logo
فخ الغاز والدم في فيتنام الشرق الأوسط

فخ الغاز والدم في فيتنام الشرق الأوسط

الصحراءمنذ يوم واحد
في واحدة من أكثر عباراته دلالةً على طبيعة المرحلة التعسفية، يقول نتنياهو في جلسة مغلقة،( لن نغادر غزة هذه المرة… من يملك الغاز يملك الأمن، ومن يملك الأمن يملك القرار. نحن لا نحتل… نحن نعيد السيطرة على المستقبل). و بهذه الكلمات عن مستقبل الإقليم ، لا يُعلن نتنياهو مجرد اجتياح عسكري، بل يكشف عن عقيدة استراتيجية ترى في غزة المفتاح الأخير في مشروع الهيمنة، وسط صراع إقليمي متفجر وحسابات اقتصادية تتجاوز ساحات القتال.
وليس إقليميا فحسب، بل في الوقت الذي تتأرجح فيه إسرائيل على حافة أزمة اقتصادية خانقة وتصدعات داخلية سياسية وأمنية غير مسبوقة، يخرج نتنياهو ليعلن عمليًا بداية مرحلة جديدة من الحرب احتلال غزة، أو كما يسميها هو ووزراؤه (السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع وتسليمها لاحقًا لإدارة مدنية عربية موالية). لكن تحت هذا العنوان المضلل، تتكشف خيوط مخطط أكثر تعقيدًا، يضرب بجذوره في عمق الجغرافيا، والاقتصاد، والعقيدة الصهيونية.
و رغم تحذيرات المؤسستين العسكرية والاقتصادية في تل أبيب، من تكلفة سنوية باهظة قد تصل إلى 49 مليار دولار، ونسبة عجز متوقعة تفوق 7% من الناتج القومي، يصر نتنياهو على المضي في (الخطة الأخطر منذ انسحاب 2005. فما الذي يدفع رئيس حكومة محاصرًا بالأزمات والاحتجاجات والاتهامات بالفساد إلى اتخاذ قرار كهذا؟
واضحة كالشمس ،الإجابة تكمن في المعادلة التالية، إذا انه مع تعذّر تحقيق نصر عسكري حاسم، فان نتنياهو يحاول فرض نصر سياسي على جثة غزة.إنها المعادلة الصهيونية بكل بساطة .
لنفهم تدريجيا ما يدور ، فمنذ بدء الحرب عقب عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، فشل الجيش الإسرائيلي في تدمير حماس أو تحرير الرهائن أو إعادة الثقة للمجتمع الإسرائيلي. ومع فقدان الثقة الشعبية وازدياد الضغط الداخلي والدولي، كان لا بد من خطوة تعيد زمام المبادرة، حتى لو كانت كارثية على المدى الإستراتيجي دون التطرق لإيران او سوريا أو لبنان .
الاحتلال الإسرائيلي ليس كما يدّعي الخطاب الرسمي بانه حاجة امنية ، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأزمة الطاقة الإقليمية وسباق السيطرة على منصة الغاز العملاقة قبالة سواحل غزة، والتي تقدّر احتياطاتها بعشرات مليارات الدولارات.
مصر، التي تعاني من أزمة كهرباء خانقة وتراجع إنتاجها من الغاز المحلي، تعتمد على الغاز الإسرائيلي لسد ما يقارب السُدس من احتياجاتها. ومن هنا، فإن السيطرة على حقول غزة تمنح تل أبيب ورقة ضغط استراتيجية على القاهرة، تمكنها من مقايضة الغاز بالأمن والسياسة في هذا التوقيت الحرج.
ولذلك، فإن احتلال غزة ليس فقط أداة للهروب من المأزق السياسي، بل جزء من مشروع طاقة إقليمي وجيوسياسي كبير، يشمل إعادة تشكيل العلاقات المصرية–الإسرائيلية من موقع الهيمنة الإسرائيلية المطلقة.
والمثير أن هذه الخطة لم تمر بسلاسة داخل منظومة الحكم. التقارير تؤكد أن رئيس الأركان، الفريق إيال زامير، حذر نتنياهو صراحة من أنه يسير نحو فخ ، قد يفضي إلى انهيار المنظومة الأمنية وتعريض حياة عشرات الرهائن للخطر وهذا مؤكد جدا . كما أن مسؤولين بارزين في الجيش رفضوا المشاركة في (خطة بلا مخرج)، في ظل غياب أي تصور حقيقي لـ(اليوم التالي لحماس).
لكن نتنياهو، المدعوم صهيوامريكيا و المحاصر سياسيًا، اختار المضي قدمًا، متجاهلًا النصائح العسكرية، ومراهنًا على أن الحرب المفتوحة ستؤجل مساءلته أو محاكمته لاحقًا والتي يبدو انها محاكمة طويلة المدى.
وفي موازاة الاحتلال، تصاعدت لهجة التوتر غير المسبوقة بين إسرائيل ومصر رغم كل ما يدار خلف الكواليس . اتهامات متبادلة بخرق اتفاقية كامب ديفيد، تهديدات بوقف الغاز، ومطالبات إسرائيلية بمراقبة الجيش المصري وأسلحته، وتحميل القاهرة مسؤولية دعم حماس.
وفي العمق، تدرك إسرائيل أن مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية عبر سيناء، وترفض مخطط التهجير الجماعي. لكن بفرض الاحتلال المباشر لغزة، تسعى تل أبيب لإخراج مصر من المعادلة تمامًا، واستبدالها بـ(قوى عربية موالية) لم يؤكد لحد الآن ماهيتها – لكنها توصيف فضفاض قد يشمل ميليشيات مرتزقة، أو إدارات غير منتخبة، يتم تمويلها عربيا وتُفرض على سكان غزة بالقوة.
وهنا نسمع الحلفاء الغربيون يبدون تحفظًا. فالولايات المتحدة، رغم دعمها العلني، تدرك أن إعادة احتلال غزة، دون خطة سياسية متفق عليها، سيحوّل القطاع إلى فيتنام إسرائيلية، تستنزف الجيش والاقتصاد وتدمر ما تبقى من شرعية إسرائيل في المجتمع الدولي.
التقارير تشير إلى أن الخطة ستشرد مليون فلسطيني إضافي في الاقليم ، مع ادارة يومية لـ2 مليون إنسان يرزحون تحت القصف والجوع الممنهج، ويكنّون عداءً عميقًا للاحتلال.
وبالتالي النتيجة؟ تمرد دائم، مقاومة لا تهدأ، وجيش منهك يواجه حرب عصابات على مدار الساعة، وسط بيئة حضرية مدمرة.إن اعلان الاحتلال الجاري ليس إلا محاولة يائسة لإعادة تعريف الهزيمة على أنها نصر. بالمقابل الأرقام لا تكذب: أكثر من60 ألف شهيد فلسطيني، دمار شبه كامل للبنية التحتية، اقتصاد إسرائيلي على وشك الانهيار، وشعب لا يقبل بديلاً عن الحرية والسيادة.
ما يجري ليس تحريرًا لغزة، بل إعادة إنتاج لنكبة جديدة بأدوات استعمارية قديمة. وإذا كانت إسرائيل تظن أنها تُطوّع غزة بالقصف والتجويع والتجريف، فلتقرأ التاريخ جيدًا، الاحتلال لا يملك النهاية، مهما امتلك البداية. والمقاومة، حتى وإن خفت صوتها لحظة، تعود دومًا أكثر صلابة، وأكثر إيمانًا، لأن من يُقاتل من أجل البقاء لا يخسر… بل يُعلّم العالم كيف تُصنع الحرية وسط الركام.
وختامًا، فإن من يحتل غزة اليوم، قد.. يزرع راياته على أنقاض البيوت، وقد..يعلن السيطرة الكاملةعلى أطلال المدينة، لكنه لن ينتصر على الذاكرة، ولن يُسكت صرخة الحق، حتى لو غابت عن نشرات الأخبار وتواطأ العالم بالصمت أو التبرير.
نقلا عن رأي اليوم
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إبتداء من نوفمبر: نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا
إبتداء من نوفمبر: نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا

جوهرة FM

timeمنذ 2 ساعات

  • جوهرة FM

إبتداء من نوفمبر: نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا

كشف موقع "تايمز أوف إسرائيل"، اليوم الثلاثاء، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيكون ملزما ابتداء من نوفمبر المقبل، بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد المتهم بها. وأوضح الموقع أن القضاة المشرفين على القضية أصدروا القرار بعد أن كان نتنياهو يحضر جلستين أسبوعيا فقط منذ بدء محاكمته عام 2020، مع إلغاء أو تقليص عدد كبير من هذه الجلسات لأسباب شملت مزاعم الإرهاق أو المرض أو الإنشغال بمسؤولياته الرسمية، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على غزّة أو السفر للخارج. كما أشار القضاة إلى أنهم يدرسون نقل جلسات الإستماع المقبلة إلى محكمة في مدينة بيت شيمش غربي القدس، بدلا من محكمة تل أبيب المركزية. وتشمل القضايا الموجهة ضدّ نتنياهو ما يُعرف بملفات "1000" و"2000″ و"4000″ التي بدأ استجوابه بشأنها في جانفي الماضي، بعد تقديم لائحة الإتهام من المستشار القضائي للحكومة في نوفمبر 2019. وفيما يلي تفاصيل عما تضمّنه القضايا الثلاث: الملف 1000: إتهامات بتلقي نتنياهو وأفراد من عائلته هدايا ثمينة من رجال أعمال أثرياء مقابل تسهيلات ومساعدات. الملف 2000: إتهامات بالتفاوض مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس للحصول على تغطية إعلامية إيجابية. الملف 4000: إتهامات بتقديم تسهيلات للمالك السابق لموقع "والا" الإخباري ورئيس شركة "بيزك" للاتصالات شاؤول إلوفيتش مقابل تغطية إعلامية إيجابية. وتتراوح التهم الموجهة لنتنياهو بين الرشوة والإحتيال وإساءة الأمانة، وهي اتهامات قد تقوده إلى السجن في حال الإدانة. وبالمقابل، يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء المحاكمة، في ظلّ إنقسام واضح في إسرائيل بين مؤيد ومعارض لهذه الدعوة.

المغرب.. اعتقال ناشطة بتهمة الإساءة للذات الإلهية وإهانة الدين الاسلامي
المغرب.. اعتقال ناشطة بتهمة الإساءة للذات الإلهية وإهانة الدين الاسلامي

جوهرة FM

timeمنذ 16 ساعات

  • جوهرة FM

المغرب.. اعتقال ناشطة بتهمة الإساءة للذات الإلهية وإهانة الدين الاسلامي

قالت وسائل إعلام مغربية إن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أوقفت الناشطة ابتسام لشكر على خلفية نشرها محتوى رقمي مسيء للذات الإلهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتدخلت الفرقة الوطنية بسرعة للتعامل مع القضية، حيث تم توقيفها وفتح تحقيق قضائي معمق لتحديد حيثيات الواقعة مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وقال وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط في بيان: "على إثر قيام سيدة بنشر صورة لها بحسابها على إحدى منصات التواصل الاجتماعي تظهر فيها وهي ترتدي قميصا كتبت عليه عبارات مسيئة للذات الإلهية، أرفقت بتدوينة تتضمن إهانة للدين الإسلامي، أمرت النيابة العامة بفتح بحث في الموضوع". وتابع البيان: "تم وضع المعنية بالأمر تحت الحراسة النظرية"، مضيفا أنه "سيتم ترتيب الأثر القانوني المناسب على ضوء نتائج الأبحاث فور انتهائها". وظهرت ابتسام لشكر في صورة ترتدي قميصا يحمل عبارات مسيئة للذات الإلهية، ما أثار غضبا واسعا وتسبب في موجة كبيرة من التبليغات والتعليقات المنتقدة. وأرفقت لشكر الصورة بتعليق تقول فيه: "في المغرب أتجول بقمصان تحمل رسائل ضد الأديان"، وهاجمت الديانة الإسلامية، معتبرة أنها "مثل كل الإيديولوجيات الدينية"، واتهمت الإسلام بالفاشية والذكورية، والتمييز ضد المرأة وفق منشورها. ويعاقب القانون الجنائي المغربي على "الإساءة للدين الإسلامي" بالحبس بين 6 أشهر إلى عامين أو غرامة من 20 ألفا إلى 200 ألف درهم (نحو ألفين إلى 20 ألف دولار)، مع إمكانية رفع العقوبة إلى الحبس خمسة أعوام إذا ارتكبت "الإساءة" بوسيلة علنية "بما فيها الوسائل الإلكترونية".

النيجر تؤمم شركة تعدين الذهب "لبتاكو" بعد "إخفاق المستثمر البريطاني" صحراء ميديا
النيجر تؤمم شركة تعدين الذهب "لبتاكو" بعد "إخفاق المستثمر البريطاني" صحراء ميديا

صحراء ميديا

timeمنذ 21 ساعات

  • صحراء ميديا

النيجر تؤمم شركة تعدين الذهب "لبتاكو" بعد "إخفاق المستثمر البريطاني" صحراء ميديا

قررت النيجر تأميم شركة مناجم لبتاكو العاملة في مجال الذهب بعد ست سنوات من 'إخفاق المستثمر الأجنبي في الوفاء بالتزاماته'، وذلك في إطار مراجعة السلطات لاتفاقيات القطاع التعديني، بحسب البيان الحكومي. ووقّع الرئيس النيجري الجنرال عبدالرحمن تياني يوم الاثنين مرسوماً يقضي بإعادة شركة مناجم لبتاكو إلى الملكية العامة، وذلك بعد تقييم أداء المجموعة البريطانية 'ماكينيل ريسورسز ليميتد' التي تمتلك حصة أغلبية في الشركة منذ استحواذها على 80% من الأسهم عام 2019. وكان العقد المبرم بين الطرفين ينص على التزام المجموعة البريطانية باستثمار 10 ملايين دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاستحواذ، إلى جانب وضع خطة استثمارية شاملة، إلا أن السجلات الرسمية تشير إلى عدم اكتمال هذه المتطلبات خلال السنوات اللاحقة. ويأتي القرار في وقت تشدد فيه حكومات تحالف دول الساحل – الذي يضم النيجر وبوركينا فاسو ومالي – سياساتها تجاه الشركات الأجنبية، وسط توجه عام لتقليص النفوذ الغربي في المنطقة. وتحظى شركة مناجم لبتاكو بترخيصين لاستخراج الذهب من موقعين رئيسيين، وكان من المفترض أن تشكل استثمارات المجموعة البريطانية دفعة قوية لقطاع التعدين في البلاد التي تعاني من ضائقة اقتصادية منذ الانقلاب العسكري العام الماضي. ويواكب هذا القرار زيارة الناشطة القومية الأفريقية ناتالي يامب إلى نيامي، المعروفة بمواقفها المناهضة للغرب والتي تخضع لعقوبات أوروبية بسبب دعمها للأنظمة العسكرية في المنطقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store