
الذكاء الاصطناعي.. الرجل المُطيع تماماً
نشأتُ وأنا أتابع مع والدي عظماءَ التنس في الماضي، ثم عدتُ لمتابعة اللعبة مؤخراً بفضل زوجتي، وهي من عشاق التنس المتحمسين في العائلة. وقد لاحظتُ أن النجوم الحاليين، رغم أنهم مدهشون، لا يضربون الإرسال بقوة كما كان يفعل «بيت سامبراس» أو «جوران إيفانيزيفيتش». سألتُ «تشات جي بي تي» عن السبب، فقدم لي إجابةً مبهرةً تشرح كيف تطورت اللعبة لتُفضل الدقة على القوة. لكن هناك مشكلة واحدة: لاعبو اليوم في الواقع يضربون إرسالاً أقوى من أي وقت مضى.
ورغم أن معظم الرؤساء التنفيذيين لا يمضون وقتَهم في سؤال الذكاء الاصطناعي عن التنس، فإنهم يعتمدون عليه في الغالب للحصول على المعلومات واتخاذ القرارات. وتميل النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) ليس فقط إلى ارتكاب الأخطاء، بل إلى تأكيد المعتقدات الخاطئة أو المتحيزة لدى المستخدمين، وهو ما يمثل خطراً حقيقياً على القادة.
لقد أعطاني «تشات جي بي تي» معلوماتٍ غير دقيقة لأنه، مثل معظم النماذج اللغوية، يعمل كمتملق يخبر المستخدمين بما يظن أنهم يريدون سماعه. تذكّروا تحديث أبريل لـ«تشات جي بي تي»، عندما أصبح يرد على سؤال مثل «لماذا السماء زرقاء؟» بجملة مثل: «يا له من سؤال عميق، لديك عقل رائع حقاً.. أنا أحبك»، حينها اضطرت شركة «أوبن إيه آي» للتراجع عن هذا التحديث لأنه جعل النموذجَ «مجاملاً أو متملقاً بشكل مفرط». ورغم أن ذلك خفف من التملق، إلا أنه لم يُلغِه تماماً، وذلك لأن رغبة النماذج اللغوية في إرضاء المستخدمين متأصلة في طريقة تدريبها، والمعروفة باسم «التعلم المعزز من ردود الفعل البشرية» (أو التعليم بوساطة التعزيز من الملاحظات البشرية) (RLHF). في هذه الطريقة، يتم تدريب النموذج على توليد إجابات، ويقوم البشر بتقييم تلك الإجابات، ثم تُستخدم التقييمات لتحسين أداء النموذج.
المشكلة هي أن دماغ الإنسان يكافئه على شعوره بأنه محق، وليس على كونه محقاً بالفعل. لذا، يعطي الناس تقييمات أعلى للإجابات التي يوافقون عليها. ومع مرور الوقت، تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية ما يريد الناس أن يسمعوه وتعيد تدويره إليهم. وهذا يفسر الخطأ في سؤالي عن التنس: سألتُ لماذا لم يعد اللاعبون يرسلون بنفس القوة كما في السابق. ولو كنتُ سألتُ العكس: لماذا أصبحت الإرسالات أقوى؟ لكان تشات جي بي تي قد قدّم لي تفسيراً معقولا آخر.
هذه النزعة للتملق في النماذج اللغوية تمثل مشكلة للجميع، لكنها تُعد خطيرة بشكل خاص بالنسبة لقادة الشركات، فهم الأقل سماعاً للاختلاف في الرأي، والأكثر حاجة إليه. الرؤساء التنفيذيون اليوم يقلّصون فعلياً تَعرضَهم للآراء المخالفة، من «ميتا» إلى «جيه بي مورجان تشيس»، حيث يتم قمع التباين داخل الشركات، ويُحاط هؤلاء التنفيذيون الأقوياء بالحاشية التي تحرص على إرضائهم، فيكافئون مَن يُرضيهم ويعاقبون مَن لا يفعل.
لكن مكافأة المتملقين ومعاقبة الصادقين تُعد من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها قادة الأعمال، فالمديرون بحاجة لسماح أخطائهم. أظهرت «آمي إدموندسون»، التي تُعد أبرز العقول في علم سلوك المنظمات، أن العامل الأهم في نجاح الفِرق هو «السلامة النفسية»، أي القدرة على التعبير عن الخلاف، حتى مع رئيس الفريق، دون خوف من العقاب. وأكد مشروع «أرسطو» الشهير، من شركة «جوجل»، هذه النتيجة، حيث وجد أن «السلامة النفسية، أكثر من أي شيء آخر، كانت حاسمة لنجاح أي فريق». وأظهرت أبحاثي الشخصية أن سمة القادة العظماء، من أبراهام لنكولن إلى الجنرال ستانلي ماكريستال، هي قدرتهم على الاستماع إلى مَن يختلف معهم.
وتلحق نزعة التملق لدى الذكاء الاصطناعي الضررَ بالقادة على نحوين مترابطتين: أولًا، تعزز الميل البشري الطبيعي لمكافأة المديح ومعاقبة الاعتراض. فإذا كان حاسوبك يخبرك باستمرار أنك محق في كل شيء، فسيصعب عليك تقبل الاعتراض من موظف يعمل لديك. ثانياً، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم تبريراتٍ جاهزةً وتبدو كما لو أنها موثوقة لتؤكد لقائد الفريق أنه كان محقاً طوال الوقت.
ومن أكثر النتائج المقلقة في علم النفس أنه كلما زادت قدرة الشخص الفكرية، قلّ احتمال تغيير رأيه عند تلقّيه معلومات جديدة. لماذا؟ لأنه يستخدم هذه القوة الفكرية لإيجاد أسباب تجعل المعلومات الجديدة لا تُدحض معتقداته السابقة. ويُطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم «الاستدلال المُحفّز». ويهدد الذكاء الاصطناعي بتعزيز هذا النمط بشكل خطير. أكثر ما لفتني في كذبة «تشات جي بي تي» عن التنس هو مدى إقناعها. فقد قدم ستة أسباب معقولة ومتماسكة. وأجدني أشك في أن أي إنسان تمكنه ممارسة هذا النوع من الاستدلال المتحيز بهذه السرعة والمهارة، مع الحفاظ على مظهر الحياد والموضوعية. تخيل محاولةَ إقناع رئيس تنفيذي برأيك بعد أن يسأل مساعده الذكي سؤالاً، فيخبره فوراً لماذا كان محقاً طوال الوقت!
ولطالما بذل أفضل المديرين التنفيذيين جهوداً كبيرة لتذكير أنفسهم بأنهم بشر ومعرضون للخطأ. تقول الأسطورة إن الرومان القدماء كانوا يشترطون أن يرافق الجنرالات المنتصرين، الذين يحتفلون بانتصاراتهم، شخص يُذكّرهم بأنهم أيضاً بشر. وسواء أكانت تلك القصة حقيقية أم لا، فإن الرسالة وراءَها حكيمة. سيحتاج قادة اليوم إلى بذل جهد مضاعف لمقاومة إغراءات خدمهم الإلكترونيين، وأن يتذكروا أن أهم عبارة يمكن أن يسمعوها من مستشاريهم أحياناً هي: «أعتقد أنك مخطئ».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
*كاتب متخصص في إدارة الشركات والابتكار
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
ماسك يهدد بمقاضاة شركة أبل: «سياستها تخدم فقط OpenAI»
اتهم ماسك شركة أبل "بالتصرف بطريقة تجعل من المستحيل على أي شركة ذكاء اصطناعي باستثناء OpenAI الوصول إلى المركز الأول في متجر التطبيقات". قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك أمس الإثنين إن شركته الناشئة للذكاء الاصطناعي إكس إيه.آي ستتخذ إجراءات قضائية ضد شركة أبل، متهما إياها بخرق لوائح مكافحة الاحتكار في إدارة تصنيفات متجر تطبيقات أبل. وقال ماسك في منشور على إكس "تتصرف أبل بطريقة تجعل من المستحيل على أي شركة ذكاء اصطناعي غير (شركة) أوبن إيه.آي الوصول إلى المرتبة الأولى في متجر التطبيقات، وهو ما يعد انتهاكا صريحا لمكافحة الاحتكار". ولم يقدم ماسك أدلة تدعم اتهامه. ولم ترد أبل وأوبن إيه.آي وإكس إيه.آي بعد على طلبات رويترز للتعليق. ويحتل روبوت الدردشة تشات جي.بي.تي التابع لأوبن إيه.آي المركز الأول حاليا في قسم "أفضل التطبيقات المجانية" في متجر التطبيقات لأجهزة آيفون بالولايات المتحدة، بينما يحتل تطبيق جروك المملوك لإكس إيه.آي المركز الخامس، ويحتل روبوت الدردشة جيميناي لجوجل المركز 57. ويتصدر تشات جي.بي.تي الترتيب أيضا في متجر تطبيقات جوجل بلاي وفقا لبيانات شركة سينسور تاور. وتعاونت أبل العام الماضي مع OpenAI لدمج ChatGPT في منتجاتها من أجهزة iPhone وiPad وMac المحمولة والمكتبية. وكان ماسك قد صرّح آنذاك، "إذا دمجت أبل OpenAI على مستوى نظام التشغيل، فسيتم حظر أجهزة أبل في شركاتي، وهذا انتهاك أمني غير مقبول"، وفق ما أفادت شبكة سي إن بي سي. وقبل تهديداته القانونية ضد أبل، احتفل ماسك بتفوق Grok على غوغل كخامس أفضل تطبيق مجاني على متجر التطبيقات. وأكدت CNBC أن ChatGPT احتل المرتبة الأولى في قسم أفضل التطبيقات المجانية على متجر تطبيقات iOS التابع لأبل ، وكان روبوت الدردشة الوحيد المدرج في قسم "التطبيقات الأساسية" لدى أبل. كما عرض متجر التطبيقات رابطًا لتنزيل نموذج الذكاء الاصطناعي الرائد الجديد من OpenAI، ChatGPT-5، أعلى قسم "التطبيقات". وأعلنت OpenAI يوم الخميس عن GPT-5، أحدث وأكثر نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق تطورًا، وذلك عقب إصدار xAI لأحدث روبوت دردشة لها، Grok 4، الشهر الماضي. ويدور خلاف مستمر بين ماسك وشركة OpenAI، الشركة المطورة لـ ChatGPT، والتي شارك في تأسيسها عام 2015. وقد تنحى الملياردير عن مجلس إدارتها عام 2018، بعد أربع سنوات من قوله إن الذكاء الاصطناعي "قد يكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية". ويقاضي ماسك الآن الشركة الناشئة المدعومة من مايكروسوفت، ورئيسها التنفيذي سام ألتمان، زاعمًا أنهما تخليا عن مهمة OpenAI التأسيسية المتمثلة في تطوير الذكاء الاصطناعي "لصالح البشرية جمعاء". aXA6IDE1NC41NS45NC4xOTYg جزيرة ام اند امز FR


الاتحاد
منذ يوم واحد
- الاتحاد
ماسك يعتزم مقاضاة أبل بسبب متجرها للتطبيقات
قال الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إن شركته الناشئة للذكاء الاصطناعي إكس إيه.آي ستتخذ إجراءات قضائية ضد شركة أبل، متهماً إياها بخرق لوائح مكافحة الاحتكار في إدارة تصنيفات متجر تطبيقات أبل. وقال ماسك في منشور على إكس "تتصرف أبل بطريقة تجعل من المستحيل على أي شركة ذكاء اصطناعي غير شركة أوبن إيه.آي الوصول إلى المرتبة الأولى في متجر التطبيقات، وهو ما يعد انتهاكاً صريحاً لمكافحة الاحتكار". ويحتل روبوت الدردشة تشات جي.بي.تي التابع لأوبن إيه.آي المركز الأول حالياً في قسم "أفضل التطبيقات المجانية" في متجر التطبيقات لأجهزة آيفون بالولايات المتحدة، بينما يحتل تطبيق جروك المملوك لإكس إيه.آي المركز الخامس، ويحتل روبوت الدردشة جيميناي لجوجل المركز 57. ويتصدر تشات جي.بي.تي الترتيب أيضاً في متجر تطبيقات جوجل بلاي وفقاً لبيانات شركة سينسور تاور. وترتبط أبل بشراكة مع أوبن إيه.آي تدمج بموجبها تشات جي.بي.تي في أجهزتها.


صحيفة الخليج
منذ يوم واحد
- صحيفة الخليج
ماسك يعتزم مقاضاة «أبل» بسبب متجرها للتطبيقات
قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الاثنين، إن شركته الناشئة للذكاء الاصطناعي إكس إيه.آي ستتخذ إجراءات قضائية ضد شركة أبل، متهماً إياها بخرق لوائح مكافحة الاحتكار في إدارة تصنيفات متجر تطبيقات أبل. وقال ماسك في منشور على إكس: «تتصرف أبل بطريقة تجعل من المستحيل على أي شركة ذكاء اصطناعي غير (شركة) أوبن إيه.آي الوصول إلى المرتبة الأولى في متجر التطبيقات، وهو ما يعد انتهاكاً صريحاً لمكافحة الاحتكار». ولم يقدم ماسك أدلة تدعم اتهامه. ولم ترد أبل وأوبن إيه.آي وإكس إيه.آي بعد على طلبات رويترز للتعليق. ويحتل روبوت الدردشة تشات جي.بي.تي التابع لأوبن إيه.آي المركز الأول حالياً في قسم «أفضل التطبيقات المجانية» في متجر التطبيقات لأجهزة آيفون بالولايات المتحدة، بينما يحتل تطبيق جروك المملوك لإكس إيه.آي المركز الخامس، ويحتل روبوت الدردشة جيميناي لجوجل المركز 57. ويتصدر تشات جي.بي.تي الترتيب أيضاً في متجر تطبيقات جوجل بلاي وفقاً لبيانات شركة سينسور تاور.