي وغير معروف نسبيًا في فرنسا فيما يتعلق بمفهوم الوعي الزائف: إنه عمل ك. مانهايم. وقد وُصف مانهايم بأنه 'ماركسي برجوازي'؛ لقد قبل هذا التأهيل إلى حد ما، لكنه لم ينكره أبدًا. أنا أراه بسهولة أكبر باعتباره ماركسيًا ديمقراطيًا لا يكون 'برجوازيًا' إلا بقدر ما تكون البرجوازية هي الحامل التاريخي للفكرة الديمقراطية. إن الماركسي البرجوازي الحقيقي، الذي يرغب في اتباع البرجوازية في جميع تجسيداتها وفي جميع مغامراتها، بما في ذلك المغامرة الشمولية، هو في رأينا فيلفريدو باريتو. إن عمل مانهايم، الذي ولد في ظل أزمة، يستجيب لحاجة واضحة للغاية: وضع إنجازات الماركسية، وفي المقام الأول إنجازات النقد الأيديولوجي وتقنية كشف الماركسية، في خدمة الديمقراطية، وليس البرجوازية أو الرأسمالية. إن مسألة إمكانية وجود ماركسية ليست برجوازية بل 'ليبرالية' تشكل مسألة حيوية بالنسبة للديمقراطية. إن هذا الانشغال يسيطر بشكل قهري على كتاباته بعد عام 1933 (كتابات الهجرة)، ولكنه موجود مسبقًا بشكل كامن في كل أعماله، بما في ذلك تلك التي كتبها منذ البداية. كان مانهايم يرغب ـ ونحن نعيد صياغة هنا صيغة ماركسية معروفة ـ في 'صنع الأسلحة الإيديولوجية للديمقراطية'. عمله غير معروف إلى حد كبير ويتم التقليل من شأنه بشكل عام في فرنسا. نقتبس منه دون أن نقرأه كثيراً ونتفق ضمناً على اعتباره كمية ضئيلة. والسبب في ذلك هو وجود ترجمات رديئة، إن لم تكن مشوهة، فضلاً عن سوء الفهم المستمر الذي يحافظ عليه المعارضون، والأصدقاء، وفي نهاية المطاف مانهايم نفسه. كان يُنظر إلى مانهايم على أنه عالم اجتماع المعرفة قبل كل شيء؛ لكن دراساته المعرفية الاجتماعية الصارمة قليلة العدد وذات أهمية متوسطة. ومن ناحية أخرى، فإن مساهمته المهمة في مشكلة الأيديولوجية ـ وضمناً مشكلة الوعي الزائف ـ قد طغت عليها تماماً الترجمة غير الكافية لكتاب 'الأيديولوجيا واليوتوبيا'. يُعرّف مانهايم الأيديولوجية بأنها نظام من الأفكار يتخلف عن الواقع؛ إنه، باختصار، تبلور رؤية مناهضة للتاريخ. يقدم عصرنا أمثلة أكثر إضاءة من تلك التي استخدمها مانهايم: الوعي الاستعماري الذي يفسر الواقع الحالي من منظور عصر 'سياسة الزوارق الحربية' أو حتى الانعزالية الأمريكية التي تفترض 'عزلة' الأراضي الأمريكية، التي كانت حقيقية في زمن ماكينلي، وغير موجودة اليوم. في كتابه 'الأيديولوجيا واليوتوبيا'، ينتقل مانهايم إلى تقسيم مزدوج لهذا المفهوم. من ناحية أخرى، يعارض المفهوم الخاص للأيديولوجية، وهو بنية جدلية بحتة ('الأيديولوجية هي الفكر السياسي للآخر'!) بمفهومه العام الذي يعترف بأن كل فكر سياسي يحتوي على عنصر أيديولوجي لأن كل سياسة تعكس وجهة نظر معينة. من ناحية أخرى، يميز مانهايم بين المفهوم الخاص للأيديولوجيا، الذي يفترض تضليلًا واضحًا ومهتمًا، ومفهومها الكلي ، الذي يترجم إعادة هيكلة 'مرتبطة بالوجود' للأسس المفاهيمية والإدراكية للفكر السياسي، والفكر الطوباوي، وفي النهاية، يكون القاسم المشترك بينهما هو حقيقة أنهما تبلوران مختلفان للوعي الزائف. يبدو أن طموح مانهايم هو تحرير مفهوم الأيديولوجية من كل عبودية حزبية و'جدلية' من أجل جعله عنصرًا من إطار السياسة العلمية. ومن الواضح أن صحة مفهوم الوعي الزائف لا تنفصل عن نجاح هذه المحاولة. في عام 1933 غادرت مانهايم ألمانيا؛ ومن الآن فصاعدا ستظهر كتاباته باللغة الإنجليزية. تشكل هذه الكتابات فصلاً مثيراً للاهتمام في تاريخ الأفكار. غادر لوكاش إلى الاتحاد السوفييتي؛ سوف يظل شيوعيًا بالتأكيد، ولكن شيوعيًا 'هامشيًا' مرفوضًا جزئيًا من قبل النظام. أما مانهايم فقد اختار ما سيصبح لاحقا العالم الغربي، وعلى وجه الخصوص العالم الأنجلو ساكسوني الذي شعر تجاهه بالإعجاب التقليدي من جانب الدوائر الليبرالية في المجر في الماضي. ولكن هذا لم يمنعه من تشخيص مبكر للضعف الإيديولوجي للعالم الأنجلوسكسوني، وهو ضعف ناجم عن 'مقاومته للتغيير'. التقليدية البريطانية، والتوافقية الأمريكية، والميل نحو 'الضيق الأفق'. في كتاباته باللغة الإنجليزية، يبدو أنه قد تولى مهمة كبرى: وضع إنجازات الماركسية بشكل عام والديالكتيك بشكل خاص في خدمة الديمقراطية المهددة، والقيام بذلك دون إثارة صدمة جمهوره الجديد بشكل كبير من خلال استخدام المصطلحات ذات الأصل الماركسي. وقد وُصِف مانهايم بأنه 'ماركسي برجوازي' خلال فترة فايمار، وبالتالي أصبح، في أعماله المكتوبة باللغة الإنجليزية، ماركسيًا حقيقيًا جزئيًا. تشكل هذه الأعمال في الواقع درسًا جدليًا حقيقيًا للجمهور الناطق باللغة الإنجليزية، ولكنه درس تظل فيه كلمة 'جدلي' محظورة تمامًا، لتحل محلها مصطلحات غير ضارة: الكمال (= الكلية الجدلية)، والتعليم من أجل التغيير وغيرها من المصطلحات من نفس النوع. تحت عنوان 'الوعي الاجتماعي' غير المؤذي، يقدم لنا مانهايم نظرية جدلية كاملة حول الوعي الزائف، والتي أصبحت مقبولة في المجتمع الراقي من خلال التخلص عمداً من أي مفردات تبدو مشبوهة. ويؤكد مانهايم على هذه النقطة قائلاً: 'الوعي ليس ظاهرة معرفية بحتة'. إنها في الأساس تقنية وظيفية اجتماعية جدلية، أو إذا شئت، نهج شمولي. إن القول بأن 'الزنجي يظل زنجيًا دائمًا' يدل على نقص الوعي لسببين: مقاومة التغيير، وعدم فهم دور المكون الاجتماعي في نشأة الدونية الافتراضية الحالية للعرق الأسود. قد يقول القارئ الألماني إن أيديولوجية الاشتراكية الوطنية كانت، باختصار، افتقارًا إلى 'الوعي' تم دفعه إلى أقصى حد؛ ونحن لا نعتقد أنه ينبغي لنا أن نناقضه في هذه النقطة. يبدو أن الفكرة المركزية لعمل مانهايم الإنجليزي بأكمله هي هذا: تقديم نظرية أولية للاغتراب والجدلية في متناول الجمهور المقاوم للمصطلحات الماركسية، وفكرة التغيير، والتأمل الفلسفي. في هذه الكتابات، يذكرنا مانهايم بطبيب يريد دون قصد فرض علاج مؤلم على مريض عنيد. ولم يتمكن أحد من تحديد دوره بشكل أفضل من المنظر الماركسي في عصر فايمار، ك.-أ. فيتفوجل، الذي صنفه بين 'علماء الاجتماع البرجوازيين الذين ينهبون ترسانة العدو الطبقي '. ومنذ ذلك الحين، فعل فيتفوغل، المؤلف المستقبلي لعمل ضخم عن الاستبداد الشرقي، الشيء نفسه تماماً…' فكيف نتخلص من الوعي الزائف وننظر الى العالم كما هو لكي نتمكن من تغييره نحو الافضل ونحقق عملية الاقلاع المجتمعي والاستقرار السياسي والاسترجاع الحضاري؟

الكورد والثورة السورية تحذير من تكرار الخطيئة الإيرانية
الكورد والثورة السورية تحذير من تكرار الخطيئة الإيرانية

شفق نيوز

time٢٦-٠٣-٢٠٢٥

  • شفق نيوز

الكورد والثورة السورية تحذير من تكرار الخطيئة الإيرانية

في عام 1980، وفي ختام كرّاسي التحليلي (الكورد وثورة الخميني)، دوّنتُ بحروف الغضب والخذلان، عن كيف سُحقت اليد الكوردية الممدودة إلى الجمهورية الإسلامية الوليدة، لا بخطاب فكري، بل بسيفٍ مشرّع باسم الدين. واليوم، بعد أكثر من أربعة عقود، يعود ذات المشهد – لكن على مسرحٍ سوري – بوجوهٍ مختلفة، وشعارات متغيرة، وأدوات شبيهة. يا حكومة أحمد الشرع الانتقالية، ليس من الحكمة أن تقرأوا الثورة الإيرانية كما تُقرأ القصص السياسية العابرة، ولا نموذج حكومة أردوغان الإسلامية العنصرية، بل كما تُقرأ الكوارث التاريخية التي تحوّلت إلى دروس دامغة في كيفية تدمير وحدة الدول من الداخل، حين تستبدل العدالة السياسية بعقيدةٍ مغلقة، والدستور بالفتوى. لقد اعتمد الخميني في بناء دولته الجديدة على الإسلام السياسي الشيعي المؤدلج، فحوّل الثورة الشعبية إلى نظام شمولي ديني، وقام بتأطير الدولة ضمن مفاهيم 'الولي الفقيه' والحاكمية الإلهية، حيث يُلغى التعدد، ويُعاد تعريف المواطن وفق انتمائه المذهبي وولائه للمركز. فهل ما نشهده اليوم من خطاب ديني سلطوي سني، تسعى حكومة الشرع لتثبيته، هو إلا انعكاس معكوس لنفس التجربة الإيرانية؟ نفس الأدوات، نفس الأهداف، ونفس الكارثة المحتومة. فرانز فانون، في نقده العميق لما بعد الاستعمار، حذّر من لحظة يتحول فيها التحرر الوطني إلى أداة للهيمنة الداخلية قائلاً: "تتحوّل الثورة إلى قناع آخر للسلطة، حين يحتكرها طيف واحد، ويُقصى الآخرون باسم الانتماء الصحيح." وهذا بالضبط ما حدث في طهران، وما يخشى أن يتكرر في دمشق الجديدة: الاحتكام إلى شرعية دينية ضيقة، لتبرير الهيمنة، وإقصاء الكورد، والعلويين، والدروز، والمكونات السورية الأخرى، بزعم حماية وحدة البلاد. لكن، أية وحدة هذه التي تُبنى على أنقاض التنوع؟ وأي وطن يُبنى على مبدأ أن الشعب الكوردي مجرد قضية أمنية، لا قومية ذات حقوق تاريخية؟ الدكتور عبد الرحمن قاسملو قالها بوضوح في وجه الخميني: "لسنا أقلية دينية نبحث عن فتوى، بل شعب يبحث عن اعتراف." ولعلها نفس الرسالة التي يوجهها الكورد في سوريا اليوم. إن الشعب الكوردي في سوريا ليس طارئًا ولا مستوردًا، بل هو الورقة التي كُتبت بها جغرافية هذا الوطن قبل أن تُرسم خرائطه. وإنكاره، كما أنكره الخميني، لن يؤدي إلى استقرار، بل إلى ذاكرة جريحة، ومقاومة دائمة. فيا حكومة أحمد الشرع، إن أردتم إنقاذ سوريا من مآل إيران، فلا تكرروا خطيئتها الكبرى. لا تجعلوا من الإسلام السياسي أداة للهيمنة القومية، ولا تحكموا بأدوات الفقه ما يتطلب أدوات العدالة الدستورية. فالدولة لا تُبنى على التفسير الواحد للدين، بل على التوافق الإنساني العادل بين الشعوب والمكونات. المصالحة الوطنية لن تتحقق إلا بإقرار الحق الكوردي الكامل، لا على الورق، بل في نص الدستور، على الأرض، في توزيع السلطات، في اللغة، في التعليم، في الثقافة، وفي الرموز. قال لينين ذات يوم، وهو يحاول إنقاذ الثورة البلشفية من السقوط في شِباك القومية الروسية: "ما من شيء يعيق تضامن البروليتاريا كظلم القوميات الصغيرة، حتى لو كان باسم الثورة." وكما قال عمر بن الخطاب، في واحدة من أعدل مواقف التاريخ: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟" فإن الكورد، وسائر شعوب سوريا، لم تلدهم أمهاتهم رعايا في دولة مركزية طائفية، بل أحرارًا، على أرضهم، بلغاتهم، بتاريخهم وثقافتهم. وقال نلسون مانديلا، من على ركام السجون ونضال الكرامة: "الحرية لا تُجزأ، وحين يُسلب أحد حقه، يُهدَّد حق الجميع." فيا حكومة دمشق الجديدة، إذا كنتم تتحدثون عن ثورة، فاعلموا أن الثورة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بمن لم يكن يُعترف به. وإن كنتم تزعمون تمثيل سوريا الجديدة، فأبدأوا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وأوقفوا المجازر… لا بناء وطن على أنقاض وجعهم. من موقع المثقف الكوردي، الذي لم يحمل السلاح، لكنه حمل الكلمة كجمر في كفه، أقول لكم بصوت الذاكرة والمستقبل: أوقفوا المجازر التي تجري باسمكم أو بصمتكم في الساحل السوري، وفي المناطق التي تطأها أحذية التنظيمات المتطرفة الإرهابية الغارقة في الإجرام، لا يمكن لمن يريد إسقاط نظام الاستبداد أن يصمت عن مجازر طائفية، أو يبارك سحق الأقليات، مثلما يجري اليوم بحق الأقلية العلوية وبأبشع صورها، أو يهادن القتلة لأنهم يقفون في خندق سياسي واحد. بيّنوا موقفكم – بوضوح لا لبس فيه – من أدوات الاحتلال التركي، من الجماعات التي تهاجم قوات سوريا الديمقراطية عند سد تشرين، وتستهدف المدنيين في كوباني، وتسرق عفرين من خريطة الانتماء السوري. أوقفوا العبث بمصير الكورد في سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض). أعيدوا المهجّرين إلى بيوتهم، قبل أن تتحدثوا عن عودة اللاجئين، أعيدوا المدن إلى أهلها، قبل أن تُطالبوا بكرامة الوطن. وتحرروا من الإملاءات التركية، التي جعلت من معركتكم الوطنية ذراعًا في مشروع أمني إقليمي. من يحكم بوصلة قراره من أنقرة، لن يكتب مستقبلًا حرًا لدمشق. ولا تكرّروا ما فعله الخميني باسم الدين، أو ما فعله الشاه باسم القومية. فمن يظن أن بإمكانه بناء سوريا القادمة دون الكورد، لا يفهم معنى سوريا، ولا يعرف شيئًا عن تاريخها، ولا يمتلك الشرعية الأخلاقية لبنائها. وإياكم أن تراهنوا على الزمن لنسيان المأساة، الدم لا ينسى، والأرض تعرف أبناءها، والشعوب التي تُقمع اليوم، تكتب في سرّها خريطة المستقبل. فإما أن تبنوا سوريا بالتعدد والعدالة، بنظام فيدرالي لا مركزي، وإما أن تكتشفوا بعد فوات الأوان… أنكم لم تبنوا إلا نسخة أخرى من الاستبداد، بقبعة معارضة.

تأخرت .. لكنها آتية حتما!عمر ظاهر
تأخرت .. لكنها آتية حتما!عمر ظاهر

ساحة التحرير

time١٧-٠٣-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

تأخرت .. لكنها آتية حتما!عمر ظاهر

تأخرت .. لكنها آتية حتما!! د. عمر ظاهر ما العمل؟ سؤال طرحه لينين قبل أكثر من مئة وعشرين سنة. وعندما نتذكّر هذا، ونذكره، فليس لأننا مغرمون بلينين، بل لنذكّر أنفسنا بأن الشعوب الأخرى أيضا مرت بالحال المزرية التي نمر بها نحن الآن. نعرف أن الشعب الروسي، بعد أن أجاب لينين عن السؤال، تجاوز في حينه محنته، وبنى امبراطورية عظيمة نقلت البشرية خطوات هامة إلى الأمام على طريق التحرر والتقدم، ودامت سبعين سنة، ثم صار لزاما أن يطرح أحدهم السؤال نفسه: ما العمل؟ وجاء الجواب من فلاديمير بوتين، ونهضت روسيا من جديد! بوتين ينهض بروسيا، وليس من الكرامة أن نلوم أحدا، عندما تكون التضحية بتحالفنا معه، وثقفنا به، من ضمن الثمن الذي تتطلبه نهضته، فيضحي بهما بلا رحمة أو شفقة. لا ينبغي لنا أن نعتب لأن الأصل في الحياة هو الاعتماد على النفس، وذلك من عزم الأمور. أما التحالفات والصداقات، فمَن استطاع إليه سبيلا. درسٌ من التاريخ في تاريخ العرب الحديث، وفق مصادر كثيرة، يمكننا تمييز ثلاث فترات شملت كل بلدانهم بصورة متفاوتة، وهذه الفترات يمكن توصيفها على الوجه الآتي، رغم تداخلها مع عوامل أخرى غير التي نعتمدها كأساس للتوصيف: أولا، فترة المد التقدمي الذي كان عنوانه التحرر، والديمقراطية، والاشتراكية. هذه الفترة جاءت بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا (وعلى إثر انهيار الامبراطورية العثمانية، أو بعد تنفيذ مؤامرة سايكس-بيكو)، وتميزت على وجه العموم بتشكيل الأحزاب الشيوعية، والاشتراكية، والوطنية، وشهدت (ربما أيضا بسبب الاحتكاك مع الاستعمار الغربي) توجها إلى التحرر، والتطور الاجتماعي، رغم سيطرة الرجعية السياسية، والاستعمار. ثانيا، فترة صعود الحركات القومية، وذلك على إثر انهيار الحركات الشيوعية، بدءً من العراق عام 1963، ثم سيطرة الناصرية، وقيام الانقلابات العسكرية ذات الصبغة القومية بذريعة محاربة الصهيونية. هذه الفترة انتهت بسرعة قياسية القصر – في الحقيقة بالارتباط مع هزيمة حزيران 1967، رغم أن الانقلابات استمرت بعد عام 1967 بحجة تصحيح المسار، في العراق عام 1968، وفي ليبيا، والسودان عام 1969، وفي سورية عام 1970، وفي مصر تحت يافطة 'إزالة آثار العدوان' حتى وفاة القائد العربي جمال عبدالناصر. ليس هناك أي خلل في أن تكون للأمة روح قومية، إنما كان الخلل فيمن قفزوا على الشعور القومي، واستغلوه شر استغلال، فحولوا تلك الانقلابات العسكرية إلى مفرخة لتوليد الدكتاتوريات، بدلا من بناء القوة لتحرير فلسطين. وجاءت نهاية هذه الفترة، فعليا، عام 1979 بالخيانة التاريخية لأنور السادات في إبرامه اتفاقيات كامب ديفيد مع العدو الصهيوني. ربما يكون أحد الأسباب الرئيسية لانتكاسة الروح القومية العربية هو أن عقلية الأمة العربية تعاني من الخجل في التمسك بنفسها، وذلك تحت تأثير الإسلام الذي ينحو إلى تبني مفهوم أوسع للأمة، أي الأمة الإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن التمسك بالقومية عنصرية بغيضة؛ وأيضا تحت تأثير الشعور بالتعاطف مع الأقليات الكثيرة في العالم العربي، والرغبة في عدم إبداء التعالي إزاءها؛ كذلك تحت تأثير متعمد من أعداء العرب، مخافة توحد مئات الملايين في هوية تشكل مقدمة لظهور قوة مؤثرة على الساحة الدولية. ومع الأسف، فإن الحركات التقدمية أسهمت هي الأخرى في تنفير الشباب من التوجهات القومية لصالح شكل طوباوي من الأممية! ثالثا، فترة الإسلاموية، فإذا كان السادات قد أعلن على الملأ نهاية تأثير القوى القومية العربية وذلك بإخراج مصر، الشقيقة الكبرى في نظر كل العرب، من الصراع ضد إسرائيل، فإن قيام الثورة الإسلامية في إيران في نفس الفترة (نهاية سبعينات القرن الماضي)، نفخ في الرماد الذي كانت نار الحركات الإسلاموية في العالم العربي تكمن تحتها. والفترة الإسلاموية قد تكون الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة بافتضاح كونها استخدمت الإسلام كواجهة تخفي وراءها الطائفية البغيضة، والإرهاب الدموي كسلاح يستخدمه أعداء الأمة للتضليل، والتجهيل، ولإبقاء الأمة العربية على صراط غير مستقيم. لا يمكن، بطبيعة الحال، تعميم توصيفاتنا لتكون شاملة، فمثلا بقي نبض الأمة يدل على بقائها على قيد الحياة في حركتين إسلاميتين، في لبنان وفي غزة، هما الأمل الأخير في أن تبقى روح الإسلام في جسد الأمة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. الإحباط الشامل إذا كانت الإسلاموية قد انتهت نهايتها المفجعة في أخذها طابعا طائفيا دمويا، وكانت القومجية قد انتهت إلى طريق مسدودة من الاستئثار بالحكم بأي ثمن، فإن فترة الحركات ذات النزعة إلى التحرر، والديمقراطية، والاشتراكية في النصف الأول من القرن الماضي قد انتهت، وانتهى الدور المؤثر لها، لأسباب مشابهة، ولكن بمسميات أخرى، فالدكتاتوريات نخرت جسد تلك الحركات مع أنها لم تتحكم في الدولة، والحكومة، بل في تأسيس مافيات داخلية في الأحزاب، والتحكم بمقدراتها لعقود من العمل السري، مولدة قيادات معتقة ضلت جاثمة على صدور أنصارها حتى انقراضها؛ والطائفية نفسها تجلت في تلك الحركات في انقسامات أفقية وعمودية بين الموالاة للسوفييت، والموالاة للصين، أو حتى تقليد كوبا! وتخوين بعضها بعضا. لماذا الاستعراض القصد من هذا التلخيص ليس مجرد استعراض مختصر لتاريخنا القريب، وإنما استقراء لما يمكن أن يأتينا في قادم الأيام، فما يأتي لن يكون خارج ما عرفناه من أطر سياسية وثقافية تركت فينا آثارها. وإن كان لكاتب هذه السطور أن يدلو بدلوه، فليس هناك من أساس لما ندلي به غير التجربة، والمعايشة، والمعاناة. ربما لن يكون هناك اختلاف كبير في فهمنا للإطار الديني (بصرف النظر عن التدين الشخصي لكل منا) الذي أثبت فشلا كارثيا في نقلنا خطوة إلى أمام، لا على المستوى السياسي، ولا التصارعي، ولا الثقافي. لقد أغرق الطائفيون هذه الأمة في الجهل، وفي الدماء، وعسى أن يكون ما نعيشه اليوم من مأساة مروعة في سورية هو الفصل الأخير في كتاب الطائفية البغيضة. إننا نتمنى أن تكون المأساة التي نشهدها في سورية آخر نفس للطائفية الإسلاموية، وإلا فإنه لو نجح من يقفون وراء الطائفيين في المد في عمر الوباء الطائفي، فإننا يمكن أن نكون مقبلين على بروز حركات اجتماعية عبثية ليس لها في عالم السياسة غير ردود أفعال عشوائية على ما يرونه الدين الذي يمثله هؤلاء الطائفيون المقرفون. إن الإطار الديني، والذي يولّد بشكل طبيعي الطائفية الدموية، ليس مصدر أمل. أما القومجيون الذين كانت قضية فلسطين محور وجودهم، فقد اصطدموا هم أولا بجدار صلب من الروح القطرية، وبدلا من مصارحة شعوبهم، والتوجه إلى شكل من الحكم الوطني المعقول، شاركوا في خداع شعوبهم في التعلق بالأوهام، وساروا على نهج التأله، زاعمين أنهم ضرورة تاريخية، فانتهى بهم المطاف إلى العزلة عن شعوبهم، وعن العالم، ليواجهوا منفردين عدوا لا يرحم! لقد خانوا جميعا، وبصور مختلفة، قضية فلسطين، وسقط بسقوط أنظمتهم الأساس الوجودي لحركاتهم، وليس من عاقل يمكنه أن يعقد الآمال عليهم! التاريخ سيقول كلمته إن التاريخ يخبرنا أنه، وفي مثل هذه الظروف التي نمر بها، تنجب الأمم منقذيها. التاريخ يخبرنا أيضا أن الأمة العربية، وعلى ضوء تاريخها الحديث تحتاج إلى إطار جامع، ومرن، يمكنه جمع الأمة، والاستفادة من اجتماعها لتحقيق وزن نوعي لها على الساحة الدولية، والدخول في تحالفات متوازنة لا تبعية فيها لمصالح الحلفاء، أو الأصدقاء. العالم يتشكل من جديد عبر صراعات، وعبر تحالفات ندّية، وعبر القوة. ورغم أن الأحزاب الاشتراكية 'التقدمية'، وفي مقدمتها الأحزاب الشيوعية العربية ارتكبت هي الأخرى أخطاءً (إن لن نقل جرائم) كارثية، لا بد لنا أن نعترف بأن وجودها كانت له مردودات إيجابية على مستوى الوعي، ونشر الثقافة، والإيمان بالأممية، وبالمساواة، ليس فقط بين الجنسين، بل وبين الطوائف المختلفة، حيث كانت أيضا ملاذا للأقليات التي رأت في مناهجها، وبرامجها، حماية لها من الطغيان المفترض للأكثرية، وتطلعت إلى المشاركة على قدم المساواة معها في بناء المجتمع الاشتراكي المنشود. نحن على ثقة بأن الأغلبية العظمى من أبناء أمتنا خيارهم الاجتماع، عبر عودة موفقة للحركات التقدمية بعد أن ينتفض أنصارها، ويمارسوا نقدا ذاتيا حقيقيا لمسيرتها؛ نستغرب حقا لماذا لم تظهر حتى الآن حركة تقدمية عربية جامعة، ليس بالضرورة على شكل حزب شيوعي عربي، بل حركة سياسية لا دينية فاعلة تجمع الشباب العربي على روح قومية إنسانية عقلانية، وعلى شكل حركة إنقاذ عربية. لكننا على يقين بأنها ستظهر، وهي تنتظر لينينها العربي ليجيب عن السؤال التاريخي: ما العمل؟ نحن، السياسيون المتقاعدون في أوروبا، لن يكون لنا أي تأثير على ما سيقع في العالم العربي الذي نرتبط به ارتباطا روحيا. إنما لنا بضع كلمات لنقولها لمن سيبادرون إلى تأسيس 'حركة الإنقاذ العربية': أولا، إن أول دولة ستدعمكم هي الصين، وذلك لأنها بحاجة إليكم في صراعها الصامت من أجل تحجيم، وتقزيم أمريكا. لكن إياكم أن تعطوها أكثر مما تأخذون منها. الصين تتفرج الآن على العرب وهم يُذبحون، ويُجوَّعون، ولا تحرك ساكنا لأنها تريد أن تصل الولايات المتحدة الحد الأقصى في اضطهاد العرب حتى يجد العرب في الصين، وفي التبعية لها حلا لمأساتهم. إنقاذ أمتنا بأيدينا نحن، وليس بيدي الصين، فلا تتركوا الصين تستغل مآسينا. تعاملوا معها تعامل الند للند. أما روسيا، فهي تنهض من كبوتها، ولا تحتمل أن يثقل أي حليف، أو صديق كاهلها، فهي ليست الاتحاد السوفيتي، وهي، على ما يبدو، لا تتهيأ لحرب كبرى، ولذلك لا تجد حاجة إلى تحالفات مع الضعفاء. ثانيا، لا تمارسوا الصبيانية التي مارسها التقدميون الأولون حين اعتبروا الدين أفيون الشعوب، واستعدَوا البسطاء من الأمة. الإسلام ليس عدوكم. انظروا إلى بوتين، الشيوعي السابق، كيف يستفيد من دعم الكنيسة. أنتم كتقدميين أقرب، بالتأكيد، إلى الله من الإسلامويين الطائفيين. ثالثا، لتكن الروح القومية عندكم حقيقية، دون أن تكونوا عنصريين، فأنتم يريد الأعداء سحقكم لأنكم عرب، ولن ينفعكم وضع أي بعد بينكم وبين العروبة، بل كونوا روح العروبة التقدمية، الإنسانية. وفي هذا السياق، لا بد من الحفاظ على نفس الروح الكلاسيكية في الحركات التقدمية فيما يتعلق بالأقليات، لكن هذا لا يعني إطلاق العنان للعواطف، ونسيان أن الهدف من الحركة هو مصلحة العرب في تجنب الانسحاق تحت أقدام الكبار، وليس النفخ في روح إحياء الامبراطوريات البائدة للأقليات. رابعا، لا بأس في أن يكون تنظيمكم سريا في البداية، ولكن اعملوا وكأنكم ستتحولون بعد استقرار العالم إلى تنظيم علني، فلا تكون عليكم مآخذ من أمتكم. خامسا، ابتعدوا عن محاولة المركزية، واتركوا كل قطر يعمل ضمن إطار عام. سادسا، أحيلوا كبار السن منكم على التقاعد الكريم كي لا تتكرر تجربة القادة الدببة الذين قضوا أعمارهم في الجبال حتى انقطعت صلتهم بالحياة في المدن، وصار همهم البقاء في 'القيادة الحكيمة' لأنهم كانوا لا يجيدون أي عمل يكسبون منه قوت يومهم، فتحولوا إلى طفيليين يعتاشون على أحزابهم. سابعا، لا تنافقوا بأن تكونوا من أنصار حقوق المرأة حين يتعلق الأمر بنساء الآخرين، وتتمسكوا بالتقاليد الاجتماعية الموروثة حين يتعلق الأمر بنسائكم. إن التاريخ يكاد يصرخ بأن الأمة العربية حبلى بحركة تقدمية جامعة، وأن ولادتها باتت قاب قوسين أو أدنى. وحتى لو كانت الولادة عسيرة، فإنها حاصلة لا محال. تأخرت .. لكنها آتية حتما! ‎2025-‎03-‎17

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store