
بالصور الطِّفلة "مسك" عنوان لمجاعة غزَّة المنسيَّة
بيديها الصغيرتين، تقطع الطفلة شهد المدهون (13 عامًا) قطعًا من الخبز المحشو بالجبن الأبيض، وتضعها بحذر في فم شقيقتها "مسك" ذات الستة أعوام، التي بالكاد تقدر على فتح فمها من شدة الهزال.
في غرفة باردة، حيث لا يوجد غذاء كافٍ ولا دواء متاح، تحاول تالا، الأخت الأخرى، أن ترفّه عن "مسك" الممددة على سرير حديدي، علّها تخفف عنها الألم، بينما لا يتجاوز وزن "مسك" 4 كيلوجرامات - وزن طفل حديث الولادة لا لطفلة تجاوزت عامها السادس-.
يُرسم على وجه "مسك" شبه ابتسامة مع كل لقمة تضعها "شهد" في فمها، قبل أن تقول لمراسل صحيفة "فلسطين": "أختي جائعة جدًا.. ولا نجد طعامًا أو دواء لها، كل شيء مفقود منذ بدأت الحرب، ولا نعرف إن كانت ستبقى على قيد الحياة.
شهد وتالا، تخشيان أن تفقدا شقيقتهما جوعًا، في ظل انعدام الدواء والغذاء، خاصة بعد أن أصبحت المستشفيات خارج الخدمة، بفعل الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
علاج مفقود
وإلى جوارهن، يجلس الوالد، بلال المدهون (36 عامًا)، وقد بدا عليه التعب والانكسار، ويقول لصحيفة "فلسطين": "مسك تعاني من ضمور في المخيخ، وكانت تتلقى علاجًا في مستشفى المقاصد بالقدس، ثم في مصر، كنا نرى تحسنًا ملحوظًا، وبدأت تنطق بابا وماما لأول مرة، ولكن الحرب قلبت كل شيء".
ومنذ بدء العدوان، اضطر "بلال" للنزوح مع أسرته من شمال القطاع إلى جنوبه، متنقلًا أكثر من مرة هربًا من القصف، ومع تدهور الأوضاع، توقفت رحلة علاج "مسك" فاختفت الأدوية، وغابت الفيتامينات، ولم تعد هناك مستشفيات تستقبل المرضى.
ويتابع بحزن: "بحثت في كل مكان، كل مركز صحي أو مستشفى، وكل صيدلية جنوب القطاع بلا جدوى، فالدواء غير موجود، والطعام المناسب لحالتها الصحية غير متاح، نحن فقط نحاول أن نبقيها حية بفتات الخبز، وبعض ما نجده من الجبن أو الأرز إن توفر".
ويحكي المدهون، عن حجم المأساة التي تعيشها عائلته المكونة من سبعة أفراد، خاصة بعد أن استشهدت ابنته "زينة" (8 سنوات) في 22 يونيو الماضي، إثر انهيار جدران المنزل عليها جراء قصف عنيف استهدف حيهم السكني.
ويردف الأب بحزن: "فقدت زينة، وأخشى أن أفقد مسك، العالم يرى ويسمع، ولكن لا أحد يتحرك، فما نطالبه فقط السماح بسفر "مسك" لتتلقى العلاج قبل أن ندفنها كما دفنّا أختها".
قطاع يحتضر
وكانت وزارة الصحة في القطاع، أعلنت الأحد، أنه خلال 24 ساعة، تم تسجيل خمس وفيات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية، من بينهم طفلان، ليرتفع عدد ضحايا المجاعة منذ بدء الحرب إلى 217 شهيدًا، بينهم 100 طفل.
يعكس هذا الرقم حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع، حيث يعيش السكان أوضاعًا غير إنسانية في ظل استمرار الحصار، وغياب أي ممرات آمنة لإدخال المساعدات أو لإجلاء المرضى.
ومنذ 2 مارس/ آذار 2024، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية، بما فيها الغذاء والدواء، رغم تكدس آلاف الشاحنات على الحدود، تُسمح أحيانًا بدخول كميات محدودة، لا تكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجات 2.3 مليون نسمة.
ويعاني الوضع الصحي في غزة من انهيار كامل فمعظم المستشفيات خارج الخدمة، والمراكز الصحية عاجزة عن تقديم أي نوع من الرعاية، لا لمرضى القلب ولا لمرضى السرطان أو الأطفال.
وفي تقريرها الأخير، وصفت منظمة الصحة العالمية الحالة في غزة بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في القرن"، مؤكدة أن "الجوع يُستخدم كسلاح حرب".
وتعد الطفلة "مسك" واحدة من آلاف الأطفال الذين يواجهون الموت جوعًا، ليس بسبب قلة الإمكانيات فقط، بل بسبب سياسات ممنهجة لمنع دخول الغذاء والدواء، في ظل صمت دولي مخزٍ، وتخاذل من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان والطفولة.
ويناشد المدهون: "نطالب بحق ابنتنا بالحياة، نريد فقط أن نخرجها لتتلقى العلاج، لا نريد لها أن تكون رقماً جديدًا يُضاف إلى قائمة شهداء المجاعة".
في قطاع غزة، لا تتوقف الحياة فقط عند انقطاع الكهرباء أو هدم البيوت، بل تتوقف أنفاس الأطفال على قطعة خبز، أو حقنة دواء مفقودة.
"مسك" ليست مجرد طفلة، بل هي مرآة لحصار طويل وحرب قاسية ومجاعة تُخنق بها الطفولة يومًا بعد يوم.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 12 ساعات
- معا الاخبارية
الصحة العالمية: نفاد الأدوية والوضع الصحي في غزة كارثي
بيت لحم معا- حذر ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، في تصريح لصحيفة الغارديان، من أن الوضع الصحي في قطاع غزة بلغ مرحلة كارثية، مشيراً إلى أن أكثر من نصف الأدوية الأساسية قد نفدت من مخازن القطاع. وأوضح أن المنظمة تمكنت من إدخال بعض الإمدادات الطبية، لكنها أقل بكثير مما يحتاجه النظام الصحي المنهك. وأضاف أن الجوع وسوء التغذية ما زالا يفتكان بسكان غزة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويهدد حياة الآلاف.


فلسطين اليوم
منذ يوم واحد
- فلسطين اليوم
غزة: 5 وفيات بينهم طفلان جراء الجوع وسوء التغذية خلال 24 ساعة
فلسطين اليوم - غزة أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وفاة 5 مواطنين، من بينهم طفلان، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، سجّلتها مستشفيات قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الماضية. وأفادت الوزارة في تصريح صحفي اليوم الثلاثاء، بأن العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 227 شهيدًا، من بينهم 103 أطفال. وكان مجمع ناصر الطبي، أعلن صباح اليوم، وفاة طفل متأثراً بسوء تغذية ناجم عن التجويع الإسرائيلي الممنهج وغياب العلاج والحصار المتواصل. وقال مجمع ناصر الطبي، إنَّ الطفل جمال فادي النجار (6 سنوات) توفي نتيجة المجاعة وسوء التغذية. وبدوره، قال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران، إنَّ أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة في قطاع غزة معرضون لخطر الموت بسبب التجويع وسوء التغذية المتواصل. ومنذ 2 آذار/ مارس 2025 يغلق جيش الاحتلال جميع المعابر مع القطاع، وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع. وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، قد حذرت من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين آذار/مارس وحزيران/يونيو، نتيجة لاستمرار الحصار. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن الحصار المتعمد وتأخير المساعدات تسببا في فقدان أرواح كثيرة، وأن ما يقارب واحدا من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني سوء تغذية حادا.


فلسطين أون لاين
منذ 2 أيام
- فلسطين أون لاين
بالصور الطِّفلة "مسك" عنوان لمجاعة غزَّة المنسيَّة
غزة/ جمال محمد: بيديها الصغيرتين، تقطع الطفلة شهد المدهون (13 عامًا) قطعًا من الخبز المحشو بالجبن الأبيض، وتضعها بحذر في فم شقيقتها "مسك" ذات الستة أعوام، التي بالكاد تقدر على فتح فمها من شدة الهزال. في غرفة باردة، حيث لا يوجد غذاء كافٍ ولا دواء متاح، تحاول تالا، الأخت الأخرى، أن ترفّه عن "مسك" الممددة على سرير حديدي، علّها تخفف عنها الألم، بينما لا يتجاوز وزن "مسك" 4 كيلوجرامات - وزن طفل حديث الولادة لا لطفلة تجاوزت عامها السادس-. يُرسم على وجه "مسك" شبه ابتسامة مع كل لقمة تضعها "شهد" في فمها، قبل أن تقول لمراسل صحيفة "فلسطين": "أختي جائعة جدًا.. ولا نجد طعامًا أو دواء لها، كل شيء مفقود منذ بدأت الحرب، ولا نعرف إن كانت ستبقى على قيد الحياة. شهد وتالا، تخشيان أن تفقدا شقيقتهما جوعًا، في ظل انعدام الدواء والغذاء، خاصة بعد أن أصبحت المستشفيات خارج الخدمة، بفعل الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. علاج مفقود وإلى جوارهن، يجلس الوالد، بلال المدهون (36 عامًا)، وقد بدا عليه التعب والانكسار، ويقول لصحيفة "فلسطين": "مسك تعاني من ضمور في المخيخ، وكانت تتلقى علاجًا في مستشفى المقاصد بالقدس، ثم في مصر، كنا نرى تحسنًا ملحوظًا، وبدأت تنطق بابا وماما لأول مرة، ولكن الحرب قلبت كل شيء". ومنذ بدء العدوان، اضطر "بلال" للنزوح مع أسرته من شمال القطاع إلى جنوبه، متنقلًا أكثر من مرة هربًا من القصف، ومع تدهور الأوضاع، توقفت رحلة علاج "مسك" فاختفت الأدوية، وغابت الفيتامينات، ولم تعد هناك مستشفيات تستقبل المرضى. ويتابع بحزن: "بحثت في كل مكان، كل مركز صحي أو مستشفى، وكل صيدلية جنوب القطاع بلا جدوى، فالدواء غير موجود، والطعام المناسب لحالتها الصحية غير متاح، نحن فقط نحاول أن نبقيها حية بفتات الخبز، وبعض ما نجده من الجبن أو الأرز إن توفر". ويحكي المدهون، عن حجم المأساة التي تعيشها عائلته المكونة من سبعة أفراد، خاصة بعد أن استشهدت ابنته "زينة" (8 سنوات) في 22 يونيو الماضي، إثر انهيار جدران المنزل عليها جراء قصف عنيف استهدف حيهم السكني. ويردف الأب بحزن: "فقدت زينة، وأخشى أن أفقد مسك، العالم يرى ويسمع، ولكن لا أحد يتحرك، فما نطالبه فقط السماح بسفر "مسك" لتتلقى العلاج قبل أن ندفنها كما دفنّا أختها". قطاع يحتضر وكانت وزارة الصحة في القطاع، أعلنت الأحد، أنه خلال 24 ساعة، تم تسجيل خمس وفيات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية، من بينهم طفلان، ليرتفع عدد ضحايا المجاعة منذ بدء الحرب إلى 217 شهيدًا، بينهم 100 طفل. يعكس هذا الرقم حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع، حيث يعيش السكان أوضاعًا غير إنسانية في ظل استمرار الحصار، وغياب أي ممرات آمنة لإدخال المساعدات أو لإجلاء المرضى. ومنذ 2 مارس/ آذار 2024، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية، بما فيها الغذاء والدواء، رغم تكدس آلاف الشاحنات على الحدود، تُسمح أحيانًا بدخول كميات محدودة، لا تكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجات 2.3 مليون نسمة. ويعاني الوضع الصحي في غزة من انهيار كامل فمعظم المستشفيات خارج الخدمة، والمراكز الصحية عاجزة عن تقديم أي نوع من الرعاية، لا لمرضى القلب ولا لمرضى السرطان أو الأطفال. وفي تقريرها الأخير، وصفت منظمة الصحة العالمية الحالة في غزة بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في القرن"، مؤكدة أن "الجوع يُستخدم كسلاح حرب". وتعد الطفلة "مسك" واحدة من آلاف الأطفال الذين يواجهون الموت جوعًا، ليس بسبب قلة الإمكانيات فقط، بل بسبب سياسات ممنهجة لمنع دخول الغذاء والدواء، في ظل صمت دولي مخزٍ، وتخاذل من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان والطفولة. ويناشد المدهون: "نطالب بحق ابنتنا بالحياة، نريد فقط أن نخرجها لتتلقى العلاج، لا نريد لها أن تكون رقماً جديدًا يُضاف إلى قائمة شهداء المجاعة". في قطاع غزة، لا تتوقف الحياة فقط عند انقطاع الكهرباء أو هدم البيوت، بل تتوقف أنفاس الأطفال على قطعة خبز، أو حقنة دواء مفقودة. "مسك" ليست مجرد طفلة، بل هي مرآة لحصار طويل وحرب قاسية ومجاعة تُخنق بها الطفولة يومًا بعد يوم. المصدر / فلسطين أون لاين