
هل اعتقلت هولندا ضباطا بالجيش الإسرائيلي؟
ظهرت الصور كأنها مشهد من محكمة التاريخ وقد بدأ يكتب أخيرا على أرض الواقع؛ رجال مكبلون بالأصفاد، عناصر أمنية تطوقهم، ومخازن تفتح لتكشف عن جوازات سفر وأموال وأجهزة حاسوب.
تدفقت المنشورات بشكل واسع، وتلقفها ناشطون على أنها بداية مرحلة جديدة من الملاحقة الدولية لإسرائيل ، لا سيما وأنها جاءت متزامنة مع تحولات سياسية لافتة في الموقف الهولندي.
بدا الأمر كأنه صفحة جديدة تفتح في لاهاي ، حيث مقر العدالة الدولية، لتمنح هذه الروايات مزيدا من المصداقية وتضاعف من انتشارها في الفضاء الرقمي.
لكن، ما حقيقة هذه المشاهد؟ وهل كانت بالفعل انعكاسا لتحرك قضائي غير مسبوق بحق ضباط إسرائيليين أم إننا أمام قصة أخرى من قصص العالم الرقمي المليء بالمفاجآت؟
اعتقال قائد عسكري إسرائيلي
خلال أغسطس/آب الجاري، اجتاحت منصات التواصل منشورات متداولة، بعضها صادر عن حسابات موثقة على "إكس" و"فيسبوك"، حملت صورا ومقاطع فيديو مثيرة للجدل، قيل إنها توثق لحظة اعتقال قائد سلاح المدرعات الإسرائيلي شيتان شائول بتهمة ارتكاب جرائم حرب في رفح جنوبي قطاع غزة.
في تلك المشاهد، بدا رجل مكبل اليدين بالأصفاد ومحاطا بعناصر أمنية، في حين كان آخرون يرتدون زيا رسميا يفتشون ما وصف بأنه مقر يحوي أجهزة حاسوب وجوازات سفر وأدوات حادة، إضافة إلى مبالغ ضخمة.
إعلان
الصور المتداولة حملت إيحاء واضحا بأنها ليست مجرد عملية أمنية عادية، بل بداية فصل من "المحاسبة الدولية" طال انتظاره.
ولم تتوقف الادعاءات عند حدود الصور المتداولة، بل مضت بعض الحسابات أبعد من ذلك لتنسج رواية أكثر إثارة؛ إذ زعمت أن القائد العسكري الإسرائيلي تم توقيفه خلال عطلة صيفية على شاطئ لاهاي بعد أن أدانته منظمات حقوقية بجرائم حرب.
وزادت المنشورات زخما حين أرفقتها بنص يؤكد أن "الحكومة الهولندية بدأت حملات ملاحقة موسعة لضباط وجنود إسرائيل عقب صدور حكم من محكمة العدل الدولية بالسجن المؤبد على نتنياهو وكل من شاركه في حرب الإبادة".
سردية كاملة بدت أقرب إلى مشهد من محكمة دولية مفتوحة، مما ضاعف من انتشارها وأكسبها زخما على المنصات.
القصة الحقيقية
غير أن خيوط القصة الحقيقية بدأت تتكشف مع التدقيق؛ إذ تبين لفريق "الجزيرة تحقق" أن الصور المتداولة لا تمت لإسرائيل بصلة، بل تعود في الحقيقة إلى عملية نفذتها الشرطة الإسبانية في مدينة ماربيلا يوم 13 سبتمبر/أيلول 2022، أسفرت عن اعتقال متهم بريطاني من أصل أيرلندي يدعى جوني موريسي.
وبحسب تقارير صحف بريطانية وبيانات الشرطة الأوروبية (يوروبول)، فإن موريسي كان يقود شبكة لغسيل أموال بقيمة 200 مليون يورو مرتبطة بعصابة "كيناهان" الإجرامية العابرة للحدود.
هوية قائد سلاح المدرعات
وبالعودة إلى المصادر العبرية الرسمية، تبيّن لفريق "الجزيرة تحقق" أن قيادة سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي لا تعود إلى الاسم المتداول في المنشورات، فالقائد الحالي هو العميد أوهاد ماور، في حين تولى هشام إبراهيم المنصب في أغسطس/آب 2022 خلفا للعميد أوهاد نجمة الذي شغله لثلاث سنوات.
هذه المعطيات الرسمية تناقض كليا الرواية الزائفة التي روجت لاسم غير موجود في سجلات الجيش الإسرائيلي.
ضابطة إسرائيلية مكبلة
وفي مسار مواز، انتشرت صور أخرى زُعم أنها توثق لحظة اعتقال ضابطة إسرائيلية تدعى "يوخال يوليتا" على الأراضي الهولندية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وأظهرت الصور المتداولة سيدة مكبلة خلال مواجهة مع عناصر زُعم أنهم من الشرطة الهولندية في أحد الشوارع.
لكن التحقق باستخدام تقنيات البحث العكسي كشف أن الصور لا تمت بصلة لإسرائيل أو لهولندا؛ إذ تعود في الأصل إلى أغسطس/آب 2016، حين التقطت في شوارع مدينة نيوكاسل البريطانية خلال ليلة عطلة رسمية شهدت فوضى وأعمال عنف وسلوكيات مخلة، دفعت الشرطة للتدخل والسيطرة على الموقف، وفق ما أوردته صحيفة ديلي ميل البريطانية.
نفي رسمي
وفي مواجهة سيل الادعاءات، خرجت روايات رسمية لتضع حدا للقصة، فقد أكد المتحدث باسم النيابة العامة الهولندية أن السلطات لم تعتقل أي شخص بالاسم المتداول، ولا أي إسرائيلي متهم بجرائم حرب أو جرائم دولية داخل البلاد، لتسقط بذلك مزاعم "الملاحقة الهولندية" المتداولة على المنصات.
وفي السياق ذاته، نفى الجيش الإسرائيلي في تصريحات صحفية احتجاز أي ضابط من صفوفه، في حين شددت السفارة الإسرائيلية في لاهاي على أنها "لا تملك أي معلومات عن حادثة من هذا القبيل أو وجود فرد بهذا الاسم".
تحولات هولندية
اللافت أن انتشار هذه الصور المضللة جاء متزامنا مع تحولات في الموقف الهولندي تجاه إسرائيل، فقد أدرجت الوكالة الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب "إن سي تي في" (NCTV) إسرائيل، ولأول مرة، على قائمة الدول التي تشكل تهديدا لأمن البلاد.
وحصلت "الجزيرة تحقق" على وثيقة رسمية منشورة يوم 17 يوليو/تموز الماضي بعنوان "تقييم التهديدات من الجهات الحكومية"، أشارت إلى محاولات إسرائيل التأثير على الرأي العام الهولندي وصناعة القرار السياسي عبر نشر معلومات مضللة.
جاء هذا التحول بعد أن منعت الحكومة الهولندية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش من دخول أراضيها بدعوى تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين، في وقت تشهد فيه المدن الهولندية موجة متصاعدة من المظاهرات المناهضة للحرب على قطاع غزة، في مؤشر يعكس تبدل المزاج العام الهولندي تجاه إسرائيل، ويوفر في الوقت ذاته بيئة خصبة استغلها التضليل الرقمي للانتشار على نطاق واسع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
مجلة أميركية: هذه شروط إنجاح عودة اللاجئين السوريين لبلدهم
أكد تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية للكاتب إيفار يانسن أن الطريق إلى العودة الآمنة إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد لا يزال محفوفا بالعقبات، ذلك بأن الحكومة السورية الجديدة بحاجة إلى خطة مدعومة بتمويل دولي قوي، وآليات رقابة فعالة، وإسناد سياسي واسع، لكي تحقق النجاح المطلوب. وأضافت المجلة أن مسألة توقيت استعداد سوريا لاستقبال الملايين من مواطنيها النازحين تحظى بمكانة بارزة في الخطاب السياسي الأوروبي. فبعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع ، رضخت العديد من دول الاتحاد الأوروبي للضغوط الداخلية، وبدأت في تعليق طلبات اللجوء والنظر في ترحيل اللاجئين السوريين. ومع وجود نحو 14 مليون سوري نازح حول العالم، بينهم 6 ملايين في دول الجوار وأوروبا، تتزايد الضغوط لإيجاد حلول عاجلة. يشير الكاتب يانسن في تقريره إلى أن نحو نصف مليون سوري عادوا بالفعل، لكنهم اصطدموا بواقع صعب، يمثل في استمرار العنف المتقطع وضعف الأمن ودمار البنية التحتية وانهيار الخدمات، على حد تعبيره. ويرى يانسن أن هذا الواقع يُضعف إمكانية إعادة الاندماج ويثير الشكوك بشأن جدوى العودة الجماعية. وعلى الصعيد الإنساني، يحذر الكاتب من أن النظام الصحي السوري يعاني من مشاكل عدة، في ظل نقص الأطباء والمعدات، مع ارتفاع حالات الإصابة جراء انفجار الألغام ومخلفات الحرب، مما يجعل أي عودة كبيرة تنذر بإغراق المنظومة الصحية في أزمة أعمق. وأكد أن الحكومة قطعت وعودا بإجراء انتخابات وضمان حماية الأقليات، مما عزز الحجج بأن سوريا باتت آمنة لعودة أبنائها، خاصة مع رفع بعض العقوبات الأميركية والأوروبية. لكن الكاتب يقول إن السؤال الجوهري هو: هل سوريا بالفعل جاهزة؟ وذكر أن النسيج الاجتماعي والسياسي لا يزال هشا، وأي عودة متسرعة قد تؤدي إلى نزوح جديد إذا تجددت الاضطرابات. ولهذا، يشدد يانسن على ضرورة أن تكون العودة تدريجية وحذرة، ومرتبطة بظروف الواقع الميداني. سوريا لن تكون مستعدة لإعادة أبنائها إلا حين تتحقق أربعة أعمدة أساسية هي: الأمن وحماية الأقليات، وإعادة بناء مرافق الصحة والخدمات، ومعالجة أزمة الألغام، وضمان حقوق الملكية. الدعم الدولي ويوضح يانسن أن الدعم الدولي عامل أساسي في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن دول الخليج بدأت بتقديم مساعدات، في حين خصص الاتحاد الأوروبي 2.5 مليار يورو لبرامج الاستقرار. إعلان لكن حجم التمويل لا يزال -برأيه- دون المستوى المطلوب، مشددا على أنه ينبغي توجيهه بشكل مدروس نحو مشاريع المصالحة والأمن المجتمعي وبرامج إعادة الدمج. وقال إن مسألة حقوق الملكية تبقى تحديا بارزا أمام عودة اللاجئين، حيث لا تزال قوانين النظام السابق تقنن مصادرة أملاك المهجّرين دون ضمانات. ويقترح التقرير إنشاء لجنة مستقلة دولية لحل نزاعات الملكية مثل تجربة البوسنة والهرسك كشرط أساسي لعودة آمنة ومستدامة. وخلص الكاتب إلى أن سوريا لن تكون مستعدة لإعادة أبنائها إلا حين تتحقق أربعة أعمدة أساسية، وهي الأمن وحماية الأقليات، وإعادة بناء مرافق الصحة والخدمات، ومعالجة أزمة الألغام، وضمان حقوق الملكية. وحتى يتحقق ذلك، تبقى عودة اللاجئين رهنا بمسار طويل يتطلب الصبر، والتمويل، والمصالحة المجتمعية والسياسية، يؤكد الكاتب.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
مئات الآلاف يشلون تل أبيب وغالانت ورؤساء جامعات ينضمون لهم
شهدت إسرائيل اليوم الأحد إضرابا شمل مفاصل الحياة بدعوة من عائلات الأسرى للمطالبة بإبرام صفقة تبادل، وخرج مئات الآلاف باحتجاجات شارك فيها وزير الدفاع السابق يؤاف غالانت ورؤساء جامعات قادة المعارضة. وقالت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين إن تقديرات الشرطة تشير إلى أن أكثر من 150 ألفا يشاركون في الاحتجاجات وسط تل أبيب. وأغلق المتظاهرون عدة طرق، منها ميدان "المخطوفين" في تل أبيب والطريق السريع رقم واحد عند مدخل القدس ، وتقاطع رعنانا شمالي تل أبيب. كما تجمع عشرات المتظاهرين أمام منازل عدد من الوزراء، بينهم وزير الدفاع يسرائيل كاتس ، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر. وقالت الشرطة الإسرائيلية، إنها اعتقلت 38 متظاهرا خلال الاحتجاجات. وكان موقع والا الإسرائيلي قال إن حالة من الفوضى شهدتها الشوارع في أنحاء مختلفة من إسرائيل بعد مرور 6 ساعات على بدء الإضراب الذي دعت إليه عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة. دعوة لمشاركة الملايين وفي الأثناء قالت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة إنها تتطلع إلى رؤية ملايين الإسرائيليين إلى جانبها في الاحتجاجات. وكانت الهيئة قد جددت انتقاداتها للحكومة الإسرائيلية، متهمة إياها بالمماطلة دون اتخاذ خطوات حقيقية لإبرام صفقة تبادل شاملة تضمن عودة أبنائهم. وأضافت الهيئة أن استمرار المماطلة يثير مخاوف جدية من فقدان الأسرى، مشيرة إلى أن صرخات العائلات تواجه آذانا صماء، وقلوبا قاسية. كما دعت الهيئة الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات عملية لإنجاز صفقة تبادل، مؤكدة أنها ستواصل تحركاتها للضغط من أجل إعادة الأسرى إلى بيوتهم. نقابات العمال وساسة بدوره دعا رئيس اتحاد نقابات العمال بإسرائيل من "ميدان المختطفين" في تل أبيب، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى إبرام صفقة تبادل. ومن جهته، قال زعيم حزب أبيض أزرق بيني غانتس إن مهاجمة عائلات "المخطوفين" تضعف الشعب الإسرائيلي وتقسمه. أما زعيم حزب الديمقراطيين يائير غولان فدعا الإسرائيليين إلى المشاركة الواسعة في الإضراب وقال إنه لم يعد هناك وقت وإنهم سيفعلون كل شيء لإعادة الرهائن. وقال غولان إن نتنياهو لا يعرف كيف ينتصر، ولا يريد إطلاق سراح المختطفين، وإنه يحتاج إلى حرب أبدية لكي يتمسك بكرسيه ويهرب من لجنة التحقيق. جامعات إسرائيلية في السياق طالبت الجامعات الإسرائيلية بإتمام صفقة مع حركة حماس لتبادل الأسرى المحتجزين في قطاع غزة ، وقالت إن رئيس الوزراء لا يصغي لمناشداتها. وتأتي هذه المطالبات عقب مشاركة بعض رؤساء الجامعات في فعاليات إضراب دعت إليه عائلات الأسرى وقتلى الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. غالانت يشارك في الإضراب وقد شارك وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يؤاف غالانت في الإضراب العام الذي دعت إليه عائلات الأسرى للضغط على الحكومة لإبرام صفقة تبادل تؤدي إلى الإفراج عنهم ولو بوقف إطلاق النار بقطاع غزة. وخلال مشاركته بتظاهرة في إطار الإضراب بتل أبيب، ألقى غالانت، كلمة في ساحة "المخطوفين" (الأسرى)، قال فيها إن تحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة ممكن فقط عبر طريق واحد. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن غالانت قوله: يمكن وضروري تحقيق هدفَي الحرب المتبقيين، لكن ذلك يتم بطريقة واحدة فقط، وهي "إعادة الأسرى أولا ثم استبدال حكومة حماس". في السياق أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد أن الاحتجاجات ستستمر حتى إعادة جميع "المخطوفين" إلى بيوتهم عبر التوصل إلى صفقة تبادل شاملة وإنهاء الحرب، مشددا على أن الحكومة لا تملك الحق في التضحية بهم من أجل مواصلة ما وصفه بالجهود العسكرية. غضب بن غفير وسموتريتش لكن تلك المظاهرات أغضبت وزراء في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليوم الأحد، معتبرين أن الإضراب يعزز حركة حماس. واعتبر وزير الأمن إيتمار بن غفير أن المتظاهرين الذين أغلقوا شوارع رئيسية في تل أبيب صباحا وتجمهروا أمام منازل وزراء احتجاجا على استمرار الحرب في قطاع غزة "هم من جعل إسرائيل ضعيفة". بدوره، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "المظاهرات ضارة وتخدم حماس وتدفن المختطفين وتدفع إسرائيل للاستسلام وتعرض أمنها ومستقبلها للخطر". كما انتقد وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار المظاهرات المطالبة بصفقة تبادل، معتبرا أن إغلاق الطرق وتعطيل حياة الإسرائيليين "خطأ فادح ومكافأة للعدو".


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
هل اعتقلت هولندا ضباطا بالجيش الإسرائيلي؟
على وقع صور متلاحقة لحرب قطاع غزة وما خلفته من مشاهد دامية، اجتاحت منصات التواصل في الأيام الأخيرة لقطات قيل إنها توثّق لحظة اعتقال ضباط وجنود إسرائيليين في قلب هولندا. ظهرت الصور كأنها مشهد من محكمة التاريخ وقد بدأ يكتب أخيرا على أرض الواقع؛ رجال مكبلون بالأصفاد، عناصر أمنية تطوقهم، ومخازن تفتح لتكشف عن جوازات سفر وأموال وأجهزة حاسوب. تدفقت المنشورات بشكل واسع، وتلقفها ناشطون على أنها بداية مرحلة جديدة من الملاحقة الدولية لإسرائيل ، لا سيما وأنها جاءت متزامنة مع تحولات سياسية لافتة في الموقف الهولندي. بدا الأمر كأنه صفحة جديدة تفتح في لاهاي ، حيث مقر العدالة الدولية، لتمنح هذه الروايات مزيدا من المصداقية وتضاعف من انتشارها في الفضاء الرقمي. لكن، ما حقيقة هذه المشاهد؟ وهل كانت بالفعل انعكاسا لتحرك قضائي غير مسبوق بحق ضباط إسرائيليين أم إننا أمام قصة أخرى من قصص العالم الرقمي المليء بالمفاجآت؟ اعتقال قائد عسكري إسرائيلي خلال أغسطس/آب الجاري، اجتاحت منصات التواصل منشورات متداولة، بعضها صادر عن حسابات موثقة على "إكس" و"فيسبوك"، حملت صورا ومقاطع فيديو مثيرة للجدل، قيل إنها توثق لحظة اعتقال قائد سلاح المدرعات الإسرائيلي شيتان شائول بتهمة ارتكاب جرائم حرب في رفح جنوبي قطاع غزة. في تلك المشاهد، بدا رجل مكبل اليدين بالأصفاد ومحاطا بعناصر أمنية، في حين كان آخرون يرتدون زيا رسميا يفتشون ما وصف بأنه مقر يحوي أجهزة حاسوب وجوازات سفر وأدوات حادة، إضافة إلى مبالغ ضخمة. إعلان الصور المتداولة حملت إيحاء واضحا بأنها ليست مجرد عملية أمنية عادية، بل بداية فصل من "المحاسبة الدولية" طال انتظاره. ولم تتوقف الادعاءات عند حدود الصور المتداولة، بل مضت بعض الحسابات أبعد من ذلك لتنسج رواية أكثر إثارة؛ إذ زعمت أن القائد العسكري الإسرائيلي تم توقيفه خلال عطلة صيفية على شاطئ لاهاي بعد أن أدانته منظمات حقوقية بجرائم حرب. وزادت المنشورات زخما حين أرفقتها بنص يؤكد أن "الحكومة الهولندية بدأت حملات ملاحقة موسعة لضباط وجنود إسرائيل عقب صدور حكم من محكمة العدل الدولية بالسجن المؤبد على نتنياهو وكل من شاركه في حرب الإبادة". سردية كاملة بدت أقرب إلى مشهد من محكمة دولية مفتوحة، مما ضاعف من انتشارها وأكسبها زخما على المنصات. القصة الحقيقية غير أن خيوط القصة الحقيقية بدأت تتكشف مع التدقيق؛ إذ تبين لفريق "الجزيرة تحقق" أن الصور المتداولة لا تمت لإسرائيل بصلة، بل تعود في الحقيقة إلى عملية نفذتها الشرطة الإسبانية في مدينة ماربيلا يوم 13 سبتمبر/أيلول 2022، أسفرت عن اعتقال متهم بريطاني من أصل أيرلندي يدعى جوني موريسي. وبحسب تقارير صحف بريطانية وبيانات الشرطة الأوروبية (يوروبول)، فإن موريسي كان يقود شبكة لغسيل أموال بقيمة 200 مليون يورو مرتبطة بعصابة "كيناهان" الإجرامية العابرة للحدود. هوية قائد سلاح المدرعات وبالعودة إلى المصادر العبرية الرسمية، تبيّن لفريق "الجزيرة تحقق" أن قيادة سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي لا تعود إلى الاسم المتداول في المنشورات، فالقائد الحالي هو العميد أوهاد ماور، في حين تولى هشام إبراهيم المنصب في أغسطس/آب 2022 خلفا للعميد أوهاد نجمة الذي شغله لثلاث سنوات. هذه المعطيات الرسمية تناقض كليا الرواية الزائفة التي روجت لاسم غير موجود في سجلات الجيش الإسرائيلي. ضابطة إسرائيلية مكبلة وفي مسار مواز، انتشرت صور أخرى زُعم أنها توثق لحظة اعتقال ضابطة إسرائيلية تدعى "يوخال يوليتا" على الأراضي الهولندية بتهم ارتكاب جرائم حرب. وأظهرت الصور المتداولة سيدة مكبلة خلال مواجهة مع عناصر زُعم أنهم من الشرطة الهولندية في أحد الشوارع. لكن التحقق باستخدام تقنيات البحث العكسي كشف أن الصور لا تمت بصلة لإسرائيل أو لهولندا؛ إذ تعود في الأصل إلى أغسطس/آب 2016، حين التقطت في شوارع مدينة نيوكاسل البريطانية خلال ليلة عطلة رسمية شهدت فوضى وأعمال عنف وسلوكيات مخلة، دفعت الشرطة للتدخل والسيطرة على الموقف، وفق ما أوردته صحيفة ديلي ميل البريطانية. نفي رسمي وفي مواجهة سيل الادعاءات، خرجت روايات رسمية لتضع حدا للقصة، فقد أكد المتحدث باسم النيابة العامة الهولندية أن السلطات لم تعتقل أي شخص بالاسم المتداول، ولا أي إسرائيلي متهم بجرائم حرب أو جرائم دولية داخل البلاد، لتسقط بذلك مزاعم "الملاحقة الهولندية" المتداولة على المنصات. وفي السياق ذاته، نفى الجيش الإسرائيلي في تصريحات صحفية احتجاز أي ضابط من صفوفه، في حين شددت السفارة الإسرائيلية في لاهاي على أنها "لا تملك أي معلومات عن حادثة من هذا القبيل أو وجود فرد بهذا الاسم". تحولات هولندية اللافت أن انتشار هذه الصور المضللة جاء متزامنا مع تحولات في الموقف الهولندي تجاه إسرائيل، فقد أدرجت الوكالة الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب "إن سي تي في" (NCTV) إسرائيل، ولأول مرة، على قائمة الدول التي تشكل تهديدا لأمن البلاد. وحصلت "الجزيرة تحقق" على وثيقة رسمية منشورة يوم 17 يوليو/تموز الماضي بعنوان "تقييم التهديدات من الجهات الحكومية"، أشارت إلى محاولات إسرائيل التأثير على الرأي العام الهولندي وصناعة القرار السياسي عبر نشر معلومات مضللة. جاء هذا التحول بعد أن منعت الحكومة الهولندية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش من دخول أراضيها بدعوى تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين، في وقت تشهد فيه المدن الهولندية موجة متصاعدة من المظاهرات المناهضة للحرب على قطاع غزة، في مؤشر يعكس تبدل المزاج العام الهولندي تجاه إسرائيل، ويوفر في الوقت ذاته بيئة خصبة استغلها التضليل الرقمي للانتشار على نطاق واسع.