logo
كود الردع: الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل

كود الردع: الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل

الجزيرةمنذ 4 ساعات

شهدت الساحة السيبرانية في يونيو/ حزيران 2025 تصعيدًا حادًّا بين إيران وإسرائيل، عكس تحولًا جديدًا في طبيعة الاشتباك غير المعلن بين الطرفين؛ فقد تعرضت هواتف إسرائيلية لاختراق واسع النطاق، فيما اختُرِق البث التلفزيوني الرسمي الإيراني، وتلا ذلك إنذار عاجل بإخلاء مقري قناتي 12 و14 الإسرائيليتين. وفي هجوم آخر، شلّت عملية سيبرانية بنك "سبه" الحكومي في طهران، وقد أعلنت مجموعة تُدعى "العصفور المفترس" مسؤوليتها عنها، مؤكدةً "تدمير كافة بيانات البنك".
لا يمكن قراءة هذه الحوادث بمعزل عن السياق الأوسع لصراع طويل الأمد؛ يتجاوز الحدود الجغرافية، ويُخاض عبر كودات وشبكات خفية. هذا الصراع، الذي يُعد نموذجًا أوليًّا لحروب القرن الحادي والعشرين، يختزل في جوهره ما يمكن تسميته بـ"كود الردع".
تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي
يشهد الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران تطورًا متسارعًا، يعكس تحوّلًا عميقًا في شكل النزاعات الحديثة، حيث بات الفضاء السيبراني لا مجرد ساحة خلفية للمواجهة، بل ميدانًا رئيسيًّا يؤثر في ميزان القوى ويعيد تعريف مفاهيم الردع والسيادة. لم يعد اختراق البنية التحتية أو تعطيل شبكة كهرباء أو تسريب بيانات، مجرد حوادث منفصلة، بل تحوّلت إلى أدوات إستراتيجية تُستخدم بوعي بالغ لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك الإقليمي، من دون اللجوء إلى الحرب التقليدية.
يعتمد النموذج الإيراني في هذا الصراع على بنية مرنة ومتشعبة، تستند إلى ما يمكن وصفه بـ'اللامركزية المنظمة'، حيث تتداخل الأذرع الرسمية مع الجهات غير الرسمية في شبكة عمل منسقة، تُخفي آثارها ضمن الضجيج الرقمي العالمي. الفرق الحكومية، مثل APT34 وAPT39، تؤدي أدوارًا استخباراتية طويلة المدى، تستهدف البنية المعلوماتية للخصوم، وتعمل على بناء قواعد بيانات متقدمة حول الأهداف الإستراتيجية.
في الوقت ذاته، تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي. هذه المجموعات لا تحرص على الإخفاء بقدر ما تسعى إلى إرسال رسائل مباشرة، سواء عبر تلغرام أو عبر تسريبات على مواقع مفتوحة، ما يضيف بُعدًا نفسيًّا للهجمات، ويخلق حالة من القلق العام داخل الدولة المستهدفة.
طبيعة هذه الجماعات تُتيح لإيران هامش مناورة كبيرًا؛ فهي تنفي رسميًّا علاقتها بها، لكنها في الواقع تستفيد منها سياسيًّا وأمنيًّا، وتوظفها في حروب رمادية يصعب تتبع مصدرها بدقة. هذا النمط من الهجمات يجعل من الصعب تحميل المسؤولية لأي جهة محددة، ويفتح المجال أمام ما يشبه 'الاشتباك المستدام' دون عتبة صريحة للحرب.
على الجانب الآخر، تتبنى إسرائيل نهجًا شديد المركزية والانضباط، يعتمد على بنى أمنية عالية التنظيم والتقنية، تتصدرها 'الوحدة 8200'، المعروفة بكونها واحدة من أرفع وحدات الاستخبارات السيبرانية عالميًّا. العمليات الإسرائيلية غالبًا ما تُنفَّذ في صمت، وتُصمم لتكون دقيقة وفعّالة، وتُدار وفق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، ليس فقط لإحباط مخططات آنية، بل لتقويض القدرة المستقبلية للخصم على العمل. الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل عادة ما تتسم بالطابع النوعي، مثل اختراق أنظمة التحكم الصناعية، أو تعطيل الشبكات النووية، أو ضرب مراكز اتصالات حرجة في عمق الأراضي الإيرانية.
تبرز "دودة ستوكسنت" بوصفها العلامة الفارقة في هذا المسار؛ فهي لم تكن مجرّد هجوم سيبراني، بل سابقة نوعية غيّرت وجه الحروب الرقمية. القدرة على إلحاق ضرر مادي ببنية نووية من خلال كود رقمي وحده، دون أي تدخل ميداني، أعادت تعريف معنى السلاح، وكسرت المعادلة التقليدية التي تربط الأثر العسكري بالقوة النارية. لقد فتحت "ستوكسنت" الباب أمام عصر جديد، يمكن فيه لدولة أن تعطل مشروعًا إستراتيجيًّا معاديًا وهي لا تزال خارج دائرة الاتهام الرسمي، بل وقد تظل غير مرئية بالكامل.
بعد تصاعد التوتر في مناسبات متتالية، خاصة بعد عملية 'الأسد الصاعد'، أصبح الصراع السيبراني أكثر جرأة واستهدافًا للبنية الداخلية للدولة. محاولات تعطيل نظام 'تسوفار'، المعني بإنذار السكان في حالات الطوارئ، وكذلك استهداف البنية الإعلامية وشركات الطاقة، كل ذلك يشير إلى تحول نوعي في تفكير الفاعلين السيبرانيين: لم يعد الهدف فقط تجميع المعلومات أو استنزاف موارد الخصم، بل التأثير في القدرة على إدارة الدولة ذاتها في لحظات الأزمات، ما يعني أن السيبرانية أصبحت أداة لـ'تعطيل الدولة' وليس فقط إرباكها.
وعلى خط موازٍ، أصبحت الحرب السيبرانية أيضًا قناة لحرب نفسية مديدة. تقوم إيران، وفق نمط متكرر، باختراق قواعد بيانات وشركات إسرائيلية، ثم تسريبها مع تعليقات دعائية تهدف إلى زعزعة ثقة الجمهور بقيادته، وإظهار هشاشة منظومته الأمنية. تستخدم في ذلك أدوات متطورة: روبوتات اجتماعية، وحملات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ونشر منظم للروايات المضللة. والهدف ليس التأثير الآني فقط، بل نحت صورة نفسية طويلة الأمد مفادها أن الخصم مخترَق وضعيف، حتى وإن لم تسقط عليه قذيفة واحدة.
تشهد الساحة السيبرانية حاليًّا سباقًا محمومًا نحو تطوير "أسلحة سيبرانية- جيل رابع" تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ما يضيف طبقات جديدة من التعقيد لمعادلة الردع. كما برزت ظاهرة "الوكلاء السيبرانيين" كعنصر محوري في إستراتيجية التصعيد المحدود، حيث تتيح للدول تنفيذ عمليات معقدة مع الحفاظ على قابلية الإنكار.
يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ
الإشكال الأكبر، الذي يُضفي على هذا الصراع بعدًا غير تقليدي، هو غياب أية قواعد دولية ناظمة.. لا توجد اتفاقيات تحدد ما يشكّل "عدوانًا سيبرانيًّا"، ولا آليات محاسبة فعالة، ولا خطوط حمراء مُعترف بها عالميًّا. وهذا ما يجعل من الفضاء السيبراني منطقة شبه خارجة عن القانون، تُمارس فيها الدول ما تشاء، طالما أنها لا تُمسك متلبسة. هذا الغموض القانوني يوفر غطاءً مثاليًّا لكل من يريد أن يضرب خصمه دون أن يتحمل كلفة سياسية مباشرة، ويُغري بالمزيد من التصعيد التدريجي الذي يراكم التوتر دون أن يفضي بالضرورة إلى الحرب، لكنه في الوقت ذاته يقربها باستمرار.
البعد السيبراني بات يضاف إلى عنصر مركزي في معادلة الردع، يكمّل القوة العسكرية، ويتجاوزها في بعض الحالات؛ فبينما تحتاج الصواريخ والطائرات إلى إذن سياسي وكلفة دبلوماسية، فإن الهجمات السيبرانية يمكن أن تُنفَّذ دون ضجيج، وتُحدث أثرًا بالغًا دون الحاجة إلى إعلان حالة حرب. وقد بات واضحًا أن كل طرف من الطرفين، إيران وإسرائيل، يعمل بوتيرة متسارعة على تعزيز ترسانته السيبرانية الهجومية والدفاعية، باعتبار أن الجولة القادمة من الصراع قد لا تُحسم في الجو أو البحر، بل في أعماق الكود، ومن خلال شبكات لا تُرى، لكنها تصوغ ملامح الأمن الإقليمي بعمق لا يقل عن أي معركة في الميدان.
ختاماً، يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ. هذا التحول لا يعيد تعريف أدوات الردع فحسب، بل يطرح إشكاليات عميقة حول طبيعة الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين. ويعكس في الوقت ذاته نموذجًا جديدًا للصراع، يتسم باللامركزية والغموض وعدم التماثل، يجسد ما يمكن تسميته "كود الردع" في العلاقات الدولية المعاصرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"يمثل إرادتنا".. الخارجية الإيرانية تعلق على تصويت برلماني ضد الطاقة الذرية
"يمثل إرادتنا".. الخارجية الإيرانية تعلق على تصويت برلماني ضد الطاقة الذرية

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

"يمثل إرادتنا".. الخارجية الإيرانية تعلق على تصويت برلماني ضد الطاقة الذرية

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن مشروع قرار وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية"يمثل إرادتنا، وردا على الهجمات غير القانونية علينا"، مؤكدا أنه من حق البرلمان أن يشعر بالريبة تجاه مواقف الوكالة الدولية. وجاء حديث بقائي للجزيرة بعد تصويت نواب البرلمان الإيراني اليوم الأربعاء لصالح مشروع قانون لتعليق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية. وصوّت 221 نائبا من أصل 290 لصالح مشروع القانون، وامتنع نائب واحد عن التصويت، في حين لم يصوت أي نائب ضده، وفقا للتلفزيون الرسمي الإيراني. ووفق بقائي، فإن طهران كانت تتوقع إدانة واضحة وصارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للاعتداء على منشآتها النووية، مشيرا إلى أن المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي مطالب بتوضيح موقف الوكالة تجاه الاعتداء على إيران. ووصف موقف وكالة الطاقة الذرية بأنه "لم يكن إيجابيا تجاه الهجمات علينا"، معربا عن قناعته بأن الوكالة هي المطالبة بالعمل على بناء الثقة تجاه طهران. وشدد بقائي على ضرورة حماية وتأمين منشآت إيران النووية وعلمائها بعد الضربات العسكرية وعمليات الاغتيالات التي استهدفت برنامجها النووي والقائمين عليه. وفي وقت سابق اليوم الأربعاء، نقل التلفزيون الإيراني عن رئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف قوله إن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ستقوم بـ"تعليق التعاون مع الوكالة حتى يتم ضمان أمن منشآتنا النووية، وسيتقدم البرنامج النووي السلمي الإيراني بوتيرة أسرع". بدورها، نقلت وكالة إيسنا عن عضو هيئة الرئاسة في البرلمان علي رضا سليمي قوله إن مشروع القانون ينص على منع دخول مفتشي الوكالة إلى إيران ما لم يتم تأمين وضمان أمن المنشآت النووية الإيرانية. ويحتاج قرار البرلمان إلى مصادقة مجلس صيانة الدستور ، وهو الهيئة المخولة بمراجعة التشريعات، كما يتطلب الموافقة النهائية من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وقبل أيام، توعد علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني بمحاسبة غروسي عندما تنتهي الحرب، وكشف أن الولايات المتحدة في المراحل الأخيرة من المفاوضات -قبيل الحرب- لم تكن تسعى لحل القضايا، بل كانت تحاول فرض مطالب محددة على إيران. في المقابل، قال غروسي إن المجموعة الدولية لا يمكن أن تقبل انقطاع التفتيش في المنشآت النووية الإيرانية. وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الثلاثاء دخول اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ عقب حرب بدأتها تل أبيب يوم 13 يونيو/حزيران الجاري بهدف معلن هو القضاء على البرنامجين النووي والصاروخي لطهران. وردّت إيران بسلسلة من الهجمات الصاروخية التي خلّفت دمارا غير مسبوق في عدة مدن إسرائيلية، في حين تدخلت واشنطن في الحرب، إذ شنّت ضربات على 3 مواقع نووية رئيسية في إيران أبرزها منشأة فوردو.

هل ينجح ترامب في انسحاب أميركي سريع من صراع إسرائيل وإيران؟
هل ينجح ترامب في انسحاب أميركي سريع من صراع إسرائيل وإيران؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

هل ينجح ترامب في انسحاب أميركي سريع من صراع إسرائيل وإيران؟

جوزيف ستيبانسكي – واشنطن في مناورة شديدة الخطورة، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشاركة في قصف إيران ثم سعى بسرعة لتهدئة التوتر، مخلفا تساؤلات بشأن قدرة واشنطن على "الخروج النظيف" من هذا المأزق الدموي. ووفقا لمحللين تحدثوا لجوزيف ستيبانسكي من موقع الجزيرة الإنجليزي، لاتزال تساؤلات مقلقة قائمة حول جدوى التدخل العسكري الأميركي، حتى وإن تجنب ترامب اندلاع حرب أوسع. انضمت الولايات المتحدة إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران فجر الأحد الماضي، حيث أرسلت طائرات بي-2 الشبح لقصف 3 مواقع نووية إيرانية. ووصف ترامب هذا التحرك العسكري بأنه جزء من هدف واشنطن طويل الأمد لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. إلا أن القصف أثار ردًّا انتقاميا، إذ أطلقت إيران صواريخ على قاعدة العديد الجوية في قطر يوم الاثنين. ومنذ ذلك الحين، أعلن ترامب وقف إطلاق نار بين جميع الأطراف وادعى أنه استطاع "إيقاف الحرب"، مشيرًا إلى أن القصف "وَحّد الجميع". لكن وسائل الإعلام شككت في ما إذا كان ترامب قد دمّر فعليًا المنشآت النووية الإيرانية كما زعم. وقد وجّه انتقادات لكلٍ من إيران وإسرائيل لانتهاكهما المبكر لوقف إطلاق النار. رغم البداية المتعثرة لوقف إطلاق النار، يبدو أن قادة إيران وإسرائيل التزموا بخطاب ترامب الداعي إلى السلام. فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، عقب اتصال من ترامب، أن إسرائيل ستتجنب مزيدًا من الهجمات، بعدما "حققت أهداف الحرب كافة". في المقابل، أشاد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بـ"المقاومة البطولية" لبلاده، وأعلن احترام الهدنة والسعي لحماية المصالح الإيرانية عبر الدبلوماسية. لكن الخبراء يحذرون من أن الحديث عن السلام قد يُخفي تحديات أكبر في الأفق. صرح تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي، للجزيرة أن تصريحات ترامب القاسية تجاه إسرائيل تكشف عن إحباط متزايد من حليف أميركا القديم، وأشار إلى أن فصل الولايات المتحدة عن حرب إسرائيل ضد إيران قد يكون أصعب مما يبدو. وقال بارسي "من الضروري أن ندرك أن إسرائيل لا تريد نهاية للقتال، ويبدو أن ترامب بدأ يدرك مدى تباعد مصالح أميركا وإسرائيل في هذا الملف". لطالما أشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن عملياتهم تستهدف تغيير النظام الإيراني، وهو هدف كان ترامب قد دعمه الأسبوع الماضي لكنه تراجع عنه لاحقا. وصرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الثلاثاء بأن "فصلًا مهمًا قد انتهى، لكن الحملة ضد إيران لم تنته". يرى بارسي أن موقف إسرائيل هذا يتباين مع موقف ترامب، رغم أن الأخير أبدى استعدادا أكبر من أسلافه لقول "لا" لإسرائيل. لكنه أضاف أن ترامب لم يتمكن من التمسك بهذا الرفض بشكل فعال، مشيرا إلى موقفه من وقف إطلاق النار في غزة. مع ذلك، يرى بارسي أن ترامب يتمتع بـ"مرونة لافتة" في قدرته على التدخل العسكري ثم التراجع عنه. فقد شنَّ غارات جوية ضد الحوثيين في اليمن لمدة 45 يومًا، لكنه أعلن وقفًا لإطلاق النار بحلول مايو/ أيار الماضي. مخاطر الغرق في المستنقع من جانبها، تبدو إيران حريصة على إيجاد مخرج من الصراع، إذ أكد محللون للجزيرة أن طهران تسعى لتجنب أي خطوات قد تعيد واشنطن إلى ساحة القتال. قبل الهجوم، كانت هناك محادثات بين واشنطن وطهران لتقليص برنامج إيران النووي. لكن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ يوم 13 يونيو/ حزيران نسف تلك الجهود. تقول نِجار مرتضوي، الزميلة بمركز السياسات الدولية، إن إيران ما زالت منفتحة على العودة إلى طاولة المفاوضات، مضيفةً أن طهران طالما أكدت أن برنامجها النووي مدني الطابع. وأردفت "إذا قبل ترامب ذلك، فهناك إمكانية قوية للتوصل إلى اتفاق". غير أن ترامب لم يوضح على وجه التحديد ما الذي سيقبله، إذ وصف القصف بأنه "تدمير لكل المنشآت والقدرات النووية"، دون تمييز واضح بين الاستخدام المدني والعسكري. وقد ناقضت هذه التصريحات تقارير مسرّبة أشارت إلى أن البرنامج النووي الإيراني تضرر لكنه لم يُدمّر، ويمكن إعادة بنائه في غضون أشهر. لكن مرتضوي تعتقد أن إيران لن تجد أمامها سوى خيار العودة للتفاوض، ولو من موقع ضعف، مقترحة احتمال إنشاء "كونسورتيوم" إقليمي لمراقبة البرنامج. وقالت "البديل، أي الحرب، سيكون مدمرا للمدنيين، وقد يتحول إلى مستنقع مثل العراق أو أفغانستان". إستراتيجية ترامب بحسب سينا أزودي، أستاذ السياسة في جامعة جورج واشنطن، فإن خطاب ترامب عقب إعلان الهدنة قد يكشف نواياه، وقال "ترامب يريد أن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي استخدم القوة ثم أنهى الحرب بسرعة". وهو لا يرغب في الانجرار إلى صراع أوسع قد يغضب أنصاره من دعاة "أميركا أولًا". ويرى البعض أن هذه المقاربة منحت ترامب القدرة على إرضاء الصقور، دون استعداء معارضي التدخل العسكري. لكن أزودي حذر قائلًا: "من المستحيل التنبؤ بما سيحدث لاحقًا، نظرًا لأسلوب ترامب المتقلب". حتى الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيستمر في دعوته للسلام بعد الهجوم. يواجه الرئيس الأميركي انتقادات حادة، خاصة بشأن فعالية الضربات على منشآت مثل فوردو، والتي يقول إنها "دُمرت بالكامل"، رغم شكوك وسائل الإعلام. إعلان وأشار أزودي إلى أن إيران نقلت كثيرًا من مخزون اليورانيوم قبيل القصف، مما يعني أن الأهداف المحققة لم تكن بالحجم الذي زعمه ترامب. كما أضاف أن الهجوم انتهك القانون الدولي، إذ استهدف منشأة خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما قد يدفع إيران للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار. وقال "نعم، قد يفتخر ترامب على منصة توث سوشال بأنه دمّر البرنامج النووي الإيراني، لكنك لا تستطيع قصف المعرفة. المادة الانشطارية باقية، والنية للخروج من المعاهدة باتت أقوى".

نيويورك تايمز: هل الضربة النووية الأميركية لإيران رادعة للآخرين أم محفزة لهم؟
نيويورك تايمز: هل الضربة النووية الأميركية لإيران رادعة للآخرين أم محفزة لهم؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

نيويورك تايمز: هل الضربة النووية الأميركية لإيران رادعة للآخرين أم محفزة لهم؟

في تحليل إخباري بصحيفة نيويورك تايمز، تساءل الكاتب مارك لاندر عما إذا كانت الضربات الاستباقية التي شنتها الولايات المتحدة مساء السبت الماضي على المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية ستثني الدول الأخرى عن السعي لامتلاك السلاح النووي، أم أن العكس هو الصحيح تماما. ووفق المقال التحليلي، فقد مضى ما يقرب من عقدين من الزمن لم تستطع أي دولة شق طريقها إلى نادي الدول النووية، وقد أخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نفسه عهدا بإبقاء الباب مغلقا بقصفه المنشآت النووية الإيرانية الثلاث في فوردو ونطنز وأصفهان. قصف ترامب منشآت إيرانية يثير مخاوف من أن تستخلص إيران ودول أخرى منه استنتاجا مختلفا تماما عما قصده البيت الأبيض، وهو أن امتلاك قنبلة نووية هي الوسيلة الوحيدة التي توفر لها الحماية في عالم محفوف بالمخاطر ويعتقد لاندر أن من الصعب التنبؤ بما إذا كانت تلك الضربات الاستباقية ستنجح في ذلك، لكنه يعتقد أنها تثير مخاوف من أن تستخلص منها إيران ودول أخرى استنتاجا مختلفا تماما عما قصده البيت الأبيض، وهو أن امتلاك قنبلة نووية هي الوسيلة الوحيدة التي توفر لها الحماية في عالم محفوف بالمخاطر. مقاربة متباينة ويورد الكاتب أن كوريا الشمالية التي كانت آخر دولة تحصل على القنبلة النووية، لم تتعرض لمثل الهجوم الذي شُن على إيران، بل يُنظر إليها الآن على أنها محصّنة إلى حد كبير من أي اعتداء بعد أن تحدت كل المطالب بتفكيك برنامجها النووي. وقارن لاندر -الذي يعمل مديرا لمكتب نيويورك تايمز في لندن – بين تعامل الولايات المتحدة مع كل من كوريا الشمالية وإيران فيما يتعلق بالقضية النووية، وما ينطوي عليه من مفارقة. وقال إن ترامب تبادل مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون رسائل ودية، والتقى به مرتين في محاولة غير مثمرة للتفاوض على صفقة. لكن في حالة إيران، أرسل الرئيس الأميركي قاذفات القنابل من طراز "بي-2" لضرب منشآتها النووية عقب أسابيع قليلة من إعلانه مبادرة دبلوماسية جديدة لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات. والحقيقة التي يؤكدها الخبراء أن الضربات الاستباقية قد تجعل إيران حريصة الآن على امتلاك سلاح نووي. واستشهد لاندر على ذلك بتصريح أدلى به روبرت آينهورن، خبير الحد من التسلح الذي تفاوض مع إيران في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. إعلان وقال آينهورن في ذلك التصريح إن مخاطر امتلاك إيران ترسانة نووية صغيرة أصبحت الآن أعلى مما كانت عليه قبل أحداث الأسبوع الماضي. غير أنه يزعم أن إيران ستواجه عقبات هائلة لإنتاج قنبلة نووية حتى لو اندفعت بشكل منسق للحصول على واحدة، ليس أقلها أن تكتشف الولايات المتحدة و إسرائيل مثل تلك الخطوة لتضربها من جديد. إغراء القنبلة النووية ومع ذلك، يحذر لاندر من أن منطق الانتشار النووي يلوح في الأفق في عالم يُنظر فيه إلى القوى العظمى المسلحة نوويا -وهي الولايات المتحدة و روسيا و الصين – على أنها غير موثوقة بشكل متزايد، بل تنزع إلى افتراس جيرانها. ويفيد محللون بأن الدول غير النووية تراقب محنة إيران من الخليج وأوروبا الوسطى إلى شرق آسيا لاستخلاص الدروس واستقاء العبر منها. وفي هذا الصدد، يقول كريستوفر هيل -الذي قاد محادثات مع بيونغ يانغ في عامي 2007 و2008 لمحاولة إقناعها بتفكيك برنامجها النووي- إن كوريا الشمالية لا تشعر قط بالندم على امتلاكها أسلحة نووية. وأضاف أن إغراء القنبلة النووية أصبح أقوى بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا. ورغم أن هذه الدول ظلت تحت حماية المظلة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن هيل يحذرها من أنها الآن تتعامل مع رئيس، في شخص ترامب، يرى أن التحالفات لا تتوافق مع رؤيته التي تقوم على تفضيل "أميركا أولا". وأشار إلى أن دولا مثل اليابان و كوريا الجنوبية تتساءل عما إذا كان بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة. وقال إن اليابان -على سبيل المثال- ابتدرت نقاشا داخليا حول ما إذا كان ينبغي عليها أن تُخزِّن أسلحة نووية من الولايات المتحدة على أراضيها، كما يفعل بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو). تهديدات بوتين وتطرّق المقال التحليلي إلى تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام أسلحة نووية تكتيكية في وقت مبكر من حربه على أوكرانيا، الأمر الذي منح إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن فسحة من الوقت لتسليح الجيش الأوكراني بقوة. كما أن تهديدات بوتين تلك زادت المخاوف من أن القوى الأخرى التي تسعى لتغيير النظام الدولي القائم قد تستخدم الابتزاز النووي لتخويف جيرانها. وقد يكون الدرس المستفاد من أوكرانيا هو "إذا كانت لديك أسلحة نووية، احتفظ بها. وإذا لم تكن تملكها بعد، فاحصل عليها، خاصة إذا كنت تفتقر إلى حليف قوي مثل الولايات المتحدة يدافع عنك، أو إذا كنت منخرطا في نزاع مع دولة كبيرة من المحتمل أن يتحول إلى حرب"، كما كتب بروس ريدل ومايكل أوهانلون، المحللان في معهد بروكينغز -وهي مجموعة بحثية في واشنطن – عام 2022. أحلام محطمة ورغم كل التنبؤات بانطلاق سباق تسلح إقليمي، فإن كاتب المقال يؤكد أن شيئا من ذلك لم يحدث بعد، لافتا إلى أن الخبراء يعدون ذلك دليلا على نجاح سياسات منع انتشار الأسلحة النووية، وكذلك على التاريخ المتقلب للدول التي سعت إلى امتلاك تلك الأسلحة. وأوضح أن أحلام دول الشرق الأوسط في الحصول على الأسلحة النووية قد تحطمت في مشهد فوضوي، وليس أدل على ذلك من أن برامج نووية لدول في المنطقة، مثل العراق و سوريا وليبيا، تمّ تفكيكها إما عبر الطرق الدبلوماسية وإما بالعقوبات وإما بالقوة العسكرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store