
الذكرى الـ35 للغزو العراقي الغاشم.. اعتداء سافر حاول طمس الهوية والوجود
وإزاء هذا العدوان الغاشم سطر الكويتيون منذ اللحظات الأولى أروع صور التلاحم والصلابة الوطنية فوقفوا في الداخل والخارج صفا واحدا خلف قيادتهم الشرعية متمسكين بالحق والسيادة رافضين الخضوع لواقع الاحتلال ومجسدين وحدة وطنية نادرة رسمت ملامح ملحمة تاريخية انتهت بتحرير البلاد وعودة الشرعية في 26 فبراير 1991.
ومع تعنت النظام العراقي السابق وتماديه في طغيانه لجأ إلى سياسة الأرض المحروقة، إذ عمد إلى إحراق 752 بئرا نفطية وتخريب المنشآت الحيوية كما زرع الأرض بالألغام وحفر الخنادق النفطية في محاولة لعرقلة جهود التحرير والتسبب بأكبر ضرر ممكن للبيئة والبنية التحتية الكويتية.
وفي مقابل ذلك أظهرت القيادة السياسية الكويتية آنذاك قدرا عاليا من الحكمة والبصيرة تمثلت في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله إلى جانب الدور التاريخي لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية وكان له بصمات بارزة في حشد التأييد العربي والدولي لقضية الكويت العادلة.
وأمام فظاعة الغزو لم يتأخر المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حازم، إذ أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم (660) الذي أدان العدوان وطالب بانسحاب القوات العراقية فورا ودون قيد أو شرط وتوالت بعده القرارات الأممية الصارمة تحت الفصل السابع ما شكل غطاء قانونيا لتحرير الكويت عبر تحالف دولي واسع النطاق.
وفي ضوء هذه المتغيرات شكلت الجهود الدبلوماسية الكويتية بقيادة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد حجر الأساس في كسب المواقف الدولية المساندة إذ استطاع عبر شبكة علاقاته الممتدة أن يوصل صوت الكويت إلى كل المحافل ويفضح الجريمة بحق السيادة والقانون الدولي ويؤسس لإجماع غير مسبوق على ضرورة إنهاء الاحتلال وإعادة الحق إلى أهله.
وعقب التحرير ثبتت الكويت سياسة خارجية قائمة على التمييز بين النظام العراقي البائد والشعب العراقي الشقيق مؤكدة أنها لا تحمل ضغينة لشعب مغلوب على أمره بل وقفت إلى جانبه إنسانيا وقدمت له الدعم والمساعدات منذ العام 1993 وحتى اليوم في صورة تعكس أصالة القيم الكويتية ومبادئها الثابتة.
ومنذ أبريل 1995 بدأت جمعية الهلال الأحمر الكويتي وبتوجيهات من القيادة السياسية بإرسال المساعدات إلى اللاجئين العراقيين في إيران وواصلت الكويت جهودها بعد تحرير العراق في 2003 لتصبح من أكبر الدول المانحة له حيث دعمت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والنازحين العراقيين بملايين الدولارات.
كما تبرعت الكويت في يوليو 2014 بثلاثة ملايين دولار لدعم العمليات الإنسانية في العراق ثم تبعتها في العام 2015 مساهمة غير مسبوقة بقيمة 200 مليون دولار لإغاثة النازحين وشملت المساعدات الغذائية أكثر من 50 ألف سلة موزعة في إقليم كردستان ومدن أخرى متضررة.
وفي يوليو 2016 تعهدت الكويت خلال مؤتمر المانحين في واشنطن بتقديم 176 مليون دولار مساعدات إنسانية للعراق ما دفع مجلس الأمن للاشادة علنا بجهودها المستمرة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتوجت هذه الجهود باستضافة الكويت في فبراير 2018 مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار العراق عقب تحرير مدينة الموصل من ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذ بلغت تعهدات المشاركين في المؤتمر نحو 30 مليار دولار أمريكي على شكل قروض ومنح وتسهيلات مالية.
وتكريسا لهذا النهج الأخوي قامت الكويت خلال السنوات الماضية بتسلم دفعات من رفات شهدائها الأبرار الذين استشهدوا إبان الاحتلال العراقي كما تسلمت دفعات من الأرشيف والممتلكات الكويتية التي تم الاستيلاء عليها في خطوة تعكس حرص القيادة السياسية على إغلاق الملفات العالقة بروح المسؤولية والإنصاف.
ولعل أبرز ما يميز هذه الذكرى رغم مرارتها هو أن الكويت لم تجعل منها عنوانا للانتقام بل منصة للسلام والتضامن مستندة إلى موروثها الإنساني ومبادئها الثابتة في دعم استقرار المنطقة وتعزيز العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب وفي مقدمتهم الشعب العراقي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
زيارة ويتكوف تُثير أزمة صدقية: مجاعة غزة مجرد... «خيال»
عندما وقف المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في غزة، مُنكراً المجاعة - التي وثّقتها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية بدقة متناهية - وقال بأنها «مبالغ فيها»، لم يكن ذلك مجرد لفتة سياسية. بل شكل الأمر لحظة فارقة في تآكل السلطة الأخلاقية الأميركية على الساحة العالمية. لقد وصلت أزمة صدقية الولايات المتحدة، المُستمرة منذ فترة طويلة، إلى نقطة الغليان، ليس فقط في الأمم المتحدة، بل في جميع أنحاء دول الجنوب، حيث تُواجه شرعية واشنطن كمدافع عن الأعراف الدولية تدقيقاً غير مسبوق. لم يكن حضور ويتكوف رمزياً فحسب، بل كان رسالة مباشرة إلى المجتمع الدولي، خصوصاً إلى أكثر من 140 دولة اعترفت الآن بفلسطين كدولة. ففي وقتٍ كان معظم العالم يلتف حول دعوات المساءلة، ووصول المساعدات الإنسانية، وتطبيق وقف إطلاق النار، ضاعفت واشنطن من إنكارها عبر إثارة الشك حول تجويع أكثر من مليونين ونصف المليون مدني محاصر، وهو تقييمٌ أكّده التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة IPC. فويتكوف وفّر غطاءً دبلوماسياً لكارثةٍ ومجاعةٍ من صنع الإنسان دبرتها إسرائيل وطبّقها أقرب حلفائها وأنقلبت سلباً عليهما. واشنطن والغالبية العالمية لم تقتصر مهمة ويتكوف في غزة على دعم حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فحسب، بل شملت أيضاً إعادة تأكيد الهيمنة الأميركية على الخطاب الشرق أوسطي. كان المعنى الضمني لزيارته جلياً، فهو أراد القول إن الولايات المتحدة وحدها هي التي تُقرر ما هو صحيح وما هو خاطئ، وما يُسمح للعالم بقوله عن غزة. لم يكن الهدف من ذلك تغيير آراء دول الجنوب العالمي - المتشككة أصلاً - بقدر ما كان تحذيراً للحلفاء الأوروبيين الذين بدأوا ينأون بأنفسهم عن نهج واشنطن. يُقال لدول مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا، التي اعترفت بدولة فلسطين، إن هذه اللفتات ليست مُضللة فحسب، بل هي غير مقبولة. كما أنها مُوجهة إلى أكثر من 15 دولة، بقيادة فرنسا وبريطانيا، أقرب حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل، واللتين أعربتا عن نيتهما الاعتراف بفلسطين كدولة في سبتمبر المقبل. رسالة ويتكوف هي أن الولايات المتحدة وحدها المخولة بتحديد الواقع الإنساني والسياسي في الشرق الأوسط. هذا الموقف لا يُقوّض التعددية الدبلوماسية فحسب، بل يكشف عن تناقض عميق يتمثل في أن دولة نصبت نفسها نصيرة للديمقراطية تعمل الآن على قمع الإجماع الديموقراطي العالمي. منظومة الأمم المتحدة تحت الحصار التداعيات داخل الأمم المتحدة خطيرة. تتبع تصنيفات المجاعة والإنذارات الإنسانية الصادرة عن الأمم المتحدة عملية تحقق دقيقة ومتعددة الوكالات، تشمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وبرنامج الأغذية العالمي، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. هذه ليست ادعاءات تخمينية، بل هي استنتاجات قائمة على الأدلة، تم التوصل إليها من خلال تقييمات ميدانية، وبيانات الاستشعار عن بُعد، ومقاييس وبائية. فعندما ترفض الولايات المتحدة هذه النتائج، فإنها لا تشكك في تقرير فحسب، بل تُسقط الشرعية عن إطار التنسيق الإنساني الدولي بأكمله. ولطالما مارست الولايات المتحدة، بصفتها أكبر ممول للأمم المتحدة وعضواً دائماً في مجلس الأمن، نفوذاً غير متناسب. ولكن عندما يُستخدم هذا النفوذ ليس لدعم صدقية وكالات الأمم المتحدة، بل لتقويضها، فإن الأمر يدفع النظام نحو أزمة وجودية. إذ كيف يمكن للأمم المتحدة أن تكون حكماً محايداً في الأزمات العالمية إذا تجاهل أحد أعضائها المؤسسين أهم نتائجها عندما يكون ذلك غير ملائم سياسياً؟ هذا التقويض ليس جديداً. فقد استخدمت الولايات المتحدة مراراً حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقف النار، أو الممرات الإنسانية، أو إجراء تحقيقات مستقلة في غزة. لكن إنكار ويتكوف للمجاعة يمثل انحداراً إضافياً - لم يعد مجرد عرقلة للعمل، بل محاولة لإعادة صوغ الرواية بالكامل. الجنوب العالمي: المشاهدة... الإنصات والتذكر لم تكن تصريحات ويتكوف مفاجئة بالنسبة إلى الجنوب العالمي، فقد أكدت شكوكاً راسخة بأن القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تستخدم لغة حقوق الإنسان في شكل انتقائي. وأن القانون الدولي يُسخّر ضد بعض الأنظمة، بينما يُبرر لغيرها. أي أنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لا تُطبّق القواعد. أثار هذا الواقع موجة جديدة من العزلة الدبلوماسية في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. بالنسبة إلى العديد من الدول، تعكس صور غزة - لأطفال يتضورون جوعاً، ومستشفيات تُقصف، ومخيمات لاجئين محروقة - صدماتهم التاريخية من العنف الاستعماري، والحصار، والمعاناة التي فرضها الغرب. فصدى هذه التصريحات كان عميقاً، والدروس المستفادة ليست مجردة. والآن، تمزق الخطاب الأميركي. فإصرار الولايات المتحدة على «نظام دولي قائم على القواعد» يبدو أجوفاً عندما ترفض تطبيق هذه القواعد نفسها على أقرب حلفائها. عندما تدعو واشنطن إلى المساءلة في ميانمار أو فنزويلا أو روسيا، يُقابلها في شكل متزايد الرد التالي: وماذا عن غزة؟ يُحدث هذا الشعور بخيبة الأمل تحولات جيوسياسية ملموسة. وتتوسع مجموعة البريكس+، مُقدمةً بذلك ثقلاً موازناً للتحالفات الغربية. وتكتسب حركة عدم الانحياز زخماً متجدداً، لا سيما بين الدول التي تسعى إلى عزل نفسها عن الضغوط الغربية. وقد نجحت الصين وروسيا، رغم دافعهما الذاتي، في استغلال ازدواجية معايير واشنطن، مصوِّرتين نفسيهما كمدافعتين أكثر ثباتاً عن السيادة - وإن بسخرية. ما أثاره إنكار ويتكوف هو أزمة لا تتعلق بغزة فحسب، بل تتعلق أيضاً بالثقة والنظام والسلطة. لقد سرّع من تفكك عالم أحادي القطب، حيث كانت الولايات المتحدة قادرة في السابق على إملاء شروط الاشتباك في واقع اليوم متعدد الأقطاب، أصبحت الصدقية أهم من الإكراه. إذا لم يكن من الممكن الوثوق بواشنطن في قول الحقيقة في شأن المجاعة، فكيف يمكن الوثوق بها في مسائل القيادة المناخية، أو الاستجابة للجائحة، أو منع الانتشار النووي؟ وإذا اعتُبرت الأمم المتحدة عاجزة عن حماية الفلسطينيين بسبب عرقلة الولايات المتحدة، فما هي الثقة التي ستضعها الشعوب المستضعفة في قدرتها على حمايتهم؟ لم يعد الجنوب العالمي يكتفي بالمراقبة، بل هو يُعيد تقييم نفسه. وفي كثير من الحالات، يُنصرفون عن السياسة. النفاق الأخلاقي في الداخل والخارج تمتد العواقب أيضاً إلى السياسة الأميركية الداخلية. بالنسبة إلى الشباب الأميركي - خصوصاً بين المجتمعات العربية والإسلامية واليهودية التقدمية والسود - يُعد إنكار ويتكوف للمجاعة أمراً مُقززاً أخلاقياً. وقد اندلعت احتجاجات في الجامعات. واستقال موظفو الأمم المتحدة اشمئزازاً. وتتضاءل ثقة الجمهور بخطاب واشنطن حول حقوق الإنسان، ليس فقط في الخارج بل داخل حدودها أيضاً. إن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، التي كانت تعتمد في السابق على إجماع الحزبين لدعم إسرائيل، تجد نفسها الآن على أرضية هشة. وتتزايد الفجوة بين الموقف الرسمي لواشنطن والغرائز الأخلاقية لشعبها. وتكلفة هذا الانفصال ليست إستراتيجية فحسب، بل أخلاقية أيضاً. وتخاطر الولايات المتحدة بأن تصبح دولة تدافع عن الإبادة الجماعية في الخارج بينما تُلقي محاضرات على الآخرين حول حقوق الإنسان في الداخل. قد تُذكر زيارة ويتكوف ليس كملاحظة هامشية في حرب غزة، بل كنقطة تحول - اللحظة التي انهارت فيها آخر بقايا القيادة الأخلاقية. فإنكاره المجاعة في وجه أدلة دامغة، وبحماية إسرائيل من التدقيق وإسكات وكالات الأمم المتحدة، لم تفقد الولايات المتحدة صدقيتها فحسب، بل خسرتها. ولا يمكن تعويض هذه الخسارة بجولة أخرى من الدعاية الدبلوماسية أو التعهدات الإنسانية. لقد رأى العالم الصور. وقرأ التقارير وأصغى إلى صمت الأطفال الذين يموتون في غزة، وإلى الكلمات المتحدية لدبلوماسي أخبرهم أن معاناتهم مجرد خيال.


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل
في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، يوم 4 أغسطس 2020، لا تزال الرواية الرسمية متصدعة، والتحقيق القضائي مشلول، والمجرم مجهول. لكنّ ما هو واضح، أن «حزب الله» تعامل مع هذه الجريمة، التي أدت إلى مقتل أكثر من 218 شخصاً، وإصابة 7.000 على الأقل، وتشريد نحو 300.000 إنسان، والتسبب بأضرار تجاوزت قيمتها 15 مليار دولار، كما يتعامل مع كل شيء في الدولة، بالتهديد والتعطيل وفرض الهيمنة. لا نعرف، وربما لن نعرف أبداً، ما إذا كانت نيترات الأمونيوم التي فجّرت بيروت، هي جزء من ترسانة «حزب الله»، ولا إن كانت استُخدمت لتصنيع البراميل المتفجرة في الحرب على الشعب السوري، كما تشير تقارير موثوق بها، لا سيما أن من استوردها مرتبط بكل من نظام بشار الأسد البائد و«حزب الله». لا نملك الدليل القاطع على الصيغة التي سمحت بدخولها وتخزينها وحراستها، على الرغم من كلّ المعلومات عن رسو سفينة معيّنة في مرفأ بيروت وتفريغ حمولتها فيه. لكننا نعرف أمراً واحداً، لا يختلف عليه اثنان في لبنان وهو أن «حزب الله» تصرف، منذ اللحظة الأولى، كما لو أن التحقيق يهدده، وكأن العدالة مشروع استهداف مباشر له. لم يتردد الحزب في اتخاذ موقف عدائي علني من المسار القضائي الذي أُنيطت به متابعة الملف. من التهديد العلني للقاضي طارق البيطار، إلى اقتحام قصر العدل من قبل أحد بلطجية أمن «حزب الله»، إلى التحريض على القضاء في بيانات سياسية وحملات إعلامية مقززة، كان الحزب يتصرف بأعلى درجات الذعر، ويوظف كل الجهود الممكنة لدفن الحقيقة. فأي قوى «بريئة» تحتاج إلى كل هذا العنف لمنع كشف الوقائع؟ ما لا يختلف عليه اللبنانيون أيضاً، ويدركونه بما يشبه الفطرة، أن المرفأ خضع لعقود طويلة لنفوذ «حزب الله»، وكان جزءاً من شبكة الدويلة، أو الدولة، التي بناها داخل الدولة اللبنانية، وشملت، إلى المرفأ، المطار، والمعابر البرية، والجمارك، وبعض القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية وغيرها! كان المرفأ مورداً مالياً، وممراً لوجستياً، وغرفة عمليات موازية، توجب منع الاقتراب منه قضائياً أو أمنياً، وكأن في ذلك مس بأحد أعصاب الحزب وحتّى بعلة وجوده. نعم، قد لا يكون الحزب هو مَن تسبب بالتفجير، الذي صنف كثالث أكبر انفجار غير نووي في العالم، بحسب تقديرات العديد من الخبراء العسكريين والفيزيائيين. وقد لا يكون هو من استورد المادة لمصلحة بشار الأسد. كل شيء وارد. لكن من الواضح أنه هو، دون بقية القوى السياسية، من قرر ألا يُحاسب أحد، وهو من حوّل قضية الانفجار إلى واحد من أعنف الاشتباكات السياسية في لبنان. في الذكرى الخامسة يكفي أن يتذكر اللبنانيون هوية مَن عطّل التحقيق، وهاجم القضاء، وشيطن أهالي الضحايا وهدّد الإعلاميين، على نحو مهد ربما لقتل الكاتب والناشر الشجاع لقمان سليم. ذهب لقمان إلى حد تحديد دور الحزب في الاستفادة من نيترات الأمونيوم في إطار الحرب على الشعب السوري. لم يكن هذا الزلزال الذي ضرب بيروت، ووصل صداه الى قبرص، مجرد جريمة. إنه لحظة انكشاف أسفرت عن وجهٍ مرعبٍ للبنان، كبلد مخطوف، ومؤسسات مرتهنة، وعدالة معلقة. صحيح أن الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل، وما تفرضه من تحديات أمنية وإستراتيجية كبرى، تطول وجود حزب الله وسلاحه برمتيهما، إلا أن الصحيح أيضاً أنّ ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من مسؤولياتها القضائية والوطنية. فالدولة مسؤولة عن عدم تحوّل ضحايا انفجار المرفأ إلى «ضحايا جانبيين» بسبب احتدام الصراع الإقليمي الجاري. بل لعلّ اللحظة الحالية، بما تحمله من تبدّل في موازين القوى، تتيح فرصة مهمة لاستعادة ما تم سلبه من الدولة ومن اللبنانيين. وعليه فإن حكومة الرئيس القاضي نواف سلام، وبغطاء من الرئيس جوزاف عون، مطالبة بأن تثبت أنها تمثل قطيعة حقيقية مع منطق الإفلات من العقاب. فلا يوجد أسهل من أن يثبت العهد الحالي أنه مختلف عن زمن ميشال عون وجبران باسيل وحسان دياب. فوق كل ذلك، لم يُحرّك ميشال عون ساكناً إزاء سلوك الحزب العدائي تجاه التحقيق، بل على العكس، تبنّى في أكثر من مناسبة روايته المشككة. رفض أي تحقيق دولي في كارثة تفجير مرفأ بيروت تفادياً لمعرفة الحقيقة يوماً... على غرار معرفة من قتل رفيق الحريري. من أخطر ما كشفته السنوات الخمس التي مرت منذ انفجار المرفأ هو كيف استطاع «حزب الله» تحويل الجريمة إلى فرصة لإعادة تعريف «الأمن الوطني» بحيث لم يعد يعني سلامة المواطنين أو العدالة للضحايا، بل سلامة الحزب من الملاحقة أو المساس بمعنوياته وسمعته. المطلوب ليس طمس الحقيقة فحسب، بل تعميم فكرة أن لا أحد في لبنان يُحاسب «حرب الله» أيضا، لا في القضايا الكبرى ولا في ملفات الفساد والإهمال والذهاب إلى المشاركة في قتل أبناء الشعب السوري. بالاستناد إلى كل ذلك، تبدو قضية المرفأ اختباراً حقيقياً للأمل الذي حمله اللبنانيون حين وصل الثنائي عون - سلام إلى سدة المسؤولية، وهما معنيان بألا يكونا شاهدي زور في مواجهة استمرار منطق الجريمة بديلاً من منطق العدالة.


المدى
منذ 5 ساعات
- المدى
مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: 75% من سكان غزة يعانون صعوبات في الوصول إلى دورات مياه
The post مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: 75% من سكان غزة يعانون صعوبات في الوصول إلى دورات مياه appeared first on AlMada - أخبار لبنان والعالم.