
موقف مصر الحاسم.. معركة السيادة
لم تكن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى عقود مضت، حين طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس عام 1953، قبل أن تتبناها إسرائيل عبر عمليات عسكرية ممنهجة لإجبار سكان غزة على النزوح. في 1955، سعت إسرائيل إلى زعزعة العلاقة بين مصر والفلسطينيين بإشعال انتفاضة مارس، لكن الرئيس جمال عبد الناصر ردّ بتسليح الفدائيين بقيادة مصطفى حافظ، وهو ما كبّد الاحتلال خسائر فادحة قبل أن يُغتال لاحقًا.
السيناريو تكرر في السبعينيات بمحاولة إسرائيلية لفرض التهجير إلى العريش، إلا أن مصر أجهضت المخطط، سواء في عهد الرئيس أنور السادات أو خلال فترة الرئيس حسني مبارك. واليوم، تعود المحاولات مرة أخرى، لكن القاهرة ثابتة على موقفها الرافض لأي تغيير ديموغرافي قسري، مؤكدة أن سيناء ليست ولن تكون حلًا على حساب الحقوق الفلسطينية.
في المقابل، عززت مصر وجودها داخل قطاع غزة عبر قنوات استخباراتية فاعلة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 1967، لمتابعة عودة السكان إلى بيوتهم وإفشال أي مخطط لترحيلهم جنوبًا. ومع تصاعد الإحباط في الأوساط الصهيونية جراء فشل محاولات فرض الفوضى في الداخل المصري، برز الحديث عن "الخيار الأخير": استهداف القيادة المصرية. ورغم أن الاغتيالات السياسية تبدو أحيانًا حلاً سريعًا، فإن التاريخ أثبت أنها غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية، تمامًا كما حدث مع اغتيال ولي عهد النمسا عام 1914، الذي فجّر الحرب العالمية الأولى، أو مقتل الرئيس أنور السادات عام 1981، حين استُخدمت الجماعات الإسلامية كأداة لإجهاض تحركات مصر تجاه القضية الفلسطينية.
الموقف المصري واضح وقاطع: سيناء ليست ورقة مساومة، وفرض الأمر الواقع مرفوض تمامًا، ليس فقط لحماية السيادة، ولكن لأن الأمن القومي المصري لا يسمح بخلق بؤر توتر تهدد استقرار المنطقة. ومع استمرار التحركات الخارجية لفرض التهجير كحل، يبقى السؤال الأهم: هل ينجح المخططون في كسر الإرادة المصرية، أم أن القاهرة ستواصل تحطيم رهاناتهم كما فعلت مرارًا في الماضي؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

فلسطين اليوم
منذ 6 ساعات
- فلسطين اليوم
في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية
فلسطين اليوم الكاتب: د. محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي حين نتحدّث عن الصراع على فلسطين، فنحن لا نتحدّث عن معركة وطنيّة لشعب محتلّ، بل عن صراع يعكس أهمَّ ملامح المواجهة الحضاريّة مع الغرب. تمثل "إسرائيل" في هذا الصراع ذراع الغرب وقاعدته المتقدمة للهيمنة على المشرق الإسلامي، وتمثل فلسطين الأمة في بُعدها الحضاري والعَقَدي. صراع له أبعاد حضارية في العقيدة والثقافة والتاريخ، كما في الجغرافيا والسياسة والاقتصاد؛ وله تداعيات مباشرة على أوضاع الأمة وعلاقاتها في المنطقة العربية وخارجها. بنظرة فاحصة على علاقات "إسرائيل" مع الأقلّيات ومع الدكتاتوريات في المنطقة العربية، ودور "إسرائيل" ولوبياتها في الغرب في التحريض والضغط والمساعدة في قمع محاولات النهوض العربي والإسلامي، ندرك أن الصراع الدائر في فلسطين والمنطقة هو صراع مترابط: الشعب الفلسطيني في الخندق الأول، ولكن في بعض الحالات تكون الخنادق الخلفيّة أكبر تأثيرًا، وأكثر خطورة ودموية. هناك علاقة جدلية بين ساحات هذا الصراع؛ إذ إن صمود الشعب الفلسطيني، وأي إنجاز يحققه في صراعه المباشر مع العدو الصهيوني بالضرورة ينعكس إيجابًا على دول المنطقة وشعوبها، ويعطي أملًا متجددًا في حتمية الفوز في هذا الصراع. وأيضًا، فإنّ أية نهضةٍ واستقلالٍ حقيقيّ لأيّ قُطر عربي أو إسلامي، ينعكسان إيجابًا على صراع الشعب الفلسطيني مع "إسرائيل" التي تستهدف إضعاف جميع دول المنطقة، بما فيها الدول المطبّعة معها، حتى تبقى ضعيفة ومرتهنة دون أي تأثير أو نفوذ أو استقلال. ولأننا نريد لأمتنا أن تنهض، ولفلسطيننا أن تتحرّر، فإننا نرى ضرورة إدراك المتغيرات الكثيفة التي تمرّ بها المنطقة والعالم، حيث هناك أوضاع جديدة وصراعات ممتدة تستلزم استعدادات جذرية في الاستجابة لها، وتعديلات من الدول ومن القوى الشعبية العاملة فيها على السواء، فلم يعد مفهومًا -بعد كل هذه التجارب والمحن- أن تستمر الأنظمة العربية في الارتهان التامّ للأوامر الغربية وللسيّد الأميركي. وإذا لم يكن مقبولًا في سبعينيات القرن الماضي أن يُقال إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية، فكيف تُسلِّم اليوم أنظمة العرب، بعد أكثر من نصف قرن، إرادتَها كاملة لأميركا؟ لقد شكّل موقع فلسطين دينيًا وتاريخيًا وجغرافيًا في قلب الأمة العربية، التي هي قلب العالم الإسلامي، ساحةَ صراع مفتوح مع الغرب. وفي العصر الحديث، تجسَّد هذا الصراع بإقامة دولة "إسرائيل" التي هي مشروع غربي استعماري بامتياز. لقد كان ضياع فلسطين، وإعلان قيام دولة الصهاينة عام 1948، نتيجة مباشرة للمواجهة المستمرة بين الغرب الاستعماري، والشرق الإسلامي بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وانهيار النظام السياسي الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى. إنّ الصراع على فلسطين، الذي له كلّ هذه الأبعاد العَقَدية والثقافية والتاريخية، فضلًا عن أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما له من تداعيات على المنطقة والعالم، يلخّص صراع الأمة الإسلامية مع الغرب وحضارته، ويُعتبر صورة مصغرة تعكس هذا الصراع وتلخّصه، وإن اختلفت بعض التفاصيل والأولويات. ويمثل كذلك حالة اختبار لكل الأطراف المشاركة فيه، ويكشف كل الدّعاوى الزائفة لعزل فلسطين عن بُعدها العربيّ والإسلامي. لقد شكّلت نكبتنا في العام 1948 لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الغرب، فقد نشأت دولة "إسرائيل" على أنقاض فلسطين العربية، وكل التطوّرات اللاحقة، من حروب ومفاوضات ومعاهدات هدنة أو اتفاقات سلام منذ كامب ديفيد، مرورًا بأوسلو ووادي عربة، وصولًا إلى اتفاقات أبراهام حتى يومنا هذا، هي نتائج مباشرة لحرب العام 1948. إن محاولة فهم ما حدث في العام 1948 وأسباب هذا الانهيار الشامل، تشكّل مدخلًا إجباريًا لفهم التحديات الراهنة في فلسطين والمنطقة. عربيًا، حصلت الدول العربية على ما يسمّى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الحدود التي فصّلها المستعمر، وبالطريقة التي أرادها بكل التناقضات ومشاكل الحدود التي تعمّدها، ووفق مصالحه الخالصة، وبعد أن نكث بكلّ وعوده. أصبح للنخب السياسية العربية التي تشكّلت بعد ما سمّي بالاستقلال، مصالحُ قُطرية تدافع عنها، وأصبحت العروبة شعارات بلاغية زائفة ورنّانة تظهر على منابر المزايدات والخطب، بدل أن تكون دعوة جدية تتحدّى شروط المستعمِر. وقدّم سياسيو العرب مصالحهم ومصالح أقطارهم على أية مصلحة قومية. وهكذا، فإنّ الدول العربية التي دخلت جيوشها حرب 1948 كان لها حسابات قُطرية مختلفة ومتناقضة، ولم تشارك في الحرب أو تفاوض بعدها بشأن الهدنات مع "إسرائيل" إلا بمفهوم قُطري، بعيدًا عن أية إستراتيجية عربية، أو حتى تنسيق عربيّ شامل. ظهرت النخب السياسية والثقافية، في معظمها، مشوّهة ومنسلخة عن تاريخها وثقافتها وعقيدة شعبها، ومتنكّرة لها، ومهزومة روحيًا وعقليًا وعلميًا أمام حضارة الغرب المستعمِر وثقافته. لقد دخل العرب الحرب دون رؤية صائبة، ودون هدف مشترك، ودون خطة عملية موحدة، وبأعداد رمزية، حيث إن مجموع القوات العربية التي يُطلَق عليها جيوشٌ عربية كان أقل من 15 ألفًا، في مقابل العصابات الصهيونية التي كان لها خُطة وهدف وقيادة سياسية وتحالفات دولية، وأعداد بلغت 75 ألفًا، في أقلّ تقدير، من الجنود المدربين. باختصار، فشلت دول ما بعد الاستعمار المباشر، وفشل زعماؤها السياسيون، وفشل المثقفون في مواجهة تحديات التغيير الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وكان سقوطها مدويًا في أوّل مواجهة لها مع العصابات الصهيونيّة. بعد 77 عامًا من نكبتنا الأولى في فلسطين، نجد ما يسمى النظام العربي أسوأ حالًا؛ فلا يجرؤ أن يرسل قطرة ماء أو كسرة خبز إلى شعب فلسطين الذي تصنع له "إسرائيل" نكبة جديدة على رؤوس الأشهاد. قرارات القمم العربية ومناشداتها أقل بكثير من الشعارات التي رفعها زعماء عرب حول الأمة الواحدة الخالدة وحول تحرير فلسطين بعد نكبة 1948. التسليم التام للإدارة الأميركية التي تحمي إسرائيل وتمدها بآلة الدمار يذكرنا بالطلب من الشعب الفلسطيني بالركون إلى الهدوء؛ استجابةً لوعود صديقتنا حكومة صاحبة الجلالة قبل نكبة 1948. إنّ الاستسلام الكامل للإملاءات الأميركية وتسليمها مقدرات شعوب الأمة، والرعب من إسرائيل وهرولة البعض إلى التطبيع معها وإشاحة النظر عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها العدو في غزة والضفة والقدس، وسياسة التجويع والتطهير العرقي، يبشّر بسقوط مدوٍّ لكل من صمت أو بارك وبرر جرائم العدو، كما حدث لأنظمة نكبتنا الأولى في العام 1948. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون


معا الاخبارية
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- معا الاخبارية
2025 عام مفصلي لمستقبل البشرية
مرّ التاريخ البشري بمحطات بأعوام مفصلية، شكلت نقاط تحول حاسمة غيرت مجرى تاريخ البشرية، وحددت شكل الفكر الإنساني والسياسي والاقتصادي العالمي لقرون تلتها، فعلى سبيل المثال، عام 776 قبل الميلاد كان قد رسخ فكرة المنافسة السياسية بين الشعوب، وعام 472 ميلادي، عام سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، فأنهى العصر الكلاسيكي في أوروبا، وعام 622 كان نقطة انطلاق تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وعام 1492 عام اكتشاف العالم الجديد (قارة أمريكا) وانطلاق العصر الاستعماري، وعام 1760 عام انطلاق الثورة الصناعية الأولى (استخدام الفحم والالة البخارية)، وعام 1789 الذي اسقط الملكية الفرنسية المطلقة وبشر بعصر الحرية الأوروبية، وعام 1870 الذي شهد انطلاق الثورة الصناعية الثانية (اختراع الكهرباء ومهد لصناعة الصلب والقطارات) وعام 1914، ادلعت فيه الحر ب العالمية الأولى، لينهي امبراطوريات كبرى كالعثمانية والنمساوية ويعيد رسم خارطة العالم الجيوسياسية، وعام1929 عام الكساد الكبير، وعام 1945 الذي استخدام فيه السلاح النووي وتأسيس هيئة الأمم المتحدة وتشكيل نظام عالمي ثنائي الأقطاب، وعام 1970 الذي شهد انطلاق الثورة الصناعية الثالثة (مهد لدخول الحواسيب وتطورات الاتصالات وغيرها) وعام 2001 الذي غير ملامح السياسة الدولية الى حد ما (احداث 11/9) وقيدت فيه الحريات، وعام 2011 الذي انطلقت فيه الثورة الصناعية الرابعة (التي نشهد نتائجها اليوم) وعام 2020 (عام جائحة كورونا) التي شلت حركة الاقتصاد وسرعت في عمليات التحول الرقمي، واليوم عام 2025، حيث انطلقت الحرب التجارية، ويظهر بان العالم يقف فيه عند مفترق طرق تاريخي وغير مسبوق، وسيؤدي الى تشكيل محطة يعاد فيها صياغة الأنظمة العالمية وعلاقة الانسان بمحيطه لمحاولة رسم طريق جديد للمستقبل. انطلق العام 2025 بإعلان الرئيس الأمريكي عن تطبيق شعار أمريكا أولاً، وهو الشعار الذي يعكس توجهًا نحو إعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية والداخلية الامريكية، بهدف حماية اقتصادها (الذي يعتبر اكبر اقتصاداً في العالم وبحجم يقارب 29 تريليون دولار وبنفس الوقت تعاني أمريكا من ديون بلغت 36 تريليون) وتحسين الفرص الوظيفية للأمريكيين، وتعزيز الأمن القومي الامريكي، معتمداً فيه على فلسفة القطيعة مع السياسات التقليدية (الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية) التي تبنتها الولايات المتحدة على مدى العقود السابقة، محافظة فيها على الاستقرار العالمي نوعاً ما. ان شعار "أمريكا أولاً" هو ليس بالشعار الجديد، فقد سبق وان استخدم من قبل بعض الرؤساء الأمريكيين، خلال فترات سابقة، وكان مرتبطاً بتوجهات لها دلالات وفقاً للسياقات الزمنية لها، فعلى سبيل المثال، الرئيس ويلسون (1914-1917) والذي شهد عهده انقسام في الرأي العام الأمريكي حول دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى، استخدم الشعار للتعبير عن الحياد الأمريكي في النزاعات الأوروبية، حيث كان ويلسون يفضل أن تركز أمريكا على مصالحها الداخلية بدلاً من الانخراط في صراعات عالمية بعيدة عنها. كما ظهرت حركة أمريكا اولاً، كحركة سياسية امريكية في الثلاثينيات من القرن الماضي (من أبرز القادة لها الطيار تشارلز ليندبيرغ) خلال فترة الكساد الكبير وبهدف معارضة التدخل الأمريكي في الشؤون الأوروبية. الا ان الرئيس ترامب عاد الى استخدامه للدلالة على تعزيز سياسات المصالح الوطنية الأمريكية، ولدعم الحمائية الاقتصادية، منطلقاً من استراتيجية خارجية لإعادة تشكيل العلاقات الدولية لأمريكا، انطلقت من تقليص الالتزامات الأمريكية تجاه التحالفات التقليدية (الضغط على الحلفاء) وتقليل الالتزام تجاه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ( الانسحاب من اتفاقات دولية منها اتفاقية التجارة الحرة مع امريكا الشمالية، واتفاقية الشراكة عبر المحيط ومعاهدة الأجواء المفتوحة وغيرها والتي كانت تشكل جزءً من النظام العالمي وهو ما يعكس تفضيله للمصالح الوطنية المباشرة على غيرها من المشتركة مع الدول الأخرى. ان من سياسات الرئيس ترامب الداخلية، تقليل الضرائب على الشركات لتشجيع الاستثمار داخل أمريكا، وتقديم حوافز مريحة لدعم الصناعات الوطنية، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين ومحاربة الهجرة، الامر الذي اثار جدلاً حول السياسات الإنسانية الامريكية. الا ان القرار الذي أربك كافة دول العالم خلال الأسبوع الأخير، كان قرار الرسوم الجمركية المفروضة على أكثر من 180 دولة (بما فيها دول الحلفاء التاريخيين لأمريكا)، وكان نصيب الصين الأعلى فيها، وهي الرسوم التي تعتبر الأكبر عبر التاريخ، مهددة الاستقرار العالمي ومن المحتمل ان تقود الى ركود اقتصادي عالمي غير مسبوق. ان الرسوم الجمركية المفروضة على الدول العالمية، اعتبرت بمثابة براكين تتفجر في كافة القارات العالمية، ترافقه عواصف زلزالية لها ارتدادات لا يمكن للدول صاحبة الاقتصاديات الضعيفة او المتوسطة تحملها، باستثناء دول مثل الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي (حوالي 18.54 تريليون دولار) ودول الاتحاد الأوروبي (بحجم اقتصاد يقارب 19 تريليون دولار) وبعض الدول الأخرى بدرجة اقل. ان اندلاع الصراع التجاري، ليس مجرد خلافات تجارية، بسبب اختلال الميزان التجاري لصالح الدول المختلفة في علاقاتها التجارية مع أمريكا، بل هو تجسيد لصراع الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية بالكامل، ويحدد الرؤية المستقبلية لأمريكا والعالم. ان الحرب التجارية التي نتابعها منذ أيام أصبحت بمثابة حرب عالمية مفتوحة، الا ان القرار الصادر عن الرئيس الأمريكي مساء يوم 9/4/2025 تخفيض قرار الرسوم الجمركية على الدول العالمية وتخفيضها وفتح باب التفاوض معها، وهو الأسلوب الذي يعتبر مبدأ رئيسي له في مسيرة حياته (وهو بمثابة اعتراف ضمني بالخطاء بفتح الجبهات العالمية دفعة واحدة)، باستثناء الصين (التي حققت عائد من التجارة مع أمريكا بواقع تريليون دولار، حسب تصريحات الرئيس ترامب)، التي سبق لها ان ردت على قرار ترامب ورفعت الرسوم الجمركية على المنتجات الامريكية بنسبة وصلت الى 85℅، أدت ايضاً الى ان يتم رفع الرسوم على الصين بنسبة 125℅، مما نقل الصراع اليوم ليكون صراعاً امريكي صيني بامتياز. ان هذا الصراع سيتوسع ليصبح ليس فقط صراعاً تجارياً تنافسياً، بل سيشمل مجالات في غاية الحساسية مثل قطاعات تكنولوجيا المستقبل (اشباه الموصلاتـ الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والطاقة النظيفة) والتي فرضت أمريكا قيوداً صارمة على تصديرها للصين (الصين تعمل بتسارع كبير للاكتفاء التكنولوجي الذاتي)، وسلاسل التوريد والمعادن النادرة (تنتج الصين ℅70 منها، تسعى أمريكا لاستبدال المصدر والانتقال الى افريقيا وامريكا اللاتينية وغرينلاند وفيتنام والهند واوكرانيا) والبنى التحتية وخاصة الموانئ والتي سيطرت الصين على معظمها، الا انه تتم الان محاصرتها، مما دفعها لبيع موانيها على طرفي قناة بنما لشركة بلاك روك ويجري العمل الان على التفاوض لشراء 43 ميناء في مواقع أخرى من العالم. اننا اليوم نقف على عتبة بناء شبكة تحالفات جديدة، وانه لمن الواضح بان أمريكا وجدت ضرورة التحالف او محاولة السيطرة على دول اوراسيا (قد تكون وصلت لقناعة ان هذا الاجراء اهم لمستقبل امنها من التركيز على أوروبا، التي تشهد ازمات داخلية، وأزمة ديون في بعض دولها، وتراجع اقتصادها بسبب الحرب الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة والاختلاف في سياسات بين أعضاءها، وبالتالي تراجع دورها الجيواستراتيجي على الساحة العالمية، ومع كل ذلك فان أوروبا ما زالت قادرة على لعب دور كبير في التجارة العالمية وهي الساعية لتعزيز قوتها العسكرية). فاوراسيا تتواجد فيها اهم ومعظم الثروات العالمية، وتنتج ما يقارب 60℅ من اجمالي الإنتاج العالمي الاجمالي (بما فيها الصين)، وهي الكتلة الجغرافية التي تضم اكثر من 70℅ من سكان الكرة الأرضية، وخمس من دولها تمتلك أسلحة نووية، قادرة على خلق توازن عسكري قد يضعف الهيمنة الامريكية. ان مثل هذا الامر، يتطلب تعزيز القوة الامريكية الاقتصادية والتكنولوجية في المنطقة الاوراسية واضعاف القوة الاقتصادية الصينية المنافسة للاقتصاد الأمريكي وبقوة (محاصرة مشروع الصين الكبير الحزام والطريق)، وقد تكون أمريكا وجدت ضالتها في التقارب مع الهند (لإضعاف القوة الجيوسياسية الصينية) التي يسكنها ما يقارب 1.45 مليار شخص، وصاحبة الاقتصاد الخامس في العالم (3.7 تريليون دولار) وتسعى لتصبح ثالث اقتصاد عالمي، يضاف الى ذلك الاهتمام الأمريكي بدول أخرى في جنوب وشرق اسيا (مع الاخذ بعين الاعتبار التصريحات الصادرة عن السياسيين الأوروبيين بان أمريكا لم تعد الشريك الذي يعتمد عليه، الرئيس ماكرون، مما يجعل قادة بعض الدول في حالة تردد او ترقب قبل التحالف مع امريكا). ان الصراع التجاري الأمريكي الصيني، قد يودي الى الفصل الاقتصادي بين الدولتين، مما سيفكك سلاسل الامداد العالمية (التي تسيطر عليها الصين)، الامر الذي ستعاني منه ليس فقط الدولتين، بل بقية دول العالم، وبما فيهم الدول التي تسعى أمريكا لجعلها بديلة لسلاسل الامداد لها كالهند وفيتنام وباكستان واندونيسيا والمكسيك وغيرها وحتى لو انضمت لهم روسيا التي بدأ واضحاً الغزل السياسي الأمريكي معها. ان الصراع سيعيد الى العالم الحرب الباردة (بين الاتحاد السوفيتي والغرب)، والذي سينعكس على اعمال الريادة العالمية في تكنولوجيا المستقبل (التضييق على الشركات الصينية الرائدة مثل هواوي، TikTok وNvidia)، يضاف الى ذلك مباشرة الصين بربط نظام التسوية لليوان الرقمي العابر للحدود مع 10 دول أعضاء في رابطة أسيان وبعض دول الشرق الأوسط دون استخدام نظام سويفت الذي يسيطر عليه الدولار، وهي بهذه الحالة تعيد تعريف قواعد تطبيق عصر العملات الرقمية، متقدمة بذلك على امريكا (حسب اعلان بنك الشعب الصيني). ان الصراع التجاري الأمريكي الصيني، الذي اندلع وبقوة (سيكون اثرة على العالم كاثر قنبلة نووية غير تدميرية) جعل العالم يقف في حالة من الذهول والتخوف من تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة في التضخم واضطراب الاستثمارات العالمية والدخول في النهاية في حالة ركود اقتصادي غير مسبوق. كما ان هذه الحرب ستفكك لا محالة أنظمة التجارة العالمية التي سعى العالم لبنائها خلال العقود الماضية (قد يودي لحل منظمة التجارة العالمية)، وبناء تحالفات تجارية في شمال وجنوب الكرة الأرضية قد تخلق حالة من عدم التوازن والاستقرار العالمي يؤدي الى تحول جذري في النظام الاقتصادي العالمي وسيكون باهظ الثمن، تحتاج عملية التعافي منها لعقود قادمة. ان المراقب للتصريحات الصادرة عن قادة الدول خلال الأسبوع الأخير، وخاصة التصريحات الامريكية والصينية، نجد بان الطرفين غير مستعدين لخسارة هذه الحرب، فأمريكا ان فشلت في تحقيق أهدافها، يعني فقدانها قدرتها على الهيمنة على الاقتصاد العالمي مما يعزز مكانة الصين كأكبر منتج بالعالم، والاقبال على الليوان كعملة للتجارة العالمية، وزيادة قدرة الصين لتعزيز وجودها في دول اسيا الوسطى وشرق اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وقد تصل الى تعاون اقوى مع أوروبا، كما ويجعل من الصين دولة مؤهله لقيادة تجمع البريكس وتوسيع شبكة الحزام والطريق وتعزيز الاقبال على التكنولوجيا الصينية قليلة التكاليف مقارنة مع الامريكية، وبالتالي انهيار صورة أمريكا كقوة تنظيمية عالمية وتفكك الكتلة الغربية، الامر الذي لا يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة تقبله حفاظاً على امنها الوطني وموقعاها العالمي المسيطر، وعندها فانه من الممكن ان تلجا لاستخدام القوة العسكرية، وبالتالي اندلاع حرب عالمية عسكرية ثالثة. لكن في حال خسرت الصين الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، ستكون عبارة عن ضربة قوية (اقتصادية واستراتيجية) لها انعكاسات كبرى على المستوى الداخلي والدولي، منها على سبيل المثال، تراجع النمو الاقتصادي الصيني، وتباطؤ التطور التكنولوجي فيها، وخروج الشركات العالمية منها، اضطراب في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع في أسعار المنتجات في الأسواق العالمية، وفقدان الثقة في الصين كقوة صاعدة وبالتالي فقدان الشركاء، وتراجعها كدولة صاحبة قدرة في التأثير في الجيوسياسية العالمية لصالح الولايات المتحدة الامريكية على مستوى العالم ولصالح الهند على مستوى جنوب وشرق اسيا. اما على المستوى الداخلي الصيني فان تراجع النمو الاقتصادي سيؤدي الى تصاعد في التوترات الاجتماعية سيكون لها انعكاس على الاستقرار الوطني، مما سيعيدها الى الانغلاق السياسي، او انها ستضطر لتصدير الازمة بالذهاب الى حرب ضد تايوان، وبالتالي البدء بحرب عالمية ثالثة. ان انطلاق حرب عالمية ثالثة، لن تشبه أي حروب أخرى، ستجعل من عام 2025 عام مميز لتحديد مستقبل البشرية، الا اننا نأمل ان يتم اللجوء الى الحوار والتفاوض بكافة اشكاله وتفعيل دور منظمة التجارة العالمية لتكون الضامن للعدالة التجارية وتنظيم قطاع التكنولوجيا بطريقة عادلة يتم الاتفاق عليها بين الأطراف، ولو كان ذلك عن طريق تهدئة مؤقتة، حتى يتم التوصل لحل جذري، لتجنيب العالم أزمات قد تعصف بمستقبله. اما الأردن، وهو الذي يعاني من ازمة اقتصادية، الجزء الأكبر منها كان نتيجة للظروف الجيوسياسية الإقليمية والتي فرضت عليه، فان مثل هذه الرسوم الجمركية ستؤدي اضعاف فرصه التصديرية لأمريكا (25℅ ن صادراته اليها) وسيضعه امام صعوبات في الحصول على تمويل لصناعاته الناشئة، وسيفاقم من الفجوة التكنولوجية لقطاعاته المختلفة (قد يكون بسبب ارتفاع الأسعار)، يضاف اليها وقف المساعدات الامريكية التي بدون ادنى شك ستعمق من ازمته الاقتصادية، والتي قد يكون لها نتائج اجتماعية (زيادة في البطالة وغيرها، وخاصة في الظروف التي تعيشها المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة وما يجري على الساحة السورية من احداث) وما سينتج عن الحرب الامريكية الصينية التجارية (التي اندلعت بالفعل) من نتائج. ان مثل هذا الامر يتطلب من الأردنيين كافة، تغليب مصلحة الوطن على اية مصالح أخرى، وعدم الانجراف وراء بعض الأصوات المنادية بالتصعيد للانخراط بأزمات خارج حدودنا السياسية، فرضت علينا كسابقاتها من الازمات خلال العقود السابقة، والتي دفعنا ثمنها دوان ان نكون طرفاً في اندلاعها، وان تكون ثقتنا مطلقة بقدرة وحكمة القيادة الهاشمية القادرة على التعامل والتكيف بديناميكية مع الازمات الإقليمية والتحولات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية بما يخدم المصالح الوطنية الضامنة لأمن واستقرار الأردن.


معا الاخبارية
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- معا الاخبارية
الحرب خيار المجانين والمرضى النفسيين والقادة الفاشلين
منذ أكثر من مئة عام، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الان لم تحقق الحروب الطاحنة ولا المدافع الثقيلة ولا الطائرات العالية إنجازا واحدا للبشرية ولم تساهم في تقدم العلوم ولا في توزيع عادل لثروات الأرض على سكان الكوكب. بل حققت إنجازات وهمية لزعماء وقادة مرضى عقليين بالعنف والموت والدمار ما أنهك الموارد البشرية للدول وجلب التعاسة على الطبقات الفقيرة وضاعف ثروات الأغنياء الذين يتاجرون بالدم ويتاجرون بالسلاح ويتاجرون بالبشر . وان كل دولة وكل نظام بدأ حربا أوغذى حروبا وساهم في نشر القتل، ارتدت عليه لعنة الحرب داخليا فدمر بلده ودمر حكمه ودمر مقدرات شعبه. بحثت كثيرا عن حرب أنجزت تقدما للإنسانية فلم اجد سوى ابيات شعر فارغة من المضامين وشعراء متزلفون للزعماء وقصائد نفاق تمجد السلاطين ولا تذكر الأطفال القتلى باي فكرة !!. ماذا استفادت روسيا من حرب العالمية الأولى؟ سوى انها عاشت مجاعة عجز عن وصفها الادباء؟ ماذا استفادت المانيا من حروب هتلر سوى انها خسرت كل شيء واغتصبت ملايين النساء الالمانيات على يد الغزاة؟ ماذا استفادت فرنسا سوى ان باريس خضعت للاحتلال وهرب خمسة ملايين فرنسي مشيا على الاقدام في صورة لن ينساها المؤرخون؟ ماذا استفادت إنجلترا من حروبها واستعمارها سوى ان لندن تعرضت لقصف لا يرحم ؟. ماذا استفادت إيطاليا من الفاشية؟ وماذا استفادت أمريكا من أفغانستان سوى ظهور ترامب وتحطيمه لمنظمة الحكم الأمريكي الكلاسيكي ؟ ماذا تستفيد السودان من حربها مع ذاتها؟ وماذا استفادت الدول التي تدخلت لتخريب سوريا ومن الربيع العربي سوى ما نشهده من تظاهرات ترتد الى داخلها؟ وماذا استفادت سوريا الأسد من قمع الإصلاحيين سوى انها دمرت حضارة 7 الاف سنة؟. خاضت إسرائيل نحو عشرين حربا ومئات المعارك ، وفي كل مرة تفقد الامن اكثر وتتجرع الحسرة اشد مرارة. جربت إسرائيل من دون نتانياهو اتفاقية سلام مع مصر في كامب ديفيد 1978 وانسحبت من سيناء ولغاية الان ترفل في نعيم تلك الاتفاقية التي رفضها شارون و(غيولا كوهين والدة الوزير الليكودي تساحي هنغبي) وغلاة اليمين في الكنيست آنذاك . ووقعت اتفاقية وادي عربة مع الملك الحسين في الأردن ولغاية الان تتمسك بها . كل ما يحدث من حروب وكل ما سيحدث من اهوال سببه الوحيد تنصل نتانياهو شخصيا ومعه قطيع اليمين الصهيوني من اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين . ان قطيع اليمين المتطرف في إسرائيل يحرق الحقول التي يأكل منها، ويرمى السم في الابار التي يشرب منها.. نتانياهو شخصيا هو السبب الوحيد في اندلاع جميع المعارك والحروب والانتفاضات التي وقعت منذ العام 1996 وحتى اليوم.. وهو المسؤول الأول عن وفاة نحو 100 الف فلسطيني ولبناني وعربي ونحو عشرة الاف يهودي على هذه الأرض . لقد اثبت وقف اطلاق النار الأخير في غزة ان وقف الحروب سهل ولا يحتاج سوى الى قائد واحد جريء وواضح . وان الحروب تحتاج الى قطيع من المرضى النفسيين والعقليين الباحثين عن وهم الانتقام لمجرد ان يثبتوا انهم الأكثر غرابة وانحراف .