logo
إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

الشرق الأوسط٠٤-٠٥-٢٠٢٥

لا تحتاج إلى لندن جورج أورويل في روايته «1984» لتتعرف على عالم أصابته جائحة القُبح، التي كانت خيالاً روائياً عندما نُشرت عام 1949، متوقِّعةً عالم الأخ الأكبر والشمولية، والتي راح ضحيتها بطل الرواية بعد انهيار نفسي في بحثه عن مخرج. لا تحتاج إلى الخيال عندما تتعرف على عام 1979 في الشرق الأوسط الكبير؛ من أفغانستان إلى مصر. ففي هذا العام تعرضت المنطقة لفيض من التقلبات والأحداث والجوائح التي غيَّرت المنطقة.
لا يحتاج الأمر إلى دارس مثلي كي يلخص هذه الأحداث الواضحة، وإنما إلى متابع عاديٍّ حصيف. ولكن ربما يكمن دوري في تتبع خريطة الدم التي سالت في المنطقة منذ عام 1979. بدأ العام بالثورة الإيرانية في فبراير (شباط) 1979 التي غيَّرت وجه إيران ونقلتها آيديولوجياً لتصديرها خارج الحدود. بعد ذلك بشهر واحد وقَّع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد في مارس (آذار) 1979، والتي أدَّت إلى عزلة مصر عربياً وقبولها في العالم الغربي، وما زال الحديث مستمراً عمَّا إذا كان الاتفاق قزَّم الدور المصري إقليمياً أم وسَّعه عالمياً؟ وهل جنت مصر ثمار السلام أم دفعت ثمناً أكبر بالخروج من صراع بدأ محسوماً لمصلحتها بعد نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973؟ صراع امتد حتى ثورة 2011 وما بعدها عن الهوية وطبيعة النظام السياسي وغيرهما.
ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 اقتحمت الحرم المكي مجموعة إرهابية قادها جهيمان العتيبي. وما هو إلا شهر آخر حتى غزا السوفيات أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) 1979 ليُنتج هذا الغزو مشروعاً بلغ ذروته في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي سقطت فيها أبراج نيويورك، وضُرب فيها «البنتاغون»، واهتزت معها قوة أميركا الاقتصادية والعسكرية، والتي حولت أميركا إلى أسد جريح يحتاج إلى استعادة هيبته بغزو العراق وأفغانستان. دماء كثيرة سالت. ينابيع من الدم تفجَّرت عام 1979. هذا هو الملخص باختصار.
فهل كل ما نراه من حولنا هو مجرد سيل من دماء عام واحد هو 1979 أم أن في ذلك مبالغة؟ وهل حدثٌ مثل «طوفان الأقصى» 2023 هو أيضاً من تبعات 1979 أم أنه تأسيس لمرحلة جديدة ربما بتبعات أكبر؟
تبعات هذا العام الذي أدى إلى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ومن بعدها إلى مقتل الرئيس السادات أمام جنوده في السادس من أكتوبر 1981، غيَّرت سياسات وتوجهات بلد كبير مثل مصر، وأدخلتها في مواجهات مع التطرف حتى قضت عليه في آخر أيام الرئيس الراحل حسني مبارك، ومع ذلك لم يُشفَ البلد من اشتباك التصورات الدينية مع السياسة.
أما المملكة العربية السعودية فقد اتخذت سياسات مختلفة منذ ذلك العام حتى وصلت إلى ما نراه اليوم، بلد لم يعد للتطرف مكان فيه، وصاغ مكانته بين الدول بشكل لافت.
وقد تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن عام 1979 في أول لقاءاته التلفزيونية، مما يوحي بإدراك تام لخطورة ما جرى، وأن طريق الازدهار هو السير بعيداً عن طريق 1979.
أما أفغانستان فما زالت تخوض في المنعطف نفسه، مما يجعل موضوع استشفاء هذا البلد المسلم القديم أمراً يحتاج إلى سنين طويلة من العلاج. عدم فهم اللحظة هو الذي جعل أفغانستان مأوى الجماعات المتطرفة، وجعل كل أعوام ذلك البلد هو 1979؛ يدور فيه كأن الزمن لا يتحرك، يذهب فيه إلى نيويورك وواشنطن من خلال بن لادن وصحبه فيأتي إليه بالاحتلال الأميركي بعدها ليستمر عشرين عاماً.
أما إيران فما زالت متمسكة بذلك التاريخ، تاريخ بالنسبة إليها كالبحر فيه لحظات مد وجزر، وأن حديث الاستشفاء يبدو بعيداً.
السابع من أكتوبر 2023، هل سيكون تاريخاً يشبه 1979؟ وإلى أين يأخذ المنطقة والعالم؟ وفي أي اتجاه؛ هل سيكون في اتجاه الوعي العالمي بالإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة والتطهير العرقي، وبذلك يضع قضية أهل فلسطين على قمة الأجندة العالمية على أنها آخر احتلال ومشروع فصل عنصري بقي في العالم الحديث، أم أنه سيكون لحظة يلوم فيها بعض العرب أنفسهم بأنه يومٌ زادَ من تفاقم كارثة الشعب الفلسطيني وأدخلَ القضية الفلسطينية في نفق الثأر والغضب مما سيؤدي إلى زوالها بأيدي أصحابها؟ هذه أسئلة تحتاج إلى تفكير عميق، فقد تحدث الفلسطينيون كثيراً عن عام النكبة في 1948 الذي كان شبيهاً بعام 1979، ولكن لم تُتخذ التدابير التي تجعل تكراره أمراً مستحيلاً، أو اتخاذ انحناءة سياسية تأخذه بعيداً عن طريق ومسار يؤدي إلى النتيجة نفسها.
إعادة قراءة 1979 بعيون جديدة ورؤية نقدية، ضرورة. وهذا ليس ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة سياسية لفهم ما جرى وما يجري. وكذلك الأمر بالنسبة إلى 7 أكتوبر 2023. فالسنوات مثل البشر؛ حين تنزف تترك خرائط من الدم لا يمكن تجاهلها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أنور السادات الجنرال الداهية
أنور السادات الجنرال الداهية

العربية

timeمنذ 4 أيام

  • العربية

أنور السادات الجنرال الداهية

الضباط المصريون الذين قادوا حركة الجيش المصري ضد الملك فاروق، في 23 يوليو (تموز) سنة 1952، حملوا رتباً عسكرية متوسطة بين الرائد والمقدم. في ساعات قليلة تمكنوا من السيطرة على مصر، وأخرجوا الملك من البلاد. شكَّلوا مجلساً لقيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب. كانت خبرتهم السياسية محدودة، ودخلوا مبكراً في حراك سياسي واجتماعي واقتصادي داخلي وخارجي. اللواء نجيب كان الورقة التي كُتب عليها عنوان حركة الضباط، بحكم ثقل رتبته العسكرية وحضور اسمه، بصفته شخصية وطنية غير محسوبة على الملك فاروق. بعد إبعاد اللواء محمد نجيب عن حلبة السلطة، تقاسم أعضاء مجلس قيادة الثورة المناصب الوزارية، والمراكز الإدارية والأمنية والسياسية. شخص واحد من بينهم احتفظ بكرسي الظل، خلف جمال عبد الناصر الذي كان يسميه المعلم، وهو البكباشي أنور السادات الضابط الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي سُجن في العهد الملكي، وطُرد من الجيش، ووُجهت له تهمة الاشتراك في اغتيال الوزير أمين عثمان. هام السادات على وجهه متنكراً، ومارس أعمالاً متواضعة من أجل لقمة العيش. لكنه لم ييأس أو يُحبط، وتمكن بدهائه أن يعود إلى الجيش، ملتحقاً بالحرس الملكي الحديدي. ضمّه جمال عبد الناصر إلى الخلية الأولى في تنظيم الضباط الأحرار. في ليلة القيام بالثورة، ذهب مع زوجته جيهان إلى السينما، وافتعل مشاجرة مع رجل يجلس بجانبه في قاعة العرض، واشتكاه في قسم للشرطة؛ تحسباً لما قد يحدث إذا فشلت الحركة وتم القبض على شركائه في التنظيم العسكري. نجحت الحركة وقام أنور السادات بإذاعة بيانها الأول. في ملاسنة بينه وبين زميل له في مجلس قيادة الثورة، قال له لقد تهربت ليلة الثورة وافتعلت معركة في السينما، رد عليه السادات قائلاً، أنا الوحيد بينكم جميعاً الذي دخل السجن لأسباب سياسية. في لقاء طويل لي بطرابلس مع خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، قال، لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر زعيماً كبيراً، أما الرئيس أنور السادات، فقد كان داهية سياسية دون منازع. لم ينافس على المناصب، وكان يقبل بالمكان الذي يضعه فيه المعلم جمال عبد الناصر طائعاً صامتاً. أعطى ابنه الأول اسم جمال، وكتب له كتاباً بعنوان «يا ولدي هذا عمك جمال». انفرط عقد مجلس قيادة الثورة، بعدما صار جمال عبد الناصر الزعيم الأوحد، وله وحده القرار، ولم يبق معه من الأعضاء سوى أنور السادات وحسين الشافعي. عيّن حسين الشافعي نائباً له. بقرار مفاجئ عيّن عبد الناصر السادات نائباً له، دون أن يحدد من هو النائب الأول ومن هو الثاني. رشحت أخبار تقول إنَّ جمال عبد الناصر وصلته معلومات استخباراتية، قبيل مغادرته إلى الرباط للمشاركة في مؤتمر القمة العربي في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 1969، تفيد بأنه قد يتعرض لمحاولة اغتيال في الرباط، فقرر تعيين السادات نائباً له. لكن أعتقد أن تسريب هذا التبرير، كان الهدف منه الغمز في مدى ثقة عبد الناصر في قدرات أنور السادات القيادية، وكان أحد الصحافيين المصريين الكبار، المقرب من جمال عبد الناصر، هو مدبّج ذاك الغمز. السادات كان هو الأقرب إلى الرئيس جمال عبد الناصر في شهوره الأخيرة، حين تمكّن منه المرض، ونالت منه جروح الهزيمة. يقضي جمال عبد الناصر وزوجته تحية أمسياته مع السادات وزوجته جيهان في بيته. السادات يطوف به في تاريخ الحروب بما فيها من انتصارات وانكسارات، والقادة العظماء الذين ينهضون بقوة من رماد الضربات. خسارة ونستون تشرشل عندما كان وزيراً للبحرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى في موقعة غاليبولي بتركيا، وانسحابه مهزوماً في موقعة دنكرك، في الحرب العالمية الثانية، وفي الختام قاد بريطانيا وحلفاءها إلى النصر على هتلر وموسوليني. رسما معاً رؤية المستقبل السياسية، واتفقا على أن الحل في الصراع مع إسرائيل، لا بد أن يكون سياسياً، وأن إزالة آثار العدوان واستعادة سيناء هي هدف مصر الأكبر، وأن أميركا بيدها أوراق الحل. في مثل هذا الشهر من سنة 1971، كنتُ طالباً بجامعة القاهرة، وعشت معركة السادات الأولى، مع ما سُمي مراكز القوى، وهم مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر. توافقوا في البداية على دعم تولي أنور السادات رئاسة الجمهورية بعد رحيل عبد الناصر. حسبوه ضعيفاً ومن السهل السيطرة عليه وتوجيهه. لكنه يوم الخامس عشر من مايو (أيار) في تلك السنة تمكن بدهائه، من عزلهم جميعاً وهم من كانوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة، وألقى بهم في السجون، وشكَّل منظومة عهده الجديد السياسية والعسكرية والإدارية. بدأ في التعبئة الشاملة للمعركة مع إسرائيل، وخاض معها معركة التضليل الاستراتيجي. وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، تألق الجنرال أنور السادات وهزَّ العالم بتدمير خط بارليف الإسرائيلي، واندفاع الجيش المصري إلى سيناء. وبالدهاء والجرأة السياسية استعاد كامل سيناء. قال سياسي إسرائيلي: لقد استغفلنا الرئيس أنور السادات، أعطانا ورقة وأخذ مقابلها شبه قارة سيناء.

إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط
إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

Independent عربية

timeمنذ 5 أيام

  • Independent عربية

إيران والواقع الجديد داخل الشرق الأوسط

يتشكل واقع جديد في الشرق الأوسط ومن مؤشراته جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على دول في الخليج العربي وتأكيده العلاقات القوية والإستراتيجية بين بلاده والسعودية، لتنعكس هذه العلاقة على رسم ملامح جديدة للمنطقة، وبخاصة في ما يتعلق بإيران. وتعي إيران جيداً أن الواقع الجديد الذي يتشكل في وقت ضعف فيه مشروعها الإقليمي من خلال ضربات إسرائيلية عدة طاولتها وطاولت أذرعها في المنطقة عقب عملية "طوفان الأقصى"، ومع ذلك كان اتفاق المصالحة السعودي – الإيراني، الذي جرى بوساطة صينية في مارس (آذار) 2023 الماضي، نقطة انطلاق لها في محاولة تفادى تأثيرات سلبية أكبر عليها، ولا سيما مع عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض، ومن ثم فقد حرصت طهران على استمرار تحسن العلاقات بينها وبين الرياض لتيقنها من زيادة النفوذ السياسي والاقتصادي لدول الخليج، إذ يمكن للسعودية أن تلعب دوراً في تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أن تستفيد إيران اقتصادياً من تحسن العلاقات مع دول الخليج في إطار إجراءات بناء الثقة. وتشكل جولة ترمب الخليجية اختباراً حقيقياً لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية في المشهد الجيوسياسي سريع الخطى اليوم، ومع زيارة ترمب إلى المنطقة فقد ارتفعت التوقعات، إذ اُعتبرت نقطة تحول في إعادة تشكيل كيفية تعامل أميركا مع الشرق الأوسط، لذا ومن أجل بناء الثقة مع دول الخليج من جهة، وتفادى الإصرار الأميركي على مسألة التخصيب الصفري من جهة أخرى، والتي تعد إحدى النقاط الخلافية في المفاوضات في شأن البرنامج النووي الإيراني الجارية في سلطنة عُمان، فقد عملت إيران على اقتراح تشكيل "كونسورتيوم"، أي اتحاد إقليمي بينها وبين السعودية والإمارات لتشغيل وإدارة منشآت مشتركة لتخصيب اليورانيوم، ولكن على الأراضي الإيرانية، وهي خطوة تهدف إيران من ورائها إلى اقناع وشنطن باحتفاظها بعملية التخصيب حتى لو في مستويات منخفضة، لكن تحت رقابة خليجية وأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع أن الفكرة ليست حديثة وطرحت في السابق ومنذ عقود، فقد تكون هناك تخوفات من قبل دول الخليج أو حتى الغرب من فكرة أنه بإمكان إيران في حال إنشاء اتحاد إقليمي أن تصادر المنشآت وتطرد الموظفين والمراقبين من أراضيها، لكن وعلى رغم غلبة الرأي داخل إيران والذى يرى إمكان استفادة الأخيرة من العلاقات الأميركية – الخليجية، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى تجنب التهديدات العسكرية الأميركية، لكن هناك تياراً آخر ينظر إلى قوة هذه العلاقات بصورة سلبية، فيعتبر أن هناك لوبياً عربياً أكثر قوة من إسرائيل يسعى إلى تقييد إيران في المفاوضات النووية باستخدام النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، مع اتباع نهج عدم إثارة حساسية طهران قدر الإمكان وأخذ ضمانات أمنية منها. وهذا الرأي ربما يكون نابعاً من التشكك التقليدي الذي اعتادته العقلية الإيرانية في محيطها وتصور الأخطار من قبل جيرانها، فإيران تدرك حرص دول الخليج على عدم جر المنطقة إلى حرب، وبخاصة معها، وأن أهم أولويات الخليج الأمن والاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل خطط التطوير والتنمية الاقتصادية التي تشهدها، وأنه لولا قبول دول الخليج بسياسة دبلوماسية الجوار التي انتهجتها إيران لما حدث تحول في سياسة ترمب عن ولايته السابقة، والانتقال من مسار المواجهة إلى الدبلوماسية. كما أن إيران في ظل التغيرات الإقليمية تلك ليس أمامها سوى المسار الدبلوماسي للتعامل مع برنامجها النووي بصورة يمكن التحقق منها، من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، والأفضل لها أن تستفيد من توافق إستراتيجيات الولايات المتحدة والخليج تجاهها، والذي من شأنه تقليل المخاوف الإقليمية حيال سباق التسلح، مما ينتج إطاراً أمنياً يكون فيه الترابط الاقتصادي عاملاً من عوامل الاستقرار.

موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة
موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة

الموقع بوست

timeمنذ 6 أيام

  • الموقع بوست

موانئ اليمن.. من عصور الازدهار التجاري إلى ساحات المواجهة

وقد تأثرت معظم الموانئ بشكل كبير بعد اندلاع الحرب عام 2015، لا سيما بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على عديد منها، ثم شنت إسرائيل غارات جوية عليها ردا على الهجمات التي استهدفت السفن الإسرائيلية، وذلك في أعقاب العدوان على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي ما يلي أبرز الموانئ الإستراتيجية في اليمن: يقع في محافظة الحديدة، ويُعد ثاني أكبر ميناء رئيسي في اليمن. أنشئ عام 1961 في منتصف الساحل الغربي للبلاد المطل على البحر الأحمر بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي، وحظي باهتمام بعد اندلاع الثورة اليمنية عام 1962، فعملت القيادة السياسية على تطويره وتوسيعه. ويُعد ميناء الحديدة أكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر، وهو ذو قيمة اقتصادية كبيرة للبلاد، لاستقباله شتى الواردات وسفن الركاب والسياح، إضافة إلى كونه الممر الأول إلى جميع الجزر اليمنية المهمة، منها حنيش الكبرى والصغرى وجبل صقر. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، سيطرت جماعة الحوثيين على ميناء الحديدة بعد شهر من سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء. وفي العام التالي، أعلنت الجماعة توصلها إلى اتفاق مع إيران يقضي بتوسعة الميناء، واستمر الصراع عليه بعد ذلك لأهميته الإستراتيجية. وقد شن الجيش الإسرائيلي عددا من الغارات الجوية على ميناء الحديدة، مستهدفا منشآت مدنية بينها خزانات النفط بالميناء، مما نتج عنه حرائق شديدة، وذلك ردا على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل في أعقاب العدوان على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى. ميناء سقطرى حظيت جزيرة سقطرى باهتمام خاص من رئاسة الجمهورية اليمنية منذ القدم، نظرا لكونها من الجزر الإستراتيجية والمهمة في البلاد، وقد بادرت الحكومة بإنشاء رصيف ميناء عام 1996 بطول 45 مترا، مما أدى إلى حركة تجارية كبرى، تمثلت في الواردات من داخل البلاد والدول المجاورة. وقد كان ميناء سقطرى المنفذ البحري الوحيد لتموين الجزيرة بالمشتقات النفطية والمواد الغذائية، لكنه تأثر بشدة نتيجة الرياح العاتية وارتفاع الأمواج (تسونامي) عام 2004، مما دفع مؤسسة موانئ البحر العربي اليمنية الحكومية إلى ترميمه عام 2008. ميناء المكلا يُعد ميناء المكلا المنفذ البحري الوحيد في محافظة حضرموت المطلة على بحر العرب. أنشئ في حي "خلف" بمدينة المكلا، وافتُتح عام 1985 بهدف خدمة الحركة التجارية والنفطية بالمنطقة. يبلغ عمق الميناء الخارجي 15 مترا من نقطة التفرع، إذ تتجه قناة الميناء غربا بعمق 14.7 مترا، وتوجد به 4 مراس لمناولة النفط، إضافة إلى مرسى لشحن الغاز المسال. وبعد اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، سيطر الحوثيون على الميناء فترة من الزمن حتى استعادته الحكومة اليمنية بدعم من قوات التحالف. ورغم استمرار القتال، فإن الميناء ظل يؤمن احتياجات المواطنين الضرورية من مواد غذائية متنوعة ومشتقات نفطية ومعدات وآليات وغيرها. يُعرف ميناء عدن بأنه من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وقد صُنف في خمسينيات القرن الـ20 ثاني أكبر ميناء لتزويد السفن بالوقود في العالم بعد ميناء نيويورك. وهو من أهم المنافذ البحرية الإستراتيجية في البلاد، إذ يتحكم في مدخل البحر الأحمر من جهة الجنوب، وهو المنفذ الرئيسي لليمن على بحر العرب والمحيط الهندي. اشتُهر الميناء قديما بكونه سوقا لكبار تجار الشرق الأدنى واليونان، الذين أطلقوا على المدينة لقب "العربية السعيدة"، وتشير إلى ذلك بعض النقوش القديمة، وكذلك كتب الرحالة أمثال ماركو بولو وابن بطوطة. تمت أول عملية مسح بحري للميناء عام 1835، وبعد 5 سنوات بُنيت مستودعات للفحم، ثم أنشئ مركز جمركي عام 1847. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، أصبح للميناء دور بارز نظرا للخدمات التي كان يقدمها للسفن المتجهة من القناة وإليها، خاصة تموين السفن بالوقود. وبفضل موقعه الإستراتيجي تتمكن السفن المنتظمة من الوفاء بمواعيد زيارتها للموانئ الأخرى دون عناء وبشكل مثالي. كما أدرك تجار عدن أن قرب موقعه من الجزء الجنوبي للبحر الأحمر، وتحديدا عند مدخل مضيق باب المندب، يجعله موقعا مثاليا لتوفير خدمات مناولة بضائع الترانزيت. وقد سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على الميناء في أغسطس/آب 2019 بعد اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية. ميناء المخا أحد أهم الموانئ اليمنية، ويبعد 75 كيلومترا فقط عن مضيق باب المندب، و100 كيلومتر عن مدينة تعز. تميز بربطه بين "الثالوث القاري" أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب غرب آسيا، إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط. وهو من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، وكان السوق الرئيس لتصدير القهوة بين القرنين الـ15 والـ17، وقد اشتق اسم قهوة الموكا والموكاتشينو من اسم هذا الميناء. وإلى جانب القهوة، اشتهر الميناء بتصدير البخور وعود الآراك، كما استقبل اليمن عبره التوابل والأقمشة والمواشي من آسيا، وكذا من دول القرن الأفريقي. وقد اكتمل تشييد الميناء الجديد في المخا عام 1978، ويُعد شريانا أساسيا لتوريد نفط الخليج إلى أوروبا ومناطق أخرى من العالم عبر قناة السويس. وبعد اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، وقع الميناء تحت سيطرة جماعة الحوثيين، حتى استعادته القوات الحكومية اليمنية عام 2017. تقع مديرية الصليف شمال غرب مدينة الحديدة، وتبعد عنها 70 كيلومترا. وتشتهر بمينائها الذي يُعد أحد أهم الموانئ الإستراتيجية في اليمن، وكان قديما يصدر الملح عبره. ويتميز الميناء بأعماقه التي تصل إلى 50 قدما، مما يمنحه القدرة على استقبال بواخر عملاقة تصل حمولتها إلى 55 ألف طن، كما أنه مؤهل لاستقبال سفن الترانزيت. ويضم الميناء رصيفا مجهزا لرسو السفن العملاقة، إضافة إلى منشآت صوامع ومطاحن القمح والحبوب. كما تشتهر مدينة الصليف التي تحتضن الميناء بمناجم الجبس والملح الصخري عالي النقاوة، وهو من أجود أنواع الملح في العالم. وبعد اندلاع الحرب في البلاد عام 2015، سيطرت جماعة الحوثيين على المدينة والميناء، وبدأت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية في تشغيله. يقع ميناء نشطون على بحر العرب في الواجهة الشرقية من اليمن بمحافظة المهرة، وهو قريب من حدود سلطنة عُمان، وقد افتُتح في أبريل/نيسان 1984. أنشئ الميناء لخدمة الحركة التجارية والسمكية، خاصة بين دول الخليج ومحافظة المهرة. ويُستخدم ميناء نشطون لاستقبال السفن الصغيرة والقوارب التي تفرغ المواد الغذائية والمحروقات. واصل الميناء نشاطه بشكل منتظم وفعال، حتى تضررت أجزاء منه نتيجة العاصفة المدارية "لبان" التي تسببت في أضرار جسيمة، بيد أنه ظل يستقبل بعض السفن الخشبية القادمة من دول الخليج والقرن الأفريقي. ميناء رأس عيسى أول ميناء نفطي ينشأ في اليمن، وقد بني عام 1986 بهدف تصدير النفط عبر السفينة العائمة "صافر". يقع الميناء على ساحل البحر الأحمر شمال محافظة الحديدة، ويتميز بموقعه الإستراتيجي قرب مضيق باب المندب. يرتبط الميناء بخط أنابيب يبلغ طوله 438 كيلومترا، ينقل النفط الخام من حقول مأرب. وتصل القدرة التخزينية للسفينة "صافر" إلى نحو 3 ملايين برميل تُحفظ في 34 خزانا نفطيا، وقد بلغت طاقتها التصديرية حتى عام 2011 نحو 200 ألف برميل يوميا. سيطرت جماعة الحوثيين على الميناء عام 2015، واستخدمته لاستيراد الوقود وبيعه، وتتهمها إسرائيل بأنها تستخدمه موقعا لتخزين الأسلحة ومنصة لإطلاق الصواريخ تجاه تل أبيب. وقد تعرض الميناء لغارات إسرائيلية وأميركية ردا على هجمات نفذتها الجماعة ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وذلك عقب العدوان على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ميناء بلحاف يقع ميناء بلحاف النفطي بين مدينتي عدن والمكلا، وقد بدأ إنشاؤه عقب اكتشاف النفط في محافظة شبوة، وتم تصدير أول شحنة نفط عبره عام 2009. ويُعد مشروع الغاز الطبيعي المسال في بلحاف أكبر مشروع اقتصادي وإستراتيجي في اليمن، ويتم تصدير الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيسي الممتد من محافظة مأرب إلى ساحل بحر العرب. كان المشروع يوفر إيرادات تقدر بنحو 4 مليارات دولار أميركي سنويا، تتقاسمها الحكومة اليمنية مناصفة مع شركاء دوليين، بينهم فرنسيون وأميركيون. وبعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014، قررت الشركة اليمنية للغاز المسال إيقاف جميع عمليات الإنتاج والتصدير، وبدأت في إجلاء الموظفين بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في محيط منشأة بلحاف، مما أدى إلى إغلاق الميناء فترة طويلة. عُرف اليمن قديما بميناءين رئيسيين هما: ميناء المخا في الغرب، وميناء قنا المعروف أيضا بـ"بير علي" في محافظة شبوة، والذي كان حلقة وصل تجارية بين الهند واليمن. وورد ذكر الميناء في المصادر الإغريقية واللاتينية، ويُشار إليه بأنه كان الميناء الرئيسي لمملكة حضرموت القديمة. ويُستخدم ميناء قنا لتصدير نفط محافظة شبوة، وهو النقطة النهائية لخط أنابيب "شبوة-بير علي" الذي ينقل نحو 135 ألف برميل من النفط يوميا. وفي عام 2021، افتتحت الحكومة اليمنية ميناء قنا الحديث (النفطي والتجاري) في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، وهو واحد من 3 موانئ تمتد على طول الساحل الشرقي للمحافظة ضمن مساحة لا تتجاوز 50 كيلومترا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store