logo
زيلينسكي... من بطل حرب إلى مكسر عصا ترمب

زيلينسكي... من بطل حرب إلى مكسر عصا ترمب

Independent عربية١٠-٠٣-٢٠٢٥

بينما كانت القوات الروسية تندفع نحو العاصمة الأوكرانية كييف في الـ24 من فبراير (شباط) من عام 2022 فاجأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي بدأ مسيرته ككوميدي، العالم بموقفه الصلب. وجه خطابه حينها إلى فلاديمير بوتين بصورة مباشرة، قائلاً "عندما تهاجموننا سترون وجوهنا، لا ظهورنا"، ليبعث برسالة واضحة مفادها أن بلاده لن تنحني أمام الغزو. وبعد ظهور زيلينسكي لاحقاً مرتدياً الزي العسكري - الذي أصبح علامته المميزة منذ ذلك الحين - بدا أن القصة التي تشبه قصة النبي داوود في مواجهة جالوت لم تكن حكايته الشخصية فحسب، بل كانت قصة أوكرانيا بأكملها، في صراعها ضد الطغاة.
لكن بعد مرور ثلاث سنوات، يواجه زيلينسكي تحدياً من نوع آخر، أكثر تعقيداً من مجرد التصدي لخصم قوي: محاولة استرضاء زعيم قوي آخر. الموقف ذاته الذي قوبل بتصفيق حار في الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022، جلب له انتقاداً علنياً قاسياً من دونالد ترمب.
في مشهد صادم قدم على المسرح السياسي العالمي، قام الرئيس الأميركي، بمساندة نائبه جي دي فانس، بتوبيخ زيلينسكي أمام عدسات الكاميرات في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. وصفاه بالجحود والوقاحة، ولم يكتفيا بذلك، بل طرداه من البيت الأبيض، في انعطافة درامية غير متوقعة من حليف يفترض به أن يكون داعماً.
قال وزير الخارجية الدنماركي، لارس لوكي راسموسن، الذي تعد بلاده من أبرز حلفاء أوكرانيا في أوروبا إلى جانب المملكة المتحدة، إن الخلاف وتقليص المساعدات العسكرية يعدان "ضربة في الصميم بالنسبة إلى أوكرانيا". وأضاف "يجب أن يكون هناك مجال للمناقشات الصريحة، حتى بين الأصدقاء... لكن عندما يحدث ذلك أمام الكاميرات على الهواء، فإن هناك فائزاً واحداً فحسب، وهو يجلس في الكرملين".
بعد أيام قليلة، استسلم الرئيس زيلينسكي لضغوط ترمب، واصفاً المواجهة بـ"المؤسفة". وقال الزعيم الأوكراني إنه مستعد للعمل تحت قيادة الرئيس الأميركي لتحقيق السلام الدائم، وأنه "حان الوقت لتصحيح الأمور".
فما الذي دفع زيلينسكي للانتقال في هذه الرحلة الاستثنائية من كوميدي على شاشة التلفزيون إلى رئيس دولة، ومن بطل حرب إلى أحدث هدف للرئيس الأميركي المعروف بطباعه الحادة والشديدة؟

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولد زيلينسكي في يناير (كانون الثاني) من عام 1978 لوالدين يهوديين، حيث كان أبوه عالم كمبيوتر وأمه مهندسة. نشأ في مدينة كريفي ريه الصناعية التي يتحدث سكانها الروسية. بدأ شهرته في برنامج كوميدي روسي للمواهب قبل أن يؤسس شركته الخاصة وينتقل إلى عالم البرامج التلفزيونية والأفلام.
حقق زيلينسكي نجاحه الكبير عام 2015 في برنامج تلفزيوني بعنوان "خادم الشعب" Servant of the People، حيث قام بدور فاسيلي هولوبوردكو، معلم مدرسة متواضع، يظهر في فيديو يسجله أحد الطلاب وهو يطلق سلسلة من الشتائم ضد الطبقة السياسية في أوكرانيا. أصبح هولوبوردكو ظاهرة على الإنترنت، وعلى رغم أنه لم يكن يعتزم الترشح، فإن حملة انتخابية قادته إلى رئاسة البلاد.
حقق البرنامج نجاحاً كبيراً، إذ منح المشاهدين فرصة للضحك وتخيل إمكان إصلاح البلاد في أعقاب الاحتجاجات التي أدت إلى إطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في العام السابق.
فولوديمير زيلينسكي في أيام ما قبل الرئاسة، في المسلسل التلفزيوني "خادم الشعب" (كفارتال 95/ نتفليكس)​​​​​​​
بعد ذلك أسس زيلينسكي حزباً سياسياً باسم البرنامج وركب موجة من السخط ضد الوضع القائم، مما مكنه من الوصول إلى أعلى المناصب. استخدم تجربته السياسية المحدودة خدمة لمصلحته، فكان في جعبته مجموعة من السياسات الملموسة وسجل سياسي جعلته أقل عرضة للمهاجمة مقارنة بمنافسيه.
قال زيلينسكي إنه كان يعلم أن الشعب يريد "تجربة جديدة، يريد شخصاً بوجه إنساني". كان اعتماده على الخطابات الرسمية والتجمعات الجماهيرية أقل من مقاطع الفيديو التي ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مكنه ذلك من الفوز بنسبة 73 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو في سن الـ41.
سرعان ما تبعت ذلك فترة مثيرة للجدل. في يوليو (تموز) من عام 2019، كان زيلينسكي متلهفاً لعقد اجتماع مع ترمب في البيت الأبيض، وكان ذلك من أولويات سياسته الخارجية حينها.
خلال مكالمة استغرقت 30 دقيقة طرح ترمب إمكان عقد اجتماع وجهاً لوجه، لكنه أشار أيضاً إلى أن الدعم العسكري الأميركي المستقبلي لأوكرانيا قد يتوقف على مساعدة زيلينسكي في التحقيق في التعاملات التجارية في أوكرانيا الخاصة بـهنتر بايدن، نجل نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. كان بايدن يتنافس في ذلك الوقت على الترشيح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي، وكان ترمب يسعى على ما يبدو إلى إضعافه قبل 15 شهراً من يوم الانتخابات. نفى المرشح الجمهوري ترمب ارتكاب أي مخالفات وبدأ في الإشارة إلى محادثته مع زيلينسكي كـ"مكالمة عادية تماماً". حتى إن زيلينسكي نفسه أصر لاحقاً على أنه لم يتعرض لـ"ابتزاز".
ومع ذلك حوكم ترمب في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019 أمام مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بتهم استغلال السلطة وعرقلة العدالة، ليكون بذلك الرئيس الأميركي الثالث الذي يواجه تلك المحاكمة. لكن تمت تبرئته في مجلس الشيوخ.
ثم عام 2022، بدأ رصيد زيلينسكي في التراجع وبعدها اندلعت الحرب.
عندما رفض زيلينسكي مغادرة العاصمة الأوكرانية كييف في الأيام الأولى من الغزو، نال مقارنته مع ونستون تشرشل. بدأ بإلقاء خطابات يومية، مما أسهم بصورة كبيرة في ارتفاع شعبيته بصورة ملحوظة.
وفي أبريل (نيسان) من عام 2022، التقطت له صورة أصبحت أيقونية، حيث زار موقع مدينة بوتشا، وهي إحدى ضواحي كييف التي تم تحريرها أخيراً، حيث أظهر ذلك الزعيم الذي كان يتسم برباطة جأش حتى تلك اللحظة انهياره أمام فظائع جرائم الحرب المرتكبة هناك، حيث قتلت القوات الروسية مئات المدنيين.
في العام التالي، أثار زيلينسكي الجدل بسبب الإقالة المزعومة لقائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني، الذي أصبح الآن سفير أوكرانيا لدى المملكة المتحدة. رأى البعض أن هذه الخطوة كانت قراراً سياسياً يستهدف أكثر الشخصيات شعبية في أوكرانيا في وقت كانت شعبية زيلينسكي في انخفاض مستمر مرة أخرى.
حتى إن عمدة كييف فيتالي كليتشكو أعلن أن زيلينسكي يتسم بـ"ميول استبدادية".
لكن على الساحة العالمية، كان الجميع يحتفون بزعيم أوكرانيا، من رؤساء الوزراء إلى الملوك. كان رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون أحد أبرز المؤيدين له في الأيام الأولى للحرب، واصفاً إياه بـ"البطل" "الأثير على قلوب الجميع". كما كان رئيس الوزراء الحالي كير ستارمر يشيد به على القدر نفسه من الحماسة، في حين استقبل القادة الأوروبيون زيلينسكي بالأذرع المفتوحة خلال قمة انعقدت الأسبوع الماضي.
في خطاب ألقاه أمام الكونغرس، قال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إن زيلينسكي كان "يلهم العالم". كما استضاف الملك تشارلز الثالث الزعيم الأوكراني في مناسبتين منفصلتين، كانت الثانية هذا العام، حيث استقبله استقبالاً حاراً في مسكنه الخاص في ساندرينغهام.
ومع استمرار الحرب، استمر زيلينسكي في التمتع بدعم واسع من قادة العالم الغربي الذين كانوا على استعداد لدعم الحرب ضد روسيا سياسياً ومالياً.
ثم عاد ترمب إلى البيت الأبيض وأحضر معه فوضى مميزة تحمل طابعاً خاصاً. ومنذ اللقاء الكارثي في البيت الأبيض، استمر في تعقيد الأمور بالنسبة إلى زيلينسكي وأوكرانيا. فقد قام بتعليق المساعدات العسكرية وأوقف تبادل المعلومات الاستخباراتية، مما سيؤثر بصورة كبيرة على قدرة كييف في مواجهة غزو بوتين.
بل إنه ذهب إلى حد المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، فيما أفيد بأن مساعديه قد اجتمعوا مع خصوم زيلينسكي السياسيين. وقال رقيب أوكراني رفيع المستوى لـ"اندبندنت" إنه صدم من تحركات ترمب، الذي رفض توفير الأسلحة والمعلومات التي هي في غاية الأهمية للدفاع ضد قوات بوتين. يعتقد الرقيب هذا أن ما حدث في البيت الأبيض كان محاولة محكمة لإهانة زيلينسكي.
وكان ترمب قد وصف زيلينسكي بـ"الديكتاتور"، في إشارة إلى تعليق الانتخابات في أوكرانيا في ظل الأحكام العرفية، قبل أن يدعي أن زيلينسكي يحظى بشعبية لا تتجاوز 4 في المئة في الاستطلاعات. لكن في الواقع، أظهرت أحدث استطلاعات الرأي أن هناك دعماً بنسبة 67 في المئة له.
بدوره اتهم زيلينسكي الرئيس ترمب بالعيش في "فقاعة من التضليل" من صنع روسيا. واستمر تدهور علاقتهما بعد ذلك. وقال الرقيب الذي كان يحمل اللقب العسكري "بورا" إنه يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يسعى إلى السلام الدائم. وبغض النظر عن أية هدنة، كان واثقاً أن الديكتاتور الروسي لن يتراجع عن قراره في القضاء على أوكرانيا تماماً، ويؤكد أن ترمب في حاجة إلى فهم ذلك لكي يدرك غضب زيلينسكي.
وأضاف العسكري رفيع المستوى، "لقد رأى العالم في القرن الـ20 كيف أن العقوبات أو الدبلوماسية أو محاولات حفظ السلام لم تتمكن من وقف هتلر... وضع حد له فقط عندما بات مفهوما أن المشكلة لم تكن تخص دولة واحدة فحسب، بل كانت تهديداً للعالم كله. ولم تتوقف النازية إلا عندما تم حشد القوات بصورة كاملة، وتقديم الدعم الثابت للقوات الحليفة".
وللمفارقة فإن كلمة "ديكتاتور" التي استخدمها ترمب في تعليقه كانت السبب الذي وحد الأوكرانيين خلف زيلينسكي مجدداً، حيث صوت البرلمان الأوكراني بالكامل لمصلحة رئاسة زيلينسكي. تجمع المواطنون، الذين مروا بثلاث سنوات من الحرب القاسية، وراء زيلينسكي في موقف متحد، لكنهم كانوا في الوقت ذاته قلقين إزاء مستقبل الدعم الأميركي لجهود أوكرانيا في الحرب.
وقالت المواطنة الأوكرانية إيلا كازانتسيفا، البالغة من العمر 54 سنة، وهي تقف أمام بحر من الأعلام في وسط كييف، التي كانت تخلد شهداء أوكرانيا في الحرب: "الأميركيون لا يعرفون الحقيقة، ولا يعرفون ما يحدث هنا. هم لا يفقهون في الأمر شيئاً. كل شيء يبدو جميلاً بالنسبة إليهم".
بعد المشادة التي وقعت البيت الأبيض، كتب الصحافي إيليا بونومارينكو على منصة "إكس/ تويتر": "كان بإمكان زيلينسكي أن يظل جالساً من دون أن ينبس بكلمة لمدة 40 دقيقة. المشكلة هي أن ترمب وفانس كانا سيجدان سبباً للاستياء وبدء الشجار على أية حال. ببساطة، لا يمكنك الفوز مع أشخاص لا يرغبون في اجتماع عادي وناجح... يمكننا الحديث بلا نهاية عن أخطاء زيلينسكي وتراجعاته الدبلوماسية، ولكن الحقيقة هي أنه – في كل الأحوال - كان سيوصف دائماً بالمتسول، والمقامر في الحرب الذي يدفع العالم نحو الحرب العالمية الثالثة، شخص لا يريد السلام، وغير ممتن بما فيه الكفاية، والأهم من ذلك، شخص يقف عائقاً بين ترمب وصفقته الصغيرة الظريفة مع بوتين، الذي وعده ببحور من الذهب مقابل أوكرانيا".
في كييف فريق زيلينسكي مصمم على أنه بغض النظر عن مدى سوء الوضع مع ترمب، فإن القائد الأوكراني الحالي هو الأفضل لهذا الدور.
أعلن المستشار الكبير للرئيس الأوكراني مخايلو بودولياك في حديث مع "اندبندنت": "يظل وجود زيلينسكي كرئيس على الساحة العالمية مفيداً لأنه واضح ومحق في حديثه عن موقف أوكرانيا... إنه يمثل دائماً مصالح أوكرانيا. يتحدث على أفضل وجه مع جميع قادة الدول الشريكة المهمة بالنسبة إلينا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟
كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟

Independent عربية

timeمنذ 20 دقائق

  • Independent عربية

كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟

كان لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض نقطة انعطاف في العلاقات بين واشنطن ودمشق، إذ حقق الشرع خلال ستة أشهر ما عجز رئيس النظام السابق بشار الأسد عن تحقيقه خلال ربع قرن. يكشف تحقيق لـ"المجلة" استناداً إلى وثائق ومحاضر اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين غربيين وإقليميين، أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة للأسد كي يرفع مستوى الحوار مع البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترمب بين 2017 و2021 وولاية الرئيس السابق جو بايدن بين 2021 و2025، لكنه فوّت فرصاً عديدة عليه إذ إنه خيب الوسطاء من قادة ومسؤولين عرب وإقليميين، حاولوا فتح نوافذ له قبل سقوطه نهاية العام الماضي. وجرت المحاولة الأخيرة للحوار بين البيت الأبيض ودمشق قبل أيام من هروب الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، إضافة إلى الفشل الآخر في تجاهل وساطة الرئيس فلاديمير بوتين لجمع الأسد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. مفاوضات زمن ترمب في عام 2017 بدأت إدارة ترمب بإنشاء قنوات تواصل مع النظام السوري لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في 2012، مع أن ترمب فكر في ربيع 2017 باغتيال الأسد لاستخدامه الكيماوي في خان شيخون بإدلب إلا أن وزير الدفاع آنذااك جيمس ماتيس عارض اغتيال الأسد، فجرى توجيه ضربات أميركية–بريطانية–فرنسية لمواقع استعمال الكيماوي التابعة للنظام. بعد ذلك، وجه ترمب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو لفتح حوار مباشر للإفراج عن الصحافي الأميركي. وكان مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم قال لـ"المجلة" إن السفير روجر كارستنس، مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين زار بيروت في ربيع 2020 طالباً فتح قناة مع مدير الأمن الوطني علي مملوك لبحث مصير تايس. وذهب إبراهيم والتقى مملوك لإقناعه بالحوار باعتباره ممثلاً لترمب. في هذا اللقاء وضعت دمشق شروط انسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات واستتئناف العلاقات التي تجمدت بعد سحب السفير روبرت فورد في 2012. وفي شهر أغسطس (آب) عام 2020، تواصل مساعد المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن ستيفن غيلين مع السفير بسام صباغ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وطلب منه ترتيب لقاء بينهما. رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءت توجيهات الأسد بأن يجتمع معه، ويستمع إليه "على أن لا يعطيه أي موقف إطلاقاً". في اللقاء، فاجأ غيلين صباغ بأن كارستنس يرغب بترتيب زيارة سرية إلى دمشق واللقاء مع علي مملوك. كان محور اللقاء هو طلب مساعدة الحكومة السورية في تحديد مصير تايس. وفي ضوء اتصالات إبراهيم واقتراح صباغ، زار كارستنس ومساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض كاش باتل دمشق في أغسطس 2020 واجتمعا مع مملوك في مكتبه بدمشق. وهذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين، فقد سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية. في هذه الزيارة السرية، شرح المسؤولان الأميركيان أهمية تعاون دمشق مع واشنطن في هذا الملف وكيف سينعكس إيجاباً على بقية الملفات. وقال مسؤول غربي إن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه في حال تم الحصول على أي معلومات عن تايس، فإن بومبيو يمكن أن يأتي إلى دمشق، ويعلن مواقف سياسية مهمة منها. وأضاف: "لم تكن بيد مملوك أي حيلة، فالتعليمات التي جاءته من الأسد كانت صارمة: لا نعرف أي شيء عن أوستن تايس وهو ليس بقبضتنا". وأضاف مصدر آخر: "لم يكن مجيء كارستنس وكاش إلى دمشق في ذلك الوقت بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به، ولو كان الأسد يمتلك مؤهلات وصفات مناسبة، لكان قد استغل هذه الزيارة لمد الجسور وفتح قنوات التواصل مع إدارة ترمب. ولكنه ضيع هذه الفرصة الاستثنائية وذهبت أدراج الرياح، كما ضيع عشرات الفرص الأخرى فيما بلاده تتردى في مهاوي الكارثة". زمن بايدن وفي 2021، تجددت وساطة إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير تايس. وقال إبراهيم: "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعقدت جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمراً أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولاً، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره من دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول الحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانياً، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك". مر وقت قبل أن تقرر إدارة بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون". صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريباً وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل. القناة العمانية في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق، بالأسد وتحدث معه حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحاً حتى بين الدول المتناحرة سياسياً، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق (...) فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلباً لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطراً للموافقة". أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سراً في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال من دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين. أبلغ الجانب الأميركي العمانيين أن وفدهم سيكون رفيع المستوى، وسيرأسه بريت ماكغورك نائب مستشار الرئيس الأميركي السابق المكلف بشؤون الشرق الأوسط. كما سيضم جوشوا غيلتزر وهو أيضاً يشغل منصب نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى خمسة أعضاء آخرين من جميع المؤسسات الأميركية، أي وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة الأمن الوطني، وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان من الطبيعي أن يتوقع الأميركيون أن يرسل السوريون وفداً رفيع المستوى، كأن يضم رئيس جهاز الاستخبارات السورية ونائب وزير الخارجية أو مستشار الرئيس أو أحد كبار قادة الجيش. وجاء قرار الأسد بأن يكون الوفد السوري برئاسة السفير عماد مصطفى (الذي عين مديراً للمعهد الدبلوماسي بعد عودته من منصبه كسفير في الصين بعد عمله سفيراً في واشنطن) وعضوية شخصين من الأجهزة الأمنية السورية، هما العميد سامر بريدي والعميد ماجد إبراهيم. يقول مسؤول غربي: "كان الاختيار مفاجئاً لمسقط وواشنطن بكل المقاييس. فلم يكن هناك تكافؤ أو تناسب بين مناصب أعضاء الوفد السوري ومناصب أعضاء الوفد الأميركي الدولة العظمى في العالم". استخفاف بالحوار بحسب وثيقة سورية، فإن المقداد "شعر بالحرج عندما أبلغه الأسد بقراره، فكيف سيشرح للأسد أن هناك عدم حكمة في تشكيلة الوفد السوري، وعندما أبلغ مصطفى بقرار تشكيل الوفد، جاءه رده سريعاً، أنه يفهم العقلية الأميركية جيداً، وبغض النظر عن خبرته وتاريخه الدبلوماسي، فهم سيعتبرون أن إرسال وفد برئاسة مدير المعهد الدبلوماسي، وعضوية عميدين غير معروفين في الأمن السوري، هو تعبير صريح عن الاستخفاف بهذا الحوار، وعدم التعامل معه بجدية". اقترح مصطفى أن يرأس هذا الوفد شخصية أعلى في الموقع الهرمي في القيادة السورية، وأن يدعم المفاوضات والدبلوماسية الدولية ليكون الشخص الثاني في هذا الوفد لتحقيق "الغرض المطلوب من المفاوضات، ويرسل رسالة صحيحة إلى الجانب الأميركي". عندما اقترح المقداد على الأسد ذلك رد الأخير: "الوفد سيكون كما قلت لا تغيير فيه"، حسب شخص معني. عندما أبلغ المقداد الجانب العماني بتشكيلة الوفد، أصيب العمانيون بالدهشة من هذه التشكيلة، ولكنهم اكتفوا بإبلاغ الجانب الأميركي بأسماء الوفد السوري. وقال مسؤول غربي: "لم يسر الجانب الأميركي بتركيبة الوفد السوري، اعتبروا مستوى التمثيل دليلاً على عدم الجدية. فمصطفى لم يكن في موقع عال في الهرم الرسمي للسلطة والمسؤولية، والضابطان الآخران غير معروفين، وربما كانت مهمتهما مراقبة مصطفى والعمل على ضبط إيقاعه، فهو معروف بعدم التزامه الدقيق بالخط الرسمي السوري". أرسل الأميركيون رسالة عبر الجانب العماني بهذا الشأن، هم يريدون أن يكون الوفد السوري برئاسة علي مملوك. وكما هو مألوف في مثل هذه الحالات، ازداد تشبث الأسد بقراره: "نحن لم نتدخل بتشكيلة الوفد الأميركي. لماذا يتدخلون بتشكيلة وفدنا؟". وقال مسؤول غربي: "يبدو أن الأسد كان يعتبر أن المفاوضات تجري بين خصمين متكافئين يتمتعان بالندية. كانت المشكلة دبلوماسية بامتياز: مستوى التمثيل في الوفد السوري لم يكن مكافئاً لمستوى التمثيل في الوفد الأميركي، وسوريا في ميزان القوى ليست نداً للولايات المتحدة". لكن الأميركيين وافقوا على المفاوضات. الموقف التفاوضي أكمل الوفد التفاوضي السوري تجهيز ملفهم التفاوضي، ثم انتظروا أن يستدعيهم الأسد فيعرضوا عليه ملفهم، ويأخذوا منه التعليمات النهائية قبل التوجه إلى مسقط: أين هي خطوط المرونة، وأن يمكن تقديم تنازلات تفاوضية، وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز التنازل عنها. ولكن هذا الاستدعاء لم يأت. وحسب وثيقة فقبل يومين من موعد السفر، عبر مصطفى عن موقفه للمقداد، قائلاً: "نحن سنسافر بعد يومين ولا نعرف ما هي حدود ولايتنا في المفاوضات". لم يكن المقداد قادراً على تقديم الإجابات، فجميع قرارات السياسة الخارجية كانت محتكرة تماماً من قبل الأسد ولم يكن من النوع الذي يستمع للآراء والنصائح من قبل فريق السياسة الخارجية لديه، بل كان يكتفي عند اللقاء معهم بشرح الواقع الدولي لهم وتزويدهم بالتوجيهات. اكتفى المقداد بنقل طلب مصطفى إلى الأسد. اللقاء-الصدمة مع الأسد قبل يوم من موعد السفر، استدعى الأسد السفير مصطفى منفرداً إلى "قصر الشعب". فيما بعد أبلغ مصطفى زملاءه في الوزارة بأنه فوجئ عندما بدأ الأسد الحديث بقوله: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين"، حسب قول مصدر. وعندما أجابه مصطفى: "لكن المطلب الأساسي للأميركيين في هذه الجولة على الأقل هو أوستن تايس. لماذا لا يمكننا التعاون معهم في هذه النقطة على الأقل؟". قال الأسد: "أوستن تايس ليس عندنا". أجاب مصطفى: "هذا أفضل، بما أنه كذلك فيمكننا أن نعرض عليهم التعاون لكشف مصيره فنكسب بذلك بعض النقاط التفاوضية. أنا درست ملفه جيداً، وهم لديهم ما يعتقدون أنها أدلة على وجوده عندنا، فيمكننا التداول معهم حول هذه الأدلة لعلنا نصل إلى تعاون مشترك قد يتطور ويفضي إلى أمور أخرى". ختم الأسد حديثه بصورة حازمة: "أمنعكم تماماً من التفاوض مع الجانب الأميركي حول تايس". عاد مصطفى إلى الوزارة فأبلغ المقداد وسوسان بفحوى اللقاء-الصدمة مع الأسد. مفاجأة غير متوقعة استيقظ أعضاء الوفد السوري في وقت مبكر صباح الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2023 واجتمعوا في فندقهم في مسقط لمراجعة أخيرة لملفاتهم قبل التوجه إلى مقر الاجتماع. لاحظ مصطفى أن العضوين الآخرين لم يكونا على علم بتوجيهات الأسد. اصطحبت المخابرات العمانية الوفد السوري إلى فيلا فاخرة منعزلة تطل على خليج في بحر عمان. ولدى وصولهم كان الوفد العماني في استقبالهم. جلسوا في غرفة استقبال كبيرة، وبعد تبادل قصير للمجاملات وصل أعضاء الوفد الأميركي. في غرفة الاجتماعات فجر الأميركيون مفاجأة غير متوقعة. قال بريت ماكغورك: "من معرفتنا بكم، نحن ندرك جيداً أنكم لا تقدمون شيئاً من دون مقابل، ولذلك سنتقدم لكم بالعرض التالي. قوات جيشكم النظامي تتمركز على بعد مئات قليلة من الأمتار عن قواتنا الموجودة اليوم في حقلي عمر وكونيكو. نحن مستعدون لسحب قواتنا من هذين الحقلين والسماح لكم باستعادة السيطرة عليهما مقابل أن تتعاونوا معنا في كشف مصير أوستن تايس. طبعاً لدينا شرطان لتحقيق هذا الانسحاب: أولهما أن لا تدخل إلى المنطقة التي ننسحب منها أي قوات غير نظامية، أي إن الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي لا يمكنها دخول تلك المناطق، وثانيهما هو تحصيل حاصل: لا يجوز أن تستعمل الأراضي التي ننسحب منها منطلقاً لأي هجوم بقذائف الهاون أو الكاتيوشا على قواتنا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة احتلالها مرة أخرى". وأخرج بريدي من حقيبته مجموعة خرائط تبين مواقع وجود القوات الأميركية في سوريا، وبدأ يرسم عليها بالقلم دوائر تبين الأماكن التي يجب عليهم الانسحاب منها. وقال المصدر: "عندما حاول الاقتراب من منطقة التنف أبلغوه بأن التنف خط أحمر، فهي موقع مهم لهم لحماية الدول المجاورة في إشارة إلى إسرائيل، من أي هجمات إرهابية". أخذ الجانب الأميركي تلك الخرائط، واتفق الجانبان على العودة إلى رؤسائهم في واشنطن ودمشق، على أن يعودوا فيلتقوا مرة ثانية بعد ثلاثة أسابيع في مسقط، أي في آذار (مارس) المقبل. خلوة ماكغورك-مصطفى بعد انتهاء الجلسة في الساعة 5:20 دقيقة من بعد ظهر اليوم نفسه، تقدم ماكغورك من مصطفى وطلب إليه أن يختلي معه ليتحدثا على انفراد. قال ماكغورك لمصطفى: "أنا سأغادر مسقط اليوم، وسأتوجه مباشرة إلى تل أبيب. لدي موعد غداً صباحاً مع نتنياهو، ما رأيك في أن أجس نبضه في مسألة عملية استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-السورية؟ سيكون لاستئناف هذه المحادثات وقع إيجابي هائل لدى أعضاء الكونغرس والمعارضين داخل الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع سوريا". أجاب مصطفى ماكغورك: "أقترح أن نحل مشاكلنا الثنائية أولا قبل البدء بالحديث عن مشاكلنا مع طرف ثالث". أجابه ماكغورك: "ربما كان الحق معك، فإذا تعاونتم معنا في حل قضية أوستن تايس سيؤدي هذا إلى خلق ديناميات جديدة تدفعنا للتفكير في إحياء محادثات السلام بينكم وبين إسرائيل". بعد ذلك طلب ماكغورك من مصطفى أن يتبادلا أرقام الاتصال المباشر باستخدام تطبيق "واتساب". أعطاه رقمه وسجل رقم مصطفى ثم تصافحا وغادر الجميع مكان الاجتماع. بعد عودة الوفد السوري إلى دمشق رفع مصطفى محضر الاجتماع إلى الأسد في عشرين صفحة. وقال مصدر: "غضب الأسد عندما قرأ أن العميد بريدي قد تفاوض مع الأميركيين حول تفاصيل الانسحاب من حقلي عمر وكونيكو، كما انزعج بشدة من عملية تبادل الأرقام بين ماكغورك ومصطفى". أبلغ المقداد مصطفى بأن "الأسد قد أمره بأن يقوم مصطفى بمسح رقم ماكغورك من هاتفه وحذره من أي اتصال مباشر مع ماكغورك". نفذ مصطفى الأمر الموجه إليه وقطع أي اتصال مباشر له مع ماكغورك. بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، أرسل ستيفن غيلين رسالة إلى مندوب سوريا الدائم في نيويورك صباغ يعلمه فيها أن الجانب الأميركي يعتبر أن محادثات مسقط "كانت جيدة جداً ويريد مواصلتها". قام صباغ بإرسال محتوى هذه الرسالة إلى الوزير المقداد الذي رفعها إلى الأسد ما زاد من شكوكه بمصطفى. أبلغ الأسد الوزير المقداد أن المحادثات لم تؤد إلى أي نتيجة وأنه لا داعي لعقد جولة تالية. الاجتماع الثاني ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني. توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو 2023. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم. تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلاً. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس". ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعاً كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادراً على تلمس حقيقة اختفاء تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماماً أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال". دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة من دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن. عزل مملوك انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى كانون الثاني) 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطاً من الأميركيين، وأنها ألحت كثيراً في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك سوليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر. أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفداً جديداً للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد". في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيساً لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشاراً أمنياً بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته في المفاوضات. استئناف الحوار في أيلول (سبتمبر) 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياماً لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أموراً أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟". وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله. طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحاً بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك. كان دور صباغ صاعداً في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريباً منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعاً لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم. في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيراً للخارجية. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل. اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية. في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد. وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات العسكرية" دمشق العاصمة، وفي 14 أيار (مايو) الحالي التقى ترمب الرئيس السوري الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلناً رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.

ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا
ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الاثنين إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن «فورا» مفاوضات للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريدان وقف الحرب. وأكد ترمب، في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض، أن أميركا لن تتراجع عن المشاركة في محادثات روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن إجراء هذه المحادثات في الفاتيكان «سيكون أمرا رائعا». وأكد ترمب أنه طلب من نظيره الروسي بوتين مقابلته، وشدد على أنه سيتراجع إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات، وقال إنه موجود «فقط لمحاولة تقديم المساعدة». وقال الرئيس الأميركي «أعتقد أن بوتين يريد وقف الحرب ولو اعتقدت أنه لا يريد السلام لانسحبت»، وحذر من فرض عقوبات على روسيا، لافتا إلى أن ذلك قد يزيد الوضع سوءا، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يحدث في وقت ما. كما أكد ترمب أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي «ليس شخصا سهلا وأعتقد أنه يريد وقف الحرب». كان ترمب أكد على منصة «تروث سوشيال» بعد محادثة هاتفية مع بوتين استمرت أكثر من ساعتين، أن «روسيا وأوكرانيا ستبدآن فورًا مفاوضاتٍ نحو وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك، إنهاء الحرب». وتابع ترمب «سيتم التفاوض على شروط ذلك بين الطرفين، وهو أمرٌ لا مفر منه، لأنهما يعرفان تفاصيل المفاوضات التي لا يعلمها أحدٌ سواهما». ومضى يقول إنه أبلغ الرئيس الأوكراني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وزعماء فرنسا وإيطاليا وألمانيا وفنلندا هاتفيا بأن روسيا وأوكرانيا ستبدآن المفاوضات فورا. ووصف ترمب محادثته مع بوتين بأنها «سارت على ما يرام وكانت نبرة وروح المحادثة ممتازتين». وقال إن روسيا ترغب في إقامة تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء هذه «المذبحة الكارثية»، في إشارة إلى الحرب الأوكرانية. وأضاف «هناك فرصةٌ كبيرة لروسيا لخلق فرص عملٍ وثرواتٍ هائلة. إمكاناتها لا حدود لها. وبالمثل، يمكن لأوكرانيا أن تكون مستفيدةً كبيرةً من التجارة، في عملية إعادة بناء البلد».

زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يقترح حظر طائرات الرئاسة الأجنبية
زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يقترح حظر طائرات الرئاسة الأجنبية

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يقترح حظر طائرات الرئاسة الأجنبية

قدم زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، اليوم الاثنين، مشروع قانون من شأنه منع استخدام أي طائرة أجنبية لتصبح الطائرة الرئاسية والمعروفة في الولايات المتحدة باسم «إير فورس وان». واقترح تشومر مشروع «قانون أمن الجسر الجوي الرئاسي» بعد أن أشارت تقارير الأسبوع الماضي إلى أن الرئيس دونالد ترمب يعتزم قبول طائرة تصل قيمتها إلى 400 مليون دولار من قطر. ترمب في حديقة البيت الأبيض في 16 مايو 2025 (أ.ف.ب) وقال خبراء قانونيون إن هذا الأمر أثار مجموعة من الأسئلة حول نطاق القوانين المتعلقة بالهدايا التي تقدمها الحكومات الأجنبية، والتي تهدف إلى مكافحة الفساد وسوء استخدام النفوذ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store