logo
سياسات الإعانة تغرق أطفال بريطانيا في فقر غير مسبوق

سياسات الإعانة تغرق أطفال بريطانيا في فقر غير مسبوق

Independent عربيةمنذ 3 أيام

كانت التغطية الإخبارية لفقر الأطفال في المملكة المتحدة هذا العام عادية إلى حد ما، بمعنى أنها كانت كثيرة وقاسية. إنها أزمة وطنية متفاقمة خلال عام 2025، تدفع بالأطفال الأكثر فقراً إلى القاع وتسحقهم تحت وطأتها.
خلال الشهر الماضي، كشفت نتائج بحث أجراه مختبر أنشأه غوردون براون (رئيس وزراء بريطاني سابق) وزوجته سارة، أن الحرمان يؤثر سلباً في نمو دماغ الأطفال. وبعد أسابيع قليلة، أعلن أن الحد الأقصى للدعم الحكومي المحدد بطفلين، دفع بنحو 30 ألف طفل إضافي في بريطانيا إلى هوة الفقر منذ الانتخابات الأخيرة. وبلغ عدد الأطفال الذين يعيشون في فقر داخل المملكة المتحدة الآن رقماً قياسياً هو 4 ملايين و500 ألف طفل.
وكانت صحيفة "ذا أوبزرفر" ذكرت يوم الأحد أن رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر أيد بصورة غير علنية إلغاء الحد الأقصى للدعم المقتصر على إعانة طفلين فقط ضمن الأسرة الواحدة، وطلب من وزارة الخزانة تخصيص مبلغ 3 مليارات و500 ألف جنيه استرليني (4 مليارات و725 ألف دولار أميركي) لتمويل الخطوة.
هذه الصورة القاتمة للأطفال الذين يعيشون في حال فقر، هي بعيدة كل البعد من الوعود التي قطعت لنا، ولا تعكس في أي حال بيان حزب "العمال" -الذي تضمن تعهداً صريحاً بالحد من فقر الأطفال- ولا ملصقات الحملة الانتخابية الإلكترونية التي روجت لرؤية مشرقة لمستقبل البلاد... وكانت من أكثر الصور تأثيراً، تلك التي تظهر عائلة وسط سنابل قمح طويلة، يجلس فيها طفل على كتفي والده، وآخر يقف في وهج الشمس الآفلة عند الغروب، مع عبارة "التغيير لن يحدث إلا إذا صوتم له".
لكن بعد مرور 10 أشهر فحسب، تلاشت تلك الصورة الحالمة تحت سماء زرقاء صافية، ليحل مكانها واقع آخر أكثر قتامة. فوفقاً للتوقعات، قد يصل عدد الأطفال الذين يعيشون في حال فقر إلى 4 ملايين و800 ألف طفل مع نهاية الولاية البرلمانية الأولى لحكومة حزب "العمال" (مما دفع بأليسون غارنهام المديرة التنفيذية لـ"مجموعة العمل لمكافحة فقر الأطفال" Child Poverty Action Group إلى القول إن "الأرقام القياسية لأعداد الأطفال الفقراء ليست هي التغيير الذي صوت الناس من أجله").
سيشكل ذلك بالتأكيد فشلاً ذريعاً لهذه الحكومة التي لم تثبت حتى الآن أنها على مقدار التحدي في التعامل مع الأزمة. وقد عبرت عن ذلك جوانا باريت الرئيسة المساعدة للسياسات في "الجمعية الوطنية لمنع القسوة على الأطفال" National Society for the Prevention of Cruelty to Children (NSPCC) لـ"اندبندنت" بقولها، "للأسف، لم تبد الحكومة البريطانية بعد المستوى المطلوب من الطموح السياسي والالتزام الكافي الذي يتناسب مع حجم هذا التحدي".
من يدفع الثمن؟ أطفالنا. فهؤلاء هم أنفسهم الذين أجبروا على البقاء في منازلهم وحرموا من ارتياد مدارسهم خلال جائحة كورونا (يجب ألا ننسى أن المتنزهات الترفيهية فتحت قبل الفصول الدراسية)، وخرج كثير منهم من تلك التجربة وهم يعانون القلق وتأخر النمو، وبعضهم لم يتعاف حتى الآن. ويمكن القول إن الأطفال في بريطانيا لديهم أسوأ النتائج الصحية في أوروبا (بما فيها أدنى مستويات الرفاه بين جميع الدول)، ولا يستثمر في رعايتهم وتعليمهم المبكر إلا القليل (لا يتجاوز 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بفرنسا والدول الاسكندنافية التي تنفق ضعف هذه النسبة).
في بعض الأحيان، يبدو وكأن إخفاقنا في حماية أطفالنا قد تحول إلى إحدى تقاليدنا الوطنية. ففي المملكة المتحدة اليوم، يواجه الأطفال أعلى معدلات الفقر مقارنة بأية فئة أخرى في المجتمع (بمعدلات تفوق ضعفي ما يواجهه المتقاعدون). وتقول أليسون غارنهام إن "جميع الأطفال يستحقون أفضل بداية في الحياة، لكن كثيرين منهم يحرمون من هذه الفرصة، وهذا أمر يفترض أن يشعرنا جميعاً بالخزي".
هذا الخزي مستمر في التفاقم. وتقول غارنهام إن الإجراءات الأخيرة لخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية -التي طاولت إعانات الإعاقة والمرض- والتي كانت أعلنت عنها وزيرة الخزانة البريطانية رايتشل ريفز في بيان الربيع، "سحبت البساط من تحت أقدام المرضى وذوي الحاجات الخاصة".
وتحذر غارنهام من أن الإصلاحات "لن تؤدي إلا إلى تفاقم فقر الأطفال"، مشيرة إلى أن 44 في المئة من الأطفال الفقراء في المملكة المتحدة يعيشون أصلاً في أسر تضم فرداً من ذوي الإعاقة. وفي هذا السياق، تقر الحكومة -إلى حد ما- بخطورة التداعيات، إذ تظهر بياناتها أن نحو 50 ألف طفل إضافي (أي ما يعادل تقريباً عدد سكان مدينة دورهام) معرضون للوقوع في براثن الفقر نتيجة هذه السياسات.
العودة إلى الأساسات
جولين التي تعيش في ويلز وهي أم لثلاثة أطفال يعانون اضطرابات عصبية (وعضو في مشروع وثائقي رقمي عن التجارب الحياتية بعنوان "حقائق متغيرة" Changing Realities)، تعرف تماماً ما الذي ينتظر هؤلاء الأطفال الـ50 ألفاً في بريطانيا. فقد واجهت أسرتها صعوبات كبيرة عندما اضطرت إلى ترك عملها من أجل رعاية ابنتها المصابة بالتوحد، بعدما تفاقمت حالتها خلال جائحة كورونا.
تقول جولين "توقفت عن الذهاب إلى المدرسة، ولم تعد قادرة على النوم، ورفضت مغادرة المنزل". لكن بدلاً من تلقيها الدعم، قوبلت أزمتها بتهديدات بفرض غرامات بسبب تغيبها عن الدراسة، من دون توفير أي بديل تعليمي لها، فيما رفضت "خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين"Child and Adolescent Mental Health Services (CAMHS) تقديم المساعدة.
بعدما تركت جولين وظيفتها في متجر لبيع النظارات الطبية، وجدت نفسها غارقة في متاهة نظام إعانات العجز والمرض، الذي تصفه بأنه "مهين" ومعقد. فقد استغرقت عملية الحصول على "مدفوعات الاستقلال الشخصي" Personal Independence Payment (PIP) (وهي إعانة حكومية مخصصة للذين يعانون حالات صحية أو إعاقات طويلة الأمد) قرابة 18شهراً، بعد رفض أولي لطلبها من قبل "وزارة العمل والمعاشات" (التي لم تتراجع عن قرارها إلا قبل أيام قليلة من موعد جلسة المحكمة للنظر في الطعن الذي قدمته).
تقول جولين التي كان شريكها يعمل بدوام كامل "كانت الأوضاع صعبة للغاية. بالكاد كنا نتمكن من شراء الطعام، فقط الضرورات الأساس". لكن إلى أي حد بلغت الأزمة؟ تجيب متأملة في تلك الفترة الصعبة التي أمضتها في الكفاح من أجل الحصول على الإعانات التي تستحقها لإعالة ابنتها قائلة "في أحد الأيام، فكرت بجدية في وضع حد لحياتي". شعرت في حينها بأنه لا يوجد سبيل آخر لحصول أطفالي على المساعدة التي يحتاجون إليها".
بعد ثلاثة أعوام، تمكنت جولين أخيراً من العودة إلى العمل بدوام جزئي في وظيفة تحبها. وشعرت للحظة بأن عائلتها بدأت تتجاوز المحنة، لكن سرعان ما تلقت ضربتين قاسيتين متتاليتين، الأولى تمثلت في إصدار الحكومة البريطانية "الورقة الخضراء" [تحت عنوان "مسارات نحو العمل: إصلاح الإعانات والدعم لإعادة بريطانيا إلى العمل"]، والتي تتضمن مقترحات لإصلاح نظام إعانات الإعاقة وتعديلات الرعاية الاجتماعية. أما الثانية، فكانت بعد أسبوع واحد فحسب، حين رفض بصورة مفاجئة طلب تجديد "مدفوعات الاستقلال الشخصي" التي كانت تتلقاها أسرتها، مما أدى بين ليلة وضحاها إلى انخفاض دخلها بمقدار 550 جنيهاً استرلينياً (743 دولاراً) في الشهر.
الآن، تستعد جولين لتقديم طعن جديد في قرار رفض برنامج إعانات الاستقلال الشخصي، على رغم إدراكها أن التعديلات الأخيرة ستؤدي إلى تقليص المبلغ حتى في حال الموافقة. وتقول بصوت يختلط فيه الحزن بالإحباط "إن محاولة التعامل مع نظام من المفترض أن يكون شبكة أمان، أمر صادم... فلا وجود فعلياً لأية شبكة أمان".
على عكس ما تأمله الحكومة من أن تشجع الضغوط المالية على العمل، وجدت جولين نفسها غير متأكدة من قدرتها على تحمل كلف البقاء في وظيفتها، في ظل مسؤولياتها كأم ترعى أطفالاً من ذوي الحاجات، والاقتطاعات الكبيرة من دخل أسرتها. وتقول "لا أعرف كيف سنتمكن من تدبر أمورنا. أشعر بإحباط شديد. لقد بذلت كل ما في وسعي للخروج من اليأس. فماذا عساي أن أفعل أكثر من ذلك؟".
إنه سؤال وجيه. فمع وجود 71 في المئة من الأطفال الفقراء في بريطانيا الذين يعيشون ضمن أسر عاملة (يعمل فيها شخص بالغ واحد في الأقل). وهذا يثبت أن دفع الناس قسراً إلى العمل عبر التضييق المالي ليس هو الحل. وتقول أليسون غارنهام "الحكومة تعرف أن العمل وحده ليس الحل لهذه المشكلة"، مشيرة إلى السياسات التي اتبعتها حكومة حزب العمال السابقة، والتي أخرجت مئات الآلاف من الأطفال من دائرة الفقر. وتضيف "نحن نعرف بالضبط ما الأدوات الفعالة التي يجب استخدامها".
وتشير إلى أنه، خلافاً للضجيج المتزايد حول ارتفاع كلفة الإعانات، فإن الإنفاق السنوي على نظام الرعاية الاجتماعية انخفض بمقدار 50 مليار جنيه استرليني عما كان عليه عام 2010، في حين لم ترفع الإعانات لتواكب معدل التضخم العام سوى خمس مرات فقط خلال الأعوام الـ14 الماضية. وتؤكد أن "هذا وحده كفيل بأن يدفع الحكومة إلى إعادة التفكير والاستثمار من جديد في هذا القطاع".
إلغاء الحد الأقصى المقتصر على إعانة طفلين
لا يوجد استثمار أكثر إلحاحاً من إلغاء سياسة الحد الأقصى لعدد الأطفال المستفيدين من الإعانة، هي سياسة رفاه اجتماعي تمنع الأسر المستفيدة من المساعدات المعروفة بـ"الائتمان الشامل" Universal Credit (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين من العمل لمساعدتهم على تحمل كلف معيشتهم)، أو "الإعفاء الضريبي" Tax Credit، من الحصول على أي دعم مالي للطفل الثالث أو الأطفال اللاحقين. ودان حزب "العمال" هذه السياسة في السابق، ووصفها بأنها "مشينة"، خصوصاً بعدما أظهرت الأدلة أنها تدفع ببعض النساء إلى اتخاذ قرار إنهاء الحمل.
بمعزل عن الاعتبارات الأخلاقية (والإنسانية)، تعد سياسة الحد الأقصى لإعانة طفلين استثناءً صارخاً على المستوى العالمي. أستاذة السياسات الاجتماعية في "جامعة يورك" والمشرفة على مشروع "الحقائق المتغيرة" روث باتريك تصف هذه السياسة بأنها "فريدة من نوعها دولياً"، وتوضح قائلة "عندما قمنا ببحث لمقارنة الطرق التي تتبعها بلدان أخرى في تقديم الدعم للأطفال من خلال أنظمة الضمان الاجتماعي، تبين أن المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تقيد هذا الدعم بطفلين فقط".
وفي مقارنة مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى، سجلت المملكة المتحدة خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2014 و2021 أكبر ارتفاع في معدلات فقر الأطفال، هذا الارتفاع كان ناجماً بالكامل عن الفقر في الأسر الكبيرة (إذ يعيش اليوم نصف عدد الأسر التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر، في حال فقر).
ناشطون في بنك طعام بريطاني يحذرون من الأثر الكارثي لسياسة حد الطفلين في نظام الإعانات (غيتي)
هذه السياسة التي استخدمتها الدولة أسهمت إلى حد كبير في تفاقم فقر الأطفال داخل بريطانيا، إذ تدفع يومياً بنحو 109 أطفال إضافيين إلى ما دون خط الفقر. وفيما يشير الواقع القاتم إلى أن حد الطفلين لتلقي الإعانات هو السبب الرئيس في تزايد فقر الأطفال، إلا أن الجانب المشرق يكمن في أن إلغاء هذا الحد يعد أسرع الحلول وأكثرها فعالية من حيث الكلفة لمعالجة الأزمة. فوفق التقديرات، يمكن أن يسهم إنهاء العمل به في إخراج 540 ألف طفل من دائرة الفقر، في مقابل كلفة سنوية تقدر بمليارين و500 ألف جنيه استرليني فقط (3 مليارات و375 مليون دولار).
قد يرد بعض بالقول إن ذلك "مكلف للغاية"، لكن الحقيقة أن كلفة هذا الإجراء لكل طفل تعد الأقل مقارنة بأي تعديل محتمل آخر في نظام الإعانات. بل إن أبسط الحسابات تبين أن فقر الأطفال يكلف الدولة سنوياً خلال الوقت الراهن 39 مليار جنيه استرليني (52.65 مليار دولار)، وهو من المتوقع أن يزداد عاماً بعد آخر ليصل إلى 40 مليار جنيه (54 مليار دولار) بحلول عام 2027. بالتالي، فإن خطوة واحدة كإلغاء هذا الحد، من شأنها أن تنتشل أربعة في المئة من الأطفال من الفقر، وتعيد إلى خزانة الدولة بصورة فورية أكثر من مليار و500 مليون جنيه استرليني.
هذا الرقم من المرجح أن يصبح أكثر إقناعاً عند النظر إلى المكاسب غير المباشرة على المدى الطويل. فمع تحسين فرص الحياة للأطفال، تخفف الكلف المستقبلية في مجال الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية ونظام العدالة الجنائية عندما يكبر هؤلاء الأطفال. كما أنه يعزز فرصهم في الحصول على وظائف في المستقبل، بالتالي زيادة المساهمات الضريبية (تماماً مثل برنامج "البداية المضمونة" Sure Start، الذي ثبت أنه حقق عائداً أكبر للدولة من تكاليفه في تلك المجالات). وعلى الجانب الأخلاقي، فإن احترام أبسط حقوق الطفل في الغذاء والمأوى والتعليم والحياة الكريمة، لا يقل أهمية عن الاعتبارات الاقتصادية.
خلال الوقت الراهن، تظهر الأبحاث أن الأطفال الذين ينشأون في المناطق الأكثر حرماناً في بريطانيا، هم أقل حظاً في تحصيل درجة مقبولة (خمسة أو أعلى) في مادتي اللغة الإنجليزية والرياضيات، وهم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة وتسوس الأسنان، ويعيش كثر منهم في مناطق تعاني نقص الغذاء، ويواجهون مشكلات في الصحة العقلية، ويتغيبون عن المدرسة أو يتعرضون للطرد منها، ويعانون التشرد أو حتى الوفاة المبكرة. أما في مرحلة البلوغ، فإن الذين نشأوا في الفقر غالباً ما يتلقون أجوراً منخفضة، ويواجهون احتمالات أكبر للإصابة بأمراض نفسية على المدى الطويل.
وعلى رغم تصاعد المطالب بإلغاء حد الإعانة لطفلين، فإن الحكومة -وفي المقدمة وزيرة العمل والمعاشات التقاعدية ليز كيندال، التي جددت موقفها في مقابلة أجريت معها الأسبوع الماضي (مؤكدة أن الحكومة "لن تقدم أي وعود ما لم تثبت قدرتها على تحمل كلفها وتوضح كيفية الالتزام بها")- لا تزال ترفض الاستجابة، متمسكة بعدم قبول دعوات أطراف مثل تحالف "إنهاء فقر الأطفال" End Child Poverty (وهو ائتلاف يضم 130 منظمة وجمعية خيرية) تواصل الضغط باتجاه إلغاء هذا القيد. كيندال دعت إلى التمهل مشيرة إلى "وجوب انتظار الاستراتيجية الحكومية الخاصة بمكافحة فقر الأطفال، والمتوقع صدورها خلال يونيو (حزيران) الجاري، أي بعد نحو عام من تولي الحكومة السلطة".
لكن من وجهة نظر الخبراء، فإن إلغاء حد الطفلين هو أمر غير قابل للتفاوض. وتقول أليسون غارنهام "إذا لم تتضمن الاستراتيجية الحكومية المقبلة إلغاء هذ الحد، فلن تكون استراتيجية جديرة بالثقة".
إنديا، وهي أم لأربعة أطفال (تتفاوت أعمارهم ما بين عام وسبعة أعوام) من مقاطعة سافولك، وجدت نفسها متضررة بشدة نتيجة القيود المحددة بطفلين، بعدما تغيرت حياتها بين ليلة وضحاها. وتقول "هذا لم يكن ضمن الخطة"، في إشارة إلى الانفصال المفاجئ عن زوجها أثناء حملها بطفلها الرابع والأصغر، وهو الحدث الذي غير مسار حياتها ودفعها إلى التشرد وطلب المساعدة من الدولة للمرة الأولى في حياتها.
وتصف إنديا "الصدمة الكبيرة" التي شعرت بها عندما أدركت أثناء تقديمها طلباً للحصول على معونة "الائتمان الشامل"، أنها لن تتلقى أية مساعدة مالية لطفليها الأصغر سناً، بسبب القيود المفروضة بموجب حد الطفلين، مما يعني خسارة آلاف الجنيهات. ولم تقف المعاناة عند هذا الحد، إذ فرض عليها أيضاً "سقف للإعانات" -وهو حد إضافي على إجمال لما يمكن أن يحصل عليه الأشخاص الذين هم في سن العمل من دعم- مما أدى إلى خفض إعانة السكن بـ250 جنيهاً استرلينياً شهرياً.
القول إن الحياة أصبحت صعبة منذ ذلك الحين، لا يكفي لوصف ما تمر به إنديا، فهي تشتري ملابس أطفالها وأحذيتهم وزيهم المدرسي من متاجر البضائع المستعملة، أو تحصل عليها عبر تبرعات. واستفادت من برنامج المساعدات الاجتماعية الذي توفره السلطة المحلية، لكن مع ذلك لا يتبقى لها سوى قليل من المال بعد دفع إيجار السكن والفواتير.
وتقول "أحياناً لا يكفي المال لشراء الطعام، فأضطر إلى اللجوء إلى بنوك الطعام. أتناول الخبز المحمص أو فتات ما يتركه أطفالي من غذاء، لكنني لا أريدهم أن يعرفوا (السبب). ينبغي ألا يعلموا". وعلى رغم الضغوط الهائلة على إنديا، تقول "مررت بلحظات شعرت فيها بأنني فاشلة كأم، بحيث تعرضت لانهيارات عصبية واسترسلت في البكاء"، إلا أن شغلها الشاغل يبقى أطفالها، وتأثير الفقر على حياتهم.
وتتابع "أخشى أن يؤثر هذا الوضع ليس فقط في الصحة الجسدية لأطفالي، بل في صحتهم النفسية أيضا". وتشعر هذه الأم بالقلق من عدم قدرتهم على تحمل كلف المشاركة في أية أنشطة خارج المنهج الدراسي، وتقول "كانوا يرغبون في الالتحاق بدروس سباحة"، مما يعني أنهم "يُحرمون من تجارب قد تحدث فارقاً في حياتهم مستقبلاً". وكما جولين، ترغب إنديا في العمل، لكن كلف رعاية الأطفال ستدفع بها إلى فقر أشد.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما نينيا، الشابة اللندنية البالغة من العمر 19 سنة، وهي سفيرة شبابية لـ"تحالف إنهاء فقر الأطفال"، فقد اضطرت وعائلتها إلى مواجهة التشرد بسبب الظروف القاسية. وهي اليوم تتحدث بصراحة عن الأثر العميق الذي تركته تلك التجربة على حياتها.
تقول نينيا وقد غلب عليها التأثر "كانت حقاً تجربة صادمة. ما زلت أخشى أن أفقد منزلي". هذه الشابة اضطرت خلال نشأتها، إلى إرجاء أحلامها طويلة الأمد. لكنها ترى أن "الأثر الأكبر كان اجتماعياً أكثر من أي شيء آخر".
زميلتها في التحالف صوفي البالغة من العمر 21 سنة، والتي نشأت في أسرة تعولها أم عزباء شمال شرقي إنجلترا، تعرف جيداً هذا الشعور. وتقول "لم أستطع التركيز في المدرسة بسبب قلقي على أخوتي وما يجري (في المنزل). فقد أدركت عندما كبرت أن والدتي ربما كانت تتخلى عن وجبات طعامها من أجلنا".
تتابع صوفي دراستها الجامعية اليوم -بفضل إرادتها الصلبة واجتهادها- لكنها تضطر إلى العمل ضعف ما يقوم به زملاؤها، فقط كي تتمكن من الاستمرار، سواء من خلال الانخراط في "ثلاث أو أربع وظائف خلال العطلات"، أو العثور على كفيل (مع تحمل أجره) كي تتمكن من استئجار سكن في ظل عدم امتلاك أحد والديها مسكناً (يشترط معظم مالكي العقارات وجود كفيل يقبل تغطية الإيجار إذا لم يتمكن المستأجر من الدفع، ويكون عادة أحد الوالدين). وتقول "أتساءل أحياناً لماذا أفعل ذلك على رغم صعوبة الأمر. إن القلق لا يفارقني أبداً".
والآن، تتجه الأنظار نحو الحكومة -التي ترفع شعار العدالة الاجتماعية والاقتصادية- لمنح جميع الأطفال فرصاً متساوية في النمو والتعلم والحياة. وتعد استراتيجيتها المرتقبة لمكافحة فقر الأطفال الفرصة الحقيقية الوحيدة لبدء معالجة هذه الأزمة الوطنية الأكثر إلحاحاً، والتي تخلت فيها البلاد عن أطفالها الأشد فقراً وضعفاً.
عندما سُئلت أنجيلا راينر نائبة رئيس الوزراء البريطاني الأحد الماضي في المقابلة التي أجرتها معها المقدمة لورا كوينسبيرغ، عما إذا كانت تؤيد إلغاء حد الطفلين، اكتفت بالقول: "لن أخوض في تكهنات في شأن ما ستقوم به حكومتنا".
لكن كثراً يعدون أن هذه اللحظة مصيرية ولا تحتمل التأجيل. وتقول روث باتريك "ما لم نشهد إجراءات ملموسة لمعالجة فقر الأطفال، فإن المملكة المتحدة تخاطر بأن تتحول إلى حالة استثنائية بين الدول الغنية، من حيث سوء معاملتها للأطفال الذين يعيشون على دخل محدود. إن مستقبل هذه البلاد وأطفالها يتوقف على ذلك".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رئيس كوريا الجنوبية الجديد يبدأ عمله بمواجهة الركود الاقتصادي
رئيس كوريا الجنوبية الجديد يبدأ عمله بمواجهة الركود الاقتصادي

موجز 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • موجز 24

رئيس كوريا الجنوبية الجديد يبدأ عمله بمواجهة الركود الاقتصادي

عقد رئيس كوريا الجنوبية الجديد لي جيه-ميونج،‭‭ ‬‬أول اجتماع لمجلس الوزراء، اليوم الخميس، ركز فيه على مجموعة من الإجراءات الطارئة؛ لمعالجة ركود النمو الاقتصادي ومساعدة الأسر في تحرك سريع للبدء في تنفيذ أحد أهم تعهداته خلال حملته الانتخابية. وتولى 'لي' منصبه، أمس الأربعاء، بعد ساعات فحسب من فوزه في انتخابات مبكرة استفاد فيها من موجة غضب؛ بسبب أحكام عرفية فرضها الرئيس السابق يون سوك يول لفترة وجيزة. وأدت محاولة فرض تلك الأحكام إلى الإطاحة بيون وتعرض البلاد لموجات من الصدمة أثرت على رابع أكبر اقتصاد في آسيا. وقال 'لي' في تصريحات مقتضبة لمجلس الوزراء نقلتها 'رويترز'، 'ليس هناك وقت لإضاعته ويجب البدء في العمل على الفور لأن الناس يعانون'. ورشح لي حتى الآن حليفًا سياسيًا من المقربين له في رئاسة الوزراء، ويسابق الزمن؛ لتشكيل مجلس الوزراء ليحل محل حكومة تصريف أعمال وتعيين طاقم مكتبه للحفاظ على استمرارية الإدارة. وقال متحدث باسم 'لي'، إنَّ الرئيس الجديد أمر أغلب المسؤولين بالعودة لأعمالهم. الاقتصاد أولوية وجعل 'لي' من التعافي الاقتصادي أحد أهم أولوياته وتعهد بإطلاق العنان على الفور لإنفاق 30 تريليون وون (22 مليار دولار) على الأقل لتعزيز النمو، الذي توقع البنك المركزي في مايو أن يكون 0.8 % أي تقريبًا نصف تقديراته السابقة هذا العام التي كانت 1.5 % في فبراير. وأمس الأربعاء، قال كيم مين-سيوك، وهو المرشح لشغل منصب رئيس الوزراء لكن ذلك لا يزال يحتاج لموافقة البرلمان، إن الأزمة التي تواجهها البلاد أشد من الأزمة المالية الآسيوية في 1997 إذ تزيدها عوامل خارجية غير مواتية تعقيدًا. ولم تحرز الحكومة السابقة تقدما يذكر في محاولة تخفيف الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها الولايات المتحدة، وستؤثر على بعض الصناعات الرئيسية المعتمدة على التصدير في البلاد، مثل السيارات والإلكترونيات والصلب.

في معنى الدولة وجدوى الردع... من الحرب الروسية - الأوكرانية إلى العجز اليمني
في معنى الدولة وجدوى الردع... من الحرب الروسية - الأوكرانية إلى العجز اليمني

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

في معنى الدولة وجدوى الردع... من الحرب الروسية - الأوكرانية إلى العجز اليمني

هل أكون على حق حين أقول: في البدء، لم يكن السلاح، بل الفكرة، لكنّ الفكرة غالباً، حين لا تحمي نفسها، تتحوّل إلى رماد. وعندما نبحث في التاريخ عن معنى الدولة، فإننا لا نعثر عليها في الدساتير وحدها، بل في قدرة حاملي الدساتير على صونها، وعلى ردع من يتربص بها، فكل سلطة لا تستند إلى قوة دفاعية مستنيرة، تظل في تصوري عرضة للابتلاع مهما بدت شرعيتها متماسكة. إن العالم، كما تكشفه الحروب الحديثة، لا يُدار بالنوايا، بل بالتجهيز المادي الذي يحوّل الإرادة السياسية إلى قدرة تنفيذية، والتاريخ لا يحمي الضعفاء أياً كانت قضاياهم عادلة، فمن لا يملك القدرة على الردع، لا يملك القرار السيادي، لأنه ببساطة تابع في لعبة لا ترحم. إن هذا العصر لا يمنح الدول حق البقاء لمجرد كونها دولاً، بل يقيس أهلية البقاء بميزان القوة العقلانية، وبالقدرة على حماية الذات من التهديد لا بمجرد استنكاره. وهنا، في قلب هذه الجدلية الشائكة والمعقدة، يتعين علينا أن نعيد طرح السؤال الحرج: ما معنى أن تكون دولة؟ وهل يمكن لدولة ما أن تزدهر أو حتى تستمر، وهي لا تملك إستراتيجية دفاعية تُسند خطابها السياسي، ولا بنية صناعية تُترجم أمنها إلى واقع؟ وعليه، يصبح تأملنا في تجارب كبرى كالحرب الروسية الأوكرانية، أو في تحولات القوة كما تعيد السعودية رسمها، أو في دور إيران التخريبي في المنطقة، مدخلاً ضرورياً لفهم مصير اليمن المعلق بين ذاكرة الانقلاب وغياب الاستعداد، بين ما يجب أن يكون وما لم يكن. ما من أحد في هذا العالم كان ليتوقع استمرار الحرب البشعة بين روسيا وأوكرانيا لأكثر من بضعة أسابيع أو حتى لبضعة أشهر، ولا أحد كان ليتوقع استمرار الميليشيات الحوثية في انقلابها المسلح على الدولة اليمنية أكثر من 10 أعوام. إننا في زمن يتكشّف فيه العالم عن هشاشاته بأكثر الطرق عنفاً، لم يعد بوسع الدول أن تتوهم الأمن باعتباره مجرد حال ظرفية أو نتيجة علاقاتها الدبلوماسية، فالأمن، في جوهره، ليس وضعاً جامداً، بل قدرة دائمة على الحماية، وامتلاك لمصادر الردع، ووعي إستراتيجي بوظيفة القوة وحدود استخدامها، من لا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه، لا يملك حق الادّعاء بوجوده كدولة، لأنه ببساطة مرشّح لأن يكون هامشاً على خريطة الآخرين. لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية هذا المعنى الفاصل بين البقاء والانهيار، فلو لم تكن أوكرانيا تمتلك مخزوناً كافياً من الأسلحة، ولو لم يُفتح لها باب الدعم الغربي المستمر، لسقطت كييف منذ الأيام الأولى، وفي المقابل، لو لم تكن روسيا تملك قاعدة صناعية عسكرية هائلة، لما استطاعت موسكو الاستمرار في حرب استنزاف مفتوحة طوال أكثر من عامين. هنا بالضبط تكمن المعادلة، استمرار الحرب ليس قراراً سياسياً فقط، بل قدرة مادية على الإنفاق والتصنيع والصمود والصبر. يقول وزير الدفاع البريطاني جون هيلي بصراحة لافتة "قوة الجيش لا تتحقق إلا بقدر قوة الصناعة التي تدعمه، ولذلك أعلنت المملكة المتحدة عزمها على استثمار 1.5 مليار جنيه إسترليني (نحو 2.04 مليار دولار) لبناء ستة مصانع جديدة في الأقل لإنتاج الأسلحة والمتفجرات، قبل أيام فقط من إطلاق إستراتيجيتها الدفاعية الجديدة، إنها ليست مجرد مراجعة تقنية واقعية، بل اعتراف صارم بأن العالم قد تغيّر، وأن الردع لا يقوم على النوايا الطيبة، بل على مصانع الذخيرة. في السياق ذاته، تبرز السعودية بوصفها قوة صاعدة غير عادية على نحو واثق، تُعيد تعريف موقعها ودورها في الشرق الأوسط، ومكانتها في العالم بالضرورة، لكنها لا تفعل ذلك فقط من خلال الاستثمار في السياحة أو البنية التحتية أو التحولات الثقافية، بل من خلال بناء قدرة دفاعية وطنية تنسجم مع تطلعاتها الكبرى. لقد أدركت السعودية، بعد عقود من الاعتماد على الشراكات الأمنية، أن الاستقلال الإستراتيجي لا يكون إلا بامتلاك أدوات الردع الذاتي، ولهذا بدأت بالاستثمار في الصناعات الدفاعية وتوطين التقنية العسكرية ورفع كفاءة القوات المسلحة، فالرخاء لا يصمد في الفراغ، والتنمية لا تزدهر في ظل تهديد دائم. هذا التقدّم في اعتقادي يكتسب أهمية مضاعفة حين نضعه في مواجهة ما تقوم به إيران، التي تُتقن منذ أربعة عقود جعل الشرق الأوسط منطقة قابلة للاشتعال في أية لحظة وقد جعلت بعضها مشتعلة فعلاً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) عبر أذرعها المسلحة التي تزرعها في المنطقة، لا تهدف طهران فقط إلى تعزيز نفوذها، بل إلى إفراغ دول المنطقة من مضمونها السيادي وتحويلها إلى كيانات مشلولة تابعة لنفوذ القوة لا لحكم القانون، إنها إستراتيجية خبيثة تقوم على تحطيم فكرة الدولة من الداخل، من خلال قوى موازية مسلحة تعمل خارج مؤسسات الدولة، لكنها تعيش في كنفها وتلتهمها بهدوء، هل يكفي النظر إلى ما كان يحدث في غزة وبيروت ودمشق وبغداد وصنعاء لندرك حقيقة الكلام المشار إليه أعلاه؟ هنا، يتعين عليَّ أن أطرح السؤال الأكثر وجعاً في اليمن: لماذا لم يتمكن اليمنيون حتى اليوم من استعادة دولتهم من الانقلاب المسلح الذي حدث في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014؟ الجواب، على رغم تشعباته السياسية والإقليمية، يبدأ من غياب إستراتيجية دفاعية وطنية واضحة تتمكن من مواجهة الانقلاب والتغلب عليه. في الواقع وبينما كانت الميليشيات الحوثية تعيد ترتيب صفوفها وتعزز قدراتها العسكرية بمساعدة إيران، كانت الحكومة اليمنية الشرعية منشغلة بترتيبات الداخل الهشّة ومحاصصة السلطة على حساب بناء القوة، لم تكن هناك مؤسسة عسكرية موحدة ذات عقيدة دفاعية وطنية خالصة وصادقة، بل كانت هناك قوى عدة ومنفصلة ولها أهداف خاصة بها أمام جماعة دينية سلالية مسلحة صغيرة لكنها منظمة وباتت تمتلك صواريخ بالستية وطائرات مسيرة. الدروس المستفادة من هذا السياق القاتم لا تحتمل المجاملة، لا يمكن استعادة الدولة من دون إعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية قوية، موحدة، محترفة، تستمد شرعيتها من الدستور لا من الولاءات الضيقة، ولا يمكن حماية السيادة من دون استثمار طويل المدى في الصناعات الدفاعية الوطنية، وربط القرار السياسي بقدرة الردع الفعلية، لا بمجرد التمنيات. الدولة ليست إعلاناً سياسياً، بل منظومة معقدة من الفعل الدفاعي والاستعداد الدائم لحماية نفسها وحدودها في آن، و"غياب هذا الوعي الدفاعي" هو ما جعل اليمن عالقاً في حال موقتة استثنائية تتحول يوماً بعد يوم إلى ديمومة من العبث والانقسام والتيه. في نهاية المطاف، ما يحتاج إليه اليمن ليس فقط دعماً خارجياً، بل نهضة داخلية حقيقية تعي أن السيادة تبدأ من بندقية تدافع عن الحق، ومن موازنة لا تُهدر في العبث، بل تُنفق على بناء وطن قادر على حماية ذاته، فالدولة التي لا تصنع سلاحها أو لا تعمل على توفيره، ولا تموّل أمنها، تظل دائماً آيلة للسقوط ورهينة قرار غيرها. وفي لحظة تبدو فيها الجغرافيا مجرد مسرح للنفوذ، والتاريخ ساحة تصفية بين من يملكون ومن ينتظرون، تصبح الدولة الحقّة ليست تلك التي تُذكر في المحافل أو تتغنّى بخطب السيادة، بل التي تمتلك القدرة على أن تبقى. البقاء في زمننا هذا لا تضمنه الشرعية المجردة، بل تحميه بنية الردع العاقلة والقدرة الصناعية القادرة والعقيدة الوطنية الصادقة التي لا تتورط في التفكك، واليمن إذا أراد الخروج من محنته عليه ألا يكتفي بتوصيف المأساة، بل أن يصوغ معادلة وجوده على نحو مختلف، وأن تكون له دولة بمفهومها الكامل، لا سلطة معلّقة على هامش الخوف، ولا جيش من ورق يواجه ناراً من حقيقة.

كييف تنتقد تعويض مستثمرين غربيين من أموال روسية مجمّدة
كييف تنتقد تعويض مستثمرين غربيين من أموال روسية مجمّدة

الوئام

timeمنذ 4 ساعات

  • الوئام

كييف تنتقد تعويض مستثمرين غربيين من أموال روسية مجمّدة

حذّرت الحكومة الأوكرانية من تداعيات قرار استخدام جزء من الأصول الروسية المجمدة في أوروبا لتعويض مستثمرين غربيين، معتبرة أن الخطوة تمثل 'رسالة خاطئة' تُضعف الموقف الأوروبي الموحد في مواجهة موسكو. وجاءت الانتقادات بعد إعلان شركة 'يوروكلير' البلجيكية الشهر الماضي عن تحويل 3 مليارات يورو من أموال مستثمرين روس كانت تحت إدارتها، لصالح أطراف غربية تكبدت خسائر إثر مصادرة موسكو أصولها داخل روسيا. وفي أول تعليق رسمي من كييف، اعتبرت إيرينا مودرا، نائبة رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية والمسؤولة عن الشؤون القانونية، أن تعويض المستثمرين قبل ضحايا الحرب 'يناقض العدالة'، مضيفة أن 'القانون الدولي يُلزم المعتدي بدفع تعويضات للضحايا، لا للمستثمرين الذين دخلوا طواعية في بيئة محفوفة بالمخاطر'. وحذّرت مودرا من أن مثل هذه الخطوة تعكس 'ترددًا أوروبيًا' قد يقوّض مصداقية الاتحاد الأوروبي في الضغط على روسيا. وأضافت أن الحفاظ على السيطرة على الأصول الروسية المجمّدة، خصوصًا التابعة للبنك المركزي الروسي، يعد 'أمرًا محوريًا' في استراتيجية الردع. وتتزامن الانتقادات الأوكرانية مع حالة من الغموض داخل التحالف الغربي، لا سيما في ظل مواقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي أبدت فتورًا تجاه دعم كييف واستمرار العقوبات المفروضة على موسكو. وكانت 'يوروكلير' قد حصلت في مارس على موافقة من السلطات البلجيكية لتنفيذ التحويل، استنادًا إلى تعديل أوروبي في نظام العقوبات أقر العام الماضي. من جهته، قال ناطق باسم الحكومة البلجيكية إن القرار 'يندرج ضمن تنفيذ تشريعات أوروبية أقرّتها الدول الأعضاء بالإجماع'. بدورها، أكدت 'يوروكلير' أنها تكتفي بتنفيذ العقوبات، دون أن تتخذ قرارات بشأنها. وتأتي هذه الخطوة بينما يدور نقاش داخل الاتحاد الأوروبي بشأن استخدام كامل أرصدة روسيا المجمدة، والمقدّرة بـ300 مليار دولار، في تمويل جهود إعادة إعمار أوكرانيا ودعم دفاعاتها. وقد كشف ثلاثة مصادر روسية لوكالة رويترز أن حل ملف الأصول المجمدة يمثل أحد الشروط التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب. وحذرت مودرا من أن أي خطوة لإعادة الأموال إلى موسكو تعني عمليًا 'تمويلًا مباشرًا لشراء دبابات وصواريخ وتدريب جنود جدد'. وأضافت: 'يجب على العالم أن يُظهر أن شنّ الحروب غير القانونية يترتب عليه عواقب مالية لا رجعة فيها'. وكانت أوكرانيا قد استفادت سابقًا من عائدات الفوائد على هذه الأموال المجمدة، وسط اعتراض روسي رسمي وصف الخطوة بأنها 'سرقة'. وفي حين لم تشمل الدفعة الأخيرة أصول البنك المركزي الروسي، فإنها أثارت مخاوف في كييف من تقويض المساعي لاستخدام الحزمة الكاملة من الأصول الروسية لصالح أوكرانيا. مايكولا يورلوف، مسؤول في وزارة الخارجية الأوكرانية، قال إن الإجراء 'سابق خطير'، بينما انتقدت النائبة البرلمانية كيرا روديك القرار قائلة: 'الشركات الغربية كانت تعلم المخاطر عند دخولها السوق الروسية. لماذا يُطلب من مجتمعاتها اليوم تعويضها؟ نحن من يحتاج هذه الأموال للدفاع وإعادة الإعمار'. ورأى يعقوب كيركيغارد، الخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن، أن 'التركيز على تعويض مصالح الشركات أمر مذهل'، معتبرًا أن الأولوية يجب أن تكون 'لدعم الدفاع عن أوكرانيا'. وتُعد الأموال الروسية المجمدة في أوروبا إحدى أدوات الضغط الرئيسية بيد الاتحاد الأوروبي، إلا أن صرفها بشكل جزئي قد يحدّ من تأثير هذا النفوذ في المستقبل، بحسب محللين. ويُرتقب أن يجدد قادة الاتحاد الأوروبي العقوبات ضد روسيا خلال قمتهم في يونيو، بما في ذلك تجميد الأصول، وسط احتمال أن تعرقل هنغاريا هذه الخطوات، كما حدث في جولات سابقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store