
تعدد الأقطاب وهم سياسي أم واقع في طور التشكل؟
فعلى رغم كل الضجيج حول نهاية عصر القطبية الأحادية، بدت اللحظة كاختبار كاشف لوزن القوى الصاعدة، إذ اكتفت الصين بالدعوة إلى "ضبط النفس" وبدت روسيا كمن يتابع الحرب عبر الشاشات، في حين كانت إدارة ترمب تتحرك بمنطق القائد لا المراقب عبر تنسيقات دقيقة مع تل أبيب وحلفاء واشنطن في الخليج، وبدا أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بأدوات الضغط والتنفيس وأن لحظة التعددية القطبية لم تحِن بعد بحسب المراقبين.
الراحة الاستراتيجية
وفي قراءة تحليلية لموازين القوى الدولية في ضوء الحرب الأخيرة، يذهب رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر إلى أن ما يروج عن عالم ثلاثي الأقطاب لا يتجاوز الطرح النظري، إذ لا تزال الولايات المتحدة برأيه "القوة العظمى الوحيدة" القادرة على فرض القرار، بينما عجزت موسكو وبكين عن تجاوز أدوار رمزية لا تتعدى الاحتجاجات الدبلوماسية.
ويوضح بن صقر خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "الحرب الأوكرانية والصراع في غزة ثم المواجهة مع إيران، كشفت عن محدودية أدوات الصين وروسيا سواء في التأثير الميداني أو الضغط السياسي" ويعزو ذلك إلى افتقارهما الاستقلال الاقتصادي الكامل، إذ إن "ارتباط أنظمتهما المالية بالغرب يجعل مواقفهما الخارجية رهينة للعقوبات الأميركية، مما يفسر ترددهم في دعم الحلفاء أو التصدي المباشر للسياسات الأميركية".
ويرى أن واشنطن سواء في عهد بايدن أو ترمب تمكنت من تعطيل نفوذ موسكو وبكين داخل مجلس الأمن وتحكمت بمسار الحرب ضد إيران من بدايتها حتى نهايتها عبر شراكة استراتيجية مع إسرائيل ضمنت تحقيق الهدف العسكري الرئيس "ضرب المنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان".وفي خضم الصراع الإيراني - الإسرائيلي الأخير بدت بكين كمن يحاول المشي على حبل مشدود فوق بركان مفتوح، وفقاً لمحللين دوليين، فالعلاقة بين الصين وإيران وإن بدت صلبة نظرياً لا تتجاوز في واقعها ما يمكن تسميته "الراحة الاستراتيجية"، فبكين التي تشتري ما يصل إلى 90 في المئة من صادرات النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الغربية، وفق تقديرات وكالة "رويترز" في الـ24 من يونيو (حزيران) الماضي، لم تدفع إلى الأمام الحضور الدبلوماسي نفسه الذي يتناسب مع هذه الأهمية.
التطورات الأخيرة عمقت الهيمنة الأميركية
وعلى رغم ما يروج عن أن العالم بات ثلاثي الأقطاب، تهيمن عليه واشنطن وبكين وموسكو، فإن الأحداث الأخيرة في سوريا، تحديدًا في السويداء ودمشق تكشف عن أن موازين الفعل لا تزال تُدار من قطب واحد فعلي، ففي حين اكتفت موسكو ببيانات دبلوماسية باهتة وغابت بكين عن المشهد تماماً، كانت الولايات المتحدة من موقع غير معلن تضبط حدود التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري وتنسق مع قنوات إقليمية لضمان عدم انزلاق الموقف إلى مواجهة مفتوحة، والمشهد ذاته يتكرر في أوكرانيا، حيث لم تنجح موسكو في ترجمة هجومها إلى انتصار سياسي، بينما ظلت واشنطن تمسك بخيوط الدعم والتصعيد والردع على نحو منهجي.
ويؤكد بن صقر أن التدخل الأميركي الأخير في توجيه الضربات لمشاريع نووية إيرانية ضمن "عملية محدودة" عكس مجدداً اختلال ميزان الردع لمصلحة واشنطن، معتبراً أن "الحرب لم تفضِ إلى إعادة تموضع للقوى الكبرى، بل عمقت واقع الهيمنة الأميركية وأثبتت أن لا الصين ولا روسيا تملكان الأدوات الكفيلة بإعادة رسم موازين الأمن في الشرق الأوسط أو خارجه".
الولايات المتحدة لا تزال حتى اللحظة القوة المهيمنة الأولى عسكرياً واقتصادياً ومؤسساتياً (رويترز )
هشاشة الاستغلال الدبلوماسي
في تقرير صدرعن "فايننشال تايمز"، أكدت الصحيفة أن الصين لم تستخدم موقعها الاقتصادي كأساس لتدخل دبلوماسي فاعل، بل اكتفت بدعوة معتدلة إلى التهدئة والتحذير من أخطار انقطاع الإمدادات النفطية ويبيّن التقرير أن واردات الصين من النفط الإيراني انخفضت من نحو 1.6 مليون برميل يومياً في سبتمبر (أيلول) عام 2024 إلى نحو 740 ألفاً في أبريل (نيسان) الماضي، مما يعكس تأثرها بالضغوط الدولية".
وفي السياق ذاته اكتفى الكرملين ببيان حذر وامتنعت موسكو عن استغلال الأزمة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، بل فشلت حتى في الدفع إلى جلسة فاعلة في مجلس الأمن بحسب ما وصفته صحيفة "واشنطن بوست" التي ناقشت ضعف التأثير الروسي في المسرح العالمي بسبب ضغوط الحرب على أوكرانيا، فهناك "فجوة فادحة بين لغة بوتين القومية وأدواته على المسرح الدولي".
ويرى مدير المركز الخليجي- الاسكندنافي للدراسات عبدالجليل السعيد في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن العالم لا يزال محكوماً بقطبية أميركية واضحة، ولا سيما في حقبة ترمب التي أعادت ترسيخ الهيمنة الأميركية ليس فقط على الخصوم بل حتى على الحلفاء الأوروبيين"، ويشير إلى أن واشنطن تمسك بمفاتيح التوازنات الدولية بفضل حضورها العسكري وتحالفاتها الواسعة، بينما تفتقر بكين وموسكو إلى أدوات فرض واقع جيوسياسي جديد، ويضرب مثالاً بالتزام الصين العقوبات المفروضة على روسيا، مما دفع الأخيرة إلى الارتماء في أحضان دول "مارقة"، بحسب وصفه، كإيران وكوريا الشمالية، ويخلص إلى "أن لا الروبل ولا اليوان ولا القواعد العسكرية الصينية أو الروسية قادرة على زحزحة تموضع أميركا كقطب أوحد في النظام الدولي الراهن".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التعددية الاقتصادية أكثر واقعية
وفي هذا الإطار يرى الباحث في العلاقات الدولية سلمان الأنصاري أن "مفهوم القطبية سواء الأحادية أو المتعددة، لا يزال يراوح في منطقة رمادية، إذ لم ينتقل العالم بعد إلى نظام تعددي فاعل، لكنه تجاوز في المقابل مرحلة "الأحادية الصلبة"، ويؤكد أن الولايات المتحدة لا تزال حتى اللحظة القوة المهيمنة الأولى عسكرياً واقتصادياً ومؤسساتياً، إلا أن مؤشرات التشظي الجيوسياسي باتت واضحة في ظل صعود قوى مثل الصين وروسيا والهند ومحاولات أوروبية، وإن خجولة،للتحرر من الهيمنة الأميركية.
ويشير إلى "أن التوازنات الجديدة لا تبنى فقط على التفوق العسكري، بل على معطيات اقتصادية وتكنولوجية متغيرة، لافتاً إلى أن الصين أصبحت اليوم الشريك التجاري الأكبر لأكثر من 120 دولة مقابل 20 فقط قبل ثلاثة عقود، مما يعبّر عن اختراق ناعم لنفوذ واشنطن في المجال الاقتصادي العالمي".
ويرى الأنصاري أن حرب إيران الأخيرة أعادت التأكيد على تفوق واشنطن في تعبئة الحلفاء وفرض إيقاعها على السردية الإعلامية الدولية، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن تباينات ملموسة في المواقف الدولية ومحاولات بعض القوى الكبرى انتهاج سياسات أكثر استقلالاً، ويضيف أن العالم يتجه نحو نموذج "هجين" تتصدره واشنطن اسمياً، لكنه يشهد اختراقات متزايدة من قوى صاعدة تسعى إلى الشراكة لا التبعية.وأضاف الأنصاري أن "العامل الأكثر حسماً في تسريع التحول نحو تعددية فعلية قد يكون اقتصادياً بالدرجة الأولى، تحديداً عبر تقليص هيمنة الدولار الذي لا يزال يهيمن على أكثر من 60 في المئة من احتياطات العملات العالمية، فبعد حرب أوكرانيا بات واضحاً أن موسكو وبكين تتحركان بخطى مدروسة لفك الارتباط بمنظومة الدولار وبناء نظام مالي موازٍ يعزز استقلالية قراراتهما السيادية".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 3 ساعات
- الوئام
اليورو يرتفع بعد الاتفاق التجاري بين واشنطن وبروكسل
سجّل اليورو ارتفاعًا ملحوظًا في التعاملات المبكرة ليوم الإثنين، بعد إعلان اتفاق تجاري إطاري جديد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في خطوة تهدف إلى تفادي تصعيد حرب تجارية عالمية. وخلال لقائهما في اسكتلندا، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن الاتفاق الذي يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على السلع الأوروبية، وهي نصف النسبة التي هددت بها واشنطن سابقًا. كما أشار ترمب إلى أن الاتحاد الأوروبي يخطط لاستثمار نحو 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، مع زيادة كبيرة في مشترياته من معدات الطاقة والمعدات العسكرية. ويأتي هذا الاتفاق بعد اتفاق مماثل أُبرم مع اليابان الأسبوع الماضي، يتضمن استثمار طوكيو نحو 550 مليار دولار في الولايات المتحدة مقابل فرض رسوم جمركية مماثلة على صادراتها. على صعيد الأسواق، استقر اليورو عند مستوى 1.1763 دولار مرتفعًا بنسبة 0.2% في التعاملات الآسيوية، كما صعد مقابل الين الياباني ليبلغ 173.78 ين. ويأتي ذلك في ظل تزايد التفاؤل في الأسواق بعد توضيح القواعد التجارية الجديدة، بحسب رودريجو كاتريل، كبير استراتيجيي العملات في بنك أستراليا الوطني، الذي اعتبر أن 'الوضوح الحالي يفتح الباب أمام مزيد من التوسع وفرص الاستثمار عالميًا'. في المقابل، تترقب الأسواق اجتماعًا حاسمًا في ستوكهولم بين كبار المفاوضين من الولايات المتحدة والصين في محاولة لتمديد الهدنة التجارية التي تم التوصل إليها في مايو، قبل المهلة النهائية في 12 أغسطس للتوصل إلى اتفاق دائم. ورغم ضعف التوقعات بإحراز تقدم حاسم، يُرجح المحللون تمديد الهدنة لفترة إضافية تصل إلى 90 يومًا. أما على صعيد السياسة النقدية، فمن المتوقع أن يُبقي كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك اليابان أسعار الفائدة دون تغيير هذا الأسبوع، بينما يترقب المستثمرون تصريحات مسؤولي البنوك المركزية لتحديد مسار السياسات النقدية المقبلة. وفي أسواق العملات، حافظ الدولار الأميركي على استقراره أمام الين الياباني عند مستوى 147.68 ين، بينما تراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.1% إلى 97.534 نقطة. وسجل الجنيه الإسترليني تراجعًا طفيفًا إلى 1.3438 دولار، وارتفع الدولار الأسترالي بنسبة 0.2% ليصل إلى 0.6576 دولار، في حين استقر الدولار النيوزيلندي عند 0.6019 دولار.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
إصابة 8 أشخاص بينهم طفل بهجوم جوي روسي على كييف
أعلنت السلطات في العاصمة الأوكرانية كييف اليوم الاثنين، أن روسيا شنت هجوماً على المدينة خلال الليل أسفر عن إصابة ثمانية من سكان أحد المباني بينهم طفل في الثالثة من عمره. وقال تيمور تكاتشينكو رئيس الإدارة العسكرية في كييف عبر تطبيق «تلغرام» إن أربعة من المصابين في الهجوم الذي وقع بعد منتصف الليل بقليل نقلوا إلى المستشفى وإن أحدهم حالته خطيرة. من جانبه، قال فيتالي كليتشكو رئيس بلدية كييف إن جميع المصابين من سكان مبنى متعدد الطوابق في حي دارنيتسكي بالمدينة على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. رجل يقف خلف النوافذ المكسورة لمنزله بعد هجوم روسي في كييف (أ.ب) وأضاف في منشور على «تلغرام»: «تسببت موجة الانفجار في إلحاق أضرار بالنوافذ من الطابق السادس إلى الحادي عشر من المبنى». ودوت صفارات الإنذار في العاصمة ومعظم أنحاء أوكرانيا لعدة ساعات طوال الليل للتحذير من هجمات روسية بالصواريخ والطائرات المسيَّرة. وفي الأسابيع الأخيرة، شنّت موسكو عدداً قياسياً من الهجمات بمسيَّرات وصواريخ على مدن أوكرانية، مما أودى بحياة عشرات المدنيين، وكثّفت أوكرانيا في المقابل ضرباتها على روسيا.


مركز الروابط
منذ 6 ساعات
- مركز الروابط
قطر تهدد بتجميد إمدادات الغاز لأوروبا: شتاء قارس يلوح في الأفق
الباحثة شذا خليل * بينما تستعد أوروبا لمواجهة شتاء آخر قد يكون قاسيًا، تتصاعد أزمة دبلوماسية واقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وأحد أهم موردي الغاز الطبيعي المسال له: قطر. ففي رسالة دبلوماسية مؤرخة في 21 مايو 2025، وجهها وزير الطاقة القطري سعد الكعبي إلى الحكومة البلجيكية، حذّرت الدوحة من أنها قد تبدأ في تحويل صادرات الغاز بعيدًا عن أوروبا، احتجاجًا على توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية. هذا التطور، الذي كشفته وكالة رويترز، يحمل عواقب سياسية واقتصادية خطيرة على القارة الأوروبية، خاصةً مع استمرار اضطرابات أمن الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. خلفية تاريخية: من الاعتماد على روسيا إلى قطر قبل عام 2022، كانت أوروبا تعتمد على روسيا لتوفير حوالي 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. لكن ذلك تغير بشكل جذري عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، فردّ الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات صارمة، بينما استخدمت روسيا الغاز كسلاح للضغط على الغرب. في ظل هذا الوضع، سعت الدول الأوروبية إلى إيجاد بدائل موثوقة، وهنا دخلت قطر كأحد أهم اللاعبين. بين عامي 2022 و2024، أصبحت قطر توفر حوالي 12% إلى 14% من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال (LNG)، عبر موانئ بلجيكا وهولندا وفرنسا وإيطاليا. كما وقعت اتفاقيات طويلة الأمد مع شركات أوروبية كبرى مثل Shell وTotalEnergies وEni. ما هو قانون العناية الواجبة ولماذا تعترض قطر؟ قانون 'العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية' الذي أقره الاتحاد الأوروبي في عام 2024، يفرض على الشركات الكبرى العاملة في السوق الأوروبية أن ترصد وتُعالج انتهاكات حقوق الإنسان والأضرار البيئية في سلاسل التوريد الخاصة بها، سواء داخل الاتحاد أو خارجه. أهم بنوده تشمل: • إلزام الشركات بوضع خطط انتقال مناخي تتماشى مع اتفاق باريس للحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 1.5 درجة مئوية. • فرض غرامات قد تصل إلى 5% من إيرادات الشركة العالمية في حال عدم الامتثال. • توسيع نطاق المسؤولية القانونية إلى شركاء خارجيين في سلاسل التوريد. قطر، التي تواجه انتقادات مستمرة بشأن ظروف العمل والانبعاثات، ترى أن هذا القانون يمثل تدخلًا في سيادتها. في رسالته، قال الوزير سعد الكعبي إن 'دولة قطر وشركة قطر للطاقة لا تنويان تحقيق صافي انبعاثات صفرية في المستقبل القريب'، ووصف بنود القانون بأنها 'تتعارض مع الحق السيادي للدول في تحديد أهدافها المناخية'. ما تأثير التهديد القطري على أوروبا؟ يأتي هذا التهديد في وقت حساس، إذ لا تزال أوروبا عرضة لتقلبات أسعار الطاقة، خاصة في الشتاء. ورغم امتلاء مخازن الغاز حاليًا، فإن أي اضطراب في الإمدادات يمكن أن يكون له عواقب فورية. النتائج المحتملة تشمل: • ارتفاع كبير في أسعار الغاز والكهرباء. • استنزاف احتياطات الغاز المخزنة خلال فترات البرد القارس. • لجوء بعض الدول إلى الوقود الأحفوري الأكثر تلوثًا مثل الفحم والديزل. • زيادة الضغط على الميزانيات العامة لدعم الأسر والشركات. في الشتاءين الماضيين، أنفقت حكومات الاتحاد الأوروبي مئات المليارات من اليوروهات لحماية المواطنين من أسعار الطاقة المرتفعة. وإذا انسحبت قطر فعليًا من السوق الأوروبية، فقد يتكرر السيناريو. صدام أوسع: المناخ مقابل السيادة يكشف هذا الخلاف عن التحدي الجوهري الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي: كيف يفرض معاييره البيئية والحقوقية في عالم لا تشاركه فيه دول كثيرة نفس القيم أو الالتزامات. فبينما يرى الاتحاد أن القانون خطوة نحو اقتصاد عالمي أكثر عدلاً واستدامة، ترى قطر أنه يمثل تدخلاً استعماريًا تنظيميًا جديدًا. كما أن الخلاف يسلّط الضوء على التناقض في اتفاق باريس نفسه، حيث يُسمح للدول بتحديد مساهماتها الوطنية بشكل مستقل، في حين يفرض الاتحاد الأوروبي الآن على الشركاء الأجانب التزامات إضافية عبر التشريعات. من ناحية أخرى، تواجه شركات مثل Shell وTotalEnergies معضلة قانونية وتجارية حقيقية: إما الالتزام بالقانون الأوروبي ومخاطرة خسارة العقود القطرية، أو استمرار التعاون مع قطر مع خطر التعرض للغرامات الأوروبية. هل هناك فرصة للتفاوض؟ اقترحت المفوضية الأوروبية بالفعل تعديلات على القانون، بما في ذلك تأجيل تطبيقه إلى منتصف عام 2028، وتخفيف بعض الالتزامات. لكن قطر قالت صراحة إن هذه التعديلات 'غير كافية'. وذهبت أبعد من ذلك، واقترحت إلغاء البند المتعلق بخطط المناخ تمامًا. الكرة الآن في ملعب المفاوضين الأوروبيين: هل سيتمسكون بالمعايير البيئية، أم يرضخون للضغوط الاقتصادية والشتاء القادم؟ خاتمة: أزمة طاقة أم اختبار قيمي؟ غاز قطر ليس مجرد سلعة — بل هو أداة ضغط سياسية. تهديدها بتحويل الإمدادات بعيدًا عن أوروبا هو أول مواجهة علنية بين دولة منتجة للطاقة وتشريعات الاستدامة الأوروبية. ومع انتقال العالم تدريجياً إلى الطاقة الخضراء، من المرجح أن تتكرر مثل هذه الصراعات. يبقى السؤال المحوري: هل يستطيع الاتحاد الأوروبي التوفيق بين قيمه ومصالحه الحيوية؟ وهل يمكنه فرض رؤيته الأخلاقية على شركاء يعتمد عليهم في أمنه الطاقي؟ الشتاء القادم سيكشف الإجابة. وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا مركز الرروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية