
طهران والبحث عن النجاة
بقلم: عاطف أبو سيف
طوال الحرب على غزة التي تجاوزت العشرين شهراً كان نتنياهو يتحدث عن تغيير الشرق الأوسط برمته، وفيما حدثت تحولات كبرى في المنطقة منذ أكتوبر 2023 إلا أن التحول الأبرز سيكون بعد نتائج الحرب على إيران. منذ البداية كان واضحاً ان الحرب أكبر من غزة وان نتائجها لن تقتصر على غزة، رغم أن غزة ستكون الضحية الأبرز فيها، وربما الوجود الفلسطيني في آخر ما تبقى من الشريط الساحلي لأجدادنا الكنعانيين والفينيقيين. وفيما كان يمكن تجنيب غزة الكثير من هذه الويلات خلال مسيرة التفاوض التي صارت بطول عمر الحرب، في واحدة من عجائب المفاوضات والحروب، فإن إسرائيل استخدمت حربها على غزة لشيطنة كل المنطقة، وبالتالي تنفيذ كل برامجها الهادفة لإزاحة أي تهديد حالي أو مستقبلي، محتمل أو غير محتمل لوجودها. بالنسبة لنتنياهو كما قال إما أن ننفذ الضربة أو لا نكون هنا.
وكالعادة فإن إسرائيل تسلحت بنفس الدعاية التي تبنتها الحركة الصهيونية عقب الحرب العالمية الثانية، من ان الغاية من كل حروب إسرائيل هي حماية الوجود اليهودي المستهدف لذاته. لذلك فإن احتلال فلسطين وإبادة الفلسطينيين وتدمير مدنهم وحرق قراهم وتهجيرهم كما حدث خلال النكبة، ليس إلا من أجل حماية الوجود اليهودي من الزوال وحتى لا تتحقق غايات هتلر التي فشلت بعد انتصار الحلفاء. كما أن حرق بيروت وتدمير دمشق، إن رغبت تل أبيب، ليس إلا من أجل تحقيق أهداف السياسات الغربية بحماية اليهود من أي هولوكوست قادم. الخطاب الذي استخدمه نتنياهو ورئيس أركانه ووزير دفاعه هو ذات الخطاب «الإبادوي» الذي يعيد تذكير الغرب بأخطائه تجاه اليهود، من خلال التأكيد على أن غاية الحرب على طهران هي حماية الوجود اليهودي، وعدم تعريض هذا الوجود لأي خطر في المستقبل. وعليه فلا بأس من شن حرب على إيران وتدمير كل شيء في طهران والمدن الإيرانية، واغتيال كل قادة الجيش الإيراني من أجل ذلك.
صحيح أنه في حال الرد الإيراني ستدفع إسرائيل الثمن المباشر، ولكن أوروبا أيضاً ستدفع أثماناً كثيرة نتيجة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي، خاصة في النفط وربما في طرق الإمدادات، ولكن على أوروبا أن لا تشكو، فلتل أبيب الحق في فعل كل ما تراه مناسباً وصياغته وفق مقولات وتبريرات على كل دول أوروبا أن توافق عليها. نفس المنطق الذي جعل تحرير مائتي أسير إسرائيلي من غزة هدفاً يمكن من أجله قتل وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني في أول إبادة يتم بثها مباشرة على تلفازات العالم، والعالم يكتفي فقط بالإدانة الخجلة.
رغم أن هدف الحرب المعلن على إيران يتمثل في الحد من قدرات إيران العسكرية وقتل برنامجها النووي، إلا أن أحداً لا يعرف إذا ما كان هذا هو الهدف الوحيد للحرب فعلاً. بمعنى لو أن إيران قالت أنا جاهزة لتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة لا أقوم بموجبه بتطوير برنامج نووي لغايات عسكرية هل ستوافق تل أبيب وواشنطن؟ لقد سبق السيف العذل، وأظن أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. فإسرائيل عادة ما يكون لها هدف معلن وأهداف كثيرة غير معلنة. الهدف المعلن هو من اجل النقاش الداخلي، ولوضع خط فاصل بين النجاح والفشل، فيما ثمة أهداف أكثر بعداً.
في حرب غزة مثلاً لم يعد أحد مقتنعاً أن استعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة هو هدف نتنياهو من حرب الإبادة على شعبنا هناك، كما ان كل العالم يعرف أن حرب نتنياهو ليست على حماس وإن كان يتحدث عن نزع سلاح الأخيرة، على الأقل لا مخطط الحرب يقول ذلك، ولا تاريخ العلاقة الدافئة، وإن بشكل غير مباشر بين الطرفين، والأموال التي كانت تنتقل من وعبر الجيش الإسرائيلي لغزة، يقولون ذلك. ومع الوقت بات الجميع متيقنين، حتى حلفاء إسرائيل في الغرب، بأن غاية إسرائيل هي استكمال تصفية الوجود الفلسطيني في قطاع غزة وتهجير سكانها، وإن اتخذت من السابع من أكتوبر ذريعة لذلك، رغم أن مواقف حماس التفاوضية تُشعر المتابع أن حماس هي المنتصرة، وأن إسرائيل التي ستزول عن الوجود بعد ربع ساعة وليس الوجود الفلسطيني. وربما الحرب على إيران فرصة، إن كان ثمة فرصة، لتنظر حماس كيف ستتعاطى إيران مع الحرب بعد ان تحاول الخروج بماء وجهها، إن سُمح لها بذلك. ببساطة لأن غاية الحرب لن تكون الوصول لتسوية مع إيران حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل الوصول لتسوية حول مستقبل إيران ومستقبل النظام فيها.
لا أحد يعرف مستقبل الحرب ولا تداعياتها، فهي لا تشبه التصعيد الإسرائيلي الإيراني السابق الذي أعقب اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في قلب طهران الذي كان واضحاً أنه، أي التصعيد، متفق على طبيعته وردود الفعل عليه، ولا أحد يمكن ان يتوقع كيف ستسير الأمور، وإذا ما كانت إيران سترضخ في النهاية لمعادلة جديدة، يتم فيها ليس تقليم أظافرها في المنطقة، لأن هذا تم قبل ذلك، ولكن بالتنازل عن كل برامج تسلحها غير العادية، وإذا ما كانت إسرائيل ستوافق في هذه الحالة. الواضح أن معادلة جديدة ستظهر في الأفق، معادلة يتم بموجبها تغيير كل السياسة الإيرانية وربما النخبة الحاكمة أو طريقة تعاطيها مع الواقع الجديد. كانت عملية تقليم أظافر طهران هامة من أجل قطع يدها بعد ذلك. فالحرب على لبنان وتحييد حزب الله ضَمِن لإسرائيل أن لا خطر حقيقياً سيأتي من الشمال، كما أن القدرات الصاروخية في غزة باتت شبه معدومة، رغم مواصلة الحوثيين ضرب أيلات وتل أبيب من فترة لأخرى، ولكن ايضاً واضح أن قدراتهم ومقدرتهم اللوجستية على فعل ذلك أيضاً خفت بعد الضربات الأخيرة. الآن ثمة معادلة جديدة ستنتج عن الحرب.
أهلاً وسهلاً بكم في شرق أوسط ما بعد السابع من أكتوبر. في المحصلة القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر لأن الجميع بما في ذلك طهران يبحثون عن النجاة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 11 ساعات
- معا الاخبارية
مسؤولون في إسرائيل والبيت الأبيض: من المتوقع أن تستمر العملية العسكرية أسابيع
بيت لحم - معا- توقع مسؤولون في البيت الأبيض وإسرائيل إن العدوان الإسرائيلي على ايران قد يستمر "أسابيع وليس أياما"، كما ذكرت قناة "سي إن إن" الأميركية اليوم الأحد. وبحسبهم، فإن العملية تمضي قدمًا بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة. وفي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بثته رويترز، هدد نتنياهو بأن إسرائيل "ستضرب كل موقع وهدف لنظام آيات الله".


قدس نت
منذ 11 ساعات
- قدس نت
طهران والبحث عن النجاة
بقلم: عاطف أبو سيف طوال الحرب على غزة التي تجاوزت العشرين شهراً كان نتنياهو يتحدث عن تغيير الشرق الأوسط برمته، وفيما حدثت تحولات كبرى في المنطقة منذ أكتوبر 2023 إلا أن التحول الأبرز سيكون بعد نتائج الحرب على إيران. منذ البداية كان واضحاً ان الحرب أكبر من غزة وان نتائجها لن تقتصر على غزة، رغم أن غزة ستكون الضحية الأبرز فيها، وربما الوجود الفلسطيني في آخر ما تبقى من الشريط الساحلي لأجدادنا الكنعانيين والفينيقيين. وفيما كان يمكن تجنيب غزة الكثير من هذه الويلات خلال مسيرة التفاوض التي صارت بطول عمر الحرب، في واحدة من عجائب المفاوضات والحروب، فإن إسرائيل استخدمت حربها على غزة لشيطنة كل المنطقة، وبالتالي تنفيذ كل برامجها الهادفة لإزاحة أي تهديد حالي أو مستقبلي، محتمل أو غير محتمل لوجودها. بالنسبة لنتنياهو كما قال إما أن ننفذ الضربة أو لا نكون هنا. وكالعادة فإن إسرائيل تسلحت بنفس الدعاية التي تبنتها الحركة الصهيونية عقب الحرب العالمية الثانية، من ان الغاية من كل حروب إسرائيل هي حماية الوجود اليهودي المستهدف لذاته. لذلك فإن احتلال فلسطين وإبادة الفلسطينيين وتدمير مدنهم وحرق قراهم وتهجيرهم كما حدث خلال النكبة، ليس إلا من أجل حماية الوجود اليهودي من الزوال وحتى لا تتحقق غايات هتلر التي فشلت بعد انتصار الحلفاء. كما أن حرق بيروت وتدمير دمشق، إن رغبت تل أبيب، ليس إلا من أجل تحقيق أهداف السياسات الغربية بحماية اليهود من أي هولوكوست قادم. الخطاب الذي استخدمه نتنياهو ورئيس أركانه ووزير دفاعه هو ذات الخطاب «الإبادوي» الذي يعيد تذكير الغرب بأخطائه تجاه اليهود، من خلال التأكيد على أن غاية الحرب على طهران هي حماية الوجود اليهودي، وعدم تعريض هذا الوجود لأي خطر في المستقبل. وعليه فلا بأس من شن حرب على إيران وتدمير كل شيء في طهران والمدن الإيرانية، واغتيال كل قادة الجيش الإيراني من أجل ذلك. صحيح أنه في حال الرد الإيراني ستدفع إسرائيل الثمن المباشر، ولكن أوروبا أيضاً ستدفع أثماناً كثيرة نتيجة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي، خاصة في النفط وربما في طرق الإمدادات، ولكن على أوروبا أن لا تشكو، فلتل أبيب الحق في فعل كل ما تراه مناسباً وصياغته وفق مقولات وتبريرات على كل دول أوروبا أن توافق عليها. نفس المنطق الذي جعل تحرير مائتي أسير إسرائيلي من غزة هدفاً يمكن من أجله قتل وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني في أول إبادة يتم بثها مباشرة على تلفازات العالم، والعالم يكتفي فقط بالإدانة الخجلة. رغم أن هدف الحرب المعلن على إيران يتمثل في الحد من قدرات إيران العسكرية وقتل برنامجها النووي، إلا أن أحداً لا يعرف إذا ما كان هذا هو الهدف الوحيد للحرب فعلاً. بمعنى لو أن إيران قالت أنا جاهزة لتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة لا أقوم بموجبه بتطوير برنامج نووي لغايات عسكرية هل ستوافق تل أبيب وواشنطن؟ لقد سبق السيف العذل، وأظن أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. فإسرائيل عادة ما يكون لها هدف معلن وأهداف كثيرة غير معلنة. الهدف المعلن هو من اجل النقاش الداخلي، ولوضع خط فاصل بين النجاح والفشل، فيما ثمة أهداف أكثر بعداً. في حرب غزة مثلاً لم يعد أحد مقتنعاً أن استعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة هو هدف نتنياهو من حرب الإبادة على شعبنا هناك، كما ان كل العالم يعرف أن حرب نتنياهو ليست على حماس وإن كان يتحدث عن نزع سلاح الأخيرة، على الأقل لا مخطط الحرب يقول ذلك، ولا تاريخ العلاقة الدافئة، وإن بشكل غير مباشر بين الطرفين، والأموال التي كانت تنتقل من وعبر الجيش الإسرائيلي لغزة، يقولون ذلك. ومع الوقت بات الجميع متيقنين، حتى حلفاء إسرائيل في الغرب، بأن غاية إسرائيل هي استكمال تصفية الوجود الفلسطيني في قطاع غزة وتهجير سكانها، وإن اتخذت من السابع من أكتوبر ذريعة لذلك، رغم أن مواقف حماس التفاوضية تُشعر المتابع أن حماس هي المنتصرة، وأن إسرائيل التي ستزول عن الوجود بعد ربع ساعة وليس الوجود الفلسطيني. وربما الحرب على إيران فرصة، إن كان ثمة فرصة، لتنظر حماس كيف ستتعاطى إيران مع الحرب بعد ان تحاول الخروج بماء وجهها، إن سُمح لها بذلك. ببساطة لأن غاية الحرب لن تكون الوصول لتسوية مع إيران حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل الوصول لتسوية حول مستقبل إيران ومستقبل النظام فيها. لا أحد يعرف مستقبل الحرب ولا تداعياتها، فهي لا تشبه التصعيد الإسرائيلي الإيراني السابق الذي أعقب اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في قلب طهران الذي كان واضحاً أنه، أي التصعيد، متفق على طبيعته وردود الفعل عليه، ولا أحد يمكن ان يتوقع كيف ستسير الأمور، وإذا ما كانت إيران سترضخ في النهاية لمعادلة جديدة، يتم فيها ليس تقليم أظافرها في المنطقة، لأن هذا تم قبل ذلك، ولكن بالتنازل عن كل برامج تسلحها غير العادية، وإذا ما كانت إسرائيل ستوافق في هذه الحالة. الواضح أن معادلة جديدة ستظهر في الأفق، معادلة يتم بموجبها تغيير كل السياسة الإيرانية وربما النخبة الحاكمة أو طريقة تعاطيها مع الواقع الجديد. كانت عملية تقليم أظافر طهران هامة من أجل قطع يدها بعد ذلك. فالحرب على لبنان وتحييد حزب الله ضَمِن لإسرائيل أن لا خطر حقيقياً سيأتي من الشمال، كما أن القدرات الصاروخية في غزة باتت شبه معدومة، رغم مواصلة الحوثيين ضرب أيلات وتل أبيب من فترة لأخرى، ولكن ايضاً واضح أن قدراتهم ومقدرتهم اللوجستية على فعل ذلك أيضاً خفت بعد الضربات الأخيرة. الآن ثمة معادلة جديدة ستنتج عن الحرب. أهلاً وسهلاً بكم في شرق أوسط ما بعد السابع من أكتوبر. في المحصلة القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر لأن الجميع بما في ذلك طهران يبحثون عن النجاة. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


جريدة الايام
منذ 12 ساعات
- جريدة الايام
هجمات إسرائيل على إيران تطمح إلى هدف أكبر.. تغيير النظام
القدس-واشنطن - رويترز: للهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران هدف واضح وهو تعطيل برنامج طهران النووي بقدر هائل وإطالة الوقت الذي تحتاجه لصنع سلاح ذري. لكن حجم الضربات واختيار إسرائيل لأهدافها وكلمات ساستها أنفسهم تشير إلى هدف آخر أطول أمدا وهو إسقاط النظام نفسه. وقال خبراء إن الضربات التي وقعت في وقت مبكر من يوم الجمعة لم تستهدف المنشآت النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ فحسب، بل قصدت أيضا شخصيات مهمة في سلسلة القيادة العسكرية في البلاد وعلماءها النوويين، وهي ضربات يبدو أنها تهدف إلى إضعاف الثقة في إيران سواء في الداخل أو بين حلفائها في المنطقة - وهي عوامل يمكن أن تزعزع استقرار القيادة الإيرانية. وقال مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول الكبير السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش "يفترض المرء أن أحد الأسباب التي تدفع إسرائيل للقيام بذلك هو أنها تأمل في رؤية تغيير النظام". وتابع قائلا "إنها ترغب في أن ترى الشعب الإيراني ينتفض"، مضيفا أن العدد المحدود للقتلى من المدنيين في الجولة الأولى من الضربات يشير أيضا إلى هدف أكبر. وفي كلمة مصورة بعد فترة وجيزة من بدء المقاتلات الإسرائيلية في قصف المنشآت النووية وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حديثه إلى الشعب الإيراني مباشرة. وقال نتنياهو "النظام الإسلامي، الذي يقمعكم منذ ما يقرب من 50 عاما، يهدد بتدمير بلدنا، دولة إسرائيل". وأضاف أن هدف إسرائيل هو إزالة التهديد الناجم عن الأنشطة النووية والصواريخ الباليستية، لكنه تابع قائلا "نحقق هدفنا وفي الوقت نفسه نمهد الطريق لكم أيضا من أجل تحقيق حريتكم". وقال نتنياهو "النظام لا يعرف ما الذي أصابه، أو ما الذي سيصيبه. لم يكن يوما أضعف من الآن. هذه فرصتكم للوقوف وإسماع أصواتكم". لكن رغم الضرر الذي ألحقه الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق، فإن العداء لإسرائيل على مر العقود - ليس فقط لدى حكام إيران بل أيضا لدى أبناء شعبها وأغلبهم من الشيعة - يثير تساؤلات حول إمكانية استنفار ما يكفي من الدعم الشعبي للإطاحة بقيادة دينية راسخة في طهران مدعومة بقوات أمن تدين لها بالولاء. وأشار سينغ إلى أنه لا أحد يعرف ما هي الظروف المطلوبة لتوحيد صفوف المعارضة في إيران. وهجوم أمس الجمعة هو المرحلة الأولى مما وصفتها إسرائيل بعملية طويلة الأمد. ويتوقع خبراء أن تستمر إسرائيل في استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية الرئيسية لتأخير مسيرة طهران نحو صنع قنبلة نووية، حتى لو لم يكن لدى إسرائيل بمفردها القدرة على القضاء على البرنامج النووي الإيراني. وتقول إيران إن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط. وخلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إلى أن طهران تنتهك التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. واغتالت الضربات الإسرائيلية الأولى شخصيات كبيرة في المؤسستين العسكرية والعلمية، ودمرت جزءا كبيرا من نظام الدفاع الجوي الإيراني وأصابت محطة لتخصيب اليورانيوم فوق الأرض في موقع نووي. وقالت السفارة الإسرائيلية في واشنطن لرويترز "بصفتنا دولة ديمقراطية، تؤمن دولة إسرائيل بأن الأمر متروك لشعب أي بلد لتشكيل سياسته الوطنية واختيار حكومته... مستقبل إيران لا يمكن أن يحدده إلا الشعب الإيراني". ودعا نتنياهو إلى تغيير الحكومة الإيرانية مثلما فعل في أيلول الماضي. وسمحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضربات الإسرائيلية وساعدت حليفتها المقربة على صد وابل الصواريخ الذي أطلقته إيران ردا على الهجوم، لكنها لم تعط أي مؤشر على أنها تسعى إلى تغيير النظام في طهران. ولم يرد البيت الأبيض ولا بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك بعد على طلبات للتعليق على هذه المسألة. * إنهاء البرنامج النووي بعيد المنال حاليا لا يزال أمام إسرائيل الكثير لتفعله إذا أرادت تفكيك المنشآت النووية الإيرانية، ودوما ما يقول محللون عسكريون إنه ربما من المستحيل تعطيل المواقع المحصنة جيدا والمنتشرة في أنحاء إيران بصورة تامة. وتحذر الحكومة الإسرائيلية من أن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن تدميره كلية بحملة عسكرية. وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي للقناة 13 الإسرائيلية "لا يمكن تدمير برنامج نووي بالوسائل العسكرية". وأضاف أنه برغم ذلك، يمكن للحملة العسكرية أن تهيئ الظروف للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة من شأنه أن يحبط البرنامج النووي. ولا يزال المحللون متشككين في أن إسرائيل ستمتلك الذخائر اللازمة للقضاء على المشروع النووي الإيراني بمفردها. وقالت سيما شاين، كبيرة المحللين السابقة في جهاز المخابرات (الموساد) والباحثة الآن في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للصحفيين الجمعة "ربما لا تستطيع إسرائيل القضاء على المشروع النووي بالكامل بمفردها دون مشاركة الولايات المتحدة". وبينما تصب عرقلة برنامج طهران النووي في مصلحة إسرائيل، إلا أن الأمل في تقويض النظام يمكن أن يفسر سبب ملاحقة إسرائيل للعديد من كبار الشخصيات العسكرية الإيرانية، الأمر الذي ربما يوقع المؤسسة الأمنية الإيرانية في حالة من الارتباك والفوضى. وقالت شاين "كان هؤلاء الأشخاص في غاية الأهمية، ولديهم معرفة كبيرة، وخبرة طويلة في وظائفهم، وكانوا عنصرا مهما جدا في استقرار النظام، وتحديدا استقراره الأمني". وأضافت "في عالم مثالي، ستفضل إسرائيل أن ترى تغييرا في النظام، لا شك في ذلك". لكن جوناثان بانيكوف، نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في مركز الأبحاث (أتلانتيك كاونسل)، قال إن مثل هذا التغيير ربما ينطوي على مخاطر. وإذا نجحت إسرائيل في إزاحة القيادة الإيرانية، فليس هناك ما يضمن أن القيادة الجديدة التي ستخلفها لن تكون أكثر تشددا في السعي إلى الصراع مع إسرائيل. وقال بانيكوف "لسنوات، يصر كثيرون في إسرائيل على أن تغيير النظام في إيران سيفضي إلى يوم جديد وأفضل، وأنه لا يوجد ما هو أسوأ من النظام الديني الحالي... لكن التاريخ يقول لنا إن الأمر يمكن أن يكون أسوأ دائما".