
عيديّة غير سارة.. كل يوم عمل مقابل مليون دولار
قرار رفع أسعار المحروقات كان أشبه بتهريبة ضريبيّة من خارج الموازنة العامة، حاولت الحكومة أن تغلّفها بقناع، فتفادت منحها التوصيف الضريبي، واستبدلته بعبارة "اعتماد أسعار المحروقات السائلة على القيمة التي كانت معتمدة بتاريخ تشكيل الحكومة في 8 شباط 2025". عيديّة الحكومة جوبهت برفض معظم القطاعات والاتحادات، وسط تلويح النقابات باللجوء إلى الشارع هذا الأسبوع ، في خطوة تصعيديّة بوجه الحكومة للمرة الأولى منذ تأليفها.
ضريبة المحروقات: 300 مليون دولار و3% تضخم
بموجب القرار، ارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بقيمة 100 ألف ليرة، ليبلغ مليوناً و489 ألف ليرة (نحو 16.6 دولار)، و98 أوكتان إلى مليون و529 ألف ليرة (نحو 17.1 دولار). كما ارتفع سعر صفيحة المازوت 174 ألف ليرة، ليبلغ مليوناً و393 ألف ليرة (نحو 15.6 دولار).هذه الضريبة تحصّلها الدولة فورًا من خلال عمليّة الاستيراد، وتسلك مسارها مباشرة إلى الخزينة، وتبلغ قيمتها 300 مليون دولار، وفق ما أوضح رئيس تجمع الشركات اللبنانية الخبير الاقتصادي باسم البواب في حديث لـ " لبنان 24" لافتًا إلى أنّ لبنان يستورد محروقات بما يعادل 3 مليار دولار سنويًّا، والزيادة التي أقرّتها الحكومة تشكّل حوالي 10 %، أي أنّ كلّ يوم عمل على مدار السنة يقابله مليون دولار.
من الناحية الاقتصاديّة، تتخطّى مفاعيل رفع الرسوم على البنزين والمازوت حجم الزيادة التي أقرّتها الحكومة، كونها تطال كلّ القطاعات بفعل زيادة كلفة النقل، بحيث ترتفع أسعار كلّ البضائع بما فيها ربطة الخبز ومجمل السلّة الغذائيّة، والمفروشات والإلكترونيّات وغيرها من السلع. كما أنّ هذه الزيادة على المحروقات ترفع نسبة التضخّم بما يعادل 3%، في اقتصاد لا يتعدّى 30 مليار دولار، لتضاف إليها نسبة التضخم بفعل ارتفاع أسعار السلع عالميَّا.
انعكاسات الضريبة على المحروقات لن تستثني أحدًا، وستتبعها زيادات في مجالات عدّة يشير البواب، "على سبيل المثال، سيطالب موظفو القطاع الخاص برفع بدل النقل، حينها ستعمد الشركات إلى تقليص عدد الموظفين أو زيادة سعر المنتج. السوبر ماركت بدورها سترفع من أسعار السلع ليس بما يتساوى مع معدّل الزيادة البالغة 3% بل أكثر منها. على سبيل المثال السلعة المسعّرة قبل ضريبة المحروقات بـ 100 ألف ليرة، لن يرتفع سعرها إلى 103 الآف ليرة أي ما يوازي زيادة الـ 3% بل إلى 105 آلاف ليرة، أي بنسبة 5 % وربما أكثر نظرًا لغياب الرقابة".
ضريبة المازوت ..الأخطر
بلغت الضريبة على صفيحة المازوت (20 ليتراً) 178 ألفاً، أي حوالي دولارين لكلّ صفيحة، بما يوازي ضعف الرسم الموضوع على البنزين، وتأثيرها في السوق سيكون مضاعفًا وأكثر حدّة من الزيادة على مادة البنزين، نظرًا لاستخدام مادة المازوت في تشغيل آليات النقل، وفي المصانع، وفي قطاع الزراعة كونه يدخل في حراثة الأرض والحصاد وري المزروعات ونقل العمال والمنتجات، فضلًا عن استخدامه في التدفئة والتبريد وتوليد الكهرباء. من هنا يرى البواب أنّ هذه الضريبة سترفع من كلفة المنتوجات، وتحدّ من قدرة السلع اللبنانيّة على منافسة البضائع الأجنبية في الأسواق العالميّة، ما يعيق امكانيّة تصديرها إلى الخارج.
ذرائع الحكومة ضعيفة
أتت الضريبة المفاجئة على المحروقات بحجّة تمويل المنحة الماليّة للأسلاك العسكريّة، بقيمة 14 مليون ليرة للعسكريين في الخدمة الفعليّة و12 مليون ليرة زيادة على رواتب المتقاعدين، لكن عمليّا تبخّرت منحة العسكريين قبل أن تصل إلى جيوبهم، نظرًا لموجة الغلاء التي بدأت تتكشّف شيئًا فشيئًا، بدءًا بفاتورة المولّدات بحيث سارع أصحاب المولّدات إلى رفع سعر الاشتراك وتعديل بدل الكيلوواط ساعة وفقاً للتسعيرة الجديدة لمادة المازوت. تعليقًا يلفت البواب "الجميع يؤيّد إنصاف للعسكريين وسائر القطاع العام، ولكنّنا نعترض على كيفية تمويل المنحة الاجتماعية، بحيث لجأت الدولة إلى اسهل ضريبة رغم خطورتها، وبذلك حمّلت من يدفعون الضرائب أعباءً ضريبيّة جديدة، وتركت فئة المتهرّبين من الضرائب. من هنا نطالب بتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل هؤلاء، فالسوق السوداء تشكّل نصف الاقتصاد اللبناني، وتحرم الخزينة من إيرادات كبيرة، بالتالي كان يمكن لها أن تلجأ إلى تحصيل الضريبة من هذه الأبواب، عبر مكافحة الفواتير الجمركيّة المزورة والوهمية التي يجرب التلاعب بأرقامها، وبذلك يمكن تحصيل الضرائب الجمركيّة بسهولة، وبمردود يتجاوز بأضعاف الضريبة المفروضة على المحروقات. كما يمكن للدولة أن تفعّل الجباية من دون تسويات ووساطات، بحيث تعمل على تحصيل الرسوم والضرائب من كلّ المناطق والفئات والقطاعات، وعندها قد تصل الإيرادات إلى عشرة مليار دولار، من دون الحاجة إلى ضرائب ترهق المواطنين والاقتصاد".
الذريعة الثانية لضريبة المحروقات، أنّها أعادت السعر إلى ما كان عليه في شباط 2025 "هي حجّة غير مبررة وغير منطقيّة، لا بل يستوجب هذا المفهوم خفض الرسوم على المحروقات بفعل انخفاض أسعارها عالميًا".
تحرّك نيابي ونقابي
لاقت ضريبة المحروقات التي أتت من خارج المجلس النيابي ردود فعل نيابيّة رافضة، أبرزها من قبل النائبين نجاة صليبا وملحم خلف اللذين اعتبرا أن القرار يشكّل انتهاكاً صريحًا للدستور اللبناني، لا سيما المادة ٨١ التي تحصر صلاحيّة فرض الضرائب أو تعديلها أو إلغائها بمجلس النواب دون سواه. وأكّدا أنّ ما يسمّى بالفارق الثابت المدرج ضمن خانة المعاملات الجمركيّة يُعدّ فعليًّا شكلًا من أشكال الضريبة غير المباشرة المفروضة خارج الإطار التشريعي، ما يهدّد مبدأ الفصل بين السلطات، كما اعتبرا أنّ القرار يفتقر إلى أيّ تعليل قانوني أو اقتصادي واضح، ولم يُعرض على هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أو على ديوان المحاسبة. كتلة الوفاء للمقاومة رفضت الزيادة على المحروقات، وكذلك فعلت كتل أخرى، في وقت يتجه تكتل الجمهورية القوية للتقدّم بطعن أمام مجلس شورى الدولةـ على الرغم من مشاركة وزرائه في جلسة مجلس الوزراء. بالتوزاي لوّح الاتحاد العمالي العام بتحركات عمالية ونقابية رفضاً لقرار زيادة الرسوم على المحروقات. فهل تدفع الاعتراضات النيابيّة والنقابيّة الحكومة للتراجع عن ضريبتها بالتزامن مع مرور مئة يوم على ولادتها؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 20 دقائق
- المدن
الدولار والذهب والنفط رهن محادثات واشنطن وبكين
تتواصل المحادثات التجارية رفيعة المستوى بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين لليوم الثاني، إذ تشمل المناقشات قضايا تتراوح بين الرسوم الجمركية والقيود على المعادن الأرضية النادرة. وتنعكس الأجواء الإيجابية للمحادثات إيجاباً على الأسواق العالمية لاسيما بعد أن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المحادثات الجارية في لندن تسير على ما يرام وإنه "لا يتلقى سوى تقارير جيدة" من فريقه. ارتفاع النفط والذهب وقد ارتفعت أسعار النفط اليوم الثلاثاء وسط ترقب نتائج المحادثات الأمريكية الصينية مع توقعات بانخفاض طفيف في إمدادات النفط السعودي إلى الصين. وزادت العقود الآجلة لخام برنت 16 سنتا أو 0.2 في المئة إلى 67.20 دولار للبرميل. وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 14 سنتا أو 0.2 في المئة إلى 65.43 دولاراً. وكان البرنت قد ارتفع أمس إلى 67.19 دولاراً، وهو أعلى مستوى له منذ 28 نيسان، مدعوماً باحتمال توصل واشنطن وبكين إلى اتفاق تجاري. ويقول محللو جولدمان ساكس إن الأسعار تتعافي مع تلاشي مخاوف الطلب، وذلك بفضل محادثات التجارة بين واشنطن وبكين وبيانات الوظائف في الولايات المتحدة التي جاءت إيجابية مضيفين أن هناك مخاطر بشأن إمدادات أمريكا الشمالية بسبب حرائق الغابات في كندا. من جهتها ارتفعت أسعار الذهب بشكل طفيف اليوم الثلاثاء مع ترقب المستثمرين لنتائج المحادثات التجارية وبيانات التضخم الأمريكية المقرر صدورها هذا الأسبوع، والتي قد تُقدم مؤشرات حول قرارات مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) المستقبلية بشأن أسعار الفائدة. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.2 في المئة إلى 3333.89 دولاراً للأوقية بعد أن انخفض إلى أدنى مستوى له عند 3301.54 دولار في وقت سابق من الجلسة. واستقرت العقود الأمريكية الآجلة للذهب عند 3354.70 دولاراً. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.6 في المئة إلى 36.51 دولاراً للأوقية، لتحوم عند أعلى مستوى لها في أكثر من 13 عاما. وهبط البلاتين 1.1 في المئة إلى 1206.42 دولاراً، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ أيار 2021 فيما نزل البلاديوم واحداً المئة إلى 1063.22 دولاراً. الدولار والأسهم كما ارتفع الدولار اليوم الثلاثاء مع استمرار مشاركة واشنطن وبكين في محادثات تجارية جعلت المستثمرين في حالة من التوتر والتردد في اتخاذ رهانات كبيرة. ويسعى مسؤولون من أكبر اقتصادين في العالم إلى نزع فتيل النزاع الذي اتسع نطاقه من الرسوم الجمركية إلى فرض قيود على المعادن الأرضية النادرة. وتتواصل المحادثات التجارية لليوم الثاني في لندن. وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل ست عملات رئيسية أخرى، 0.2 في المئة إلى 99.189، لكنه لا يزال غير بعيد عن أدنى مستوياته في ستة أسابيع التي لامسها الأسبوع الماضي. وتراجع اليورو 0.17 في المئة إلى 1.14 دولار، وسجل الجنيه الإسترليني 1.3543 دولار. واستقرت الأسهم الأوروبية اليوم متخطية خسائرها الطفيفة التي تكبدتها في الجلسة السابقة مع بقاء المستثمرين في حالة ترقب للحصول على إشارات جديدة في اليوم الثاني من المفاوضات.

المدن
منذ 21 دقائق
- المدن
سلام: نُعِدّ إصلاحات وجودية لبناء لبنان الثالث
يشهد لبنان تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية هائلة، فاقمتها نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة. ولم يعد البلد قادراً على الاستمرار على ما عليه وسط هذه الضغوط، وأصبح من الضروري معالجة هذا الوضع والخروج من الأزمة وإعادة بناء ما تهدّم على المستويات كافة. وفي هذا السياق، عُقِدَ في بيروت، مؤتمر "إعادة بناء لبنان: إطار الاستثمار وفرص الأعمال وحلّ النزاعات"، برعاية رئيس الحكومة نواف سلام الذي أكّد على أنّنا "في لحظة محورية في تاريخ البلد. ولبنان يواجه تحديات سياسية واجتماعية وسياسية، وقد أرهقتنا سنوات من الفساد". إلاّ أنّ مسار التعافي وإعادة البناء قد انطلق، ولبنان "بحاجة إلى العدالة والإصلاح والحوكمة الرشيدة". وفي كلمته، أشار سلام إلى أنّ "هذا المؤتمر دليل على نهوض بيروت المستمر، ونهوض لبنان كمركز يُرسَم فيه المستقبل". الانطلاق من الواقع ولإعادة البناء على أسس صحيحة، لا بدّ من إجراء توصيف دقيق للواقع. وعليه، عَرَضَ سلام لما يمرّ به لبنان، قائلاً إنّ هناك "انهياراً شبه تام للقطاعين المالي والمصرفي، وتمّ فرض قيود صارمة على السحب والتحويل. وهناك أزمة غير مسبوقة نتيجة سوء السياسات النقدية". وأضاف أنّ "الليرة خسرت 89 بالمئة من قيمتها، وتراجعَ الإنتاج المحلّي بأكثر من 60 بالمئة". ولذلك، "تفشّت البطالة واليأس، وتمّ استنزاف الرأسمال البشري، ودفع الشباب إلى الهجرة بحثاً عن الاستقرار والفرص". وكشف سلام أنّه "حتى شهر آب 2020، بلغ الفشل المؤسساتي ذروته، وحصل تفجير مرفأ بيروت". وأخيراً "أتت الحرب الإسرائيلية لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والانسانية وتحدث أضراراً في البنية التحتية. ويقدّر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 14 مليار دولار". خطة النهوض وإذا كان بعض الأفراد قد وجدوا آلية للتأقلم أو الخروج من الأزمة، إلاّ أنّ "إعادة بناء الدولة لا يمكن أن يقوم فقط على صمود الأفراد". وبحسب سلام "لا يمكن لصمود الأفراد أن يحلّ محل مسؤوليات الدولة. وأي مجتمع لا يمكنه الاستمرار بالاعتماد على عمل الأفراد لتعويض الفشل المؤسساتي للدولة". ولذلك، أكّد سلام أنّ "الحكومة تعمل على وضع رؤيتها للنسخة الثالثة من لبنان. فالنسخة الأولى كانت مرحلة الاستقال، والنسخة الثانية بعد الحرب الاهلية، والتحوّل الآن في بدايته نحو لبنان الثالث". ومن المهام الأساسية للحكومة هي "استعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها، وإطلاق الإصلاحات الضرورية". وفي استعادة السيادة والأمن والاستقرار، أشار سلام إلى أنّ "البيان الوزاري نصّ بشكل واضح على أنّ الدولة هي الجهة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح، ووحدها تملك خيارات الحرب والسلم". وأضاف أنّ لبنان "ملتزم بتنفيذ القرارات الدولية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار". وعلى المستوى الأمني، تطرّق سلام إلى "تعزيز الإجراءات الامنية في المطار، ومكافحة التهريب واعتقال المعتدين على اليونيفل". وبالتنسيق مع السلطات السورية "أقمنا لجاناً مشتركة لمكافحة التهريب وترسيم الحدود. ونعمل على ضمان العودة الآمنة للنازحين". وأيضاً، قال سلام "نبذل جهوداً دبلوماسية لضمان وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحقيق الانسحاب من لبنان، بما في ذلك الانسحاب من المواقع الخمسة التي تحتلّها إسرائيل". وشدّد سلام على أنّ "استعادة السيادة الكاملة هو أمر جوهري لأنها تضمن أن يعيش كل لبنان بأمان تحت سلطة واحدة وثقة كاملة بالدولة. كما أنّها أساسية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وتشجيع المستثمرين والزوّار على العودة. فلبنان المستقر والآمن شرط أساسي لجذب الاستثمارات والفرص". المزيد من الإصلاحات ولتعزيز سبل الخروج من الأزمة، أشار سلام إلى أهمية ضمان استقلالية القضاء. وفي السياق، تطرّق سلام إلى "إقرار الحكومة مشروع قانون استقلالية القضاء الذي يساهم في خلق مناخ ملائم للاستثمار". ورأى أنّ "استقلال القضاء ركيزة أساسية لمكافحة الفساد، وسبيلاً لجعل بيروت مركزاً للتحكيم الدولي". على أنّ هذا التحكيم وإن كان "إجراءً خاصاً يعتمد على إرادة الأطراف المتنازعة، إلاّ أنّه لا يمكن أن يكون فعّالاً إلاّ بقدر ما يكون النظام القانوني قوياً في البلد". فبرأي سلام "يختار الأطراف بلد التحكيم لأنهم يتطلّعون إلى منتدى عادل ومحايد ومستقل. لذلك، نسعى لأن تكون بيروت مركزاً للتحكيم، ولأن نعيد تعريف لبنان من بلد تنشأ فيه النزاعات إلى بلد تُحَل فيه النزاعات سلمياً". كما تطرّق سلام إلى "إعادة هيكلة المصارف واستعادة الودائع والعمل على قانون عادل لتوزيع الخسائر وتحقيق العدالة للمودعين والحدّ من الاقتصاد النقدي وإعادة دمج لبنان بالنظام المصرفي العالمي"، وهذا الأمر يحتاج إلى إصلاحات بنيوية "تنبع من مصلحتنا بإرساء الاستقرار بالعدالة والمجتمع وتمهّد الطريق للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والاتفاق الشامل معه". وحظيت الخدمات العامة والبنية التحتية بحصّة من كلمة سلام، فأشار إلى إطلاق "آليات شفّافة ومعايير متينة لتعيين الموظفين العموميين، وبدأنا بإرساء هيئات تنظيمية مستقلة للكهرباء والاتصالات والنفط والغاز والطيران. فمرافق لبنان عانت لسنوات من الفساد وسوء الإدارة، ولبنان لديه قدرات لوجستية هائلة لم تُستَغَل بعد". وعن افتتاح مطار رينيه معوّض في القليعات، قال سلام إنّنا "نمضي لافتتاح مطار القليعات العام المقبل. ومن شأن ذلك لعب دور أساسي في تسهيل حركة الشحن والسفر. كما نولي اهتماماً لتطوير البنى التحتية للمرافىء، خصوصاً في طرابلس. ونعدّ خطّة للنقل العام وخطة لشبكة الطرقات بمختلف المناطق. ونركّز على تعزيز خدمات الكهرباء والاتصالات، إلى جانب تنفيذ استراتيجية وطنية لدعم الصادرات". نظرة جديدة ولمواكبة التطوّر، تضع الحكومة أمامها العمل في مجالات التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي. وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة متحدثاً عن "تحديث الحوكَمة عبر التحوّل الرقمي. فلبنان أمام تحدٍّ ليس فقط على مستوى التعافي من الركود والشلل، بل أيضاً أمام تحدي القفز نحو المستقبل. ولدينا فرصة للولوج إلى عصر جديد من الحوكمة تقوم على الذكاء الاصطناعي، لبناء دولة قائمة على التكنولوجيا". وعرجَ سلام على خطط "إطلاق الهوية الرقمية ورقمنة السجلاّت العامة وتفعيل المنصات الرقمية وتجربة الذكاء الاصطناعي في الدولة. ولمواكية التحوّل الرقمي، سنؤسس وزارة مخصصة لتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي". وذهب سلام نحو الفضاءات العامة، معتبراً أنّ الحكومة "تلتزم إعادة ما يعود للناس، وتنشيط المساحات المشتركة. وعلى المستوى البيئي، ألغينا مراسيم بيئية تتعلّق بتخلّي الدولة عن مساحات على الشاطىء، وألغينا تراخيص لمقالع، كانت الحكومة السابقة قد أصدرتها". وعلى المستوى الثقافي، قال سلام "جرى ترميم مواقع تاريخية، وتحويل مكتبة بيروت العامة إلى مركز ثقافي محوري. فضلاً عن افتتاح مدينة كميل شمعون الرياضية". وتسهم هذه الأمور في "إعادة السياح العرب إلى موطنهم الثاني لبنان". أمّا على المستوى الاجتماعي، فأكّد سلام "العمل على تقوية شبكة الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات للفئات المهمّشة، بدءاً من تأمين التمويل الإضافي لبرنامج أمان الذي يخدم أكثر من 1800 شخص من المتضرّرين". وأشار إلى أنّ لبنان يستعد لـ"تنظيم مؤتمرَين دوليين أحدهما لإعادة الإعمار والآخر لتحفيز الاستثمارات". ولم تغب عن باله مسألة الحريات العامة وتجاوز الطائفية وتعزيز المواطنة، حيث قال: "آن الأوان لتطبيق اتفاق الطائف بلا تأخير، وبناء دولة مدنية حديثة، وهذا يعني ضمان الحريات العامة وخصوصاً حرية التعبير. وفي هذا الاطار، أصدرتُ قراراً بإلغاء مذكرات التفتيش الصادرة بلا إذن قضائي". كما أكّد سلام التزامه بـ"اللامركزية الموسّعة وإنشاء مجلس شيوخ وتشكيل لجنة وطنية لدراسة سسبل الخروج من النظام الطائفي". وخلص سلام إلى أنّه "قد يظن البعض أنّ هذه الإصلاحات سياسية بحتة، لكنها إصلاحات وجودية لبناء نظام أكثر استقراراً بالنسبة للفرد والدولة، وهذا أساساً لنظام مستدام أقلّ عرضة للانهيار وأقلّ قابلية لاستخدامه كغطاء للفساد والمصالح. فهدفنا بناء دولة صامدة تشجّع الاستثمار طويل الأمد". ودعا سلام المجتمع الدولي لـ"الاضمام إلينا لدعم مسيرة التحكيم في لبنان والمساهمة بالنهوض وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص عمل ورفع الانتاجية واستعادة ثقة المستثمرين في الامكانات طويلة الأمد في لبنان".

المدن
منذ 21 دقائق
- المدن
شروط إعادة البناء: المستثمرون يخافون إسرائيل وتقاعس القضاء
قيل الكثير عن ضرورة الإصلاح في لبنان، وتشعَّبَت سبل تحقيقه. ورغم وضوح أسباب الأزمة وآليات حلّها، لا يزال الوصول إلى برّ الأمان صعباً، ذلك أنّ التحديات تكثر مع مرور الوقت في ظلّ التحوّلات السياسية الإقليمية والدولية، ما يعرقل استعادة لبنان دوره. وما يزيد الصعوبات، هو التطوّر التكنولوجي والرقمي الذي يضع لبنان في امتحان تقني وسياسي لجهة الإمكانات المفترض تأمينها، فضلاً عن قرار التوافق الداخلي وعدم العرقلة. ومع ذلك يبدو أنّ الحكومة متفائلة، وتستند في تفاؤلها على الإنجازات التي حقّقتها خلال نحو 100 يوم من ولادتها، وإلى رغبة المستثمرين بالعودة إلى لبنان. لكن لدى هؤلاء مخاوف يريدون تبديدها عبر ضمان الأمن وتأمين مسار قانوني يكفل تسهيل الاستثمار وتوسيع أفق الأعمال وضمان حلّ النزاعات. ويرى هؤلاء أنّه ما إن تتبدّد تلك المخاوف، فإنّ طريق إعادة بناء لبنان ستكون مفتوحة. اللّحاق بتحوّلات المنطقة عودة المستثمرين إلى لبنان ترتبط بتوسيع نشاطهم في المنطقة، بدءاً من دول الخليج مروراً بالتحضير للاستثمارات في سوريا وصولاً إلى لبنان استناداً إلى ما يمكن تأمينه من أرضية خصبة للاستثمار. هذا الأمر كان محطّ نقاش في بيروت ضمن مؤتمر نظّمه تنظيم المعهد القانوني للمحكّمين CIARB بعنوان "إعادة بناء لبنان: أطر الاستثمار، آفاق الأعمال، وحلّ النزاعات"، جَمَعَ ممثلين عن الجهات الدولية والمحلية الرئيسية المعنيّة بإعادة بناء البُنية التحتيّة في لبنان. وفي المؤتمر الذي ناقشَ الإصلاحات السياسية والمؤسساتية اللازمة لإطلاق الاستثمار واستعادة الثقة، رأت مديرة مركز مالكوم كير - كارنيغي للشرق الأوسط، مهى يحيى، أنّه "بعد هشاشة اقتصادية وحرب إسرائيلية، تواجه الدولة تحديات لإعادة توجيه مستقبلها". وتطرّقت يحيى خلال جلسة مناقشة "إعادة بناء إطار الاستثمار في لبنان: خريطة طريق للعام 2031"، إلى "زخم الاستثمارات في المنطقة والذي يمثّل لحظة تحوّل عالمية لها تداعياتها على دول المنطقة". وتتمثّل ذروة التحوّلات بـ"المبادرات الاستثمارية الخليجية التي رافقت زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى قطر والسعودية، وانطوت الاستثمارات على أكثر من 2 تريليون دولار، طالت مجالات النفط والذكاء الاصطناعي". وتطرح هذه التحوّلات "تساؤلات حول قدرة لبنان على إجراء الإصلاحات التي تمكّنه من اللحاق بالتحوّلات". وللبدء بالتماس نتائج الإصلاحات التي تسير بها الحكومة، رأى وزير الاقتصاد عامر البساط أنّه "للوصول إلى أهدافنا علينا أولاً ملء ثغرة التصدير"، وهذا يعني "مضاعفة الإنتاج" وبالتالي "نحتاج إلى استثمارات كبيرة". ولاجتذاب تلك الاستثمارات "علينا إزالة القيود أمام النشاط الاقتصادي، ما يخوّلنا الوصول إلى ما نريده". وبحسب ما قاله البساط في المؤتمر "يجب العمل على القطاع المالي، بحيث نتمكّن من إنتاج 12 مليار دولار. ولا يمكننا الإنتاج بدون قطاع مصرفي متين. ولذلك علينا وضع قانون مصرفي حديث ورفع السرية المصرفية". وهناك ورشة عمل يجب أن تطال القطاع العام، فإنّ "أموالنا العامة ليست مستدامة. ولذلك علينا وضع إطار ضريبي وإطار أموال عامة يسمح بتسديد الديون، وفي الوقت نفسه نؤكّد أنّه يمكن إدارة الإنفاق العام بشكل مستدام". كلفة إنتاجنا بحسب البساط "مرتفعة وليست تنافسية. فكيف يمكن للمنتِج العمل بتكلفة كهرباء تصل إلى 25 سنتاً للكيلووات، في حين أنّ سعر الكيلواوت في مصر 0.06 سنتاً؟. ولذلك، لا نستطيع الإنتاج ما لم نستثمر في الكهرباء". كما احتلّت السياسات الاجتماعية حيّزاً من كلام البساط، إذ أشار إلى ضرورة "إجراء إصلاحات اجتماعية وضرورة اعتماد الرقمنة في إعادة بناء الدولة، وهذا يستدعي الاهتمام بالبيانات والاحصاءات، فصناعة القرار مقوَّضة نظراً لغياب البيانات والمعلومات". بين إسرائيل والقضاء اللبناني تحديد الحكومة لخياراتها والمسار الإصلاحي الذي يجب اتّباعه والبدء بتنفيذ بعض الخطوات المطلوبة، أمرّ إيجابيّ لكنه ليس حاسماً في إخراج البلد من محنته. إذ لا يزال أمامنا عقبتان أساسيّتان تسهمان في نفور المستثمرين. العقبة الأولى هي استمرار الخطر الأمني الإسرائيلي. فالعدوّ لا يزال يحتلّ أجزاء من لبنان ويواصل اعتداءاته ويلوّح مراراً بالتصعيد، ما يجعل لبنان بيئة غير آمنة للاستثمار. ولطمأنة المستثمرين، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ لبنان "ملتزم بتنفيذ القرارات الدولية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. ونبذل جهوداً دبلوماسية لضمان وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحقيق الانسحاب من لبنان". وقال سلام أنّ "استعادة السيادة الكاملة هو أمر جوهري لأنها تضمن أن يعيش كل لبنان بأمان تحت سلطة واحدة وثقة كاملة بالدولة. كما أنّها أساسية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وتشجيع المستثمرين والزوّار على العودة. فلبنان المستقر والآمن شرط أساسي لجذب الاستثمارات والفرص". تذليل العقبة الأمنية، يُبقى العقبة الداخلية المتمثّلة بالقانون. فالمستثمرون يبحثون عن "ضمانات قانونية. فكل حجر سنبنيه سيكون بلا جدوى بدون سيادة القانون وضمانات بعدم الفساد ووجود آليات لتسوية النزاعات"، وفق ما قاله أستاذ التحكيم الدولي والقانون الدولي الخاص في جامعة القاهرة، محمد عبد الوهاب، الذي أكّد في كلمته على أنّ "إعادة البناء لا تبدأ بالحجارة بل بالقانون والعدالة والكرامة الإنسانية". وأشار عبد الوهاب إلى أنّ "الإصلاح عملية أساسية وليست رفاهية. ولذلك، علينا الاستثمار في الابتكار القانوني". مذكّراً بأنّ لبنان "احتلّ المرتبة 108 من أصل 124 بحسب مؤشّر سيادة القانون". واستناداً لأهمية الضمانات القانونية، أعلن عبد الوهاب "وضع إمكانيات معهد CIARB في خدمة لبنان. ومن خلال الخبرات القانونية، يمكن تدريب المحامين اللبنانيين وعقد فعاليات لتبادل الأفكار". ويشدّد المعهد بنظر عبد الوهاب على أهمية التحكيم في إعادة البناء "فإعادة البناء تبدأ من خلال القضاء واستقلاليته". لم تغب الحكومة اللبنانية عن أهمية ما أثاره عبد الوهاب حول استقلالية القضاء. إذ أكّد سلام أنّ "استقلال القضاء ركيزة أساسية لمكافحة الفساد، وسبيلاً لجعل بيروت مركزاً للتحكيم الدولي". وبرأي سلام "يختار الأطراف بلد التحكيم لأنهم يتطلّعون إلى منتدى عادل ومحايد ومستقل. لذلك، نسعى لأن تكون بيروت مركزاً للتحكيم، ولأن نعيد تعريف لبنان من بلد تنشأ فيه النزاعات إلى بلد تُحَل فيه النزاعات سلمياً". والتطرّق للإصلاحات ولأهمية استقلالية القضاء وتمكُّن لبنان من التحوَّل إلى مركز للتحكيم بعد استكمال الإصلاحات القضائية، هو مسار لن يكتمل في حال وقفَ القضاء على أعتاب المؤسسات العامة ولم يدخلها لينظّف المسار الإداري داخلها. وفي هذا السياق، أكّد رئيس المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان مازن سويد، أنّ "هناكَ قصوراً في طريقة عمل المؤسسات العامة. واعتبر سويد أنّ "حربنا هي ضمن المؤسسات والإدارات والوزارات ومع الموظّفين. وعلينا بالتالي إقناع المستثمرين بآلية عمل المؤسسات العامة، لأن الآلية الحالية لا يستوعبها العقل، خصوصاً لجهة آلية المراسلات بين الإدارات العامة. فالمستثمرون لا يستطيون تحمّل البطء في عمل الإدارة". بصورة غير مباشرة، وَضَعَ المستثمرون من خلال هذا المنتدى، شروطهم للاستثمار في لبنان. وإذا كانت معضلة الخطر الإسرائيلي ترتبط بمعادلات إقليمية ودولية، إلاّ أنّ لبنان يمكنه عدم انتظار تلك المعادلات، بل يجدر به تسريع عملية الإصلاح الداخلي وتحديداً ما يتعلّق بالفساد والقضاء والمصارف والإدارة العامة، ليكون جاهزاً لملاقاة الانفراج الدولي والانسحاب الإسرائيلي. لأنّ زوال الخطر الإسرائيلي وبقاء الفساد الداخلي، يضع الاستثمارات أمام مخاطر كبيرة التُمِسَت نتائجها منذ العام 2019، ولا يبدو أنّ المستثمرين يريدون تكرار التجربة.