
قانون القيمة ومعدَّل الربح في الصين (1)
قال الباحث مايكل روبرتس إنه يتفق مع نتيجة (ديك لو) هذه، حيث توصّل إليها روبرتس أيضاً بدراسته لهذا الموضوع في كتابه المشترك مع غواليلمو كارشيدي (الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين، 2023، ص213–214). ونقدّم فيما يأتي تلخيصاً لأهمّ المُحاجَّات التي أورداها في كتابهما بهذا الخصوص.
قانون القيمة ومَصير الإنتاجية والربحيّة
ينصّ قانون القيمة لماركس على أنّ قيمة البضاعة تتحدَّد بوقت العمل الضروري اجتماعياً اللازم لإنتاجها، أي بالإنتاجية الوسطيّة للعمل، وبالتالي بتقنيّات وكثافة العمل. صحيح أنّ بعض «القيم الاستعمالية» متاحة بلا عمل (مثل الهواء أو أيّ شيء طبيعي جاهز ليستعمله أو يستهلكه الإنسان مباشرةً)، ولكنّ إنتاج «القيمة» في «بضاعة»، وبالتالي القيمة الزائدة والتركيب العضوي لرأس المال ومعدّل ربح رأس المال، غير ممكن دون العمل البشري. في عام 1898، حاول الاقتصادي فلاديمير دميترييف دحض نظرية القيمة لماركس، عبر تصوُّرِ اقتصاد افتراضي تقوم فيه الآلات (الروبوتات) بكلّ شيء بغياب أيّ عمل بشري.
الاقتصاد البرجوازي السائد يُنكِرُ قانونَ القيمة أو يتجاهله. وكان دميترييف من «الريكارديِّين الجُدد» - نسبةً إلى ديفيد ريكاردو. وجادَلَ آنذاك أنّه نظراً لوجود فائض ضخم يتم إنتاجه «دون عمل»، فإنّ نظرية القيمة لماركس «خاطئة». لكن هذه «التجربة الذهنية» لدميترييف لا تستقيم، لأنّه وغيره من الاقتصاديين السائدين لا يفهمون القيمة في نمط الإنتاج الرأسمالي. إذ إنّ القيمة المحتواة في بضاعة (سلعة أو خدمة للبيع) لها وجهان: قيمة استعمالية، وقيمة تبادلية (في المال والربح الذي يجب تحقيقه عبر البيع). ودون هذا الأخير لا يحدث الإنتاج الرأسمالي، وقوَّة العمل بالذّات هي التي تخلق هذه القيمة، أمّا الآلات فلا تخلق أيَّ قيمة (ربح).
وفي الواقع، لن يكون اقتصاد دميترييف الفائق الوفرة والقائم على الروبوتات فقط، اقتصاداً رأسمالياً، لأنّه لن يكون هناك ربحٌ للرأسماليّين الأفراد. وصحيحٌ أنَّه مع تطوُّر الرأسمالية تَحلُّ الآلات بشكلٍ متزايد محلَّ قوة العمل البشرية (الأتمتة، الحَوسَبة، الذكاء الاصطناعي...)، ممّا يرفع إنتاجية العمل؛ بمعنى ارتفاع كفاءة الحصول على قيم استعمالية أكثر كأشياء وخدمات، لكنّ هذا يحصل بالضرورة على حساب انخفاض الربحية، والذي يؤدّي بشكل دوري إلى تعطيل إنتاج الرأسماليين الأفراد لأنّهم لا يريدون استخدامَ العمل والآلات سوى لتحقيق الأرباح. لذلك فإنّ الأزمات تتفاقم في الرأسمالية قبل زمن طويل من وصولنا إلى عالَم الروبوتات الافتراضي الذي تَصوَّرَهُ دميترييف.
وبلغة الرياضيّات يمكن القول إنه في عالم شامل للروبوتات/الذكاء الاصطناعي، تسعى الإنتاجية (وبالتالي القيم الاستعمالية) إلى اللّانهاية، بينما تسعى الربحيّة (نسبة القيمة الزائدة إلى قيمة رأس المال) إلى الصفر.
لماذا تنجح الصين بالمناوَرة مع قانون القيمة؟
وجدت قيادة الحزب الشيوعي الصيني بأنّ طريقة إدارة اقتصاد البلاد في ظل الشروط التاريخية والدولية القائمة أواخر سبعينيّات القرن العشرين أخذتْ تستنفد قدرتَها على تحقيق مزيد من التوسُّع الصناعي. ولذلك جاء التغيير في السياسة، في عهد دينغ شياو بينغ عام 1978 نحو مسار مختلف عن الاتحاد السوفييتي، لتسريع النمو الاقتصادي والتصنيع. فقامت الصين بفتح اقتصادها أمام الإنتاج الرأسمالي المحلّي والاستثمار الأجنبي ولكن ضمن حدود. في الواقع، كانت هذه أشبه بنسخة صينية (ولكن أطول وأعمق) من السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب/NEP) التي اضطرّ إليها لينين في روسيا السوفييتية أوائل عشرينيّات القرن العشرين. وخلص تقرير للبنك الدولي عام 2003 إلى أنّ نمط الإنتاج الرأسماليّ «لا يزال غير مهيمن في الصين». ومن المعروف أنّ ما يحكم إنتاج السلع في علاقات السوق الرأسمالية هو الربح، حيث يحدِّد معدَّلُ الرِّبح دوراتِ الاستثمار ويولِّد أزماتٍ اقتصادية دورية. لكنّ هذا لم ينطبق على الصين، لأنّ الأزمات المنتظمة والمتكررة للاستثمار والإنتاج التي شهدتها الاقتصادات الرأسمالية الرئيسية لم تحدث في الصين منذ عام 1949. وهذا لا يعني أنّ الصين لم تتأثر بها مطلقاً، لكن التأثير اقتصر على انخفاض في التجارة كلّما عانت اقتصادات مجموعة السبع (الإمبريالية) من الركود. وعلى عكس الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، لم تشهد الصين تراجعاً في ناتجها المحلّي الإجمالي في أيّ عام منذ 1973.
وأقرَّ البنك الدولي (على مَضَض) بأنّ النجاح الاقتصادي المُذهل الذي حقّقته الصين على مدى الثلاثين عاماً الماضية كان قائماً على اقتصادٍ تَحقَّقَ فيه النموّ من خلال التخطيط الحكومي البيروقراطي وسيطرة الحكومة على الاستثمار. ربّما كان مُعَدَّل نموِّها الاقتصادي مماثلاً للاقتصادات الرأسمالية الناشئة لفترة من الزمن في القرن التاسع عشر عندما كانت هذه الأخيرة في طور «الانطلاق». ولكن لم يسبق لأيّ دولة أنْ نمت بهذه السرعة ولهذه الفترة الطويلة ولهذا الحجم معاً (حيث تضمّ الصين 22% من سكان العالم).
انتشلت الصين 850 مليون نسمة من شعبها من براثن الفقر المُعرَّف دولياً. حتى الآن، لم يخضع القطاع المملوك للدولة في الصين لسيطرة السوق، أو لقرارات الاستثمار القائمة على الربحيّة وحدَها، أو يخضع للشركات الرأسمالية أو المستثمرين الأجانب. وفي حين يعتبر بعض الباحثين الماركسيين هذا الإنجاز الصيني في مكافحة الفقر دليلاً قويّاً على تصنيف اقتصادها بأنه اشتراكيّ، يتحفّظ مايكل روبرتس على أخذه كمعيار وحيد، فيقول: «الحد من الفقر يُعدّ أمراً حيوياً للعمالة، ولكنه في حدّ ذاته ليس مؤشّراً على التوجه الاشتراكي. والحد من الفقر ضروري لشرعية الحزب الشيوعي الصيني كصاحب سلطة ولتوسيع السوق الداخلية». مع ذلك يضيف روبرتس: في الصين هناك تنافس بين التراكم الرأسمالي والتراكم الاشتراكي، ممّا ينتج تطوُّراً متعرِّجاً.
أساس التنمية الطويلة الإنتاجية أم الربحية؟
وفقاً للماركسيّة فإنّ مستوى الإنتاجية هو الذي يُحدِّد النمو الاقتصادي لأنّه يُقلِّل تكلفة الإنتاج من حيث وقت العمل، ويسمح للدولة بالمنافسة في الأسواق العالمية. ولكن في نمط الإنتاج الرأسمالي تدخل الإنتاجية في تناقض مع الربحيّة بعلاقة عكسية طويلة الأمد بتأثير قانون ميل معدل الربح إلى الانخفاض مع تراكم رأس المال.
بعض الاقتصاديين يقتبسون عن الاقتصادي والمُعارِض الصيني-الأمريكي (مينكي لي) قوله: «إنّ الصين إذا اتبعت القوانين الاقتصادية نفسها بشكل أساسي كما الحال في الدول الرأسمالية الأخرى، كالولايات المتحدة واليابان، فإنّ انخفاض معدل الربح سيتبعه تباطؤ في تراكم رأس المال، مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة». ويعلِّقُ روبرتس على (مينكي لي) بالتساؤل فيما إذا كان الاقتصاد الصيني تهيمن عليه القوانين الاقتصادية الرأسمالية نفسها؟ يقول روبرتس إنّ اقتصاد الصين لا تهيمن عليه السوق أو قرارات الاستثمار القائمة على الربحية، أو الشركات الرأسمالية أو المستثمرين الأجانب، ويستند في ذلك إلى مؤشِّر الارتباط الإيجابي الضئيل بين ربحية رأس المال الصيني ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمعظم الفترة منذ تشكيل جمهورية الصين الشعبية، ممّا يشير إلى أنّ الصين وجَّهت استثماراتها نحو القطّاعات الأكثر تعزيزاً للإنتاجيّة حتّى لو لم تكن الأكثر ربحيّة، وهو سلوك من الصعب جداً أن تقوم به دولة خاضعة بالكامل لآليات الاقتصاد الرأسمالي، وإذا حدث واضطرت دولة رأسمالية لترجيح الإنتاجيّة على الربحية فسيكون ذلك استثنائياً وجزئيّاً ومؤقّتاً فقط.
وهكذا، فإنّ ربحية رأس المال لم تكن هي المحدِّد لمستوى الاستثمار في الأصول الإنتاجية والنمو الاقتصادي خلال معجزة النمو الصينيّة قبل العام 1978. أمّا منذ إصلاحات دينغ في ثمانينيات القرن الماضي، فأصبح هناك ارتباط بين الربحية والإنتاجية في الصين، ولكن بقوة أقلّ مما هو عليه في بقية اقتصادات مجموعة العشرين أو مجموعة السبع. وبعد خصخصة الصين أجزاءً من قطّاعها الحكومي في التسعينيات وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2000، ازداد بشكل ملحوظ تأثير مدى ربحية رأس المال على نموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين، مما جعل اقتصادها أكثر عرضة للأزمات في قطّاعه الرأسمالي ولتأثيرات رأس المال الدولي وربحيّته. ولكن بقي قانون القيمة في الصين «محاصَراً تماماً، ثم قُيّدَ وتمت السيطرة عليه لاحقاً عن طريق قطاعٍ عام كبير مملوك للدولة، وبواسطة التخطيط المركزي وسياسة الدولة» بحسب استنتاج روبرتس وكارشيدي، وسنفصّل في ذلك أكثر وبالأرقام في الجزء الثاني من هذا المقال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 2 أيام
- سعورس
قفزات استثنائية للرؤية السعودية (3 4)
واصلت مملكتنا الحبيبة تحقيق إنجازات استثنائية على مختلف الصعد، مع تسجيل قفزات نوعية في مؤشرات التنافسية العالمية والتقنية، ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030 فقد تقدمت المملكة (20) مرتبة في مؤشر التنافسية العالمية الصادر عن IMD ) ) منذ عام 2016، لتصل إلى المرتبة (16) عالمياً في 2024، كما حافظت على صدارتها إقليمياً في الاستثمار الجريء بحصة بلغت (40 %) من إجمالي التمويلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسجل مؤشر توليد الفرص الاستثمارية إنجازاً كبيراً بتجاوز مستهدف 2024، حيث تم توليد أكثر من (1800) فرصة في قطاعات متعددة، وعلى صعيد الأمن، تصدرت المملكة دول مجموعة العشرين في مؤشر الأمان، وسجلت نسبة ثقة بلغت ( 99.85 % ) في خدماتها الأمنية؛ وهو من أعلى المعدلات عالمياً، وفي مجال التقنية والتحول الرقمي، حققت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد مستخدمي الإنترنت، والثاني عالمياً في التحول الرقمي داخل الشركات وتطوير وتطبيق التقنية ، وتقدمت المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للبنك الدولي من المرتبة (59) في عام 2016 إلى المرتبة (38) في 2024، كما تم ربط الموانئ السعودية ب (34) خطاً ملاحياً جديداً يربطها بموانئ الشرق والغرب، وحصد مطار الملك خالد الدولي في الرياض لقب "الأفضل عالمياً" في التزامه بمواعيد الرحلات، في إنجاز يعزز كفاءة قطاع الطيران لقد مرت رؤية المملكة 2030 بمرحلتين رئيسيتين منذ إطلاقها، ركزت المرحلة الأولى على إرساء أساسات قوية داعمة لتحقيق التحول، وذلك من خلال حزم من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، مهيئة البلاد للإنطلاق نحو الرؤية، وجاءت بعد ذلك المرحلة الثانية لتجد الطريق أمامها ممهداً لتحقيق الإنجازات في قطاعات متعددة، وبدأت الجهات الحكومية تتسابق لتحقيق المستهدفات المحددة لها، وقد تجاوز العديد منها مستهدفات عام 2024، واقترب بعضها لتحقيق مستهدفات 2030، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا عمل جبّار قامت به حكومتنا الرشيدة من أعلى قمة الهرم الحكومي وصولاً إلى الأجهزة الحكومية العديدة، وكان للرياضة كأداة فعالة لنمو وازدهار المجتمع الحظ الأوفر في مستهدفات الرؤية فالرياضة اليوم لم تعد نشاطًا ترفيهيًا، بل أصبحت أداة إستراتيجية لتعزيز المكانة الإقليمية والدولية، ومصدرًا للاستثمار والابتكار المجتمعي ، وحققت قفزات نوعية وإنجازات استثنائية ، سواء بالمبادرات التي أطلقت، أو باستضافة الأحداث العالمية الكبرى، حتى توجت بالفوز باستضافة كأس العالم 2034، وحصول ملفها على أعلى تقييم فني (419.8 ) من أصل (500) نقطة ، وبعد هذا الفوز العظيم باستضافة الحدث العالمي الذي يقام في دولة واحدة، ستعمل المملكة على تقديم نسخة استثنائية باستضافة (48) منتخبا في (5) مدن مضيفة، تضم (15) ملعبا، فضلا عن (10) مدن داعمة، و (134) منشأة تدريبية، و(230) ألف غرفة في منشآت الضيافة ، وتتصاعد الأرقام ، والتحولات لتنعكس إيجابا على المجتمع، فقد شهدت الرياضة المجتمعية والتمكين، زيادة في المشاركة النسائية حيث ارتفاع نسبة السعوديات اللواتي يمارسن الرياضة أسبوعيًا من ( 7.3 % )عام 2017 إلى ( 46 %) عام 2024 بنسبة نمو بلغت (530 % )، كما شهد ماراثون الرياض العام الماضي مشاركة (36 %) من النساء، وبادرت مملكتنا بترسيخ مكانتها كمركز عالمي للرياضات الإلكترونية الذي يعد من أسرع القطاعات نموا في العالم حيث تعد فرصة اقتصادية واجتماعية، باستضافة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض بمشاركة (500) ناد من نخبة الأندية العالمية، والتي توج بلقبها فريق فالكونز السعودي.


الأمناء
منذ 4 أيام
- الأمناء
الوزير السقطري يناقش مع وفد البنك الدولي المشاريع الزراعية والسمكية
عقد وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء سالم السقطري، اليوم الاثنين، اجتماعاً افتراضياً عبر برنامج الزووم، مع وفد البنك الدولي في اليمن برئاسة الدكتور نايف أبو لحوم. واستعرض الوفد تقاريرهم في عدة مجالات منها المياه والمناخ والتدخلات والبرامج والمشاريع التي سيقدمها البنك الدولي لقطاعي الزراعة والأسماك في اليمن. وفي مستهل الاجتماع، أشاد الوزير السقطري بالدعم الكبير الذي يقدمه البنك الدولي لقطاعي الزراعة والأسماك، مؤكداً على أهمية استمرار التنسيق والتواصل فيما بين الوزارة والبنك الدولي. وأوضح الوزير أن إعداد البنك الدولي لتقرير المياه والمناخ المتعلق بحوضي تبن بلحج ووادي حجر بحضرموت يشكل فرصة استراتيجية لجمع البيانات والمعلومات المائية والمناخية لدى الوزارة للاستفادة منها وتوجيه الجهود نحو تدخلات مستدامة تضمن تأهيل البنية التحتية للمياه والزراعة والاستغلال الأمثل لتلك الموارد المتجددة للنهوض بالبلد خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها. وأشار الوزير إلى أن اليمن يواجه أزمة مركبة تتداخل فيها تأثيرات تغير المناخ وآثار الصراع أدت إلى نزوح داخلي كبير من الريف إلى المدن، بالإضافة إلى تداعيات خطيرة تهدد الأمن الغذائي والمائي. ولفت إلى أن مشاركة وزارة الزراعة والأسماك في التخطيط والاستعداد للمشاريع التي يمولها البنك الدولي يشكل عامل نجاح لتلك التدخلات. ورحب اللواء السقطري بالدعم الإضافي الذي سيقدمه البنك الدولي لمشروع الأمن الغذائي في اليمن، والذي سيشمل مشاريع متفق عليها مع الوزارة تتضمن تأهيل المراكز البحثية الزراعية والسمكية والمؤسسة العامة لإكثار البذور المحسنة وكلية ناصر للعلوم الزراعية. بدورهم، أشاد وفد البنك الدولي في اليمن بالجهود التي تبذلها قيادة الوزارة في سبيل تسهيل وصول المساعدات والدعم الذي يقدمه البنك الدولي لجميع الفئات المستفيدة منه. وأكدوا على أن البنك الدولي يعتزم في الوقت القريب تقديم دعم كبير لليمن لدعم القطاعين الزراعي والسمكي وذلك من خلال جملة من البرامج والمشاريع والتدخلات الجديدة التي من شانها أن تسهم في مساعدة المشتغلين من السكان في هذه المجالات. حضر الاجتماع عدد من الوكلاء والمستشارين ومدراء العموم بالوزارة وعدد من الخبراء في قسم الزراعة والمياه التابع للبنك الدولي.


قاسيون
منذ 5 أيام
- قاسيون
قانون القيمة ومعدَّل الربح في الصين (1)
قال الباحث مايكل روبرتس إنه يتفق مع نتيجة (ديك لو) هذه، حيث توصّل إليها روبرتس أيضاً بدراسته لهذا الموضوع في كتابه المشترك مع غواليلمو كارشيدي (الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين، 2023، ص213–214). ونقدّم فيما يأتي تلخيصاً لأهمّ المُحاجَّات التي أورداها في كتابهما بهذا الخصوص. قانون القيمة ومَصير الإنتاجية والربحيّة ينصّ قانون القيمة لماركس على أنّ قيمة البضاعة تتحدَّد بوقت العمل الضروري اجتماعياً اللازم لإنتاجها، أي بالإنتاجية الوسطيّة للعمل، وبالتالي بتقنيّات وكثافة العمل. صحيح أنّ بعض «القيم الاستعمالية» متاحة بلا عمل (مثل الهواء أو أيّ شيء طبيعي جاهز ليستعمله أو يستهلكه الإنسان مباشرةً)، ولكنّ إنتاج «القيمة» في «بضاعة»، وبالتالي القيمة الزائدة والتركيب العضوي لرأس المال ومعدّل ربح رأس المال، غير ممكن دون العمل البشري. في عام 1898، حاول الاقتصادي فلاديمير دميترييف دحض نظرية القيمة لماركس، عبر تصوُّرِ اقتصاد افتراضي تقوم فيه الآلات (الروبوتات) بكلّ شيء بغياب أيّ عمل بشري. الاقتصاد البرجوازي السائد يُنكِرُ قانونَ القيمة أو يتجاهله. وكان دميترييف من «الريكارديِّين الجُدد» - نسبةً إلى ديفيد ريكاردو. وجادَلَ آنذاك أنّه نظراً لوجود فائض ضخم يتم إنتاجه «دون عمل»، فإنّ نظرية القيمة لماركس «خاطئة». لكن هذه «التجربة الذهنية» لدميترييف لا تستقيم، لأنّه وغيره من الاقتصاديين السائدين لا يفهمون القيمة في نمط الإنتاج الرأسمالي. إذ إنّ القيمة المحتواة في بضاعة (سلعة أو خدمة للبيع) لها وجهان: قيمة استعمالية، وقيمة تبادلية (في المال والربح الذي يجب تحقيقه عبر البيع). ودون هذا الأخير لا يحدث الإنتاج الرأسمالي، وقوَّة العمل بالذّات هي التي تخلق هذه القيمة، أمّا الآلات فلا تخلق أيَّ قيمة (ربح). وفي الواقع، لن يكون اقتصاد دميترييف الفائق الوفرة والقائم على الروبوتات فقط، اقتصاداً رأسمالياً، لأنّه لن يكون هناك ربحٌ للرأسماليّين الأفراد. وصحيحٌ أنَّه مع تطوُّر الرأسمالية تَحلُّ الآلات بشكلٍ متزايد محلَّ قوة العمل البشرية (الأتمتة، الحَوسَبة، الذكاء الاصطناعي...)، ممّا يرفع إنتاجية العمل؛ بمعنى ارتفاع كفاءة الحصول على قيم استعمالية أكثر كأشياء وخدمات، لكنّ هذا يحصل بالضرورة على حساب انخفاض الربحية، والذي يؤدّي بشكل دوري إلى تعطيل إنتاج الرأسماليين الأفراد لأنّهم لا يريدون استخدامَ العمل والآلات سوى لتحقيق الأرباح. لذلك فإنّ الأزمات تتفاقم في الرأسمالية قبل زمن طويل من وصولنا إلى عالَم الروبوتات الافتراضي الذي تَصوَّرَهُ دميترييف. وبلغة الرياضيّات يمكن القول إنه في عالم شامل للروبوتات/الذكاء الاصطناعي، تسعى الإنتاجية (وبالتالي القيم الاستعمالية) إلى اللّانهاية، بينما تسعى الربحيّة (نسبة القيمة الزائدة إلى قيمة رأس المال) إلى الصفر. لماذا تنجح الصين بالمناوَرة مع قانون القيمة؟ وجدت قيادة الحزب الشيوعي الصيني بأنّ طريقة إدارة اقتصاد البلاد في ظل الشروط التاريخية والدولية القائمة أواخر سبعينيّات القرن العشرين أخذتْ تستنفد قدرتَها على تحقيق مزيد من التوسُّع الصناعي. ولذلك جاء التغيير في السياسة، في عهد دينغ شياو بينغ عام 1978 نحو مسار مختلف عن الاتحاد السوفييتي، لتسريع النمو الاقتصادي والتصنيع. فقامت الصين بفتح اقتصادها أمام الإنتاج الرأسمالي المحلّي والاستثمار الأجنبي ولكن ضمن حدود. في الواقع، كانت هذه أشبه بنسخة صينية (ولكن أطول وأعمق) من السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب/NEP) التي اضطرّ إليها لينين في روسيا السوفييتية أوائل عشرينيّات القرن العشرين. وخلص تقرير للبنك الدولي عام 2003 إلى أنّ نمط الإنتاج الرأسماليّ «لا يزال غير مهيمن في الصين». ومن المعروف أنّ ما يحكم إنتاج السلع في علاقات السوق الرأسمالية هو الربح، حيث يحدِّد معدَّلُ الرِّبح دوراتِ الاستثمار ويولِّد أزماتٍ اقتصادية دورية. لكنّ هذا لم ينطبق على الصين، لأنّ الأزمات المنتظمة والمتكررة للاستثمار والإنتاج التي شهدتها الاقتصادات الرأسمالية الرئيسية لم تحدث في الصين منذ عام 1949. وهذا لا يعني أنّ الصين لم تتأثر بها مطلقاً، لكن التأثير اقتصر على انخفاض في التجارة كلّما عانت اقتصادات مجموعة السبع (الإمبريالية) من الركود. وعلى عكس الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، لم تشهد الصين تراجعاً في ناتجها المحلّي الإجمالي في أيّ عام منذ 1973. وأقرَّ البنك الدولي (على مَضَض) بأنّ النجاح الاقتصادي المُذهل الذي حقّقته الصين على مدى الثلاثين عاماً الماضية كان قائماً على اقتصادٍ تَحقَّقَ فيه النموّ من خلال التخطيط الحكومي البيروقراطي وسيطرة الحكومة على الاستثمار. ربّما كان مُعَدَّل نموِّها الاقتصادي مماثلاً للاقتصادات الرأسمالية الناشئة لفترة من الزمن في القرن التاسع عشر عندما كانت هذه الأخيرة في طور «الانطلاق». ولكن لم يسبق لأيّ دولة أنْ نمت بهذه السرعة ولهذه الفترة الطويلة ولهذا الحجم معاً (حيث تضمّ الصين 22% من سكان العالم). انتشلت الصين 850 مليون نسمة من شعبها من براثن الفقر المُعرَّف دولياً. حتى الآن، لم يخضع القطاع المملوك للدولة في الصين لسيطرة السوق، أو لقرارات الاستثمار القائمة على الربحيّة وحدَها، أو يخضع للشركات الرأسمالية أو المستثمرين الأجانب. وفي حين يعتبر بعض الباحثين الماركسيين هذا الإنجاز الصيني في مكافحة الفقر دليلاً قويّاً على تصنيف اقتصادها بأنه اشتراكيّ، يتحفّظ مايكل روبرتس على أخذه كمعيار وحيد، فيقول: «الحد من الفقر يُعدّ أمراً حيوياً للعمالة، ولكنه في حدّ ذاته ليس مؤشّراً على التوجه الاشتراكي. والحد من الفقر ضروري لشرعية الحزب الشيوعي الصيني كصاحب سلطة ولتوسيع السوق الداخلية». مع ذلك يضيف روبرتس: في الصين هناك تنافس بين التراكم الرأسمالي والتراكم الاشتراكي، ممّا ينتج تطوُّراً متعرِّجاً. أساس التنمية الطويلة الإنتاجية أم الربحية؟ وفقاً للماركسيّة فإنّ مستوى الإنتاجية هو الذي يُحدِّد النمو الاقتصادي لأنّه يُقلِّل تكلفة الإنتاج من حيث وقت العمل، ويسمح للدولة بالمنافسة في الأسواق العالمية. ولكن في نمط الإنتاج الرأسمالي تدخل الإنتاجية في تناقض مع الربحيّة بعلاقة عكسية طويلة الأمد بتأثير قانون ميل معدل الربح إلى الانخفاض مع تراكم رأس المال. بعض الاقتصاديين يقتبسون عن الاقتصادي والمُعارِض الصيني-الأمريكي (مينكي لي) قوله: «إنّ الصين إذا اتبعت القوانين الاقتصادية نفسها بشكل أساسي كما الحال في الدول الرأسمالية الأخرى، كالولايات المتحدة واليابان، فإنّ انخفاض معدل الربح سيتبعه تباطؤ في تراكم رأس المال، مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة». ويعلِّقُ روبرتس على (مينكي لي) بالتساؤل فيما إذا كان الاقتصاد الصيني تهيمن عليه القوانين الاقتصادية الرأسمالية نفسها؟ يقول روبرتس إنّ اقتصاد الصين لا تهيمن عليه السوق أو قرارات الاستثمار القائمة على الربحية، أو الشركات الرأسمالية أو المستثمرين الأجانب، ويستند في ذلك إلى مؤشِّر الارتباط الإيجابي الضئيل بين ربحية رأس المال الصيني ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمعظم الفترة منذ تشكيل جمهورية الصين الشعبية، ممّا يشير إلى أنّ الصين وجَّهت استثماراتها نحو القطّاعات الأكثر تعزيزاً للإنتاجيّة حتّى لو لم تكن الأكثر ربحيّة، وهو سلوك من الصعب جداً أن تقوم به دولة خاضعة بالكامل لآليات الاقتصاد الرأسمالي، وإذا حدث واضطرت دولة رأسمالية لترجيح الإنتاجيّة على الربحية فسيكون ذلك استثنائياً وجزئيّاً ومؤقّتاً فقط. وهكذا، فإنّ ربحية رأس المال لم تكن هي المحدِّد لمستوى الاستثمار في الأصول الإنتاجية والنمو الاقتصادي خلال معجزة النمو الصينيّة قبل العام 1978. أمّا منذ إصلاحات دينغ في ثمانينيات القرن الماضي، فأصبح هناك ارتباط بين الربحية والإنتاجية في الصين، ولكن بقوة أقلّ مما هو عليه في بقية اقتصادات مجموعة العشرين أو مجموعة السبع. وبعد خصخصة الصين أجزاءً من قطّاعها الحكومي في التسعينيات وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2000، ازداد بشكل ملحوظ تأثير مدى ربحية رأس المال على نموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين، مما جعل اقتصادها أكثر عرضة للأزمات في قطّاعه الرأسمالي ولتأثيرات رأس المال الدولي وربحيّته. ولكن بقي قانون القيمة في الصين «محاصَراً تماماً، ثم قُيّدَ وتمت السيطرة عليه لاحقاً عن طريق قطاعٍ عام كبير مملوك للدولة، وبواسطة التخطيط المركزي وسياسة الدولة» بحسب استنتاج روبرتس وكارشيدي، وسنفصّل في ذلك أكثر وبالأرقام في الجزء الثاني من هذا المقال.