
خبراء أمميون: عقوبات واشنطن على ألبانيزي تهدف لإسكات الأصوات المعارضة
وندد خبراء حقوق الإنسان بقرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على ألبانيزي، مجددين التزامهم بالدفاع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ضد الجهود الرامية إلى تقويضها، أو تخويف أو إسكات من يعملون على حمايتها.
كما أعرب الخبراء الأمميون عن تضامنهم الكامل مع المقررة الأممية التي يعتبر تفويضها وتقاريرها أساسيين في دعم المعايير القانونية الدولية والمساءلة.
واعتبروا أن عمل ألبانيزي يمثل التزاما مبدئيا بتفويض قائم على حقوق الإنسان، حيث يقدم تحليلا مستقلا ودقيقا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك "النقل القسري والتمييز المنهجي ومجموعة واسعة من الجرائم الدولية التي يستهدف العديد منها أو يؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال".
وأشار الخبراء الحقوقيون إلى أن ألبانيزي تعرضت أثناء قيامها بمهامها لضغوط كبيرة، مما يبرز أهمية حماية التقارير الحقوقية المحايدة المبنية على الأدلة، وشددوا على أن هذا التفويض يلعب "دورا جوهريا في توثيق الظلم الهيكلي وتعزيز المساءلة بموجب القانون الدولي" مؤكدين أن هذا الجهد يجب الحفاظ عليه وحمايته.
كما ذكروا أن فرض عقوبات على المقررة الأممية بسبب قيامها بهذه المسؤولية -التي كلفها بها مجلس حقوق الإنسان- يمثل "هجوما مباشرا على نزاهة نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" واعتبروا أن هذه الإجراءات تشكل "انتهاكا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية عام 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، التي تمنح خبراء الأمم المتحدة الامتيازات والحصانات اللازمة لممارسة وظائفهم باستقلالية".
وأوضح الخبراء أن هذا الانتهاك يبعث برسالة خطيرة، ويهدد استقلالية نظام الإجراءات الخاصة، ويؤثر سلبا على المناصرة العالمية لحقوق الإنسان.
كما شددوا على ضرورة أن تتعامل الدول التي تختلف مع آراء خبراء الأمم المتحدة بشكل بناء عبر القنوات الدبلوماسية القائمة. وأكدوا أن استهداف المقررة الخاصة لا يمكن فصله عن الجرائم الدولية الجسيمة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، إضافة إلى الجهود المستمرة لتجريد المدافعين عن حقوقهم من الشرعية.
ويرى الخبراء الأمميون أن التحيز والتهديدات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان -سواء كانوا باحثين أو فاعلين في المجتمع المدني أو مسؤولين أو خبراء في الأمم المتحدة- تعكس "إستراتيجية أوسع لإسكات الأصوات المعارضة وحماية البُنى السلطوية المسيئة من المساءلة".
وختموا بيانهم بدعوة جميع الدول إلى الإدانة العلنية لهذه العقوبات (على ألبانيزي) وإلى رفض التعاون في تنفيذها، وإلى تجديد التزامها بالمقررين الخاصين للأمم المتحدة وهيئات العمل، والخبراء المستقلين، بمن فيهم المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مقابر القدس تاريخ عريق ينهشه التهويد
تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية وعشرات المقابر العائلية الصغيرة. وتواجه هذه المقابر مشاريع تهويد مستمرة، تنفذها سلطات الاحتلال بهدف إزالتها وإقامة مشاريع استيطانية مكانها، في إطار محاولاتها لطمس المعالم الإسلامية للمدينة الفلسطينية المقدسة وتغيير هويتها. ولا يتورع الاحتلال الإسرائيلي عن تجريف قبور المسلمين في مقابر القدس والسماح للمستوطنين باقتحامها ونبشها وأداء طقوسهم التلمودية فوقها، إذ شهدت اعتداءات متكررة وانتهاكات متواصلة منذ نكبة عام 1948. تاريخ عريق تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية هي: باب الساهرة وباب الرحمة واليوسفية، إضافة إلى مقبرتيْ مأمن الله والنبي داود اللتين استولى عليهما الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل ومنع الدفن فيهما. كما تضم المدينة المقدسة عشرات المقابر العائلية الصغيرة، وقد جرفت إسرائيل عددا منها إبان نكبة 1948، قبل أن تجهِز على ما تبقى منها أثناء نكسة 1967 عندما احتلت مدينة القدس بشكل كامل. وتحتضن المقابر الإسلامية بالقدس رفات عدد من الصحابة والمجاهدين، إضافة إلى علماء الدين والأمراء وشخصيات فلسطينية بارزة. وقد استشهد أغلب هؤلاء أثناء دفاعهم عن المدينة في فترات الحروب الصليبية ، وكذلك في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، كما تعود بعض القبور لشهداء قتلوا في الأحداث التي شهدتها المدينة المقدسة إبان الانتداب البريطاني وأثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي. انتهاكات لا تتوقف تعرضت هذه المقابر لانتهاكات متكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين منذ نكبة 1948. ومع مرور الوقت، عرفت اكتظاظا اضطر معه المقدسيون إلى دفن موتاهم فوق قبور أخرى، بعد أن تمر 8 سنوات على آخر دفن في المكان نفسه. وفيما يلي أبرز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي التي طالت المقابر الإسلامية في القدس: منع المسلمين من دفن موتاهم فيها. تغيير ملامحها وتهويدها واقتطاع أجزاء واسعة منها. تحويل أجزاء منها إلى حدائق توراتية، أو إنشاء مواقف سيارات وشق طرقات تمر عبرها، واستخدام بعضها مكبات للنفايات. إزالة القبور وتحطيم شواهدها (تكسير أو إزالة الأحجار أو اللوحات التي توضع عليها للتعريف بأصحابها). إضافة " قبور وهمية" مكان قبور المسلمين لتحويلها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة. تجريف مساحات واسعة بحثا عن قبور يهودية مزعومة. نفخ المستوطنين في البوق داخل المقابر الإسلامية، خصوصا في مقبرة باب الرحمة. أداء الصلوات والطقوس التلمودية، والرقص فوق القبور داخلها. ويهدف الاحتلال من وراء هذه الانتهاكات إلى طمس هوية هذه المقابر وادعاء أنها يهودية من أجل السيطرة عليها وإقامة مشاريع استيطانية مكانها، ومن ثم القضاء على كل ما يمت بصلة للعرب والمسلمين في القدس. أهم المقابر الإسلامية بالقدس تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية، هي: تقع على بعد كيلومترين اثنين من باب الخليل أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وتعتبر أكبر المقابر الإسلامية بالمدينة، إذ تقدر مساحتها بـ200 دونم (200 ألف متر مربع). وتضم هذه المقبرة أضرحة بعض الصحابة والتابعين والمجاهدين الذين استشهدوا أثناء الفتح الإسلامي للقدس عام 15 للهجرة (636 للميلاد). ودفن فيها أيضا ما يقارب 70 ألف شهيد، قتلوا على يد الصليبيين أثناء احتلالهم للقدس والمسجد الأقصى في يوليو/تموز 1099. كما تضم رفات شهداء معركة استرداد القدس من الصليبيين بقيادة القائد صلاح الدين الأيوبي ، والتي وقعت في 25 ربيع الثاني 583 هـ، الموافق للرابع من يوليو/تموز 1187 م. وقد أحيطت مقبرة مأمن الله أواخر العهد العثماني بسور كبير، وتواصل الدفن فيها حتى عام 1927 بعدما حظر المجلس الإسلامي الأعلى ذلك بسبب اكتظاظها. واستولى الجيش البريطاني على المقبرة عام 1947 وهدم أجزاء من سورها، ثم تعرضت بعد النكبة لانتهاكات متكررة، قبل أن تقر إسرائيل قانونا اعتبرتها بموجبه من " أملاك الغائبين". وبدأ بعدها مسلسل التهويد والطمس عبر ممارسات متتالية بلغت ذروتها حين اقتطع الاحتلال ما يقارب 95% من مساحتها وحولها إلى حدائق عامة وشوارع، إذ دشنت السلطات الإسرائيلية عام 1957 "حديقة الاستقلال" في جزء كبير من المقبرة. وعام 1985، أنشأت مواقف للسيارات على جزء آخر منها. وعام 2002 أعلنت إسرائيل إقامة مبنى لمحاكم الاحتلال على تراب المقبرة، وبعدها بعامين وضعت حجر الأساس لمتحف يهودي أطلق عليه "متحف التسامح" على مساحة 21 دونما (21 ألف متر مربع) مولته مؤسسة "روزنتال لليهود الأميركيين". وعام 2019، قررت بلدية القدس إزالة وتجريف أجزاء من هذه المقبرة وفتحت شارعا مكانها، كما تقيم سلطات الاحتلال على أنقاض هذه المقبرة مهرجانا سنويا للخمور، تشارك فيه فرق موسيقية عالمية. هي أقدم المقابر الإسلامية في القدس، وتقع بمحاذاة الجدار الشرقي للمسجد الأقصى، وتمتد من باب الأسباط إلى نهاية سور المسجد الشريف بالقرب من القصور الأموية من الجهة الجنوبية. وتضم بين جنباتها قبورا لقادة مسلمين واثنين من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم: عبادة بن الصامت حاكم القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، وشداد بن أوس، إضافة إلى عدد من العلماء والقضاة وشهداء النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967. وتبلغ مساحتها الأصلية نحو 95 دونما (95 ألف متر مربع) قبل أن تقتطع منها بلدية القدس المحتلة أجزاء واسعة أقامت عليها حدائق توراتية للمستوطنين. وتوقف الدفن في الجزء الجنوبي الشرقي من المقبرة عام 2006 بقرار من الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذريعة أنه على مقربة من حجارة " الهيكل" المزعوم. وتقتحم جماعات المستوطنين المقبرة بين الفينة والأخرى، للنفخ في البوق، وأداء الصلوات التلمودية، وتدنيس القبور بنبشها وتحطيم شواهدها في محاولة لطمس معالمها. تعرف أيضا بـ"المقبرة اليوسفية" ويعتقد أنها تعود إلى الحقبة الأيوبية، إذ تحتضن رفات عائلات مقدسية عريقة كانت تقطن بجوار المسجد الأقصى. وتقع المقبرة على ربوة شمال باب الأسباط، ويفصلها عن سور المسجد الأقصى مسافة تتراوح ما بين 10 و15 مترا. وتضم النصب التذكاري لشهداء نكسة 1967، وشهداء مذبحة الأقصى الأولى عام 1990، وتربة الإخشيديين التي تضم قبر مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر محمد بن طفيح الإخشيد، فضلا عن عدد من المدافن التي تعود لعائلات مقدسية عريقة. وتتعرض المقبرة بشكل متكرر لانتهاكات إسرائيلية، شملت اقتطاع أجزاء منها وتحويلها إلى حدائق. وفي عام 2004 أصدر رئيس بلدية القدس آنذاك أوري لوبوليانسكي أمرا بهدم عدد من قبورها، ومنع أعمال الصيانة فيها. واستمرت الانتهاكات الإسرائيلية على مدى سنوات، إذ دمرت سلطات الاحتلال 20 قبرا عام 2014، وسكبت الإسمنت فوقها حتى لا تستخدم مجددا. وفي أبريل/نيسان 2015 رسمت 3 فتيات إسرائيليات "نجمة داود" وعبارات بالعبرية على أحد القبور. مقبرة باب الساهرة تعرف باسم "مقبرة المجاهدين" أو "بقيع الساهرة" وتقع في الجهة الشمالية من البلدة القديمة على بعد بضعة أمتار من باب الساهرة أحد أبواب المسجد الأقصى. وتعود نشأتها إلى العصر الأيوبي، وتضم رفات علماء وشهداء فترة استرداد القدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي، كما تحوي قبور مؤرخين فلسطينيين بارزين. تقع على جبل صهيون ، وتضم مجموعة من المدافن الإسلامية يعود بعضها لعائلة الدجاني المقدسية. ومنعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المقدسيين من دفن موتاهم فيها، وهوّدتها بشكل كامل عبر تغيير معالمها ووضع شعارات يهودية عليها، تحت ذريعة احتضانها قبور شخصيات يهودية تاريخية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
"الحركة العالمية نحو غزة" مبادرة شعبية لكسر الحصار وتعزيز التضامن الدولي
مبادرة شعبية دولية وجبهة تنظيمية رئيسية ضمن أسطول الصمود العالمي ، بدأت نشاطها في الفترة بين 2024 و2025، وكانت تعرف باسم "المسيرة العالمية نحو غزة"، قبل أن توسع رؤيتها وهيكلها وتصبح إطارا عالميا للمقاومة المدنية السلمية، يجمع بين المسيرات الشعبية والقوافل البرية والمبادرات البحرية. تهدف المبادرة إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 2007، وإيصال المساعدات إليه عبر تحركات رمزية تشمل تنظيم المسيرات الشعبية، وإطلاق القوافل البحرية، وتنظيم التجمعات المدنية على حدود القطاع. النشأة والتأسيس تأسست "الحركة العالمية نحو غزة" أواخر عام 2024، امتدادا لسلسلة المبادرات الدولية الداعمة لغزة، ومن ضمنها أسطول الحرية وقوافل كسر الحصار، في ظل تصاعد موجة التضامن العالمي عقب اندلاع الحرب على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ارتكزت الحركة على دور شعبي رمزي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ 2007 وتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. وانطلقت الحركة في البداية تحت اسم "المسيرة نحو غزة"، ونظمت مسيرات برية من عدة دول باتجاه الأراضي الفلسطينية للضغط على إسرائيل لفتح معبر رفح. ومع تزايد الدعم الدولي والاحتشاد الشعبي، تطورت الحركة وأصبحت إطارا عالميا للحراك المدني باسم "الحركة العالمية نحو غزة"، وتحمل رؤية شاملة لإبقاء القضية الفلسطينية ومعاناة سكان القطاع حاضرة في الوعي الدولي، وذلك عبر تنظيم القوافل والمبادرات الميدانية إلى جانب حملات إعلامية وتثقيفية ومواقف للضغط السياسي على الحكومات والمنظمات الدولية. وأكد جيم هيكاي، رئيس الحركة في المملكة المتحدة ، الالتزام المستمر للحركة بتوصيل المساعدات وفتح ممر إنساني يعيد الحياة إلى الشعب الفلسطيني في غزة، بمشاركة آلاف النشطاء من أكثر من 80 دولة، من سياسيين وحقوقيين ومتضامنين مع القضية الفلسطينية. الأهداف تأثر منظمو الحركة بتجارب مشابهة حول العالم فسعوا لتحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها ما يلي: رفع الحصار على قطاع غزة وفتح المعابر البرية. تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب الحصار وبناء التضامن العالمي معه. خلق ضغط شعبي ورمزي عالمي على الحكومات العربية والدولية لاتخاذ مواقف أكثر وضوحا تجاه القضية الفلسطينية. تأكيد الالتزام بسلمية المبادرات ورفض استخدام العنف وسيلة للمواجهة، مع الاعتماد على الأساليب الرمزية والقانونية لتحقيق التأثير المرجو. تمثيل الشعوب لا الحكومات، عبر تضامن مستقل لا يخضع لأي أجندة حزبية أو دينية أو قومية. بناء رأي عام ووعي عالميين عبر الحملات الإعلامية التي تكشف واقع الحصار وآثاره على السكان وتحث المؤسسات الدولية على التحرك لإنهائه. تُعرّف الحركة نفسها بأنها مبادرة مستقلة ماليا، مما يمنحها استقلالية كاملة ويؤكد طبيعتها التطوعية والرمزية. كما ترفض استخدام أي شعارات أو رعايات دعائية من جهات سياسية أو تجارية، حفاظا على حيادها ومصداقيتها. شاركت الحركة في مظاهرات واسعة شهدتها مدن كبرى من ضمنها لندن وباريس ونيويورك وبيروت وإسطنبول. وفي عام 2025، كانت جزءا من مبادرة قافلة الصمود البرية، التي انطلقت في يونيو/حزيران من تونس متجهة نحو غزة، بمشاركة نشطاء ومواطنين من دول المغرب العربي وشمال غرب أفريقيا ، إضافة إلى انضمام أشخاص من الدول التي عبرتها القافلة أثناء مسيرتها. وعلى الصعيد البحري، شاركت الحركة في مبادرتي سفينة مادلين و سفينة حنظلة ، اللتين أبحرتا من إيطاليا صيف 2025 في رحلة هدفت إلى كسر الحصار عن غزة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ما خطة نتنياهو العسكرية لاحتلال غزة؟ وكيف ستواجهه المقاومة؟
بعد 22 شهرا من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة المحاصر، بما انطوت عليه من قصف وحشي وعشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، فضلا عن هندسة التجويع التي تبلغ اليوم مديات قاسية ووحشي، يبدو أن نهم إسرائيل للدماء لم يُرو بعد. ففي فجر الجمعة، الثامن من أغسطس/آب الجاري، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية-، أن المجلس الوزاري المصغر وافق على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل. وتشمل الخطة إجبار ما يصل إلى مليون فلسطيني على النزوح جنوبا، وهو ما يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية للقطاع. ووفقا لما أعلنه المسؤولون في دولة الاحتلال خلال الأيام الماضية، تهدف الخطة الجديدة إلى تفكيك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالكامل ووقف نفوذها العسكري والإداري في القطاع، واستعادة الأسرى المحتجزين، وإنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة وإحكام السيطرة الأمنية، وأخيرا إنشاء إدارة محلية مدنية جديدة في القطاع ليست خاضعة لسيطرة حماس أو السلطة الفلسطينية. تتضمن الخطة إرسال قوات برية إلى المناطق القليلة من القطاع التي لم تُدمّر بالكامل، والتي تُشكّل حوالي 25% من قطاع غزة. وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن خطة الغزو واسعة النطاق تنطوي على مشاركة ما لا يقل عن أربع إلى خمس فرق من جيش الاحتلال تمثل مزيجًا من الألوية الدائمة وقوات الاحتياط المعبأة، بما في ذلك وحدات مشاة النخبة ووحدات مدرعة، وقد استدعت إسرائيل عشرات الآلاف من جنود الاحتياط لدعم العمليات الموسعة، مما زاد من عدد القوات قيد الخدمة في القيادة الجنوبية للجيش. وتشمل قائمة الألوية المنتظر مشاركتها في هذه العملية لواء غولاني و لواء غفعاتي وكلاهما من سلاح المشاة، إضافة إلى لواء المظليين المدرب على القتال في المناطق الحضرية، وألوية المدرعات المجهزة بدبابات ميركافا (مثل اللواء المدرع 401 الذي شارك في القتال داخل غزة سابقا) ووحدات الهندسة القتالية المتخصصة في اختراق التحصينات ومكافحة الأنفاق. ويشير عدد الألوية المشاركة أن العملية ستتضمن مشاركة قرابة 50 ألف جندي في العمليات التي ستستمر لعدة أشهر في أدنى التقديرات. إلى جانب ذلك، سوف تقدم عشرات الطائرات المقاتلة (بما في ذلك طائرات إف-16 وإف-35) وطائرات الهليكوبتر الهجومية (أباتشي إيه إتش-64) دعما جويا قريبا، مستهدفة ما يقول الاحتلال إنه مستودعات أسلحة ومداخل أنفاق ومواقع صواريخ مضادة للدبابات (رغم أن أكثر ضحايا القصف الإسرائيلي منذ بداية الحرب من المدنيين والنساء والأطفال). ومن المنتظر أن ينشر جيش الاحتلال كذلك العديد من المسيرات، من طائرات مراقبة إلى طائرات رباعية المراوح تكتيكية صغيرة لأغراض استطلاع المباني وإسقاط الذخائر. ويُوفّر أسطول المسيرات هذا مراقبة استخباراتية استطلاعية مستمرة كما يمكنه توجيه ضربات سريعة في المناطق الحضرية الكثيفة التي يصعب استخدام الطائرات التقليدية فيها. وخلف قوات القتال الأمامية، سوف تتمركز بطاريات المدفعية (مدافع هاوتزر عيار 155 مليمترا وصواريخ موجهة) لتوفير القوة النارية عند الحاجة؛ وأنظمة الدفاع الجوي (بطاريات القبة الحديدية ومقلاع داود) لاعتراض أي صواريخ تنطلق أثناء القتال، إضافة إلى وحدات لوجيستية لنقل الوقود والذخيرة والمياه والإمدادات إلى غزة، ووحدات طبية (مستشفيات ميدانية وفرق إخلاء) لعلاج الجرحى الوافدين من خطوط القتال. 4 مراحل ووفق ما نشرته عدد من الصحف الإسرائيلية، فإن الخطة الإسرائيلية ستكون حملة متعددة المراحل تستمر لمدة 4-5 أشهر على الأقل، مع التركيز أولا على شمال ووسط غزة، قبل أن تتوسع إلى المناطق المتبقية. في المرحلة الأولى، ستركز إسرائيل على إجلاء الفلسطينيين من مدينة غزة التي سيتلقى سكانها المقدر عددهم بمليون شخص تقريبا إشعارات إخلاء لصالح جيش الاحتلال. وبالتزامن مع ذلك، تزعم الخطة أن جيش الاحتلال سوف ينشئ مناطق "إنسانية" آمنة في وسط وجنوب غزة، تشمل 16 موقعا لتقديم المساعدات. ورغم تعهدات جيش الاحتلال في المرحلة الأولى فإن الواقع يشير إلى أن هذه التعهدات ليست إلا إعادة هيكلة لحملة التجويع، إذ سيتم التحكم بالكامل فيما يدخل إلى الفلسطينيين من ماء وطعام ودواء، بصورة تشبه معسكرات الاعتقال، تمهيدا للمرحلة الثانية، والأكثر دموية، من المخطط الإسرائيلي. إذ ستشهد المرحلة الثانية بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل هجوما بريا كبيرا على مدينة غزة ، المركز الحضري المكتظ في الشمال وفي الوقت نفسه على مخيمات اللاجئين المجاورة في وسط غزة. وستسعى الألوية الإسرائيلية للتوغل في المدينة من اتجاهات متعددة. وبالتزامن مع التوغل العسكري، سوف تُستخدم أساليب التطويق والحصار، إذ تخطط قوات الاحتلال لتطويق مدينة غزة، وعزلها عن باقي القطاع، وفرض حصار عليها يستمر لشهور. وفي داخل المدينة، ستقوم الوحدات الإسرائيلية بعمليات بحث وتمشيط شامل على مدار أسابيع من القتال. ويلي ذلك المرحلة الثالثة، والتي تتضمن التوسع إلى وسط وجنوب غزة، بمجرد إحكام السيطرة على مدينة غزة. وفي هذه المرحلة، سوف يكون الهدف الرئيسي هو مخيمات اللاجئين المكتظة مثل النصيرات والبريج وغيرها، في وسط القطاع، إضافة المناطق الحضرية المحيطة بطريق صلاح الدين (الشريان الرئيسي الواصل بين الشمال والجنوب). بنهاية هذه المرحلة، يُخطط جيش الاحتلال لفرض السيطرة التامة على شمال ووسط غزة، ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه عند هذه النقطة، سيتم تقسيم القطاع بأكمله إلى مناطق منفصلة عن بعضها البعض، كل منها مطوق بالكامل، ما يمهد الطريق إلى المرحلة الرابعة التي تتضمن محاولة تأمين المناطق التي تمت السيطرة عليها، مع إبقاء قوات ومعدات مراقبة كافية منتشرة في جميع أنحاء غزة للحفاظ على الوجود الأمني. باختصار، مع نهاية المرحلة الرابعة، تهدف إسرائيل إلى تحقيق أهدافها المعلنة للحرب: وهي نزع سلاح حماس، وإعادة جميع الأسرى وتجريد قطاع غزة بأكمله من السلاح، وفرض السيطرة الأمنية على القطاع، وإقامة "إدارة مدنية بديلة لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية". أما المفاجأة "المتوقعة" فهي أن هذه هي الأهداف نفسها التي حددتها إسرائيل لنفسها منذ البداية، وفشلت في تحقيق إي إنجاز، بخلاف قتل عشرات الآلاف من المدنيين وإحكام الحصار والمجاعة على سكان القطاع بأكمله، لكن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت إعادة تدوير فشلها بصيغة أخرى كي تكسب مزيدا من الوقت. صحيح أن جيش الاحتلال تمكن على مدار أكثر من 22 شهرا من الحرب من تدمير جزء من قدرات المقاومة العسكرية، إلا أنه فشل في استعادة أسراه (باستثناء من حصل عليهم بموجب الصفقة التي انقلب عليها مطلع العام الحالي). هذا ولا تزال فصائل المقاومة قادرة على توجيه ضربات فعالة إلى جسد الاحتلال وإن تغيرت تكتيكاتها وتباطأت وتيرتها مقارنة ببداية الحرب، إذ تركز المقاومة حاليا على نصب الكمائن الذكية بهدف إيقاف الجنود والآليات التابعة لجيش الاحتلال، واستهدافها وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر. تكتيكات القتال من المتوقع أن يكون القتال في مدن غزة ومخيمات اللاجئين المكتظة حربا حضرية عنيفة ودموية، يعتمد الاحتلال خلالها على نهج "التطهير، الصمود، البناء"، وهو ذات الأسلوب الذي اتبعته الولايات المتحدة في حروبها في أفغانستان والعراق. ويبدأ الأمر مع مرحلة "التطهير"، وخلالها تجري القوات -بشكل منهجي- مسحا شاملا لكل منطقة عمليات، بما في ذلك استكمال المحاولات (التي فشلت سابقا) للسيطرة على كل الطرق والتخلص من الأنفاق. ويرتبط مصطلح "التطهير" في الأدبيات العسكرية بسمعة سيئة، لأنه يقترن غالبا مع عمليات القتل الواسعة والطرد الجماعي للسكان بحجة وجود عناصر "إرهابية" بينهم. ويُنتظر أن يشمل "التطهير" المخطط له في غزة قصفا جويا واسع النطاق، واجتياحا بريا، لينتهي تهجير أكثر من مليون مدني من الشمال. بعد السيطرة على الأرض، تأتي المرحلة التالية "الصمود" وتعني التمركز فيها والدفاع عنها ضد الهجمات المضادة، ويشمل ذلك بناء نقاط تمركز، وتنظيم الدوريات، والسيطرة الأمنية الكاملة، ويتطلب هذا نشر عدد كبير من المشاة لتأمين الشوارع وأسطح المنازل والأزقة، بالإضافة إلى معدات مراقبة لرصد أي نشاط مقاوم مضاد. وكما هو واضح، تتطلب هذه المرحلة تكاليف ضخمة من القوات، والذخائر، والبنية التحتية العسكرية، وتتزايد هذه التكلفة كلما زاد زمان الاحتلال أو الفترة التي تبقى فيها إسرائيل سيطرتها على الأرض. أما اصطلاح البناء فيعني إعادة الإعمار وتأسيس حكم مدني جديد وضمان استقرار سلطة الاحتلال الجديدة لمدة طويلة. خلال تلك المواجهة، سوف يستخدم جيش الاحتلال مركباته المدرعة وأدواته الهندسية للقتال في المناطق الحضرية، وستقود دبابات القتال الرئيسية (ميركافا 4) وناقلات الجند المدرعة الثقيلة (نمر) التقدم، لتجوب الطرق الرئيسية، موفرة غطاء متحركا للمشاة، مع العشرات من الجرافات المدرعة لإعادة تشكيل ساحة المعركة الحضرية بدفع السيارات والأنقاض وحتى المباني بأكملها جانبا. بالتزامن مع ذلك، ينشب قتال من منزل إلى منزل في التجمعات الحضرية الضيقة ومخيمات اللاجئين، عبر تقنيات قتال عن قرب واختراق ثغرات في الجدران بين المباني للتحرك داخليا بدلا من التحرك عبر الشوارع التي يعتبر المرور خلالها أخطر شيء على الإطلاق لجنود جيش الاحتلال، حيث كان مقاتلو القسام دائما في انتظار أي تحرك، مختبئين هنا أو هناك ببندقية قناصة أو ربما لغموا الشارع نفسه. باختصار، سوف تتبع إسرائيل إستراتيجية شاملة في المناطق الحضرية في غزة شاملة، تتضمن استخدام قوة نيران كثيفة مشتركة، ومسح للأنفاق والمباني. كما يتوقع أن تستخدم دولة الاحتلال كل أصول الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المتاحة لها، إذ تستخدم مسيرات استطلاع عالية الارتفاع (مثل هيرميس 900) وحتى صور الأقمار الصناعية لرسم خرائط التضاريس ومراقبة التحركات. رد فعل المقاومة كيف ستواجه المقاومة كل هذا؟ كما هو الحالي في حروب التحرر أيضا، فإن الأرض والتضاريس هي صديقة المقاوم الأول، بها يحتمي ويختبئ وعبرها ينصب الكمائن ويهاجم ويباغت. وخلال الأشهر الفائتة للحرب، زرع مقاتلو المقاومة ألغاما كثيفة في الطرق التي تمر بها قوات جيش الاحتلال، ودمروا المركبات المدرعة الإسرائيلية بصواريخ مضادة للدبابات، ومن المرجح الآن أن يكون هناك مستوى مماثل من الدفاع التكتيكي خلال هذا الفصل المرتقب من المواجهة. وتمتلك كتائب القسام العديد من الأسلحة الموجهة التي يمكنها تدمير الدبابات إذا أصابت نقاط ضعف، ويتم استخدام هذه الأسلحة من أسطح المنازل أو الطوابق العليا ضد المدرعات الإسرائيلية، ومن المتوقع أيضا أن تستخدم كتائب القسام جنبا إلى جنب مع فصائل المقاومة الأخرى فرق القناصة لإبطاء تقدم المشاة، أو المركبات المفخخة ضد الأرتال المتقدمة، بالإضافة إلى إطلاق قذائف الهاون والصواريخ لضرب مواقع التجمع لقوات جيش الاحتلال. ومن المرجح كذلك أن تُركز إستراتيجية فصائل المقاومة في ساحة المعركة على الكمائن، والتي تتضمن السماح لقوات جيش الاحتلال بدخول منطقة ما ثم الهجوم من جوانب متعددة أو من أنفاق في الخلف، ومن التكتيكات المخيفة للإسرائيليين بشكل خاص التسلل عبر الأنفاق، حيث يمكن لمقاتلي المقاومة الظهور فجأة من فتحات أنفاق مخفية خلف الخطوط الإسرائيلية لمهاجمة قوافل الإمدادات أو الوحدات المعزولة. وتتميز المقاومة بقدرتها العالية على القتال في البيئة الحضرية، مما يعقد العمليات الإسرائيلية ويبطئ تقدمها، وهي تخوض حاليا ما يشبه "حرب عصابات" تشبه ما واجهته أميركا في الفلوجة أو الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وفي هذا النوع من الحروب؛ كل منزل، وكل شارع، قد يكون فخا، والأنفاق قد تمتد إلى خلف خطوط الجيش الإسرائيلي ، وهذا يعني أن القتال ليس في الجهة الأمامية فقط، ولكن عند أي نقطة على محيط وجود القوات والمعدات. وفي الحروب المشابهة السابقة، كانت النتيجة معارك طويلة، ومكلفة، وبلا نصر حاسم، لأن المقاومة ليست كيانا هرميا يمكن تقويضه عبر استهداف قادته أو بعض وحداته، بل هي منظومة شبكية تختلف طريقة عملها عن الجيوش التقليدية، ومع الضغط تتحول إلى مجموعات صغيرة منفردة يمكنها تنفيذ عمليات لا مركزية، مثل هجمات الكر والفر والكمائن المعقدة متعددة الأهداف واستخدام العبوات الناسفة التي يسهل نسبيا تصنيعها محليا. وفي النهاية؛ جنود المقاومة يعرفون ظاهر الأرض وباطنها، كما أن لديهم هدف آخر من هذه المعارك، وهذا الهدف لا يتمثل بالنصر الحاسم كما تريد إسرائيل، بل بجعل الغزو مكلفا ومؤلما ومستنزفا، بما قد يتسبب في مقتل المئات من جنود الاحتلال كما يتوقع عدد من المحللين الإسرائيليين نظرا لحجم القتال المتوقع. لمَ تعد مغامرة خطيرة؟ مؤخرا، نشرت شبكة "إن بي سي" صورا التقطتها أقمار صناعية تجارية تظهر حشدا للمركبات العسكرية الإسرائيلية على حافة الشريط الساحلي، ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ذلك قد يعني هجوما بريا جديدا ووشيكا. وبالتزامن، بدأت المناشدات الدولية لإسرائيل للتراجع عن تلك الخطة الدموية، بمن في ذلك حلفاء إسرائيل -مثل أستراليا وبريطانيا – الذين سارعوا إلى إدانة الخطة، بينما أعلنت ألمانيا أنها ستوقف تصدير المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في غزة. وداخليا يبدو أن الخطة لا تحظى بإجماع أيضا، حيث عارض كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين السابقين والسياسيين المعارضين الخطة، محذرين من ورطة عسكرية. حيث ندد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد بخطوة الحكومة وقال إنها "كارثة ستؤدي إلى كوارث أخرى كثيرة"، بما في ذلك "مقتل الرهائن" وفق وصفه، بالإضافة إلى تكلفة تقدر بعشرات المليارات. هذه المعارضة لها أسبابها المهمة الوجيهة من الناحية البراغماتية البحتة، فالعملية الجديدة ليست إلا مد للخطوط على استقامتها لسائر الخطط الإسرائيلية التي فشلت في تحقيق أهدافها بما في ذلك الغزو البري في بداية الحرب. فغزة ليست مجرد رقعة جغرافية منبسطة وخاوية، بل هي منطقة شديدة الكثافة السكانية، ومليئة بالأنفاق والبنى التحتية. ودخول جيش إلى مثل هذا المكان بغرض "تطهيره" و"إعادة تشكيل" نظام الحكم فيه كما يقول الاحتلال؛ يُعد من أعقد العمليات التي يمكن أن يخوضها أي جيش، وهي عمليات لم تنجح سابقا بشكل حاسم حتى تنجح اليوم. أما المدنيون، فليسوا قادرين جميعا على النزوح، خاصة المرضى والمسنين والنساء، وخاصة وسط منطقة تعرضت للتدمير والقصف اليومي الممنهج لمدار ما يقرب من عامين. كما أن الهجوم سيجري على مدينة تضم مئات الآلاف ممن لم ولن يغادروا، وبالتالي فحجم القوة النارية المستخدمة سيؤدي حتما إلى مجازر، فما تعلمناه بوضوح خلال أشهر مضت، هو أن إسرائيل تخوض حرب إبادة وتتفنن في ممارسة هذه الإبادة. وحتى على مستوى الأهداف السياسية، من الواضح أن حكومة الاحتلال تكرر إطلاق نفس الأهداف ولكن من دون مسار أو خطة واضحة لتحقيقها. وتزعم إسرائيل أن أحد أهدافها هو تحرير الأسرى المحتجزين لدى حماس، لكن الاقتحام الكامل يزيد احتمال موتهم كما حصل من قبل، أي أن العمل العسكري قد يُفشل الغاية السياسية المعلنة التي صمم لتحقيقها. الخلاصة أن الخطة الإسرائيلية تعِد -كما وعدت من قبل أكثر من مرة- بالنصر الحاسم لكن من دون تعريف واضح لهذا النصر أو طريق محدد لتحقيقه. إنها ببساطة وصفة مثالية لتحقيق المزيد مما تبرع إسرائيل في تحقيقه: التجويع والقتل والإبادة. وبالنسبة لجيش الاحتلال نفسه، فهي وصفة لاستنزاف المزيد من طاقته في حرب لا نهاية لها ولا هدف، وإعادة العشرات -وربما المئات- من جنوده في توابيت.