logo
دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"

دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"

الجزيرة٢٢-٠٤-٢٠٢٥

تتواصل الاحتجاجات والدعوات في تونس للإفراج عن المحامي أحمد صواب عضو هيئة الدفاع عن المتهمين "بالتآمر على أمن الدولة".
وفي وقت سابق أمس الاثنين أوقفت سلطات الأمن، المحامي والقاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، عضو هيئة الدفاع في "قضية التآمر على أمن الدولة"، واقتادته إلى مقر أمني بمنطقة بوشوشة في العاصمة.
وفي إطار الاحتجاجات، تظاهر عشرات الشبان في العاصمة التونسية بعد دعوات أطلقها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي. وانطلقت المظاهرات مساء أمس الاثنين من ساحة الباساج وسط العاصمة تونس في اتجاه "شارع الحبيب بورقيبة"، ورفع المحتجون شعارات تطالب بالإفراج عن صواب.
وفي وقت سابق الاثنين، أفادت متحدثة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، بتصريحات لوكالة الأنباء الحكومية، بأن الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف أذنت بفتح تحقيق مع صواب.
وأضافت أن فتح التحقيق جاء على إثر تداول مقطع فيديو يظهر فيه المحامي صواب وهو يدلي بتصريح من أمام بيته بتاريخ 19 أبريل/ نسيان الجاري "يحرض فيه على العنف".
وعبرت حركة "النهضة" عن "تضامنها المطلق مع الأستاذ أحمد صواب، الذي يدفع ثمن مواقفه المشرفة في الدفاع عن دولة القانون واستقلالية القضاء".
ودعت في بيان على فيسبوك"السلطة إلى الكف عن محاولات تحريف التصريحات وتلفيق التهم" ضد المحامين، وطالبت بإطلاق سراح صواب.
من ناحيته قال الحزب الجمهوري (وسط يسار) في بيان إنه يدين "بشدّة هذا الإيقاف التعسفي، ويحمّل السلطة القائمة مسؤوليتها القانونية والسياسية".
من جهته، أعرب حزب "التكتل" (يسار اجتماعي) عن "تضامنه التام مع أحمد صواب وكل المسجونين بسبب مواقفهم السياسية"، وطالب في بيان "بإطلاق سراح جميع موقوفي الرأي، سواء بصفة تحفظية أو نتيجة أحكام جائرة".
ويوم السبت، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية أحكاما أولية بالسجن تراوح بين 4 سنوات و66 عاما بحق 40 متهما في "قضية التآمر على أمن الدولة"، بينهم 22 حضوريا، و18 غيابيا.
وتعود القضية إلى فبراير/ شباط 2023 عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووجهت إليهم تهما تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان".
لكن السلطات التونسية أكدت في مناسبات عدة أن جميع الموقوفين في البلاد يُحاكمون بتهم جنائية تتعلق بأمن الدولة، مثل "التآمر على أمن الدولة" أو "الفساد"، ونفت وجود محتجزين لأسباب سياسية.
وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"
دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"

الجزيرة

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"

تتواصل الاحتجاجات والدعوات في تونس للإفراج عن المحامي أحمد صواب عضو هيئة الدفاع عن المتهمين "بالتآمر على أمن الدولة". وفي وقت سابق أمس الاثنين أوقفت سلطات الأمن، المحامي والقاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، عضو هيئة الدفاع في "قضية التآمر على أمن الدولة"، واقتادته إلى مقر أمني بمنطقة بوشوشة في العاصمة. وفي إطار الاحتجاجات، تظاهر عشرات الشبان في العاصمة التونسية بعد دعوات أطلقها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي. وانطلقت المظاهرات مساء أمس الاثنين من ساحة الباساج وسط العاصمة تونس في اتجاه "شارع الحبيب بورقيبة"، ورفع المحتجون شعارات تطالب بالإفراج عن صواب. وفي وقت سابق الاثنين، أفادت متحدثة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، بتصريحات لوكالة الأنباء الحكومية، بأن الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف أذنت بفتح تحقيق مع صواب. وأضافت أن فتح التحقيق جاء على إثر تداول مقطع فيديو يظهر فيه المحامي صواب وهو يدلي بتصريح من أمام بيته بتاريخ 19 أبريل/ نسيان الجاري "يحرض فيه على العنف". وعبرت حركة "النهضة" عن "تضامنها المطلق مع الأستاذ أحمد صواب، الذي يدفع ثمن مواقفه المشرفة في الدفاع عن دولة القانون واستقلالية القضاء". ودعت في بيان على فيسبوك"السلطة إلى الكف عن محاولات تحريف التصريحات وتلفيق التهم" ضد المحامين، وطالبت بإطلاق سراح صواب. من ناحيته قال الحزب الجمهوري (وسط يسار) في بيان إنه يدين "بشدّة هذا الإيقاف التعسفي، ويحمّل السلطة القائمة مسؤوليتها القانونية والسياسية". من جهته، أعرب حزب "التكتل" (يسار اجتماعي) عن "تضامنه التام مع أحمد صواب وكل المسجونين بسبب مواقفهم السياسية"، وطالب في بيان "بإطلاق سراح جميع موقوفي الرأي، سواء بصفة تحفظية أو نتيجة أحكام جائرة". ويوم السبت، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية أحكاما أولية بالسجن تراوح بين 4 سنوات و66 عاما بحق 40 متهما في "قضية التآمر على أمن الدولة"، بينهم 22 حضوريا، و18 غيابيا. وتعود القضية إلى فبراير/ شباط 2023 عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووجهت إليهم تهما تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان". لكن السلطات التونسية أكدت في مناسبات عدة أن جميع الموقوفين في البلاد يُحاكمون بتهم جنائية تتعلق بأمن الدولة، مثل "التآمر على أمن الدولة" أو "الفساد"، ونفت وجود محتجزين لأسباب سياسية. وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

تحديات وفرص الحركات الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي
تحديات وفرص الحركات الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي

الجزيرة

time٢٥-٠٢-٢٠٢٥

  • الجزيرة

تحديات وفرص الحركات الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي

لقد كان نشوء القوى التي تحمل الأيديولوجيا الإسلامية في قلب الشرق الأوسط ثمرة تفاعل معقد بين الإرث الاستعماري البائد ووطأة المظالم الاجتماعية والسياسية الراهنة والحركات الفكرية التي أذابت وأعادت تشكيل النسيج الإقليمي الحديث. وقد نشأت الحركات الإسلامية غالبًا كاستجابة لخيبات الأمل التي أثارتها القومية العلمانية واستبداد الأنظمة التي تلت نيل الاستقلال. ولا يمكن هنا أن يُفصل هذا التحول التاريخي عن الهشاشة الكامنة في هيكل الدول الناشئة، ما مهد الطريق لتطوير أطر أيديولوجية بديلة. وكانت الجذور الراسخة في الحركات الاجتماعية والدينية المنطلق الرئيس الذي قدمت من خلاله الجماعات الإسلامية نفسها لا كسلطة روحية فحسب، بل كلاعب سياسي مهيمن، مستفيدة من مشاعر الاستياء الشعبية من الفساد والاستبداد. ومن هنا تحقق صعود الإسلاميين إلى الحكم في العديد من الدول العربية، لكن في سياقات يكتنفها الكثير من التعقيدات والظروف السياسية والاجتماعية المتباينة. في ليبيا مثلًا، وعقب سقوط معمر القذافي في عام 2011، تمكّنت جماعات إسلامية من بسط نفوذها في الفراغ السياسي الذي نشأ، فكان لذلك دور كبير في تمزيق البلاد، وقد شهدت تونس تجربة مختلفة تمامًا؛ فحركة "النهضة" بقيادة راشد الغنوشي، التي تحولت من حركة فكرية إصلاحية إلى حزب سياسي، استطاعت أن تحقق صعودًا سياسيًا عبر الانتخابات بعد ثورة 2011، متبنية خطابًا يعدُّ التعددية والتركيز على ذلك، وبفعل التوترات السياسية وضغط الشارع، اختارت النهضة طواعية التخلي عن السلطة في عام 2014 لصالح حكومة تكنوقراط للإشراف على المرحلة الانتقالية مما أسس نموذجًا بارزًا للتسوية السياسية في المنطقة. أما في مصر، فقد صعدت جماعة الإخوان المسلمين، التي أنشأت نفسها كحركة شعبية تمزج بين تقديم الخدمات الاجتماعية والنشاط الإسلامي، إلى سدة الحكم بعد ثورة 2011، حيث انتخب محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب عبر صناديق الاقتراع. ولكن سرعان ما واجهت الجماعة موجات من الاستقطاب الداخلي والخارجي، لتؤول الأمور إلى الإطاحة بها في عام 2013 بعد احتجاجات شعبية هائلة. وفي اليمن، برز حزب الإصلاح كقوة معارضة رئيسية ضد الرئيس علي عبدالله صالح، ليشارك في الحكومة الانتقالية بعد رحيله عام 2012. غير أن اندلاع الحرب الأهلية وصعود الحوثيين أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، ليغدو جزءًا من صراع لا نهاية له. ومثلها، لعبت الأحزاب الإسلامية في الجزائر دورًا هامًا منذ التسعينيات، خاصة بعد فوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الانتخابات، لكن الجيش حال دون تمكينها من اعتلاء سدة الحكم. ورغم أن الحركات الإسلامية حققت مستويات متفاوتة من النفوذ السياسي، فإن طريقها إلى السلطة كان محفوفًا بمقاومة داخلية، وعوائق عسكرية، وتحديات جيوسياسية إقليمية، مما جعل صعودها أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا في العديد من الحالات. الإسلاميون بين صناديق الاقتراع وميادين القتال تميز صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي بعلاقة معقدة مع الهياكل العسكرية والإدارية القائمة. فقد تمكنت حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر من تحقيق النجاح السياسي عبر الانتخابات الديمقراطية، التي تلت انهيار الأنظمة القائمة. بيدَ أن مؤسسات الدولة بقيت قائمة في كلتا الحالتين، ففي مصر ظل الجيش هو القوة الحاسمة في المشهد السياسي، أما في تونس فقد تمكنت مؤسسات الدولة الأمنية بالبقاء دون تغيير جذري. وفي سوريا كان المشهد مختلفًا تمامًا، إذ لم يكن بروز الإسلاميين على الساحة السياسية قد تم عبر مسار انتخابي معين وإنما جاء في سياق صراع طويل الأمد. فقد كان للإخوان المسلمين دور بارز في انتفاضة 1979-1982 ضد نظام الأسد، ولكنهم بقوا مهمشين في خضم الانتفاضة السورية منذ 2011 مع بروز فصائل إسلامية مسلحة أخرى، حيث ظهرت جماعات مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" كقوى معارضة لها حضور قوي في مراحل النزاع الأولى، إلا أن انقساماتها الداخلية والهزائم العسكرية أدت إلى تراجعها، وفي عام 2017، برز "الجيش الوطني السوري" كتحالف يضم فصائل معارضة، ومنها وحدات من "الجيش السوري الحر"، بدعمٍ تركي كبير. ولكن رغم ذلك، كانت "هيئة تحرير الشام"، التي تطورت من "جبهة النصرة" – الفرع السوري لتنظيم القاعدة – والتي انفصلت عن القاعدة فيما بعد هي القوة الإسلامية الأقوى في شمال سوريا التي استغلت انقسامات المعارضة لتثبيت سيطرتها. ومن خلال معاركها مع النظام والفصائل الأخرى، نجحت الهيئة في توسيع نفوذها في إدلب، وابتكرت هيكلًا إداريًا موازيًا أزاح سلطة الدولة والفصائل المتناحرة في المناطق التي تسيطر عليها. ولعل خصوصية النموذج السوري تكمن في تراجع سيادة الدولة في المناطق المتنازع عليها، ما سهل ظهور الفصائل الإسلامية التي أسست هياكل حكم بديلة. وعلى النقيض من ذلك، تمكنت تونس ومصر من الحفاظ على التماسك المؤسسي للدولة، بما في ذلك التفوق العسكري، حتى بعد صعود الحكومات الإسلامية المنتخبة. ويفسر هذا التباين الهيكلي قدرة هيئة تحرير الشام على ممارسة المزيد من التحكم الذاتي المستقل، في حين أن جماعات مثل النهضة والإخوان المسلمين كانت مقيدة في نهاية المطاف بالنفوذ المستمر للمؤسسات العسكرية والبيروقراطية القائمة سلفًا. علاوة على ذلك، أسفرت الحرب السورية المستمرة عن فراغ في السلطة سمح لجماعات مثل "هيئة تحرير الشام" بالاستفادة من الفرص العسكرية لتأمين الأراضي والحكم بها، الأمر الذي أدى أخيرًا إلى انهيار نظام الأسد في حملة عسكرية استمرت 11 يومًا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بينما تمثل ليبيا في سياق آخر حالة أكثر تعقيدًا، حيث إن سقوط معمر القذافي في عام 2011 أفضى إلى فراغ مؤقت في السلطة، لكن تفكك مؤسسات الدولة لم يكن كاملًا كما هو الحال في سوريا. وقد أتاح هذا التفكك لجماعات مثل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" فرض تأثير محدود، ولكن من دون أن تحقق السيطرة الإقليمية المستدامة أو القدرة على الحكم التي حققتها "هيئة تحرير الشام" في إدلب. كما أن الوجود المستمر لمليشيات متنافسة والعامل القبلي في ليبيا أعاق أي جماعة إسلامية عن الوصول إلى السلطة المركزية التي كانت قد تحققت في سوريا تحت حكم "هيئة تحرير الشام". اختبار البقاء في المشهد السوري لا شك أن تجربة الحكم الجديدة التي تتصدرها "هيئة تحرير الشام" تواجه تحديات جسيمة في سوريا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. داخليًا، يتمثل العائق الرئيسي في الحفاظ على الوحدة داخل مجتمع سوري مفكك بعمق على أسس عرقية وطائفية وأيديولوجية، نتيجة سنوات من الحرب الداخلية. فقد تعرض النسيج الاجتماعي في سوريا لشرخ حاد، مع وجود نزاعات ليس فقط بين الفصائل الإسلامية والعلمانية، بل أيضًا بين الجماعات العرقية، ولا سيما الكرد في الشمال الشرقي. لذلك، لا بد من العمل على معالجة التهميش التاريخي للكرد والأقليات الأخرى، حيث إن استمرار استبعادهم سيؤدي إلى تفاقم تفكك الدولة. كما أن بناء سوريا مستقرة ومستدامة يتطلب تطوير هوية وطنية تتجاوز الطائفية والسيطرة الأيديولوجية. ولهذا، سيكون من الضروري السعي إلى تعزيز حوار وطني شامل يرتكز على المصالحة ومشاركة السلطة، ويجب أن يبدأ هذا الحوار بمجرد فرض الأمن بشكل أساسي في المناطق الرئيسة، مما يسمح بالمشاركة الآمنة للفاعلين السياسيين. ومن الضروري أن يمثل هذا الحوار طيفًا واسعًا من النخب، بمن في ذلك القادة الكرد والشخصيات القبلية، والنشطاء العلمانيون. ولينجح هذا الحوار، يجب أن يركز على آليات العدالة الانتقالية والتسويات المتبادلة بعيدًا عن الممارسات الاستبعادية التي ساهمت في تعميق الشروخ في النسيج الاجتماعي السوري طوال العقود الماضية. أما على الصعيد الدولي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة بسبب مرجعيتها لا تقل عن تلك التي على الصعيد الداخلي. فقد أفضت الروابط التاريخية للجماعة مع الشبكات المتطرفة، على الرغم من محاولاتها إعادة تموضعها ضمن أطر وطنية أكثر واقعية، إلى حدوث فقدان كبير للثقة بينها وبين القوى الغربية والعالم العربي. ولهذا فإن إعادة سوريا إلى مكانتها ضمن المجتمع الدولي، يتطلب من السلطة أولًا الالتزام علنًا بالحكم غير الطائفي، ومبادرات مكافحة الإرهاب والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة. كما أن الانخراط مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة الدول الرئيسة مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، سيوفر حتمًا وسيلة لتطبيع العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وهذا سيتطلب تقديم رؤية لمستقبل سوريا تتماشى مع الاستقرار الإقليمي ولا تجعل منها منصة للتطرف العابر للحدود. بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع العقوبات الأميركية مؤقتًا بموجب الترخيص رقم 24 يمكن أن يشكل خطوة حاسمة نحو الانخراط الدبلوماسي، شريطة أن يتم تبني إصلاحات ملموسة واهتمامًا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة. إن بناء علاقات دائمة وبناءة بين سوريا والعالم العربي والغرب يتطلب نهجًا شاملًا قائمًا على التعاون بين كل الأطراف. ومع حل "هيئة تحرير الشام" نفسها وتنصيب السيد أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية، بات لزامًا إجراء تحول جذري في الحوكمة يقوم على مبادئ العدالة والمساءلة والالتزام الثابت بالاستقرار الإقليمي. ومن هنا فإن الإعلان عن حل "هيئة تحرير الشام" مع حل مليشيات أخرى لإنشاء هيكل عسكري وطني موحد يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز سلطة الدولة، وتعزيز الوحدة الوطنية، لا يقل أهمية عن ذلك تدابير بناء الثقة، بما في ذلك تسهيل جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وهما أمران حاسمان لاستعادة الثقة والشرعية. علاوة على ذلك، فإن الإرادة الجادة في الانخراط بالحوار الدبلوماسي مع القوى الغربية ستكون حاسمة في تحديد كيفية إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي في الوقت ذاته، إذ إن تنفيذ إصلاحات واضحة وقابلة للقياس وعملية ديمقراطية تدريجية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار السياسي طويل الأمد والمرونة المؤسساتية. وستلعب الدبلوماسية الاقتصادية أيضًا دورًا مهمًا في تعافي سوريا، حيث إن الاستثمارات الأجنبية خاصة من خلال التعاون الإستراتيجي مع دول الخليج ستشكل حجر الزاوية لإعادة البناء بعد النزاع. وسيكون تعزيز الشراكات المستدامة مع العالم العربي، وخاصة دول الخليج، أمرًا أساسيًا في تسهيل الإنعاش الاقتصادي لسوريا واندماجها الإقليمي الأوسع. وفي الختام، يكشف صعود الحركات الإسلامية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، بعد الربيع العربي عن سردية معقدة من الفرص والتحديات. ففي تونس ومصر نجحت جماعات مثل "النهضة" وجماعة الإخوان المسلمين في الانتقال من المعارضة إلى الحكم، مستفيدة من قاعدتها الشعبية للوصول إلى السلطة عبر العملية الانتخابية. ومع ذلك، كانت فترة حكمهم مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في تحقيق التوازن بين الطموحات الأيديولوجية والمتطلبات العملية للحكم. وفي ليبيا، تمكنت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" من اكتساب النفوذ في فترة ما بعد القذافي، لكنها واجهت صعوبة في تحقيق السيطرة المستدامة؛ بسبب المشهد السياسي والمليشياوي المنقسم. في المقابل، كان مسار سوريا مختلفًا، حيث استمرت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت لوائها في النضال المسلح لإزاحة نظام الأسد، الذي انهار مع مؤسساته بالكامل، الأمر الذي جعل لزامًا العمل على إعادة بناء الدولة وتشكيل جيش وطني جديد. وتسلط هذه الحالات الضوء على المسارات المتباينة التي سلكها الإسلاميون للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، بدءًا من الاندماج السياسي داخل الهياكل العسكرية القائمة في تونس ومصر، إلى المعارضة المسلحة الثورية في ليبيا وسوريا. وتبرز هذه الحالات مجتمعة آليات التفاعل المعقدة بين الأيديولوجية الإسلامية والحكم والواقع السياسي في حقبة ما بعد الربيع العربي بالمنطقة، حيث لا تزال الشرعية المستمدة من الدعم الشعبي وتعقيدات الحفاظ على الوحدة الوطنية عوامل محورية لبقاء هذه الحركات ومستقبلها.

مجزرة قضائية في تونس
مجزرة قضائية في تونس

الجزيرة

time١٠-٠٢-٢٠٢٥

  • الجزيرة

مجزرة قضائية في تونس

أصدرت الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء – الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025 أحكامًا وُصفت بالصادمة والظالمة فيما بات يُعرف اعلاميًا بملف "أنستالينغو" في حق واحد وأربعين متّهمًا من بينهم سياسيون وإعلاميون وإطارات أمنية ورجال أعمال، وعدد من موظفي الشركة. بلغت جملة الأحكام 760 سنة سجنًا، بعضها حضوري وبعضها غيابي، إضافة إلى خطايا مالية ومصادرة للأملاك في حقّ البعض. مسار القضية.. إخلالات بالجملة "أنستالينغو" هي شركة مختصة في صناعة المحتوى الإعلامي والترجمة سبق لها أن قدّمت خدمات إعلامية لعدد من المترشحين في الانتخابات، بعضهم في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 التي فاز فيها الرئيس قيس سعيد بولايته الأولى. انطلقت الأبحاث في ملف هذه الشركة أول مرة سنة 2021. واللافت أنها لم تكن بمبادرة من النيابة العمومية، وإنما بناء على وشاية "من شخص يحترف الابتزاز منذ سنوات صادرة في حقه أكثر من عشرة أحكام بالسجن والإدانة قبل تاريخ الوشاية وبعدها" اتهم الشركة بامتلاكها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي" حسب ما جاء في بيان للشركة بتاريخ 5 فبراير/شباط 2025. عرف المسار القضائي لهذه القضية العديد من التقلبات والتجاوزات أفقدته أدنى شروط المحاكمة العادلة، وجعلت من هذه المحاكمة حدثًا غير مسبوق في تاريخ القضاء التونسي بجميع اختصاصاته. تداول كثيرون على تعهّد الملف، كان يتم عزلهم بقرار سياسي في شكل مذكرة عمل من وزيرة العدل. فقد تمّ عزل أول وكيل للجمهورية ومساعده تعهّدا بالملف، ليتم تعيين وكيل ومساعد جديدين في 2022، تمّ عزلهما مرة أخرى بقرار سياسي. نفس الشيء حصل مع قضاة التحقيق، فقد تم عزل أول قاضٍ للتحقيق تعهّد بالملف سنة 2021 وتمّ تعيين قاضٍ آخر تم عزله هو الآخر، إضافة إلى تكرار عزل قضاة آخرين تعاملوا مع الملف في العديد من المحاكم التي مرّ بها الملف. لم يتوقف الأمر عند العزل السياسي المتكرر للقضاة بل تعدّاه في الفترة الأخيرة إلى تغيير الجهة المتعهّدة بالملف من محكمة سوسة 2 إلى الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس التي قضت مؤخرًا بإدانة وسجن وزير العدل السابق والقيادي بحركة النهضة والنائب بالبرلمان الشرعي المنتخب سنة 2019، الأستاذ نورالدين البحيري بعشر سنوات سجنًا من أجل تدوينة أثبتت كل الاختبارات الفنية عدم وجودها أصلًا. يضاف إلى قائمة الخروقات والإخلالات التي شابت كامل المسار القضائي لهذه القضية منع هيئة المحكمة للمحامين من الترافع عن بعض المتهمين، وعدم تقديم الأدلة والقرائن التي تدين المتّهمين. قضاء سعيد.. قضاء التعليمات المتتبع لأطوار هذه القضية يدرك بدون كبير عناء أنها مثال يعكس الحالة التي تردّى إليها القضاء في عهد الرئيس قيس سعيد، الذي أصبح بنصّ دستوره الذي وضعه بنفسه ولنفسه (2022) مجرّد وظيفة بعد أن كان في دستور الثورة (2014) سلطة مستقلة لها هياكلها التمثيلية المنتخبة، وأهمها المجلس الأعلى للقضاء قبل أن يحلّه قيس سعيد ويعوّضه بمجلسٍ أعلى منصّبٍ يعيش حالة من العطالة منذ أشهر عديدة نتيجة عدم تسديد الشغورات فيه. كما أعفى قيس سعيد أكثر من خمسين قاضية وقاضيًا أغلبهم بناء على الوشاية وبالشبهة، وقد حكمت المحكمة الإدارية ببطلان قرار الرئيس وقضت بإعادة المعزولين إلى وظائفهم السابقة، وهو ما رفضته وزيرة عدل الرئيس. أحكمت سلطة قيس سعيد وضع يدها على المرفق القضائي بكل اختصاصاته العدلية والمالية والإدارية، ليفعل به ما يريد، ويستعمله ذراعًا لتصفية معارضيه السياسيين بأدوات قضائية ممسوكة ومتحكم فيها. فقد تواترت الحالات الفجّة التي تدخلت فيها السلطة السياسية في سير المرفق القضائي لاستعماله في أجندتها السياسية الضيقة حتى أصبح القضاء يعرف في عهد قيس سعيد بأنه قضاء التعليمات، وقضاء الأروقة أو الممرات "المضمونة" التي تقبل فيها سلسلة القضاة المتعهدين بنفس الملفات بتطبيق التعليمات، ولو أدى الأمر إلى خرق الإجراءات وانتهاك الحقوق وتجاوز كل الأعراف والقوانين. صحيح أن المرفق القضائي لم يبلغ في كل الأزمنة السياسية التي عرفتها تونس الحديثة، بشيء من التفاوت، درجة المعافاة التامة، ولكنه وصل مع قيس سعيد إلى أقصى درجات الانحدار والعبث فقد معها كل شروط العدل والنزاهة وجعل كل مساراته من التحقيق إلى الحكم بمختلف درجاته ساحة للتنكيل بالخصوم السياسيين وتجريدهم من كل حقوقهم المكفولة في الدستور، وفي المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس، وتصرّ سلطة سعيد على عدم احترامها لسبب بسيط ولكنه ثقيل في الميزان، وهو أن سعيد لا يؤمن بالحقوق ولا بالإجراءات ولا بالزمن القضائي، هو يؤمن فقط بأن القضاء وظيفة بين يدي الحاكم يستعملها كيف يشاء ومتى شاء من أجل تجريف الفضاء العام وإخلاء الساحة من خصومه ليتسنى له تحقيق مشروعه "الشخصي". كثيرًا ما صرّح محامو الدفاع منذ نشر ملف القضية في 2021 أمام محكمة سوسة 2 (سوسة مدينة بالساحل التونسي) بأن الملف "لا شيء فيه" يمكن اعتماده دليل إدانة ضدّ أيّ من المتهمين بعد كل التحقيقات والاستنطاقات والاختبارات التي أجريت على مدار أربع سنوات كاملة، وبعد كل القضاة الذين تعاقبوا على الملف. كما أثبتت الأبحاث والتحقيقات المجراة أن أيًّا من المتهمين من موظفي الشركة لا تربطه علاقة بأي سياسي أو أمني من المشمولين بالبحث في القضية، كما أن أيًّا من السياسيين والأمنيين لا تربطه علاقة بأي موظف من موظفي الشركة. رغم كل ذلك، أصدرت الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة أحكامًا صادمة وظالمة تراوحت بين خمس سنوات وأربع وخمسين سنة سجنًا، إضافة إلى خطايا مالية ومصادرة للأملاك في حق البعض. شملت هذه الأحكام الأستاذ راشد الغنوشي (84 سنة) رئيس البرلمان الشرعي المنتخب سنة 2019، ورئيس حركة النهضة المسجون منذ 17 أبريل/نيسان 2023 (وقع اعتقاله من بيته وقت إفطار ليلة السابع والعشرين من رمضان)، على ذمة قضايا أخرى عديدة بعضها صدرت فيها أحكامٌ بالسجن وخطايا مالية وأخرى لا تزال أمام المحاكم في انتظار البتّ فيها. فقد حُكم على الأستاذ راشد الغنوشي غيابيًا باثنتين وعشرين سنة لمقاطعته المسار القضائي منذ إيقافه؛ لقناعته بعدم استقلالية المرفق القضائي، ولقناعته بأن سجنه كان بقرار سياسي استعمل فيه القضاء أداة وأن خروجه من السجن سيكون بقرار سياسي أيضًا وليس قضائيًا. ويؤكد فريق الدفاع عن الأستاذ راشد الغنوشي أنّ موكلهم لا علاقة له بشركة "أنستالينغو"، وأنه لا أفعال منسوبة إليه تبرّر الحكم الجائر الصادر في حقّه، وهو ما يثبت من وجهة نظرهم أن إقحام اسم الأستاذ راشد الغنوشي جاء لأغراض سياسية بحتة في غياب أي "أساس واقعي أو قانوني لإدانته والحكم عليه"، وإنما بتعلة أن " موقعه في الحزب وفي الدولة يجعله مطّلعًا بالضرورة على مثل هذه الملفات"، حسب بيان جبهة الإنقاذ الوطني الصادر بتاريخ 5 فبراير/شباط 2025. شملت الأحكام الصادرة عددًا من عائلة الأستاذ راشد الغنوشي كلهم في حالة غياب، وهم ابنه معاذ الغنوشي المحكوم بـ(35 سنة) وابنته سمية الغنوشي بـ(25 سنة)، وزوجها الدكتور رفيق عبد السلام وزير الخارجية السابق بـ(35 سنة) بما يجعل جملة الأحكام الصادرة في حق عائلة الغنوشي 117 سنة سجنًا. إلى جانب الأستاذ راشد الغنوشي، شملت الأحكام عددًا من السياسيين من بينهم مسؤولون سابقون: (رئيس حكومة، وزيران ومسؤولان أمنيان)، إضافة لإعلاميين ومدوّنين وعدد من موظفي شركة "أستالينغو". ويؤكّد إقحام مثل هذه الأسماء وخاصة الأستاذ راشد الغنوشي حرص السلطة على تسييس الملف وتضخيمه للذهاب به بعيدًا في بناء سرديتها "المحبّبة إليها" بأن هذه المحاكمات تأتي في سياق حرب التحرير الوطني التي أعلنها سعيد ضد الخونة والعملاء ووكلاء الصهيونية والمتآمرين مع الخارج ضد الأمن الداخلي والخارجي لتونس. محاكمات فاضحة المحاكمات "الهيتشكوكية" منتج طبيعي لانقلاب قيس سعيد ونهجه الاستبدادي في الحكم، وتعكس نظرته لنفسه باعتباره "مبعوث العناية الإلهية" الذي جاء من كوكب آخر لإنقاذ تونس والبشرية بأفكاره الجديدة التي لم يسبقه إليها أحد من الأولين، وتعكس نظرته "الدونية" للآخرين الذين لا يمكن أن يكونوا إلا رعايا بين يديه يفعلون ما يأمر به؛ لأنه وحده الذي يعرف ما يريدون، ومن يرفض منهم طاعته وموالاته فهو عدو وخائن تجب معاقبته بإسكات صوته وإخراجه من الفضاء العام والرمي به في السجن لسنوات طويلة. إلى جانب ذلك، تبدو المحاكمات "الهيتشكوكية" أداة من أدوات حكم قيس سعيد يستعملها كلما احتاج إليها للتغطية على عجزه وفشله، ولتلهية الرأي العام وصرفه عن الاهتمام بمشاكله ومتاعبه. بعد أربع سنوات من الحكم المطلق بدون أي منجز حقيقي يفيد التونسيين، ومع بداية سنة جديدة محفوفة بصعوبات متعاظمة وبمخاطر عالية، يطلق قيس سعيد، مرة أخرى، بالونة المعارضة والغنوشي والنهضة لتحقيق غرضين اثنين يحتاجهما: الأول ليرضي بها أنصاره المتعطشين لأخبار اعتقال المعارضين وسجنهم والتنكيل بهم. الثاني ليخفي عجز سلطته المتعاظم في تدبير شؤون الحكم وخاصة الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، وعجزها عن إيجاد الحلول المطلوبة والمستدامة لمشاكل التونسيين ومعاناتهم اليومية خاصة مع تواصل التهاب الأسعار، وفقدان المواد الأساسية، وتراجع خدمات المرفق العمومي في النقل والتعليم والصحة وغيرها، وعجزها عن معالجة الاختلالات الهيكلية للمالية العمومية ولبنية الاقتصاد التونسي، وعجزها عن فكّ عزلتها الخارجية مع الدول والهيئات والمنظمات. ربما كان قيس سعيد يعلم أكثر من غيره بأن حبل سياسة التغطية على المشاكل الحقيقية التي تعيشها تونس في ظل حكمه المطلق بإطلاق شعارات فضفاضة لا أثر لها في الواقع، وبإعلان حروب موهومة مثل حرب التحرير الوطني، حبل قاصر وقصير، قاصر لأنه يعجز عن حلّ المشكلات، وقصير لأن طاقة تحمّل الشعب لمتاعب الحياة وعجز السلطة عن تحسين مستوى عيشه لها حدود لا أحد يعلم متى تصل إلى نهايتها. رغم ذلك يواصل قيس سعيد العمل بنفس السياسة فقط؛ لأنه لا يملك غيرها ولا يقدر على اجتراح السياسة المطلوبة لأن عقله السياسي محدود وخلفيته السياسية وتجربته في الحكم ضعيفتان، خاصة أمام تضخّم ذاته، الشيء الذي حجب عنه الواقع ومنعه من التعلّم. محاكمة تؤشر لما بعدها لكل ما تقدّم بيانه، تبدو الأحكام الصادمة والظالمة الصادرة رسالة واضحة وقوية لكل من يعارض الرئيس قيس سعيد ومساره، بأن السلطة ماضية في تسليط أقصى العقوبات السالبة للحرية، وأن الأحكام القادمة ستكون من جنس الأحكام الصادرة وربما أعلى وأشدّ. بعد الحكم منذ أسابيع على الأستاذ نورالدين البحيري وزير العدل السابق والقيادي بحركة النهضة بعشر سنوات سجنًا من أجل تدوينة غير موجودة أصلًا، من المتوقع أن يصدر حكم قاسٍ جدًا ضد المهندس علي العريض رئيس الحكومة السابق والقيادي في حركة النهضة والمتهمين معه في قضية ما يُسمّى بتسفير "المقاتلين إلى الجبهة السورية". كما يتوقع أن تصدر أحكام قاسية أيضًا في حق القادة السياسيين الموقوفين منذ سنتين على ذمة ما يسمى بقضية "التآمر على الأمن الداخلي والخارجي لتونس". تضاف الأحكام الصادرة إلى العديد من الإجراءات القمعية التي اتخذتها سلطة قيس سعيد منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 في التضييق على الحريات وانتهاك الحقوق. ويتأكد مع كل إجراء قمعي جديد أن خيطًا ناظمًا يربط بين كل هذه الإجراءات يجعل منها خطة مكتملة الأركان تقف وراءها الثورة المضادة بمختلف روافدها، كل من موقعه، هدفها تصفية كل ما له صلة بالثورة ومكاسبها، من مؤسسات وهياكل وشخصيات وفاعلين، انتقامًا منها للمنظومة القديمة التي تبدو المستفيد الأكبر من سياسة قيس سعيد القمعية. ليس من الصدفة أن يكون أغلب المعتقلين والمطاردين زمن حكم قيس سعيد من العائلة الديمقراطية الواسعة الذين ساهموا في الثورة وفي الانتقال الديمقراطي، في الحكم أو المعارضة، ومن الذين عارضوا الانقلاب وعملوا على استعادة الديمقراطية. لن يتوقف قيس سعيد عن تدمير كل ما له صلة بالثورة والديمقراطية خاصة إذا تواصل تشتت المعارضة، وتواصل غياب مشروع وطني جامع. لن تتوقف المحاكمات المشهدية الجائرة باستفاقة المرفق القضائي؛ لأن ذلك يبدو مستحيلًا في ظل منظومة قيس سعيد. ستتوقف هذه المحاكمات بإرادة سياسية عندما يتغير ميزان القوة لصالح المعارضة الديمقراطية، كما قال الأستاذ راشد الغنوشي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store