
فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. «9» الخلط بين «الإسلام والإرهاب»
مصطفى بكري
مصطفى بكري
في العاشر من يوليو 2014، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربًا ضد قطاع غزة استمرت نحو خمسين يومًا، ولم ينجح جيش الاحتلال في القضاء على حماس ولا في تدمير الأنفاق الهجومية ولا في صد محاولات التسلل من البحر والجو، وهو ما أكد عليه «يعقوب عميدرور» مستشار الأمن القومي لرئيس حكومة نتنياهو سابقًا.
وفي 11 أغسطس 2014، ألقى نتنياهو خطابًا أمام المؤتمر الدولي الرابع عشر لـ«معهد سياسة مكافحة الإرهاب» في هرتسليا قال فيه «إن الشرق الأوسط، يتمزق أشلاء، حيث تنهار بعض الدول فيه، وتصعد من فتحات الكثبان الرملية تيارات إسلامية متشددة بشتى أشكالها، حاملة معها عداواتها القديمة- الجديدة.
وقال: فى ضوء ذلك يواجه الشيعةُ السنةَ، وتتصارع التيارات السنية مع بعضها، فيما تجمع على مكافحة الغرب وإسرائيل، وتوظيف جميع هذه التيارات المتشددة الأسلوب ذاته «الإرهاب»، حيث يستهدف هذا الإرهاب أولًا أبناء شعوب هذه التيارات، ثم يستهدف إسرائيل.
وأضاف: غير أن الإرهاب الذى يستهدف إسرائيل يُمارس على نحو شديد الخصوصية، كونه لا يستهدف المدنيين الإسرائيليين فحسب بل أيضًا يجرى تطبيق بداية من خلال استخدام المدنيين لديهم (يقصد الفلسطينيين) دروعًا بشرية.
وقال نتنياهو: إننا بحاجة إلى الكثير من الموارد، وبالتالي تقضى الضرورة منا عند التعامل مع الواقع الجديد الذى بات العالم بأسره يعرفه- إحداث يغير في سلم أولوياتنا، وقال: لا يمكننا القول إننا سنخوض القتال وفق مفاهيم الحروب السابقة، بل يتعين علينا أن نتأهب لمواجهة الواقع.
(١) إن هذا الواقع الجديد الذى تنبأ به نتنياهو جعله كما يقول أمام خيار واحد ووحيد وهو تحقيق الأمن، وهذا لن يتأتى إلا من خلال زيادة ميزانية وزارة الدفاع عن أي وقت سابق وإعطاء هذه القضية الأولوية على القضايا الأخرى.
لقد أشار نتنياهو إلى خيارات إسرائيل بعد وصول الحل الدائم إلى طريق مسدود إلى قضية تحقيق الأمن، بما يسمح لإسرائيل أن تعبر بسلام- كما يقول- الاضطرابات التي عاشتها المنطقة في هذا الوقت أو بما أسماه «تسونامي الإسلام المتشدد».
(٢) وفى هذا الخطاب تناول نتنياهو رؤيته حيال انتشار الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط، وكان من رأيه أن الإسلام المتشدد سوف يهدد المنطقة وسكانها لأكثر من عقد من الزمن، وإنه سيهزم في نهاية الأمر، مثلما هُزم النازيون في نهاية الحرب العالمية الثانية كما يقول.
وفى خطابه بتاريخ 29/6/2014 تحدث نتنياهو عن أربعة تحديات أمنية تحدد استراتيجية (الدولة اليهودية) في مواجهة المخاطر التي تعترضها وهي:
الأول: تحصين الحدود والدفاع عنها عن طريق سياج أمنى في الشرق عند منطقة الحدود مع الأردن، إلى جانب السياج الموجود في هضبة الجولان، وذلك الموجود في سيناء (على طول منطقة الحدود مع مصر) يُضاف إلى ذلك وجود عسكري إسرائيلي على نهر الأردن والمحافظة على استقلالية إسرائيل العسكرية.
وقد أوضح نتنياهو في خطابه «أنه في ظل الشروط الحالية، لا يمكن الاعتماد على قوات عربية درّبها أجانب، وأعطى نماذج على فشل هذه النظرية بالإشارة إلى قوات أمريكية دربت الجيش العراقي، وبعد انسحابها انهار هذا الجيش.
الثاني: السيطرة الأمنية على المنطقة الواقعة بين الأردن والتجمعات السكنية الإسرائيلية، بمعنى أنه يجب ألا تكون هناك دولة فلسطينية منزوعة من السلاح الثقيل، وأيضًا فإن إسرائيل تريد أن تكون إسرائيل قادرة على القيام بعمليات إحباط وردع عسكرية داخل أراضيها، وبذلك تكون الدولة الفلسطينية ذات سيطرة سياسية واقتصادية فقط، ودحض نتنياهو القول: إن السيطرة الأمنية الإسرائيلية تشكل تعديًا على السيادة الفلسطينية وأعطى مثالًا اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية التي توجد فيها قوات عسكرية أمريكية للدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة.
الثالث: التعاون الإقليمي المحدود بين إسرائيل ودول عربية معتدلة بهدف كبح الإسلاميين الجهاديين المتشددين، وقد كرر نتنياهو في خطابه رغبته بالتعاون مع دول الخليج، لكنه أمر علنًا بأن إسرائيل مستعدة لمساعدة الأردن عسكريًا، وأنها تؤيد تطلع كردستان نحو الاستقلال السياسي، كما يعتبر مصر شريكًا في هذا المعسكر.
الرابع: منع إيران من التحول إلى دولة نووية، وفى رأي نتنياهو أن من الأفضل لإسرائيل وللسلام في العالم عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران، وسبب ذلك في رأيه أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن العقوبات الاقتصادية على إيران ستستمر، وفى النهاية ستضطر إيران إلى الرضوخ لمطالب الغرب بدلًا من أن يخضع الغرب لمطالبها، ويطالب نتنياهو- وفق هذه الرؤية- بتجريد إيران من قدراتها على تخصيب اليورانيوم، مثلما جرى مع سوريا لدى تجريدها من القدرة على إنتاج سلاح كيميائي.
(٣) في هذا الوقت تحدث نتنياهو عما أسماه «أفق سياسي جديد»، وهو أفق كما أوضحت الحقائق ليس مرتبطًا بتسوية سياسية مع الفلسطينيين إلا إذا كانت تلبي رؤية إسرائيل الأمنية، بهدف فتح الطريق أمام تعاون إقليمي بين إسرائيل ودول عربية معتدلة لمكافحة ما يسميه بالإرهاب الإسلامي، وهو ما أوضحه في الخطابين اللذين ألقاهما أمام الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم 29/9/2014، وأيضًا أثناء افتتاح دورة شتاء 2014، للكنيست الإسرائيلي يوم 27/10/2014.
لقد أعلن نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة قائلًا إنه وبالرغم من التحديات الهائلة التي تواجه إسرائيل- فإنني أعتقد بوجود فرصة تاريخية أمامنا، إذا أصبحت بعض الدول القيادية في العالم العربي تُقر- بعد عقود من النظر إلى إسرائيل بصفة عدو- بحقيقة مواجهتنا المشتركة لنفس التهديدات المتمثلة تحديدًا بحصول إيران على القدرات النووية وبالحركات الإسلامية المتشددة التي تضرب جذورها في العالم لسنين.
وقال: إن التحدي الذى يواجهنا هو الاستفادة من هذه المصالح المشتركة لإقامة شراكة مثمرة لأجل بناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وأمنًا وازدهارًا.
وقال: سنستطيع معًا العمل على تعزيز الأمن الإقليمي ودفع المشاريع المشتركة في مجالات المياه والزراعة والمواصلات والصحة والطاقة وغيرها من المجالات الكثيرة، وأضاف: كما أنني أعتقد بأن الشراكة بيننا قد تساهم في دفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مضيفًا: إن الكثيرين كانوا يرون من فترة طويلة أن السلام الإسرائيلي - الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع نطاقًا بين إسرائيل والعالم العربي، غير أنني أعتقد حاليًا بأن الأمر يسير في الاتجاه المعاكس، إذ إن المصالحة الأوسع نطاقًا بين إسرائيل والعالم العربي قد تساهم في دفع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، ويقتضى تحقيق هذا السلام التطلع ليس إلى القدس ورام الله فحسب، بل أيضًا إلى القاهرة وعمان وأبوظبي والرياض وعواصم أخرى، وقال: أعتقد أنه يمكن تحقيق السلام من خلال اضطلاع الدول العربية بدور فعال، أو تلك منها المستعدة لتقديم المساهمات السياسية والمادية وغيرها من المساهمات الحيوية.
(٤) وتحدث نتنياهو عن نفس المضمون في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي في 27/10/2014، قائلًا: أرجو أن تتحلوا بقليل من الصبر وكثير من المسئولية، إذ أن الأمل موجود على اعتبار أن هناك تغييرًا بطيئًا، لكنه تغيير واضح يجرى الآن في الدول المحورية للعالم العربي التي تتطابق نظرتها مع نظرة إسرائيل حيال الكثير من التحديات التي نواجهها.
وقال: إننا ندرك أن أكبر المخاطر لها- ولنا- تأتى من الإسلام المتشدد، وسوف نواصل مراجعتها لاستطلاع الفرص السانحة لدفع الحلول الإقليمية التي يمكنها المساهمة أيضًا في حل نزاعها مع الفلسطينيين، وقد قيل دائمًا إن التسوية مع الفلسطينيين ستؤهل الطريق لعلاقاتنا مع العالم العربي - وهناك بعض الحقيقة في الأمر- غير أن هناك حقيقة أخرى، وهى أن التسوية مع العالم العربي قد تساعد على تسوية علاقاتنا مع الفلسطينيين.
(٥) غير أن رؤية نتنياهو للسلام مع الفلسطينيين كانت ترتكز على ثوابت لا يمكن الحياد عنها وهى مرتبطة بأمن ومصالح واستراتيجية إسرائيل، وهو على سبيل المثال عبر عن ذلك في مقابلة أجرتها صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في 24/9/2014، عندما قال: إنه ومن جراء هذا الواقع الجديد، فإن مبادرة السلام العربية من العام 2002، لم تعد صالحة لتحقيق تسوية كهذه- وهكذا كانت رؤية نتنياهو التي عبر عنها في خطاباته المختلفة في هذا الوقت إنه يجب توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية التي ليس لدى إسرائيل أي مشاكل جغرافية معها وبحيث تبقى القصة الإسرائيلية- الفلسطينية عالقة في الهواء- كما يقول- إلا إنه كان دومًا يركز في خطاباته على ما يسميه بـ»الإسلام المتشدد» زاعمًا أنه العائق الأساسي أمام عملية السلام، الأمر الذى تكذبه تصريحاته في فترات مختلفة عن «الدولة اليهودية» التي يجب أن تقام على ما يسميه بكل أرض إسرائيل والتي لم تقف عند حدود بعينها.
لقد أراد نتنياهو بحديثه عن «الإسلام المتطرف» إيصال رسالة للعالم مفادها: أن التعصب الإسلامي يشكل تهديدًا للعالم أجمع ومن ضمنها إسرائيل.
إذ يقول: إن منفذي أعمال القتل «الإرهابيين» الذين ينفذون الإرهاب ويستوحون أعمالهم مباشرة من المتعصبين الإسلاميين. ويضيف: هؤلاء المتعصبون يريدون في المرحلة الأولى السيطرة على منطقتنا، ولكن في وقت لاحق على أجزاء أخرى من العالم حتى الدول المجاورة لسواحل البحر الأسود.
(٦) كان الهدف من وراء هذه الادعاءات التي ساقها ولايزال يسوقها «نتنياهو» هو تصوير الدين الإسلامي على أنه دين عنف وإرهاب يهدف إلى احتلال العالم، بالإضافة إلى تجنيد دول العالم لمحاربه الإسلام باعتباره تهديدا لهم جميعًا.
لقد كان من ضمن أهداف هذه الادعاءات والأكاذيب هو تبرير جرائم إسرائيل وحروب الإبادة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني وتصوير المقاومة الفلسطينية على أنها «إرهاب إسلامي» يتوجب وحدة العالم لمواجهته، وكأن الحق الفلسطيني لا يدافع عنه سوى من يتبنون «الأيديولوجية الإسلامية»، وحتى هؤلاء ليسوا سوى حركة تحرر وطني توافقت مع بقية الفصائل على مقاومة العدو الصهيوني والسعي إلى تحرير الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية على السواء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تحيا مصر
منذ ساعة واحدة
- تحيا مصر
لميس الحديدي: "تنقيط المساعدات" للأشقاء الأكثر استفزازا.. كيف لقادة العالم أن يناموا؟
قالت الإعلامية لميس الحديدي أن تنقيط المساعدات إلى لميس: واشنطن تستطيع الضغط على إسرائيل وأضافت الإعلامية لميس الحديدي، خلال تقديمها حلقة رصدها موقع تحيا مصر، من برنامجها "كلمة أخيرة" على شاشة ON،:"لا أعلم كيف ينام العالم، وكيف ينام قادة العالم، ونحن نشاهد هذا المشهد الكارثي؟ والله لا أفهم كيف ننام جميعًا، أمام هذا المشهد ؟" وأكملت الإعلامية لميس الحديدي :"لا أفهم كيف ينام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - رغم أنه الوحيد القادر على الضغط على رئيس وزراء إسرائيل لإنهاء هذه الكارثة - بينما يستمر هذا الوضع اللاإنساني؟" لميس: المفاوضات في الدوحة لم تصل لحل وتابعت الإعلامية لميس الحديدي، "بعد كل هذه الأيام من الحصار، تُدخل إسرائيل تسع شاحنات بالأمس، واليوم 100 شاحنة – ولم تصل بعد لغزة! بأي منطق يعيش هؤلاء؟ بدعوى أن حماس هي المتعنتة؟" وأشارت الإعلامية لميس الحديدي إلى أن :"المفاوضات لم تصل لشيء في الدوحة، فإلى متى سيظل هذا الشعب رهينة لأفكار نتنياهو التي لا ترى سوى سلطته ومقعده؟" وأردفت الإعلامية لميس الحديدي، أن المشهد لا يمكن أن يستمر بهذه الوحشية:"لا يوجد شعب في العالم يمكن أن يعيش تحت تلك الظروف: تهجير وتجويع وقصف، في مخطط واضح وممنهج لإفراغ القطاع من سكانه. واستطردت الإعلامية لميس الحديدي، الرسالة الوحيدة التي توجه إليهم الآن هي: إن لم ترحلوا طوعًا، ستموتون جوعًا أو قصفًا." الإعلامية لميس الحديدي: خلافات واشنطن وتل أبيب قمص حبايب وأكدت الإعلامية لميس الحديدي، على أن المشهد صعب للغاية والاصعب هو " تنقيط " المساعدات رغم تكدسها في محافظة شمال سيناء شيء غير أدمي. واختتمت الإعلامية لميس الحديدي، مصر اتخذت مواقف عديدة في هذا الامر وعلى واشنطن كونها الوحيدة التي بوسعها الضغط و يقولونا واشنطن على خلاف مع تل ابيب ودي إسمها " خلافات الحبايب " قمص كل واحد مقموص من التاني و لكن لايوجد ضغط حقيقي على رئيس وزراء إسرائيل.


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- نافذة على العالم
أخبار مصر : عضو بحزب النهضة الفرنسي: موقف باريس يعكس تحولًا إنسانيًا أوروبيًا تجاه القضية الفلسطينية
الأربعاء 21 مايو 2025 05:00 صباحاً نافذة على العالم - قالت الدكتورة منال خليفة، عضو حزب النهضة الفرنسي، إن الموقف الفرنسي يعكس تحولًا عامًا في الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أنه أصبح أكثر انسجامًا مع القيم الإنسانية التي يتبناها الاتحاد الأوروبي. وأضافت خليفة، في تصريحات للإعلامية هاجر جلال، مقدمة برنامج «منتصف النهار» على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن هذا التحول جاء نتيجة تعاطف متزايد مع الفلسطينيين، خاصة في ظل التدهور الكبير للأوضاع في قطاع غزة، مشبهةً هذا التعاطف بالموقف الأوروبي تجاه الحرب في أوكرانيا. وأشارت إلى أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر والعريش كانت خطوة مهمة لفهم الواقع على الأرض في غزة، حيث منحت العالم صورة أوضح عن الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها السكان هناك. وأكدت أن هذا التحول في الموقف الفرنسي يعكس تأثيرًا إنسانيًا عميقًا على السياسة الفرنسية، لافتة إلى أن أوروبا باتت تنظر إلى القضية الفلسطينية من منظور مختلف، معتبرة أن الحرب في غزة لم تعد مبررة. وقالت: «بعد أن كانت هناك تعاطفات مع إسرائيل في البداية، بهدف مواجهة حركة حماس وإضعاف سيطرتها، أصبح واضحًا أن إسرائيل قد حققت أهدافها، خاصة مع التزام حماس بالاتفاقات، ومن ثم، أصبح من الصعب تبرير استمرار القصف والحصار على القطاع من قبل المجتمع الدولي».

مصرس
منذ 2 ساعات
- مصرس
آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)
ما زلنا نتحدث عن الآداب والأخلاقيات التى لا بد أن تحكم العمل الصحفي والإعلامي فى ظل الإسلام وأخلاقياته ونتوقف اليوم عن خطورة الشائعات ونشرها. فالشائعات هي تدويرٌ لخبرٍ مختَلَقٍ لا أساس له من الواقع، يحتوي على معلومات مضلِّلة، باعتماد المبالغة والتهويل في سرده، وهذا الخبر في الغالب يكون ذا طابعٍ يُثير الفتنة ويُحْدِث البلبلة بين الناس؛ وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العامّ تحقيقًا لأهداف معينة، على نطاق دولةٍ واحدةٍ أو عدة دول، أو النطاق العالمي أجمعه.وقد حرَّم الإسلام نشر الشائعات وترويجها، وتوعَّد فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة؛ فقال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19]، وهذا الوعيد الشديد فيمن أَحَبَّ وأراد أن تشيع الفاحشة بين المسلمين، فكيف الحال بمن يعمل على نشر الشائعات بالفعل! كما أشارت النصوص الشرعية إلى أن نشر الشائعات من شأن المنافقين وضعاف النفوس، وداخلٌ في نطاق الكذب، وهو محرَّم شرعًا.ولا ينبغي إغفال دور وسائل الاتصال الحديثة؛ فإنها تساهم بدورٍ كبيرٍ في سرعة انتشار الشائعة ووصولها لقطاعٍ عريضٍ من الناس.ولهذا كله، وفي سبيل التصدي لنشر الشائعات جفَّف الإسلام منابعَها؛ فألزم المسلمين بالتَّثَبُّت من الأخبار قبل بناء الأحكام عليها، وأمرنا بِرَدِّ الأمور إلى أولي الأمر والعِلم قبل إذاعتها والتكلم فيها، كما نهى الشرع عن سماع الشائعة ونشرها، وذمَّ سبحانه وتعالى الذين يسَّمَّعون للمرجفين والمروجين للشائعات والفتن.وبيَّن الشرعُ الشريفُ سِمَات المعالجة الحكيمة عند وصول خبرٍ غير موثوقٍ منه؛ فأمَرَنا بحسن الظن بالغير، والتحقق من الخبر، ومطالبة مروجي الشائعة بأدلتهم عليها والسؤال عمّن شهدها، وعدم تلقي الشائعة بالألسن وتناقلها، وعدم الخوض فيما لا عِلم للإنسان به ولم يقم عليه دليلٌ صحيح، وعدم التهاون والتساهل في أمر الشائعة، بل اعتبارها أمرًا عظيمًا، وتنزيه السمع عن مجرد الاستماع إلى ما يسيء إلى الغير، واستنكار التلفظ به.وقد حرَّم الإسلام نشر الشائعات وترويجها، وتوعَّد فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة؛ فقال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].وسببُ نزول هذه الآية حادثةُ الإفك، وهي التي قذف فيها المنافقون أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها بالسوء كذبًا منهم وبهتانًا؛ قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (4/ 102، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ يريدون، ﴿أَنْ تَشِيعَ﴾ أن تنشر، ﴿الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ بالحد والسعير إلى غير ذلك، ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ﴾ مَا في الضمائر، ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر، والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإِشاعة].وسمّى اللهُ تعالى "ترويج الإشاعات" ب"الإرجاف"، ومنه ترويج الكذب والباطل بما يوقع الفزع والخوف في المجتمع؛ فقال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-61].وأصل الإرجاف من الرجف وهو الحركة، فإذا وقع خبر الكذب فإنه يوقع الحركة بالناس فسُمِّيَ إرجافًا.قال الإمام ابن فورك في "تفسيره" (1/ 394، 2/ 121، ط. جامعة أم القرى): [الرجفة: زعزعة الأرض تحت القدم، ورجف السطح من تحت أهله يرجف رجفًا، ومنه الإرجاف، وهو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به.. والإرجاف: إشاعة الباطل للاغتمام به] اه.وأخرج ابن أبي الدُّنْيَا في "الصمت" موقوفًا على أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ كَلِمَةً وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ لِيُشِينَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدِنيَهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ".كما أن نشر الشائعات –والتي هي في أصلها خبرٌ غير صحيح- داخلٌ في نطاق الكذب، وهو محرَّم شرعًا، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن نشر الشائعات من شأن المنافقين أو ضعاف النفوس؛ فقال تعالى في شأنهم: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83].قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل" (1/ 378، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمن أَوِ الخوف﴾ هم ناسٌ من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرةٌ بالأحوال، أو المنافقون؛ كانوا إذا بلغهم خبر من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمنٍ وسلامةٍ أو خوفٍ وخللٍ ﴿أَذَاعُواْ بِهِ﴾ أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة، يقال أذاع السر وأذاع به، والضمير يعود إلى الأمر أو إلى الأمن أو الخوف؛ لأن ﴿أو﴾ تقتضي أحدهما ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ﴾ أي ذلك الخبر ﴿إِلَى الرسول﴾ أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ﴾ يعني كبراء الصحابة البصراء بالأنور أو الذين كانوا يؤمّرون منهم ﴿لَعَلِمَهُ﴾ لَعَلِمَ تدبير ما أخبروا به ﴿الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها].وقد أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، والخوض في أخبار الناس وأحوالهم -فضلًا عن الترويج للأكاذيب والأضاليل وما يثير الفتن- داخلٌ في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «قِيلَ وَقَالَ».وفي سبيل ذلك أيضًا نهى الشرع عن سماع الشائعة كما نهى عن نشرها؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [المائدة: 41].كما ذمَّ سبحانه الذين يسَّمَّعون للمرجفين والمروجين للشائعات والفتن؛ فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 47].قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل" (1/ 684): [﴿ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُم﴾ ولَسَعَوْا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين..