
أسرار التعميم 154: ما بين القانون والالتفاف على المحاسبة
في العام 2020 أصدر الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، الذي يخضع حالياً إلى محاكمات في لبنان والخارج بتهم مالية وغير مالية عديدة، نتيجة قضايا تتعلق بالاختلاس والإثراء غير المشروع وتبييض أموال وتربّح وتهرّب ضريبي وسوء استخدام السلطة وفساد، التعميم رقم 154، في محاولة منه لإعادة تعويم - ولو بشكل موقت - المصارف اللبنانية التي عانت من تحدّيات في تأمين السيولة مع الإنهيار المالي والمصرفي وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وتهريب الرساميل إلى الخارج.
يشرح المحامي والأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف (USJ) كريم ضاهر، في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ التعميم 154 «صدر في آب 2020، يومذاك كنّا في أزمة تزامناً مع غياب تام للسلطات اللبنانية بكافة تلاوينها من تشريعية إلى تنفيذية وقضائية عن حماية الودائع، تاركين الأمور لاستنسابية المصارف التي تطبّق إرشادات جمعيّتهم بالتنسيق مع الحاكم السابق للمصرف المركزي، بأنّه لا يمكن للمصارف التحويل إلى الخارج أو السماح بالسحب من دون سقوف، بل عليها وضع ضوابط، كانت حينها غير نظامية وغير شرعية. كما أنّ جمعية المصارف تحدّثت لأول مرّة عن وجود مشاكل بتاريخ 17-11-2019، لكن ليس لديها أي صفة تقريرية». ويضيف ضاهر: «وفي شهر نيسان من سنة 2020، أي بعد 6 اشهر من اندلاع الأزمة، صدرت القرارات 150 و151 عن مصرف لبنان، التي وضعت لأول مرّة بصورة رسمية وعلنية قيوداً على السحوبات والتحاويل، إثر إسقاط خطة رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب من قِبل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية وتوقف الحكومة عن سداد الـ»يوروبوندز» بصورة غير منظمة، فباتت الدولة اللبنانية غير قادرة على الاقتراض من الخارج، فتهاوى سعر صرف الليرة واستفحلت الأزمة المالية. فكانت المحاولة لإعادة تعويم المصارف ضمن الإمكانيات المتاحة وتسيير أمور الناس ورفع سقف السحوبات من الودائع».
وكان التعميم 154 حدّد، بشكل غير واضح، ضرورة إعادة نسب من الأموال المحوّلة إلى الخارج من تاريخ 1-7-2017 إلى وقت صدور التعميم. وهنا يوضح ضاهر، عضو الهيئة الإدارية وأحد المؤسسين في الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين (ALDIC): «لماذا هذا التاريخ تحديداً؟ الظاهر أنّه كان يصادف موعد الانتهاء من عمليات الهندسات المالية. بمعنى آخر، يمكن الإستنتاج والتحليل، من دون التأكيد أو الجزم، أنّه لربما صدر التعميم بهذا الشكل والتاريخ، لألّا يتأثر أحد من الذين استفادوا من هذه الهندسات وحوّلوا هذه الأموال إلى الخارج» (أي كبار المتموّلين والنافذين).
ويشرح ضاهر طلب الحاكم السابق «حث» العملاء على إعادة جزء من الأموال المحوّلة بأنّه «كان نتيجة عدم جواز إلزام حاكم المصرف للعملاء بإعادة الأموال، لأنّ هذه الصلاحية التشريعية يبتّ فيها المجلس النيابي، وحتى أنّ هناك صعوبات لدى السلطة التشريعية على مناقضة الدستور، الذي يحمي المبادرة الفردية والاقتصاد الحرّ والملكية الخاصة، على إرغام العملاء بإعادة أموالهم لأنّها تخالف النص الدستوري بهكذا قانون. وحتى اليوم، وباستثناء تعاميم مصرف لبنان المبهمة، لا يوجد أي قانون «كابيتال كونترول» يمنع رسمياً من تحويل الأموال إلى الخارج». لكنّ التعميم كان محاولة لإلزام مَن حوّلوا أموالهم إلى الخارج لإعادتها، وقد تعزز ذلك بصورة غير مباشرة من خلال «التعميم 158 الذي تلا التعميم 154، واشترط على مَن يُريد الاستفادة من إجراء سحوبات من حسابه بالعملة الأجنبية وبقيمتها الفعلية بقيمة 400$ أو 300$ ومن ثم أصبحت 500$ ألّا يكون مخالفاً لتطبيق التعميم 154 (أي إعادة نسبة 15% من أمواله المحوّلة إلى الخارج). وهنا التزمت المصارف بتطبيق التعميم 158»، بحسب ضاهر.
ويؤكّد الرئيس السابق للجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين، أنّ التعميم 154، كما ومعظم التعاميم الأخرى الصادرة خلال تلك الفترة بدءاً بالتعميم رقم 151، غير قانوني، وقد طُعِنَ ببعضها من قِبل نقابة المحامين، ولاسيما بقرار مصرف لبنان رقم 359 (الصادر في 20-1-2023 الذي كان يسمح للمصارف بإعادة الرسملة وإعادة تقييم أصولها)، والقرار 22 الذي صدر عن مجلس الوزراء (الصادر في 22-4-2023، الذي يُميِّز بين ودائع قديمة ووادئع جديدة) أمام مجلس شورى الدولة.
وكان يعوّل نوعاً ما على التعميم 154 لإلزام كبار المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة في المصارف، كما وعملاء المصارف من المعرّضين سياسياً (PEP)، على إعادة نسب من رساميلهم المحوّلة إلى الخارج، لكنّه بحسب ضاهر «لم يكن ينص على تدابير رادعة وإجراءات. إذ كان يلتمس، أي يتمنّى عليهم، إعادة نسبة 30%، لكنّه لم يفرض عليهم بفضل عبارات قانونية ليّنت النص لعدم إلزامهم، ناهيك عن التعميم 568 الذي أتاح لعملاء المصارف تسديد دفعات وأقساط القروض المترتبة عليهم بقيمتها في الليرة اللبنانية (1507,5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد) وذلك على رغم من تدهور سعر الصرف وعدم تناسبه مع القيمة الفعلية، ممّا أهدر أموال المودعين نتيجة إعادة تسديد القروض التي أعطتها المصارف بهذا الشكل». كما أنّ التعميم 154 نصّ على الطلب من كل مصرف، بمهلة تنتهي في 28-2-2021، على تكوين حساب خارجي حر من أي إلتزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقلّ، في أي وقت، عن نسبة 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديها في 31/7/2020 (أي الـFresh) من دون أن يستعملها.
ويرى ضاهر أنّ «الحاكم الجديد لا يحتاج إلى الاعتماد على القرار 154 اليوم، بعد تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات والاتجاه إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتحضير مشروع لإعادة هيكلة المصارف. لكن من الممكن محاسبة المصارف التي لم تلتزم طوال هذه السنوات بالنسبة إلى الأمور الملزمة، لأنّ قرارات المصرف المركزي ملزمة للمصارف، بالتالي يمكن للمصرف المركزي تطبيق المادة 208 من قانون النقد والتسليف التي تبدأ بالتنبيه وتنتهي بالشطب مروراً بتعيين مدير موقت للمصرف كما حدث لـCredit National Bank وFederal Bank وغيرهما».
لذلك، يؤكّد ضاهر «أنّ القرار يمكن أن يعطي فكرة عن مدى التزام ووضع المصارف خلال الحقبة الماضية، في سياق التقويم والدرس لإعادة الهيكلة الموعودة، بالموازاة مع الشفافية المطلوبة والمساءلة. علماً أنّ المصارف حسّنت أوضاعها منذ ذلك الحين، لأنّ البعض أعاد أموالاً وربما التزم بهذه النسب، بفضل بيع أصول في الخارج أو حتى العمولات التي أخذتها على الودائع والخدمات المتفرّقة».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 3 ساعات
- النهار
"طالبان" تجري محادثات مع روسيا والصين بشأن معاملات تجارية بالعملات المحلية
أفاد القائم بأعمال وزير التجارة الأفغاني بأن إدارة "طالبان" في مرحلة متقدمة من المحادثات مع روسيا بشأن تسوية بنوك من كلا الاقتصادين الخاضعين للعقوبات معاملات تجارية بمئات الملايين من الدولارات بالعملتين المحليتين للبلدين. وقال نور الدين عزيزي لرويترز أمس الخميس إن الحكومة الأفغانية قدمت مقترحات مماثلة للصين. وأضاف أن بعض المناقشات أجريت مع السفارة الصينية في كابول. وأضاف أن فرقا فنية من البلدين تعمل على المقترح مع روسيا. وتأتي هذه الخطوة في وقت تركز فيه موسكو على استخدام العملات الوطنية للابتعاد عن الاعتماد على الدولار في وقت تواجه فيه أفغانستان انخفاضا حادا في موارد البلاد الدولارية بسبب خفض المساعدات. وقال: "ننخرط حاليا في مناقشات متخصصة في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار وجهات النظر الاقتصادية الإقليمية والعالمية والعقوبات والتحديات التي تواجهها أفغانستان حاليا، وكذلك التحديات التي تواجهها روسيا. المناقشات الفنية جارية". ولم ترد وزارة الخارجية الصينية ولا البنك المركزي الروسي بعد على طلبات للتعليق. وقال عزيزي إن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفغانستان حاليا عند نحو 300 مليون دولار سنويا، مرجحت أن يشهد نموا كبيرا مع تعزيز الجانبين للاستثمار. وقال إن الإدارة في أفغانستان تتوقع زيادة مشتريات البلاد من المنتجات النفطية والبلاستيك من روسيا. وأضاف: "أنا واثق من أن هذا خيار جيد للغاية... يمكننا استخدام هذا الخيار لمصلحة شعبنا وبلدنا". وتابع: "نريد أن نتخذ خطوات في هذا الاتجاه مع الصين أيضا"، مضيفا أن أفغانستان تجري معاملات تجارية بنحو مليار دولار مع الصين كل عام. وقال: "تم تشكيل فريق عمل يتألف من أعضاء من وزارة التجارة (الأفغانية) والسفارة الصينية... والمحادثات جارية". قطاع الخدمات المالية في أفغانستان معزول إلى حد كبير عن النظام المصرفي العالمي بسبب العقوبات المفروضة على بعض قادة حركة "طالبان" التي استولت على حكم البلاد في 2021 مع انسحاب القوات الأجنبية. وتأثر وضع هيمنة الدولار بين العملات العالمية في السنوات القليلة الماضية بسبب منافسة مع الصين وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

المدن
منذ 3 ساعات
- المدن
زيادة أسعار البنزين وثبات المازوت والغاز
لم تشهد أسعار المازوت والغاز أي تغيير، بحسب جدول تركيب أسعار المحروقات الخاص بيوم الجمعة، في حين سجّلت أسعار البنزين ارتفاعاً بمعدّل 9000 ليرة للصفيحة من عيار 95 أوكتان وبمعدّل 10000 ليرة للصفيحة من عيار 98 أوكتان. ووفق الجدول الصادر عن وزارة الطاقة، أصبحت الأسعار كالآتي: بنزين عيار 95 أوكتان: مليون و379 ألف ليرة بنزين عيار 98 أوكتان: مليون و419 ألف ليرة مازوت: مليون و215 ألف ليرة غاز: 921 ألف ليرة ولا يزال سعر صرف الدولار في المحطات عند مستوى 89700 ليرة.


الميادين
منذ 3 ساعات
- الميادين
الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء منذ نيسان والدولار يواصل التراجع
ارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال عليه. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 1.1% إلى 3329.69 دولاراً للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0654 بتوقيت غرينتش. وارتفع المعدن 4% منذ بداية الأسبوع، وهو يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ السابع من أبريل/نيسان. وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 1.1% إلى 3329.80 دولاراً. اليوم 13:25 اليوم 11:05 بالتوازي، هبط الدولار بأكثر من 1% منذ بداية الأسبوع وحتى الآن. ويتجه الدولار لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي منذ السابع من أبريل/نيسان، ما يجعل الذهب المسعر به أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى. وأوضح تيم ووترر كبير محللي السوق لدى "كيه.سي.إم تريد" أن "التفاؤل بشأن التجارة هذا الأسبوع أفسح المجال إلى حد ما لمخاوف بشأن الوضع المالي للولايات المتحدة، وعاد الذهب إلى نطاق اهتمام المستثمرين بسبب ما ترتب على ذلك من تردد حيال الإقبال على الأصول الأميركية". ورجح المحلل المالي "أن يظل الذهب عند المستويات التي تتجاوز 3000 دولار في وقت لا تزال الأسواق المالية مثقلة فيه بتأثيرات الرسوم الجمركية والدين الأميركي والتوترات الجيوسياسية. وأمس الخميس، وافق مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على مشروع قانون شامل للضرائب والإنفاق، بما يضمن تنفيذ معظم أجندة الرئيس دونالد ترامب ويضيف تريليونات الدولارات إلى الدين الحكومي. وينتقل مشروع القانون بهذا إلى مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون أيضاً بهامش 53 إلى 47 مقعداً. كذلك، صعدت الفضة في المعاملات الفورية 0.3% إلى 33.16 دولاراً للأوقية، وارتفع البلاتين 0.9% إلى 1091.43 دولاراً، ونزل البلاديوم 0.1% إلى 1014 دولاراً.