logo
الحشرات على جدول أطباقنا المستقبلية

الحشرات على جدول أطباقنا المستقبلية

الوطن٠١-٠٥-٢٠٢٥

يتمادى الجوع، عاماً بعد عام، على سكان الكوكب، وتؤثر المجاعة على ما لا يقل عن 730 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم. ويشكل الجوع واحداً من التحديات الرئيسة في العالم اليوم، إذ تقول الإحصائيات إن 1 من كل 5 أشخاص في أفريقيا، و1 من كل 9 على مستوى العالم يواجهون الجوع، لكن الواقع الذي نعيشه في منطقتنا منذ عقود، بخاصة في العقدين الأخيرين، يشير إلى أن النسبة أعلى بكثير، وأن الجوع يشكل خطرا كبيرا على المجتمعات، من اليمن إلى السودان إلى سورية إلى غزة التي باتت تفتقد كل مقومات الحياة.
يبدو عالمنا اليوم، كما لو أنه يأكل نفسه بنفسه. فلقد غرقت البشرية في الحياة الاستهلاكية، فصارت الحياة تتطلَّب أشياء كانت تسير من دونها، غير أن طموح الإنسان الذي لا يمكن لجموحه أن يُلجم، جَعله يجنح دائماً بخياله نحو ابتكارات وإبداعات تترجم في غالبها إلى أدوات عيش، مهما كانت الحاجة إليها قليلة أو يمكن الاستغناء عنها. لكن التسويق والمنافسة والسيطرة على الأسواق العالمية، تجعل من رؤوس الأموال مصانع كبيرة تصنع فيها رغبات الناس وتلبي احتياجاتهم في الوقت نفسه. لذلك، وبينما يقف العالم على مفترق طرق لمستقبل غامض، لا يمكن تجاهل أهمية البحث عن مصادر الغذاء المستدامة. تمثل الخيارات التي تتم مناقشتها على مستوى العالم، بهيئاته ومنظماته وحكومات دوله، نظاماً غذائياً أكثر مرونة وإنصافا، وصديقا للبيئة، بدءاً من اعتماد البروتينات النباتية إلى استخدام التكنولوجيا للزراعة العملية. إنه ليس حلّا واحداً يناسب الجميع، ولكنه فسيفساء من الأساليب التي يمكن أن تغير الطريقة التي نأكل بها مُجتمِعة. ما جاع فقير إلا بما تمتع به غني
من المُفارقات التي تَظهر في عالَمِنا اليوم أن مقابل الجوع وسوء التغذية، ثمّة مشكلة أخرى تتفاقم يوماً بعد يوم، وتتمثل، بحسب التوقعات، في أنّ أكثر من 1.2 مليار بالغ سيعانون من السمنة المفرطة بحلول العام 2030. إنّه توزيع غير عادل للثروات ولِحصص الرفاهية ليس على الشعوب فحسب، بل حتى ضمن الدولة الواحدة، فضلاً عن الطبقية الواضحة في جوانب الحياة كافة: طبقة مرفهة تشكِّل الأقلية، وأغلبية تعاني الفقر وتقترب من الجوع.
العالم مقبل على مشكلات كبيرة بالنسبة إلى أمنه الغذائي، من سوء تغذية إلى مجاعات لا يمكن التكهُّن بمداها الزمني والمكاني. لذلك تبحث الدوائر البشرية المعنية اليوم عن مصادر الغذاء المستدامة التي تعدّ ضرورية لحماية البيئة وتعزيز الأمن الغذائي وتحسين الصحة العامة. من هذه البدائل دعم الغذاء بالبروتين الضروري للعضوية البشرية من مصادر أخرى أقل خطراً على البيئة.
من البروتينات النباتية إلى الأطباق الشهية القائمة على الحشرات، يتغيَّر المشهد، اعتماداً على الدراسات العلمية التي تقول إن الحشرات الصالحة للأكل، تُظهر وعدا كبيرا كمصدر مستدام للبروتين. فهي كثيفة من الناحية الغذائية وتحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية والفيتامينات والمعادن، وتحتاج إلى الحد الأدنى من الموارد، وبخاصة الأرض والمياه. يتماشى اعتماد الحشرات كمصدر للبروتين مع مبادئ الإنتاج الغذائي المستدام، ما يوفر طريقة لتلبية الطلب العالمي على البروتين، مع تقليل التأثير البيئي المرتبط بتربية الماشية التقليدية. لذا سمح الاتحاد الأوروبي في العاشر من شباط/ فبراير 2025 بدمج مسحوق اليرقات في العديد من الأطعمة المصنعة، قد تصل إلى 4% من الحصة الغذائية، على أن يشار إلى هذا الأمر بشكل واضح للمستهلك على بيانات المُنتَج، كما يدرج في قائمة مسببات الحساسية، لأن استهلاك الحشرات المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية، يمكن أن يؤدي إلى الحساسية لدى بعض الأشخاص، بطريقة البيض أو المكسرات نفسها.
ما كان يعد من الأمور المقززة، يترفع الإنسان في كثير من بلدان الأرض عن تناولها، أصبح حقيقة اليوم، حتى لو كان على نطاق جغرافي محدود؛ لكن من يضمن المستقبل؟ للضرورة أحكام، كما ترى الأعراف والتشريعات والثقافات المحلية. ولقد شاهدنا في المناطق المحاصرة خلال الثورة السورية، كيف لجأ الناس إلى تناول كل ما هو بمتناول أيديهم من دون اعتبار لثقافة أو ذائقة أو محرمات؛ فالجوع كافر، والجوع «ألدّ أعداء الكرامة الإنسانية». لكن العادات الغذائية ونواظم الأكل تختلف من شعب إلى آخر.
الحشرات جزء من تاريخ الطهي
من الشائع جدا أكل الحشرات في عديد من البلدان، فحقيقة هذا الأمر بشرياً ليس ممارسة حديثة، كما أنه ليس مجرد بدعة. في الواقع، تعود طريقة الأكل هذه إلى فترة الإنسان العاقل كما تظهر الحفريات والدراسات الأنثروبولوجية، أو حتى قبل ذلك. لذا، فهي ليست حديثة، بل إعادة إدخال طعام منسي من عاداتنا في تذوق الطعام. وبالتالي، هناك العديد من مناطق العالم يتناول فيها أكل الحشرات بشكل يومي ولأسباب مختلفة (نقص الغذاء، عادات الأكل، تراث الطهي، وما إلى ذلك).
في إفريقيا، يعد أكل الحشرات أمراً شائعاً، بل إنها القارة التي تستهلك فيها معظم الحشرات، بعد آسيا، سواء بسبب نقص الطعام أم لأن بعض الحشرات تحظى بشعبية كبيرة بين السكان المحليين؛ حيث يعد النمل الأبيض، ويرقات الحشرات، أكثر استهلاكا بشكل عام. كما أن يرقات الدبابير شائع طهيها وتناولها في مدغشقر. كذلك الحال في أميركا الجنوبية، حيث هناك حشرات مرغوبة ومطلوبة في الطعام، بخاصة النمل (الملكات تحديداً) الذي يتم صيده في وقت التزاوج. أما المشروب الكحولي الرائج جداً Mezcal، فهو مزيج من يرقات دودة الصبار والفراشة.
أما آسيا، فهي القارة التي تتفوق على باقي بقاع الأرض في أكل الحشرات، ولا حاجة لنا في استحضار أمثلة عن هذه العادات الطعامية، لأن مواقع الإنترنت زاخرة بشواهد من مدونات وصور ومقاطع فيديو تصور طهي الجراد والجنادب والصراصير والزيز وديدان النخيل ودودة القز واليرقات، وحتى العقارب وطرق تناولها، ومنها ما يتم تقديمها كمقبلات.
حتى لو تم استهلاك الحشرات بانتظام في مختلف أنحاء العالم، فهي ممارسة لا تزال تكافح من أجل إيجاد مكان لها على مستوى عادات الغذاء في أوروبا، ولكنها تتطور. بدأ الوعي بالحاجة إلى إيجاد مصادر أخرى للبروتين يؤتي ثماره فيما تتغير العقليات ببطء: يسعد الناس بمحاولة تناول الحشرات كمقبلات للشهية أو حلوى الحشرات أو حتى المنتجات الرياضية بدقيق الحشرات.
وبما أن المتاحف هي الأماكن المُعدَّة لحفظ التراث العالمي، المادي وغير المادي، وإشهاره وثيقة عن تاريخ جنسنا البشري، فإن متاحف الطعام متنوعة في العالم، معظمها مهتم ببعض الأصناف التي اكتسبت عراقة وشهرة تاريخية، وبَصَمَتْ هويات بعض الشعوب لناحية وجهها الثقافي، كمتحف «الجُبن» في هولندا، ومتحف «الشوكولا» في فرنسا، ومتحف «كاب نودل» في اليابان المختص بالمعكرونة، ومتحف مختص بتاريخ البطاطا، المقلية منها، في بلجيكا، ومتحف سمك الرنجة في آيسلندا، ومتحف اللحوم المصنعة في أوستن مينيسوتا، الذي يضطلع بالدور الذي قدَّمته اللحوم المصنعة في الحرب العالمية الثانية، وهناك متاحف للخبز أيضاً. لكن في السنوات الأخيرة ظهر نوع من المتاحف يُعنى بالطعام السيئ أو المقزز، ولقد كنت أسكن منذ مدة في البناء نفسه الذي يقع فيه المتحف في برلين، وفكرة متحف الطعام المقزز بدأت في السويد، على يد طبيب مختص في علم النفس، كان قد أسَّس قبله متحفاً أطلق عليه اسم «متحف الفشل»، يحفظ ويعرض أفكاراً لمشروعات أو تجارب باءت بالفشل، وذلك تأكيداً لمقولة أن النجاح يقوم على الفشل والتعلّم من تجارب الماضي. هل يمكن ترويض ظاهرة الاشمئزاز؟
يقول مدير المتحف: هي خبرة علمية واختبار لظاهرة الاشمئزاز، والاشمئزاز أحد الحواس الموجودة لدى الإنسان، ولدى كل الشعوب والثقافات، ومع ذلك فإن الأذواق مختلفة للغاية. بل إنها مختلفة بين مدينة وأخرى في البلد الواحد، لكن الاشمئزاز شعور مشترك بين أفراد النوع البشري، فهل اختلاف الذوق هو ما يغذي الاشمئزاز أو القرف؟
موضوع إشكالي، لكن التحديات أمام البشرية صعبة وتزداد صعوبة مع التقدم والتهديد بشح الموارد الغذائية، وازدياد عدد سكان الكوكب بشكل كبير، فلا بد من الانتباه إلى أن الطريقة التي ننتج بها الطعام ونوزعه ونستهلكه تلعب دوراً مركزياً في مستقبل كوكبنا. لذلك يسعى العلماء والمختصون في البحث عن مصادر الغذاء المستدامة الضرورية لحماية البيئة وتعزيز الأمن الغذائي وتحسين الصحة العامة والقدرة على الصمود الاقتصادي وتعزيز العدالة الاجتماعية.
ماذا عنا، نحن سكان هذه المنطقة المتميزة بعادات وسلوكيات غذائية خاضعة لضوابط متنوعة، وذائقة مرتبطة بهذه الضوابط التي يؤطرها التشريع الديني؟ نحن مهددون بالفقر والمجاعة أيضاً، وهو ما يحصل بالفعل حالياً في أكثر من دولة من هذه الدول، ولن نكون بمعزل عن أزمات العالم، بل نحن في صلبها. فهل سيفرض علينا هذا الواقع الجديد تغييراً في عاداتنا الغذائية؟ لو فكرنا في القواقع أو الضفادع أو المحار أو سرطانات المياه أو غيرها من الأطباق التي نأكلها بالفعل في منطقتنا، ربما سيدفعنا هذا إلى التفكير بظاهرة الاشمئزاز وترويضها مستقبلاً كي نكون قادرين على العيش؛ فنحن، كما البشرية كلها، نقف على مفترق طرق لمستقبل غامض، ولا بد من بداية مؤسسة وهي ضبط استهلاكنا الزائد والهدر في طعامنا، فهذه ظاهرة اتسمت بها مجتمعاتنا للأسف، كي نستطيع ترويض ذائقتنا خلال مدة زمنية كافية.
*طبيبة وروائية سورية مقيمة في برلين
* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل
اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل

حضرموت نت

timeمنذ 2 أيام

  • حضرموت نت

اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل

ينعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل غدا (21 مايو) الاجتماع السنوي السابع لكبار المسؤولين الإنسانيين بشأن اليمن برئاسة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي لا يزال اليمن يقف على حافة الهاوية. وتهدد التقليصات المفاجئة للمساعدات شريان الحياة الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين، وسط تحذيرات دولية من ظهور جيوب مجاعة وتفشي الفقر والمرض. ولا يزال الصراع والانهيار الاقتصادي والصدمات المناخية تتسبّب باستمرار الاحتياجات، وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر لتداعيات الأزمة. وقالت مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالإنابة في اليمن روزاريا برونو في بيان صحفي: 'لا يمكننا أن نستسلم ولن نفعل ذلك.. يجب أن نتكاتف ونعمل معاً- الشركاء اليمنيين في الخطوط الأمامية للاستجابة الإنسانية، والمنظمات غير الحكومية الدولية، ووكالات الأمم المتحدة، والمانحين- لإنقاذ الأرواح'. وأجبرت التقليصات الحادة في التمويل وكالات الإغاثة في اليمن على تقليص مساعدات حيوية. ويدعو مجتمع العمل الإنساني لتوفير 1.4 مليار دولار لدعم 8.8 مليون شخص خلال ما تبقى من العام الجاري. وحتى 13 مايو الجاري، لم تموّل خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن ٢٠٢٥ سوى ٩%، حيث تم استلام ٢٢٢ مليون دولار من إجمالي الاحتياجات البالغة ٢.٥ مليار دولار. وهذا أقل مستوى تغطية تمويلية منذ أكثر من عقد. وتعني تقليصات التمويل أن ملايين اليمنيين لم يعودوا يتلقون المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة. وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في تقرير أنه بدون زيادة التمويل بشكل عاجل، فإن 771 مرفقاً صحياً سيتوقف عن العمل ما سيترك نحو 7 ملايين شخص بدون رعاية صحية أساسية. ومن الممكن أن تضطر خدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي الإنساني إلى تعليق عملياتها بحلول أغسطس، ما سيؤثّر على تنقلات العاملين في المجال الإنساني ضمن نطاق اليمن وإليها. وحذّر المكتب الأممي: 'بدون زيادة التمويل بشكل عاجل فإن 6 ملايين يمني سيعانون من الجوع الشديد، ومن الممكن أن تظهر جيوب سكانية تعاني من المجاعة في الأشهر القادمة'. وقد يترك 1.4 مليون طفل مدارسهم، ما يزيد من تعرّض الأطفال لمخاطر تهديدات الحماية ويعرّض مستقبلهم للخطر. وسيحرم نقص التمويل 870 ألف شخص ضعيف من الحصول على المساعدات النقدية، ما سيجبر الأسر على تقليل وجبات الطعام واللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية الأخرى. وأكدت الأمم المتحدة أنه رغم الصعوبات، يبذل العاملون في المجال الإنساني- خاصةً المنظمات غير الحكومية اليمنية- كل ما في وسعهم بما لديهم من تمويل. وأشارت إلى أنه 'بالدعم المقدم من المانحين، نحن نكافح الجوع وسوء التغذية، والأمراض والنزوح، ونقدم الحماية، والتعليم، والمأوى، والمواد غير الغذائية، والمياه النظيفة'. وشدّدت على الحاجة إلى الدعم العاجل لمواصلة العمل، بما في ذلك التمويل المرن والمنتظم، وأهم من ذلك كله، 'يحتاج اليمنيون إلى فرصة للتعافي، ويحتاجون إلى السلام'.

"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية
"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

ورد في تقارير نشرت أخيراً إصابة مراهق أميركي بحالة طبية غير مألوفة تسمى "رئة الفشار" popcorn lung، وذلك بعد استخدامه السجائر الإلكترونية أو "الفايب" vape بصورة سرية طوال ثلاث سنوات. "التهاب القصيبات المسدودة" bronchiolitis obliterans كما يعرف علمياً، هو داء نادر، ولكنه خطر ولا شفاء منه، يلحق الضرر بالممرات الهوائية البالغة الصغر في الرئتين، متسبباً بالسعال المستمر، والصفير عند التنفس، وشعور مستمر بالإرهاق وضيق في التنفس. ظهر مصطلح "رئة الفشار" في أوائل القرن الـ21، بعدما أصيب عدد من عمال مصنع لفشار الميكروويف بمشكلات رئوية خطرة نتيجة استنشاقهم المادة الكيماوية "ثنائي الأسيتيل" diacetyl، علماً أنها المكون نفسه المستخدم لإعطاء هذا النوع من الفشار نكهته الغنية بطعم الزبدة. "ثنائي الأسيتيل"، أو "2،3-بيوتانيديون" 2,3-butanedione هو عامل نكهة يتحول إلى مادة سامة عند استنشاقه، ويسبب في هذه الحالة التهاباً وتندباً في القصيبات الهوائية (أصغر التفرعات داخل الرئتين) [فتفقد هذه الممرات مرونتها وتصبح أقل قدرة على التمدد والانكماش]، مما يعوق مرور الهواء عبرها تدريجاً. والنتيجة: تلف رئوي دائم لا شفاء منه، وغالباً ما يؤدي إلى عجز تنفسي مزمن. استخدام مادة "ثنائي الأسيتيل" في السجائر الإلكترونية ممنوع قانونياً في دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولكن ليس في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى التي لا تفرض حظراً مماثلاً. أضف إلى ذلك أن السجائر الإلكترونية غير القانونية التي لا تلتزم بالمعايير التنظيمية منتشرة على نطاق واسع. علاوة على "ثنائي الأسيتيل"، تسهم مواد كيماوية سامة أخرى في الإصابة بداء "رئة الفشار" أيضاً، من بينها مجموعة المركبات الكيماوية المتطايرة المعروفة بـ"الكربونيلات" carbonyls، مثل "الفورمالديهايد" formaldehyde و"الأسيتالديهيد" acetaldehyde، وقد رصدت التحاليل المخبرية وجود هاتين المادتين في أبخرة السجائر الإلكترونية أيضاً. أما الجانب الأكثر إثارة للقل هو أنه لا يتوفر علاج لـ"رئة الفشار". فمبجرد حدوث التلف الرئوي وتدهور قدرتهما على أداء وظيفتهما، تقتصر التدخلات الطبية على تخفيف وطأة الأعراض وتأثيرها في الحياة اليومية للمريض. ويشمل ذلك موسعات الشعب الهوائية في الرئتين، والستيرويدات، وفي الحالات المتقدمة من المرض تصبح زراعة الرئة ضرورية. لهذا السبب، الوقاية، وليس العلاج، تبقى الوسيلة الأفضل للحماية. ولكن مع ذلك فإن الوقاية ليست بالأمر السهل بالنسبة إلى الشباب الذين يدخنون السجائر الإلكترونية. فخ السجائر الإلكترونية معلوم أن التدخين الإلكتروني يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط المراهقين والشباب، ربما لأن السوق تغص بآلاف الأنواع من منتجات الفايب" ذات النكهات الجذابة، من مذاق علكة الفقاعات (bubblegum) إلى حلوى القطن (غزل البنات) مروراً بالآيس كريم بطعم المانغو، ولكن هذه الطعمات التي تحاكي مذاق الفاكهة والسكاكر تخفي مواد كيماوية مضرة. فالسائل الإلكتروني قد يحوي النيكوتين، لكنه يضم أيضاً مزيجاً كيماوياً مصمماً لجذب المستخدمين. واللافت أن عديداً من المواد المنكهة المستخدمة في هذه السوائل معتمدة للاستخدام الغذائي، لكن ذلك لا يعني أنها آمنة عند استنشاقها. وتكمن الخطورة في الفارق التالي تحديداً: عند تناول المواد الكيماوية، تمر أولاً بنظام دفاعي طبيعي يبدأ بالجهاز الهضمي فيما يعمل الكبد على فلترة جزء كبير منها قبل أن تدخل مجرى الدم. هكذا، تقلل هذه الرحلة من الضرر المحتمل الذي تنطوي عليه هذه المواد. أما عند استنشاقها، فإنها تتجاوز تماماً نظام الفلترة الدفاعي هذا، وتذهب مباشرة إلى الرئتين، ومنهما مباشرة إلى مجرى الدم، لتصل خلال ثوانٍ إلى أعضاء حيوية مثل القلب والدماغ. ولهذا السبب كانت الإصابات التي تحدثنا عنها سابقاً في مصنع فشار الميكروويف مأسوية جداً. هل تناول الفشار بنكهة الزبدة آمن؟ طبعاً. ولكن استنشاق المادة الكيماوية التي تمنحه طعم الزبدة يتسبب بضرر مدمر على صحتك. التعقيد الكيماوي في السجائر الإلكترونية تتسم التركيبة الكيماوية في السجائر الإلكترونية بدرجة كبيرة من الغموض والضبابية [في ظل غياب معايير واضحة]. صحيح أن مادة "ثنائي الأسيتيل" البالغة الضرر غير موجودة في بعض السجائر الإلكترونية، غير أن بدائلها مثل "الأسيتوين" و"2،3-بنتانيديون"، تكون ضارة بالقدر نفسه. وفق تقديرات الخبراء، يستخدم اليوم أكثر من 180 مادة منكهة متنوعة في منتجات السجائر الإلكترونية اليوم. عند تعرضها للحرارة، يتحلل كثير منها إلى مركبات كيماوية جديدة، بعضها لم تختبر سلامته للاستنشاق على الإطلاق، وهو ما يبعث على قلق كبير. تدخين السجائر الإلكترونية شائع جداً بين المراهقين والشباب (أ ب) على رغم أن الأخطار الدقيقة لاستنشاق هذه المواد لا تزال غير معروفة بالكامل، فإن هناك حالات موثقة طبياً لمرض "رئة الفشار" ارتبطت باستخدام السجائر الإلكترونية. ولما كانت رئات المدخنين تتعرض لكثير من المواد الكيماوية، من الصعب إثبات أن "ثنائي الأسيتيل" وحده هو السبب المباشر في أي حال محددة، ولكن مع ذلك لا ينفي هذا الواقع الأخطار المثبتة الناجمة عن استنشاق هذه المادة. حتى وإن لم يكن "ثنائي الأسيتيل" السبب الوحيد وراء "رئة الفشار"، فإن التعرض التراكمي لمواد كيماوية متعددة ومواد إضافية ناتجة من الاحتراق والتحلل يفاقم خطر الإصابة بهذا الداء وغيره من أمراض الجهاز التنفسي. تنعكس هذه المأساة في قصة مراهقة أميركية أصيبت بالمرض. تذكرنا حالتها بـ"أزمة إيفالي" (Evali crisis) عام 2019 (إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية أو منتجات الفايبينغ)، والتي أسفرت عن 68 وفاة وأكثر من 2800 حالة دخول إلى المستشفى في الولايات المتحدة. وقد ربطت الفحوص الطبية هذا التفشي في النهاية بـ"أسيتات فيتامين هـ"، علماً أنه مادة تستخدم لزيادة لزوجة السائل في بعض منتجات "الفايبينغ" التي تحوي القنب. وعند تعرضه للحرارة، ينتج غازاً شديد السمية يسمى "الكيتين" ketene. وتدق الدراسات الحديثة ناقوس الخطر في شأن تأثير "الفايبينغ" على صحة الجهاز التنفسي لدى الشباب. وجدت دراسة شملت دولاً عدة أن المراهقين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يواجهون أعراضاً تنفسية متزايدة، حتى بعد استبعاد تأثير تدخين السجائر العادية. وتبين أن بعض النكهات، وأملاح النيكوتين، والاستخدام المتكرر، تسهم في ظهور هذه الأعراض. ما الذي يعنيه كل ذلك؟ الرسالة واضحة وهو أن التاريخ يعيد نفسه. فكما أدت معاناة عمال مصانع الفشار إلى إعادة النظر في معايير السلامة المهنية، فإننا اليوم في حاجة ملحة إلى تشريعات وتنظيمات مماثلة لحماية مستخدمي السجائر الإلكترونية – وبخاصة الجيل القادم. دروس الماضي لحماية المستقبل ربما يبدو الفشار والتدخين الإلكتروني عالمين مختلفين تماماً، ولكنهما يرتبطان بخيط مشترك: التعرض لمواد كيماوية يستنشقها المستخدمون على رغم أنها تلحق الأذى بالرئتين لأنها مصنوعة أصلاً بما يتماشى مع الجهاز الهضمي وليس التنفسي. عليه، الخطر لا يكمن في المواد الكيماوية نفسها عند تناولها، بل في التغيرات التي تطرأ عليها عند التسخين، ثم استنشاقها ودخولها إلى الرئتين. هكذا، إذا طبقنا دروس السلامة الصناعية على عادات التدخين الإلكتروني اليوم، خصوصاً بين الشباب، يمكننا أن نتفادى تكرار الأخطاء نفسها. صياغة قوانين تنظيمية، ووضع ملصقات واضحة، وخضوع المكونات لتحاليل مخبرية أكثر دقة، إضافة إلى الحملات التوعوية... تساعد كلها في تقليص الأخطار. إلى أن يتحقق ذلك، تبقى حال المراهقة الأميركية المذكورة آنفاً وغيرها من إصابات بمثابة تذكير لنا بأن السجائر الإلكترونية، على رغم نكهاتها المطعمة بمذاق الفاكهة وتصميمها العصري الأنيق، ليست خالية من العواقب. وأحياناً، الأشياء التي تبدو غير ضارة قد تترك في الجسد ضرراً يدوم مدى الحياة. تم تحديث هذه المقالة لتشمل تفاصيل حول أماكن توافر السجائر الإلكترونية التي تحوي "ثنائي الأسيتيل"، وكيفية ارتباطهما بالأخطار الصحية. دونال أوشيا بروفيسور في الكيمياء في "جامعة الطب والعلوم الصحية" التابعة لـ"الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا" RCSI وجيري ماكلفاني بروفيسور في الطب في الجامعة نفسها. نشرت هذه المقالة للمرة الأولى على الموقع الإلكتروني "ذا كونفرزيشن" وأعيد نشرها هنا بموجب المشاع الإبداعي.

أطعمة طبيعية تقدم فوائد مماثلة لحقن أوزمبيك في إنقاص الوزن... ولكن؟
أطعمة طبيعية تقدم فوائد مماثلة لحقن أوزمبيك في إنقاص الوزن... ولكن؟

مجلة سيدتي

timeمنذ 4 أيام

  • مجلة سيدتي

أطعمة طبيعية تقدم فوائد مماثلة لحقن أوزمبيك في إنقاص الوزن... ولكن؟

باتت حقن التخسيس اتجاهاً شائعاً في عالم الصحة، لكن بسبب مخاطرها الصحية، خصوصاً إذا لم تكن هناك حاجة طبية لتلقيها مثل مقاومة الإنسولين ومرض السكري، فإن هناك الكثير من التحذيرات حول استخدامها. تلعب هذه الحقن دوراً في دفع الجسم نحو حرق الدهون الزائدة، ومن حسن الحظ هناك أطعمة طبيعية وصحية لها تأثير مماثل في ما يخص تعزيز عملية حرق الدهون. قبل أن نتناول الحديث حول الأطعمة التي تعزز عملية إنقاص الوزن، عليكِ أن تعرفي أنه لا يوجد حل سحري للتخلص من الوزن الزائد، بينما يجب أن تتكاتف مجموعة من العوامل معاً، والتي تشمل تغيير نوعية وكميات الطعام والمداومة على الحركة، حتى تحصلي في النهاية على نتيجة مُرضية. إعداد: إيمان محمد أطعمة للتخسيس تنافس حقن الأوزمبيك نستعرض أبرز الأطعمة التي أوصت بها مصادر طبية موثوقة لدعم فقدان الوزن بطريقة صحية وفعالة: البروتينات الخالية من الدهون تناول البروتينات الخالية من الدهون يُسهم في تقليل الشهية وزيادة الشعور بالامتلاء، مما يساعد في تقليل السعرات الحرارية المستهلكة، تشمل هذه البروتينات، الآتي: البيض: غني بالبروتينات والدهون الصحية، ويعزز الشعور بالشبع لفترات أطول. الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل: تحتوي على أحماض أوميغا-3 التي تساعد في تقليل دهون البطن. الدواجن الخالية من الجلد واللحوم الحمراء الخالية من الدهون: مصادر ممتازة للبروتين مع محتوى دهون منخفض. وفقاً لموقع Healthline، فإن البروتين يحفز إفراز هرمونات الشبع مثل 'بيبتيد YY'، مما يقلل من الشهية ويعزز الشعور بالامتلاء. الخضروات الورقية والصليبية الخضروات مثل السبانخ، الكرنب، البروكلي، والقرنبيط تحتوي على كميات كبيرة من الألياف والماء، تساعد على الشعور بالامتلاء والشبع دون إضافة سعرات حرارية عالية، كما أن هذه الخضروات غنية بالفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الجسم، الخضروات الصليبية تعد خياراً ممتازاً للراغبين في فقدان الوزن نظراً لمحتواها العالي من الألياف وقلة سعراتها الحرارية. الحبوب الكاملة والبقوليات الحبوب الكاملة مثل الشوفان، الكينوا، والأرز البني، بالإضافة إلى البقوليات كالفاصوليا والعدس، تعد مصدراً صحياً للكربوهيدرات المعقدة والبروتينات، مما يساعد في الحفاظ على مستويات طاقة مستقرة والشعور بالشبع لفترات أطول، تُوصي Mayo Clinic بتناول هذه الأطعمة نظراً لمحتواها العالي من الألياف، مما يُبطئ عملية الهضم ويُعزز الشعور بالامتلاء. الدهون الصحية زيت الزيتون البكر. الأفوكادو. المكسرات والبذور. جميعها خيارات تساعد في تحسين صحة القلب، تقليل الالتهابات ، ودعم عملية الأيض التي جزء منها منها حرق الدهون للحصول على الطاقة، لكن يوصي الخبراء بتناول هذه الدهون باعتدال لأنها تساهم في فقدان الوزن من خلال تعزيز الشعور بالشبع، وتقليل الرغبة في تناول الوجبات السريعة، لكن الإفراط قد يأتي بنتائج عكسية. اقرئي أيضاً أعشاب طبيعية تُساعد على حرق الدهون بفعالية برأي اختصاصية المشروبات الداعمة لحرق الدهون المشروبات مثل الشاي الأخضر والقهوة تحتوي على مركّبات تُحفز عملية الأيض وتساعد في حرق الدهون، وفي ما يلي أفضل مشروبات حرق الدهون: الشاي الأخضر: يحتوي على مضادات أكسدة تعرف بـEGCG، والتي تُعزز من حرق الدهون. القهوة: تحتوي على الكافيين الذي يحفز الجهاز العصبي، ويزيد من معدل الأيض. الشاي الأبيض: غني بمضادات الأكسدة، خاصة البوليفينولات، ويساعد على تكسير الخلايا الدهنية ومنع تكون خلايا دهنية جديدة. شاي الماتشا: هو نوع من الشاي الأخضر المُركز، ويحتوي على تركيز عالٍ من EGCG والكافيين، ما يجعله فعالاً في تسريع الأيض وزيادة حرق الدهون. ماء الليمون الفاتر: يساعد في تعزيز الهضم، وتنشيط الكبد، وتحسين قدرة الجسم على التخلص من السموم، مما يدعم فقدان الوزن بشكل غير مباشر. خل التفاح المخفف: عند شربه بكمية معتدلة ومخفف بالماء، يساعد على تحسين حساسية الإنسولين وتقليل الشهية، وقد يُساهم في تقليل الدهون المتراكمة. الزنجبيل المغلي: يعمل الزنجبيل كمحفز حراري طبيعي يزيد من درجة حرارة الجسم، ما يُسرّع عملية الأيض ويُساهم في حرق الدهون. الأطعمة الغنية بالألياف الأطعمة مثل الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، والبقوليات تحتوي على كميات كبيرة من الألياف التي تُساعد في: زيادة الشعور بالشبع. تنظيم حركة الأمعاء. تقليل امتصاص الدهون والسكر. تقليل السعرات الحرارية المستهلكة. تعزيز فقدان الوزن. الأطعمة الغنية بالماء الأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من الماء والألياف، مثل: الخضروات والفواكه الطازجة. الحساء المُجهز من المرق. تعمل هذه الأطعمة على تعزيز الشعور بالامتلاء والشبع دون إضافة سعرات حرارية كثيرة للجسم، لذلك يوصي خبراء التغذية بتضمين هذه الأطعمة في النظام الغذائي لدعم فقدان الوزن. صحيح أن الاعتماد على الأطعمة السابق ذكرها يساهم في خطة إنقاص الوزن، لكن لن تتحقق النتيجة إلا حال التوقف عن الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، مثل السكر والمشروبات المحلاة والدهون المشبعة وغيرها، لأن تناولها، خصوصاً بكميات كبيرة، يسبب زيادة الوزن وتراكم الدهون، خاصة في منطقة البطن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store