
اليسار الفرنسي غير مرحب به في إسرائيل.. والتهمة "معارضة حرب غزة"
أثار قرار إسرائيل إلغاء تأشيرات دخول نواب يساريين فرنسيين ورؤساء بلديات، كانوا يعتزمون زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية، غضباً واسعاً في الأوساط السياسية الفرنسية، وسط اتهامات لتل أبيب بالتمييز بسبب المواقف المناهضة لحرب غزة. وفيما تلتزم باريس الصمت، يُحمّل المعنيون ماكرون مسؤولية الرد.
ويأتي الموقف الإسرائيلي بعد أسبوعين من استقبال شخصيات سياسية فرنسية من اليمين واليمين المتطرف، يتقدمهم جوردان بارديلا، رئيس حزب "التجمع الوطني"، الداعم المُستجد لإسرائيل، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق جابرييل أتال، المنتمي إلى تيار ماكرون.
ورغم أن اليمين المتطرف الفرنسي كان في الماضي من الداعمين لقيام دولة فلسطينية ومناهضاً للسياسات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، إلا أنه انقلب في السنوات الأخيرة بالكامل ليضع كامل تركيزه على قضايا الهجرة والمسلمين، وأصبح داعماً أساسياً لإسرائيل.
وفي المقابل برزت أحزاب اليسار الفرنسي كداعم رئيسي للفلسطينيين، ووهي تعارض الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خصوصاً حزب "فرنسا الأبية" الذي يقوده جون لوك ميلونشون، وأيضاً أحزاب "البيئة" و"الشيوعي".
دعم ماكرون للدولة الفلسطينية
وألغت إسرائيل تأشيرات عدد من النواب والشخصيات الفرنسية لمنعهم من زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بين المستهدفين نواب عن حزبي "البيئة" و"الشيوعي"، وذلك قبل يومين من الموعد المقرر لهذه الزيارة.
واعتبر النائب أليكسي كوريير عن حركة "لابريه" (نائب سابق في فرنسا الأبية)، والذي سُحبت منه التأشيرات، أن هذه الخطوة سببها "الوضع المتوتر بين فرنسا وإسرائيل"، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في يونيو المقبل.
وأبدت إسرائيل انزعاجها من إعلان ماكرون، وأبلغت فرنسا بأنها ضد هذا الإجراء.
ومن بين الشخصيات التي كانت ستشارك في هذه الزيارة قبل إلغائها، نوابٌ من الجمعية الوطنية (البرلمان)، مثل فرانسوا روفان، وجولي أوزين (عن حزب البيئة)، والنائبة الشيوعية سُميّة بوروحا (وهي من أصول جزائرية)، وعضو مجلس الشيوخ ماريان مارجات، إلى جانب رؤساء بلديات ونواب محليين من التيار اليساري، وهم من أحزاب تؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية، وأبدت دعمها لمقترح ماكرون.
وأصدر النواب ومن معهم، من الذين أُلغيت تأشيراتهم، بياناً وصفوا فيه ما أقدمت عليه اسرائيل بـ"القطيعة الدبلوماسية الكُبرى".
وطالبوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتدخل، وسط توتر متصاعد بين باريس وتل أبيب على خلفية تصريحات ماكرون الأخيرة بشأن قرب اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية.
مطالبة بالتحرك الحكومة الفرنسية
وقال النائب أليكسي كوربيير، في تصريحات لـ"الشرق"، إن "على الرئيس ماكرون التحرك من أجل وضع حد للتصرفات الإسرائيلية".
وأضاف أن وفداً من نواب وأعضاء مجلس شيوخ و بلديات منتخبين تم منعهم من السفر إلى إسرائيل. وتابع: "كنا ننوي السفر من باريس إلى إسرائيل، ومنها إلى الأراضي الفلسطينية، (وتحديداً) إلى الضفة الغربية، ومن ثم إلى غزة".
وأوضح أن "هذا ما كنا نحاول القيام به، لأن هذا الوفد كان مكوناً من نواب فرنسيين، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ورؤساء بلديات، ومنتخبين محليين".
وتابع كوربيير: "كنا نتوقع أن نُستقبل في الضفة الغربية من قبل ناشطين فلسطينيين، وفي إسرائيل من قبل جمعيات مثل Standing Together، أو حتى نواب إسرائيليين، يرغبون في لقائنا".
ووصف أعضاء من الوفد ينتمون إلى حزبي "البيئة" و"الشيوعي"، في مؤتمر صحافي، الخطوة الإسرائيلية بأنها "عقاب جماعي"، وطالبوا ماكرون بالتدخل، مشددين على رغبتهم في معرفة دوافع القرار المفاجئ.
ووصفوا ما جرى بأنه "قطيعة كبيرة في العلاقات الدبلوماسية"، وحذروا من أن منع مسؤولين منتخبين من السفر "لا يمكن أن يمر بلا عواقب"، واضعين الكرة في ملعب ماكرون، الذي دعوه مع الحكومة، إلى التحرك لضمان دخولهم إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، كما قالت النائبة سميّة بوروحا، التي أخذت على الحكومة الفرنسية صمتها المطبق منذ 5 أيام.
"إخفاء معاناة الشعب الفلسطيني"
وأشارت بوروحا، في تصريح لـ"الشرق"، إلى أنها كانت ضمن الوفد الذي كان من المفترض أن يتوجه إلى إسرائيل وفلسطين، واعتبرت القرار الإسرائيلي بسحب التأشيرات بأنه "مصدر استغراب كبير".
واعتبرت بوروحا الخطوة بـ"السابقة في هذا السياق، خاصة بالنسبة للمنتخبين (النواب)"، وقالت إن ذلك "يُعد قطيعة دبلوماسية، بل وإهانة لفرنسا، لأنه، كما قيل، لقد مُنع ممثلو الشعب، ولا نفهم هذا القرار، لأننا كنا متجهين إلى هناك برسالة سلام وتضامن، ولمواصلة العمل على مشاريع قائمة تستحق الاستمرار".
وأضافت بوروحا لـ"الشرق": "ما نطالب به الآن هو تحرك حكومي"، مشيرة الى أن "كل ما قُدم لسحب التأشيرات ليس إلا مبررات واهية، ولا يوجد سبب حقيقي".
أما النائب كوربيير فأعرب عن اعتقاده أن "الوضع متوتر بين فرنسا وإسرائيل، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس ماكرون (بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية)، وربما أيضاً لأننا نواب برلمانيون، ولنواب البرلمان صوت مسموع".
واعتبر كوربيير أن السلطات الإسرائيلية تريد "إسكات هذا الصوت، ومنعنا من الشهادة على ما يحدث فعلياً، ومواصلة سياسة تهميش وإخفاء معاناة الشعب الفلسطيني، لا سيما وأنه كان من المقرر أن نلتقي بإسرائيليين أيضاً، ممن يؤمنون بالسلام، وهم كذلك كانوا ينتظروننا، لأن هدفنا من الرحلة كان لقاءهم والتعاون معهم".
وذكر الوفد أن القنصلية الفرنسية في القدس كانت وجّهت لهم دعوة لزيارة تستمر خمسة أيام، بهدف "تعزيز التعاون الدولي وثقافة السلام"، في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، مؤكدين أن السلطات الإسرائيلية ألغت قبل يومين من بدء الزيارة التأشيرات التي كانت صدرت قبل شهر كامل.
وزعمت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن القرار يستند إلى قانون يسمح بحظر دخول من "قد يعمل ضد إسرائيل"، وفق وصفها.
ريما حسن.. أبرز الأصوات المعارضة للحرب
وسبق لإسرائيل أن منعت دخول النائبة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي ريما حسن، وهي من أصول فلسطينية، و تعتبر من الأصوات البارزة المنتقدة للحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي فبراير الماضي، توجهت ريما حسن، وهي من حزب "فرنسا الأبية" مع زميلتها في البرلمان الأوروبي لين بويلان إلى إسرائيل بهدف زيارة الضفة الغربية لإجراء لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين، ولكن تم منعها من الدخول، وتم ترحيلها.
وتواجه ريما حسن حملة من اليمين واليمين المتطرف في فرنسا، بسبب معارضتها لحرب غزة، ويتم اتهامها بشكل متكرر بـ"معادات السامية"، رغم أنه لم يتم إدانتها قط بهذه التهمة من قبل القضاء.
وتم استدعاء ريما حسن من قبل الشرطة الفرنسية للتحقيق معها في هذه الاتهامات، الأسبوع الماضي، ورغم أنها تمتلك حصانة برلمانية تؤهلها لرفض هذا الاستجواء، إلا أنها قررت الحضور، وتم استجوابها 11 ساعة كاملة.
وقالت حسن إنه رغم حصانتها النيابية إلا أنها قررت المثول أمام الشرطة لأنها "مع الحق، ومن هو مع الحق لا يخشى شيئاً".
وأضافت أنها "لم ولن تصرح بأي كلام من شأنه إثارة النعرات أو ينم عن معاداة السامية، وإنما من أجل وقف حمام الدم المستمر في غزة والضفة الغربية، ودفاعاً عن المدنيين الفلسطينيين".
اليمين الفرنسي مرحب به في إسرائيل
في المقابل، رحب السلطات الإسرائيلية بزيارة جوردان بارديلا، رئيس حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، اليميني المتطرف، ورئيس الوزراء السابق جابرييل أتال، المنتمي إلى تيار ماكرون.
وزار بارديلا في 26 مارس الكيبوزات المحيطة بقطاع غزة، والتي شهدت هجوم "حماس" في 7 أكتوبر 2023، وقال إن "فرنسا وإسرائيل لديها نفس الخصوص".
كما ذهب بارديلا أكثر من ذلك في تصريحاته بوصف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي سقط فيها أكثر من 51 ألف شخص أغلبهم أطفال ونساء، بـ"صراع الحضارة ضد البربرية".
ورغم الدعم الكامل الذي أبداه بارديلا لإسرائيل في هذه الحرب، إلا أن العديد من الشخصيات اليهودية في فرنسا لا تزال متشككة من اليمين المتطرف الفرنسي، والذي سبق إدانة العديد من شخصياته سابقاً، على غرار جان ماري لوبان، بـ"معادة السامية".
استبعاد القطيعة بين البلدين
من جانبه، استبعد الخبير في العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية إريك جوزلان، في تصريح لـ"الشرق"، تفاقم الأزمة بين البلدين في ضوء قضية منع المشرعين الفرنسيين من دخول إسرائيل، معتبراً أن الجميع مركز حالياً بما يجري بين الولايات المتحدة وإيران، ووفاة بابا الفاتيكان فرانسيس، وغيرها من الملفات الجيوسياسية.
كما استبعد تدهور العلاقات أو أي قطيعة، متوقعاً أقصى ما قد يصدر عن الجانب الفرنسي، بيان من الخارجية الفرنسية أو من الإليزيه لتخفيف حدة ما حصل.
ولكنه استبعد حصول ذلك في الوقت القريب، بسبب وجود ماكرون خارج فرنسا، فيما يُحضر وزير الخارجية جان نويل بارو لزيارة المغرب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
اجتماع رفيع في الإليزيه حول الأزمة بين باريس والجزائر
عُقد اجتماع خُصّص للأزمة مع الجزائر ليل الأربعاء في الإليزيه في خضم تعليق كل أشكال التعاون بين باريس والجزائر، وفق ما أفادت مصادر حكومية الخميس. وقالت هذه المصادر إن «اجتماعا عُقد في الإليزيه لمناقشة الوضع مع الجزائر»، موضحة أن الاجتماع ضم إلى الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء فرنسوا بايرو ووزير الخارجية جان-نويل بارو ووزير الداخلية برونو ريتايو ووزير العدل جيرالد دارمانان. تشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر منذ نحو عشرة أشهر أزمة دبلوماسية غير مسبوقة تخلّلها طرد متبادل لموظفين، واستدعاء سفيري البلدين، وفرض قيود على حملة التأشيرات الدبلوماسية. وأدى تأييد ماكرون في 30 يوليو (تموز) 2024 خطة للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراء إلى أزمة حادة بين الجزائر وفرنسا. والصحراء مصنفة من ضمن «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» بحسب الأمم المتحدة، وهي مستعمرة إسبانية سابقة مطلة على المحيط الأطلسي ويسيطر المغرب على 80 في المئة من أراضيها. وتطالب ما يسمى «بوليساريو» المدعومة من الجزائر باستقلالها منذ 50 عاما. في مطلع أبريل (نيسان)، أحيا اتصال هاتفي بين ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون الأمل في إرساء مصالحة. لكن مجددا قطعت كل قنوات التواصل. وفي حين كان من الممكن الإبقاء على مستوى معين من التعاون في مجال الهجرة في بداية العام، على الرغم من الخلافات، تراجع هذا التعاون إلى أدنى مستوى. تسعى وزارة الداخلية إلى ترحيل عشرات الجزائريين الصادرة بحقهم قرارات إبعاد، لكن السلطات الجزائرية تعيد من هؤلاء أكثر مما تستقبل خشية تخطي الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز. إلى ذلك يشكل مصير الروائي بوعلام صنصال مصدرا إضافيا للتوتر. أوقف صنصال (75 عاما) في مطار الجزائر في 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، وحُكم عليه في 27 مارس (آذار) بالحبس خمس سنوات لإدانته بتهمة «المساس بوحدة الوطن» في تصريحات لصحيفة «فرونتيير» الفرنسية المعروفة بقربها من اليمين المتطرف، تبنّى فيها موقف المغرب الذي يفيد بأنّ أراضيه سلخت عنه لصالح الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي. إلى الآن لم تلقَ دعوات فرنسية عدة أطلقت، لا سيما من جانب ماكرون شخصيا، من أجل إطلاق سراحه أو منحه عفوا رئاسيا، أي تجاوب.


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
فرنسا: مبادئ ومشاعر غاي
إذا كنت تحت ضغط لفعل شيء ما ولكنك تعلم أنك لا تستطيع فعل أي شيء، فماذا تصنع؟ حسنٌ، لا تفعل شيئاً، ولكن لكي تبدو كأنك تفعل شيئاً ما، فإنك تتذرع بالمبادئ السامية والمشاعر الكبرى. وهذا هو ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير خارجيته جان نويل بارو، بطريقة تخيُّلية واهمة فيما يتعلق بالمأساة المستمرة في غزة. يتحدث الزعيمان الفرنسيان عن اتخاذ «إجراءات ملموسة»، غير مدركَين أن الإجراء غير الملموس في الاصطلاح الفلسفي ليس إجراءً، وإنما هو مجرد فكرة غامضة لا معنى لها، ومفهوم يتلاشى في لا شيء عند ملامسته للواقع. لقد تحدثا حتى الآن عن ثلاثة تدابير ملموسة: الأول، هو دراسة إمكانية الاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية» في موعد غير محدد مستقبلاً، وذلك من خلال عقد مؤتمر في نيويورك بالتشاور مع جامعة الدول العربية تحت رعاية الأمم المتحدة. ويجب أن تشمل هذه الدولة المعنية حركة «حماس»، شريطة أن توافق على التخلي عن العنف والتحول إلى كيان سياسي نظامي. والثاني، هو دراسة إمكانية إحالة بعض المسؤولين الإسرائيليين للتحقيق بتهمة انتهاك مبادئ إنسانية غير محددة. والثالث، هو الطلب من الاتحاد الأوروبي دراسة إمكانية تطبيق المادة الثانية من اتفاقية التجارة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي للحد من التبادلات التجارية فيما بينهما. وفي حال تطبيق مثل هذا الإجراء، قد يؤدي إلى تدمير بعض الأعمال التجارية في إسرائيل وأوروبا. ولكن لم تتحدد فائدة ذلك التباهي بالفضائل التي قد تعود على سكان غزة الذين يلاقون الموت في كل يوم. يقول الوزير الفرنسي بارو: «لا يمكننا السماح بانتهاك مبادئنا السامية الكبرى». متذرعاً بالمبادئ السامية والمشاعر الكبرى، خرج أحد أسلافه دومينيك دي فيلبان، الرجل النبيل الذي حاول الحيلولة دون سقوط صدام حسين، من تقاعده ليدعو إلى محاكمة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية. يا للعجب! ولولا أن القضية المطروحة على المحك خطيرة للغاية، حيث يموت الناس في كل دقيقة، لربما كان يمكن للمرء أن يرى كل ذلك مجرد مكابرة مخادعة للحفاظ على المظاهر. ومع ذلك، فإن نفاق هذه المبادئ السامية والمشاعر الكبرى يتجلى في حقيقة أنه بعد 24 ساعة من تذرع ماكرون وبارو ودي فيلبان بها لتبرير موقفهم المعادي لإسرائيل، كشف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيلو، عن تقرير من 76 صفحة يُصنف جماعة «الإخوان المسلمين» تهديداً قائماً ووشيكاً على الأمن القومي الفرنسي. كما يُصنِّف التقرير -الذي جُمعت مصادره على مدار عامين- جماعة «الإخوان المسلمين» منظمةً دوليةً تروِّج للتطرف، وتغطي الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء العالم. وقد ضاعفت جماعة «الإخوان المسلمين» في فرنسا -إثر دعم من «قوتين أجنبيتين» على الأقل لم يُكشف عن اسميهما- من عدد أعضائها في فرنسا إلى 100 ألف عضو. ويُطلق على التكتيك الذي تستخدمه الجماعة اسم «التغلغل»، أي التسلل خفيةً إلى داخل المؤسسات الدينية، والتعليمية، والرياضية، والثقافية، والتجارية، والمنظمات غير الحكومية، بُغية استخدام الملايين من الناس دروعاً بشرية في أنشطتها. لم يذكر تقرير الوزير ريتيلو، المفصل والموثق جيداً، أن حركة «حماس» -بصفتها فرعاً من فروع جماعة «الإخوان المسلمين»- تستخدم أيضاً سكان غزة دروعاً بشرية. يقول الوزير بارو: «مَن يزرع العنف، يحصد العنف!»، متناسياً أن العنف الحالي كان أول من زرع بذوره هو هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على القرى الإسرائيلية. كما أن أمله البائس في نزع سلاح «حماس» وتحولها إلى حزب سياسي عاديّ يسعى للمشاركة في دولة فلسطينية مفترضة ذات معالم غير محددة حتى الآن، لن يُجدي نفعاً في حياة شعب غزة المحتجز رهينةً لدى بضعة آلاف من المسلحين. يرى دي فيلبان وأمثاله أن «حماس» حركة «تحرير» لا يمكن القضاء عليها. ومع ذلك، لم تطلق «حماس» على نفسها هذا الاسم أبداً. فهي تعد نفسها جزءاً من جماعة «الإخوان المسلمين» ذات الطموحات العالمية، وقد تعمدت إقصاء كلمة فلسطين خارج هويتها. فهي لا تريد «تحرير» فلسطين مهما كان تعريفها، إذ إن هدفها المعلن هو محو إسرائيل من على الخريطة. لا يمكن لأحد أن يُنكر حق فرنسا في الانحياز إلى أحد الأطراف دون غيره في هذا الصراع المأساوي. ولكن، هناك أمران لا يمكن قبولهما بحال: الأول، هو إخفاء أو إعادة تعريف هوية الجانب الذي تنحاز إليه. والآخر، في هذه الحالة على وجه التحديد، هو استخدام التعاطف الصريح أو الضمني مع حركة «حماس» غطاءً لحملة قمع ضد الجماعات «التهديدية» الحقيقية أو المتخيَّلة في فرنسا نفسها. إن مساواة «حماس» بفلسطين هي خيانة للشعب الفلسطيني، بمن في ذلك الكثيرون، وربما الأغلبية، الذين قد لا يتعاطفون مع استخدام العنف الوحشي في خدمة التطلعات الوطنية المشروعة. لا يصرح القادة الفرنسيون إلا بما يريدون من إسرائيل أن تفعله؛ وليس بما ينبغي على «حماس» أن تفعله. وينسون أن «حماس» تستطيع إنهاء هذه الحرب على الفور بإطلاق سراح جميع الرهائن الباقين لديها وتسليم أسلحتها. حتى إن الدعم الضمني لـ«حماس»، من خلال تقريع إسرائيل وقادتها، قد يُشجع من تبقَّى من قيادة الحركة على إطالة أمد الصراع وإيقاع مزيد من الضحايا. تُشجع صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية الصادرة في طهران -والتي تعكس آراء «المرشد الأعلى» علي خامنئي- حركة «حماس» على مواصلة الحرب لأنها على الرغم من خسارتها للأراضي، ناهيكم بعشرات الآلاف من الأرواح في غزة، فإنها «انتصرت في الجامعات الأميركية والأوروبية والرأي العام العالمي». هذه حرب، ومثل أي حرب أخرى، فإنها تهدف إلى تحديد الطرف المنتصر والطرف المنهزم. والحيلولة دون بلوغ تلك الغاية لا يحقق شيئاً سوى تمهيد الطريق لحروب مستقبلية أوسع نطاقاً وأشد فتكاً. إن إيماءات فرنسا الدبلوماسية حول المبادئ السامية والمشاعر الكبرى تذكِّرنا بأغنية المنشد الفرنسي العظيم غاي بير: إنها تذهب إلى متحف اللوفر رفقة فيليب... في ثوب مبادئها السامية! ثم تذهب للمرح رفقة أرمان... في ثوب مشاعرها الكبرى!


العربية
منذ 11 ساعات
- العربية
فرنسا ترد على اتهامات إسرائيل بشأن التحريض على الكراهية
رفضت فرنسا بشدة تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي التي اتهم فيها بعض الدول الأوروبية بالتحريض على الكراهية، ووصفتها بأنها "صادمة وغير مبررة". وأوضح كريستوف لوموان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أن بلاده لطالما أدانت معاداة السامية سواء داخل أراضيها أو خارجها، بما في ذلك خلال أحداث السابع من أكتوبر 2023، مؤكداً أن فرنسا تواصل معركتها الحازمة ضد هذه الظاهرة دون أي تهاون. وقال لوموان: "لقد أدنّا بشدة الطابع المعادي للسامية في تلك الهجمات. أما التصريحات (الصادرة عن وزير الخارجية الإسرائيلي) فهي فظيعة بكل معنى الكلمة، ومن المهم التنديد بها بوضوح. موقف فرنسا في هذا الشأن واضح تماماً: نحن في معركة ضد معاداة السامية، وضد هذه الآفة التي يجب مواجهتها بكل حزم". ماكرون يدين الهجوم وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دان الهجوم الذي وقع في العاصمة الأميركية واشنطن بشدة، معرباً في رسالة إلى نظيره الإسرائيلي عن تعازيه الحارة لعائلتي الضحيتين، ومؤكداً تضامن فرنسا الكامل مع الجالية اليهودية في مواجهة معاداة السامية. كما وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الحادث بأنه 'عمل شنيع ووحشي لا مبرر له'، مشدداً على رفض بلاده التام لأي شكل من أشكال العنف. وفي أعقاب الهجوم، الذي أسفر عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي في واشنطن، أعلنت السلطات الفرنسية عن تعزيز أمني مشدد على جميع المواقع المرتبطة بالجالية اليهودية داخل فرنسا. وأصدر وزير الداخلية، برونو روتايو، توجيهات مباشرة إلى إدارة المقاطعات وقادة الشرطة بضرورة تكثيف الحماية حول المعابد والمدارس والمؤسسات التجارية، بالإضافة إلى الفعاليات الثقافية والإعلامية ذات الصلة، وذلك في إطار إجراءات وقائية تهدف إلى تأمين هذه المواقع وتعزيز الشعور بالأمان لدى المواطنين من الجالية اليهودية. وأكد روتايو أن هذا الإجراء سيترافق مع دعم إضافي من قوات الجيش، بهدف ضمان حضور أمني مرئي يشكل عامل ردع لأي تهديد محتمل. كما شدد على أهمية التنسيق الوثيق بين مسؤولي الدولة والنيابات العامة لتعزيز فاعلية عمليات التفتيش والمراقبة، بما يتماشى مع الإطار القانوني المعتمد.