logo
فارس الحباشنة : لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟

فارس الحباشنة : لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟

أخبارنامنذ 4 أيام
أخبارنا :
في حزيران 2019، طرحت جماعة الإخوان المسلمين «وثيقة سياسية إصلاحية». ويبدو أنها كانت بمثابة حوار إخواني لتجديد أدوار الجماعة، وما يمكن أن تضطلع به، والفرص المتاحة للخروج من مأزق تاريخي للجماعة، منذ تأسيسها عام 1928 في مصر وإنشاء فرعها في الأردن عام 1945. وعكست الوثيقة الإصلاحية عمق الصراع والنزاع داخل الحركة الإسلامية، وثنائية تياري المحافظين والإصلاحيين، كهوية تاريخية مؤسسة للحركة الإسلامية الأردنية، وتقديم أوراق اعتماد جديدة أمام الرأي العام والدولة. الوثيقة حاولت أن تُكيِّف الحركة الإسلامية مع المجتمع، وما يستولد من أسئلة في السياسة والاجتماع والاقتصاد.
وتجنبت الوثيقة الفصل والحسم في العلاقة بين السياسي والديني. وإن اضطُرّ التيار الإصلاحي أن ينزع نحو قاموس سياسي يخالف موروث الجماعة الإسلامية، مثل: الديمقراطية، والتعددية، وحكم القانون، وسلطة الدولة، والمدنية السياسية، وهو خطاب تكييفي مستحدث في تغيير صورة الجماعة.
ولم تُخلِّف الوثيقة أي ثقة أو قناعة سياسية بجدية الحركة الإسلامية في الاندماج في قواعد اللعبة السياسية.
وانطوت الأفكار الإخوانية المطروحة على الالتباس وغموض وتناقض في المرجعيات. وقدمت الوثيقة استعصاءً فكريًا وسياسيًا على تمثيل الإسلام، وحصره في جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» اليوم، وحزب العمل الإسلامي. وإصرار مرجعي على إقصاء أي تيار سياسي يحمل ويمثل صفة الإسلام والإسلاموية.
ورغم أنه وُلدت من رحم الإخوان المسلمين تيارات وأحزاب وجماعات تسمي نفسها إسلامية، مثل زمزم، والوسط الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين، والتي أعلنت أول أمس عن حل نفسها.
في أطروحة وثيقة الإخوان، لم تستقم الاعترافات بالتعددية والديمقراطية، ومع أن لحظة مراجعة مركزيات أفكار ومشروع الإخوان المسلمين السياسي كانت تاريخية، وضرورية للتخلي عن خطاب التبرير والتجهيل، وخطاب الطبطبة والاستثناءات، ولا يمكن إنكاره أو تجاهله أو الاستعلاء على الحقيقة التاريخية للدولة والمجتمع، والديمقراطية، والاعتراف بالآخر. كانت الوثيقة، من وجهة نظر قادة ومنظري الإخوان المسلمين، تؤسس إلى علاقة جديدة مع المجتمع والقوى السياسية والدولة. ولكن، في كل الأحوال، أقرب إلى ألغام فكرية وسياسية كامنة في بنية الجماعة ومرجعيات الإسلام السياسي، وانفجرت مع أول اصطدام سياسي في الانتخابات النيابية، وما تلا ذلك من تطورات سياسية أردنية وإقليمية. والصدام كان تعبيرًا عن تناقض وانفصام في أطروحة وثيقة الإخوان. وأولهما، مصادرة الديمقراطية والتعددية لصالح التنظيم السري، والذي تم حله لاحقًا بقرار من الحكومة، لاعتبارها الجماعة تنظيمًا غير شرعي ولا قانوني.
والثاني، محاولة التكييف وركوب موجة الإصلاح السياسي، والاستجابة لخطاب الإصلاح، ودون بيان للحدود الفاصلة بين الدين والسياسة، والمرجعيات المركزية المطلقة لتراث أفكار حسن البنا وسيد قطب حول أسلمة المجتمع والدولة، ونظرة الإخوان إلى السيطرة على الدولة، وتكفير الآخر، ومفهوم الحياة الإسلامية وإحياء مشروعها في المجتمع. من سلسلة تجارب أردنية وعربية، فإن الإخوان المسلمين قوّضوا فكرة الديمقراطية، أو الادعاء بالانتساب الإخواني إلى الديمقراطية. والإخوان، بعدما كسبوا في الانتخابات النيابية الأخيرة حصة وتمثيلًا كبيرًا في البرلمان، إلا أنهم بقوا -بشكل غير مسبوق- محكومين ومسيَّرين وراء التنظيم الإخواني الدولي، وحيث إن الفتاوى السياسية لإخوان الأردن تصدر من الخارج، وتُعمم في سلطة التنظيم الدولي على إخوان الأردن ومقر عمّان.
ومن هذه الزاوية، وقبل غيرها، أصبح إخوان الأردن ينفذون تعليمات وأوامر صادرة عن التنظيم الدولي ومرجعيات إخوانية إقليمية.
وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يكن حجم تمثيل الإخوان في البرلمان تعبيرًا عن قوة التنظيم، بقدر ما كان انعكاسًا لضعف وهشاشة الأحزاب المنافسة، وعرف الإخوان كيف يستثمرون في الفراغ السياسي والحزبي، وتمكنوا من حصد عدد كبير من المقاعد تحت القبة.
اليوم، يبدو أن الحركة الإسلامية في الأردن أمام أزمة متفاقمة. وما بعد قرار حظر وحل جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن الرأي العام الأردني ليس أمام خلاف سياسي وفكري، بقدر ما يتسرب من وثائق عن قضايا مالية وتبرعات مالية مصيرها مجهول، وأموال مليونية تُنفق على نشاطات وفعاليات حزبية. وكأننا أمام مشاهد من أفلام المافيا الإيطالية.
الخطئية المالية تطارد الإخوان. ولا أعرف كيف سيواجه قادة الحركة الإسلامية الأخطاء والخطايا المالية، أم أن أموالهم مباركة ومقدسة؟! في الفضيحة المالية الأخيرة، انكشاف إخواني، ويوازي الانكشاف السياسي والفكري للحركة الإسلامية، وازدواجية وانفصام الظروف والمتغيرات.
إخوان الأردن ضحايا لبراغماتية زائدة، وضحايا لتراجع الثقة العامة، وضحايا لشهوة مفطرة إلى السلطة.
نهاية الإخوان المسلمين ذاتية، والإخوان حرقوا أنفسهم والجماعة في نيران صديقة، ولأنه يستحيل موضوعيًّا التوفيق بين الديمقراطية والسمع والطاعة، والتوفيق بين الديمقراطية وأوامر التنظيم الدولي. ــ الدسستور
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزارة الحج والعمرة تُؤكد قدسية حدود الحرم المكي وضوابطها الشرعية
وزارة الحج والعمرة تُؤكد قدسية حدود الحرم المكي وضوابطها الشرعية

خبرني

timeمنذ يوم واحد

  • خبرني

وزارة الحج والعمرة تُؤكد قدسية حدود الحرم المكي وضوابطها الشرعية

خبرني - أكدت وزارة الحج والعمرة على قدسية حدود الحرم المكي وخصوصيتها التشريعية، مشيرةً إلى أن هذا المكان المُكرَّم "يُحرِّم ما يُباح في سائر البقاع"، وفقاً لما خصَّه الله تعالى من تميُّز تشريعي وتكريم رباني. وأوضحت الوزارة أن حدود الحرم المكي تفرض على المسلمين التزاماً خاصاً يتمثل في حُرمة مطلقة لقطع أشجاره أو نباتاته، وتحريم صيد حيواناته بريةً كانت أو طيوراً، مع اقتصار دخول حرمته على المسلمين دون سواهم. وأضافت أن الأعمال الصالحة داخل هذه الحدود تُضاعَف أجورها أضعافاً كثيرة مقارنةً بغيرها من الأماكن، فيما تُعظَّم مسؤولية المُخالفين وتُشدَّد عقوبة انتهاك حُرمته. وشدّدت على وجوب احترام قدسية المكان والالتزام بآدابه الشرعية، داعياً الزائرين إلى "الإكثار من الطاعات وصون حرمة الحرم"، ومحذّراً من الاقتراب من نباتاته أو حيواناته أو ارتكاب أي فعل ينتهك خصوصيته. كما ذكرت الوزارة قنوات التواصل الرسمية لهيئة خدمة حجاج الداخل عبر الهاتف الموحَّد (٩٢٠٠٠٢٨٣٤+) وبوابتها الإلكترونية ( مؤكدةً تطبيق أنظمة رقابية صارمة لحماية مقدسات الحرم، وتعاون الجهات الأمنية في ضبط المخالفين.

هل كان لبنان جزءاً من سوريا الكبرى؟
هل كان لبنان جزءاً من سوريا الكبرى؟

خبرني

timeمنذ يوم واحد

  • خبرني

هل كان لبنان جزءاً من سوريا الكبرى؟

خبرني - عاد مصطلح "بلاد الشام" ليثير الكثير من الجدل بعد التصريح الذي أدلى به مؤخراً المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، الذي حذر من "عودة لبنان إلى بلاد الشام" في حال لم يسارع إلى حل مشكلة سلاح حزب الله، مشيرا إلى حقيقة تغير النظام الحاكم في سوريا. ورغم أن باراك سرعان ما شدد لاحقا على أنه يعتقد أن قادة سوريا الجدد "لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان"، إلا أن هذا لم يحل دون عاصفة النقاش حول تصريحات المبعوث الأمريكي ومصطلح بلاد الشام. فما الذي يعنيه مصطلح بلاد الشام؟ وما تاريخ التقسيم السياسي لتلك المنطقة؟ ساحة صراع بلاد الشام هو مصطلح جغرافي وتاريخي كان يُستخدم لوصف مناطق واسعة تشمل اليوم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين التاريخية، وأحياناً كان يشمل أجزاء من جنوب تركيا وشمال السعودية وشبه جزيرة سيناء في مصر. خضعت هذه المنطقة، الواقعة في غرب آسيا، لسيطرة العديد من الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، مثل المصرية القديمة، والآشورية، والبابلية، والفارسية، والإغريقية، والرومانية. ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كانت هذه الرقعة الشاسعة من الأرض مسرحاً لصراعات كبرى بين قوى وإمبراطوريات متنافسة، مثل المواجهات بين المصريين القدماء في عهد تحتمس الثالث وشعوب كنعانية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أو الحرب بين الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية) والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) في القرن السابع الميلادي، وهي الحرب التي ورد ذكرها في القرآن في سورة الروم. وفي القرن السابع الميلادي، ومع انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، انطلقت حملات الفتح الإسلامي التي بسطت سيطرتها على مساحات واسعة من آسيا وأفريقيا، وامتدت لاحقاً إلى أجزاء من أوروبا. ومع انتشار الإسلام واللغة العربية، بدأ يترسخ مصطلح "بلاد الشام" في الأدبيات العربية. وهناك عدة تفسيرات لإطلاق اسم الشام على تلك المنطقة من الأرض، فمنها ما يربط بين التسمية واشتقاقات قديمة قد تكون مرتبطة بالسماء في بعض اللغات السامية ، كذلك هناك ما يربط بينها وشخصية سام بن نوح المذكورة في التوراة، كما يرجع البعض التسمية إلى كون تلك المنطقة تقع على يسار(شِمال) مكة من جهة شروق الشمس بينما يقع اليمن على اليمين. أما في المصادر الغربية، فكانت تُعرف بعدة مصطلحات من بينها "ليفانت" (Levant) و"سوريا"، وهو الاسم الذي ورد في كتابات قديمة، مثل كتاب التاريخ للمؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. ازدادت أهمية المنطقة بعد أن اتخذ الأمويون من دمشق عاصمةً لدولتهم التي استمرت نحو تسعين عاماً. وبعد سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين إلى الحكم، نُقلت عاصمة الخلافة الإسلامية إلى بغداد، فتراجعت المكانة السياسية لدمشق لصالح العاصمة الجديدة. ومع ذلك، شهد العصر العباسي، الذي امتد قروناً، صعود مدينة حلب كمركز سياسي وثقافي بارز، نافس دمشق على النفوذ في بلاد الشام. وتشير كتب التاريخ الإسلامي إلى أن بلاد الشام في العهد العباسي لم تكن تُدار كوحدة سياسية موحدة تحت سلطة والٍ واحد، بل قُسمت إلى كيانات إدارية متعددة، مثل ولايتي دمشق وحمص، وكان لكل منهما والٍ مستقل. ومع تراجع نفوذ الخلافة العباسية، برزت في بلاد الشام إمارات وممالك محلية، بعضها تمتع باستقلال شبه تام، وبعضها الآخر خضع للخلافة اسمياً فقط، بينما خضعت أجزاء من الشام لسيطرة الفاطميين، الذين نافسوا العباسيين في الشرعية الدينية والسياسية. كذلك شهدت فترة الخلافة العباسية خسارة المسلمين للسيطرة على مناطق مختلفة في بلاد الشام كما حدث أثناء الحروب الصليبية، التي امتدت نحو مئتي عام. وبعد رحيل الصليبيين عن الشرق عام 1291، آلت السيطرة على بلاد الشام إلى دولة المماليك في مصر، التي واصلت تقسيم المنطقة إلى عدة وحدات إدارية، كانت في الغالب ستّ وحدات، عُرفت بـ'نيابات' أو 'ممالك'، من بينها دمشق وحلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك. وكانت صيدا وبيروت تتبعان نيابة دمشق. جاء القرن السادس عشر الميلادي حاملاً معه صعود قوة جديدة. فالأتراك العثمانيون هزموا المماليك ليؤسسوا إمبراطورية ستهيمن لقرون على أغلب بلدان العالم الإسلامي، ومن بينها منطقة بلاد الشام. وبحسب المؤرخ اللبناني شارل الحايك، في مقابلة مع بي بي سي عربي، فإن المنطقة الجغرافية التي تعرف باسم بلاد الشام كانت مقسمة في زمن العثمانيين إلى عدة وحدات سياسية تغير شكلها وترتيبها كثيراً، لكن لأطول وقت كان هناك أربع وحدات إدارية كبرى (إيالات) - وهي إيالة حلب، وإيالة دمشق، وإيالة طرابلس، وإيالة صيدا. وكانت كل إيالة تتشكل من وحدات إدارية أصغر يُطلق عليها "سنجق". فبيروت مثلا ظلت لفترة طويلة زمن العثمانيين سنجق تابعا لولاية صيدا. وبمرور الزمن بدأ نفوذ الدولة العثمانية في التراجع، ليفسح المجال أمام تنامي النزعات الاستقلالية، كما حدث في عهد والي مصر محمد علي (1805–1848)، حين سيطرت قواته على بلاد الشام فيما عُرف بالحكم المصري ( 1831- 1841). ثم جاءت الأحداث الكبرى التي شهدها القرن التاسع عشر لتلقي بظلالها على التقسيم الإداري لتلك المنطقة. فبداية من عام 1850 وقعت أعمال عنف طائفية دموية في حلب، ثم في جبل لبنان ودمشق بعد 10 سنوات، راحت ضحيتها أعداد كبيرة من المسيحيين، ما أثار موجة غضب في أوروبا. وعقب تلك الأحداث الدموية، وتحت ضغوط أوروبية، قررت السلطة العثمانية إحداث تغييرات في النظام الإداري للوحدات التي كانت تتشكل منها منطقة المشرق، فبدأت بإنشاء وحدة إدارية هي متصرفية جبل لبنان، التي كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي يحكمها زعيم مسيحي ليس من أبناء منطقة الجبل. ثم في عام 1864، تم تأسيس ولاية سوريا التي ضمت الكيانات الإدارية لدمشق وطرابلس وصيدا. ويقول شارل الحايك إن إطلاق اسم سوريا على الولاية الجديدة يعكس وعياً تاريخياً لدى النخب المحلية التي اقترحت هذا الاسم. وبحسب كتاب المؤرخ البريطاني يوجين روغان "أحداث دمشق: مذبحة عام 1860 وتشكيل الشرق الأوسط الجديد"، فإن دمشق وبيروت تنافستا على نيل شرف أن تكون إحداهما عاصمة ولاية سوريا بشكلها الجديد، قبل أن يستقر العثمانيون على دمشق. ثم عاد العثمانيون وعدلوا من شكل التقسيم الإداري لمنطقة الشرق العثماني، فأعلنوا تأسيس متصرفية القدس، ثم لاحقاً أسسوا وحدة إدارية جديدة هي ولاية بيروت، التي ضمت الأراضي التي كانت ضمن ولايتي صيدا وطرابلس. الحرب العالمية الأولى وتأسيس لبنان وسوريا مثلما كان للقرن التاسع عشر تأثير كبير على منطقة المشرق العثماني، فإن القرن العشرين بدوره حمل الكثير من رياح التغيير. فالدولة العثمانية انخرطت في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بجانب ألمانيا وإمبراطورية هابسبورغ (التي كانت تضم أساساً النمسا والمجر) ضد معسكر بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولاحقاً الولايات المتحدة، لتشهد منطقة الشرق الأوسط معارك عنيفة. ومن بين الأحداث الكبرى، الانتفاضة التي قادها حاكم مكة، الشريف حسين، ضد العثمانيين، مدعوماً من قبل بريطانيا. ومع انتهاء الحرب وسيطرة بريطانيا وفرنسا على الأراضي التي كانت تابعة للعثمانيين، بدت منطقة الشرق الأوسط على أبواب تغيير كبير، خاصة في ظل الوعود المتضاربة التي قطعتها الدول المنتصرة، خاصة بريطانيا، خلال الحرب. فبريطانيا تعهدت للشريف حسين بدعمه في تأسيس دولة عربية مستقلة، كما أبرمت اتفاقاً سرياً مع فرنسا وروسيا القيصرية (اتفاق سايكس-بيكو) على تقسيم مناطق النفوذ في الشرق العثماني، بجانب وعد بلفور الخاص بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وفي خضم هذه الأحداث المتلاحقة، ظهرت تيارات سياسية في منطقة المشرق تباينت مواقفها حيال مستقبل المنطقة. فأنصار الاستقلال كانت تحذوهم الكثير من الآمال والتطلعات لمبدأ حق تقرير المصير الذي تبناه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. ومما يدل على قوة هذه الآمال أن أحد أبرز رموز السلفية المعاصرة، الشيخ محمد رشيد رضا، المولود في القلمون بطرابلس، كتب مقالاً يمتدح فيه بشدة ويلسون، بحسب ما جاء في كتاب "كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب" للمؤرخة إليزابيث تومسون. في المقابل، ظهرت في جبل لبنان أصوات، خصوصا في الأوساط المارونية، تدعو إلى قيام كيان مستقل عن باقي ولايات الشام، بدعم من فرنسا. وفي عام 1920 أعلن عن إنشاء مملكة سوريا على أجزاء من ولايتي دمشق وحلب تحت حكم الأمير فيصل (الملك فيصل لاحقا). لكن تجربة المملكة السورية الوليدة لم تدم سوى لأشهر، إذ تعارضت مع تفاهمات دولية تم الاتفاق عليها في مؤتمر سان ريمو، وتم تطبيقها لاحقاً بالقوة العسكرية، لتخضع الأراضي الواقعة حالياً في سوريا ولبنان لسلطة الانتداب الفرنسي، بينما خضعت فلسطين لسلطة الانتداب البريطاني. وفي عام 1920، أعلنت فرنسا إنشاء لبنان الكبير، الذي ضم، بجانب جبل لبنان، مناطق متعددة من بينها بيروت وطرابلس وصيدا، وهو لبنان الذي نعرفه بشكله الحالي. أما في سوريا، فقد تم تقسيم المنطقة إلى عدة دويلات: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة الساحل، ودولة جبل العرب. وفي عشرينيات القرن العشرين، اندلعت ثورة في المناطق السورية ضد الانتداب الفرنسي، قبل أن يتم إعلان دولة سورية موحدة عام 1930. وبعد استقلال لبنان وسوريا عن فرنسا في أربعينيات القرن العشرين، شهدت العلاقات بين البلدين العديد من التطورات الهامة التي أسفرت عن تداخل كبير في مصائرهما، فخلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية وما أعقبها، كان لسوريا نفوذ سياسي وعسكري كبير في لبنان. وفي عام 2005 انسحب الجيش السوري من لبنان بعد تنامي الضغوط الدولية على دمشق، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. كذلك، فإن حزب الله اللبناني شارك بجانب قوات الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الصراع ضد المعارضة المسلحة، وهو الصراع الذي انتهى في عام 2024 بسقوط حكم الأسد. لكن هل يمكن لهذا التاريخ الثري والمتداخل لتلك المنطقة أن يبرر الحديث عن عودة سياسية لبلاد الشام؟ يقول المؤرخ اللبناني شارل الحايك إن أصحاب هذا الطرح يعتمدون على "قراءات خيالية ليس لها علاقة بالتاريخ. فالمغالطة هنا تكمن في اعتبار بلاد الشام مصطلحاً يدل على كيان سياسي، وهو أمر غير صحيح. فلبنان وسوريا لم ينشآ كدولتين بالمعنى الحديث إلا بعد الحرب العالمية الأولى".

ثنائية التجويع والتركيع
ثنائية التجويع والتركيع

الغد

timeمنذ 3 أيام

  • الغد

ثنائية التجويع والتركيع

من المثير حقا ان يشعر البعض بالاستغراب لعدم تأثر العرب والمسلمين بالمقتلة الجارية في غزة، بالتجويع، والقصف وإطلاق الرصاص. هذا ليس جديدا، تم ذبح شعوب عربية وإسلامية وبقي العالم العربي والإسلامي يتفرج ولم يفعل شيئا، في فلسطين وسورية والعراق ولبنان واليمن والسودان وليبيا وافغانستان والبوسنة وإيران والصومال وأسماء الدول لا نهاية لها، دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو المذهب. اضافة اعلان هذا يعني أن المتفرجين هم ذاتهم، وليس غريبا أن يواصلوا التفرج، وبعضهم قد يأتيه الدور لكنه يقول لعل وعسى أن لا يأتي دوري. تشن إسرائيل حرب التجويع، بهدف التركيع، وكأن الهدف متاح أصلا بهذه البساطة، من أجل إيصال أهل غزة إلى مرحلة سيصعدون فيها على متن أي سفينة تقترب من شواطئ القطاع، فهم بشر نهاية المطاف، يبكون ويتألمون، ويخشون على انفسهم وأهاليهم، ولم يبق لهم في القطاع سوى الذكريات هذا إذا عرفوا موقعها أصلا تحت الهدم والردم في أي بيت أو حي أو مطعم أو مدرسة أو جامعة أو مستشفى، لكننا عملقناهم بفعل العاطفة وقلنا انهم سيحتملون ويصبرون وانهم ليسوا من طينتنا بل أصلب كثيرا، عملقناهم وفي الوقت ذاته ذهبنا لنغفو قيلولة كل يوم، وتركناهم فرادى. لقد قلت ذات مرة وما زلت مصرا على انه مع أول وتد لخيمة لاجئ فلسطيني تم دقها في الأرض عام 1948، كان ذلك الوتد في ظهر أمة كاملة سيأتي دورها والذي تعامى وتشاغل عن المشهد ظنا منه أن هذا سيحميه وأن الأزمة هي أزمة الفلسطيني وحيدا، لم يكن يدرك أن الدور سيأتيه لاحقا، بشكل متدرج بعد أن يتمكن مشروع الاحتلال، وهذا ما رأيناه حقا في دول عربية عديدة يتم تدميرها كل يوم كرمى لعيون الاحتلال. ما نشهده في غزة ليس استشهاد عشرات الآلاف فقط، والموت جوعا بين أبناء أمة هي الأثرى والأغنى في الإقليم والعالم، لكننا نشهد حالة إفناء لشعب كامل، توطئة لإفناء البقية، وتمهيدا للوصول إلى بقية الجغرافية الإسرائيلية الخاضعة للتخطيط والتنفيذ حاليا، وهذا يعني أن الدفاع عن الغزيين لا يعبر عن حالة دفاع عنهم فرادى، بقدر تعبيره عن وقوف في وجه مشروع إسرائيلي ممتد في كل المنطقة، لا يمكن مواجهته بالدعاء ولا الدموع ولا كثرة تكرار "حسبنا الله ونعم الوكيل" على أهميتها والتي تقال كل يوم مليون مرة، وهي بحاجة إلى فعل يتزامن معها، لا مجرد الركون. وفي الوقت الذي يتواصل فيه التفاوض حول غزة، تستمر العمليات الإسرائيلية، يهدمون البيوت ويقتلون البشر، حتى كأنك تشعر أن مجرد إطالة وقت التفاوض، وتأجيله، وفتح مواضيع جديدة، وإثارة خلافات ثم حلها ثم إثارة خلافات جديدة، يوفر فرصة لإسرائيل لمواصلة إجرامها ضد الغزيين، وهذا يفتح السؤال اليوم حول استغلال إسرائيل البشع للمفاوضات من اجل شراء الوقت وإكمال مهمة تدمير القطاع. سنرى قريبا احتمالات كثيرة من احتلال كل قطاع غزة، إلى ضم الضفة الغربية، إلى بدء مخطط التهجير طوعيا أو قسريا، وصولا إلى إنتاج محميات أمنية في كل المنطقة على شكل دويلات انعزالية، في سياق التقسيم، ولحظتها لا تلوموا أحدا فقد انتظر الجميع دورهم وهم يتفرجون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store