
الجيش الإسرائيلي يعتقل فريق بي بي سي على مشارف القنيطرة
كان صباحا ربيعياً هادئاً في التاسع من أيار/مايو في سوريا، عندما انطلق فريق بي بي سي من دمشق نحو بلدة نوى في محافظة درعا جنوبا، للتوجه من هناك إلى تخوم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967. كنا فريقاً مكوناً من سبعة أشخاص: أنا كمراسل أحمل الجنسية البريطانية، واثنان عراقيان من مكتب بي بي سي ببغداد، وأربعة سوريين – ثلاثة منهم يعملون بشكل حر، ومصور بي بي سي في دمشق
كان الهدف إعداد تقرير عن سعي الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، ﻹعادة بناء الجيش السوري، بعد انهياره في أعقاب فرار بشار اﻷسد في كانون اﻷول/ديسمبر الماضي، وتدمير إسرائيل لكثير من قدراته، وإعلانها إنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي للجوﻻن، وسيطرتها على مدينة القنيطرة وقمة جبل الشيخ التي تطل على مناطق واسعة من سوريا ولبنان واﻷردن وإسرائيل.
من نوى، توجهنا إلى بلدة الرفيد الحدودية، حيث توقفنا للتصوير قرب أحد مقرات قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف)، على مقربة من السياج الفاصل مع الجولان. تحدثتُ إلى مسؤولة في القوة، وطلبتُ منها الإذن بالتصوير داخل المقر أو تنظيم جولة مع القوة الدولية في المنطقة. اعتذرت وأخبرتنا أن الأمر غير متاح حاليا، وأن الجانب الإسرائيلي استفسر عن هويتنا، وتم إبلاغه أننا فريق تابع لقناة بي بي سي.
أكملنا جولتنا في المنطقة التي بدت خالية تماما من أي وجود أمني سوري، مع بقاء التمركز الإسرائيلي مقتصرا على احتلال المناطق المرتفعة التي أقيمت فيها نقاط مراقبة دائمة.
قررنا بعد ذلك التوجه شمالا بمحاذاة خط الحدود صوب مدينة القنيطرة، لكن الطريق المؤدي إليها كان مغلقا من الجانب الإسرائيلي، فسلكنا طريقا بديلا باتجاه بلدة خان أرنبة، ومن هناك إلى القنيطرة.
وقبل بضعة كيلومترات من القنيطرة، بدأت آثار الدبابات الإسرائيلية تظهر بوضوح على طول الطريق، فيما امتدت الأسلاك الشائكة على جانبيه، دون أن يُلاحظ أي وجود عسكري إسرائيلي في المنطقة.
توقيف وتفتيش
وعلى بُعد حوالي مائتي متر، اقتربتُ مع أحد الزملاء لاستكشاف المكان، فلاحظنا حاجزا شبيها بالحواجز التي تنتشر في الضفة الغربية. كتلتان إسمنتيتان، وعارضة حديدية صفراء تقطع الطريق. وعلى يمينها، كان هناك بضع دبابات ميركافا يعلو إحداها العلم الإسرائيلي.
بعد تجاوز الحاجز بنحو مئة متر، لاحظنا برج مراقبة يعتليه جنديان إسرائيليان. أشار زميل لي لأحدهما محاولاً إبلاغه بأننا فريق صحفي عبر رفع بطاقته الصحافية، لكنه كان يراقبنا عبر منظار عسكري دون أن يبدي أي رد فعل.
عدتُ إلى السيارة وطلبتُ من المصور أن يأتي بالكاميرا على أمل أن ننجز عملنا سريعا ونغادر، وبدأ بالفعل بتصويري وأنا أشرح ما تغير في المنطقة منذ سقوط الأسد، من سيطرة لإسرائيل على هذه المنطقة ورفضها القاطع لإعادة بناء الجيش السوري، ولا سيما في درعا والقنيطرة والسويداء.
لم أكد أنتهي من التصوير حتى لاحظت سيارة بيضاء تقترب من الجهة الأخرى من العارضة، وترجل منها أربعة جنود إسرائيليين ببنادقهم وركضوا باتجاهنا وأحاطوا بنا والبنادق مُصوَّبة إلى رؤوسنا. طلبوا وضع الكاميرا بعيداً على جانب الطريق. حاولتُ أن أشرح أننا فريق من بي بي سي، لكن الأمور تصاعدت بسرعة غير متوقعة.
خلال ثوان، استطعت إرسال رسالة إلى الإدارة مفادها أن الجيش الإسرائيلي أوقفنا، وبعدها بلحظات صودرت هواتفنا ومعداتنا الالكترونية كلها. خضعت سيارتنا لتفتيش دقيق بعد وصول دورية إسرائيلية أخرى من أربعة جنود على متن عربة همر.
الفريق مقيد ومعصوب الأعين
نُقلنا إلى الجانب الآخر من العارضة، وجرى تفتيشنا بسرعة. طلبوا منا بعدها أن نقود سيارتنا خلفهم، فسارت الهمر أمامنا وسيارة أخرى خلفنا. قطعنا مدينة القنيطرة وتوقفنا عند النقطة الحدودية التي تفصل القنيطرة عن الجولان. هناك، بدأ الجنود بمراجعة الصور الملتقطة، بينما صوَّب أحدهم بندقيته إلى رأسي من مسافة أربعة أمتار. استمر الأمر على هذا الحال لأكثر من ساعتين،أُرسلت خلالهما الصور التي عثروا عليها في الكاميرا إلى داخل الجولان المحتل، وبعد نحو ساعة طلب مني أحد الجنود الترجل من السيارة والحديث عبر هاتف محمول.
لم أعرف من هو الشخص الذي كان يتحدث إلي بعربية ركيكة، ولا لأي جهاز أمني يتبع. سألني لماذا نُصوٍّر مواقع تمركز القوات الإسرائيلية، فشرحت له طبيعة عملنا، وأبلغته أنني زُرتُ إسرائيل في مهام صحفية أكثر من عشر مرات، وأحمل جواز سفر بريطاني. وعدني بنقل التفاصيل للضابط المسؤول ليأخذ قرار بشأننا، فعدتُ إلى السيارة وأعيد توجيه البندقية باتجاه رأسي.
بعد انتظار دام ساعة إضافية، وصلت سيارة أخرى من داخل الحدود، ونزل منها عناصر يُرجّح أنهم من جهاز أمني إسرائيلي، بناءً على لون زيّهم الذي لم يكن عسكريًا. عند هذه النقطة، أخذت الأمور منحى غير متوقع وسريع التدهور، حيث أخرج العناصر من السيارة عصبات وأصفادًا بلاستيكية، وطلبوا مني أن أكون أول من يترجل.
كان همي الأكبر يتركز على أعضاء الفريق، فأربعة منهم سوريون واثنان عراقيان، وقد يواجهون مشاكل كبيرة إذا اعتُقلوا ونُقلوا إلى داخل إسرائيل.
سريعاً جرى نقاش بين قائد المجموعة ومرافقيه، اقتادني بعدها قائد المجموعة، الذي يتحدث اللهجة الفلسطينية بطلاقة، من يدي باتجاه إحدى الغرف التي كان يستخدمها الجيش السوري عند المعبر. الأرض مليئة بالزجاج المكسر والأوساخ. وبدا واضحًا أنهم قرروا اتباع أسلوب "المحقق الجيد والمحقق السيئ". أخبرني أنهم سيتعاملون معي بشكل مختلف، وأنه لن يتم تقييدي أو تعصيب عيني، بخلاف ما سيحدث مع بقية أعضاء الفريق.
لم أصدق ما قاله وسألته لماذا تقومون بذلك وأنتم تعلمون أننا فريق صحفي يتبع لبي بي سي؟ أخبرني أنه يريد المساعدة لإخراجنا بسرعة وأن علينا الالتزام بما يطلبونه. بعدها بلحظات دخل عنصر آخر وطلب مني أن أخلع كل ملابسي عدا الداخلية. رفضت بداية، لكنهم أصروا وهددوا بالأسوأ من دون أن يوضحوا ماذا يقصدون. خلعت الملابس، فنظر داخل لباسي الداخلي من الأمام والخلف. فتّش ملابسي بدقة شديدة، ثم طلب مني ارتداءها مجددًا، وشرع في تحقيق مفصل شمل حتى معلومات شخصية عن أبنائي وأعمارهم.
خرجت لاحقًا من الغرفة لأُفاجأ بمشهد صادم: أفراد الفريق مقيّدون ومعصوبي الأعين. رجوت قائد المجموعة أن يفرج عنهم، فوعد بذلك بعد انتهاء التحقيق. ثم اقتيدوا واحدًا تلو الآخر إلى الغرفة نفسها لاستجوابهم.
كانوا يخرجون مقيدين لكنهم لم يكونوا معصوبي الأعين، واستمرت هذه العملية لأكثر من ساعتين، خلالها فُحصت كافة الهواتف المحمولة، ومُسحت صور كثيرة كانت بعضها شخصية، كما فُحصت أجهزة الكمبيوتر المحمولة أيضاً.
حل الظلام، وبعد ان انتهى قائد المجموعة من التحقيق جاء إلينا، وهددنا بالأسوأ إن اقتربنا مجدداً من الحدود الإسرائيلية. أكد لنا أن كل الصور المرتبطة بالمواقع التي زرناها قد مُسحت من الكاميرا والهواتف، وهددنا بأنه يعرف كل تفاصيلنا وسيصل إلينا إن نُشرت أي صورة كانت مخبأة ولم تُمسَح.
بعد نحو سبع ساعات من توقيفنا، وقد تجاوزت الساعة التاسعة مساءً، أقلّتنا سيارتان إلى خارج المدينة لمسافة تقارب الكيلومترين. توقفتا في منطقة ريفية نائية، ثم ألقيت باتجاهنا حقيبة تحتوي على هواتفنا المحمولة، قبل أن تنطلقا مبتعدتين.
بقينا تائهين في الظلام من دون تغطية للهاتف أو إنترنت أو أدنى فكرة عن مكاننا، واصلنا القيادة حتى وصلنا إلى قرية صغيرة. أشار إلينا بعض الأطفال المحليين إلى الطريق السريع، محذّرين من أن أي انعطاف خاطئ قد يعرّضنا لنيران إسرائيلية. بعد عشر دقائق متوترة، وجدنا الطريق. وبعد خمسة وأربعين دقيقة، وصلنا في دمشق.
قدّمت بي بي سي شكوى رسمية إلى الجيش الإسرائيلي احتجاجًا على ما تعرّض له فريقنا، لكنها لم تتلقَ أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 20 ساعات
- BBC عربية
غارت إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، ولبنان يعتبرها "انتهاكاً" لاتفاق وقف إطلاق النار
شنت إسرائيل عدة غارات جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الخميس، للمرة الرابعة منذ إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقال الجيش الإسرائيلي إنه حدد وحدة تابعة لحزب الله تحت الأرض، لإنتاج "آلاف" الطائرات المسيرة، بتمويل من إيران بحسب بيان له. الغارات التي جاءت عشية عيد الأضحى، سبقها تحذيرات إسرائيلية لعدد من البلدات في الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ دعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي سكان أحياء الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة لإخلاء منازلهم والابتعاد عن المباني المستهدفة مسافة لا تقل عن 300 متر. وأثارت التحذيرات الإسرائيلية حالة من الهلع في الضاحية الجنوبية التي شهدت حركة نزوح واسعة بحسب مكتب بي بي سي في بيروت. وقالت وكالة الأنباء اللبنانية إنها أحصت اثنتي عشرة غارة على الأقل، اثنتان منها كانتا "عنيفتين للغاية"، استهدفتا مبنى في منطقة عين قانا في الضاحية الجنوبية لبيروت. وندّد الرئيس اللبناني جوزاف عون الخميس بما وصفها بالـ"استباحة السافرة" من قبل إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، معرباً عن إدانته "إدانته الشديدة للعدوان الإسرائيلي"، ومؤكداً أن "هذه الاستباحة السافرة لاتفاقٍ دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية... إنما هي الدليل الدامغ على رفض المرتكب لمقتضيات الاستقرار والتسوية والسلام العادل في منطقتنا". بينما أدان رئيس الوزراء نواف سلام الضربات، داعياً المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤولياته في ردع إسرائيل عن مواصلة اعتداءاتها والعمل على إلزامها بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة". من جانبه أشار منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان في منشور على موقع "إكس" إلى أن الضربات "أثارت ذعراً وخوفًا كبيراً" بين المدنيين، ودعا إلى "وقف أي أعمال من شأنها أن تقوض وقف الأعمال العدائية". وأضاف أن "الآليات والأدوات الدبلوماسية القائمة متاحة لجميع الأطراف لمعالجة النزاعات أو التهديدات، ولمنع أي تصعيد غير ضروري وخطير". وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، ونصّ على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان على أن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية تأمين المنطقة. كما نص الاتفاق على أن بنوده "لا تمنع إسرائيل أو لبنان من ممارسة حقهما الطبيعي في الدفاع عن النفس، بما يتفق مع القانون الدولي". وشنت إسرائيل غارات جوية في لبنان على أهداف تقول إنها مرتبطة بحزب الله في الأشهر التي تلت توقيع الاتفاق. وفي أبريل/نيسان الماضي، هاجمت إسرائيل ما وصفته بمخزن لـ"صواريخ دقيقة التوجيه" تابع لحزب الله في منطقة الضاحية الجنوبية ذاتها. وفي وقت سابق من الشهر نفسه، شنت ضربة مماثلة، مما أسفر عن مقتل مسؤول في حزب الله وثلاثة أشخاص آخرين ، بحسب وزارة الصحة اللبنانية في ذلك الوقت. وتقول الحكومة اللبنانية إن هذه الهجمات، بالإضافة إلى استمرار تمركز جنود إسرائيليين في خمسة مواقع في جنوب لبنان، تشكل انتهاكات للاتفاق الموقع بين الطرفين.


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
مدن تغرق: من واشنطن وحتى الإسكندرية، وطوكيو تجد الحل
تعد بعض المدن الساحلية في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، معرضة بشكل خاص لارتفاع منسوب مياه البحر. وقد أجرت جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، دراسة على 48 مدينة ساحلية، وعزت هبوط الأرض في هذه المناطق إلى تغيرات المناخ وما يسمى بـ"غرق الأرض". وتُقدر بي بي سي أن ما يقرب من 160 مليون شخص يعيشون في هذه المناطق، بناءً على الدراسة وبيانات السكان الصادرة عن الأمم المتحدة. ورُصدت أشد حالات هبوط الأرض تطرفاً في تيانجين في الصين، التي شهدت تطوراً صناعياً وبنيوياً سريعاً، وتبيّن أن بعض أجزاء المدينة غرقت بمعدل 18.7 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020. كما تعد العاصمة الإندونيسية جاكرتا، واحدة من عشرات المناطق الساحلية التي تهبط بسرعة مثيرة للقلق، وفقاً للدراسة. ارتفاع معدلات استخراج المياه الجوفية ويُعتبر استخراج المياه الجوفية سبباً رئيسياً لهبوط الأرض في نصف المدن الساحلية الـ 48 التي حددتها جامعة نانيانغ وحللتها بي بي سي، وبالإضافة إلى تأثير الأنشطة البشرية الأخرى، مثل البناء والتعدين. كما يُمكن للعوامل الطبيعية، بما في ذلك التحولات التكتونية والزلازل والتماسك الطبيعي للتربة - إذ تضغط التربة على بعضها البعض وتصبح أكثر كثافة مع مرور الوقت - أن تلعب دوراً أيضاً، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن تأثيرها أقل من تأثير البشر. وتقول شيريل تاي الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن "الكثير من المدن التي غرقت تقع في آسيا أو جنوب شرق آسيا"، مرجحةً أن ذلك يعود إلى ارتفاع الطلب على المياه بشكل كبير في تلك المناطق، مع النمو السكاني السريع والتطور العمراني الكبير. وتضيف: "قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات استخراج المياه الجوفية، ومن ثم قد يتفاقم الوضع.. وهذا يعني أن الفيضانات ستكون أكثر تواتراً وكثافةً وطولاً في المستقبل"، موضحةً أنه قد يكون هناك أيضاً "تسرب للمياه المالحة، مما قد يؤثر على الأراضي الزراعية وجودة مياه الشرب". وتتأثر بعض أنواع الأراضي أكثر من غيرها، وتعتقد الباحثة تاي أن المخاطر حادة بشكل خاص بالنسبة للعديد من المدن الساحلية التي تقع في منطقة دلتا منخفضة، حيث تنقسم الأنهار قبل أن تصل إلى البحر. ويشمل ذلك أماكن مثل جاكرتا وبانكوك ومدينة هو تشي وشنغهاي. "تأثير الوعاء" وفي حين تُواجه العديد من المدن الساحلية مزيجاً من هبوط الأرض وارتفاع منسوب مياه البحار، فإنها تبحث عن حلول، لكن هذه الحلول قد تُسهم أحياناً في مشاكل أخرى. وقامت بعض المدن، بما في ذلك جاكرتا والإسكندرية في مصر ومدينة هو تشي في فيتنام، ببناء سدود وجدران وحواجز رملية على طول سواحلها في محاولة لمنع الفيضانات من البحر. لكن مع ارتفاع الجدران واتساعها، قد ينشأ ما يُعرف بـ"تأثير الوعاء"، كما يقول البروفيسور بيترو تيتيني من جامعة بادوفا في إيطاليا، مما قد يؤدي إلى احتجاز مياه الأمطار والأنهار في بعض المناطق ومنعها من التدفق إلى البحر. وهو ما قد يُسهم في حدوث فيضانات. وقامت مدينتا جاكرتا وهو تشي ببناء محطات ضخ لتصريف المياه الزائدة، إلّا أن ذلك لا يُعالج أسباب هبوط الأرض و الفيضانات. كيف حلّت طوكيو المشكلة؟ عندما لاحظت طوكيو أن أجزاءً من مدينتها تهبط، اتخذت نهجاً مختلفاً وقررت معالجة جذور المشكلة. وتباطأ هبوط الأرض بشكل ملحوظ في سبعينيات القرن الماضي بعد أن فرضت طوكيو لوائح صارمة على استخراج المياه الجوفية. كما أنشأت نظاماً لإدارة إمدادات المياه، الذي يرى العلماء أنه الطريقة الأكثر فعالية لوقف هبوط الأرض. ووجدت دراسة جامعة تايوان أن المدينة أصبحت أكثر استقراراً، على الرغم من انخفاض منسوب المياه في بعض المناطق الصغيرة بمعدل يتراوح بين 0.01 و2.4 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020. حلول أخرى ولا تزال بعض المدن الآسيوية تنظر إلى نهج طوكيو كنموذج يُحتذى به. فعلى سبيل المثال، خفضت تايبيه، عاصمة تايوان، من استخراج المياه الجوفية في سبعينيات القرن الماضي، مما ساعد بدوره على إبطاء معدلات هبوطها. كما تُنظم العديد من المدن الأخرى، بما في ذلك هيوستن وبانكوك ولندن، استخراج المياه الجوفية لضمان ألا يكون منخفضاً جداً أو مرتفعاً جداً. وعلى الرغم من فعالية نظام طوكيو، إلا أن هناك شكوكاً حول إمكانية تطبيقه على نطاق واسع نظراً لارتفاع تكاليف البناء والصيانة، كما يقول البروفيسور ميغيل إستيبان من جامعة واسيدا في اليابان. وقد جربت بعض المدن أساليب مختلفة، مثل شنغهاي التي طبقت أسلوب "حقن المياه"، حيث قامت هذه المدينة بحقن مياه نقية من نهر اليانغتسي في باطن الأرض عبر آبار كانت تُستخدم سابقاً لاستخراج المياه الجوفية. وقد تبنت مدن أخرى، مثل تشونغ تشينغ في الصين وسان سلفادور في السلفادور، مبادئ المدن الإسفنجية. وتعتمد المدينة الإسفنجية على أسطح مصممة لامتصاص المياه بشكل طبيعي، مثل التربة والعشب والأشجار. وتُعطى الأولوية لبناء الحدائق والأراضي الرطبة والمساحات الخضراء، على ضفاف البحيرات والبرك حيث يمكن تحويل المياه وتخزينها خلال موسم الأمطار. ويحذر الخبراء أنه وبدون تغيير، سيخوض العديد معركة خاسرة مع هبوط منازلهم تدريجياً. وفيما يلي قائمة بأسماء المدن الـ 48 التي شملتها الدراسة: نُبذة عن نتائج الدراسة الإسكندرية، مصر وفقاً للدراسة التي أجرتها جامعة نانيانغ، غرقت أجزاء من مدينة الإسكندرية بمعدل يتراوح بين 0.01 سم و2.7 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020. وتُقدر بي بي سي، أن 270 ألف شخص يعيشون في المناطق المُعرّضة للغرق. ويقول الخبراء إن ارتفاع مستويات استخراج المياه الجوفية واستصلاح الأراضي، ساهم في هبوط الأراضي عن مستوى سطح البحر على مدى عقود، مما يُنذر بخطر حدوث فيضانات أشد في المستقبل. برشلونة، إسبانيا غرقت معظم المناطق المعرضة للهبوط بمعدل يتراوح بين 0.01 سم و0.2 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020، وفقاً للدراسة، كما وجدت هبوطاً ملحوظاً في ميناء برشلونة، بمعدل 7 سم سنوياً. وتقدر بي بي سي، أن حوالي 800 ألف شخص يعيشون في المناطق المعرضة للهبوط. ويُحذر الخبراء من أن الميناء، المبني على أراضٍ مستصلحة، معرض لاستمرار الهبوط والفيضانات الشديدة في المستقبل. إسطنبول، تركيا انخفضت أجزاء من إسطنبول بمعدل يتراوح بين 0.01 سم و13.2 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020. وتقدر بي بي سي، أن أربعة ملايين شخص يعيشون في المناطق التي تشهد هبوطاً في الأراضي. وكان مطار إسطنبول من أسرع المناطق هبوطاً في المدينة، حيث إذ هبط بمعدل 13.2 سم سنوياً. لندن، المملكة المتحدة انخفضت معظم المناطق المُعرّضة للغرق في لندن بمعدل أقل من سنتيمتر واحد سنوياً بين عامي 2014 و2020. وحدث هبوط كبير في بعض المواقع، مثل جنوب أبمينستر، الذي هبط بمعدل 4 سنتيمترات سنوياً. ويرتبط هذا الهبوط، الذي تسبب في عدم استواء أسطح الأرض، بعوامل مختلفة، بما في ذلك استخراج المياه الجوفية، والحمل الذي تشكله البنية التحتية، وطبيعة التربة الطينية، وفقاً للخبراء. واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية انخفضت أجزاء من واشنطن العاصمة بمعدل يتراوح بين 0.01 سم و2.2 سم سنوياً بين عامي 2014 و2020. وتقدر بي بي سي، أن 100 ألف شخص يعيشون في المناطق التي تعرضت لهبوط الأرض. وتعمل العاصمة الأمريكية حالياً على الحد من استخراج المياه الجوفية التي لطالما استخدمتها لأغراض الشرب في المنازل والمكاتب الحكومية والمستشفيات والصناعات، قبل أن تستبدلها تدريجياً بالمياه السطحية.


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
كتائب محمد الضيف: ماذا نعرف عن الفصيل المجهول الذي تبنى إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل؟
أعلنت إسرائيل، مساء الثلاثاء، الثالث من يونيو/حزيران، سقوط قذيفتين نحو منطقة مفتوحة في الجزء المحتل من قبل إسرائيل في مرتفعات الجولان. وسارعت وسائل إعلام إسرائيلية للتأكيد على أن القذيفتين أُطلقتا من منطقة درعا جنوبي سوريا. ليعقب ذلك إعلان للجيش الإسرائيلي يقول فيه إنه شن غارات جوية استهدفت "أسلحة تابعة للنظام السوري في جنوب سوريا"، مضيفاً أن النظام السوري "سيستمر في تحمّل العواقب طالما استمرت الأنشطة العدائية في الانطلاق من أراضيه". وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان شن إسرائيل للغارات، وقال إنها تزامنت مع تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء السورية. لكن التحوّل اللافت كان ما تداولته وسائل إعلام عربية، عن تبنّي فصيل غير معروف سابقاً، يسمي نفسه "كتائب الشهيد محمد الضيف"، لإطلاق القذيفتين الصاروخيتين تجاه الجولان. فما الذي نعرفه عن هذا الفصيل؟ ما هي أهدافه؟ ما هي "كتائب الشهيد محمد الضيف"؟ برز اسم هذا الفصيل المسلح بشكل مفاجئ بعد عملية إطلاق القذائف باتجاه الجولان، ولا تتوفر معلومات كافية عن طبيعة هذا الفصيل، أو قيادته، أو مناطق نشاطه، أو ما إذا كان منبثقاً عن جماعات فلسطينية معروفة، أو ما إذا كان تأسيسه بدعم من أطراف أخرى في الصراع الدائر في الشرق الأوسط أو بمبادرة من مجموعة من الأفراد. لكن، وعقب عملية إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه الجولان، تداولت وسائل إعلام عربية حساباً على منصة تلغرام، يُنسب إلى "كتائب الشهيد محمد الضيف". وعبر ذلك الحساب، نُشر ما يُزعم أنه "بيان تأسيسي" لهذا الفصيل، مؤرخ بتاريخ 31 مايو/أيار 2025، أي قبل عدة أيام من عملية الإطلاق باتجاه الجولان. يقول البيان التأسيسي إن "كتائب الشهيد محمد الضيف"، ليست حزباً أو تنظيماً. ولم يوضح البيان بشكل صريح هوية المؤسسين أو توجهاتهم، لكنه ألمح بطريقة خطابية إلى أن الفصيل مكون من مجموعة من الشبّان الذين وصفهم بـ "جيل نشأ تحت القصف، وشبّ على صوت القنابل". ما هي أهداف هذه المجموعة؟ ولماذا تأسست؟ تقول المجموعة في بيانها التأسيسي إن انطلاقتها كانت بدافع من "وجع الشعب، وصمت العالم، وخذلان القريب"، وعادة ما ترتبط هذه التعابير بالحرب الدائرة في غزة، والأزمة الإنسانية التي خلفتها، وقد يكون ذلك تلميحاً إلى أن الفصيل تأسس على خلفية هذه الحرب وتبعاتها، وفق ما نقله نشطاء ومهتمون على منصات التواصل الاجتماعي. لا يوضح البيان التأسيسي الأهداف المحددة للمجموعة، لكن إحدى فقراته تتضمن لغة تهديدية واضحة تجاه إسرائيل، إذا يصفها بـ "العدو"، ويتوعدها بـ "زرع الرعب في القلوب"، و"القتال بكل ما نملك" وغيرها من التهديدات الأخرى. لا تربط المجموعة نفسها بأي فصيل فلسطيني آخر معروف، بل تؤكد أنها ليست "حزباً أو تنظيماً"، إلّا أنها تقول في بيانها إنها امتداد لما تصفه بـ "طريق المقاومة المستمر، وقادة المقاومة"، وتذكر في هذا السياق أسماء مثل أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ومحمد الضيف، وجميعها أسماء مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس). لماذا أطلقت المجموعة على نفسها هذا الاسم؟ أطلقت المجموعة على نفسها هذا الاسم تيمناً، على ما يبدو، بالقائد السابق لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الذي أعلنت إسرائيل اغتياله بغارة جوية شنتها في قطاع غزة في يوليو/ تموز 2024. ويتجلى هذا الأمر كذلك في الشعار الذي وضعته المجموعة في ترويسة بيانها التأسيسي، إذ يبدو في منتصف الشعار ظلٌّ يشبه ظل محمد الضيف الذي ظهر في صورة أُرفقت مع تسجيل نشرته حركة حماس للضيف في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومحمد الضيف هو محمد دياب المصري، المولود في غزة عام 1965، والمعروف باسم "الضيف" مجازاً إشارة إلى أسلوب حياته المتنقل، تجنباً للغارات الإسرائيلية. انخرط الضيف في صفوف حركة حماس منذ الأيام الأولى لانطلاقتها نهاية ثمانينات القرن الماضي. وشارك في تأسيس الجناح العسكري للحركة، والمعروف بكتائب عز الدين القسام، وأصبح قائداً للجناح العسكري في الضفة الغربية المحتلة عام 1993. وفي عام 2002، أصبح الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام؛ بعد اغتيال سلفه صلاح شحادة بغارة إسرائيلية. طاردت إسرائيل محمد الضيف على مدار عقود، إذ حمّلته المسؤولية عن مقتل عشرات الإسرائيليين. وتقول وسائل إعلام إسرائيلية وفلسطينية إن الضيف نجا من سبع محاولات اغتيال نُفذت في أعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014، وعام 2021 عندما حاولت إسرائيل اغتياله مرتين في ذلك العام. أين تنشط "كتائب الشهيد محمد الضيف"؟ على الرغم من أن أولى العمليات العسكرية التي تبنتها ضد إسرائيل انطلقت من سوريا، إلا أن المجموعة وضعت في هامش بيانها التأسيسي عبارة "فلسطين المحتلة"، وفي ذلك إشارة إلى ارتباطها بالأراضي الفلسطينية، أو حتى إسرائيل ذاتها، التي تعتبرها أدبيات بعض الفصائل الفلسطينية على أنها جزء مما يُسمى "فلسطين المحتلة". وتؤكد الفقرة الافتتاحية في البيان على ذلك، إذ تقول إن "كتائب الشهيد محمد الضيف" تعلن عن تأسيسها من "قلب فلسطين المحتلة". وليس من الواضح مدى ارتباط المجموعة بالأراضي السورية، لكن العملية الوحيدة التي تبنتها حتى وقت كتابة هذا التقرير انطلقت من الأراضي السورية، كما بثّ حساب التلغرام المنسوب للمجموعة مقطع فيديو لما يقول إنه لحظة سقوط الصواريخ التي أطلقتها من سوريا باتجاه مرتفعات الجولان. هل هناك فعلاً مجموعة بهذا الاسم؟ وهل هي من أطلقت الصواريخ من سوريا؟ من الصعب التثبت من مصداقية المعلومات بشأن المجموعة المُسماة "كتائب الشهيد محمد الضيف"، أو مصداقية تبنيها عملية الإطلاق على الجولان. فالمعلومات المتوفرة مبنية على ما نُشر على حساب التلغرام المنسوب للمجموعة، وما تداولته وسائل إعلام عربية، ومصادر محلية. ويُضاف إلى ذلك أن فصيلاً آخر غير معروف، أعلن كذلك مسؤوليته عن إطلاق الصاروخين. إذ نقل موقع "صوت العاصمة"، وهو موقع إخباري محلي سوري، أن ما تُسمى "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا"، أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، بل ونشرت مقطع فيديو لما قالت إنه لحظة إطلاق صاروخي الغراد باتجاه الجولان، وهو ما زاد من الغموض بشأن هوية مطلقي الصواريخ، أو ما إذا كانوا فعلاً ينتمون إلى تلك الفصائل غير المعروفة. ما موقف الحكومة السورية الانتقالية من المجموعة؟ في أعقاب عملية إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه الجولان، والقصف الإسرائيلي لأهداف في جنوبي سوريا، أشارت وزارة الخارجية السورية في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، إلى وجود "أطراف عديدة" تسعى إلى "زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة"، دون أن تشير بصراحة إلى "كتائب الشهيد محمد الضيف"، لكنها قالت إنها "لم تتثبت بعدُ من صحة الأنباء المتداولة عن قصف باتجاه الجانب الإسرائيلي". وأكّدت الخارجية أن سوريا "لم ولن تشكل تهديداً لأي طرف في المنطقة"، منددة في الوقت ذاته بالغارات الإسرائيلية على منطقة درعا جنوبي البلاد، واعتبرتها "تصعيداً يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية". ما موقف إسرائيل مما حدث؟ تجلى الموقف الإسرائيلي على مستويات عدة، فميدانياً، أغارت طائرات إسرائيلية على أهداف جنوبي سوريا عقب إطلاق الصواريخ باتجاه الجولان، وحمّل الجيش الإسرائيلي الحكومة الانتقالية في سوريا، مسؤولية ما وصفه بـ "الوضع الراهن". وهو موقف أبداه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي حمّل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع المسؤولية، قائلاً بصريح العبارة: "نحن نعتبر الرئيس السوري مسؤولاً بشكل مباشر عن أي تهديد وإطلاق نار تجاه دولة إسرائيل، والرد الكامل سيأتي قريباً".