
تحديات وفرص الحركات الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي
لقد كان نشوء القوى التي تحمل الأيديولوجيا الإسلامية في قلب الشرق الأوسط ثمرة تفاعل معقد بين الإرث الاستعماري البائد ووطأة المظالم الاجتماعية والسياسية الراهنة والحركات الفكرية التي أذابت وأعادت تشكيل النسيج الإقليمي الحديث.
وقد نشأت الحركات الإسلامية غالبًا كاستجابة لخيبات الأمل التي أثارتها القومية العلمانية واستبداد الأنظمة التي تلت نيل الاستقلال. ولا يمكن هنا أن يُفصل هذا التحول التاريخي عن الهشاشة الكامنة في هيكل الدول الناشئة، ما مهد الطريق لتطوير أطر أيديولوجية بديلة.
وكانت الجذور الراسخة في الحركات الاجتماعية والدينية المنطلق الرئيس الذي قدمت من خلاله الجماعات الإسلامية نفسها لا كسلطة روحية فحسب، بل كلاعب سياسي مهيمن، مستفيدة من مشاعر الاستياء الشعبية من الفساد والاستبداد. ومن هنا تحقق صعود الإسلاميين إلى الحكم في العديد من الدول العربية، لكن في سياقات يكتنفها الكثير من التعقيدات والظروف السياسية والاجتماعية المتباينة.
في ليبيا مثلًا، وعقب سقوط معمر القذافي في عام 2011، تمكّنت جماعات إسلامية من بسط نفوذها في الفراغ السياسي الذي نشأ، فكان لذلك دور كبير في تمزيق البلاد، وقد شهدت تونس تجربة مختلفة تمامًا؛ فحركة "النهضة" بقيادة راشد الغنوشي، التي تحولت من حركة فكرية إصلاحية إلى حزب سياسي، استطاعت أن تحقق صعودًا سياسيًا عبر الانتخابات بعد ثورة 2011، متبنية خطابًا يعدُّ التعددية والتركيز على ذلك، وبفعل التوترات السياسية وضغط الشارع، اختارت النهضة طواعية التخلي عن السلطة في عام 2014 لصالح حكومة تكنوقراط للإشراف على المرحلة الانتقالية مما أسس نموذجًا بارزًا للتسوية السياسية في المنطقة.
أما في مصر، فقد صعدت جماعة الإخوان المسلمين، التي أنشأت نفسها كحركة شعبية تمزج بين تقديم الخدمات الاجتماعية والنشاط الإسلامي، إلى سدة الحكم بعد ثورة 2011، حيث انتخب محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب عبر صناديق الاقتراع. ولكن سرعان ما واجهت الجماعة موجات من الاستقطاب الداخلي والخارجي، لتؤول الأمور إلى الإطاحة بها في عام 2013 بعد احتجاجات شعبية هائلة.
وفي اليمن، برز حزب الإصلاح كقوة معارضة رئيسية ضد الرئيس علي عبدالله صالح، ليشارك في الحكومة الانتقالية بعد رحيله عام 2012. غير أن اندلاع الحرب الأهلية وصعود الحوثيين أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، ليغدو جزءًا من صراع لا نهاية له.
ومثلها، لعبت الأحزاب الإسلامية في الجزائر دورًا هامًا منذ التسعينيات، خاصة بعد فوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الانتخابات، لكن الجيش حال دون تمكينها من اعتلاء سدة الحكم.
ورغم أن الحركات الإسلامية حققت مستويات متفاوتة من النفوذ السياسي، فإن طريقها إلى السلطة كان محفوفًا بمقاومة داخلية، وعوائق عسكرية، وتحديات جيوسياسية إقليمية، مما جعل صعودها أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا في العديد من الحالات.
الإسلاميون بين صناديق الاقتراع وميادين القتال
تميز صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي بعلاقة معقدة مع الهياكل العسكرية والإدارية القائمة. فقد تمكنت حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر من تحقيق النجاح السياسي عبر الانتخابات الديمقراطية، التي تلت انهيار الأنظمة القائمة. بيدَ أن مؤسسات الدولة بقيت قائمة في كلتا الحالتين، ففي مصر ظل الجيش هو القوة الحاسمة في المشهد السياسي، أما في تونس فقد تمكنت مؤسسات الدولة الأمنية بالبقاء دون تغيير جذري.
وفي سوريا كان المشهد مختلفًا تمامًا، إذ لم يكن بروز الإسلاميين على الساحة السياسية قد تم عبر مسار انتخابي معين وإنما جاء في سياق صراع طويل الأمد.
فقد كان للإخوان المسلمين دور بارز في انتفاضة 1979-1982 ضد نظام الأسد، ولكنهم بقوا مهمشين في خضم الانتفاضة السورية منذ 2011 مع بروز فصائل إسلامية مسلحة أخرى، حيث ظهرت جماعات مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" كقوى معارضة لها حضور قوي في مراحل النزاع الأولى، إلا أن انقساماتها الداخلية والهزائم العسكرية أدت إلى تراجعها، وفي عام 2017، برز "الجيش الوطني السوري" كتحالف يضم فصائل معارضة، ومنها وحدات من "الجيش السوري الحر"، بدعمٍ تركي كبير.
ولكن رغم ذلك، كانت "هيئة تحرير الشام"، التي تطورت من "جبهة النصرة" – الفرع السوري لتنظيم القاعدة – والتي انفصلت عن القاعدة فيما بعد هي القوة الإسلامية الأقوى في شمال سوريا التي استغلت انقسامات المعارضة لتثبيت سيطرتها. ومن خلال معاركها مع النظام والفصائل الأخرى، نجحت الهيئة في توسيع نفوذها في إدلب، وابتكرت هيكلًا إداريًا موازيًا أزاح سلطة الدولة والفصائل المتناحرة في المناطق التي تسيطر عليها.
ولعل خصوصية النموذج السوري تكمن في تراجع سيادة الدولة في المناطق المتنازع عليها، ما سهل ظهور الفصائل الإسلامية التي أسست هياكل حكم بديلة.
وعلى النقيض من ذلك، تمكنت تونس ومصر من الحفاظ على التماسك المؤسسي للدولة، بما في ذلك التفوق العسكري، حتى بعد صعود الحكومات الإسلامية المنتخبة. ويفسر هذا التباين الهيكلي قدرة هيئة تحرير الشام على ممارسة المزيد من التحكم الذاتي المستقل، في حين أن جماعات مثل النهضة والإخوان المسلمين كانت مقيدة في نهاية المطاف بالنفوذ المستمر للمؤسسات العسكرية والبيروقراطية القائمة سلفًا.
علاوة على ذلك، أسفرت الحرب السورية المستمرة عن فراغ في السلطة سمح لجماعات مثل "هيئة تحرير الشام" بالاستفادة من الفرص العسكرية لتأمين الأراضي والحكم بها، الأمر الذي أدى أخيرًا إلى انهيار نظام الأسد في حملة عسكرية استمرت 11 يومًا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بينما تمثل ليبيا في سياق آخر حالة أكثر تعقيدًا، حيث إن سقوط معمر القذافي في عام 2011 أفضى إلى فراغ مؤقت في السلطة، لكن تفكك مؤسسات الدولة لم يكن كاملًا كما هو الحال في سوريا.
وقد أتاح هذا التفكك لجماعات مثل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" فرض تأثير محدود، ولكن من دون أن تحقق السيطرة الإقليمية المستدامة أو القدرة على الحكم التي حققتها "هيئة تحرير الشام" في إدلب. كما أن الوجود المستمر لمليشيات متنافسة والعامل القبلي في ليبيا أعاق أي جماعة إسلامية عن الوصول إلى السلطة المركزية التي كانت قد تحققت في سوريا تحت حكم "هيئة تحرير الشام".
اختبار البقاء في المشهد السوري
لا شك أن تجربة الحكم الجديدة التي تتصدرها "هيئة تحرير الشام" تواجه تحديات جسيمة في سوريا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
داخليًا، يتمثل العائق الرئيسي في الحفاظ على الوحدة داخل مجتمع سوري مفكك بعمق على أسس عرقية وطائفية وأيديولوجية، نتيجة سنوات من الحرب الداخلية. فقد تعرض النسيج الاجتماعي في سوريا لشرخ حاد، مع وجود نزاعات ليس فقط بين الفصائل الإسلامية والعلمانية، بل أيضًا بين الجماعات العرقية، ولا سيما الكرد في الشمال الشرقي.
لذلك، لا بد من العمل على معالجة التهميش التاريخي للكرد والأقليات الأخرى، حيث إن استمرار استبعادهم سيؤدي إلى تفاقم تفكك الدولة. كما أن بناء سوريا مستقرة ومستدامة يتطلب تطوير هوية وطنية تتجاوز الطائفية والسيطرة الأيديولوجية.
ولهذا، سيكون من الضروري السعي إلى تعزيز حوار وطني شامل يرتكز على المصالحة ومشاركة السلطة، ويجب أن يبدأ هذا الحوار بمجرد فرض الأمن بشكل أساسي في المناطق الرئيسة، مما يسمح بالمشاركة الآمنة للفاعلين السياسيين.
ومن الضروري أن يمثل هذا الحوار طيفًا واسعًا من النخب، بمن في ذلك القادة الكرد والشخصيات القبلية، والنشطاء العلمانيون. ولينجح هذا الحوار، يجب أن يركز على آليات العدالة الانتقالية والتسويات المتبادلة بعيدًا عن الممارسات الاستبعادية التي ساهمت في تعميق الشروخ في النسيج الاجتماعي السوري طوال العقود الماضية.
أما على الصعيد الدولي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة بسبب مرجعيتها لا تقل عن تلك التي على الصعيد الداخلي. فقد أفضت الروابط التاريخية للجماعة مع الشبكات المتطرفة، على الرغم من محاولاتها إعادة تموضعها ضمن أطر وطنية أكثر واقعية، إلى حدوث فقدان كبير للثقة بينها وبين القوى الغربية والعالم العربي.
ولهذا فإن إعادة سوريا إلى مكانتها ضمن المجتمع الدولي، يتطلب من السلطة أولًا الالتزام علنًا بالحكم غير الطائفي، ومبادرات مكافحة الإرهاب والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.
كما أن الانخراط مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة الدول الرئيسة مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، سيوفر حتمًا وسيلة لتطبيع العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وهذا سيتطلب تقديم رؤية لمستقبل سوريا تتماشى مع الاستقرار الإقليمي ولا تجعل منها منصة للتطرف العابر للحدود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع العقوبات الأميركية مؤقتًا بموجب الترخيص رقم 24 يمكن أن يشكل خطوة حاسمة نحو الانخراط الدبلوماسي، شريطة أن يتم تبني إصلاحات ملموسة واهتمامًا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.
إن بناء علاقات دائمة وبناءة بين سوريا والعالم العربي والغرب يتطلب نهجًا شاملًا قائمًا على التعاون بين كل الأطراف.
ومع حل "هيئة تحرير الشام" نفسها وتنصيب السيد أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية، بات لزامًا إجراء تحول جذري في الحوكمة يقوم على مبادئ العدالة والمساءلة والالتزام الثابت بالاستقرار الإقليمي.
ومن هنا فإن الإعلان عن حل "هيئة تحرير الشام" مع حل مليشيات أخرى لإنشاء هيكل عسكري وطني موحد يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز سلطة الدولة، وتعزيز الوحدة الوطنية، لا يقل أهمية عن ذلك تدابير بناء الثقة، بما في ذلك تسهيل جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وهما أمران حاسمان لاستعادة الثقة والشرعية.
علاوة على ذلك، فإن الإرادة الجادة في الانخراط بالحوار الدبلوماسي مع القوى الغربية ستكون حاسمة في تحديد كيفية إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي في الوقت ذاته، إذ إن تنفيذ إصلاحات واضحة وقابلة للقياس وعملية ديمقراطية تدريجية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار السياسي طويل الأمد والمرونة المؤسساتية.
وستلعب الدبلوماسية الاقتصادية أيضًا دورًا مهمًا في تعافي سوريا، حيث إن الاستثمارات الأجنبية خاصة من خلال التعاون الإستراتيجي مع دول الخليج ستشكل حجر الزاوية لإعادة البناء بعد النزاع.
وسيكون تعزيز الشراكات المستدامة مع العالم العربي، وخاصة دول الخليج، أمرًا أساسيًا في تسهيل الإنعاش الاقتصادي لسوريا واندماجها الإقليمي الأوسع.
وفي الختام، يكشف صعود الحركات الإسلامية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، بعد الربيع العربي عن سردية معقدة من الفرص والتحديات. ففي تونس ومصر نجحت جماعات مثل "النهضة" وجماعة الإخوان المسلمين في الانتقال من المعارضة إلى الحكم، مستفيدة من قاعدتها الشعبية للوصول إلى السلطة عبر العملية الانتخابية. ومع ذلك، كانت فترة حكمهم مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في تحقيق التوازن بين الطموحات الأيديولوجية والمتطلبات العملية للحكم.
وفي ليبيا، تمكنت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" من اكتساب النفوذ في فترة ما بعد القذافي، لكنها واجهت صعوبة في تحقيق السيطرة المستدامة؛ بسبب المشهد السياسي والمليشياوي المنقسم.
في المقابل، كان مسار سوريا مختلفًا، حيث استمرت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت لوائها في النضال المسلح لإزاحة نظام الأسد، الذي انهار مع مؤسساته بالكامل، الأمر الذي جعل لزامًا العمل على إعادة بناء الدولة وتشكيل جيش وطني جديد.
وتسلط هذه الحالات الضوء على المسارات المتباينة التي سلكها الإسلاميون للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، بدءًا من الاندماج السياسي داخل الهياكل العسكرية القائمة في تونس ومصر، إلى المعارضة المسلحة الثورية في ليبيا وسوريا.
وتبرز هذه الحالات مجتمعة آليات التفاعل المعقدة بين الأيديولوجية الإسلامية والحكم والواقع السياسي في حقبة ما بعد الربيع العربي بالمنطقة، حيث لا تزال الشرعية المستمدة من الدعم الشعبي وتعقيدات الحفاظ على الوحدة الوطنية عوامل محورية لبقاء هذه الحركات ومستقبلها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
قيادي بالنهضة: تونس تشهد تراجعات خطيرة وعشرات المعارضين يخضعون للاعتقال التعسفي
قال رضا إدريس عضو المكتب السياسي ل حركة النهضة التونسية، اليوم السبت، إن تونس شهدت تراجعات في حرية التعبير وصفها بـ"الخطيرة" بعد مرحلة الربيع العربي ، مؤكدا أن القمع شمل الجميع. وأضاف إدريس، خلال كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع ل حزب العدالة والتنمية المغربي، "القمع شمل الجميع وانتصبت المحاكمات السياسية لكل الطيف الفكري والسياسي والمدني". وزاد منتقدا الوضع الحقوقي المتراجع في عهد الرئيس قيس سعيد ، قائلا "لقد تحول القضاء من سلطة مستقلة إلى مجرد أداة تتلقى التعليمات من السلطة التنفيذية". وشدد إدريس الذي كان مستشارا للشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة، على أن زعيم إسلاميي تونس وجد نفسه "محروما من الحرية وقد تجاوز سن الثالثة والثمانين"، مشيرا إلى أن الرجل "صامد في معتقله". كما اعتبر أن عشرات المعارضين يخضعون اليوم للاعتقال التعسفي وتصدر محاكمات بعشرات السنين بتهم تتعلق بالرأي، كما هو حال الشيخ راشد الغنوشي الذي كرّس حياته دفاعا عن الحرية. ورغم قتامة الوضع في مهد الربيع العربي، أكد إدريس أن تونس "قادرة بعون الله وبعزيمة شعبها وتضحيات وحكمة نخبها وتضامن أصدقائها الحقيقيين على تخطي النكبة الحالية". ومضى قائلا "ستعود تونس لما كانت عليه وستسترجع الخضراء مسارها الديمقراطي وتصحح موقعها المتوازن مغاربيا وقاريا، لتعود إلى العالم الحر"، مذكرا بعمق العلاقات التاريخية التي تربط بين المغرب وتونس والتي تعيش نوعا من الفتور في الوقت الراهن. وتعيش تونس على إيقاع احتجاج وغضب فجّره سجن المحامي المعروف أحمد صواب، بلغ حد تنظيم تظاهرة احتجاجية أمس الجمعة، رفع المشاركون فيها شعارات تطالب برحيل الرئيس سعيد الذي وصفوه بـ"الدكتاتور"، وفق ما تناقلته وكالات أنباء دولية.


الجزيرة
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
دعوات للإفراج عن محام تونسي دافع عن متهمين في قضية "التآمر"
تتواصل الاحتجاجات والدعوات في تونس للإفراج عن المحامي أحمد صواب عضو هيئة الدفاع عن المتهمين "بالتآمر على أمن الدولة". وفي وقت سابق أمس الاثنين أوقفت سلطات الأمن، المحامي والقاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، عضو هيئة الدفاع في "قضية التآمر على أمن الدولة"، واقتادته إلى مقر أمني بمنطقة بوشوشة في العاصمة. وفي إطار الاحتجاجات، تظاهر عشرات الشبان في العاصمة التونسية بعد دعوات أطلقها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي. وانطلقت المظاهرات مساء أمس الاثنين من ساحة الباساج وسط العاصمة تونس في اتجاه "شارع الحبيب بورقيبة"، ورفع المحتجون شعارات تطالب بالإفراج عن صواب. وفي وقت سابق الاثنين، أفادت متحدثة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، بتصريحات لوكالة الأنباء الحكومية، بأن الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف أذنت بفتح تحقيق مع صواب. وأضافت أن فتح التحقيق جاء على إثر تداول مقطع فيديو يظهر فيه المحامي صواب وهو يدلي بتصريح من أمام بيته بتاريخ 19 أبريل/ نسيان الجاري "يحرض فيه على العنف". وعبرت حركة "النهضة" عن "تضامنها المطلق مع الأستاذ أحمد صواب، الذي يدفع ثمن مواقفه المشرفة في الدفاع عن دولة القانون واستقلالية القضاء". ودعت في بيان على فيسبوك"السلطة إلى الكف عن محاولات تحريف التصريحات وتلفيق التهم" ضد المحامين، وطالبت بإطلاق سراح صواب. من ناحيته قال الحزب الجمهوري (وسط يسار) في بيان إنه يدين "بشدّة هذا الإيقاف التعسفي، ويحمّل السلطة القائمة مسؤوليتها القانونية والسياسية". من جهته، أعرب حزب "التكتل" (يسار اجتماعي) عن "تضامنه التام مع أحمد صواب وكل المسجونين بسبب مواقفهم السياسية"، وطالب في بيان "بإطلاق سراح جميع موقوفي الرأي، سواء بصفة تحفظية أو نتيجة أحكام جائرة". ويوم السبت، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية أحكاما أولية بالسجن تراوح بين 4 سنوات و66 عاما بحق 40 متهما في "قضية التآمر على أمن الدولة"، بينهم 22 حضوريا، و18 غيابيا. وتعود القضية إلى فبراير/ شباط 2023 عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووجهت إليهم تهما تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان". لكن السلطات التونسية أكدت في مناسبات عدة أن جميع الموقوفين في البلاد يُحاكمون بتهم جنائية تتعلق بأمن الدولة، مثل "التآمر على أمن الدولة" أو "الفساد"، ونفت وجود محتجزين لأسباب سياسية. وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.


الجزيرة
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
بعد "ثلاثية إنستالينغو"..هل يخشى قضاء تونس سلطتها؟
"انتكاسة خطيرة لالتزامات تونس الإقليمية والدولية، ومحاولة للانسحاب من آلية قضائية مستقلة من شأنها الحد من الإفلات من العقاب وضمان سبل الإنصاف للضحايا". بهذه العبارات الموجزة، علقت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان على نبأ انتشر سريعا في العاصمة التونسية يوم 21 مارس/آذار الحالي، يفيد بسحب الحكومة "اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان في قبول العرائض الصادرة عن الأفراد والمنظمات غير الحكومية". النبأ الصادم للمنظمات الحقوقية أكدته وكالة الصحافة الفرنسية، التي طلبت بدورها تعقيبا من وزارة الخارجية التونسية على القرار الذي يحرم المواطنين ومنظمات حقوق الإنسان من إمكانية رفع دعاوى مباشرة أمام المحكمة الأفريقية للطعن في انتهاكات الدولة، لكن الوزارة امتنعت عن التعليق. غير مسبوقة بالذهنية ذاتها غير المكترثة بالالتزامات الحقوقية، أصدرت الدائرة الجنائية الثانية في المحكمة الابتدائية بتونس في 5 فبراير/شباط 2025 أحكاما على 38 شخصا في واحد من الملفات المعروفة اختصارا بقضية "إنستالينغو" (Instalingo). وتراوحت الأحكام في القضية المثيرة للجدل وغير المسبوقة بالسجن لمدد تتراوح بين 5 سنوات و54 سنة مع غرامات مالية لبعضها. وقد طالت طيفا من السياسيين والإعلاميين، بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي، إضافة إلى وزراء ومسؤولين حكوميين سابقين.