logo
فضيحة الداخلة تُسقط القناع عن مشروع أخنوش السياسي

فضيحة الداخلة تُسقط القناع عن مشروع أخنوش السياسي

برلمان٠٧-٠٥-٢٠٢٥

الخط : A- A+
إستمع للمقال
من يُتابع التطورات الأخيرة في المشهد الحزبي المغربي، وتحديداً ما جرى في مدينة الداخلة خلال تجمع لحزب التجمع الوطني للأحرار، لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليدرك أننا أمام لحظة فاصلة، لم يعُد فيها الفصل بين الحكومة والحزب مجرّد إشكال نظري، بل صار واقعاً محسوساً تُترجمه الأفعال والخطابات.
تصريح كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، زكية الدريوش، بأن النائب البرلماني امبارك حمية، وهو أيضاً أمين مجلس النواب وعضو بارز في حزبها، قد استفاد من دعم مالي بقيمة 11 مليون درهم لإقامة مشروع خاص في تربية الرخويات، لا يمكن قراءته من زاوية تقنية صرفة. بل هو إعلان صريح عن طبيعة النسق الذي بدأ يترسخ داخل الحزب القائد للتحالف الحكومي. نسق يقوم على تمركز أدوات الدعم العمومي داخل التنظيم الحزبي، وتوزيع الامتيازات بناء على منطق القرب السياسي، لا على معايير الاستحقاق أو مبدأ تكافؤ الفرص.
إن كاتبة الدولة لم تتحدث بصفتها مسؤولة في قطاع حكومي استراتيجي، بل بصفتها طرفا في ترتيب داخلي لمنظومة حزبية تستعمل لغة التنمية لتثبيت شبكة النفوذ داخل الجهات والأقاليم. هذا التداخل بين الخطاب الحكومي والوظيفة الحزبية هو بمثابة دليل على ما يمكن تسميته بـ'التحزيب البنيوي للسياسات العمومية'، حيث تتحول المشاريع الممولة –سواء من ميزانية الدولة أو من مؤسسات دولية كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الإسلامي للتنمية– إلى أدوات تأثيث لمشهد سياسي موجه سلفاً.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي حضر اللقاء ولم يعلق أو يعقّب، أعطى بصمته لهذا التصور، حيث أن الصمت هنا لا يمكن تأويله إلا باعتباره قبولا ضمنياً بأن تنخرط مكونات الحكومة في ترويج ثقافة الامتياز الحزبي، وتجيير المال العام في خدمة أجندات حزبية، تقوّض أسس العدالة الاقتصادية والإنصاف المجالي.
ومن الناحية السياسية، فإن هذا النموذج يفتح الباب أمام انهيار تدريجي للثقة بين المواطن ومؤسسات الوساطة، إذ حين يدرك الفاعل المحلي، والمقاول الجهوي، والباحث عن فرصة استثمار أو تمويل، أن الاستفادة محكومة بالولاء لا بالكفاءة، فإنه لن يرى في الحكومة سوى امتدادا لحزب، ولن يرى فيها كذلك سوى لجنة تقنية تُدير لعبة مغلقة لمصلحة نخبة بعينها.
إن ما وقع في الداخلة لا يجب عزله عن مسار طويل من هيمنة اقتصادية وحزبية لحزب التجمع الوطني للأحرار، والذي راكم منذ سنوات أدوات التأثير عبر المال والإعلام والشبكات الانتخابية. إلا أن الجديد اليوم، هو أن هذه الهيمنة بدأت تأخذ طابعاً مؤسساتياً صريحاً، يُمارس من داخل الجهاز التنفيذي نفسه، بل ويُروّج له دون حرج في الفضاء الحزبي، أمام أنظار الرأي العام.
نحن إزاء ظاهرة حزبية جديدة تتجاوز فكرة 'الزبونية السياسية' المعهودة. إنها لحظة انتقال من الزبونية إلى 'التسليع المؤسساتي' للدعم العمومي، حيث لا تعود المشاريع خاضعة لمنطق التنمية المجالية، بل لمنطق التموضع. والمؤسف أن ذلك يتم داخل أقاليم تعاني من هشاشة بنيوية، كجهة الداخلة وادي الذهب، حيث يُفترض أن تكون الأولوية للعدالة الترابية، لا لترتيب الامتيازات بين مكونات الحزب الواحد.
الخلاصة أن ما جرى هو إعلان صريح عن نمط تدبير حزبي للمال العام، يضرب في الصميم أخلاقيات العمل السياسي، ويطرح سؤالاً حرجاً.. هل الحزب هو من يُدير الحكومة؟ أم أن الحكومة باتت واجهة لحزب يُعيد هندسة الخريطة السياسية بما يخدم استمراره وبقائه في موقع القرار؟
إن ما جرى في الداخلة يُجسّد بوضوح السقوط المدوي لشعارات كبرى رفعها عزيز أخنوش منذ توليه رئاسة الحكومة، وعلى رأسها شعار 'الدولة الاجتماعية'، الذي تهاوى أمام أول اختبار حقيقي لمبدأ تكافؤ الفرص. لا يمكن الحديث عن نموذج اجتماعي جديد فيما تُدار مشاريع الدعم والتنمية وفق مفاتيح حزبية، وتُمنح الامتيازات لمن يختار الاصطفاف داخل الدائرة الضيقة للولاء. إن ما رأيناه ليس انزلاقاً، بل سلوكاً سياسياً مقصوداً يضع الانتماء فوق الكفاءة، ويُسخّر أدوات الاستثمار العمومي لترتيب التوازنات داخل التنظيم الحزبي لا لتصحيح التفاوتات بين المواطنين.
أما 'مسار الثقة'، فلم يكن سوى واجهة لفظية لسياسات تُغذّي الشك، وتُعمّق الفجوة بين المجتمع والفاعل السياسي. ما تُمارسه الحكومة اليوم، بصمتها حيناً وتواطئها حيناً آخر، هو تقويض ممنهج لمعاني المشاركة، وتحويل آليات تدبير الشأن العمومي إلى أدوات تصريف حزبي ضيق، لا علاقة له بالإنصاف ولا بالمصلحة الوطنية. هذه الانحرافات، إن لم تُواجه بموقف واضح، لن تُنتج سوى المزيد من العزوف، والمزيد من الكلفة السياسية في لحظة حساسة تحتاج إلى بناء الثقة، لا إلى إعادة تدوير منطق الامتياز المغلّف بلبوس التنمية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

✅ عمالة إقليم شفشاون تحتفي بعشرين سنة من منجزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
✅ عمالة إقليم شفشاون تحتفي بعشرين سنة من منجزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

24 طنجة

timeمنذ 37 دقائق

  • 24 طنجة

✅ عمالة إقليم شفشاون تحتفي بعشرين سنة من منجزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

خلدت عمالة إقليم شفشاون، الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من خلال لقاء تواصلي تميز باستعراض الوقع الإيجابي والأثر الفعال للمشاريع المنجزة ضمن هذا الورش الملكي. وترأس هذا الحفل عامل إقليم شفشاون، محمد علمي ودان، بحضور أعضاء اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وممثلي السلطات المنتخبة والمحلية، ورؤساء المصالح اللاممركزة وممثلي جمعيات المجتمع المدني، وحاملي المشاريع المستفيدين من برامج المبادرة. وشكل اللقاء مناسبة لاستعراض منجزات المبادرة خلال المراحل الثلاث التي قطعها هذا الورش الملكي المتجدد والمكتسبات التي تحققت على مستوى إقليم شفشاون طيلة العقدين الماضيين، في قطاعات التعليم والصحة والتشغيل والبنيات التحتية وتحفيز المبادرات المقاولاتية الشبابية وتوطيد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وأكد السيد علمي ودان، في كلمة بالمناسبة، أن هذه المبادرة الملكية الرائدة، شكلت منذ انطلاقتها في 18 ماي 2005، ثورة اجتماعية وتنموية حقيقية، كرست ثقافة القرب والعدالة المجالية، ورفعت منسوب الأمل في صفوف الفئات الهشة والمعوزة، مضيفا أن هذا الاحتفال محطة مهمة لاستحضار الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي أرسى من خلالها هذا الورش الملكي الرامي إلى النهوض بكرامة الإنسان، والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية وتحقيق الاندماج الاجتماعي، وترسيخ قيم المواطنة الفاعلة. وأبرز أن إقليم شفشاون، شأنه شأن باقي أقاليم المملكة، عرف دينامية تنموية متواصلة بفضل تفعيل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تم تنفيذ مئات المشاريع ذات الوقع المباشر على المواطنين، والتي همت مختلف القطاعات الحيوية. في هذا السياق، ذكر السيد علمي ودان بأن عدد المشاريع المنجزة ضمن المراحل الثلاث للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بلغ 2024 مشروعا، بغلاف مالي ناهز المليار درهم، مما يبرز أهمية هذا الورش الملكي المتجدد بإقليم شفشاون. من جهته، أبرز رئيس قسم العمل الاجتماعي بعمالة شفشاون، سعيد خديري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المرحلة الأولى للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005 – 2010) تميزت بإنجاز 227 مشروعا بغلاف مالي يزيد عن 120 مليون درهم، فيما تم رصد أزيد من 194 مليون درهم لتمويل 721 مشروعا خلال المرحلة الثانية (2011 – 2018). وتابع أن المرحلة الثالثة من المبادرة (2019–2024) فتميزت بإنجاز 1273 مشروعا، بتمويل يصل إلى 633 مليون درهم. وتم خلال هذا اللقاء عرض فيلم مؤسساتي يستعرض المشاريع المنجزة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووقعها الاجتماعي والاقتصادي على إقليم شفشاون، وتقديم عروض حول أنشطة جمعية 'شفشاون مبادرة' المسيرة لمنصة الشباب بشفشاون، وعرض حول أنشطة جمعية 'أطباء الصحة العمومية' في إطار الاتفاقيات المبرمة مع اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، وتقديم شهادات حية لعدد من المستفيدين من مشاريع المبادرة. وبدوار كركر التابع لجماعة الدردارة، جرى إعطاء انطلاقة أشغال فتح مسلك طرقي ضمن المشاريع المسطرة لسنة 2025، فيما تم بجماعة اسطيحات زيارة دار الامومة، وتوزيع مكملات غذائية وحقائب لفائدة الأطفال حديثي الولادة، وزيارة مركز التفتح والتنشيط التربوي للشباب بجماعة اسطيحات.

كريم زيدان: مردودية الحكومة الحالية هي الأعلى وهناك فرق بين العمل والشعارات
كريم زيدان: مردودية الحكومة الحالية هي الأعلى وهناك فرق بين العمل والشعارات

هبة بريس

timeمنذ 2 ساعات

  • هبة بريس

كريم زيدان: مردودية الحكومة الحالية هي الأعلى وهناك فرق بين العمل والشعارات

هبة بريس قال كريم زيدان، الوزير المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، إن مردودية الحكومة الحالية هي أعلى ما يمكن لحكومة مغربية القيام به، معتبرا أن هناك فرقا كبيرا بين سياسة الحكومة الحالية وسياسات الحكومات السابقة، وهذا يُظهر الفرق بين من يعمل ومن يرفع الشعارات. ّ ونوه الوزير خلال استضافته في مؤسسة الفقيه التطواني مساء الثلاثاء، بتماسك وانسجام الاغلبية، مشيرة إلى أن الأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة تعمل كفريق واحد. وأشاد بالالتقائية الموجودة بين القطاعات والوزارات من أجل الصالح العام، حيث لفت إلى أن رئيس الحكومة يحث أعضاءها على أن يكون يدا واحدة. واعتبر الوزير المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، أن المغرب يعيش دينامية مهمة، يترجمها استقطاب المملكة للشركات العالمية من اجل الاستثمار فيه. وذكر في هذا السياق، بالتوجيهات الملكية الداعية إلى جعل الاستثمار الخاص يمثل الثلثين من الاستثمار ببلادنا في أفق سنة 2037، حيث لا يمثل اليوم سوى الثلث مقابل الثلثين من الاستثمار العمومي، مبرزا أن الحكومة تعمل على جذب الاستثمارات من أجل تحقيق هذا الهدف. وبالأرقام، أوضح زيدان، أن المغرب تمكن في ظرف ثلاث سنوات فقط من 2022 إلى 2025، جذب أزيد من 191 مشروعا بقيمة استثمارية تتجاوز 326 مليار درهم، مفيدا بأن ذلك بفضل ما جاء به ميثاق الاستثمار الجديد الذي أطلقته الحكومة من تحفيزات ومواكبة وبرامج. وأورد المتحدث، أنه خلال انعقاد سبع دورات للجنة الوطنية للاستثمار تم الاتفاق على 191 مشروعا بقيمة استثمارية تقدر 326 مليار درهم، والتي خلقت 150 ألف منصب شغل في تماشٍ مع التوجيهات الملكية. وأضاف في هذا السياق، أن بلادنا تنتظر مشاريع كبرى في الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة والنسيج، مبدياً تفاؤله بأن المغرب سيتجاوز الأرقام المرتقبة في سنة 2026 للاستثمارات وخلق مناصب الشغل.

محكمة الاستئناف بفاس تلغي قرار منع مصطفى لخصم من السفر
محكمة الاستئناف بفاس تلغي قرار منع مصطفى لخصم من السفر

يا بلادي

timeمنذ 4 ساعات

  • يا بلادي

محكمة الاستئناف بفاس تلغي قرار منع مصطفى لخصم من السفر

في تطور جديد، ألغت غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بفاس، أمس الثلاثاء، قرار إغلاق الحدود في وجه البطل العالمي ورئيس جماعة إيموزار كندر، مصطفى لخصم، كما أسقطت قرار أداء كفالة مالية قدرها 20 ألف درهم، وذلك بعد طعن تقدم به دفاعه. وكان قاضي التحقيق قد قرر الأسبوع الماضي متابعة لخصم في حالة سراح مع منعه من مغادرة التراب الوطني، على خلفية شكايات تقدم بها مستشارون يتهمونه بالتلاعب في ملف الأعوان العرضيين وتبديد أموال عمومية. جلسة أمس، التي كانت مخصصة لاستنطاق لخصم، تم تأجيلها إلى 27 ماي الجاري، بطلب من المشتكين الذين التمسوا استكمال بعض الإجراءات المسطرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store