
الرابحون والخاسرون في الحرب الهندية الباكستانية
على مرّ العقود، ظل النزاع الهندي الباكستاني محورًا لصراعات إقليمية ودولية معقدة، وقد تمخضت عن سلسلة من الحروب والمواجهات التي خلفت خسائر بشرية واقتصادية هائلة على الطرفين.
لكن في عالم السياسة الدولية، حيث تتداخل المصالح الإستراتيجية بالاقتصاد والسلاح، يبرز سؤال مختلف: من الرابح الحقيقي في هذا الصراع المزمن؟
الهند لم تخسر طائرات فحسب، بل تلقت ضربة قاسية لهيبتها الجوية، ولسمعة السلاح الغربي، خصوصًا الفرنسي، الذي اعتُبر حتى وقت قريب أداة تفوق
الخاسرون المباشرون: الهند وباكستان
الهند وباكستان هما الخاسران الأولان في هذا النزاع المتكرر؛ فكل موجة تصعيد تؤدي إلى استنزاف متبادل للموارد، وعرقلة التنمية الاقتصادية، وزيادة التوتر الداخلي.
وتنعكس هذه الأزمات على حياة المواطنين، الذين يدفعون الثمن في صورة تدهور الخدمات، وارتفاع النفقات العسكرية على حساب البنية التحتية والصحة والتعليم.
الهند، رغم امتلاكها واحدًا من أكبر الجيوش في العالم، تكبدت مؤخرًا خسائر ذات بعد رمزي وعسكري كبير، بعد إعلان باكستان إسقاط طائرات مقاتلة هندية من طراز رافال الفرنسية، وهي المرّة الأولى التي تُسقَط فيها هذه المقاتلة في مواجهة فعلية. المفاجئ أن باكستان استخدمت مقاتلات صينية الصنع من طراز J-10C، ما يعيد تشكيل صورة التوازن العسكري في جنوبي آسيا.
الهند لم تخسر طائرات فحسب، بل تلقت ضربة قاسية لهيبتها الجوية، ولسمعة السلاح الغربي، خصوصًا الفرنسي، الذي اعتُبر حتى وقت قريب أداة تفوق.
هذا الحادث يُرجّح أن يكون له أثر على صفقات السلاح الهندية مستقبلًا، كما يُعزز من ثقة الدول النامية بالسلاح الصيني كبديل ذي كفاءة عالية وتكلفة أقل.
تُعد الصين من أبرز المستفيدين من الصراع، وإن بطريقة غير مباشرة. فمن جهة، تزوّد باكستان بالسلاح، وعلى رأسه مقاتلات JF-17 وأنظمة دفاعية، ما يُشكّل دعاية مجانية للصناعات العسكرية الصينية في الأسواق الدولية. ومن جهة أخرى، تستفيد بكين من انشغال الهند بصراعاتها الحدودية مع باكستان أو الصين ذاتها (كما في حادثة وادي غالوان 2020)، ما يُضعف قدرتها على منافسة الصين اقتصاديًّا وتقنيًّا.
الرابحون التقليديون: الولايات المتحدة وروسيا
الولايات المتحدة تُجيد اللعب على الحبال بين الطرفين. فمن خلال تعزيز التعاون العسكري مع الهند في إطار تحالف QUAD، ومن جهة أخرى، الحفاظ على علاقة استخباراتية أو عسكرية محدودة مع باكستان، تضمن واشنطن نفوذها المستمر في جنوبي آسيا. كذلك، تستخدم الصراع كمبرر لتسويق أسلحتها ومعداتها الحديثة.
أما روسيا، الحليف التقليدي للهند، فتستمر في تصدير السلاح للطرفين، مع ميل أكبر نحو نيودلهي، وهو ما يمنح موسكو مساحة مناورة كبيرة سياسيًّا واقتصاديًّا.
حلفاء الطرفين: خارطة النفوذ
الصراع لا يقتصر على الهند وباكستان فقط، بل يتسع ليشمل شبكة من الحلفاء الدوليين والإقليميين الذين يؤدون أدوارًا متفاوتة في توجيه التوازنات.
قائمة حلفاء باكستان تشمل الصين كداعم أول سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، إضافة إلى تركيا التي تتبنى مواقف داعمة لباكستان في قضية كشمير، وكوريا الشمالية التي ارتبطت مع إسلام آباد بعلاقات عسكرية سرّية في فترات سابقة. كما تبرز السعودية كحليف إستراتيجي داعم اقتصاديًّا وعسكريًّا، بجانب عدد من الدول العربية التي تميل لمساندة باكستان في مواقفها الإسلامية والدولية.
في المقابل، تعتمد الهند على تحالفات أوسع نطاقًا تشمل الولايات المتحدة، التي ترى فيها شريكًا مهمًّا في مواجهة النفوذ الصيني، وكذلك روسيا التي تزودها بالسلاح المتطور. كما تحظى الهند بدعم سياسي واقتصادي من الاتحاد الأوروبي، في إطار الشراكة الاقتصادية والتقنية، ما يعزز مكانتها كقوة صاعدة في النظام الدولي.
الضحايا الصامتون: كشمير والاقتصادات المحلية
وسط هذه اللعبة الكبرى، يظل شعب كشمير الضحية الأبرز، حيث يعيش حالة دائمة من العزل والقمع وانعدام الاستقرار. كذلك، تتضرر الاقتصادات المحلية في كلا البلدين، إذ تذهب موارد هائلة نحو التسلّح، بينما تتراجع فرص النمو والتنمية.
إعلان
حرب بلا رابح مباشر
في الحروب الحديثة، الرابح ليس من يحقق نصرًا ميدانيًّا، بل من يُحسن استثمار نتائج المعركة.
في صراع الهند وباكستان، يبدو أن الرابحين الحقيقيين ليسوا على خط النار، بل في العواصم التي تبيع السلاح وتعيد رسم خرائط النفوذ بهدوء، مثل بكين وواشنطن وموسكو. أما الخاسرون، فهم الذين يدفعون الدم والمال، دون أن يحققوا سلامًا دائمًا أو تفوقًا حاسمًا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
باكستان والهند تتفقان على عودة قواتهما لمواقعها بكشمير
اتفقت باكستان و الهند على إعادة تموضع قواتهما بحيث تعود إلى مواقعها المعتادة على طول الحدود في منطقة كشمير بحلول 30 مايو/أيار الجاري، في حين أكد مسؤولون من الجانبين أن اتفاق وقف إطلاق النار غير محدد بمدة زمنية. وقال مسؤول هندي "لا يوجد تاريخ انتهاء لوقف الأعمال العدائية كما تم التأكيد عليه في اتصال مديري العمليات العسكرية في البلدين يوم 12 مايو/أيار"، مفندا التكهنات بشأن حدوث انهيار وشيك لوقف إطلاق النار. ولم يصدر بيان رسمي من الجيش الباكستاني ، لكن دبلوماسيا -طلب عدم ذكر اسمه- أكد أن وقف إطلاق النار لا يزال ساري المفعول ولا يرتبط بموعد زمني محدد لانتهائه، مؤكدا أن مناقشات مديري العمليات العسكرية كانت تهدف إلى "جعل وقف إطلاق النار مستداما". وخاضت الهند وباكستان الأسبوع الماضي صراعا استمر 4 أيام، في أسوأ أعمال عنف عسكري منذ عقود أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصا، بينهم عشرات المدنيين من الجانبين، مما أثار مخاوف عالمية من احتمال تحوله إلى حرب شاملة، قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار يوم السبت الماضي.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
العفو الدولية تدعو الهند للإفراج عن أكاديمي مسلم اعتقل بسبب تغريدة
طالبت منظمة العفو الدولية بالإفراج الفوري عن الأكاديمي المسلم، علي خان محمود آباد، الذي اعتقلته الشرطة الهندية بتهمة "الفتنة" بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. ودعا آكار باتيل، مدير مكتب منظمة العفو الدولية في الهند ، الشرطة إلى التوقف عن معاملة البروفيسور علي خان محمود آباد كأنه مجرم لمجرد إبداء رأيه على وسائل التواصل الاجتماعي ودعوته لتحقيق العدالة لضحايا الاعتداءات و"الظلم باستخدام الجرافات" في البلاد. وأضاف أن اعتقاله بسبب منشور على وسائل التواصل "انتهاك لحقوقه في حرية التعبير والحرية". وأشارت المنظمة إلى أن اتهام البروفيسور علي خان محمود آباد بالفتنة وتهم أخرى "ليس فقط غير منطقي وغير مبرر إطلاقا، ولكنه أيضا يظهر كيف كانت السلطات تسيء استخدام القانون بشكل مستمر لاستهداف أي شخص لديه وجهة نظر نقدية في البلاد". يذكر أن محمود آباد أستاذ مشارك ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة أشوكا في الهند. وفي الثامن من مايو/أيار، نشر آباد على وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة قال فيها إنه سعيد برؤية ثناء اليمين الهندي على العقيد صوفيا قريشي، التي كانت واحدة من المتحدثين باسم القوات المسلحة الهندية في الإحاطات الإعلامية أثناء المناوشات مع باكستان ، لكنه أضاف بأنهم "يجب أن يعبروا أيضا عن دعمهم لضحايا الاعتداءات بالضرب العشوائي والهدم التعسفي والتحريض على الكراهية من قبل الحزب الحاكم" (بهاراتيا جاناتا). ومع ذلك، اتهمت لجنة المرأة بولاية هاريانا البروفيسور بمحاولة "تشويه الأعمال العسكرية الوطنية". واستنادا على هذا وعلى شكوى زعيم جناح الشباب لحزب بهاراتيا جاناتا، قدمت شرطة هاريانا تقريرا ضد البروفيسور واعتقلته في 18 مايو/أيار من منزله في دلهي.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
باحث أميركي: الهيمنة على العالم مستقبلا لبكين ولا عزاء لواشنطن
لطالما توقع المنظِّرون أن يشهد العالم بداية قرن تتمكن فيه الصين من تسخير إمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، وتتفوق على الولايات المتحدة، وتعيد توجيه القوة العالمية لتدور حول قطب واحد هو بكين. بهذه العبارة التي توجز مآلات التنافس بين أكبر قوتين في العالم حليا، استهل كايل تشان، الباحث المتخصص في السياسات الصناعية للصين في جامعة برنستون بولاية نيو جيرسي الأميركية، مقاله في صحيفة نيويورك تايمز. وزعم الكاتب أن فجر الهيمنة الصينية ربما يكون قد بزغ بالفعل، وعندما يلقي المؤرخون نظرة إلى الوراء فقد يرون أن الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية كانت هي اللحظة الفارقة التي انطلقت فيها الصين وتقدمت تاركة الولايات المتحدة وراءها. ولا يهم -برأيه- أن واشنطن وبكين قد توصلتا إلى هدنة غير حاسمة ومؤقتة في الحرب التجارية التي بدأها ترامب وادعى في حينه أنه انتصر فيها. لكن الباحث يفند هذا الادعاء بالقول إنه يؤكد فقط على المشكلة الأساسية التي تعاني منها إدارة ترامب والولايات المتحدة على حد سواء، وهي التركيز القصير النظر على مناوشات غير ذات مغزى في الوقت الذي تخسر فيه الحرب الكبرى مع الصين بشكل حاسم. وانتقد تشان بعض القرارات التي اتخذها ترامب منذ توليه مقاليد الحكم للمرة الثانية، قائلا إنه بذلك يُحطِّم ركائز القوة والابتكار التي تقوم عليها بلاده. ومن الأمثلة التي أوردها في هذا الصدد أن الرسوم الجمركية التي يفرضها على الواردات تضر بقدرة الشركات الأميركية على الوصول إلى الأسواق العالمية، وتعيق سلاسل التوريد. كما أن إقدامه على تقليص ميزانيات الأبحاث الحكومية وخفض التمويل المقدم للجامعات، يدفعان العلماء والباحثين الموهوبين إلى التفكير في الرحيل إلى بلدان أخرى. ولا يقتصر الأمر على تلك المجالات وحدها، فالمقال يشير إلى أن ترامب يريد أيضا التراجع عن دعم برامج تقنية مثل الطاقة النظيفة وتصنيع أشباه الموصلات، ويقضي على القوة الناعمة الأميركية في مناطق واسعة من العالم. أما الصين فهي تسلك مسارا مختلفا تماما، إذ تتصدر بالفعل الإنتاج العالمي في صناعات متعددة كإنتاج الصلب والألومنيوم، وبناء السفن، والبطاريات والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، والطائرات المسيرة، ومعدات الجيل الخامس، والإلكترونيات الاستهلاكية، والمكونات الصيدلانية النشطة، والقطارات السريعة. ومن المتوقع أن تستحوذ على 45%، أي ما يقرب من نصف التصنيع العالمي بحلول عام 2030. وإلى جانب ذلك، فهي تركز بشدة على كسب المستقبل، حيث أعلنت في مارس/آذار الماضي عن صندوق وطني بقيمة 138 مليار دولار يهدف لضخ استثمارات طويلة الأجل في التقنيات المتطورة مثل الحوسبة الكمية والروبوتات، كما زادت ميزانيتها المخصصة للبحوث والتطوير. وعندما أطلقت شركة "ديب سيك" الصينية الناشئة روبوت الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي في يناير/كانون الثاني، أدرك العديد من الأميركيين فجأة أن الصين يمكن أن تنافس في هذا المجال. ليس هذا فحسب، فوفقا لمقال نيويورك تايمز ، فقد تفوقت شركة "بي واي دي" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية على شركة "تسلا" العام الماضي في المبيعات العالمية، وتبني مصانع جديدة في جميع أنحاء العالم، وفي مارس/آذار الماضي وصلت قيمتها السوقية إلى معدلات أكبر من أسعار سيارات فورد وجنرال موتورز وفولكس فاغن مجتمعة. وتتقدم الصين في مجال الاكتشافات الدوائية، وخاصة علاجات السرطان. أما في أشباه الموصلات، فإنها تبني سلسلة توريد تعتمد على نفسها بقيادة الإنجازات الأخيرة التي حققتها شركة هواوي. وفي تقدير تشان أن قوة الصين في مجال هذه التقنيات وغيرها من التقنيات المتداخلة تخلق دورة حميدة تعزز فيها التقدم في قطاعات متعددة متشابكة بعضها بعضا وترفع من شأن جميع تلك المجالات. وينصح الباحث في سياسات الصناعات الصينية الولايات المتحدة بأن تدرك أنه لا الرسوم الجمركية ولا غيرها من الضغوط التجارية ستجعل الصين تتخلى عن قواعد اللعبة الاقتصادية التي تحركها الدولة والتي نجحت معها بشكل جيد، لتتبنى على حين غرة سياسات صناعية وتجارية تروق للأميركيين باعتبارها توجهات منصفة. بيد أن الصين تواجه تحديات خطيرة خاصة بها؛ إذ لا يزال الركود العقاري الذي طال أمده يعيق النمو الاقتصادي ، على الرغم من وجود دلائل على أن القطاع ربما بدأ في التعافي أخيرا. كما أن هناك تحديات على المدى الطويل تلوح في الأفق مثل تقلص القوى العاملة وشيخوخة السكان، طبقا للكاتب، لافتا إلى أن المشككين كانوا يتوقعون وصول الصين إلى الذروة وسقوطها الحتمي لسنوات، إلا أن ظنهم كان يخيب في كل مرة. ويرجح المقال أنه إذا استمر مسار كل دولة على المنوال نفسه، فسينتهي الأمر بأن تفرض الصين هيمنتها الكاملة على التصنيع المتطور؛ بدءا من السيارات والرقائق إلى آلات الرقاقات الإلكترونية والطائرات التجارية. وعلى النقيض من ذلك، فقد تتحول الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى دولة متقزمة، على حد وصف المقال، حيث ستحتمي شركاتها خلف جدران التعريفات الجمركية ، وستبيع منتجاتها بشكل حصري تقريبا للمستهلكين المحليين، وسيؤدي فقدانها الأسواق العالمية إلى تدني أرباحها، وسيجد المستهلكون الأميركيون أنفسهم محصورون في سلع أميركية الصنع متوسطة الجودة وأغلى ثمنا من نظيراتها الخارجية. إعلان واختتم تشان مقالته بالقول إنه لتجنب هذا السيناريو الكئيب فإن الأمر يقتضي من واشنطن اليوم رسم سياسات واضحة تحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتقوم على الاستثمار في البحث والتطوير، ودعم الابتكار الأكاديمي والعلمي والشركات، وإقامة علاقات اقتصادية مع دول العالم، وخلق مناخ مرحب وجاذب للمواهب ورؤوس الأموال الدولية.