logo
قيمة الأدب الموريسكي/ ج1

قيمة الأدب الموريسكي/ ج1

الدستور٢٣-٠٧-٢٠٢٥
الحلقة 5
لم يبقَ لأولئك الموريسكيين، بعد أن انفرط عقد دولتهم الزاهرة، وسقط تاج عزتهم تحت وطأة محاكم التفتيش وحبال المكر الكاثوليكي، من سبيل يصونون به ميراثهم الإسلامي إلا الاحتماء بالعلم المستتر، وتحصين النفوس بزاد المؤلفات السرية التي تلبي حاجاتهم في العبادات والشعائر. وقد وجدوا العون في بعض الفقهاء من ديار المغرب والأندلس، أمثال الشيخ الإمام أحمد بن بو جمعة المغراوي الوهراني، الذي وجَّه إليهم في غرة رجب سنة 910هـ/28 نوفمبر 1504م رسالة جامعة تفيض نصحاً وحنواً.
في تلك الرسالة، دعاهم إلى تثبيت أركان التوحيد في الصدور، والإقرار بنبوة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم– والتزام أحكام الشرع وإن اضطروا إلى التورية والتخفي. فأوصاهم بالصلاة ولو بالإيماء، وبإيتاء الزكاة ولو في صورة هدايا للفقراء، وبالتيمم ولو بمسح الجدران بالأيدي. وأمرهم إن أرغمهم النصارى على السجود للأصنام أو شهود صلواتهم، أن يعقدوا نية التوحيد، ويوجهوا القلوب إلى بارئهم جل شأنه.
كما دلّهم –إذا حملتهم القهر على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو تعاطي الربا– على أن يفعلوا ذلك مكرهين، منكرين في قلوبهم ما أكرهوا عليه. ولم ينسَ أن يبين لهم كيف يصونون عقائدهم إذا اضطروا إلى شتم النبي الكريم، أو إعلان أن المسيح ابن الله، وحضهم في خاتمة رسالته على ألا يبخلوا بمشاورته فيما يعرض لهم من أمور دينهم، واعداً بأن يرشدهم ويأخذ بأيديهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
إن هذا الأدب الموريسكي –الموسوم بالخميادي– قد تميز بقيمة لا تُقَدّر بثمن، فهو وثيقة تاريخية ناطقة بلسان الزمن، شاهدة على ثبات قوم على عقيدتهم في قلب محنة طاحنة. ولئن خفي على كثير من معاصرينا مكانة ذلك الأدب، فما ذلك إلا لبعد عهدهم عن تلك الأحوال العصيبة التي عاشها الموريسكيون بين مطارق التنصير وسندان البطش.
هذا الأدب قدّم للباحثين واللغويين الإسبان ذخيرة علمية ثمينة؛ إذ وثّق طرائق نطق الحروف الإسبانية قبيل الثورة الصوتية الكبرى التي جرت بين القرن الخامس عشر والقرن السابع عشر للميلاد. وبفضل هذه المخطوطات الخميادية، استطاع علماء الأصوات أن يقفوا على مخارج الحروف وحركات اللسان في تلك العصور، وهي فائدة جليلة لا يعرف قدرها إلا أهل التحقيق.
وقد عُثر على جملة من المخطوطات النفيسة في المكتبة الوطنية بباريس وفي مكتبة مدريد الوطنية، تضمنت نماذج باهرة من التراث الخميادي. ففيها نصوص تعالج الجدل العقائدي بين المسلمين وأهل الكتاب، وفيها صفحات تستشرف مصير إسبانيا في غياهب المستقبل، فضلاً عن الأدعية المترعة بالتضرع، وابتهالات لرفع البلاء، ومسائل فقهية تنير السبيل.
أما من أعجب تلك النماذج: ما ورد في المخطوط رقم (4953) بمكتبة مدريد، وهو مؤلف معنًى بجدال المسلمين والنصارى، جاء بعنوان «أسطورة شرجيل بن شرجون». ابتدأ المؤلف هذا العمل –بعد البسملة– بعبارة: «هذه هي أسطورة شرجيل بن شرجون والأسئلة التي ألقاها على علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه».
وتدور حوادثه حول رجل مسيحي من بلاد الشام يدعى شرجيل، جاء في رهط من خمسين راهباً يسألون عن صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. وإذ كان الرسول قد لحق بالرفيق الأعلى، توجهوا بأسئلتهم إلى الإمام علي، الذي أجاب عنها كلّها بأدلة دامغة وافقت ما في الإنجيل. فما كان من شرجيل وصحبه إلا أن انقشعت عن بصائرهم غشاوة الشك، فأسلموا وحسن إسلامهم.
هكذا، ظل الأدب الموريسكي شهادة خالدة على أمةٍ صابرةٍ، عضّت على دينها بالنواجذ، وورّثتنا نفائس من التراث واللغة والتاريخ لا ينقضي العجب منها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الخوالدة يكتب : هل سيمنحني دولة الرئيس بضع دقائق قبل لقائه بالأمناء العامين؟
الخوالدة يكتب : هل سيمنحني دولة الرئيس بضع دقائق قبل لقائه بالأمناء العامين؟

سرايا الإخبارية

timeمنذ 26 دقائق

  • سرايا الإخبارية

الخوالدة يكتب : هل سيمنحني دولة الرئيس بضع دقائق قبل لقائه بالأمناء العامين؟

بقلم : د.سليمان علي الخوالده اللقاء المنتظر مع الأمناء العامين خطوة مهمة ورسالة واضحة بأن تحديث القطاع العام بات أولوية لا يقبل التأجيل . ولكن، قبل أن يبدأ هذا اللقاء الهام، أتساءل: هل سيمنحني دولة الرئيس بضع دقائق فقط؟ فأنا أمتلك تجربة واقعية وذاكرة مشبعة بالتناقضات المؤلمة، تجربة لا يمكن تصورها خاصة في ظل الجهود التي تقودها الحكومة لتحديث القطاع العام بتوجيه مباشر من جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه. أدرك أن الأمناء العامين هم الركيزة الأساسية في الوزارات – وهذا ما ينبغي أن يكون – لكن الحقيقة أن هناك تجربة باتت عبئًا على التغيير الايجابي وواجهة للجمود لا أداة للتجديد والتطوير. أطلب فقط فرصة لأضع بين يديكم، بشفافية وضمير حي، ما يجري في العمق . أؤكد أن كلماتي لن تكون شكوى فحسب، بل مفاتيح لتدارك ما يُدار في الواقع، وما أتمناه هو ما تريده دولتكم: إصلاح حقيقي مبني على الاصرار والإرادة، لا تجميل موجه . من أجل الوطن ، ومن باب المسؤولية ، اكاد اجزم بان دولتكم سيمنحني الدقائق

دحض الباطل
دحض الباطل

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 2 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

دحض الباطل

#دحض_الباطل د. #هاشم_غرايبه في منشور لأحد المتذاكين، يقدم شكره وعرفانه بجميل من يدعوهم بالكفار، على أنهم يقدمون النفع للبشرية، وينشرون المحبة ويحافظون على حقوق الإنسان، فيما المسلمون عالة على اختراعاتهم ولا ينشرون الا الموت والدمار، ولا ينسى في خضم تذكيره بابداعات هؤلاء أن يلحق أتباع كل الديانات (ما عدا الإسلام) بقائمة الخيّرين النافعين. يعتقد هذا أنه يمكن أن يمرر حديثه هذا بحجة نقد الواقع المريض من أجل إصلاحه، لكن المتمعن في حماسته المبالغة فيها لمعادي الإسلام، لا شك سيتنبه لمسعاه الخبيث بهدف نشر الإحباط والتيئيس لتبرير الإستسلام للأعداء. إن انتشار عاهة الإسلاموفوبيا بين بعض مثقفينا، ظاهرة استشرت مع الحملة الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، قد نتفهم النظرة المتعصبة لدى الغرب، فلذلك جذور تاريخية من الصراع المتواصل، لكن أن يتشرب الفكرة ويتحمس لها مثقف من أبناء الأمة، فهذا خلل ولكنه لا يعدو إصابة أصابت أحد إثنين: الأول من المنافقين التاريخيين الحاقدين على الإسلام، وهؤلاء ليس لعلتهم دواء، والثاني شخص عمي عن الصواب، اشترى بآيات الله ثمنا قليلا، قد يكون وظيفة أو دعما في إحدى المنظمات التابعة لأعداء المسلمين. مشكلة ليست في هؤلاء، فهم آفة موضعية من جسم الأمة، لكن ضررهم في نشر الأفكار التي تضعف من مقاومة الأمة فتفت من صمودها لتسقط في فك الأعداء الشرهين. دحض حجج هؤلاء المغرضين سهل، ولا تحتاج إلا لكشف تزييفهم للحقائق، لكني لا أكتب بهدف استعادتهم لصف الأمة، فمن أعمى الله بصائرهم عن رؤية الصواب، لا يمكن هداية بصيرتهم لاتباع الحق. إنما لإجل رفع مقاومة أبناء الأمة ممن يستهدفونهم بتضليلهم بهدف إحباطهم وإفقادهم الأمل بالخلاص من براثن الغزاة. إن ما يدعيه هؤلاء من أن الغرب لا همّ له إلا انقاذ البشرية من الأمراض، وتسخير علمه لصناعة ما فيه خير الناس وسعادتهم، هو تزييف وتدليس، فالدوافع وراء البحوث الطبية هي تحقيق الشركات الربح الهائل، بدليل أن كثيرا من الأوبئة ثبت أنه تم نشرها من قبل تلك الشركات الكبرى. أما أن الأوروبيون هم ناشرو حقوق الإنسان والتنوير والمعرفة، فيثبت التاريخ عكس ذلك، ولعل قصة الإستكشافات الجغرافية التي علمونا في المدارس أنها رسالة الغرب الحضارية، بينما هي في حقيقتها استعمار واسترقاق وأطماع في خيرات الآخرين. سأتحدث في هذا الشأن عن منطقة محددة وهي الفليبين تقع الفليبين في جنوب شرقي آسيا على شكل أرخبيل يضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة، وهي الدول العامرة بالخيرات والثروات الطبيعية ممَّا جلب عليها أطماع الدول الأوروبية، لكن الملاحظ ان جيرانها اليابانيين والصينيين تطوروا وتقدموا مع أن خيرات بلادهم أقل، السبب الوحيد هو أنهم لم يُستدفوا بأطماع المستعمرين الأوروبيين. انتشر الإسلام في جزر الفليبين كما في باقي مناطق جنوب وشرق آسيا في منتصف القرن الثالث الهجري عن طريق التجار، لكنه تعزز بنزوح كثير من العلماء إليها بعد سقوط بغداد بيد هولاكو. بدأ الاحتلال الأسباني للفليبين سنة 1565 م، أي بعد قرابة الخمسين عامًا من وصول ماجلان لشواطئها، وبعد قتال عنيف ومرير استولى الأسبان على مملكة «راجا سليمان» في الشمال، ودمر عاصمتها (أمان الله) وأقاموا مكانها مدينة جديدة أسموها (مانيلا). وخلال تلك الحروب كلها استخدم الأسبان كل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية، وتعاون معهم الهولنديون (رغم العداوة الشديدة مع الإسبان) الذين كانوا يحتلون اندونيسيا وصبغوها بصبغة دينية مقيتة، مما يكشف النزعة الصليبية. استمرت المقاومة الإسلامية في الفليبين بقيادة أبطال دوخوا المستعمرين أمثال 'ديبتروان قدرات' والسلطان 'نصر الدين' ضد الاحتلال الأسباني حتى عام 1898، حينما اضطر الحاكم الإسباني الى الهرب الى هونج كونج، وبعدها باع الإسبان لأمريكا الفلبين وكوبا وبورتريكو لقاء خمسة ملايين دولار. استكمل الأمريكان محاربة المجاهدين عن طريق تعزيز التنصير ومحاصرة وتجهيل المسلمين حتى اعلان استقلال الفلبين الصوري عام 1946 ، بعده استمر عملاؤها بالبرنامج ذاته، وشكل 'ماركوس' منظمة'إيلاجا' الإرهابية التي كانت تثير الذعر في قرى المسلمين. والى اليوم يعتبر الغرب مجاهدي جبهة تحرير مورو إنفصاليين، ولا يعترف بحقهم بالإستقلال فيما دعم استقلال مسيحيي جزيرة تيمور عن اندونيسيا الإسلامية. فهل ذلك يتوافق مع حقوق الإنسان التي يقول ذلك المتذاكي أن الغرب يقدسها!؟.

القس سامر عازر يكتب : كيف يستعيدُ عالمُنا بوصلتَه الإنسانيةَ التي انحرفَ عنها؟
القس سامر عازر يكتب : كيف يستعيدُ عالمُنا بوصلتَه الإنسانيةَ التي انحرفَ عنها؟

أخبارنا

timeمنذ 3 ساعات

  • أخبارنا

القس سامر عازر يكتب : كيف يستعيدُ عالمُنا بوصلتَه الإنسانيةَ التي انحرفَ عنها؟

أخبارنا : القس سامر عازر يشهد عالمُنا اليوم اختلالًا في القيم، وتشوهًا في الأولويات، وضياعًا في الاتجاه. صار الإنسان غريبًا عن عالمه، وتائهًا في ذاته، ومحاصرًا بأصواتٍ صاخبة تُشغله عن الإصغاء إلى نداء الحق، ونداء الضمير، ونداء الآخر. لقد انحرفت البوصلة الإنسانية حين قُلبت مفاهيم الخير والشر، فأصبح العنف يُسوَّق باسم الدين وباسم الحرية، والاحتلال يُبرَّر باسم الأمن، والقوة تُفرض بدل العدالة، وأُخمدت أصوات العقلاء في خضم ضجيج المصالح والصراعات. أين هي البوصلة الأخلاقية التي تُرشد الأمم إلى التعاطف بدل الاستغلال؟ إلى التعايش والوئام بدل الإقصاء؟ إلى العدالة بدل الهيمنة؟ إنها لم تُفقد، لكنها أُهملت، ورُكنت في زاوية النسيان. استعادة البوصلة الإنسانية ليست ترفًا فكريًّا، بل ضرورة وجودية. فالعالم المتصدع اليوم لا تنقصه التكنولوجيا ولا الذكاء، بل تنقصه الحكمة، والروحانية، والقلوب التي ترى، والعقول التي تُفكر بعمق لا بسطحية، والإرادات التي لا تنكسر أمام الإغراء ولا تتخاذل أمام الألم. نستعيد البوصلة حين نعيد تعريف "النجاح" بأنه خدمةُ الإنسان لا التحكّم به، وبأن "القوة" تكمن في بناء الجسور لا في تشييد الجدران، وبأن "الحق" لا يُصنع على موائد السياسة بل يُولد في ضمير الإنسانية. نستعيدها حين لا نخجل من إعلان تضامننا مع المظلوم، ولا نُسكِت ضمائرَنا تحت ذريعة الحياد، وحين نُربّي أبناءنا على أنَّ الكرامةَ لا تُجزّأ، وأنَّ الإنسانَ قيمةٌ مطلقة، لا تُحددها هويته ولا قوميته ولا دينه. إن البوصلة الإنسانية لا تُصنع، بل تُستعاد. والعودة إليها تبدأ من الذات: من تصالح الفرد مع الله ومع نفسه، ومن تصحيح خياراته اليومية، ومن جرأته على طرح السؤال الأخلاقي في كل موقف: أين هو الحق في هذا؟ وأين هو الخير؟ وعلى مستوى المجتمعات، فالمطلوب خطاب جديد يعيد الإنسان إلى مركز الاهتمام، ويواجه ثقافة التفاهة والاستقطاب بلغة الوعي والتفكير النقدي، ويستبدل الصراخ بالحوار، والخوف بالثقة، والانقسام باللقاء. قد تبدو هذه الكلمات حالمة، لكنها ليست كذلك. فقد أثبت التاريخ أنَّ الأمم التي تقرأ روحَها وتواجه أخطاءها، هي التي تنهض. أما التي تتوغّل في إنكار الانحراف، فإنها تُمعن في التيه. لذلك، فدعوتنا اليوم، في وجه الضياع، أن نُعيد ضبط البوصلة الإنسانية على قيم الحق، والعدل، والرحمة، والحرية المسؤولة. وكما قال أحدهم: "من لا يرى وجه أخيه الإنسان، لا يستطيع أن يرى وجه الله." فالعالم لا يحتاج مزيدًا من الأسلحة، بل مزيدًا من الإنسانية. فلنُحسن الاتجاه، ولنجعل من إنسانيتنا دليلاً نثق به في زمنٍ تكاثرت فيه الخرائط وقلّت فيه الوجهات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store