
أخبار العالم : ما الذي يدور في ذهن طفلك عند بلوغه سن السادسة، وكيف يتغير دماغه؟
نافذة على العالم - صدر الصورة، Serenity Strull/ BBC
Article Information Author, ديفيد روبسون Role, كاتب ومؤلف علمي
قبل 29 دقيقة
لطالما أغفل العلم ما يعرف بمرحلة "الطفولة المتوسطة"، بين سن السادسة والثانية عشرة، وهي فترة تحول عميقة تُهيئ الأطفال للنمو. إليكم ما يدور في أذهانهم خلال هذه الفترة المضطربة، وكيفية التعامل معها؟
بدأت أول تمرداتي الصغيرة عندما كنت في السادسة من عمري تقريباً. كنت قد حضرت للتو حفلة عيد ميلاد في قاعة القرية المحلية، مع مجموعة من الأطفال الذين بالكاد أعرفهم. وصلوا جميعاً مع أصدقائهم، وشعرت بالخجل والعزلة.
عندما عدت إلى المنزل، كنت في حالة مزاجية سيئة للغاية. لا أتذكر ما طلبته مني أمي، لكنني أتذكر بوضوح أن ردي عليها كان حاداً للغاية.
ثم انصرفتُ غاضباً، تاركاً إياها عاجزة عن الكلام. ماذا حدث لابنها الصغير المبتهج؟
ربما كانت والدتي لتتفاجأ بدرجة أقل، لو كنا نعيش في بلد ناطق بالألمانية. ففي اللغة الألمانية هناك مصطلح شائع هو Wackelzahnpubertät، الذي يعني حرفياً "بلوغ مرحلة الأسنان المتذبذبة (المتخلخلة)"، ويصف كيف يبدأ الأطفال في سن السادسة بإظهار المزاج السيئ، الذي يشبه إلى حد كبير مرحلة المراهقة.
"السلوك العدواني، والنشاط المتمرد، والحزن العميق هي سمات مميزة لبلوغ مرحلة الأسنان المتخلخلة"، هكذا وصفتها مجلة Wunderkind الألمانية. (تابع القراءة حتى نهاية المقال للاطلاع على نصائح عملية تساعد الوالدين على التعامل مع هذه التغيرات السلوكية).
وعلى عكس "البلوغ الحقيقي"، فإن بلوغ الأسنان المتخلخلة لا تحركه التغيرات الهرمونية، بل يتزامن مع بداية ما يُعرف بـ"الطفولة الوسطى"، وهي مرحلة من التحول النفسي العميق، حيث يبدأ الدماغ بوضع الأسس التي تقوم عليها الأفكار والمشاعر الأكثر نضجاً.
تقول إيفلين أنتوني، طالبة الدكتوراه في علم النفس بجامعة دورهام بالمملكة المتحدة: "إنها مرحلة حاسمة حقاً، حيث يبني الطفل هويته، ويحاول تحديد هويته في علاقته بالآخرين". وتضيف: "كما أن عالمه العاطفي يتوسع أيضاً".
في حين أن مرحلتي الرضاعة والمراهقة مفهومتان جيداً الآن، إلا أن مرحلة الطفولة المتوسطة - التي تمتد من سن السادسة إلى الثانية عشرة - لا تزال نسية في كثير من الدراسات العلمية. ويذهب بعض علماء النفس إلى حد وصفها بـ"سنواتنا المنسية". تقول أنتوني: "تركز الكثير من الأبحاث على السنوات الأولى، عندما يتحدث الأطفال ويمشون، ثم في مرحلة المراهقة عندما يكون هناك قدر أكبر من التمرد. لكن ما نعرفه عن مرحلة الطفولة الوسطى أقل".
يتغير هذا الوضع الآن، مع وجود أبحاث جديدة تحدد الخصائص الأساسية للتحول العقلي لدى الأطفال.
يتضمن هذا التحول قدرة أكبر على التفكير في مشاعرهم وتعديلها عند الحاجة، إلى جانب "نظرية عقلية متقدمة" تسمح لهم بالتفكير بشكل أكثر تعقيداً في سلوكيات الآخرين والاستجابة بشكل مناسب.
يبدأون أيضاً بإتقان أساسيات التفكير العقلاني والاستنتاج المنطقي، ما يُمكّنهم من تحمّل مسؤولية أكبر عن أفعالهم، ولهذا السبب يُعرف هذا المصطلح في فرنسا باسم "سن العقل".
كما يُوضّح مفهوم "بلوغ الأسنان المتخلخلة"، قد يصاحب بداية مرحلة الطفولة الوسطى بعض آلام النمو، لكن الفهم الأعمق للتغيرات العصبية والنفسية المصاحبة يُقدّم رؤى جديدة، حول أفضل السبل لدعم الطفل طوال هذه الرحلة.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
مع بداية مرحلة الطفولة الوسطى، يكون معظم الأطفال قد أحرزوا تقدماً هائلاً في قدرتهم على التحكم في مشاعرهم
لنبدأ بالتنظيم العاطفي. مع بداية مرحلة الطفولة الوسطى، يكون معظم الأطفال قد أحرزوا تقدماً هائلاً في قدرتهم على التحكم في مشاعرهم. ففي مرحلة الرضاعة كانوا يعتمدون كلياً على البالغين من حولهم لتهدئة مشاعر القلق، والتي غالباً ما تكون ناجمة عن ضغوطات جسدية، مثل الجوع أو التعب أو المغص.
خلال السنوات القليلة التالية، يطورون مجموعة أكثر تنوعاً من المشاعر التي تشمل الفرح والغضب والخوف، لكنهم لا يعرفون كيفية التحكم بها، مما يؤدي إلى نوبات الغضب الشهيرة الصاخبة.
لكن مع بداية تطور اللغة عند الطفل، تبدأ بعض العواصف العاطفية بالانحسار. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تسمح للطفل بالتعبير عن احتياجاته بدقة أكبر، مما يسمح للآخرين بالاستجابة بشكل مناسب قبل أن يتفاقم الإحباط.
فلا داعي للصراخ عندما تريد المزيد من الطعام، إذا كان بإمكانك ببساطة قول: "أنا جائع"، وسيستجيب شخص بالغ حنون.
والأهم من ذلك، أن استخدام الكلمات لتسمية المشاعر قد يحمل أثراً فورياً أعمق:
فمجرد تسمية الشعور تغير الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ معه، حيث يتم تنشيط مناطق في قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التفكير المجرد، بينما تهدأ اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول عن الاستجابة العاطفية الفطرية.
لكن مع بلوغ الطفل سن الخامسة أو السادسة، يواجه تحديات جديدة تضع فهمه العاطفي على المحك، كما تقول أنتوني وباحثون آخرون.
وبدلاً من الاعتماد على البالغين لتوجيه كل تصرفاتهم، يُتوقع منهم أن يتمتعوا باستقلالية أكبر، مما يخلق حالة من عدم اليقين والغموض قد تُولّد الإحباط.
فيجب عليهم تكوين صداقات بأنفسهم، والتوافق مع من لا يحبونهم، وطاعة قواعد البالغين. وكما توضح أنتوني، فإنهم يُطورون أيضاً شعوراً أقوى بالذات، مع الحاجة إلى تحديد هويتهم في مواجهة الآخرين.
هذا التحول قد يدفع قدرة الطفل على تنظيم مشاعره إلى أقصى حدودها، وقد يؤدي إلى تقلبات مزاجية مرتبطة بما يُسمى بـ"بلوغ الأسنان المتخلخلة"، فيصبح الطفل أحياناً حزيناً ومتعلقاً بأهله، وأحياناً ينفجر غضباً بلا مقدمات.
لحسن الحظ، تواكب أدمغة الأطفال بسرعة المتطلبات الجديدة. عادةً ما تتضمن هذه العملية تطوير مفردات أوسع لوصف وفهم ما يشعرون به، بما في ذلك مفهوم المشاعر المُختلطة. (بحلول سن التاسعة، يستطيع معظم الأطفال إدراك أن النهاية المُرّة والحلوة لفيلم ديزني "حورية البحر الصغيرة" تجمع بين الفرح والحزن، على سبيل المثال).
كما يتعلمون استراتيجيات جديدة لتنظيم مشاعرهم بأنفسهم، دون الاعتماد على أحد الوالدين أو البالغين لتهدئتهم.
خلال مرحلة الطفولة المتوسطة، يصبح الأطفال أكثر مهارة في استخدام "إعادة التقييم المعرفي"، أي تغيير الطريقة التي ينظرون بها إلى حدث ما لتخفيف تأثيره العاطفي.
فعندما يواجه الطفل صعوبة في أداء مهمة مدرسية، على سبيل المثال، فقد يبدأ بالتفكير "لا أستطيع فعل هذا" أو "أنا غبي" أو قد يدرك أن إحباطه يحفزه على تبني استراتيجية جديدة، من المرجح أن تهدئ غضبه وتعزز مثابرته.
وجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من هذا النضج العاطفي يأتي من مراقبة الكبار المحيطين بالطفل.
تقول أنتوني: "الأطفال يتعلمون من الطريقة التي يتعامل بها آباؤهم مع الخلافات والمشاكل المختلفة التي تواجههم في حياتهم اليومية".
البحث عن الصداقة
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
يجب على الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة تكوين صداقات بأنفسهم
يتغير العالم الاجتماعي للطفل أيضاً.
توضح سيمون دوبيلار، باحثة ما بعد الدكتوراه في علم النفس التنموي والتربوي بجامعة لايدن في هولندا، قائلةً: "مرحلة الطفولة الوسطى هي الفترة التي تبدأ فيها الصداقات المتبادلة بالتطور".
بمعنى آخر، يبدأ الأطفال بفهم مبدأ الأخذ والعطاء في العلاقات، الذي يُصبح محوراً رئيسياً في حياتهم. و"يبدأ الأطفال بقضاء المزيد من الوقت مع أقرانهم داخل وخارج المدرسة".
خلال مرحلة الطفولة الوسطى، يبني الأطفال على هذه المهارات الاجتماعية والرؤى العقلية لتتبع أفكار ومشاعر الكثيرين.
اختبار "سالي وآني"
بحلول سن الخامسة، يمتلك معظم الأطفال ما يُعرف بـ"نظرية العقل"، وهي القدرة على إدراك أن لكل شخص حالة ذهنية فريدة، وأن الآخر قد يعرف شيئاً لا تعرفه، أو يجهل شيئاً تعرفه أنت.
ويُقاس هذا عادةً من خلال اختبار "سالي وآني" الشهير:
يُطلب من الطفل مشاهدة رسوم كرتونية تُظهر فتاة تُدعى "آني" تحرّك كرة زجاجية (ماربل) من سلة صديقتها "سالي" إلى صندوق، بينما كانت سالي خارج الغرفة.
ثم يُسأل الطفل: "أين ستبحث سالي عن كرتها؟".
الكثير من الأطفال الصغار يجيبون بـ"الصندوق"، لأنهم يعرفون أن الكرة قد نُقلت، ويفترضون أن سالي تعرف ذلك أيضاً. لكن بحلول الخامسة تقريياً، يتمكن معظم الأطفال من فهم أن سالي لا تعلم ما حدث، وأنها ستبحث في السلة.
مثال توضيحي:
تخيل قصة عن طفل يُدعى "نيك"، يريد الانضمام إلى فريق كرة القدم، لكنه لا يعتقد أنه سينجح في الانضمام.
المدرب يعلم أن نيك متردد، لكنه يرغب فعلاً في ضمه للفريق.
بعد اتخاذ القرار، يُطرح السؤال:
"هل يعرف المدرب أن نيك لا يعلم أنه تم اختياره للفريق؟" (الإجابة الصحيحة: نعم).
للإجابة على هذا السؤال، يحتاج الطفل إلى تقييم ما يعرفه المدرب عن معرفة نيك برأي المدرب، وهي عملية عقلية تُعرف بـ"التفكير التكراري" (recursive thinking)، أي تفكير ضمن تفكير.
هذا النوع من التفكير ضروري لتفهم:
- من يعرف السر؟
- كيف ينتشر القيل والقال في ساحة المدرسة؟
- من يحاول خداعنا في لعبة عبر "خدعة مزدوجة"؟
ومع ذلك، لم يكن واضحاً للعلماء حتى وقت قريب متى يبدأ الأطفال في تطوير هذا النوع من التفكير.
في دراسة حديثة، قام كل من كريستوفر أوسترهوس (جامعة فشتا) وسوزان كوربر (جامعة فرايبورغ) بمتابعة 161 طفلاً من عمر خمس سنوات، لقياس تطور "نظرية العقل" لديهم خلال خمس سنوات لاحقة.
أظهرت البيانات ارتفاعاً حاداً في قدرات الأطفال ما بين سن الخامسة والسابعة، قبل أن يبدأ الأداء في الاستقرار.
يقول أوسترهوس: "لو كان الأمر مجرد تحسّن تدريجي في مواجهة تعقيد المهام، لكانت الزيادة أكثر اتساقاً. لكن ما نراه هو قفزة مفاهيمية واضحة".
نتائج اجتماعية إيجابية
تشير الأبحاث إلى أن لهذه القفزة العقلية آثاراً إيجابية فورية على الحياة الاجتماعية للأطفال ورفاههم. يقول أوسترهاوس: "وجدنا أنه كلما ارتفع مستوى تفكيرهم الاجتماعي، انخفض شعورهم بالوحدة. ربما يجدون سهولة أكبر في تكوين صداقات أو الانخراط في صداقات أعمق".
على هذا المنوال، تشير أبحاث دوبيلار إلى أن زيادة الحساسية ترتبط بسلوك اجتماعي أكثر إيجابية، مثل التصرف بلطف شديد مع شخص يشعر بالاستبعاد. لدراسة هذا، أجرت تجربة تحاكي نوع التنمر البسيط الشائع جداً للأسف في العديد من الملاعب.
لاختبار هذا، أعدّت دوبيلار تجربة قائمة على لعبة فيديو بسيطة تُدعى Cyberball، حيث يتبادل أربعة لاعبين الكرة فيما بينهم.
لكن ما لا يعرفه المشاركون أن ثلاثة من اللاعبين عبارة عن شخصيات افتراضية يتحكم فيها الحاسوب، واثنان منهم يمكن برمجتهما لتجاهل اللاعب الرابع وعدم تمرير الكرة إليه.
لاحظت دوبيلار أن الأطفال الأصغر سناً أبدوا حساسية أقل تجاه الظلم.
لكن مع التقدم في مرحلة الطفولة الوسطى، بدأ العديد من الأطفال باستخدام دورهم في اللعب لتمرير الكرة إلى "اللاعب المُهمّش"، في إشارة بسيطة إلى التعاطف والتضامن.
باستخدام فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي لأدمغة الأطفال، وجدت دوبيلار وزملاؤها أن هذا يرتبط ببعض التغيرات المميزة في النشاط العصبي، مما يشير إلى انخفاض التركيز على أنفسهم، وربما زيادة التركيز على الآخرين. وتقول: "قد يكون ذلك بسبب زيادة مهارات تقبل وجهات النظر"، حيث أصبحت أدمغة الأطفال النامية قادرة على مراعاة مشاعر "الروبوت المُتنمر عليه".
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
يمكن للبالغين في حياة الطفل تسهيل تطوير التنظيم العاطفي، من خلال محادثات منتظمة يمكن أن تمنع نوبات الغضب
بداية الشك الذاتي
رغم الفوائد الكبيرة لتطور التفكير الاجتماعي لدى الأطفال، فإن له جانباً آخر أكثر تعقيداً: زيادة الوعي بالذات، وما يصاحبه من شكوك في الذات.
لننظر إلى دراسة حول "فجوة الإعجاب"، التي تصف ميلنا إلى التقليل من قدر مدى إعجاب شخص آخر بنا، مقارنةً بمدى إعجابنا به.
وجدت دراسة حديثة أجراها ووتر وولف، الذي يعمل حالياً في جامعة أوتريخت، أن فجوة الإعجاب تظهر لأول مرة في سن الخامسة وتزداد باطراد خلال مرحلة الطفولة الوسطى.
فكلما زادت قدرة الطفل على استيعاب الحياة النفسية للآخرين، زاد قلقه من أن نظرتهم إليه قد لا تكون إيجابية كما يأمل.
أعتقد أن هذا قد يفسر مزاجي السيئ في الحفلة (المشار إليه في بداية المقال)، كانت تلك أول تجربة لي مع الشعور بالوعي الذاتي والوحدة، ولم أكن أملك بعد الكلمات للتعبير عن سبب شعوري بالحزن والغضب، أو المهارات اللازمة للتغلب على فجوة الإعجاب وبناء صداقات جديدة مع أشخاص لم أكن أعرفهم جيداً.
قوة الحوار
يمكن للبالغين في حياة الطفل تسهيل تطوير هذه المهارات من خلال المحادثات المنتظمة.
على سبيل المثال، تشير أنتوني إلى بحث يُظهر قوة "التدريب العاطفي". يتضمن هذا الاستماع إلى الطفل دون إصدار أحكام، والتحقق من صحة ما يشعر به، ثم اقتراح طرق للمضي قدماً بإيجابية.
تقول: "لا يتعلق الأمر بمحاولة البالغ إصلاح كل شيء بالنسبة للطفل، بل بتوجيهه خلال عملية إدارة مشاعره".
قد يُشجع البالغ الطفل على إعادة التقييم المعرفي، على سبيل المثال، من خلال توضيح كيفية تفسير حدث مزعج في البداية بطرق مختلفة. قد يُطبق الطفل هذا بعد ذلك عندما يكون منزعجاً في المرة اللاحقة، مما يُسلحه ضد الضغوط المستقبلية.
يمكن للوالد أو المعلم أيضاً التحدث عن المعضلات الاجتماعية، سواء في الحياة الواقعية أو في الخيال.
يقول أوسترهاوس: "قد تسألهم: لماذا تصرف هذا الشخص بهذه الطريقة؟ لماذا قال كذا؟".
ويضيف أن هذا يساعدهم على التفكير ملياً في الحالات النفسية للآخرين، مما يُشجع على تطوير نظرية العقل لديهم.
أحياناً، يتقارب النهجان بشكل طبيعي. إذا تعرض طفل للصدمة بسبب وقاحة صديقه المقرب، فقد يشجعه على التساؤل عن الأسباب المحتملة لهذا السلوك السيئ. ربما كان متعباً أو يمر بيوم عصيب؛ ربما لم يكن الأمر شخصياً، ويمكن التعامل معه بتعاطف لا بغضب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 15 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : بعد وفاة الأمير النائم... ماذا نعرف عن الغيبوبة ومصير العائدين منها؟
الخميس 24 يوليو 2025 08:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article Information Author, محمد همدر Role, بي بي سي نيوز عربي - بيروت قبل 9 دقيقة تخيلوا أنكم تسمعون من حولكم وتشعرون بوجودهم، لكنكم عاجزون عن رؤيتهم بوضوح أو التفاعل معهم. تخيلوا أنكم تعيشون شهوراً، وربما سنوات، وأنتم في حالة وعي معلّق، لا تعلمون إن كانت تفاصيل ما تعيشونه خيالاً أم حقيقةً. غالباً ما نسمع العبارة الشهيرة: استفاق أو استفاقت بعد غيبوبة. عبارة تشبه حكايات الخيال، كقصة الأميرة النائمة التي أيقظتها قبلة بعد سبات طويل. لكن ما هي الغيبوبة حقاً؟ ماذا يشعر المصاب خلالها؟ هل يعود؟ وكيف تكون حياته بعد الاستفاقة؟ أثارت وفاة الأمير السعودي الوليد بن خالد بن طلال، المعروف إعلامياً بالأمير النائم، بعد 21 عاماً من الغيبوبة إثر حادث سير، هذه الأسئلة من جديد. وحاولت بي بي سي نيوز عربي الإجابة عنها من خلال لقاء مع طبيبة مختصة وناجٍ من غيبوبة. في عام 2016، وأثناء إحدى موجات أزمة النفايات في لبنان، أصيب طارق زينون، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 18 عاماً، بفيروس ناتج عن استنشاق هواء ملوث. تدهورت حالته بسرعة، ودخل في غيبوبة استمرت شهراً ونصفاً. لم تكن حالته الوحيدة، إذ يقول لبي بي سي عربي إن تسعاً أو عشراً من الحالات سجلت في تلك الفترة بسبب الفيروس ذاته، من بينها صديق له استفاق بعد ثلاثة أيام. توضح الدكتورة نانسي معلوف، الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب في المركز الطبي التابع للجامعة اللبنانية الأميركية، أن الغيبوبة تعرف طبياً بأنها فقدان تام للوعي نتيجة اضطراب كبير في وظائف الدماغ. وتشير إلى أن أسباب الغيبوبة متعددة، منها إصابات الرأس كالنزيف أو الجلطات، أو حوادث السير، أو التسمم، أو النقص الحاد في الغذاء، أو الجرعات الزائدة من الأدوية والمخدرات، أو حتى الصدمات النفسية الشديدة. وتؤكد أن الغيبوبة ليست درجة واحدة، بل تتفاوت من حالة إلى أخرى. "في الغيبوبة العميقة، لا يرى الشخص شيئاً ولا يسمع. أما في الحالات الأخف، فقد يشعر بوخز إبرة مثلاً أو يتخيل أشياء". وتضيف أن احتمال العودة من الغيبوبة يختلف عن حالة الموت الدماغي، الذي يعني توقف كل وظائف الدماغ بما في ذلك جذعه، وهو حالة لا عودة منها ويصنف قانونياً وطبياً كوفاة. وكلما طالت مدة الغيبوبة، زادت المخاطر. إذ قد يعاني المصاب من جلطات في الأطراف أو تقرحات جلدية أو ضعف في المناعة. حين بدأ كل شيء يتلاشى يروي طارق أنه شعر بألم مفاجئ في مؤخرة رأسه، فخلد إلى النوم مساءً واستفاق بعد نحو 24 ساعة، لكنه لا يذكر إن كان قد استيقظ في ما بينها. تقول والدته إن عينيه كانتا ترتعشان يميناً ويساراً حين أيقظته، وهو لا يزال يصر، حتى في تلك اللحظة، على أنه بخير ولا حاجة لنقله إلى المستشفى. دخل المستشفى دون أن يفقد وعيه بالكامل، لكنه لا يتذكر شيئاً من تلك اللحظات. وبعد نقله إلى مستشفى آخر، دخل في غيبوبة تامة. يقول: "بقيت فاقداً للوعي بشكل تام لأسبوعين، فتحت عينيّ في الأسبوع الثالث لكن دون أي تفاعل أو إدراك". ويتابع: "لا تحدثني عائلتي كثيراً عن هذه المرحلة. يقولون لي إنني لم أكن أتفاعل إلا في لحظات قليلة، حين كنت أحرّك عينيّ دون أن أفتحهما". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، في بعض حالات الغيبوبة، قد يشعر المريض بتداخلات مع العالم الخارجي كأصوات أو حركات الأشخاص حول سريره مرّ أكثر من شهر ونصف حتى بدأ طارق يتعرف من جديد إلى الوجوه والأسماء التي يعرفها. واستعاد وعيه وذاكرته كاملاً مع بدء رحلة إعادة التأهيل في مستشفى آخر. "أتذكر شيئاً واحداً من مرحلة الغيبوبة، أتذكر أني وقفت على قدمي ومشيت خطوات قليلة لأجد أمامي نحو 40 شخصاً من أصدقائي الذين كانوا يزورون المستشفى يومياً دون أن أعلم، رأيتهم ولكني عانيت حينها من هبوط مفاجئ وفقدت وعيي من جديد لأيام قليلة". لا يملك طارق صورة واضحة حتى للأشياء التي يتذكرها، ويقول إن الأدوية التي وصفت لعلاجه كانت لها آثار جانبية، من بينها فقدان الذاكرة. "عائلتي لم تفقد الأمل" شخص الأطباء حالة طارق بأنه التهاب دماغ ناتج عن فيروس أو عدوى بكتيرية. يروي طارق أن عائلته لم تفقد الأمل: "الخوف كان كبيراً، وخاصة لدى أصدقائي الذين صدموا عند رؤيتي في المستشفى. الدتي كانت تحاول دائماً أن تتحدث معي خلال غيبوبتي". خلال فترة التأهيل، خضع لسلسلة من التمارين الخاصة بتنشيط الدماغ من جديد، بالإضافة إلى تمارين للعضلات لأنه خسر 14 كيلوغراماً من وزنه، وتمارين للذاكرة. قال: "عند خروجي كنت أعاني من ارتعاش شديد في اليدين، لدرجة أنني لا أستطيع الكتابة". خضع طارق لعلاج فيزيائي وعلاج نفسي واستعاد معنوياته ونشاطه الذهني والجسدي ببطء وبشكل تدريجي. تعد الغيبوبة من الحالات الطبية المكلفة، فالمكوث في المستشفى ضروري بحسب المدة التي تستغرقها العودة أو الاستفاقة، بالإضافة إلى العلاج والتأهيل ما بعد الخروج من المستشفى. والتكلفة قد تكون ذاتها في حال انتقال المصاب إلى منزله. تقول الطبيبة نانسي معلوف إن الشخص في الغيبوبة يحتاج إلى التنفس طوال الوقت، وفي بعض الحالات البالغة، يتنفس المريض من خلال القصبة الهوائية. "عادة لا يسمح للمريض بمغادرة المستشفى، وإن حدث ذلك، فهو بحاجة إلى مراقبة الأوكسيجين يومياً على مدى 24 ساعة". نوبات هلع صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، مرحلة التأهيل بعد العودة من الغيبوبة تشملوالعلاج الفيزيائي والنفسي والعمل على استعادة الذاكرة والإدراك لم يخرج طارق من منزله لفترة بعد عودته من الغيبوبة لأن مناعته كانت ضعيفة. "بعد انتهاء فترة علاجي وعودتي إلى الجامعة، شعرت مرة بنوبة هلع قوية على شكل دقات قلب قوية". قالت له طبيبته المعالجة إن ما يمر به لن يكون سهلاً، لكنه أمر طبيعي لأن هذه المرحلة التي يبدأ فيها الدماغ بالاتصال بأصوات وصور شاهدها طارق في مرحلة ما، دون أن يدرك ما هي هذه الأصوات والصور. يقول طارق إن هذه "المعلومات" التي بدأ الدماغ بتلقيها في ما بعد لم تكن مفهومة، لكنها تتخم الدماغ وتجعله ثقيلاً. "أصبت أكثر من مرة بعد ذلك بنوبات هلع كانت تأتي في أي مكان وأي وقت ودون أي سبب أو مناسبة". يروي كيف كان فحص التصوير بالرنين المغناطيسي يصيبه بالهستيريا، ويربط ذلك بوضعية نومه خلال الغيبوبة. ومع تقدم جلسات العلاج النفسي، شعر طارق بارتياح أكبر هل نحلم خلال الغيبوبة؟ لا يتذكر طارق أي أحلام أو خيالات من فترة الغيبوبة، لكن طبيبته ربطت بين نوبات الهلع وبين الأشياء التي قد يكون رآها خلال تلك المرحلة. نشرت "بي بي سي ساينس فوكوس" سؤالاً وجواباً حول الأحلام في الغيبوبة. وأشار المقال إلى أن أدمغة الأشخاص في الغيبوبة لا تظهر أي علامات على دورة طبيعية للنوم واليقظة، ما يعني أنه من غير المرجح أن يحلموا. ورغم ذلك، بحسب المجلة، يبلغ بعض الأشخاص عند عودتهم من الغيبوبة عن أحلام تسللت إليها أشياء من العالم الخارجي، أو كوابيس تبدو مستمرة. وفي مقاطع فيديو لناجين على يوتيوب، يروي البعض أنه يتذكر أحلاماً من فترة الغيبوبة، ويقر بعضهم بأنه قد يخلط بينها وبين خيالات أو هلوسات بسبب شعورهم بشيء ما يجري حولهم. أصوات وأشخاص وحركات.


نافذة على العالم
منذ يوم واحد
- نافذة على العالم
أخبار العالم : دراسة حديثة تكشف عن معدل جديد للمشي اليومي، يقلل خطر إصابتك بالأمراض
الخميس 24 يوليو 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أصبح حساب الخطوات اليومية هواية شائعة مع أجهزة تتبع اللياقة البدنية Article Information Author, جوش إلغين Role, بي بي سي نيوز قبل 39 دقيقة توصلت دراسة واسعة نُشرت في مجلة The Lancet Public Health إلى أن المشي 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون كافياً لتعزيز قدراتك العقلية والمساعدة في الحماية من مجموعة متنوعة من الأمراض. وقد يكون عدد الخطوات هذا هدفاً أكثر واقعية من 10 آلاف خطوة، التي لطالما اعتُبرت معياراً للمشي الصحي الذي ينصح به يومياً. ووجدت الدراسة أن تقليل عدد الخطوات اليومية لم يُضعف من التأثير الوقائي ضد مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك السرطان والخرف وأمراض القلب. ويقول الباحثون إن هذه النتائج قد تُشجع المزيد من الناس على تتبع خطواتهم كوسيلة عملية لتحسين صحتهم. وتقول الدكتورة، ميلودي دينغ، الباحثة الرئيسية في لدراسة: "لدينا هذا التصور بأننا يجب أن نمشي 10 آلاف خطوة يومياً، لكن هذا التصور غير قائم على أدلة علمية". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تركز المبادئ التوجيهية للصحة العامة العالمية عادةً على الوقت الذي يقضيه الشخص في ممارسة التمارين الرياضية، بدلاً من الخطوات وترجع أصول رقم 10 آلاف خطوة إلى حملة تسويقية في اليابان خلال ستينيات القرن الماضي. قبيل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، إذ طُرح ورُوّج لنوع جديد من جهاز عداد الخطوات يُسمى "مانبو-كي"، والذي يُترجم إلى "عداد 10 آلاف خطوة". تقول الدكتور ميلودي دينغ إن هذا الرقم "أُخرج عن سياقه" وأصبح دليلاً إرشادياً غير رسمي، ولا تزال العديد من أجهزة تتبع اللياقة البدنية والتطبيقات توصي به. وقد حلّلت الدراسة الجديدة بيانات حول صحة ونشاط أكثر من 160 ألف بالغ حول العالم. ووجدت الدراسة أن المشي حوالي 7 آلاف خطوة يومياً يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب (بنسبة 25 في المئة)، والسرطان (بنسبة 6 في المئة)، والخرف (بنسبة 38 بالمئة) والاكتئاب (بنسبة 22 في المئة). ومع ذلك، يقول الباحثون إن بعض هذه النتائج تستند إلى عدد قليل من الدراسات، وليس من الواضح مدى دقتها. وتشير الدراستهم الأخيرة إلى أنه حتى عدد الخطوات المتوسط، 4,000 خطوة يومياً، يرتبط بصحة أفضل مقارنةً بالنشاط المنخفض جداً، نحو 2,000 خطوة يومياَ. وفي معظم الحالات الصحية، تميل الفوائد إلى الظهور والاستقرار بشكل ملحوظ عند عتبة 7,000 خطوة، لكنَّ المشي لمسافات أطول لا يزال يقدم مزيداً من الفوائد لصحة القلب. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يأمل الباحثون أن تساهم نتائجهم في صياغة إرشادات الصحة العامة المستقبلية. وحالياً، تُركز معظم الإرشادات الرسمية حول التمارين الرياضية اليومية المُوصى بها على عدد الدقائق المُخصصة لممارسة النشاط بدلاً من عدد الخطوات المتبعة. فعلى سبيل المثال، تُوصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط الهوائي المعتدل، أو 75 دقيقة من النشاط الهوائي المكثف أسبوعياً. وتقول الدكتورة ميلودي دينغ، إن هذه النصائح قد يصعب على الناس قياسها، على الرغم من أن الإرشادات الحالية لا تزال تُؤدي غرضاً مهماً. وتُوضح قائلةً: "هناك أشخاص يسبحون أو يركبون الدراجات أو لديهم إعاقات جسدية لا تسمح لهم بالمشي". لكنها تقول إنه يُمكن إضافة توصية بشأن عدد الخطوات التي يجب على الناس اتخاذها كـ "إضافة" من شأنها "حث الناس على التفكير في توزيع أنشطتهم البدنية على مدار اليوم". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يقول الخبراء إن هدف الـ 10 آلاف خطوة يعتمد على أدلة قليلة ويقول الدكتور دانيال بيلي، خبير السلوكيات المستقرة والصحة من جامعة برونيل بلندن، إن الدراسة تدحض "الخرافة" القائلة بضرورة المشي 10 آلاف خطوة يومياً. ومع أن هذا الهدف مناسب لمن يمارسون نشاطاً بدنياً أكثر، إلا أن الدكتور بيلي يقول إن وضع هدف 5 إلى 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون "هدفاً أكثر واقعية وقابلية للتحقيق" للآخرين.


نافذة على العالم
منذ يوم واحد
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "لم يقتلني السرطان، ولكن قد أموت من الجوع"، نساء وأطفال يخاطرون بأرواحهم للحصول على فتات الطعام في غزة
الخميس 24 يوليو 2025 12:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة Article Information تشهد غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، ما دفع أعداداً كبيرة من السكان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل تأمين وجبة واحدة أو حتى ما يمكن وصفه بـ"شبه وجبة". فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم - إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال. ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عاماً، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها. فتقول سمية باكية: "من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة". وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلاً. رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضاً في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثّرت الإصابة على حركتها بشكل كبير. ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبر زيكيم شمال غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشياً، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل. وتصف سمية المشهد قائلةً: "في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلاً مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي. أحياناً يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قُتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا". ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصاً وأكثر من 5861 إصابة. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة تخطى إجمالي ضحايا انتظار المساعدات ألف قتيل مصيدة موت لجمع الفتات فقط وبحسب سمية، تكون الشاحنات على مقربة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يطلقون النار، ولكن يضطر الجائعون إلى الاقتراب من الشاحنات رغم خطورة الوضع. ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق النار على مدنيين داخل أو قرب مراكز توزيع المساعدات، ويتهم حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية أو عبر إطلاق النار على منتظري المساعدات، بينما تُحمل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع. تضيف سمية: "حشود كثيرة جداً تهجم على المساعدات، ويقومون بضرب بعضهم ليحصلوا عليها. أنا لا أحصل على مساعدات، أنا أحصل على الفتات لأطعم أطفالي، فأنا لا أستطيع الوقوف كرجل شديد أو امرأة معافاة، أحاول فقط تعبئة الفتات الذي يتساقط من الناس، أو أنتظر ربما تعطف عليَّ بعض النساء ويعطينني جزءاً بسيطاً - آخذ الفتات وأجمعه وأنظّفه من الرمال لكي نأكله أنا وأولادي". التعليق على الصورة، جرحت سمية بآلة حادة أثناء محاولتها الحصول على المساعدات ورغم كل ما تواجهه سمية، لم تتوقف عن الذهاب للحصول على المساعدات لأجل أطفالها، وتتذكر أصعب يوم مرَّ عليها، حيث جرحها أحد الأشخاص بآلة حادة ليستولي على الطحين من يدها، إذ تقول: "توسلتُ إليه أن يترك كيلو واحداً لأطفالي لكنه لم يستجب، ونُقلت إلى مستشفى الشفاء وتم إجراء الخياطة ليدي بدون مخدر، وما زالت غرز الخياطة في يدي حتى اليوم، تمنيت الموت يومها لأني لم أستطع أن أطعم أطفالي". تلامس جسدي مع الرجال أثناء التزاحم ليس فقط العنف الجسدي هو ما تواجهه نساء غزة لتأمين قوتهن وقوت أسرهن، حيث يتعرضن لمواقف محرجة أثناء التزاحم للحصول على المساعدات أو أثناء الانبطاح على الأرض لحماية أنفسهن من الرصاص، فالجوع أزال الحواجز بين النساء والرجال كما تحكي سمية. تشرح سمية بخجل شديد: "أثناء انتظار المساعدات نتعرض لمواقف صعبة لا نستطيع أن نصفها أمام أحد ولا أمام أزواجنا، ما يضيف علينا ضغطاً نفسياً، فنحن نُسِرّ في أنفسنا ولا نحكي، فمثلاً أثناء الانبطاح لنحتمي من الرصاص، يكون الرجال فوق النساء والنساء فوق الرجال، أو عندما يحملني شاب على ظهره لأني مريضة، أشعر بخجل شديد لكني مضطرة للحصول على لقمة العيش". وتضيف: "مهما صرخت المرأة ومهما بكت ومهما قالت ابعدوا عني، لا يسمعها أحد، فهذا تحرش غير متعمد، ولكنه تلامس تلقائي بسبب التزاحم والتسارع على لقمة العيش، كل شخص هناك لا يفكر في مشاعر الإنسان الآخر، الكل يريد الطعام". لا مساعدات للصغار رغم خطورة الأوضاع الأمنية والإنسانية، يتوجه العديد من الأطفال لمراكز المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيّاً لتأمين الغذاء لأُسرهم. يذهب الطفل سامي ماهر البالغ من العمر 13 عاماً، النازح في منطقة اليرموك بمدينة غزة دائماً مع أخيه الأكبر إلى مركز المساعدات في رفح جنوب القطاع ليساعد إخوته العشرة ووالدته، حيث يتواجد والده خارج القطاع مرافقاً لحفيده الذي يُعالج في إيطاليا جرّاء إصابته في الحرب. ولكي يوفر سامي المقابل المادي لعربة الكارو التي يستقلها إلى مركز المساعدات، يعمل في جمع الحطب وبيعه. يفترق سامي عند الوصول لنقطة توزيع المساعدات عن أخيه وسط الزحام، وينتظر مع الحشود ساعات في الشمس، وبعد فتح الطريق يجري حوالي 2 كيلو متر ليصل إلى المساعدات التي يسرع إليها الآلاف في غزة. يشرح سامي معاناته للحصول على المساعدات: "تزاحم مع ناس أكبر مني في العمر، يقفزون فوقي ويتم دهسي، وأحياناً يضربونني ليأخذوا منى الطعام الذي جمعته، لكن أصعب شيء هو مشاهدتي الجثث التي تتساقط على الأرض بسبب إطلاق النار". كميات قليلة جداً من الطحين أو الأرز أو العدس قد يعود بها سامي لأسرته، وأيام أخرى يعود بلا شيء، وهذا أقسى شعور يمر عليه، حيث يضيف: "سأظل أعرض حياتي للخطر لكي أحصل على لقمة العيش، فلا أستطيع أن أرى إخوتي يموتون من الجوع ولا أساعدهم". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أطفال يخاطرون بحياتهم للحصول على الطحين وعن أخطر المواقف التي تعرّض لها يقول سامي: "بعض الأشخاص وضعوا سكيناً على رقبتي لترك حقيبتي وأخذ المساعدات منّي، حدث ذلك معي 3 مرات، لم أستطع أن أدافع عن نفسي لأنهم أكثر من شخص، شعرت يومها برعب وخوف، وبصغر سني مقابل هؤلاء الأشخاص". وسجلت الأمم المتحدة حتى 21 يوليو/تموز الجاري مقتل 1054 شخصاً في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، منهم 766 قُتلوا بالقرب من مراكز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية، و288 قُتلوا بالقرب من قوافل مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى. وكانت المؤسسة التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل قد بدأت عملها في القطاع في 27 مايو/أيار الماضي، وترفض عملها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.