
The Deer Hunter .. تحفة سينمائية تعيد تعريف الألم
تدور القصة حول ثلاثة أصدقاء من الطبقة العاملة "مايكل، ستيف، ونيك" يعيشون في بلدة صناعية في بنسلفانيا. بعد زفاف أحدهم، يقرر الثلاثة التوجه للقتال في حرب فيتنام. يبدأ الفيلم بتفاصيل حياتهم البسيطة والمترابطة، قبل أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب حين يدخلون أهوال الحرب.
في فيتنام، يُؤسرون ويُجبرون على خوض تجربة الروليت الروسية في مشاهد مؤلمة ومشحونة بالتوتر. يعود مايكل إلى الوطن مثقلاً بالندوب النفسية، بينما يضيع نيك وسط دوامة الحرب، في مصير تراجيدي لا يُنسى.
رغم أن الفيلم يمتد لثلاث ساعات، فإن كل مشهد فيه يبدو اليوم أكثر أهمية من ذي قبل. وعكس ما شعرت به قبل 20 عاماً عند مشاهدتي الأولى، لم أُدرِك هذه المرة طول الفيلم، بل بدت كل لحظة فيه ضرورية، وكأنها نُحتت بعناية لتروي ملحمة إنسانية عن الصداقة، والفقد، وجراح الحروب.
قرار المخرج مايكل تشيمينو ببدء فيلم The Deer Hunter بحفل زفاف في بلدة بيتسبرغ الصناعية، يمنح العمل عمقًا عاطفيًا لا يُدرك إلا مع مرور الوقت. تلك الساعة الأولى، التي قد تبدو طويلة في سياق فيلم عن الحرب، تشكّل في الحقيقة الأساس الإنساني للفيلم. إنها توثّق حياة واقعية، تفاصيل يومية حقيقية: نهاية دوام العمل، الجلوس في الحانة، احتفال الزفاف، ثم رحلة الصيد. كل لحظة مشبعة بروح الجماعة، والانتماء، والبراءة التي سيفقدها الأبطال لاحقًا.
مشهد العروس التي تُسقط قطرة من النبيذ الأحمر على فستانها قد يبدو تفصيلاً بسيطاً، لكنه في سياق الفيلم يُعد نذير شؤم دقيق وموجع لما سيأتي. وما يجعل هذه المقدمة أكثر تأثيراً هو اللقاء العابر مع جندي عائد من فيتنام، جالس بصمت مريب، وكذلك جملة نيك (كريستوفر والكن) غير الواعية "أعتقد أنني سأحب الأشجار هناك"، التي تفضح جهله الكامل بما هو مقبل عليه.
تشيمينو لم يُعامل حرب فيتنام كمجرد خلفية للأحداث، بل جعلها شخصية خفية، حاضرة بظلالها في كل لحظة من الساعة الأولى. ومع دخول الشخصيات فعلياً إلى أتون الحرب، تصبح فيتنام كابوساً تجسّد ببطء، تفوق وحشيته كل توقعاتنا، وتضرب جذورها في ما كنا نظنه مجرد دراما محلية عن الصداقة والحب.
مشهد "الروليت الروسي" الشهير في الفيلم يعد من أكثر اللحظات تأثيرًا ورعبًا في تاريخ السينما، ويجسّد تمامًا ما تعنيه نهاية "هوليوود الجديدة"؛ تلك المرحلة التي تجرأت فيها السينما على خوض أقصى حدود التجربة النفسية والإنسانية. مثل هذا المشهد لا يمكن تصوره في سينما اليوم، ليس فقط لأن الأنظمة الإنتاجية الحديثة سترفضه، بل لأن القليل من المخرجين يمتلكون الحرفية والجرأة لنسج توتره بهذا الإتقان الصادم.
هذا المشهد لا يُنسى؛ يتسلل إلى أعصابك، ويجعلك تختبر الذعر، والعجز، والولاء في لحظة إنسانية مجردة. The Deer Hunter لا يُشاهد فقط، بل يعاش ويجبرك على التساؤل، ماذا لو كنت أنت هناك؟ ماذا كنت ستفعل؟
ثم تأتي المرحلة الأخيرة من الفيلم عودة مايكل إلى بيتسبرغ، حيث لا شيء يبدو كما كان. علاقته بليندا (ميريل ستريب) مشحونة بالصمت، بالحزن غير المعلن، بفقدان نيك الذي لا يعود. هنا يتجاوز الفيلم كونه عن الحرب، ليصبح عن آثارها الطويلة: كيف يظل الناجون أسرى لما تركوه خلفهم.
تشيمينو لا يُطيل عبثاً. كل لحظة محسوبة، وكل كادر مشبع بالندوب الداخلية لمايكل. النهاية في فيتنام، مع اللقاء الأخير بين مايكل ونيك، تظل تطارد الذاكرة. إنها ليست خاتمة فقط، بل صدمة حقيقية تعيد تعريف الألم، والندم، والذنب، على نحو لا يستطيع محوه الزمن.
جزء كبير من قوة The Deer Hunter يكمن في دقّته المذهلة واهتمامه العميق بالتفاصيل. مايكل تشيمينو لا يصنع مجرد فيلم عن الحرب، بل يبني عالماً كاملاً تعيشه لحظة بلحظة. من لقطات بيتسبرغ التي تلتقط روح الطبقة العاملة، إلى فيتنام التي تتحول إلى كابوس حيّ، لا يوجد مشهد يبدو زائداً عن الحاجة. كل صورة، كل حركة كاميرا، وكل صمت له معنى.
تشيمينو يعرف تماماً متى يرفع إيقاع الفيلم كدي نيرو في لحظة الغضب المستعر وهو يُطلق قاذف اللهب، أو في مشاهد الحرب المروعة ومتى يترك الصمت يتكلم، كما في اللحظات الحميمة بين كريستوفر والكن وميريل ستريب، حيث العيون تقول كل شيء قبل أن تُرسل الشخصيات إلى المجهول.
هذا ليس مجرد توجيه بصري؛ بل إحساس مدهش بالإيقاع العاطفي. تشعر وكأن تشيمينو لا يروي القصة فقط، بل يُصغي لما نشعر به نحن كمشاهدين. النتيجة هي عمل فني يجعلك تنسى أنك تشاهد فيلماً، ويجعلك تعيشه، وتخرج منه وأنت مثقل بما رآه قلبك، لا عيناك فقط.
تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 5 أيام
- البلاد البحرينية
The Deer Hunter .. تحفة سينمائية تعيد تعريف الألم
من بين الأفلام الكلاسيكية التي تُوصي بها نيويورك تايمز كمشاهدات لا غنى عنها قبل الموت، يبرز فيلم The Deer Hunter كعمل فني يصعب اختزال أثره في كلمات. فمشاهدته أو بالأحرى إعادة مشاهدته تثير شعورًا عميقًا بالرهبة والمسؤولية، لا سيما حين يكون الحديث عن أحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما من حيث التأثير والعمق الإنساني. تدور القصة حول ثلاثة أصدقاء من الطبقة العاملة "مايكل، ستيف، ونيك" يعيشون في بلدة صناعية في بنسلفانيا. بعد زفاف أحدهم، يقرر الثلاثة التوجه للقتال في حرب فيتنام. يبدأ الفيلم بتفاصيل حياتهم البسيطة والمترابطة، قبل أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب حين يدخلون أهوال الحرب. في فيتنام، يُؤسرون ويُجبرون على خوض تجربة الروليت الروسية في مشاهد مؤلمة ومشحونة بالتوتر. يعود مايكل إلى الوطن مثقلاً بالندوب النفسية، بينما يضيع نيك وسط دوامة الحرب، في مصير تراجيدي لا يُنسى. رغم أن الفيلم يمتد لثلاث ساعات، فإن كل مشهد فيه يبدو اليوم أكثر أهمية من ذي قبل. وعكس ما شعرت به قبل 20 عاماً عند مشاهدتي الأولى، لم أُدرِك هذه المرة طول الفيلم، بل بدت كل لحظة فيه ضرورية، وكأنها نُحتت بعناية لتروي ملحمة إنسانية عن الصداقة، والفقد، وجراح الحروب. قرار المخرج مايكل تشيمينو ببدء فيلم The Deer Hunter بحفل زفاف في بلدة بيتسبرغ الصناعية، يمنح العمل عمقًا عاطفيًا لا يُدرك إلا مع مرور الوقت. تلك الساعة الأولى، التي قد تبدو طويلة في سياق فيلم عن الحرب، تشكّل في الحقيقة الأساس الإنساني للفيلم. إنها توثّق حياة واقعية، تفاصيل يومية حقيقية: نهاية دوام العمل، الجلوس في الحانة، احتفال الزفاف، ثم رحلة الصيد. كل لحظة مشبعة بروح الجماعة، والانتماء، والبراءة التي سيفقدها الأبطال لاحقًا. مشهد العروس التي تُسقط قطرة من النبيذ الأحمر على فستانها قد يبدو تفصيلاً بسيطاً، لكنه في سياق الفيلم يُعد نذير شؤم دقيق وموجع لما سيأتي. وما يجعل هذه المقدمة أكثر تأثيراً هو اللقاء العابر مع جندي عائد من فيتنام، جالس بصمت مريب، وكذلك جملة نيك (كريستوفر والكن) غير الواعية "أعتقد أنني سأحب الأشجار هناك"، التي تفضح جهله الكامل بما هو مقبل عليه. تشيمينو لم يُعامل حرب فيتنام كمجرد خلفية للأحداث، بل جعلها شخصية خفية، حاضرة بظلالها في كل لحظة من الساعة الأولى. ومع دخول الشخصيات فعلياً إلى أتون الحرب، تصبح فيتنام كابوساً تجسّد ببطء، تفوق وحشيته كل توقعاتنا، وتضرب جذورها في ما كنا نظنه مجرد دراما محلية عن الصداقة والحب. مشهد "الروليت الروسي" الشهير في الفيلم يعد من أكثر اللحظات تأثيرًا ورعبًا في تاريخ السينما، ويجسّد تمامًا ما تعنيه نهاية "هوليوود الجديدة"؛ تلك المرحلة التي تجرأت فيها السينما على خوض أقصى حدود التجربة النفسية والإنسانية. مثل هذا المشهد لا يمكن تصوره في سينما اليوم، ليس فقط لأن الأنظمة الإنتاجية الحديثة سترفضه، بل لأن القليل من المخرجين يمتلكون الحرفية والجرأة لنسج توتره بهذا الإتقان الصادم. هذا المشهد لا يُنسى؛ يتسلل إلى أعصابك، ويجعلك تختبر الذعر، والعجز، والولاء في لحظة إنسانية مجردة. The Deer Hunter لا يُشاهد فقط، بل يعاش ويجبرك على التساؤل، ماذا لو كنت أنت هناك؟ ماذا كنت ستفعل؟ ثم تأتي المرحلة الأخيرة من الفيلم عودة مايكل إلى بيتسبرغ، حيث لا شيء يبدو كما كان. علاقته بليندا (ميريل ستريب) مشحونة بالصمت، بالحزن غير المعلن، بفقدان نيك الذي لا يعود. هنا يتجاوز الفيلم كونه عن الحرب، ليصبح عن آثارها الطويلة: كيف يظل الناجون أسرى لما تركوه خلفهم. تشيمينو لا يُطيل عبثاً. كل لحظة محسوبة، وكل كادر مشبع بالندوب الداخلية لمايكل. النهاية في فيتنام، مع اللقاء الأخير بين مايكل ونيك، تظل تطارد الذاكرة. إنها ليست خاتمة فقط، بل صدمة حقيقية تعيد تعريف الألم، والندم، والذنب، على نحو لا يستطيع محوه الزمن. جزء كبير من قوة The Deer Hunter يكمن في دقّته المذهلة واهتمامه العميق بالتفاصيل. مايكل تشيمينو لا يصنع مجرد فيلم عن الحرب، بل يبني عالماً كاملاً تعيشه لحظة بلحظة. من لقطات بيتسبرغ التي تلتقط روح الطبقة العاملة، إلى فيتنام التي تتحول إلى كابوس حيّ، لا يوجد مشهد يبدو زائداً عن الحاجة. كل صورة، كل حركة كاميرا، وكل صمت له معنى. تشيمينو يعرف تماماً متى يرفع إيقاع الفيلم كدي نيرو في لحظة الغضب المستعر وهو يُطلق قاذف اللهب، أو في مشاهد الحرب المروعة ومتى يترك الصمت يتكلم، كما في اللحظات الحميمة بين كريستوفر والكن وميريل ستريب، حيث العيون تقول كل شيء قبل أن تُرسل الشخصيات إلى المجهول. هذا ليس مجرد توجيه بصري؛ بل إحساس مدهش بالإيقاع العاطفي. تشعر وكأن تشيمينو لا يروي القصة فقط، بل يُصغي لما نشعر به نحن كمشاهدين. النتيجة هي عمل فني يجعلك تنسى أنك تشاهد فيلماً، ويجعلك تعيشه، وتخرج منه وأنت مثقل بما رآه قلبك، لا عيناك فقط. تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.


البلاد البحرينية
٢٥-٠٧-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
تأجيل فيلم مايكل جاكسون إلى 24 أبريل 2026
يستعد فيلم السيرة الذاتية لملك موسيقى البوب الراحل مايكل جاكسون، من إنتاج شركتي لايونزغيت ويونيفرسال، لإبهار الجماهير العام المقبل، بعد تأجيل إطلاقه عدة مرات، كان آخرها من خريف 2025. ومن المقرر الآن أن يصل فيلم " (Michael) للمخرج أنطوان فوكوا إلى دور العرض وشاشات آيماكس في 24 أبريل 2026. يمثل هذا الفيلم الظهور الأول لـ جعفر جاكسون، ابن شقيق مايكل جاكسون، في دور البطولة كأيقونة موسيقى البوب. تتولى "لايونزغيت" توزيع الفيلم محلياً في الولايات المتحدة، بينما تتولى "يونيفرسال" إطلاقه عالمياً. أفادت "هوليوود ريبورتر" سابقاً أن فيلم "مايكل" كان مقرراً له 22 يوماً من التصوير الإضافي في يونيو. وأشارت المصادر حينها إلى أن الفيلم، الذي كان من المفترض في البداية أن يغطي حياة النجم بأكملها وأن يكون طويلاً، من المتوقع الآن أن ينتهي بخروج جاكسون من فرقة عائلته "جاكسونز بعد إصدار ألبومه المنفرد الأول "Off the Wall" عام 1979. وتفيد مصادر لـ "هوليوود ريبورتر" أن فيلماً ثانياً، يركز على بقية مسيرة جاكسون المهنية، لا يزال قيد التطوير. وقد حقق جاكسون بالفعل الكثير في عالم الموسيقى بعد عام 1979، بالنظر إلى أن ألبومه لعام 1982 "Thriller"، والذي يضم أغنيتي "Beat It" و"Billie Jean"، لا يزال الألبوم الأكثر مبيعاً على الإطلاق. تُوفي جاكسون في يونيو 2009 عن عمر يناهز 50 عاماً. يضم طاقم عمل فيلم "مايكل" كلاً من كولمان دومينغو في دور والد النجم، جو جاكسون، ونيا لونج في دور والدته كاثرين. ويشارك في الفيلم أيضاً مايلز تيلر، لورا هاريير، كات غراهام، لارنز تيت، وديريك لوك. يتولى غراهام كينغ، جون برانكا، وجون ماكلين إنتاج الفيلم، الذي كتب نصه جون لوغان. وقد عُرضت لقطات من فيلم "مايكل" لأول مرة في مؤتمر "سينماكون" العام الماضي، حيث كشف المنتج كينغ أن الفيلم سيتضمن 30 أغنية، وهناك ألمح رئيس أفلام "لايونزغيت" آدم فوغيلسون للجمهور بأن أخباراً جديدة حول المشروع ستصدر قريباً، لكنه لم يذكر موعد إطلاق محدد في ذلك الحين.


البلاد البحرينية
٢٠-٠٧-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
"الفك المفترس".. هل دمر صناعة السينما أم غيّر قواعد اللعبة؟
في الذكرى الخمسين لفيلم (Jaws) أو الفك المفترس، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالًا بعنوان "توقفوا عن لوم Jaws على تدمير الأفلام". يدافع المقال بحق عن فيلم يعد كلاسيكية محددة للنوع ومعجزة تقنية، لكنه يثير تساؤلًا مهمًا، إذا كنا نتحدث عن التدهور الصناعي والثقافي للسينما الأميركية، فهل يجب أن نلوم الفيلم نفسه أم نموذج التسويق الذي أرساه؟ في عام 1996، كتبت "سوزان سونتاغ" مقالًا مؤثرًا بعنوان "تدهور السينما" في صحيفة "نيويورك تايمز". وصفت السينما بأنها "التي كانت تعتبر فن القرن العشرين، تبدو الآن، مع اقتراب نهاية القرن، فنًا منحطًا". لم تكن سونتاغ ترثي الأفلام السيئة فحسب، بل كانت تشير إلى تحول في كيفية تصور الأفلام وتسويقها واستهلاكها. فبينما كانت التجربة السينمائية في السابق تشبه "الاختطاف" إلى عالم آخر، أصبحت الآن امتدادًا لتسويق التلفزيون – وهو اتجاه تسارع مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي. ما وصفته سونتاغ بأنه عرض، ساعد "الفك المفترس" في هندسته كسبب. لم يكن "Jaws" أول فيلم يحقق إيرادات ضخمة، لكنه كان أول فيلم يصبح فيلمًا ضخمًا بالتصميم. على عكس النجاحات السابقة مثل "ذهب مع الريح" أو "صوت الموسيقى" التي بنت سمعتها ببطء عبر تناقل الأحاديث، افتتح "Jaws" على نطاق واسع – أكثر من 450 شاشة في عطلة نهاية الأسبوع الأولى – مدعومًا بحملة إعلانية تلفزيونية مكثفة. لم يكن هذا مجرد إصدار كبير، بل كان تحولًا في فلسفة هوليوود. اعتادت الأفلام المرموقة أن تتوسع ببطء، وتجد جمهورها مدينة تلو الأخرى. بينما كانت الأفلام منخفضة الميزانية تطلق على نطاق محلي. "Jaws" دمج طريقة إطلاق الأفلام منخفضة الميزانية مع هيبة الاستوديو – وحقق نجاحًا هائلًا. لم يكن الرجل وراء هذا التحول هو المخرج ستيفن سبيلبرغ، الذي يستحق إبداعه كمخرج الثناء. بل كان الرئيس التنفيذي لشركة يونيفرسال ليو واسرمان، وكيل التلفزيون السابق الذي أدرك شيئًا لم يفهمه منافسوه وهو أن التلفزيون لم يكن تهديدًا للسينما، بل كان مستقبل كيفية تسويق السينما لنفسها. كانت النتائج لا يمكن إنكارها. في صيف عام 1975، أصبح "Jaws" الفيلم الأعلى إيرادًا على الإطلاق، متفوقًا على (The Godfather)، الملحمة الدرامية التي استغرقت 3 ساعات والتي مثلت الطموح الدرامي للمدرسة القديمة. ولم تكن هذه مجرد ومضة. قبل 10 سنوات، تضمنت الأفلام الرائدة أفلامًا موسيقية ("صوت الموسيقى")، ودرامية تاريخية ("دكتور جيفاغو")، وأفلام وسترن ("كات بالو"). وبعد 10 سنوات، سيطرت على شباك التذاكر أفلام مثل (Back to the Future)، و(Rambo II)، و(Rocky IV). مفاهيم كبيرة، حركة كبيرة، سلاسل أفلام ضخمة. لم يتغير المحتوى فقط، بل تغير كل شيء آخر. "الفك المفترس 2"، الذي صدر عام 1978، لم يكن أول جزء تالٍ يتم إنتاجه للاستفادة من سابقه، لكنه كان من أوائل الأفلام التي فعلت ذلك بلا خجل – وبشكل مربح، حيث حقق أكثر من 50 مليون دولار من الإيرادات المحلية وحدها. وبحلول الوقت الذي وصل فيه "الفك المفترس 3" و"الفك المفترس: الانتقام" إلى الشاشات، كانت النموذج قد تفشى، صناعة الأفلام التي تعطي الأولوية للعلامة التجارية، والمنتجات المرتبطة، والأجزاء الفارغة، والتقليد الوقح. منذ ذلك الحين، نعيش في ظل إرث "الفك المفترس". اليوم، تهيمن الأفلام ذات السلاسل والأفلام الضخمة ذات الميزانيات الهائلة على حصة السوق المسرحية، بينما غالبًا ما تُحصر الدراما الأصغر والقصص ذات الميزانيات المتوسطة في إصدارات محدودة أو تُلقى مباشرة على خدمات البث. بالنظر إلى أفضل عشرة أفلام في شباك التذاكر لعام 2015، بعد أربعين عامًا من "Jaws"، نجد أن كل واحد منها إما فيلم من سلسلة رئيسية أو فيلم رسوم متحركة بميزانية ضخمة – جميعها افتتحت على نطاق واسع، وجميعها دُفعت بحملات تسويقية ضخمة. ثلاثة منها جاءت من شركة يونيفرسال. لا تزال رؤية سونتاغ قائمة، "بينما كان هناك دائمًا صراع بين السينما كصناعة والسينما كفن، لم يكن الصراع لدرجة تجعل صنع أفلام رائعة مستحيلًا والآن، مال التوازن بشكل حاسم لصالح السينما كصناعة." ما بدأ مع صعود حركة هوليوود الجديدة في أواخر الستينيات – أفلام مثل (Easy Rider)، و(The Conversation)، و(Dog Day Afternoon) – تم إيقافه بشكل حاسم، ليس بسبب سوء السرد القصصي، ولكن بسبب جداول بيانات أفضل. أدرك المدراء التنفيذيون في الاستوديوهات أنهم لا يحتاجون إلى المخاطرة عندما يمكن للمفاهيم المثيرة، والحبكات النمطية، والتعرف على العلامة التجارية أن تضمن العوائد. أكد "Jaws" الاتجاه الذي كانت تتجه إليه الصناعة. لم يدمر السينما بكونه فيلمًا سيئًا – بل هو ممتاز. لكن من خلال الجمع بين قصة مثيرة ومتاحة مع استراتيجية تسويق غير مسبوقة، أصبح دليل المفهوم للنظام الذي ما زلنا محاصرين فيه، صناعة أفلام تختبرها السوق، وتدفعها الضجة الإعلامية، وتضع الربح أولاً. تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.