logo
إسرائيل تتمسك بتغيير ديموغرافي في النقب

إسرائيل تتمسك بتغيير ديموغرافي في النقب

Independent عربيةمنذ 5 أيام
على رغم إسقاط "مخطط برافر" شعبياً عام 2013 بفعل المقاومة الشعبية لسكان النقب جنوب إسرائيل، الذين رفضوا تهجير سكان عشرات القرى وتجميعهم في "بلديات تركيز"، بناء على توصيات لجنة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق إيوهد برافر، يعود "مخطط شيكلي" بصيغة أكثر خطراً، الذي يمنح الشرطة والسلطات الإسرائيلية أدوات أوسع لتنفيذ التهجير ومصادرة الأراضي بصورة أسرع.
المكلف بـ"سلطة توطين البدو"، الذي يشغل منصب وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أخذ على عاتقه تفكيك "القنبلة الديموغرافية" في النقب، بحسب وصفه، من خلال تهجير عرب من بلداتهم لإقامة بلدات استيطانية، بدعوى أن إسرائيل في غضون 25 سنة ستخسر النقب وسيصل عددهم إلى ما بين نصف مليون إلى 700 ألف عربي فلسطيني، إذ تبلغ الكثافة السكانية في المناطق العربية 371.5 نسمة لكل كيلومتر مربع، بينما في المناطق الإسرائيلية تبلغ 21.4 نسمة لكل كيلو متر مربع.
تهجير قسري
عام 1948، تم تهجير معظم البدو الفلسطينيين سكان النقب الأصليين، ولم يتبق من نحو ما يزيد على 92 ألفاً سوى 11 ألف بدوي فقط، وعلى رغم الظروف القاسية التي فرضت عليهم ضاعفوا أنفسهم منذ النكبة حتى الآن 22 مرة، وأصبح عددهم 370 ألف نسمة، جرى حصر 60 في المئة منهم في سبع بلدات و11 قرية معترف بها، فيما ظل 40 في المئة منهم في 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها.
وإلى جانب حرمانهم من حقوقهم الأساسية كالمياه والكهرباء والنقل والصحة والتعليم، يفتقر سكان تلك القرى للبنى التحتية والخدمات الأساسية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين سكانها، ويواجهون تهديداً مستمراً بالإخلاء أو التهجير القسري وعمليات الهدم، ووفقاً للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، بلغ عدد المنازل التي هدمت في البلدات العربية بين عامي 2015 و2020 نحو 10 آلاف مبنى.
فيما هدمت السلطات الإسرائيلية عام 2023، أكثر من 3283 منزلاً بزيادة نحو 27 في المئة مقارنة بعام 2022 الذي شهد هدم 2850 منزلاً، أي بفارق 433 منزلاً، وفي عام 2024، شهدت المنطقة هدماً متسارعاً لنحو 4911 منزلاً، مما يدلل بحسب مراقبين على أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في سياسة الهدم من دون أية نية للتسوية.
مرحلة أولى
بإشراف شيكلي سينفذ المخطط على مرحلتين، ترتكز الأولى على مصادرة نحو 800 مليون متر مربع من أراضي قرى النقب المعترف بها التي يقطنها أكثر من 300 ألف عربي، وتجميع أكثر من 150 ألفاً من سكان القرى غير المعترف بعد تهجيرهم من قراهم ونقلهم بصورة سريعة إلى "قرى قانونية" بعد هدم منازلهم وإخلاء أراضيهم، وتسكينهم موقتاً إلى حين بناء مساكن دائمة.
وتبدأ هذه المرحلة التجريبية في 11 قرية يقطنها أكثر من 8 آلاف نسمة، كما أعد شيكلي ضمن الخطة مساراً خاصاً لمنع تعدد الزوجات في النقب والحد من تكاثر العرب، إلى جانب خطة لتعزيز وحدة "يوآف" الشرطية التابعة لما يسمى "سلطة تطوير النقب" المسؤولة عن تنفيذ عمليات هدم المنازل في البلدات العربية بالنقب، بموازنة قدرها 18 مليون شيكل (5 ملايين دولار)، كما ضمت الخطة التي عرضها شيكلي إجراء أعمال تطوير في مناطق التجميع وتحويل مدينة رهط في النقب لمركز تطوير ذاتي خارجاً عن "سلطة تطوير النقب".
ووفقاً لسياسة شيكلي غير المسبوقة، يمنح أصحاب دعاوى الملكية للأراضي المصادرة مزيجاً من الحوافز والعقوبات، ويمهلون فترة قصيرة لإبرام "تسويات" مع السلطات الإسرائيلية، يحصلون بموجبها على جزء من الأرض وتعويض مالي، شرط إخلائهم لأراضيهم وتخصيصها للاستيطان اليهودي أو تجميع وإسكان بدو آخرين جرى تهجيرهم من قراهم، وفي حال رفضهم فستقلص التعويضات تدريجاً وصولاً إلى شطب الدعوة وإخراج مسطحات الأرض التي يقطن فوقها من مخطط البلدة، مما يفقدها أية قيمة قانونية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سيلمان بينت أن المخططات لا تفي مع متطلبات التطوير في البنية التحتية، خصوصاً في ما يتعلق بتصريف مياه الصرف الصحي في الأحياء التي سيجري تطويرها.
تسجيل الأراضي
لعقود طويلة، امتلك البدو أراضي في النقب بموجب نظام "تقليدي" بالوراثة، من دون أي مستند خطي، إلى أن سنت الدولة العثمانية في عام 1858 قانوناً يقضي بتسجيل الأراضي رسمياً بأسماء أصحابها، إلا أن البدو لم يسجلوا أياً من تلك الأراضي، بذريعة الخوف من دفع الضرائب أو الخدمة في الجيش.
وعلى رغم أن حكومة الانتداب البريطاني في عام 1921 كررت دعوتها لسكان النقب بضرورة التسجيل بقيت أراضيهم غير مسجلة، وهو ما سهل على إسرائيل بموجب قانون امتلاك الأراضي لعام 1953 مصادرة معظم أراضي النقب، إذ ينص على أن أية أراض لم تكن بملكية أصحابها في أبريل (نيسان) 1952 يمكن تسجيلها تحت بند "أملاك الدولة"، وبعد عقد تقريباً وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاً لتطوير النقب، ضمت من خلاله معظم أراضي البدو واعتبرت كل ما عليها من منازل ومنشآت غير قانونية.
وخلال ستينيات القرن الماضي، قررت الحكومة توطين البدو، وكانت "تل السبع" أول مدينة تأسست لهم، ثم تلتها مدينة "رهط"، وبعد سنوات تم بناء "كسيف" و"عرعرة" و"شقيب السلام" و"حورة" و"لقية".
وقال عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب جمعة الزبارقة إن "خطة شيكلي خطرة جداً وتهدد عشرات الآلاف من سكان النقب، وترمي لتجميع أكبر عدد ممكن من الأهالي في أصغر مساحة ممكنة، وإقامة بلدات استيطانية مكانهم"، ويشغل البدو اليوم 3.5 في المئة فقط من مساحة النقب الكلية التي تقدر مساحتها بأكثر من 12.5 ألف كيلومتر مربع.
تسهيلات متزايدة
وفي ما يخوض أكثر من 300 ألف بدوي معركة يومية للبقاء في قراهم مسلوبة الاعتراف، تقوم الحكومة الإسرائيلية بتشجيع الشباب والنخب الأمنية والعسكرية للاستيطان في النقب، وتمنحهم أراضي مجانية وتحفيزات وامتيازات وتسهيلات مالية وضريبية، وبعد أن رصدت الحكومة الإسرائيلية موازنة قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط "طريق النبيذ"، الذي يقضي بإقامة 100 مزرعة جديدة لليهود وتخصيص مساحة مقدارها 80 ألف متر مربع مجاناً لكل عائلة يهودية توافق على الاستيطان في النقب، تشرع الحكومة الإسرائيلية في إقامة 13 مستوطنة وبلدة زراعية ومدينتين بصحراء النقب، وستقام للمرة الأولى، وبدعم من "دائرة أراضي إسرائيل" مدينة لليهود الحريديم (المتدينين) بالنقب باسم "كسيف".
غابات "كاكال"
احتجاجات السكان البدو التي تصاعدت وتطورت إلى اشتباكات عنيفة، لم تتوقف بين "مخططي برافر وشيكلي"، إذ نفذ الصندوق القومي اليهودي (كاكال)، الذي يعرف أيضاً باسم "كيرين كاييمت ليسرائيل" شبه الحكومي، ويشرف على 13 في المئة من أراضي إسرائيل، أعمال غرس أشجار في النقب ضمن خطة واسعة النطاق تبلغ كلفتها 150 مليون شيكل (48 مليون دولار) من سلطة الأراضي الإسرائيلية التي ترتكز على تشجير مساحات كبيرة من الأراضي المملوكة ملكية عامة، بما في ذلك المناطق السكنية.
وبينما يقول "كاكال" إنها تزرع الأشجار في أراضي الدولة، ويرى دعاة حماية البيئة أن تشجير الأراضي العامة الإسرائيلية هو هدف بيئي هام، يقول سكان النقب إنها سياسية لإبعاد البدو من الأرض، كيف لا وقد أقامت إسرائيل في صحراء النقب أهم مشاريعها الاستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل "ديمونا" النووي وقواعد عسكرية وأمنية وقواعد جوية ومراكز التدريب والكليات العسكرية وسجون.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب: إنشاء حزب ثالث في أمريكا «مثير للسخرية»
ترامب: إنشاء حزب ثالث في أمريكا «مثير للسخرية»

قاسيون

timeمنذ ساعة واحدة

  • قاسيون

ترامب: إنشاء حزب ثالث في أمريكا «مثير للسخرية»

وفي تصريحات سابقة يوم الأحد، انتقد ترامب محاولات ماسك لتأسيس حزب سياسي جديد، واصفاً الخطط بأنها "سخيفة"، محذراً من أن ماسك "قد يضطر للعودة إلى جنوب أفريقيا" - مسقط رأسه - في حال توقف الدعم الحكومي لشركاته. وأضاف ترامب: "أعتقد أن إنشاء حزب ثالث أمر مثير للسخرية. لقد حققنا أنا والحزب الجمهوري نجاحاً كبيراً"، مؤكداً أن الولايات المتحدة "اعتمدت دائماً على نظام الحزبين". يأتي هذا بعد أن أعلن ماسك - بناءً على استطلاع رأي أجراه على منصة "إكس" - عن نيته تأسيس حزب جديد باسم "أمريكا"، محذراً من أن "الإنفاق المفرط والفساد يدفعان الولايات المتحدة نحو الإفلاس"، واصفاً النظام السياسي بأنه "نظام الحزب الواحد وليس ديمقراطياً". وتصاعدت المواجهة بين الرجلين علناً عبر وسائل التواصل بعد استقالة ماسك في 5 حزيران، حيث ادعى ماسك أن ترامب "لن ينجح في انتخابات 2024 بدون دعمه"، كما أيد محاولات عزل ترامب، وانتقد مشروع قانون رفع سقف الدين العام الأمريكي بمقدار 5 تريليونات دولار.

اليابان تقدم منحة مساعدات غذائية لليمن يستفيد منها 700 الف شخصا
اليابان تقدم منحة مساعدات غذائية لليمن يستفيد منها 700 الف شخصا

الأمناء

timeمنذ 2 ساعات

  • الأمناء

اليابان تقدم منحة مساعدات غذائية لليمن يستفيد منها 700 الف شخصا

جدد وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، الدكتور منصور بجاش، تأكيد إلتزام الحكومة اليمنية بتسهيل تنفيذ المشاريع الاغاثية وتقديم كافة التسهيلات لضمان وصول المساعدات الى مستحقيها بكفاءة وشفافية. وقال وكيل وزارة الخارجية، خلال حفل توقيع اتفاقية المساعدات الغذائية بين السفارة اليابانية لدى اليمن وبرنامج الغذاء العالمي، اليوم الاثنين، "ان هذا المشروع يمثل خطوة عملية ملموسة نحو تخفيف معاناة مئات الالاف من الاسر اليمنية حيث يستفيد منه نحو 700 الف شخص في وقت تشتد فيه الحاجة الى مثل هذا الدعم الإنساني العاجل"..مشيرا الى ان أهمية المشروع لا تقتصر على كونه استجابة إنسانية عاجلة، لكن أيضاً في دوره بدعم جهود التعافي المجتمعي وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية والمعيشية. وأضاف وكيل وزارة الخارجية "كما يعد هذا النوع من المبادرات ركيزة أساسية في دعم الاستقرار الاجتماعي بمايسهم في خلق بيئة اكثر تماسكا وأمنا على الصعيدين الوطني والإقليمي". من جانبه، نوه سفير اليابان لدى اليمن يوئتشي ناكاشيما، الى ان الشعب اليمني يعاني من أوضاع إنسانية صعبة بسبب الحرب..موضحاً ان اكثر من 19 مليون يمني يحتاج الى المساعدة الإنسانية ومنهم 17 مليون يعانون من انعدام الامن الغذائي الحاد واكثر من 5 مليون في مرحلة الطوارئ كما يهدد سوء التغذية 3 ونصف مليون طفل دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات. وقال يوئتشي ناكاشيما "في ضوء هذه الازمة الإنسانية الحرجة وتماشياً مع خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لليمن 2025 قررت اليابان تقديم الدعم العاجل بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي والذي تبلغ منحته 300 مليون ين ياباني بما يعادل مليونين دولار امريكي لتعزيز برنامج المساعدات الغذائية العامة التابع لبرنامج الأغذية العالمي". ولفت السفير الياباني، الى ان المنحة ستسهل شراء المنتجات الغذائية المخصصة لدعم الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان بشكل مباشر ويستفيد منه قرابة 700 الف شخص من الفئات الضعيفة في اليمن. فيما اكد مدير قسم البلدان الشريكة العالمية في برنامج الأغذية العالمي، الدكتور عبدالله الوردات، ان الوضع الإنساني في اليمن صعب جداً، حيث يمر بمرحلة صعبة ويواجه تحديات كبيرة تتطلب تظافر الجهود وتقديم الدعم الكبير لليمن لتجاوز ذلك. وقال الوردات "ان التدخلات الحالية والمساعدات الاغاثية تحاول التخفيف من المعاناة وان المشوار طويل"..مؤكداً الاصرار للوصول باليمن نحو بر الأمان والخروج به من هذا الواقع المؤلم.

تخصيص الجزائر مليار دولار للتنمية في أفريقيا بين الاحتياج والمساعدة
تخصيص الجزائر مليار دولار للتنمية في أفريقيا بين الاحتياج والمساعدة

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

تخصيص الجزائر مليار دولار للتنمية في أفريقيا بين الاحتياج والمساعدة

أثار قرار الجزائر تخصيص مليار دولار لتمويل برامج التنمية في أفريقيا، نقاشاً سياسياً حول أهمية الخطوة في ظل التعامل السلبي لحكومتي مالي والنيجر، وبرودة في العلاقات مع أخرى، واستياء شعبياً جراء تدهور القدرة الشرائية وحاجة المواطنين إلى تحسين معيشتهم وترقية مناطقهم بدل اللجوء إلى دعم الآخرين. قرار مساعدة وأوضح رئيس الحكومة الجزائرية نذير العرباوي، خلال أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية، الذي عقد في إشبيلية الإسبانية، أن بلاده تعمل من خلال الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي على المساهمة في دعم البنية التحتية والصحة والتعليم والطاقة في العديد من الدول الأفريقية التي خصصت لها مليار دولار، مضيفاً أن الجزائر تعتبر التنمية المستدامة والتضامن الدولي ركيزتان أساسيتان لسياستها الخارجية، وهو ما تجسد خلال مساهمتها المستمرة في دعم جهود التنمية في القارة الأفريقية، فضلا عن انخراطها التام في تجسيد التكامل القاري عبر العديد من المشاريع ذات الطبيعة الاندماجية. وأبرز العرباوي، الذي كان يلقي كلمة باسم الرئيس عبدالمجيد تبون، أن الجزائر نجحت في الخروج بشكل كامل من عبء المديونية الخارجية، مما يمكنها من المساهمة في مساعدة الدول التي لا تزال تحت وطأة الديون، بفعل تبنيها سياسة مالية قائمة على تسخير مواردها الخاصة، مشيراً إلى أن بلاده تتطلع إلى إطلاق مبادرات عاجلة لمعالجة الديون الأفريقية المتفاقمة، وإعادة النظر في عمل المنظومة المالية الدولية، وإيجاد إطار عمل أممي لسد ثغرات الديون واقتراح خيارات عملية، خاصة بسبب الإجحاف الذي لحق بالقارة الأفريقية التي لا تزال مثقلة بتحديات صعبة. وعلى رغم أن القرار يأتي في سياق نشاط وكالة التعاون الدولي التي أنشأها الرئيس تبون في فبراير (شباط) 2020، التي تهتم بإنجاز مشاريع تنموية وخدمية بتمويل جزائري في الدول الأفريقية، وخاصة دول الساحل، إلا أن الإعلان هذه المرة لم يمر دون نقاشات شعبية كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لها، إذ انتقد متابعين الخطوة واجمعوا على أنها غير ضرورية في ظل تدهور القدرة الشرائية وضعف التنمية في بعض مناطق البلاد. تعاملات أفريقية سابقة تثير قلقاً شعبياً وما زاد من الاستياء تعامل بعض دول الساحل مثل مالي والنيجر بسلبية و"عدم احترام" مع الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث بلغت الأمور إلى حد استدعاء السفراء بسبب التهم التي وجهتها حكومتي البلدين إلى الجزائر، تارة بدعم الإرهاب وأخرى بالتدخل في الشؤون الداخلية، الأمر الذي دفع بالجزائريين إلى اعتبار منح مليار دولار إلى أفريقيا قرار غير مجدي، لا سيما أنه تم مسح ديون عدة دول أفريقية في وقت سابق. وتساءل خالد على صفحته بـ "فيسبوك" "من يهتم بالبنية التحتية في الجزائر؟"، وقال صالح مستهزئا: "سيعترفون بالجميل وتكون بيننا صداقة وحسن الجوار كما اعترفت مالي والنيجر وغيرهم"، وأضافت بهية "ياحبذا لو دعم الشعب في عيد الأضحى شراء الأضاحي، ويا حبذا لو تم توفير السيارات، ويا حبذا لو الاهتمام بأمر الطرقات المهترئة"، وتابعت سامية "آلاف الطلبة يتخرجون كل عام في مئات التخصصات ولا يملكون حق التوظيف وتوفير فرص عمل"، وأبرز مراد "مليار دولار يكفي لبناء 3 مستشفيات بمعايير أوروبية"، وغيرها من التعليقات التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي. وسبق أن أسقطت الجزائر في 2013 ديوناً مستحقة على دول أفريقية بقيمة 902 مليون يورو (نحو مليار و57 مليون دولار)، أي قرابة مليار دولار، وأعلنت في 2018، أنها مسحت ما قيمته 3.5 مليار دولار، من ديون لـ14 دولة أفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة، لأسباب إنسانية. الاتصال المؤسساتي يبدو عليه الضعف لكن الأكاديميين والباحثين في العلاقات الدولية كانت لهم أراء مختلفة، حيث أبرز أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي أن الاتصال المؤسساتي يبدو عليه الضعف بعد أن عجز عن توضيح مقاصد السلطة ومبادراتها، ويمتد ذلك لسنوات طويلة، وقال إن السلطة حاولت تدارك الخلل لكن للأسف لم يصل إلى المستوى المطلوب، مشيراً إلى أن تخصيص مليار دولار لتمويل برامج التنمية في أفريقيا، خطوة تدخل ضمن السياسة الخارجية للجزائر، وهو اختصاص حصري برئيس الجمهورية كما ينص عليه الدستور، وتدخل ضمن الأدوات الدبلوماسية وممارسة الدور الإقليمي والحفاظ على المكانة، ولا يمكن ربطه بالسياسات الداخلية، لكن فئات شعبية واسعة بل حتى النخب، لا تدرك الأمر بسبب ضعف الاتصال المؤسساتي. وواصل كاهي، أن مبلغ مليار دولار لا يقارن بما تنفقه دول وظيفية لزرع الفوضى وتغذية النزاعات، وما يحدث في السودان وليبيا ودول الساحل خير دليل، وأضاف أن الأمر لا يتعلق بهبات مجانية أو أعمال خيرية بل يدخل ضمن الاستثمارات الجزائرية في القارة الأفريقية بما يعود بالفائدة على الأداء الدبلوماسي والاقتصاد الجزائري، كما أن المبادرة تستهدف تنمية مشتركة لدول أفريقيا في إطار التكامل والاندماج، وتحقيق الأمن والاستقرار، مبرزا أن الرئيس الجزائري بإنشائه الوكالة الوطنية للتعاون الدولي والتنمية أعلن عن عودة حقيقية للجزائر إلى القارة الأفريقية. ليست المرة الأولى وكان الرئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، قد قرر إنشاء وكالة التعاون الدولي في فبراير- شباط 2020، لتتولى إنجاز مشاريع تنموية وخدمية بتمويل جزائري في الدول الأفريقية، وخاصة دول الساحل، ووضع وتنفيذ السياسة الجزائرية للتعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وكذلك التعاون الثقافي والديني والتربوي والعلمي مع الدول الصديقة والمجموعات التي يمكن أن تقيم تعاونا معها في مجالات متعددة. وعملت الوكالة حتى الآن على تنفيذ برامج ومشاريع خدماتية لمصلحة سكان وسط وشمالي مالي والنيجر القريبة من الحدود مع الجزائر، في مجالات بناء مراكز صحية، وتوفير مياه الشرب، ومراكز التكوين المهني، ومدارس للتعليم. وليست المرة الأولى التي تخصص الجزائر مليار دولار لتنمية أفريقيا، إذ أشار وزير المالية، لعزيز فايد، خلال فعاليات افتتاح الاجتماع الخامس لسنة 2024، لمجلس إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، أن الجزائر خصصت مبلغ مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في أفريقيا، بناء على توجيهات الرئيس تبون، وذلك ضمن جهودها لتعزيز التعاون جنوب- جنوب وتكريس مبادئ التضامن والتكامل القاري، مبرزا جهود بلاده في تنفيذ مشاريع كبرى تسعى لتعزيز التكامل الإقليمي، مثل مشروع الطريق العابر للصحراء، وشبكة الألياف البصرية، وأنبوب الغاز العابر للصحراء، وغيرها من المشاريع الاستراتيجية. كما قرر الرئيس تبون في سنة 2023، تخصيص مليار دولار أمريكي لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية موجهة لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، وقال الوزير الأول آنذاك أيمن بن عبد الرحمان، إن هذه الخطوة تأتي قناعة من الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في أفريقيا بالتنمية، مضيفا أن الخطوة تندرج في سياق تمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا، أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) "من الخطأ النظر إلى المبادرة من زاوية واحدة" إلى ذلك، يعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد ميزاب، أن الحديث عن مليار دولار الذي يُروّج حاليا على أنه قرار جديد، هو في الحقيقة جزء من التزام أعلن عنه الرئيس تبون منذ نحو سنتين ضمن مقاربة شاملة لدعم الشراكة الأفريقية عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، وبالتالي ما جرى مؤخرا هو تفعيل لهذا الالتزام وليس إعلانا عن قرار طارئ أو معزول، مضيفا أنه من الخطأ النظر إلى هذه المبادرة من زاوية واحدة تفصل السياسة الخارجية عن الواقع الداخلي، على اعتبار أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي للجزائر يبدأ من محيطها، حيث إذا انهارت دول الجوار واشتدت أزماتها، "فالعواقب ترتد علينا مباشرة"، وأشار إلى عدة تحديات تواجه الجزائر مثل تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا جنوب الصحراء، التحديات الأمنية العابرة للحدود، التحولات السياسية والانقلابات التي تخلق فراغا أمنيا على الحدود، و"استنزاف الموارد الوطنية في إدارة أزمات لا نصنعها ولكن ندفع ثمنها". ويتابع ميزاب، أن دعم الاستقرار في هذه الدول عبر مشاريع تنموية موجهة، بشروط جزائرية، ليس تضحية، بل وقاية واستثمار في الأمن القومي، مبرزا أن "مليار دولار تُصرف بطريقة مدروسة قد تجنبنا إنفاق أضعافها لاحقا في معالجة الأزمات، موجات لاجئين، جماعات مسلحة، وتهديدات تمس الداخل"، وأوضح أنه لا أحد ينكر التحديات الداخلية، بالرغم من الإصلاحات الجارية التي لم تلمسها كل الفئات بعد، مشددا أن ما يجب فهمه هو أن المعركة ليست داخلية فقط، على اعتبار أن قوة الجبهة الداخلية وحدها لا تكفي إذا كان الطوق المحيط بك هشا أو معاديا، وأشار إلى أن بلاده تتحرك وفق منطق شامل بين إصلاح داخلي وتحصين خارجي وبناء عمق استراتيجي أفريقي يضمن مصالحها لا يهددها، وختم أن الجزائر لا تهمش أبناءها، بل تحميهم بمنطق استباقي يجمع بين التنمية والردع، وبين التكافل والانفتاح، وبين السيادة والتضامن. تقارير تفسد حسن النية؟ ولعل ما فتح مجال الاستياء والقلق تزامن الخطوة مع تقرير صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي في الجزائر إلى 3.6 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.1 في المائة في عام 2023، وقال في بيان، إن الضغوط المالية المتزايدة تشكل تحديات تمويلية كبيرة، وفي حال استمرارها فإنها ستزيد الدين العام على المدى المتوسط، مرجحا أن تؤدي حالة عدم اليقين العالمية المستمرة وتقلب أسعار المحروقات إلى تراجع الصادرات والاستثمار، مما سيساهم في اتساع عجز الحساب الجاري في 2025. لكن الحكومة الجزائرية ردت على التقرير وشددت أن البلاد تسجل نسبة نمو للناتج الداخلي الخام تصل إلى 4.2 بالمئة، وهو أداء أشادت به مؤسسات مالية دولية عدة، واعتبرته دليلا على الصمود والقدرة على التعافي، مشيرة إلى أن الصادرات خارج المحروقات واصلت نموها، لتبلغ نحو 7 مليارات دولار في سابقة تاريخية تؤكد قدرة البلاد على الانتقال نحو نموذج اقتصادي جديد يخدم الأجيال القادمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store