
المبيدات الحيوية... بدائل بيئية آمنة لمكافحة البعوض
وتتسبّب الأمراض التي ينقلها البعوض في وفاة أكثر من 700 ألف شخص سنوياً، وفق منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، فإن السيطرة على أنواع البعوض الناقلة لتلك الأمراض تظل تحدياً كبيراً، نظراً إلى أن معظمها طوّر مقاومة ضد جميع فئات المبيدات الحشرية الصناعية المتوفرة التي غالباً ما ترتبط بمخاطر صحية وبيئية.
وهنا تظهر المبيدات الحيوية، المستخلصة من كائنات دقيقة مثل البكتيريا، بوصفها بدائل أكثر أماناً وقابلة للتحلل السريع، مما يقلّل من أثرها البيئي ويحد من خطرها على الكائنات غير المستهدفة.
في السياق، كشف باحثون من جامعة جونز هوبكنز الأميركية عن سلالات بكتيرية جُمعت من جزيرة كريت اليونانية، تنتج مركبات قادرة على قتل يرقات البعوض الناقل للأمراض بسرعة وفاعلية.
مبيدات حيوية واعدة
ويُمهّد هذا الاكتشاف الطريق لتطوير مبيدات حيوية جديدة تُسهم في الحد من انتشار أمراض خطيرة؛ مثل: فيروس غرب النيل، وحمى الوادي المتصدع، دون التسبب في الأضرار الجانبية المرتبطة بالمبيدات الكيميائية، وفق نتائج نُشرت بعدد 7 يوليو (تموز) 2025 من دورية «Applied and Environmental Microbiology».
وخلال الدراسة، جمع الباحثون 186 عيّنة من 65 موقعاً مختلفاً عبر جزيرة كريت اليونانية، شملت التربة السطحية، وتربة جذور النباتات، وأنسجة نباتية، ومياهاً راكدة، وحشرات نافقة. وبعد تحليل هذه العينات مخبرياً، عُرّضت يرقات بعوضة «كيولكس بيبينز»، المعروفة أيضاً بـ«البعوضة المنزلية» -وهي من الأنواع الناقلة لأمراض؛ مثل: حمى غرب النيل، والحمى النزفية- إلى محاليل مائية تحتوي على مستخلصات من السلالات البكتيرية.
وأظهرت النتائج أن أكثر من 100 سلالة بكتيرية تمكنت من القضاء على جميع يرقات البعوض خلال سبعة أيام، فيما نجحت 37 سلالة في قتلها خلال ثلاثة أيام فقط. والأهم من ذلك، كما يشير الفريق، أن المركّبات القاتلة لم تكن ناتجة عن عدوى بكتيرية مباشرة، بل عن مواد نشطة مثل البروتينات والمركبات الأيضية التي تفرزها تلك البكتيريا.
يقول مدير مركز الطفيليات بمعهد جونز هوبكنز للأبحاث الطبية بجامعة جونز هوبكنز، الباحث الرئيسي للدراسة، الدكتور جورج ديموبولوس، إن بعض أنواع البكتيريا التي عُثر عليها في جزيرة كريت تنتج مركّبات قاتلة ليرقات البعوض بسرعة، مما يجعلها مرشحة بقوة لتطوير مبيدات حيوية جديدة.
يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تشير النتائج إلى أن هذه البكتيريا تختلف عن المنتجات المتوفرة حالياً، مما يضيف تنوعاً مفيداً لخيارات المبيدات الحيوية. وهذا التنوع يُعدّ مهماً لتقليل احتمالية تطور مقاومة لدى الآفات المستهدفة، خصوصاً عند استخدام هذه المبيدات بالتناوب مع غيرها».
استهداف موجّه
ويُعد هذا الاكتشاف واعداً للغاية؛ إذ يفتح الباب أمام تطوير مبيدات حيوية تعتمد على المواد التي تفرزها البكتيريا، وليس على بقائها حيّة، مما يُسهم في مكافحة البعوض الناقل للأمراض والحشرات الضارة في الزراعة، دون الإضرار بالتوازن البيئي أو الكائنات المفيدة، وفق الباحثين.
ويؤكد ديموبولوس أن هذه المبيدات تمتاز بقابليتها السريعة للتحلل في التربة والماء، مما يقلّل من خطر التلوث وتراكمها في السلسلة الغذائية. كما أنها موجّهة بدقة نحو الآفة المستهدفة، ولا تُلحق أذى بالحشرات النافعة أو الحياة البرية، وتُعدّ أقل سمّية للبشر والثدييات من المبيدات الكيميائية التقليدية. أما المبيدات الصناعية فغالباً ما تبقى لفترات طويلة في البيئة، وتسبب تلوثاً واسع النطاق، وقد تقتل كائنات غير مستهدفة مثل النحل، وتشكل مخاطر صحية فورية وطويلة الأمد على الإنسان، مما يتطلّب احتياطات مشددة عند استخدامها.
استراتيجيات إدارة الآفات
يشير ديموبولوس إلى أن الخصائص الفريدة للمبيدات الحيوية تجعلها ملائمة تماماً للاندماج ضمن برامج الإدارة المتكاملة للآفات التي تركّز على الوقاية طويلة الأمد وتقليل المخاطر على الإنسان والبيئة.
وأوضح أن الكثير من المبيدات الحيوية يمكن استخدامها وقائياً، مثل معالجة التربة لحماية جذور النباتات من الأمراض الفطرية، مما يعزّز صحة المحاصيل ويقلّل الحاجة إلى التدخل لاحقاً. كما أن قدرة هذه المبيدات على استهداف الآفة فقط يجعلها متوافقة مع أهداف الإدارة المتكاملة التي تسعى للحفاظ على الأعداء الطبيعيين للآفات، مثل الحشرات المفترسة والطفيليات التي توفّر وسيلة فعّالة للمكافحة الحيوية.
ونوه بأن المبيدات الحيوية تُعدّ أيضاً أدوات فعّالة في منع تطور المقاومة، نظراً إلى اختلاف آليات عملها عن تلك الخاصة بالمبيدات الكيميائية، وهذا يجعلها خياراً مثالياً في برامج المكافحة المتناوبة. وبفضل انخفاض سمّيتها وسرعة تحللها، يمكن استخدامها بأمان في البيئات الحضرية؛ مثل: المنازل والمدارس والحدائق العامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 4 ساعات
- العربية
تناول الفلفل الحار مفيد للنساء الحوامل.. دراسة حديثة توضح
أظهرت دراسة حديثة أن تناول النساء الحوامل للفلفل الحار، مرة واحدة شهرياً على الأقل، قد يحد من خطر الإصابة بسكري الحمل. وشملت الدراسة 1397 امرأة حامل، تمت متابعة استهلاكهن للفلفل الحار وتأثيره على مستويات السكر لديهن، واحتمالية إصابتهن بالسكري في الثلث الأخير من الحمل، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية. في حين، انخفضت احتمالية إصابة النساء اللاتي تناولن الفلفل الحار مرة شهرياً بسكري الحمل بنسبة 3.5%، وهو ما يمثل أقل من نصف نسبة الخطر البالغة 7.4% لدى النساء اللاتي لم يتناولنه. وبين الباحثون في جامعة بافالو الأميركية إلى أن السبب في ذلك يرجع لاحتواء الفلفل الحار على (الكابسيسين)، وهو المركب المسؤول عن حرارته وحرقته. من جانبه، قال الدكتور شياو تشونغ وين، الباحث الرئيسي للدراسة: "يمكن دمج الاستهلاك المعتدل للفلفل الحار في نظام غذائي متوازن لعلاج سكري الحمل، إلى جانب التوصيات السريرية الأخرى، مثل الفحص المبكر والتشخيص وممارسة الرياضة وتناول الأدوية حسب الحاجة". وسكري الحمل يحدث عندما تتداخل هرمونات الحمل مع قدرة الجسم على استخدام أو إنتاج الإنسولين، الذي يساعد على تنظيم سكر الدم، وفقاً لعيادة "كليفلاند". وإذا لم يُسيطر على ارتفاع سكر الدم أثناء الحمل، فقد يزيد ذلك من المخاطر الصحية على الأم، بما في ذلك زيادة احتمالية الإصابة بتسمم الحمل والولادة القيصرية. كما يتأثر الأطفال بهذا الأمر، فالأطفال المولودون لأمهات مصابات بسكري الحمل هم أكثر عرضة للولادة المبكرة، وزيادة الوزن عن المعدل الطبيعي، وصعوبة التنفس. كذلك، تواجه الأم والطفل زيادة طفيفة في خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني لاحقاً في الحياة.


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين
كشفت دراسة طبية حديثة أجراها باحثون في الدنمارك عن وجود ارتباط خطير بين الجلوس المطول أمام شاشات الهواتف والتلفاز وبين ارتفاع معدلات الإصابة بمشكلات القلب والأوعية الدموية لدى الأطفال والمراهقين. ووفقًا لما نشرته مجلة جمعية أمراض القلب الأمريكية، فقد استندت الدراسة إلى تحليل بيانات أكثر من ألف مشارك، تم جمعها من دراستين طويلتي الأمد، حيث تبين أن كل ساعة إضافية يقضيها الطفل أو المراهق أمام الشاشات ترتبط بزيادة في خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، واختلال مستويات الكوليسترول، ومقاومة الإنسولين. وأظهرت النتائج أن هذا التأثير يزداد مع التقدم في العمر، إذ سجل الأطفال في سن العاشرة انحرافًا معياريًا بمقدار 0.08 لكل ساعة إضافية، بينما ارتفع هذا المؤشر إلى 0.13 لدى المراهقين في سن الثامنة عشرة. وتشير التقديرات إلى أن قضاء ما بين خمس إلى ست ساعات يوميًا أمام الشاشات قد يرفع خطر الإصابة بمشكلات قلبية واستقلابية بنسبة تتراوح بين 40% و60%. وبيّنت الدراسة أن الجمع بين الاستخدام المفرط للشاشات وقلة النوم أو النوم المتأخر يضاعف من احتمالية الإصابة بهذه المشكلات الصحية. واستخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف "بصمة أيضية" في عينات دم المراهقين، يُعتقد أنها مؤشر حيوي مبكر على خطر الإصابة بأمراض القلب في المستقبل. وشدّد القائمون على الدراسة على أهمية تقنين استخدام الشاشات والحفاظ على أنماط نوم صحية، مؤكدين أن العادات التي تتشكل في مرحلتي الطفولة والمراهقة قد تترك آثارًا صحية طويلة الأمد تمتد لعقود.


الرجل
منذ 6 ساعات
- الرجل
دراسة: النوم يعزز تذكر الصور السلبية لدى اليافعين الذين يعانون من القلق
كشفت دراسة أن النوم قد يفاقم لدى الأطفال والمراهقين الذين يعانون مستويات عالية من القلق ميلهم إلى ما يُعرف بـ"التعميم السلبي"، أي إسقاط تجربة سلبية على مواقف مشابهة لكنها غير ضارة. ويرى الباحثون أن النوم يلعب دورًا محوريًا في معالجة الذكريات العاطفية، إذ يميل الدماغ أثناء النوم إلى إعادة تنشيط التجارب الحديثة وتثبيتها، مع إعطاء أولوية للذكريات المشحونة عاطفيًا. وبينما يمكن أن يكون ذلك مفيدًا للتعلم من الأحداث المهمة، فإنه قد يصبح غير ملائم عند الأفراد القلقين، حيث يتركز التثبيت على المحتوى السلبي، مما يعزز الميل إلى ربط المواقف الجديدة بمشاعر سلبية سابقة. شملت الدراسة المنشورة في مجلة في Journal of Child Psychology and Psychiatry، عدد 34 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 9 و14 عامًا، جرى تقييم مستويات القلق لديهم من قبل مختصين. وقُسموا عشوائيًا إلى مجموعتين: مجموعة النوم، التي خضعت لاختبار بعد ليلة نوم، ومجموعة اليقظة، التي خضعت لاختبار بعد فترة استيقاظ نهارية. في المرحلة الأولى، شاهد المشاركون 145 صورة (سلبية، حيادية، وإيجابية)، وقيموا معناها من دون علمهم بوجود اختبار لاحق، وبعد فترة تتراوح بين 10 و12 ساعة، أُجري اختبار ذاكرة تضمن صورًا مكررة، وأخرى جديدة لكنها مشابهة، وصورًا جديدة بالكامل. دراسة تكشف كيف يفاقم النوم من تذكر الصور السلبية عند اليافعين القلقين - shutterstock هل يؤثر القلق بالصور السلبية؟ النتائج أظهرت أنه بين المشاركين الذين ناموا، ارتبطت مستويات القلق الأعلى بزيادة تعميم الصور السلبية، أي الاعتقاد بأن الصور الجديدة والمشابهة سلبيًا قد شوهدت سابقًا. وهذا التأثير لم يظهر لدى مجموعة اليقظة، وكان أوضح لدى من لديهم قلق مرتفع، بينما في مستويات القلق المنخفضة ظهر أحيانًا أثر معاكس حيث خفّض النوم من التعميم السلبي. وتوضح هذه النتائج أن النوم لا يقتصر على تثبيت الذكريات فحسب، بل يشارك في تشكيل طريقة إدراك اليافعين للعالم من حولهم، خصوصًا من الناحية العاطفية. وتفتح هذه المعطيات الباب أمام إمكانية تطوير تدخلات علاجية موجهة أثناء النوم، من خلال تعديل محتوى الذاكرة لتعزيز الارتباطات الإيجابية أو الحيادية، وتقليل تعميم التجارب السلبية. لكن الباحثين أشاروا إلى أن شدة القلق لم تؤثر بشكل ملحوظ على دقة التعرف على الصور السلبية، وهو ما اعتبروه مفاجئًا مقارنة بتوقعاتهم، كما لفتوا إلى أن حجم العينة الصغير واعتمادهم على أجهزة قياس النوم المحمولة واليوميات، بدلًا من تسجيل النشاط الدماغي المفصل، يحد من قوة تعميم النتائج، مما يستدعي دراسات أكبر وأكثر دقة. ويخطط فريق البحث لدراسة المراحل الدقيقة للنوم والإيقاعات الدماغية المرتبطة بتعميم الذكريات العاطفية، ولمتابعة المشاركين على المدى الطويل لمعرفة ما إذا كان هذا النمط يتنبأ بظهور أعراض القلق لاحقًا، أو إذا كان تعديل عادات النوم يمكن أن يخفف منه.