logo
العرب بين الأنا والآخر

العرب بين الأنا والآخر

الرياضمنذ 17 ساعات

«الأنا» العربية يجب أن تكون فاعلة لا مفعولًا بها، ومبادِرة بالخير والإصلاح ونقاء النيات لا شائبة ومتلقية، ويمكن أن نعيد صياغة علاقة متوازنة مع «الآخر»، علاقة تقوم على الاحترام والتبادل ووعي ببواطن الأمور والبحث عن الحق في مكانه لا على الحسد والغل، أو تسجيل المواقف السلبية وصناعة الصور النمطية وتراشق خطابات الكراهية..
في زمن تتغير فيه التحالفات ويُعاد فيه رسم خرائط القوة في العالم، تصبح وحدة الصف العربي دولا وشعوبا ضرورة لا رفاهية، فمصير الدول العربية مترابط، ومشكلاتها متشابهة، ومستقبلها لا يمكن أن يُبنى إلا على أساس من التقارب، والتعاون والتفاهم والاحترام المتبادل. العلاقات المثالية بين العرب ليست خيارات حالمة، بل خيار استراتيجي تتطلبه مصلحة الجميع.
الواقع السياسي والوضع الاقتصادي يبرزان قضية جوهرية تتصل بهوية واتجاهات الإنسان العربي وتفاعلاته مع محيطه العالمي والإقليمي عامة، ومع محيطه العربي خاصة. وتعتبر هذه القضية تداخلاً بين الثقافات، وصراعاً في بعض الأحيان، وتفاهماً في أحيان أخرى. فالعلاقة بين "الأنا" العربي و"الآخر" -سواء كان الآخر غربياً أو شرقياً، قريباً أو بعيداً- ليست علاقة بسيطة، أو أحادية الاتجاه، بل هي علاقة مركبة، تتأثر في سطحها بالتاريخ والسياسة والدين والثقافة، وتتأثر في عمقها بالتوجيه الإعلامي والتواصلي الذي يسعى إلى تشكيل اتجاهات مقصودة خادمة لمسارات، أو توجهات أطراف، أو أحزاب وتيارات معينة.
من أظهر وأثقل وأنشط مؤثرات التعرية في العلاقة مع الغير وبالذات الغربي حين بدأت تظهر بشكل واضح إشكالية النظرة إلى "الآخر" الغربي، بوصفه المستعمر والمتفوق علمياً وتقنياً، مقابل "الأنا" التي تعاني من التراجع والتبعية. هذا التباين ترك أثراً عميقاً في وجدان الإنسان العربي، حيث نشأت ثنائية معقدة تجمع بين الإعجاب بالغرب وتقدمه والتوجس منه، والرفض له باعتباره طرفا طفيليا يمثل تهديداً للهوية والانتماء يسعى لمصالحه الخاصة على حساب قيم ومصالح الشعوب.
في حالة "الآخر" العربي وبرغم ما يجمع العرب من روابط دينية، وقومية، وتاريخية للأسف في أصلها تبرز أحيانًا نزعات انقسامية وتقاطعات متناقضة تغذيها المصالح السياسية الضيقة، والتدخلات الأجنبية، واختلاف الأولويات الوطنية. كما أن المواقف المختلفة من قضايا محورية كالقضية الفلسطينية، الأزمات في سورية والسودان وليبيا واليمن، أو حتى التعامل مع القوى الدولية الكبرى، أفرزت تحالفات متباينة وأحيانًا متضادة بين الدول العربية.
وبدلًا من العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة وتنوير المواطن البسيط، يُنظر في بعض الأحيان إلى المحيط العربي باعتباره منافسًا، أو حتى خصمًا. وقد يكون ذلك بسبب الأداء والمحتوى الإعلام الموجه الذي صنع حالة من التعليب الفكري لفهم الآخر كما ترتبه وترغبه الآلة الإعلامية فصنعت جهلا مطبقا وتضخيما للأنا على حساب الآخر كرّس هذه الصورة السلبية لدى الفرد البسيط فتأطرّ المواطن العربي في قوالب مقصودة، وتوجهات محددة. فكانت النظرة المتبادلة بينهم كثيرًا ما تشوبها الشكوك والاتهامات، وتعززت بالانتقادات والمطالبات والعواطف المائلة عن الوعي، خاصة في أوقات الأزمات والنزاعات، وتأثرت بالأحداث السياسية والتحولات الإقليمية والدولية لذلك دوما ما تشهد العلاقات تذبذبا.
من المنطق أن الخطاب الشعبي قد لا يعبر عن الخطاب الرسمي والعكس صحيح فقد يكون الخطاب الرسمي لا يعبر عن الخطاب الشعبي ولكن ما يحدث هو انفصال واقعي في استيعاب الأبعاد والغايات وبروز مأزق من العلاقة المربكة مع الآخر العربي بالذات، خصوصا أن الوسائل التواصلية التي سمحت للمواطن البسيط أن يسجل موقفا، أو يبدي رأيا في غالبه تشوبه الجهالة ومركب من النوازع والدوافع الفردية، فصار يتطفل ويتطرق لموضوعات هي أكبر من فهمه، ويتبنى اتجاهات متناقضة محمولة على متطلباته وأطماعه الخاصة.
ويبقى القول: يحتاج المواطن العربي الذي يسعى لبث خطاب عدائي أن يرتب أولوياته ويتصالح مع ذاته وواقعه ويحاول تفهم مجريات الأمور بعيدا عن ميوله وتعصبه لفكرة معينة تقوده للانغلاق، أو التبعية. "الأنا" العربية يجب أن تكون فاعلة لا مفعولاً بها، ومبادِرة بالخير والإصلاح ونقاء النيات لا شائبة ومتلقية، ويمكن أن نعيد صياغة علاقة متوازنة مع "الآخر"، علاقة تقوم على الاحترام والتبادل ووعي ببواطن الأمور والبحث عن الحق في مكانه لا على الحسد والغل، أو تسجيل المواقف السلبية وصناعة الصور النمطية وتراشق خطابات الكراهية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب.. و«القوى الناعمة» !
ترمب.. و«القوى الناعمة» !

العربية

timeمنذ 6 ساعات

  • العربية

ترمب.. و«القوى الناعمة» !

ظل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يتبنى مقاربة مغايرة تماماً لمفهوم «القوة الناعمة» كما صاغه المفكر جوزيف ناي، حيث مال بقوة نحو تعظيم أدوات «القوة الصلبة»؛ ممثلةً في التفوق العسكري والضغوط الاقتصادية، على حساب الأدوات الدبلوماسية والثقافية التي تشكِّل جوهر القوة الناعمة. وقد لخّص ناي هذا التحول في مقال له بمجلة «فورين أفيرز» (2018) حين أشار إلى أن سياسات ترمب القومية ومواقفه تجاه الحلفاء أسهمت في تراجع القوة الناعمة الأمريكية. كما أكد في كتابه «The Future of Power» أن المزج المتوازن بين القوة الصلبة والناعمة يبقى ضرورياً للقيادة العالمية، الأمر الذي تهمله بعض الإدارات الأمريكية. يتمثّل هذا الإهمال في سياسة «أمريكا أولاً» التي قادت إلى انسحابات متتالية من تحالفات ومؤسسات دولية كبرى مثل منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، مما يضعف الأدوات الدبلوماسية الأمريكية. كما تجلّى في القرارات المالية التي استهدفت تقليص برامج التبادل الثقافي مثل «فولبرايت» وهيئات الإعلام الدولي مثل «صوت أمريكا»، ناهيك عن خطط خفض ميزانية الخارجية بنسبة 50% التي كشفت عنها «رويترز» والتي كانت ستؤدي إلى إغلاق عشرات البعثات الدبلوماسية. في المقابل، يذهب بعض المؤيدين للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن أساليبه المباشرة في التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشكّل نوعاً من القوة الناعمة، إذ نجح في استقطاب قاعدة شعبية عريضة في العديد من الدول عبر خطابه المعادي للنُخب التقليدية. في حين يرى بعض الخبراء أن هذا الأسلوب زاد من حدة الاستقطاب الدولي أكثر مما ساهم في تعزيز الجذب الثقافي أو السياسي الأمريكي. في الواقع، يبدو أن ترمب -بعيداً عن الانطباع السائد- كان يمتلك وعياً حاداً بمحدودية تأثير القوة الناعمة في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها النظام الدولي. لقد أدرك باكراً أن زمن الهيمنة الأمريكية الأحادية قد ولّى، وأن العالم يشهد صعود قوى جديدة تتحدى الثنائية الصلبة/ ‏الناعمة التقليدية. تصريحاته الأخيرة في الرياض، حيث انتقد «بناة الأمم» ومحاولات فرض الثقافة الأمريكية، تعكس فهماً عميقاً لتحولات العصر: فالشعوب اليوم ترفض الهيمنة الثقافية كما ترفض الهيمنة السياسية، وهي تصنع نهضتها معتمدة على مقوماتها الحضارية الخاصة. لقد اختار ترمب عن قصد التركيز على القوة الصلبة ليس لأنه يجهل أهمية القوة الناعمة، بل لأنه رأى أن زمن القوة الناعمة التقليدية -بآلياتها وخطابها- قد ضعف. في عالم تتصارع فيه الحضارات أكثر من أي وقت مضى، وتتنافس فيه النماذج التنموية قبل أن تتنافس الرؤى الثقافية، كان ترمب يقدم قراءة واقعية -وإن كانت قاسية- لطبيعة المرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي. ربما يكون التاريخ هو الحكم الأفضل على مدى صحة هذه الرؤية من عدمها.

على أعتاب جولة خامسة.. قضايا خلافية وعقبات أمام المفاوضات الأميركية الإيرانية
على أعتاب جولة خامسة.. قضايا خلافية وعقبات أمام المفاوضات الأميركية الإيرانية

الشرق السعودية

timeمنذ 8 ساعات

  • الشرق السعودية

على أعتاب جولة خامسة.. قضايا خلافية وعقبات أمام المفاوضات الأميركية الإيرانية

تنطلق في العاصمة الإيطالية روما، الجمعة، الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية الأميركية غير المباشرة بشأن برنامج طهران النووي، فيما لا تزال بعض الملفات الخلافية قائمة بين الجانبين، فيما تخوض الترويكا الأوروبية سباقاً بين الحل الدبلوماسي، أو فرض عقوبات جديدة على طهران، إذا لم تصل المحادثات النووية مع واشنطن من جانب، والأوروبيين من جانب آخر إلى "نهاية سعيدة". وعقدت إيران والولايات المتحدة، أربع جولات من المحادثات النووية بوساطة عُمانية منذ 12 أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى اتصال بين الخصمين منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، إذ تهدف المحادثات إلى التوصل إلى اتفاق جديد يحد من الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات، ولكن لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات، أبرزها مسألة تخصيب اليورانيوم. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في منشور عبر منصة "إكس"، الجمعة، إن "إيجاد طريق للتوصل إلى اتفاق ليس بالأمر الصعب: عدم وجود أسلحة نووية يعني وجود اتفاق، عدم التخصيب يعني عدم وجود اتفاق. حان وقت اتخاذ القرار". وفي مقابلة خاصة مع "الشرق"، قال عراقجي إن عملية تخصيب اليورانيوم "تُشكل العقبة الرئيسية في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي"، مشيراً إلى أن "طهران لا تستجيب إلى لغة التهديد، ولهذا اختارت أن تكون المفاوضات غير مباشرة مع الطرف الأميركي". وأضاف: "أجرينا حتى الآن 4 جولات من المفاوضات، واحدة منها كانت في روما و3 جولات في مسقط، ويمكنني القول إن هذه المفاوضات جرت في جو محترم للغاية، وقد توصلنا إلى تفاهم في العديد من المجالات، لكن لا تزال هناك خلافات قائمة في عدة مسائل، لا سيما فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم". وتابع: "لا يزال هناك اختلاف جوهري بيننا وبين الطرف الأميركي، وهذا الموضوع يُعد العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق، ولن يكون هناك أي اتفاق حتى يتم حله". وأوضح أن التخصيب بالنسبة لإيران يعد "مسألة جوهرية وأساسية، فهو إنجاز علمي كبير في مجال معقد للغاية، تم تحقيقه بجهود العلماء الإيرانيين، ولم يُستورد من الخارج، ولم يتم الحصول عليه من أي دولة خارجية، بل هو إنتاج محلي خالص، ولهذا السبب، فهو ذو قيمة عالية جداً بالنسبة للشعب الإيراني، وبالأخص أننا تعرضنا لعقوبات بسبب التخصيب". وقال عراقجي: "فيما يتعلق ببناء الثقة وزيادة الشفافية حول برنامجنا النووي، فلا توجد لدينا أي مشكلة في ذلك، ويمكننا التفاوض بهذا الشأن، لكن لن نفاوض على أصل التخصيب، أما إذا كان الهدف شيء آخر، يتضمن مطالب غير منطقية، أو يسعى إلى حرمان إيران من حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فإننا بالتأكيد سنواجه مشكلة، ولن نتمكن من التوصل إلى اتفاق". وفي تصريحات سابقة، تطرق عراقجي في لقاء مع التلفزيون الايراني إلى اتفاق عام 2015، قائلاً: "عندما قلت إن الاتفاق النووي لم يعد فعالاً ولا فائدة لنا من إحيائه، كان ذلك لأن الاتفاق من جانب رفع العقوبات يحتاج إلى تغيير، والبرنامج النووي الإيراني في وضع لا يسمح بالعودة إلى ما قبل هذا الاتفاق". واشنطن: نسير في الاتجاه الصحيح يأتي ذلك فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، الخميس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ناقشا في اتصال هاتفي "اتفاقاً محتملاً مع إيران". وأضافت ليفيت في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، أن ترمب "يعتقد أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح" بشأن الوصول إلى اتفاق محتمل مع إيران. وأشارت ليفيت إلى أن ترمب "أكد بوضوح تام، ليس فقط لنتنياهو، بل للعالم أيضاً، أنه يريد إبرام اتفاق مع إيران.. ولا يريد أن يضطر للجوء إلى الخيار الأكثر قسوة على إيران"، مضيفة أنه "يريد أن يرى اتفاقاً". وذكرت ليفيت، أن "الصفقة المحتملة مع إيران يمكن أن تنتهي بطريقتين، بحل دبلوماسي إيجابي للغاية، أو بوضع سلبي للغاية بالنسبة لإيران"، مضيفة أنه "لهذا السبب سنعقد المحادثات" مع طهران في روما. وفي وقت سابق، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن ترمب ونتنياهو "اتفقا على ضرورة ضمان ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً". ويأتي الاتصال بين ترمب ونتنياهو، قبل يوم من استضافة العاصمة الإيطالية روما، خامس جولة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة سلطة عمان. وأفادت مصادر "الشرق" بأن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ومدير تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية، مايكل أنطون، سيشاركان في هذه المفاوضات، مضيفة أنه "من المتوقع أن تكون المناقشات في روما مباشرة وغير مباشرة، كما في الجولات السابقة". وقال مسؤولان إسرائيليان لموقع "أكسيوس" الأميركي، إن وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس جهاز "الموساد" ديفيد برنياع، سيلتقيان ويتكوف في روما على هامش المحادثات، إذ تهدف زيارة المسؤولان الإسرائيليان إلى "تنسيق المواقف" بين أميركا وإسرائيل، والحصول على "إحاطة مباشرة فور انتهاء الجولة التفاوضية". وعلى الجانب الآخر، يبدو أن الأوروبيين، ومن خلال مجموعة "الترويكا الأوروبية"، المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا المعروفة بدول E3، وهي الدول التي وقعت على اتفاق 2015، شعرت بضرورة بدء مفاوضات مع إيران، والحاجة إلى الانفتاح عليها، وإجراء محادثات خاصة، بعد الحديث الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترمب، عن إمكانية إحداث خرق في هذا المسار، وقُرب التوصل إلى اتفاق مع إيران، بشأن برنامجها النووي، وهذا ما حدث قبل أيام في إسطنبول. وكشف الأوروبيون عن هذا لقاء مع المسؤولين الإيرانيين، بينما كان مسؤولون فرنسيون بريطانيون يلوحون بفرض عقوبات جديدة على طهران من خلال تفعيل آلية "العودة السريعة" أو "الزناد"، وهي جزء من اتفاق 2015، يتيح إمكانية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن على طهران في حال انتهاكها الاتفاق النووي.

زيارة ترمب: متغيرات المواقف والسياسات
زيارة ترمب: متغيرات المواقف والسياسات

الشرق الأوسط

timeمنذ 16 ساعات

  • الشرق الأوسط

زيارة ترمب: متغيرات المواقف والسياسات

أول ما يمكن قوله إنّ زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية كانت غير زيارته الأولى تماماً. ففي المرة الأولى جاء ساخطاً متوعداً وتحدث عن فضل أميركا في الدفاع عن الخليج، وكأنما حَدَثُ عام 2001 إنما وقع بالأمس. كما أنّ الجيوش الأميركية كانت قد عادت إلى العراق وسوريا لمقاتلة «داعش» و«القاعدة». ولذا؛ كان جمع المملكة العرب والمسلمين آنذاك رغم التوقعات الكبيرة – محدود الأثر، رغم القدرة الفائقة للمملكة في الجمع الحاشد والأطروحات الواضحة. إنّ الذي حدث في الزيارة الثانية مختلفٌ تماماً؛ فقد جاء الرئيس طالباً للاستثمار والشراكات وتحدث عن المستقبل المشترك وليس في مجالات الاستثمار فقط؛ بل وفي التعاون في التصدي لمشكلات المنطقة والتي وضعت المملكة والخليجيون أجنداتها وحلولها. منذ عام 2001 صارت بؤرة المشاكل عندنا، وانصرف الأميركيون لشن الحرب العالمية على الإرهاب، والتشارك مع إسرائيل وتركيا... وإيران في التصدي للمسائل التي تراها الولايات المتحدة أولويات. انتهى كل ذلك في الزيارة الثانية وعادت أضلاع المنطقة وهيكليتها التي ينبغي ترميمها إلى مكانها الصحيح. ومنطقة الخليج (العربي) هي الأولى في قرار المنطقة العربية. المتطرفون وشركاء الولايات المتحدة هم المسؤولون عما حدث في المنطقة (العربية) من خراب ولا يزال يحدث، ويأتي الدور العربي منطلقاً من الخليج للإسهام في وقف الانهيار وصنع جديد الاستقرار وإنهاء مآسي القتل والتهجير. وثاني ما يمكن قوله عن الفروق بين الزيارتين هو التأهل الكبير الذي آلت إليه الدول الوطنية في الخليج وذلك لجهة خططها التنموية الهائلة، ولجهة علاقاتها وشراكاتها الاستراتيجية في العالم. منذ عقدٍ وأكثر دخلت المملكة في مجموعة العشرين، وهي التي أنقذته في زمن «كورونا». واليوم هناك عشرات الاتفاقيات مع الدول الكبرى والمتوسطة في سائر القارات، مع مدّ اليد للدول الصغرى والمحتاجة، والتدخل بالمعنيين الإنساني والسياسي لصالح الأمن وحلّ المشكلات. ولذلك؛ بمعنًى من المعاني، فإنّ الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين والهند هي في حاجةٍ إلى مبادرات الخليجيين وإلى وساطاتهم وتعاونهم. والمجالات الاقتصادية والاستثمارية شديدة الأهمية؛ بيد أنّ الأهمّ الفكرة والإرادة والمبادرة والمتابعة. كانت لدينا مشكلات تبهظ الكواهل، وصارت لدينا رسالة نتوجه بها إلى العالم. وكان الرئيس الأميركي وبلاده ذات المصالح الكبرى في سائر أجزاء المنطقة بين أوائل من أدركوا ذلك. لقد عدّه بعض المراقبين مجاملاً في أحاديثه عن القيادة لدى الخليجيين. بينما الواقع أنهم هم الذين طرحوا المطالب والخطط، سواء لجهة الاستثمارات الكبرى في المجالات المتقدمة، أو لجهة القضايا والمشكلات التي تتطلب حلاً، وفي طليعتها القضية الفلسطينية. والفرق الثالث - إذا صحَّ التعبير - بين الزيارتين أنه في الأولى كانت الأولوية لاستمرار الحرب على الإرهاب ورفع الأنصبة في دعم الجيش العظيم. أما هذه المرة فقد التفت الجميع وبمبادرةٍ من عرب الخليج لمشكلات المنطقة التي يشكّل التصدي لها الشرط الثاني للنجاح في التطوير والازدهار بعد الاستعداد الذاتي واستتباب الشراكة التعاونية. كانت هناك القضايا السورية، واللبنانية، والليبية، والسودانية والفلسطينية من قبل ومن بعد. وكلها قضايا كانت المملكة قد بادرت مع شقيقاتها (ومع الولايات المتحدة) لاقتراح حلولٍ وتطوير مبادرات والتدخل لدى سائر الأطراف للمضيّ قُدُماً. وعن معظم هذه القضايا تحدث الرئيس ترمب وبادر ولم يكتم أنّ المطالب كانت من جانب مضيفيه. لقد قابل أحمد الشرع ورفع العقوبات عن سوريا فتوقفت الهجمات الإسرائيلية، وخفّت محاولات الفتنة الداخلية واضطر الأكراد إلى العودة للتفاوض ما دام الأميركيون سيتركونهم مع الحكومة للاتفاق. كل المشكلات الأخرى جرى التفكير فيها وستجري متابعتها، وأهمّ ما يشغل الجميع وقف النار والإبادة في غزة. لقد كان مطلباً عربياً وإسلامياً ودولياً، وهو الآن مطلبٌ أميركي أيضاً! أين بدأت المشاكل؟ يختلف عليها الأميركيون مع العرب. يقول الأميركيون إنها بدأت حقاً بهجوم «القاعدة» على الولايات المتحدة. ويقول العرب إنها بدأت بغزو الولايات المتحدة للعراق. لكنّ الطرفين يتفقان أن الخراب والاضطراب بالمنطقة وما وراءها ينبغي مواجهته معاً والمبادرة تعود لأيدي أهل المنطقة بعد كفّ الأيدي التي أثارت الاضطراب وعدم الاستقرار، ونشر الطائفية والفوضى. في السعودية سأل ترمب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هل ينام؟ وفي قطر قال إنه لا يجوز قبول المجاعة في فلسطين، وفي أبوظبي وقد اشتدّ إعجابه بجامع الشيخ زايد قال إنه يريد أن يبني مسجداً! هي بداية جديدة واعدة، لكنها أتت بعد تجارب هائلة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store