
سراب "حزب أمريكا": هل ينجح إيلون ماسك في كسر لعنة الثنائية الحزبية؟
ألطاف موتي
(كاتب باكستاني باحث سياسي واقتصادي)
لقد غاص إيلون ماسك، الرجل الأكثر ثراءً في العالم، في مياه السياسة الأمريكية العميقة أكثر من أي وقت مضى. وبانتقاداته الموجهة لكلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، أثار موجة من التكهنات حول إمكانية تأسيسه لحزب سياسي خاص به. ورغم أن فكرة قيام 'حزب أمريكا' بقيادة ماسك تبدو مثيرة، إلا أنها تظل في عالم الافتراض حتى الآن. ومع ذلك، فإن هذا الجدل يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن لشخصية تملك ثروة ماسك ونفوذه أن تنجح حيث فشلت كل الأحزاب الثالثة الأخرى في التاريخ الأمريكي الحديث؟ وكيف سيكون رد فعل القوى السياسية القائمة، وعلى رأسها شخصية مثل دونالد ترامب، على هذا التغيير الجذري المحتمل؟
مقبرة الأحزاب الثالثة:
بالنسبة لأي طرف يسعى لتأسيس حزب جديد، يُعد النظام السياسي الأمريكي بيئة شديدة الصعوبة. فعلى مدار أكثر من 150 عامًا، أحكم الحزبان الديمقراطي والجمهوري قبضتهما على السلطة، وخلقا نظامًا حزبيًا ثنائيًا يمتلك قدرة هائلة على مقاومة أي منافس جديد. هذه الهيمنة ليست وليدة الصدفة، بل هي متجذرة في صميم قواعد الانتخابات الأمريكية.
العقبة الكبرى تتمثل في نظام 'الفائز يأخذ كل شيء'. ففي جميع الانتخابات تقريبًا، المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات، حتى لو كانت بسيطة، يفوز بكل شيء، ولا توجد أي جائزة للمركزين الثاني أو الثالث. هذا النظام يضر بطبيعته الأحزاب الصغيرة. ونتيجة لذلك، يشعر الناخبون غالبًا أن التصويت لحزب ثالث هو 'صوت ضائع'، ويخشون من أن يساعد ذلك بطريق غير مباشر المرشح الرئيسي الذي يكرهونه على الفوز. هذا الخوف، المعروف بـ 'تأثير المُفسِد'، يشكل حاجزًا نفسيًا قويًا يمنع الأحزاب الجديدة من حشد الدعم اللازم.
علاوة على ذلك، فإن التحديات العملية هائلة. فمجرد إدراج اسم حزب جديد على بطاقات الاقتراع في الولايات الخمسين جميعها هو أمر معقد ومكلف للغاية. لقد وضع الحزبان الرئيسيان قواعد تحمي مكانتهما وتصعّب المهمة على الوافدين الجدد. كما أنهما يمتلكان شبكات ضخمة لجمع التبرعات، وهو أمر يصعب على أي حزب جديد مجاراته.
لماذا قد يكون ماسك مختلفًا؟
وهنا تبرز فكرة 'حزب ماسك' لتصبح مثيرة للاهتمام. فإذا كان هناك شخص قادر على تحدي هذه العقبات التاريخية، فقد يكون هو إيلون ماسك. فهو يتمتع بمزايا فريدة لم يمتلكها أي زعيم لحزب ثالث من قبل.
أولاً، ثروته الطائلة. ماسك هو أحد أغنى أغنياء العالم، وبإمكانه تمويل حملة انتخابية وطنية بالكامل من ماله الخاص، دون الحاجة لطلب تبرعات من أي جهة. وهذا سيسمح له بتقديم مرشحين وإطلاق حملات إعلانية في كل مكان، متحررًا من تأثير جماعات المصالح.
ثانيًا، قناته المباشرة للتواصل مع الجمهور. بصفته مالكًا لمنصة 'إكس' (تويتر سابقًا)، يمتلك ماسك منبرًا يخاطب من خلاله مئات الملايين من الأشخاص مباشرة وفي أي وقت. يمكنه التحكم في رسالته، ولا يحتاج إلى الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية لنقل أفكاره. هذه أداة قوية لتشكيل الرأي العام والرد على الهجمات.
ثالثًا، صورته العامة. يُعرف ماسك بكونه شخصية قادرة على حل المشاكل وصاحب أفكار كبرى، بدءًا من سيارات 'تيسلا' الكهربائية ووصولًا إلى حلم استعمار المريخ مع 'سبيس إكس'. لقد سئم الكثير من الناس من السياسيين التقليديين، وقد تبدو لهم شخصية ماسك، كرجل أعمال ناجح من خارج المؤسسة السياسية، جذابة للغاية. إن برنامجًا سياسيًا قائمًا على أفكار جديدة ومنطق سليم قد يروق للعديد من الناخبين في الوسط السياسي الذين يشعرون بأن الحزبين الكبيرين قد أهملاهم.
عامل ترامب: صدام القوى
مع ذلك، لو حاول ماسك بالفعل تأسيس حزب جديد، فإنه سيواجه معارضة شرسة. والتحدي الأكبر سيأتي من دونالد ترامب. فالعلاقة بين الرجلين معقدة، وتتأرجح بين المديح المتبادل والخلافات العلنية.
إن أي معركة سياسية بينهما ستكون حدثًا استثنائيًا. فترامب يمتلك وسائل عدة لإلحاق الضرر بإيلون ماسك. وبصفته خبيرًا في الهجمات السياسية، يمكن لترامب أن يستخدم منبره لتحويل الرأي العام ضد ماسك، واصفًا إياه بالملياردير النخبوي المنفصل عن الواقع. والأهم من ذلك، أن ترامب يمتلك سلطة قد تؤثر بشكل مباشر على أعمال ماسك التجارية.
فشركتا ماسك، 'تيسلا' و'سبيس إكس'، ترتبطان بعلاقات عميقة مع الحكومة. لقد استفادت 'تيسلا' من السياسات الحكومية الداعمة، بينما تعتمد 'سبيس إكس' على عقود ضخمة مع وكالة 'ناسا' والجيش الأمريكي. إن وجود رئيس يرى في ماسك خصمًا سياسيًا يمكن أن يخلق مشاكل خطيرة لهذه الشركات عبر فرض قوانين جديدة، أو فتح تحقيقات، أو التهديد بإلغاء هذه العقود الحيوية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حزبًا بقيادة ماسك قد يشكل تهديدًا مباشرًا لقاعدة ترامب الانتخابية. فكلا الرجلين يجذبان الناخبين الذين سئموا من الطبقة السياسية الحاكمة ويريدون قائدًا قويًا. وبالتالي، فإن ترشح ماسك قد يسحب شريحة مهمة من مؤيدي ترامب. ولهذا السبب، سيكون لدى ترامب دافع قوي لمحاولة إيقاف أي مشروع سياسي لماسك قبل أن يبدأ.
معركة شاقة ضد التاريخ
في نهاية المطاف، وحتى مع كل المزايا التي يمتلكها، سيواجه ماسك معركة شاقة للغاية. فالثروة والشهرة لا تكفيان لبناء حزب سياسي ناجح. فالحزب يحتاج إلى أهداف واضحة توحد ملايين الناخبين المختلفين، كما يحتاج إلى فرق منظمة تعمل في كل ولاية ومجتمع، وهو أمر يستغرق سنوات لبنائه.
كما أن سلوك ماسك العام قد يكون أكبر عائق أمامه. فميله إلى الإدلاء بتصريحات متهورة والدخول في معارك على الإنترنت قد ينفّر الناخبين المعتدلين الذين يحتاج إلى كسب ودهم. وفي حين يرى أنصاره أن هذا الأسلوب يعبر عن الأصالة، قد يراه آخرون متقلبًا لدرجة لا تسمح له بتولي منصب الرئاسة.
ختامًا، على الرغم من أن فكرة تأسيس حزب بقيادة ماسك تبدو رائعة، إلا أنها على الأرجح لن تتحقق قريبًا. فالنظام السياسي الأمريكي مصمم ليبقى ثنائيًا، والتحديات أمامه هائلة. لكن اهتمام الرأي العام بهذه الفكرة بحد ذاته يكشف أن الكثير من الناس غير راضين عن الخيارات المتاحة، ويتوقون إلى بديل جديد. وهذا يثبت أن الأمريكيين مستعدون للنظر في خيارات جريئة، حتى لو كان تغيير النظام نفسه مهمة شبه مستحيلة.
إيطاليا تلغراف
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 11 ساعات
- إيطاليا تلغراف
سراب "حزب أمريكا": هل ينجح إيلون ماسك في كسر لعنة الثنائية الحزبية؟
إيطاليا تلغراف ألطاف موتي (كاتب باكستاني باحث سياسي واقتصادي) لقد غاص إيلون ماسك، الرجل الأكثر ثراءً في العالم، في مياه السياسة الأمريكية العميقة أكثر من أي وقت مضى. وبانتقاداته الموجهة لكلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، أثار موجة من التكهنات حول إمكانية تأسيسه لحزب سياسي خاص به. ورغم أن فكرة قيام 'حزب أمريكا' بقيادة ماسك تبدو مثيرة، إلا أنها تظل في عالم الافتراض حتى الآن. ومع ذلك، فإن هذا الجدل يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن لشخصية تملك ثروة ماسك ونفوذه أن تنجح حيث فشلت كل الأحزاب الثالثة الأخرى في التاريخ الأمريكي الحديث؟ وكيف سيكون رد فعل القوى السياسية القائمة، وعلى رأسها شخصية مثل دونالد ترامب، على هذا التغيير الجذري المحتمل؟ مقبرة الأحزاب الثالثة: بالنسبة لأي طرف يسعى لتأسيس حزب جديد، يُعد النظام السياسي الأمريكي بيئة شديدة الصعوبة. فعلى مدار أكثر من 150 عامًا، أحكم الحزبان الديمقراطي والجمهوري قبضتهما على السلطة، وخلقا نظامًا حزبيًا ثنائيًا يمتلك قدرة هائلة على مقاومة أي منافس جديد. هذه الهيمنة ليست وليدة الصدفة، بل هي متجذرة في صميم قواعد الانتخابات الأمريكية. العقبة الكبرى تتمثل في نظام 'الفائز يأخذ كل شيء'. ففي جميع الانتخابات تقريبًا، المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات، حتى لو كانت بسيطة، يفوز بكل شيء، ولا توجد أي جائزة للمركزين الثاني أو الثالث. هذا النظام يضر بطبيعته الأحزاب الصغيرة. ونتيجة لذلك، يشعر الناخبون غالبًا أن التصويت لحزب ثالث هو 'صوت ضائع'، ويخشون من أن يساعد ذلك بطريق غير مباشر المرشح الرئيسي الذي يكرهونه على الفوز. هذا الخوف، المعروف بـ 'تأثير المُفسِد'، يشكل حاجزًا نفسيًا قويًا يمنع الأحزاب الجديدة من حشد الدعم اللازم. علاوة على ذلك، فإن التحديات العملية هائلة. فمجرد إدراج اسم حزب جديد على بطاقات الاقتراع في الولايات الخمسين جميعها هو أمر معقد ومكلف للغاية. لقد وضع الحزبان الرئيسيان قواعد تحمي مكانتهما وتصعّب المهمة على الوافدين الجدد. كما أنهما يمتلكان شبكات ضخمة لجمع التبرعات، وهو أمر يصعب على أي حزب جديد مجاراته. لماذا قد يكون ماسك مختلفًا؟ وهنا تبرز فكرة 'حزب ماسك' لتصبح مثيرة للاهتمام. فإذا كان هناك شخص قادر على تحدي هذه العقبات التاريخية، فقد يكون هو إيلون ماسك. فهو يتمتع بمزايا فريدة لم يمتلكها أي زعيم لحزب ثالث من قبل. أولاً، ثروته الطائلة. ماسك هو أحد أغنى أغنياء العالم، وبإمكانه تمويل حملة انتخابية وطنية بالكامل من ماله الخاص، دون الحاجة لطلب تبرعات من أي جهة. وهذا سيسمح له بتقديم مرشحين وإطلاق حملات إعلانية في كل مكان، متحررًا من تأثير جماعات المصالح. ثانيًا، قناته المباشرة للتواصل مع الجمهور. بصفته مالكًا لمنصة 'إكس' (تويتر سابقًا)، يمتلك ماسك منبرًا يخاطب من خلاله مئات الملايين من الأشخاص مباشرة وفي أي وقت. يمكنه التحكم في رسالته، ولا يحتاج إلى الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية لنقل أفكاره. هذه أداة قوية لتشكيل الرأي العام والرد على الهجمات. ثالثًا، صورته العامة. يُعرف ماسك بكونه شخصية قادرة على حل المشاكل وصاحب أفكار كبرى، بدءًا من سيارات 'تيسلا' الكهربائية ووصولًا إلى حلم استعمار المريخ مع 'سبيس إكس'. لقد سئم الكثير من الناس من السياسيين التقليديين، وقد تبدو لهم شخصية ماسك، كرجل أعمال ناجح من خارج المؤسسة السياسية، جذابة للغاية. إن برنامجًا سياسيًا قائمًا على أفكار جديدة ومنطق سليم قد يروق للعديد من الناخبين في الوسط السياسي الذين يشعرون بأن الحزبين الكبيرين قد أهملاهم. عامل ترامب: صدام القوى مع ذلك، لو حاول ماسك بالفعل تأسيس حزب جديد، فإنه سيواجه معارضة شرسة. والتحدي الأكبر سيأتي من دونالد ترامب. فالعلاقة بين الرجلين معقدة، وتتأرجح بين المديح المتبادل والخلافات العلنية. إن أي معركة سياسية بينهما ستكون حدثًا استثنائيًا. فترامب يمتلك وسائل عدة لإلحاق الضرر بإيلون ماسك. وبصفته خبيرًا في الهجمات السياسية، يمكن لترامب أن يستخدم منبره لتحويل الرأي العام ضد ماسك، واصفًا إياه بالملياردير النخبوي المنفصل عن الواقع. والأهم من ذلك، أن ترامب يمتلك سلطة قد تؤثر بشكل مباشر على أعمال ماسك التجارية. فشركتا ماسك، 'تيسلا' و'سبيس إكس'، ترتبطان بعلاقات عميقة مع الحكومة. لقد استفادت 'تيسلا' من السياسات الحكومية الداعمة، بينما تعتمد 'سبيس إكس' على عقود ضخمة مع وكالة 'ناسا' والجيش الأمريكي. إن وجود رئيس يرى في ماسك خصمًا سياسيًا يمكن أن يخلق مشاكل خطيرة لهذه الشركات عبر فرض قوانين جديدة، أو فتح تحقيقات، أو التهديد بإلغاء هذه العقود الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن حزبًا بقيادة ماسك قد يشكل تهديدًا مباشرًا لقاعدة ترامب الانتخابية. فكلا الرجلين يجذبان الناخبين الذين سئموا من الطبقة السياسية الحاكمة ويريدون قائدًا قويًا. وبالتالي، فإن ترشح ماسك قد يسحب شريحة مهمة من مؤيدي ترامب. ولهذا السبب، سيكون لدى ترامب دافع قوي لمحاولة إيقاف أي مشروع سياسي لماسك قبل أن يبدأ. معركة شاقة ضد التاريخ في نهاية المطاف، وحتى مع كل المزايا التي يمتلكها، سيواجه ماسك معركة شاقة للغاية. فالثروة والشهرة لا تكفيان لبناء حزب سياسي ناجح. فالحزب يحتاج إلى أهداف واضحة توحد ملايين الناخبين المختلفين، كما يحتاج إلى فرق منظمة تعمل في كل ولاية ومجتمع، وهو أمر يستغرق سنوات لبنائه. كما أن سلوك ماسك العام قد يكون أكبر عائق أمامه. فميله إلى الإدلاء بتصريحات متهورة والدخول في معارك على الإنترنت قد ينفّر الناخبين المعتدلين الذين يحتاج إلى كسب ودهم. وفي حين يرى أنصاره أن هذا الأسلوب يعبر عن الأصالة، قد يراه آخرون متقلبًا لدرجة لا تسمح له بتولي منصب الرئاسة. ختامًا، على الرغم من أن فكرة تأسيس حزب بقيادة ماسك تبدو رائعة، إلا أنها على الأرجح لن تتحقق قريبًا. فالنظام السياسي الأمريكي مصمم ليبقى ثنائيًا، والتحديات أمامه هائلة. لكن اهتمام الرأي العام بهذه الفكرة بحد ذاته يكشف أن الكثير من الناس غير راضين عن الخيارات المتاحة، ويتوقون إلى بديل جديد. وهذا يثبت أن الأمريكيين مستعدون للنظر في خيارات جريئة، حتى لو كان تغيير النظام نفسه مهمة شبه مستحيلة. إيطاليا تلغراف الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


إيطاليا تلغراف
منذ 7 أيام
- إيطاليا تلغراف
فرنسا تُصعّد ضد منصة "إكس": صدام بين سيادة الدولة وحرية التعبير الرقمية
إيطاليا تلغراف عبد الله مشنون كاتب وصحفي مقيم بايطاليا في خطوة مفاجئة تعكس تحوّلات خطيرة في علاقة الحكومات بشركات التكنولوجيا العالمية، صعّدت السلطات الفرنسية لهجتها تجاه منصة 'إكس' (تويتر سابقًا)، وهدّدت باعتقال كبار مديريها، بمن فيهم المالك المثير للجدل إيلون ماسك. هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق متوتر تُعيد فيه فرنسا، ومعها عدد من الدول الأوروبية، رسم حدود السلطة الرقمية ومفاهيم حرية التعبير على الإنترنت. السلطات الفرنسية فتحت تحقيقًا جنائيًا يُعتقد أنه يستهدف خوارزميات المنصة وآليات التوصية فيها، متهمةً إياها بالمساهمة في نشر محتوى تحريضي، وتسهيل تداول ما تسميه 'خطابات الكراهية'. غير أن إدارة 'إكس' اعتبرت هذه الاتهامات سياسية في جوهرها، وتحمل طابعًا انتقاميًا بسبب مواقف المنصة التي تتسم بقدر عالٍ من الانفتاح على المحتوى والتنوع في الآراء، بما في ذلك تلك التي تزعج الحكومات. سيطرة الدولة على الفضاء الرقمي: فرنسا، شأنها شأن العديد من الحكومات الغربية، تسعى للحد من النفوذ المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تُدار من خارج أوروبا ولا تخضع للرقابة التقليدية. وهذا الصدام يعكس محاولة للتمسك بالسيادة الرقمية. الهواجس الأمنية والسياسية: ما بعد هجمات سابقة واحتجاجات داخلية، أصبحت السلطات أكثر تشددًا تجاه المنصات التي لا تُبدي مرونة كاملة في الاستجابة لطلبات الحذف أو تسليم البيانات. في هذا السياق، يُنظر إلى 'إكس' كمنصة أقل امتثالًا من غيرها. إيلون ماسك وعلاقته المتوترة بالمؤسسات: منذ استحواذه على المنصة، أعاد ماسك تشكيل سياساتها التحريرية، فأنهى الرقابة الواسعة، وفتح المجال أمام ما يسميه 'حرية التعبير القصوى'، وهو ما لم يُرضِ كثيرًا من الجهات الرسمية في الغرب. المسألة إذن لم تعد فقط حول محتوى، بل حول فلسفة إدارة المنصات وحق الحكومات في التأثير عليها. الخطير في هذا التطور هو أن التهديد لم يقتصر على غرامات أو حجب جزئي، بل تعداه إلى تهديد مباشر باعتقال المسؤولين التنفيذيين، ما يفتح الباب أمام مواجهة قانونية ودستورية غير مسبوقة بين شركة عالمية ودولة أوروبية كبرى. في الخلفية، يدور نقاش أكبر: هل من حق الدول أن تفرض وصايتها على محتوى منصات تكنولوجية ذات طابع كوني؟ وهل يُعقل أن تتحول حماية المستخدمين إلى ذريعة لفرض رقابة سياسية موجهة؟ مستقبل العلاقة بين 'إكس' والحكومات الأوروبية سيكون مرآة لما ينتظر بقية المنصات، وخصوصًا إذا ثبت أن التصعيد الفرنسي يُخفي رغبة في التحكم بالخط التحريري لمواقع التواصل، خصوصًا مع تزايد تأثيرها على الرأي العام، بل وعلى نتائج الانتخابات أيضًا. الحرية الرقمية اليوم في اختبار صعب. وإذا لم تُرسم الحدود بوضوح بين حماية المجتمع من خطاب الكراهية، وبين كتم الأصوات المخالفة، فقد نجد أنفسنا أمام موجة جديدة من 'القمع المقنّع'، عنوانها الأمن، ووسيلتها القوانين، وضحيتها حرية الرأي. إيطاليا تلغراف


خبر للأنباء
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- خبر للأنباء
الجيش الإسرائيلي يعلن قصف أهداف حوثية في ميناء الحديدة غرب اليمن
أعلن جيش العدو الإسرائيلي، الاثنين، تنفيذه ضربات جوية استهدفت مواقع تابعة لمليشيا الحوثي في ميناء الحديدة على البحر الأحمر، في تصعيد جديد ضمن المواجهة البحرية المستمرة بين الجانبين. وقال الجيش الإسرائيلي، عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، إنه قصف "أهدافًا عسكرية تابعة للنظام الحوثي الإرهابي"، في الميناء الاستراتيجي، مضيفًا أن العملية شملت استهداف مركبات هندسية، وحاويات وقود، وقطع بحرية، إلى جانب "أسلحة مهربة من إيران". في المقابل، أقرت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي، بوقوع الضربات، مشيرة إلى "سلسلة غارات شنها طيران العدو الإسرائيلي على ميناء الحديدة"، دون أن تقدم تفاصيل إضافية عن حجم الخسائر أو طبيعة المواقع المستهدفة.