
من الفكة إلى الكريبتو.. كيف تغير شكل العيدية في العالم العربي؟
استيقظت الفتاة الصغيرة ندى محمد، ذات الثماني سنوات، باكراً. ارتدت ملابسها الجديدة التي وضعتها جانب وسادتها في الليلة الماضية، وسرّحت شعرها بعناية، ثم لحقت بإخوتها، منتظرةً بلهفةٍ دورها لتنال العيدية من كبار العائلة، في تقليدٍ متوارثٍ أباً عن جد.
ندى، مثلها مثل ملايين الأطفال في العالم العربي، تنتظر العيد بلهفة للحصول على العيدية في كل عيد فطر أو أضحى. وعادةً ما يردّ الآباء هذه العيدية بالمثل لأطفال العائلة الآخرين، في تقليدٍ يبرز حركة المال الدوّارة خلال مواسم معيّنة.
تتخذ العيدية أشكالاً عديدة حول العالم، كما تطوّرت بسرعة على مدار السنين الماضية. ففي ظلّ التطور التكنولوجي، برزت أساليب حديثة لتقديم العيدية، من خلال حلول مصرفية وتطبيقات رقمية تتيح تحويل المبالغ بسهولة وسرعة وأمان، ومؤخراً، لجأت بعض الدول الغربية إلى تقديم العيدية على شكل عملات مشفّرة في مواسم رأس السنة والكريسماس والأعياد الأخرى، وهو أمرٌ ربما نراه قريباً في عالمنا العربي، بفضل انتشار هذه العملات، والسماح بالدفع باستخدامها في أماكن متزايدة، إضافةً إلى زيادة قيمتها في بعض الأحيان بسرعة لافتة، إذا توفرت لها الظروف الاقتصادية والعالمية الملائمة.
ونظراً لأهمية هذا الطقس الشعبي، تستعد البنوك العربية لتزايد الإقبال على السحوبات النقدية، من أجل الحصول على ما يُعرف بين الناس بـ"خُردة العيد"، بهدف تجهيز العيديات وتوزيعها.
الدورة الاقتصادية وراء العيدية
مع كل ورقة نقدية تُقدَّم كعيدية، سواء لطفل صغير، أو من زوج لزوجته، أو من كبير العائلة للشباب الأصغر سناً، أو حتى من أصحاب العمل لعمّالهم، يتحرّك المال في دائرة من التبادل والاستهلاك تنعكس مباشرة على الأسواق والأنشطة التجارية.
كما يزيد الطلب على استبدال النقود القديمة بنقود جديدة من المصارف في السعودية والكويت ومصر ودول عربية أخرى، فللأوراق النقدية الجديدة والنظيفة رونق خاص، حتى بات استبدال الأموال القديمة بجديدة تقليداً راسخاً.
ومواكبة لهذا الطلب الموسمي، تعمد بعض المصارف المركزية في الدول العربية إلى تخصيص أجهزة صراف آلي لتوفير الأوراق النقدية الجديدة، وتضخ كميات إضافية من الفئات الصغيرة، حرصاً على تلبية احتياجات العملاء.
ففي قطر، على سبيل المثال، أطلق مصرف قطر المركزي مبادرة "خردة العيد"، تتمثل في توفير أجهزة صراف آلي مخصصة لسحب الفئات النقدية الصغيرة من 5 و10 و50 و100 ريال، تُوزع في عدد من المناطق.
وسجلت هذه الصرافات الآلية إقبالاً قياسياً في عيد الفطر 2025، إذ بلغت قيمة السحوبات نحو 182 مليون ريال قطري (نحو 50 مليون دولار)، بحسب المصرف المركزي.
أما في مصر، ووفقاً لتعليمات البنك المركزي، يمكن صرف النقدية الجديدة من أى فرع من فروع البنوك، ولكن بشروط معينة، إذ تم منح الأولوية للعملاء الذين لديهم حسابات مصرفية، ما يمكنهم من الحصول على مبالغ أكبر، فى حين أن بعض البنوك توافق على صرف مبالغ محدودة لغير العملاء، وتختلف قيمة المبالغ المتاحة لكل عميل تبعاً لنوع حسابه البنكى، فضلاً عن الحصة النقدية المتوفرة فى كل فرع، وتسعى البنوك إلى توزيع النقود الجديدة بعدالة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من العملاء.
وعلى الرغم من وجود أشكال مختلفة للعيدية من بطاقات هدايا وألعاب وملابس ومجوهرات وغيرها، إلا أن العيدية النقدية يبقى لها طابع مميز، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه موقع "يو جوف" (YouGov) عام 2023، أن نحو نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في السعودية والإمارات يفضّلون تقديم وتلقي الهدايا النقدية لمناسبة العيد.
نشاط التحويلات الرقمية في العيد
مع تطور الخدمات المصرفية، بات بالإمكان تحويل العيدية بأمان وسهولة بفضل تطبيقات التحويل الفوري والمحافظ الإلكترونية التي أدت إلى ظهور "العيدية الرقمية".
وفي الإمارات، أشارت تقارير إعلامية محلية إلى ارتفاع بنسبة 50% في التحويلات المالية عبر التطبيقات الرقمية خلال فترة عيد الفطر الماضي، خاصة مع إرسال عدد كبير من المقيمين الأموال إلى عائلاتهم في الخارج.
وكانت هذه التطبيقات شهدت انتشاراً واسعاً خلال فترة الجائحة، إذ أتاحت تحويل العيديات بسهولة مع الحفاظ على قيود التباعد الاجتماعي.
هل تصبح العيدية كريبتو؟
في ظل التحوّل الرقمي المتسارع والتوسع في استخدام العملات المشفّرة، بدأ الحديث عن اتخاذ العيدية طابعاً جديداً، مثل الاستعاضة عن النقد الورقي بالعيدية على شكل عملات مشفرة.
فبدلاً من تقديم مغلّف يحتوي على حفنة من النقود، يمكن تقديم جزء من عملة "بتكوين" أو غيرها من الأصول المشفّرة، كهديّة رمزية تحمل في طيّاتها استمرارية لتقليد قديم وفرصة استثمارية، في آنٍ معاً.
وكانت الولايات المتحدة شهدت في موسم عيد الميلاد 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال على تقديم هدايا على شكل عملات مشفرة، كما تتيح العديد من منصات تداول العملات المشفرة خدمات تقديم هدايا الكريبتو بكل سهولة، سواء عبر بطاقات الهدايا الرقمية أو التحويل المباشر.
وتُعد الإمارات من الدول الرائدة في تبني العملات المشفرة، وبحسب بيانات "ستاتيستا" (Statista)، يتوقع أن تبلغ نسبة مستخدمي العملات المشفرة في الإمارات 32.74% من سكان البلاد خلال عام 2025، فيما تسجل السعودية نمواً سريعاً في هذا المجال، وتتوقع بعض شركات تداول العملات المشفرة أن تنتقل العدوى من الدول الغربية إلى نظيرتها العربية، بحيث تصبح العيدية على صورة كريبتو مع توغل الاقتصاد الرقمي في المنطقة.
ما تأثير العيدية على الحركة الاقتصادية؟
تسهم العيدية في تنشيط الحركة الاقتصادية خلال فترة الأعياد، إذ تعتبر من العوامل المؤقتة التي تعزز من الاستهلاك المحلي، ويتجه إنفاق العيديات غالباً نحو شراء الألعاب والحلويات والملابس والإلكترونيات، إلى جانب تزايد الإقبال على الأنشطة الترفيهية مثل زيارة مدن الملاهي، ودور السينما، والمطاعم، ما ينعكس مباشرة على ازدهار الحركة التجارية وإنعاش تلك القطاعات الاقتصادية خلال أيام العيد.
كما تقدم العيدية فرصة لتعليم الأطفال مبادئ الإدارة المالية في سن مبكرة، إذ تمنحهم تجربة مباشرة مع المال، تساعدهم على تعلم الادخار واتخاذ قرارات صغيرة تعزز لديهم حسّ التوازن والمسؤولية، ويمكن للوالدين استثمار هذه المناسبة لتشجيع الطفل على تقسيم العيدية إلى أجزاء: جزء للادخار وآخر للشراء وثالث للعطاء، ما يُرسّخ قيم الكرم والانضباط المالي في آنٍ معاً.
وعلى الصعيد النفسي، تمنح العيدية الطفل شعوراً بالتقدير والاستقلال، وتعزز ثقته بنفسه حين يُمنح حرية التصرف بمبلغ خاص به، كما تقدم بعض المصارف حسابات خاصة بالأطفال، تتيح لهم ادخار عيدياتهم وتنمية وعيهم المالي منذ سن مبكرة.
تفاوت اجتماعي
في ظلّ تفاوت الأوضاع المعيشية بين الأسر، تظهر فروق في قيمة العيدية، ما قد يثير أحياناً مشاعر المقارنة أو الإحراج لدى الأطفال حين يعلمون بما حصل عليه أقرانهم من زملاء المدرسة أو الأقارب.
في هذا السياق، يبرز دور الأهل في تقديم عيديات متوازنة تتسم بالرمزية أكثر من القيمة، وتوعية الأطفال بأن العيدية ليست مقياساً للمكانة أو مقدار الحب، بل تعبير بسيط عن الودّ والمشاركة والفرح الجماعي بالعيد.
هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق"

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
من الفكة إلى الكريبتو.. كيف تغير شكل العيدية في العالم العربي؟
استيقظت الفتاة الصغيرة ندى محمد، ذات الثماني سنوات، باكراً. ارتدت ملابسها الجديدة التي وضعتها جانب وسادتها في الليلة الماضية، وسرّحت شعرها بعناية، ثم لحقت بإخوتها، منتظرةً بلهفةٍ دورها لتنال العيدية من كبار العائلة، في تقليدٍ متوارثٍ أباً عن جد. ندى، مثلها مثل ملايين الأطفال في العالم العربي، تنتظر العيد بلهفة للحصول على العيدية في كل عيد فطر أو أضحى. وعادةً ما يردّ الآباء هذه العيدية بالمثل لأطفال العائلة الآخرين، في تقليدٍ يبرز حركة المال الدوّارة خلال مواسم معيّنة. تتخذ العيدية أشكالاً عديدة حول العالم، كما تطوّرت بسرعة على مدار السنين الماضية. ففي ظلّ التطور التكنولوجي، برزت أساليب حديثة لتقديم العيدية، من خلال حلول مصرفية وتطبيقات رقمية تتيح تحويل المبالغ بسهولة وسرعة وأمان، ومؤخراً، لجأت بعض الدول الغربية إلى تقديم العيدية على شكل عملات مشفّرة في مواسم رأس السنة والكريسماس والأعياد الأخرى، وهو أمرٌ ربما نراه قريباً في عالمنا العربي، بفضل انتشار هذه العملات، والسماح بالدفع باستخدامها في أماكن متزايدة، إضافةً إلى زيادة قيمتها في بعض الأحيان بسرعة لافتة، إذا توفرت لها الظروف الاقتصادية والعالمية الملائمة. ونظراً لأهمية هذا الطقس الشعبي، تستعد البنوك العربية لتزايد الإقبال على السحوبات النقدية، من أجل الحصول على ما يُعرف بين الناس بـ"خُردة العيد"، بهدف تجهيز العيديات وتوزيعها. الدورة الاقتصادية وراء العيدية مع كل ورقة نقدية تُقدَّم كعيدية، سواء لطفل صغير، أو من زوج لزوجته، أو من كبير العائلة للشباب الأصغر سناً، أو حتى من أصحاب العمل لعمّالهم، يتحرّك المال في دائرة من التبادل والاستهلاك تنعكس مباشرة على الأسواق والأنشطة التجارية. كما يزيد الطلب على استبدال النقود القديمة بنقود جديدة من المصارف في السعودية والكويت ومصر ودول عربية أخرى، فللأوراق النقدية الجديدة والنظيفة رونق خاص، حتى بات استبدال الأموال القديمة بجديدة تقليداً راسخاً. ومواكبة لهذا الطلب الموسمي، تعمد بعض المصارف المركزية في الدول العربية إلى تخصيص أجهزة صراف آلي لتوفير الأوراق النقدية الجديدة، وتضخ كميات إضافية من الفئات الصغيرة، حرصاً على تلبية احتياجات العملاء. ففي قطر، على سبيل المثال، أطلق مصرف قطر المركزي مبادرة "خردة العيد"، تتمثل في توفير أجهزة صراف آلي مخصصة لسحب الفئات النقدية الصغيرة من 5 و10 و50 و100 ريال، تُوزع في عدد من المناطق. وسجلت هذه الصرافات الآلية إقبالاً قياسياً في عيد الفطر 2025، إذ بلغت قيمة السحوبات نحو 182 مليون ريال قطري (نحو 50 مليون دولار)، بحسب المصرف المركزي. أما في مصر، ووفقاً لتعليمات البنك المركزي، يمكن صرف النقدية الجديدة من أى فرع من فروع البنوك، ولكن بشروط معينة، إذ تم منح الأولوية للعملاء الذين لديهم حسابات مصرفية، ما يمكنهم من الحصول على مبالغ أكبر، فى حين أن بعض البنوك توافق على صرف مبالغ محدودة لغير العملاء، وتختلف قيمة المبالغ المتاحة لكل عميل تبعاً لنوع حسابه البنكى، فضلاً عن الحصة النقدية المتوفرة فى كل فرع، وتسعى البنوك إلى توزيع النقود الجديدة بعدالة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من العملاء. وعلى الرغم من وجود أشكال مختلفة للعيدية من بطاقات هدايا وألعاب وملابس ومجوهرات وغيرها، إلا أن العيدية النقدية يبقى لها طابع مميز، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه موقع "يو جوف" (YouGov) عام 2023، أن نحو نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في السعودية والإمارات يفضّلون تقديم وتلقي الهدايا النقدية لمناسبة العيد. نشاط التحويلات الرقمية في العيد مع تطور الخدمات المصرفية، بات بالإمكان تحويل العيدية بأمان وسهولة بفضل تطبيقات التحويل الفوري والمحافظ الإلكترونية التي أدت إلى ظهور "العيدية الرقمية". وفي الإمارات، أشارت تقارير إعلامية محلية إلى ارتفاع بنسبة 50% في التحويلات المالية عبر التطبيقات الرقمية خلال فترة عيد الفطر الماضي، خاصة مع إرسال عدد كبير من المقيمين الأموال إلى عائلاتهم في الخارج. وكانت هذه التطبيقات شهدت انتشاراً واسعاً خلال فترة الجائحة، إذ أتاحت تحويل العيديات بسهولة مع الحفاظ على قيود التباعد الاجتماعي. هل تصبح العيدية كريبتو؟ في ظل التحوّل الرقمي المتسارع والتوسع في استخدام العملات المشفّرة، بدأ الحديث عن اتخاذ العيدية طابعاً جديداً، مثل الاستعاضة عن النقد الورقي بالعيدية على شكل عملات مشفرة. فبدلاً من تقديم مغلّف يحتوي على حفنة من النقود، يمكن تقديم جزء من عملة "بتكوين" أو غيرها من الأصول المشفّرة، كهديّة رمزية تحمل في طيّاتها استمرارية لتقليد قديم وفرصة استثمارية، في آنٍ معاً. وكانت الولايات المتحدة شهدت في موسم عيد الميلاد 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال على تقديم هدايا على شكل عملات مشفرة، كما تتيح العديد من منصات تداول العملات المشفرة خدمات تقديم هدايا الكريبتو بكل سهولة، سواء عبر بطاقات الهدايا الرقمية أو التحويل المباشر. وتُعد الإمارات من الدول الرائدة في تبني العملات المشفرة، وبحسب بيانات "ستاتيستا" (Statista)، يتوقع أن تبلغ نسبة مستخدمي العملات المشفرة في الإمارات 32.74% من سكان البلاد خلال عام 2025، فيما تسجل السعودية نمواً سريعاً في هذا المجال، وتتوقع بعض شركات تداول العملات المشفرة أن تنتقل العدوى من الدول الغربية إلى نظيرتها العربية، بحيث تصبح العيدية على صورة كريبتو مع توغل الاقتصاد الرقمي في المنطقة. ما تأثير العيدية على الحركة الاقتصادية؟ تسهم العيدية في تنشيط الحركة الاقتصادية خلال فترة الأعياد، إذ تعتبر من العوامل المؤقتة التي تعزز من الاستهلاك المحلي، ويتجه إنفاق العيديات غالباً نحو شراء الألعاب والحلويات والملابس والإلكترونيات، إلى جانب تزايد الإقبال على الأنشطة الترفيهية مثل زيارة مدن الملاهي، ودور السينما، والمطاعم، ما ينعكس مباشرة على ازدهار الحركة التجارية وإنعاش تلك القطاعات الاقتصادية خلال أيام العيد. كما تقدم العيدية فرصة لتعليم الأطفال مبادئ الإدارة المالية في سن مبكرة، إذ تمنحهم تجربة مباشرة مع المال، تساعدهم على تعلم الادخار واتخاذ قرارات صغيرة تعزز لديهم حسّ التوازن والمسؤولية، ويمكن للوالدين استثمار هذه المناسبة لتشجيع الطفل على تقسيم العيدية إلى أجزاء: جزء للادخار وآخر للشراء وثالث للعطاء، ما يُرسّخ قيم الكرم والانضباط المالي في آنٍ معاً. وعلى الصعيد النفسي، تمنح العيدية الطفل شعوراً بالتقدير والاستقلال، وتعزز ثقته بنفسه حين يُمنح حرية التصرف بمبلغ خاص به، كما تقدم بعض المصارف حسابات خاصة بالأطفال، تتيح لهم ادخار عيدياتهم وتنمية وعيهم المالي منذ سن مبكرة. تفاوت اجتماعي في ظلّ تفاوت الأوضاع المعيشية بين الأسر، تظهر فروق في قيمة العيدية، ما قد يثير أحياناً مشاعر المقارنة أو الإحراج لدى الأطفال حين يعلمون بما حصل عليه أقرانهم من زملاء المدرسة أو الأقارب. في هذا السياق، يبرز دور الأهل في تقديم عيديات متوازنة تتسم بالرمزية أكثر من القيمة، وتوعية الأطفال بأن العيدية ليست مقياساً للمكانة أو مقدار الحب، بل تعبير بسيط عن الودّ والمشاركة والفرح الجماعي بالعيد. هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق"


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
جيلٌ يدفن جيلاً
نشط (القبرجية) في مواقع التواصل الاجتماعي بدفن كبار الفنانين في عالمنا العربي بنشر شائعات عن موت: دريد لحام أو منى واصف أو عادل إمام من غير حياء أو احترام لمشاعر أهالي أولئك الفنانين أو مشاعر محبيهم، فبمجرد أن يكتب أحدهم أن فلاناً مات حتى تجد كل الشبكات تتناقل الخبر، وكأن موت فلان مأدبة تتهافت إليها الحداءات والغربان، فأي أنواع نهش تمارسها تلك المواقع..؟! ويبدو أن الجيل الشاب (هذه الأيام) يمارس دور انقلاب القيم كما حدث في مسرحية مدرسة المشاغبين، تلك المسرحية التي تم اعتبارها البصمة الفاقعة في انحراف القيم لدى الشباب التالي لعرض المسرحية وانتشارها.. وكما اُتهمت مسرحية مدرسة المشاغبين بأنها أحدثت انفلاتاً أخلاقيّاً، يحدث الآن ذلك الانفلات من قبل الشباب بصورة أبشع، فكل واحد منهم تحول إلى وزارة إعلام مستقلة يعطي نفسه الحق في نشر أمور منكرة سواء لفظاً أو تحريضاً أو تصدير الإساءات، والشائعات، ويحرص الباث على إتقان شائعته بصور مفبركة، وفي شائعة الموت يتم إظهار جنازة فلان وعلان.. وخلال ساعة يكون باث الشائعة قد شيع فلاناً إلى قبره غير مكترث بما تحدثه شائعته من ضرر لدى الآخرين.. ويبدو أن أصحاب الأخبار الفاجعة من (القبرجيين) نشطوا في ردم من أطال الله في عمره، ولأن أبطال مدرسة المشاغبين ماتوا جميعاً باستثناء عادل أمام ( اللهم مد في عمره فقد أسعدنا طويلاً) فأصبح مادة جيدة للقبرجيين.. وبأثر رجعي أتحدث عن مسرحية مدرسة المشاغبين التي أحدثت انقلاباً عنيفاً في التربية، وساهمت أو نقلت الجوانب التربوية إلى حالة من حالات الانفلات، وبالرغم أنها عرضت في السبعينيات الميلادية (أول عرض 1973) إلا أن أثرها امتد كأخدود زلزالي شاطراً العلاقة بين الآباء وأبنائهم، وبين الطلاب وأساتذتهم. وأثناء عرض المسرحية التي استمرت لسنوات طويلة، ارتفعت الدعاوى القضائية لإيقافها مرات عدة إلا أن الإقبال الشديد عليها أبقاها مهوى الأفئدة، واعتبر البعض أن هذه المسرحية قضت على هيبة المعلم، حتى أن بعض علماء النفس بجامعة القاهرة أجروا دراسة عن الآثار السلبية للمسرحية، خلصت إلى أن نحو 70% من المشاغبين في المرحلة الثانوية كانوا يقلدون شخصيات المسرحية في محاولة لنيل إعجاب واحترام زملائهم، كما أن وزير التعليم آنذاك، وَصَفَ المسرحية بأنّها أحد أسباب انهيار التعليم في مصر، وتدنّي مستواه؛ لأنها أفقدت المعلم هيبته. وفِي زمن الإيمان بفكرة المؤامرة، اتهم مؤلف المسرحية (علي سالم) بأنه خنجر في خاصرة الضمير العربي، ساعياً على تهشيم التربية (المصرية تحديداً)، وجذب الشباب العربي على كسر عمود السلطة في التعليم، ومن تلك المسرحية العمل الحثيث على القضاء في تركيبة شباب المستقبل، ولأن الأستاذ علي سالم (رحمه الله) كان من المتهمين بالتطبيع الثقافي مع إسرائيل استقرت التهمة أو رسخت في بال المثقفين في المقام الأول، رسخ أن المؤلف قصد من تأليف المسرحية ضرب بنية التربية لدى الشباب. وبعيداً عمّا حدث من جدال حول المسرحية استجلب من ذكرياتي اجتماعاً حدث بيني وبين الممثل يونس شلبي (أحد أهم شخصيات المسرحية رحمه الله) ففي سنواته الأخيرة تكررت زياراته للعلاج في مدينة جدة، وفي ذات يوم اجتمعنا في مركز ترفيهي على أنغام وأصوات عدة مطربين أحيوا تلك الليلة. كنت مركزاً على تعبير يونس شلبي إزاء ما يقوم به الشباب داخل صالة المركز من تصرفات خارجة عن اللياقة الأدبية، كانت تعبيرات وجهه غائمة لا تبين أي أثر (لا استحساناً، ولا رفضاً، ولا انشراحاً) تعبيرات جامدة من كل أثر سوى آثار الموت القادم. أخبار ذات صلة كنت راغباً في سؤاله سؤالاً مختصراً عن تصرفات الشباب غير اللائقة، وفِيما كنت أحاول صياغة سؤال لائق أيضاً، وقفت في حلقي جملة: - هل أنت راضٍ عما أحدثته مدرسة المشاغبين من تفلت أخلاقي لدى الشباب؟ وأمسكت لساني، لسببين: أولهما الضجيج الذى ملأ الصالة، وثانيهما غياب لب يونس شلبي بفعل المرض المنهك. فتريثت على أمل محاورته عندما نغادر الحفل، وعندما وصلنا إلى بيت الصديق علي فقندش (حيث أقام يونس)، ظللت أتحين الوقت الجيد لأن أسأله، وعندما فعلت ذلك، كان يونس شلبي -كما كان في المسرحية- (ما يجمع)، وإن كان في الأولى يمثل إلا أنه أمامي (لا يجمع) بسبب المرض الشديد الذي أصابه. ربما لا توجد علاقة بين المقدمة وهذه القصة إلا أن شائعة موت عادل إمام بين لحظة وأخرى تؤكد أن الزمن لم يعد هو ذلك الزمن، وأن الجيل الشاب الآن يريد الإسراع بدفن من كان حاضراً قبلهم، فلماذا؟ يمكن تبرير هذا بكثير من المعطيات إلا أن مساحة المقالة لا تسمح بأكثر مما كُتب.


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
كاميرا عشوائية وهبوط حر!
داء خطير بدأ يتسلل إلى منازلنا، كخلسة المختلس دون أن ندرك حجم الضرر المقبل منه عبر الأبواب الإلكترونية. ألا وهو حب الظهور والشغف نحو «الأنا»، تطلعاً إلى الشهرة المنشودة، فأصبحت هذه الكاميرا الصغيرة في الهواتف المحمولة منبراً إعلامياً لمن يفقه ولمن لا يفقه، بمختلف الأعمار والأجناس والكل يدلي بدلوه، بأفكار ومعلومات قد لا تمت للمنطقية والصحة بصلة. الهدف من ذلك هو «الشهرة المفتعلة» والتي بطبيعتها مؤقتة، إذ إنها تستند إلى قواعد ركيكة. مثل هذا التكوين الذهني الضحل للبناء المجتمعي شائك جداً، أمام أجيال تنمو، قد تتبلور ثقافة عشوائية مادية بحتة ثم تتدحرج إلى الهاوية، ما لم يكن هناك حاجز يردعها. يحمي ذلك الحصن الثقافي المنيع الذي ينبغي أن يشيده الأفراد والمثقفون وكل من بيده شعلة علم. إن للحضور الإعلامي قيمة وقواماً وآلية عالية الجودة، أبهرنا بها كوكبة من الإعلاميين السابقين، بعثوا من خلالها رسالة حية فحواها اللغة العربية الفصحى ومن ثم مخارج الحروف ناهيك إلى حسن استخدام العبارات وقوة الحضور احتراماً لهذه الصورة أمام الجماهير. كما ذكر الإعلامي عبدالعزيز العيد في أحد لقاءاته المرئية بحضوره إلى مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون قبل النشرة بساعتين لقراءة النصوص الإخبارية، هكذا كانوا. أما ما نراه اليوم من متملقي الشاشات الصغيرة في الهواتف النقالة، لهو عبث نفسي ولفظي وبطبيعة الحال فكري مجتمعي. وبرغم وعي الجمهور لكل ما يتم تداوله من مقاطع مرئية لأطباء بلا شهادات ومختصين، بلا دراسات «أعني بكلماتي من تحدث في غير فنه» وجميعنا رأينا العجب. إذ إن أصحاب هذا المسار قد يندرجون ضمن اضطراب الشخصية التمثيلي، بحسب تصنيف الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين والذي يعمد إلى سلوكيات مبالغ فيها تسعى إلى الاهتمام، ولفت النظر وعادة ما يكونون هؤلاء الأفراد نشيطين ولديهم من الحماس الشيء الكثير. أفكار متباينة، لا تعرف مذهبها ولا من أي ثقافة بدأت! مقاطع، وصراخ، وتمثيليات مفبركة، وأخبار مزيفة، وبيوت وغرف داخلية، وغيرها ما يدمي لها القلب.. ثم ماذا بعد؟ تبدأ مرحلة الهبوط الحر، حينما يشعرون بفقدان الإحساس الحقيقي للذات من خلال اعتماد سعادتهم على رؤية الآخرين لهم! ومدى إعجابهم سعياً للمزيد من الأضواء والتصفيق والأهازيج المزيفة. هنا نحنُ أمام منخفض لقيمتنا الإنسانية الحقيقية، في مقابل ارتفاع هالة جوفاء تصنعها آراء الآخرين عنه. نحن أيضاً، بحاجة ماسة إلى وعي مستنير.. ورأي بصير وعقول تعي أهمية وجودها كرسالة ربانية في هذه الأرض وليس لوجودها أمر هامشي.