الحرب بين الهيمنة والردع
باستثناء الشعبويين الأميركيين والذين معظمهم ينضوون في إطار الحزب الجمهوري اليميني المحافظ، لم يعد أحد في الدنيا، يصدق بأن حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتواصل إشعالها ضد قطاع غزة وفلسطين، ومن ثم ضد كل قوى مقاومة الاحتلال والجبروت الإسرائيلي ونزعته التوسعية في الشرق الأوسط، كانت ردة فعل على عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها «حماس» في السابع من أكتوبر العام 2023، وفي تحديد وليس في تفسير فقط أسباب حرب الإبادة ضد غزة، وهي حرب التوسع والهيمنة على الشرق الأوسط في نفس الوقت، قيل الكثير، خاصة ذلك الذي يتعلق بدوافع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، وائتلافه الفاشي الحاكم، لكن لا بد من القول بأن أحد أهم أسباب استمرار نتنياهو في مواصلة الحرب على غزة، رغم الخروج المتتابع لركاب العربة الحربية التي يقودها، إن كان أولئك الذين في الداخل (بيني غانتس، يوآف غالانت، هيرتسي هاليفي، ورونين بار) أو أولئك الذين في الخارج، من فرنسيين وألمان وبريطانيين، كان إبقاء نار الحرب مشتعلة، حتى لحظة شن الحرب المباشرة والمفتوحة على ايران.
وكما كان يبرر نتنياهو اجتياحه لمدينة رفح، حيث كان معظم سكان قطاع غزة قد تكدسوا فيها، وذلك في مثل هذا الوقت من العام الماضي، رغم تحذير كل الدنيا، بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بقوله إن نصره لن يكتمل إلا بدخول رفح، وإنه لا بد من دخول رفح للقضاء على آخر ألوية حماس في قطاع غزة، وللقضاء على حكم الحركة أيضاً، فإنه يعتبر عدم إكمال الحرب بشنها على ايران، كما لو كان يوقفها في منتصف الطريق، ولهذا علاقة في حقيقة الأمر، بتحقيق الهدف الأهم والاستراتيجي الذي تابع نتنياهو بالذات التحضير والإعداد له، منذ العام 1995، باعتباره قائد اليمين الإسرائيلي المخلص لأيديولوجيا جابوتنسكي، وإن كان بَدءُ حياته السياسية ارتبط بالقضاء على حل الدولتين، بما يتجاوز عدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 1949، او وفق 1967، بإقامة إسرائيل على كامل ارض فلسطين الانتدابية، وكما يقول نتنياهو نفسه في كتابه «مكان تحت الشمس» هذه الضفة لي وتلك لي أيضا، في إشارة لضفتي نهر الأردن، فإن الرجل قاد مسيرة التحول الإسرائيلي السياسي والمجتمعي الداخلي، نحو اليمين العام، ثم اليمين المتطرف، وهو أول من ادخل ممثلي الاستيطان في الحكومة، وذلك لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وعدم الاكتفاء بدولة إسرائيل العلمانية التي أقامها الغرب الليبرالي عام 1948، وواصل عرضه «الأرض مقابل السلام» حتى يقبلها الشرق الأوسط بتك الحدود وبتلك المواصفات.
وكما نجح نتنياهو في إجبار بايدن على قبول مواصلة الحرب، ليس في اجتياح رفح وحسب، بل وفي إغلاق كل النوافذ التي فتحها بايدن أمام صفقة التبادل، كونها كانت توقف إطلاق النار ولو مؤقتاً، ها هو ينجح في إجبار دونالد ترامب على القبول ولو الضمني، أو عدم المعلن لشنه الحرب على إيران، ذلك ان قيام نحو مائتي طائرة إسرائيلية مع عدد من المسيّرات، بتنفيذ الضربة العسكرية المعد لها منذ 8 اشهر، دون أن يعلن ترامب وهو ظل يتبجح بهذا، بفشل مفاوضاته مع ايران، كان ترتيباً بين ترامب ونتنياهو بهدف خدعة ايران، حتى لا تستعد جيداً للضربة الإسرائيلية، وفي قراءة أولاً للضربة الإسرائيلية ومن ثم للرد الإيراني، لا بد من التوقف عند شكل وطبيعة العملية الإسرائيلية، ثم قراءة الدوافع والأهداف، ثم توقع ما سينتهي إليه الأمر، رغم أن المرجح هو ان تستمر الحرب، وقتاً أطول مما يتوقع او يقدر أو حتى يتمنى معظم المتابعين في الشرق الأوسط.
أول ما يمكن ملاحظته، هو ان إسرائيل تحاول جاهدة منذ عامين، فرض الحرب الخاطفة، على محور المقاومة بكل جبهاته، وهي في حقيقة الأمر _أي إسرائيل_ مجبرة على إطالة أمد الحرب، ويقيناً لو أنها حققت ما تريده من أهداف بعيدة المدى، تصل الى تحقيق الهدف الرئيسي، وهو تدمير كل جبهات المقاومة، لجعل الشرق الأوسط عبارة عن «بركة مياه راكدة» تحت سيطرتها، في الأسبوع او الشهر الأول، كما حدث في حزيران 1967، مثلاً لأوقفت الحرب، لكن لأن نتنياهو ليس بن غوريون، ومؤكد انه ليس وريثه ولا يسير على طريقه، أي انه لا يهدف من وراء هذه الحرب، لا للانتقام للسابع من أكتوبر، ولا لتخليص غزة من حماس، وإلا لوافق على تسليمها للسلطة الفلسطينية منذ زمن، ولكنه يجدها اللحظة الأخيرة لإقامة الامبراطورية الإسرائيلية الكبرى الممتدة جغرافياً بهذا الشكل او ذلك من الفرات للنيل، والمهيمنة على الشرق الأوسط كزعيم لنظامه الإقليمي على شاكلة أميركا كزعيم للنظام العالمي.
أول ما يمكن ملاحظته وقد أجبرت إسرائيل على حرب طويلة لأنها تصر على تحقيق هدف السيطرة على الشرق الأوسط، أنها صارت تعتمد منذ العام الثاني للحرب على احد اقوى أجهزتها العسكرية وهو الجهاز الأمني، وهي في غزة، نجحت بعد اكثر من عام في الوصول لقادة حماس، يحيى السنوار، ومحمد الضيف، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي وعلى الأقمار الصناعية الأميركية مع الموساد، أما ضربتها العسكرية الأهم فكانت في لبنان استناداً للموساد، بتنفيذ عملية البيجر، كذلك التقاط لحظة اجتماع السيد حسن نصر الله في الضاحية، واستندت للدعم الأميركي بتزويدها بالقوة التفجيرية الكافية لاختراق تحصينات حزب الله تحت البناية المستهدفة، لقتل السيد نصر الله، وها هي تستخدم نفس التكتيك العسكري/الاستخباراتي، في طهران، بعملية معقدة ومركبة ومعدة منذ 8 اشهر، نجحت فيها باغتيال رئيس الأركان ورئيس الحرس الثوري مع عدد من علماء المفاعل النووي.
كل هذه العمليات تذكر بما فعلته إسرائيل عام 1967 من توجيه الضربة الجوية للطيران المصري وتدميره، بما كشف الجيش المصري الثالث المكلف حماية سيناء، وبما فتح الطريق لإسرائيل لتحقيق النصر السريع والسهل والخاطف بعد الضربة الجوية في ذلك العام، وكما حدث بعد البيجر واغتيال نصر الله ارتفعت عقيرة نتنياهو عالياً، بالحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، انطلقت عقيرة ترامب بعد الضربة الإسرائيلية لإيران مباشرة، وبعد إعلان اغتيال رئيس الاركان ورئيس الحرس الثوري فيها، لكن الحرب الخاطفة التي تؤدي لتحقيق النصر استناداً للتفوق الجوي بالطيران والذخائر والاستخبارات الإسرائيلية والأميركية صارت فعلاً إسرائيلياً ماضياً، اي أن إسرائيل استناداً لكونها تعتمد على القبول الغربي للقيام بالضربة الأولى، وهي قامت بالضربة ضد ايران، مباشرة بعد يوم واحد من قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعدم امتثال ايران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي، أما ايران وكما كان الحال مع اعداء إسرائيل فإنها مضطرة لانتظار الضربة والقيام بالرد، فالعالم والغربي منه خاصة لا يستوعب حق الآخرين بتوجيه الضربة الاستباقية ويبقي ذلك حقاً إسرائيلياً خالصاً، والدليل طوفان الأقصى، مع ان عملية حماس جاءت بعد سنوات طويلة من الحصار، ومن الظلم التاريخي.
اذاً مآل الضربة الإسرائيلية الأولى مرتبط بالرد، وضربتها الاخيرة لإيران لا يمكن اعتبارها رغم انها كانت موجعة بمستوى ضربة البيجر واغتيال نصر الله في أيلول الماضي، واذا كان رد حزب الله احتاج اياماً، فإن رد ايران جاء في اليوم التالي، وكما كان رد حزب الله مزلزلاً، وصل بيت نتنياهو ولمقر القاعدة 8200، فإن الرد الإيراني صعق تل أبيب وبيت يام، وبمقارنة النار الإسرائيلية التي تصل غرب ايران، فإن النار الايرانية تصل وسط إسرائيل، أي تل أبيب وحيفا، واذا كانت جبهتا غزة ولبنان قد أدخلتا مستوطنات غلاف غزة، ومستوطنات الجليل في أتون الحرب، فإن جبهة اليمن أدخلت «إيلات» ومطار بن غوريون أتون الحرب، فيما جبهة إيران تدخل عقل وقلب إسرائيل، العاصمة تل أبيب بما في ذلك القواعد العسكرية ومعهد وايزمان الذي يعد احد اهم عشرة مراكز بحث علمي في العالم، أتون الحرب الطاحنة.
واذا كانت الضربات الإسرائيلية توقع قتلى إيرانيين، فإن الرد الإيراني اوقع قتلى وجرحى إسرائيليين، فيما الضربة والرد ليسا على شاكلة ما سبق، فهما مقدمة حرب مفتوحة، قد تطول بين البلدين، وقد تجر الشرق الأوسط كله لحرب إقليمية واسعة، حاول بايدن تجنبها، لكن ترامب وقع فيها بسذاجة، وبخبث نتنياهو، وعلى اي حال، لا بد مما ليس منه بد، فحيث ان إسرائيل وصلت الى ان تكون محكومة بصراحة من قبل ائتلاف فاشي، يطمح للتوسع والسيطرة بإقامة نظام إقليمي إسرائيلي، فإن مواجهة هذا المشروع واجبة ولا بد منها، ومآل الحرب هذه مرتبط بصيرورتها، فليس من احتمال لأن تربحها إسرائيل وتحقق هدفها دون انخراط أميركي فيها، فيما تكتفي إيران بالحفاظ على مشروعها النووي، فيما تبقى الحرب بين إرادتَي الهيمنة والردع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ 9 ساعات
- جريدة الايام
حروب العشرية الثالثة (33)
نشهد منذ فجر الجمعة 11 حزيران (يونيو) 2025، أهم حروب العشرية الثالثة في الشرق الأوسط وعليه. لن تكون الأخيرة، بالتأكيد، ولكن ما سيأتي بعدها سيعتمد على نتائجها إلى حد بعيد. وإذا تكلمنا بالإشارات السريعة فهي موجة ارتدادية هائلة لزلزال السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، أيضاً. هذا خيط أوّل بين ثلاثة خيوط، لا غنى عنها، للتحليل. يتمثل الخيط الثاني في فرضية أن حروب العشرية الثالثة هي من تجليات الطموح الإمبراطوري لثلاث قوى إقليمية صاعدة في الشرق الأوسط. أما الخيط الثالث، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالهجوم الإسرائيلي، الذي أشعل الحرب مع إيران، فمرجعه فرضية أن الحرب، خلافاً لكل ما يُقال، ليست على المشروع النووي، بل على إيران. بمعنى أكثر مباشرة: هي حرب لإسقاط النظام. أنفقنا وقتاً طويلاً في مواكبة وتحليل دلالات وتداعيات مختلفة لهجوم السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) تحت عنوان رئيس هو «أسئلة الحرب». وانتقلنا، بعد توقف القتال على الجبهة اللبنانية إلى عنوان «حروب العشرية الثالثة» الجامع، فقد دخلت الحرب، آنذاك، طوراً جديداً لم يطل انتظاره، وكان إسقاط النظام الأسدي في دمشق، في مطلع كانون الأول (2024) وتمكين الدواعش من الاستيلاء عليها، علامته الفارقة، ودليله القاطع. وذكرنا، أيضاً، كيف صارت بلاد الشام وسيلة إيضاح لممارسة دور القوّة الإقليمية، بكل ما ينطوي عليه الأمر من هندسة للنظام للإقليمي، وموازين القوى، وفرض تصوّرات خاصة عن «السلام والأمن» الإقليميَّين. وبناء عليه، لم يكن ثمة من تتويج محتمل لنجاحات الحرب، في طورها الجديد، أكثر غواية وأهمية وإلحاحاً، في نظر الكثير من اللاعبين، من محاولة إسقاط النظام في طهران. لن نتمكن من تحليل محاولة متعددة المداخل والدلالات في معالجة واحدة. علاوة على كونها رهينة دائمة لسوء فهم، وتضليل عميقين. وفي البال، أيضاً، أن ما يحدث الآن لا يمثل كل معاني الحرب، ولا كل تداعياتها. فثمة ما يولد من الحرب، ومعها، ناهيك عمّا يولد صغيراً ويكبر، وما يولد كبيراً ويصغر. علاوة عليه، وفي سياق الكلام عن تتويج نجاحات الحرب، يمثل إسقاط النظام الإيراني أهم شهادات نهاية الخدمة، التي يسعى نتنياهو للحصول عليها، ومرافعته الأخيرة في محكمة الرأي العام والتاريخ، للإفلات من المسؤولية عن الضربة الموجعة، التي تكبدها الإسرائيليون في هجوم السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر). بيد أن عملية التتويج هذه، سواء في طور التمهيد، أو التنفيذ، لا تشكو ندرة التضليل. ففي طور التمهيد، قيل كلام كثير عن رغبة نتنياهو في توريط أميركا في الحرب، وعن معارضة ترامب، الساعي للحصول على نوبل للسلام. هذا مجرّد تمويه. لا نعرف، بالتأكيد، مدى قدرة المذكور على ضبط لسانه، و»كتمان» السر، وعدم الكلام بلغته المعهودة عن العمليات «الجميلة» المشتركة. على أي حال، يفي بالغرض، الآن، الكلام عن مشاركته في عملية التضليل، التي سبقت الهجوم بيوم واحد، لإيهام الإيرانيين بعدم وقوع الحرب، علاوة على ما ذكره عن نقاش بينه وبين الإسرائيليين عن المُستهدفين بالقتل، ومَنْ سيبقى من القادة الإيرانيين على قيد الحياة. ومن سوء حظ الشرق الأوسط، فعلاً، أنه ذيّل تغريدة ذات صلة بعبارة «لنجعل الشرق الأوسط عظيماً من جديد». سيكون لدينا الكثير من الوقت للكلام عن علاقة ترامب بالحرب الحالية، وحروب العشرية الثالثة. كل ما في الأمر أن تسليط الضوء على عمليات التمويه والتضليل، ليس بهدف الإدانة الأخلاقية أو السياسية. فهذه وتلك، رغم ضرورتها، أقل أهمية من تقصي الجذور التاريخية والسياسية، والحسابات الإستراتيجية، والعقد النفسية، لمحاولة إسقاط النظام في طهران. تأخذنا عملية التقصي، وبقدر ما أرى، إلى 1996، عام صعود نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، وإلى دعوة في تقرير بعنوان «قطع على نظيف: إستراتيجية جديدة لحماية المجال» في العام نفسه. أعد التقرير فريق ضم عدداً من ألمع نجوم المحافظين الجدد، برئاسة ريتشارد بيرل، الموصوف بأمير الظلام في أدبيات السياسة الأميركية، إضافة إلى نتنياهو نفسه، استهدف المشاركون بلورة تصوّرات إستراتيجية، وتقديم توصيات لحل مشاكل إسرائيل الأمنية، في الشرق الأوسط، على مشارف ألفية وقرن جديدَين. والواقع أن محللي السياسات الأميركية، والإسرائيلية، لم يكفوا عن العودة إلى هذا التقرير على مدار ثلاثة عقود مضت. فلم يقتصر الأمر على ما ترك معدّوه من بصمات دائمة على السياسات والإستراتيجيات في أميركا وإسرائيل وحسب، بل وتجلى في سياسات كان أبرزها إسقاط صدام حسين واحتلال العراق، أيضاً. من أبرز ما جاء في التقرير: تحرير الاقتصاد الإسرائيلي، بناء علاقة مع أميركا على قاعدة التعاون الإستراتيجي، وتعريف العلاقة بين الطرفين استناداً إلى القيم الغربية الحضارية والأخلاقية المشتركة. رفض معادلة «الأرض مقابل السلام»، والدعوة إلى «السلام مقابل السلام»، نفض اليد من أوسلو، إسقاط صدام حسين، وتطويق الفلسطينيين وسورية ولبنان وإيران. يمكن للمعنيين تقصي جذور وظلال التوصيات سالفة الذكر، في المرافعات، والتأويلات، والتوليفات، التي ساقها نتنياهو في كتاب نشره في العام 2000 بعنوان «سلام يدوم: إسرائيل ومكانها بين الأمم». وإذا كان في الإمكان العثور عليها في السلوك الإسرائيلي، في الإقليم، على مدار عقود مضت، فإن أقوى تجلياتها وأكثرها شفافية لن تتضح بصورة كافية إلا في حروب العشرية الثالثة، التي نراها بأمّ العين الآن. فاصل ونواصل.

جريدة الايام
منذ 9 ساعات
- جريدة الايام
الحرب بين الهيمنة والردع
باستثناء الشعبويين الأميركيين والذين معظمهم ينضوون في إطار الحزب الجمهوري اليميني المحافظ، لم يعد أحد في الدنيا، يصدق بأن حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتواصل إشعالها ضد قطاع غزة وفلسطين، ومن ثم ضد كل قوى مقاومة الاحتلال والجبروت الإسرائيلي ونزعته التوسعية في الشرق الأوسط، كانت ردة فعل على عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها «حماس» في السابع من أكتوبر العام 2023، وفي تحديد وليس في تفسير فقط أسباب حرب الإبادة ضد غزة، وهي حرب التوسع والهيمنة على الشرق الأوسط في نفس الوقت، قيل الكثير، خاصة ذلك الذي يتعلق بدوافع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، وائتلافه الفاشي الحاكم، لكن لا بد من القول بأن أحد أهم أسباب استمرار نتنياهو في مواصلة الحرب على غزة، رغم الخروج المتتابع لركاب العربة الحربية التي يقودها، إن كان أولئك الذين في الداخل (بيني غانتس، يوآف غالانت، هيرتسي هاليفي، ورونين بار) أو أولئك الذين في الخارج، من فرنسيين وألمان وبريطانيين، كان إبقاء نار الحرب مشتعلة، حتى لحظة شن الحرب المباشرة والمفتوحة على ايران. وكما كان يبرر نتنياهو اجتياحه لمدينة رفح، حيث كان معظم سكان قطاع غزة قد تكدسوا فيها، وذلك في مثل هذا الوقت من العام الماضي، رغم تحذير كل الدنيا، بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بقوله إن نصره لن يكتمل إلا بدخول رفح، وإنه لا بد من دخول رفح للقضاء على آخر ألوية حماس في قطاع غزة، وللقضاء على حكم الحركة أيضاً، فإنه يعتبر عدم إكمال الحرب بشنها على ايران، كما لو كان يوقفها في منتصف الطريق، ولهذا علاقة في حقيقة الأمر، بتحقيق الهدف الأهم والاستراتيجي الذي تابع نتنياهو بالذات التحضير والإعداد له، منذ العام 1995، باعتباره قائد اليمين الإسرائيلي المخلص لأيديولوجيا جابوتنسكي، وإن كان بَدءُ حياته السياسية ارتبط بالقضاء على حل الدولتين، بما يتجاوز عدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 1949، او وفق 1967، بإقامة إسرائيل على كامل ارض فلسطين الانتدابية، وكما يقول نتنياهو نفسه في كتابه «مكان تحت الشمس» هذه الضفة لي وتلك لي أيضا، في إشارة لضفتي نهر الأردن، فإن الرجل قاد مسيرة التحول الإسرائيلي السياسي والمجتمعي الداخلي، نحو اليمين العام، ثم اليمين المتطرف، وهو أول من ادخل ممثلي الاستيطان في الحكومة، وذلك لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وعدم الاكتفاء بدولة إسرائيل العلمانية التي أقامها الغرب الليبرالي عام 1948، وواصل عرضه «الأرض مقابل السلام» حتى يقبلها الشرق الأوسط بتك الحدود وبتلك المواصفات. وكما نجح نتنياهو في إجبار بايدن على قبول مواصلة الحرب، ليس في اجتياح رفح وحسب، بل وفي إغلاق كل النوافذ التي فتحها بايدن أمام صفقة التبادل، كونها كانت توقف إطلاق النار ولو مؤقتاً، ها هو ينجح في إجبار دونالد ترامب على القبول ولو الضمني، أو عدم المعلن لشنه الحرب على إيران، ذلك ان قيام نحو مائتي طائرة إسرائيلية مع عدد من المسيّرات، بتنفيذ الضربة العسكرية المعد لها منذ 8 اشهر، دون أن يعلن ترامب وهو ظل يتبجح بهذا، بفشل مفاوضاته مع ايران، كان ترتيباً بين ترامب ونتنياهو بهدف خدعة ايران، حتى لا تستعد جيداً للضربة الإسرائيلية، وفي قراءة أولاً للضربة الإسرائيلية ومن ثم للرد الإيراني، لا بد من التوقف عند شكل وطبيعة العملية الإسرائيلية، ثم قراءة الدوافع والأهداف، ثم توقع ما سينتهي إليه الأمر، رغم أن المرجح هو ان تستمر الحرب، وقتاً أطول مما يتوقع او يقدر أو حتى يتمنى معظم المتابعين في الشرق الأوسط. أول ما يمكن ملاحظته، هو ان إسرائيل تحاول جاهدة منذ عامين، فرض الحرب الخاطفة، على محور المقاومة بكل جبهاته، وهي في حقيقة الأمر _أي إسرائيل_ مجبرة على إطالة أمد الحرب، ويقيناً لو أنها حققت ما تريده من أهداف بعيدة المدى، تصل الى تحقيق الهدف الرئيسي، وهو تدمير كل جبهات المقاومة، لجعل الشرق الأوسط عبارة عن «بركة مياه راكدة» تحت سيطرتها، في الأسبوع او الشهر الأول، كما حدث في حزيران 1967، مثلاً لأوقفت الحرب، لكن لأن نتنياهو ليس بن غوريون، ومؤكد انه ليس وريثه ولا يسير على طريقه، أي انه لا يهدف من وراء هذه الحرب، لا للانتقام للسابع من أكتوبر، ولا لتخليص غزة من حماس، وإلا لوافق على تسليمها للسلطة الفلسطينية منذ زمن، ولكنه يجدها اللحظة الأخيرة لإقامة الامبراطورية الإسرائيلية الكبرى الممتدة جغرافياً بهذا الشكل او ذلك من الفرات للنيل، والمهيمنة على الشرق الأوسط كزعيم لنظامه الإقليمي على شاكلة أميركا كزعيم للنظام العالمي. أول ما يمكن ملاحظته وقد أجبرت إسرائيل على حرب طويلة لأنها تصر على تحقيق هدف السيطرة على الشرق الأوسط، أنها صارت تعتمد منذ العام الثاني للحرب على احد اقوى أجهزتها العسكرية وهو الجهاز الأمني، وهي في غزة، نجحت بعد اكثر من عام في الوصول لقادة حماس، يحيى السنوار، ومحمد الضيف، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي وعلى الأقمار الصناعية الأميركية مع الموساد، أما ضربتها العسكرية الأهم فكانت في لبنان استناداً للموساد، بتنفيذ عملية البيجر، كذلك التقاط لحظة اجتماع السيد حسن نصر الله في الضاحية، واستندت للدعم الأميركي بتزويدها بالقوة التفجيرية الكافية لاختراق تحصينات حزب الله تحت البناية المستهدفة، لقتل السيد نصر الله، وها هي تستخدم نفس التكتيك العسكري/الاستخباراتي، في طهران، بعملية معقدة ومركبة ومعدة منذ 8 اشهر، نجحت فيها باغتيال رئيس الأركان ورئيس الحرس الثوري مع عدد من علماء المفاعل النووي. كل هذه العمليات تذكر بما فعلته إسرائيل عام 1967 من توجيه الضربة الجوية للطيران المصري وتدميره، بما كشف الجيش المصري الثالث المكلف حماية سيناء، وبما فتح الطريق لإسرائيل لتحقيق النصر السريع والسهل والخاطف بعد الضربة الجوية في ذلك العام، وكما حدث بعد البيجر واغتيال نصر الله ارتفعت عقيرة نتنياهو عالياً، بالحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، انطلقت عقيرة ترامب بعد الضربة الإسرائيلية لإيران مباشرة، وبعد إعلان اغتيال رئيس الاركان ورئيس الحرس الثوري فيها، لكن الحرب الخاطفة التي تؤدي لتحقيق النصر استناداً للتفوق الجوي بالطيران والذخائر والاستخبارات الإسرائيلية والأميركية صارت فعلاً إسرائيلياً ماضياً، اي أن إسرائيل استناداً لكونها تعتمد على القبول الغربي للقيام بالضربة الأولى، وهي قامت بالضربة ضد ايران، مباشرة بعد يوم واحد من قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعدم امتثال ايران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي، أما ايران وكما كان الحال مع اعداء إسرائيل فإنها مضطرة لانتظار الضربة والقيام بالرد، فالعالم والغربي منه خاصة لا يستوعب حق الآخرين بتوجيه الضربة الاستباقية ويبقي ذلك حقاً إسرائيلياً خالصاً، والدليل طوفان الأقصى، مع ان عملية حماس جاءت بعد سنوات طويلة من الحصار، ومن الظلم التاريخي. اذاً مآل الضربة الإسرائيلية الأولى مرتبط بالرد، وضربتها الاخيرة لإيران لا يمكن اعتبارها رغم انها كانت موجعة بمستوى ضربة البيجر واغتيال نصر الله في أيلول الماضي، واذا كان رد حزب الله احتاج اياماً، فإن رد ايران جاء في اليوم التالي، وكما كان رد حزب الله مزلزلاً، وصل بيت نتنياهو ولمقر القاعدة 8200، فإن الرد الإيراني صعق تل أبيب وبيت يام، وبمقارنة النار الإسرائيلية التي تصل غرب ايران، فإن النار الايرانية تصل وسط إسرائيل، أي تل أبيب وحيفا، واذا كانت جبهتا غزة ولبنان قد أدخلتا مستوطنات غلاف غزة، ومستوطنات الجليل في أتون الحرب، فإن جبهة اليمن أدخلت «إيلات» ومطار بن غوريون أتون الحرب، فيما جبهة إيران تدخل عقل وقلب إسرائيل، العاصمة تل أبيب بما في ذلك القواعد العسكرية ومعهد وايزمان الذي يعد احد اهم عشرة مراكز بحث علمي في العالم، أتون الحرب الطاحنة. واذا كانت الضربات الإسرائيلية توقع قتلى إيرانيين، فإن الرد الإيراني اوقع قتلى وجرحى إسرائيليين، فيما الضربة والرد ليسا على شاكلة ما سبق، فهما مقدمة حرب مفتوحة، قد تطول بين البلدين، وقد تجر الشرق الأوسط كله لحرب إقليمية واسعة، حاول بايدن تجنبها، لكن ترامب وقع فيها بسذاجة، وبخبث نتنياهو، وعلى اي حال، لا بد مما ليس منه بد، فحيث ان إسرائيل وصلت الى ان تكون محكومة بصراحة من قبل ائتلاف فاشي، يطمح للتوسع والسيطرة بإقامة نظام إقليمي إسرائيلي، فإن مواجهة هذا المشروع واجبة ولا بد منها، ومآل الحرب هذه مرتبط بصيرورتها، فليس من احتمال لأن تربحها إسرائيل وتحقق هدفها دون انخراط أميركي فيها، فيما تكتفي إيران بالحفاظ على مشروعها النووي، فيما تبقى الحرب بين إرادتَي الهيمنة والردع.


فلسطين اليوم
منذ 11 ساعات
- فلسطين اليوم
سرايا القدس: نفذنا كمين محكم واستهدافنا قوة عسكرية شمال خانيونس
أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، عن تنفيذ كمين مركب استهدف قوة عسكرية إسرائيلية راجلة تحصنت داخل أحد المنازل شمال شارع 5 في منطقة السطر الغربي شمال خانيونس. وأكدت أن العملية تمت باستخدام صواريخ "107" محلية الصنع، بالتزامن مع استحكام مدفعي بقذائف الهاون، مما أدى إلى وقوع إصابات مؤكدة في صفوف الجنود المستهدفين. ووفقًا للبيان، فقد رصد المقاتلون هبوط طائرة مروحية إسرائيلية في الموقع المستهدف لإجلاء القتلى والجرحى، مما يشير إلى نجاح العملية في إيقاع خسائر مباشرة في صفوف القوات الإسرائيلية. يأتي هذا الهجوم في إطار استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية ضمن معركة "طوفان الأقصى"، التي تهدف إلى مواجهة القوات الإسرائيلية والرد على التصعيد في قطاع غزة والمناطق الفلسطينية الأخرى.