
الحرب مع إيران تكشف فشل منظومة الحماية المدنية الإسرائيلية
القدس المحتلة- لم يتضح بعد كيف ستنتهي الحرب بين إسرائيل وإيران، لكن المؤكد أن الملاجئ عادت لتتصدر المشهد، من مساحات مهجورة ومهملة تفوح منها روائح "العفن"، إلى السلعة الأكثر طلبا في زمن الطوارئ.
لم يعد الإسرائيليون يكتفون بالاختباء في بيوت الدرج أو الغرف الداخلية كما في حروب سابقة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو الحوثيين ، فالتهديد الإيراني، بما يحمله من صواريخ دقيقة ومتفجرة، فرض واقعا جديدا لا يترك أي مجال للتهاون.
مع اشتداد الهجمات الصاروخية الإيرانية واتساع نطاق المواجهة، كشف الواقع -خلال الأيام الماضية- عن صورة قاتمة، من حيث النقص الحاد في عدد الملاجئ، والاكتظاظ غير المسبوق، وانعدام الحد الأدنى من الجاهزية والخدمات.
في مدن كبرى مثل تل أبيب و حيفا و القدس ، وحتى في بلدات قريبة من جبهات القتال، وجد آلاف الإسرائيليين أنفسهم يركضون نحو ملاجئ عامة متهالكة، بعضها مغلق، وبعضها الآخر غير صالح للاستخدام وأشبه بمجمع للنفايات. وفي غياب بنية تحتية جاهزة لحالة الطوارئ، تحولت هذه المساحات إلى رمز لغياب "العدالة" في توزيع الحماية.
إضافة إلى ذلك، فإن حادثة سقوط الصاروخ في مدينة بيتح تكفا، المقامة على أنقاض بلدة ملبس المهجّرة، التي قُتل فيها زوجان نتيجة إصابة مباشرة لملجأ، زادت من قلق السكان الإسرائيليين، وشككت في فعالية هذه المساحات المحمية.
على مدار عقود، انسحبت إسرائيل تدريجيا من مسؤولية تجهيز الملاجئ، وتمت خصخصة هذه المساحات داخل المباني السكنية، وأصبحت الحماية مرهونة بالقدرة المادية، فمن يملك المال يعيش في شقة تضم غرفة آمنة مجهزة، ومن لا يملك، يُترك لملاجئ عامة تفتقر إلى أدنى مقومات السلامة.
وحسب تقرير مراقب الدولة القاضي المتقاعد يوسيف شابيرا لعام 2018، فإن 38% فقط من الإسرائيليين لديهم ملاجئ داخل منازلهم، بينما يعتمد الباقون على ملاجئ عامة قديمة ومهملة أو لا يحظون بأي حماية.
مع تصاعد الحرب بين إسرائيل و إيران ، برزت هذه الفجوة بوضوح، فكثيرون لم يجدوا مأوى قريبا واضطروا لقطع مسافات طويلة تحت صافرات الإنذار، بينما اشتكى آخرون من سوء التهوية وانعدام المياه، أو حتى عدم وجود إضاءة في الملاجئ التي تكدست النفايات في بعضها.
في هذا السياق، برزت فضيحة في مدينة "بني براك" حين اكتشف السكان الذين هرعوا إلى عدة ملاجئ عامة أنها مغلقة، حسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فالحادثة الأبرز كانت في مدرسة تضررت بفعل صاروخ، حيث كان الملجأ مغلقا ولم يصل إليه المسؤول عن فتحه، مما أجبر السكان على البحث عن آخر.
وقال بعضهم للصحيفة إن إغلاق الملجأ أنقذ الأرواح، إذ كان من الممكن أن يُحتجز من بداخله تحت الأنقاض، في حين اعتبر آخرون ذلك ذريعة لتبرير الفشل.
تقصير عميق
ملجأ آخر يُستخدم كفصل دراسي في معهد ديني وآخر كمستودع لمنظمة إنقاذ، وجميعها كانت مغلقة. بعض السكان كسروا الأقفال بالفؤوس بعد تجاهل البلدية نداءاتهم المتكررة. ووصف عضو المجلس البلدي، يعقوب ويدر، الأمر بالفضيحة قائلا: "لا يعقل أن تكون الملاجئ العامة مغلقة في أكثر مدن إسرائيل ازدحاما، وفي ذروة الحرب".
من جانبها، تقول عنات جورجي محررة مجلة "ماركر ويك" إن هذا الواقع أعاد طرح تساؤلات جدية حول مسؤولية إسرائيل في حماية مواطنيها، واستعداد الجبهة الداخلية لحرب طويلة أو مفاجآت إستراتيجية، مشيرة إلى أن التهديد الإيراني أعاد تفعيل الخطر، لكنه أيضا عرى تقصيرا عميقا في البنية الدفاعية المدنية التي يفترض أن تكون خط الحماية الأخير للمجتمع.
وتضيف جورجي "يوما بعد يوم، تتوالى القصص عن إسرائيليين يهرعون لتنظيف الملاجئ وتهيئتها، وآخرين يُمنعون من دخول ملاجئ مجاورة، لأنها خاصة. وتتناقل على وسائل التواصل تغريدة لشخص روى كيف طُردت عمته من ملجأ أحد المباني، بسبب الاكتظاظ، وعلق السكان لافتة تقول: الملجأ خاص؛ لن يُسمح بدخول الزوار".
ووفقا لها، فإن الواقع في الملاجئ العامة قاتم، من اكتظاظ، وغياب التهوية، وكراسي بلاستيكية متهالكة، وتغطية هاتفية منقطعة، وغياب تام لأي خدمات طارئة. والأطفال الذين ينامون في بيوتهم المحصنة يواصلون حياتهم بشكل شبه طبيعي، أما أولئك الذين يجبرون على اللجوء إلى الملاجئ العامة كل ليلة، فيخسرون نومهم وأمانهم النفسي.
وأوضحت جورجي أن الفجوة في الحماية واضحة بين الطبقات الاجتماعية في إسرائيل، إذ يعيش نحو 55% من السكان المنتمين إلى الشريحة الأعلى في التصنيف الاجتماعي الاقتصادي في مساكن مزودة بوسائل حماية، مقابل أقل من 30% فقط بين السكان في الشريحة الأدنى.
وفي عديد من البلدات العربية والأحياء اليهودية المهمشة، لا يجد السكان أمامهم سوى الجسور أو الأنابيب الخرسانية كملاجئ مؤقتة، مما يعكس التمييز الواضح في مستوى الأمان والحماية المتاحة للفئات الضعيفة.
وأضافت أنه منذ الخمسينيات تولت الدولة بناء وصيانة الملاجئ، لكن في العقود الأخيرة تم خصخصة المسؤولية. و"اليوم، تقع الصيانة على عاتق السكان، والنتيجة آلاف الملاجئ العامة والخاصة بلا إشراف، بعضها تحول إلى أوكار مخدرات أو مكبات نفايات".
إهمال رسمي
بعد حرب الخليج الأولى، فرضت إسرائيل على كل مبنى جديد تخصيص غرفة محمية، لكن حتى هذه الغرف -حسب تقرير لصحيفة هآرتس- خضعت لمعايير اقتصادية وتحولت إلى سلعة في سوق العقارات، تُمنح لمن يستطيع الدفع.
ونقلت الصحيفة عن عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية أماليا ساعر، من جامعة حيفا، قولها إن "خصخصة الحماية المدنية حولت الأمن إلى امتياز اقتصادي؛ الفقراء يركضون إلى ملاجئ مغلقة أو متهالكة، والأغنياء يمتلكون ملاجئ فاخرة داخل منازلهم".
وتتابع ساعر "من تل أبيب إلى النقب ، تتكرر المشاهد، ملاجئ مغلقة، وأخرى غمرتها مياه الصرف، أو مملوءة بالنفايات. في بعض الأحياء التي تسكنها عائلات يهودية متدينة، تحولت الملاجئ إلى كنس وغرف دراسة. في أماكن أخرى، لا يعرف أحد ما يوجد فيها".
ولفتت إلى أن جمعيات أهلية مثل "اصنع حيا" تدخلت لترميم مئات الملاجئ خلال السنوات الأخيرة، غالبا بمساعدة متطوعين. لكن المشكلة، حسب الخبراء، ليست في التمويل، بل في غياب التزام الدولة بالجبهة الداخلية.
وخلصت الباحثة للقول إن "الحرب مع إيران لم تُعد فقط الاعتبار للملاجئ، بل فضحت إهمال الدولة لعقود. وإن كانت هناك بارقة أمل، فهي في مبادرات المجتمع المدني وفي قصص التضامن الشعبي. لكن هذا لا يغني عن الحاجة إلى سياسة وطنية شاملة تعيد إلى الجبهة الداخلية ما فقدته، الشعور بالأمن والأمان".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 32 دقائق
- الجزيرة
تحت ضغط شعبي.. "ميرسك" تنسحب من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية
أعلنت شركة الشحن الدانماركية العملاقة "ميرسك" عن إنهاء علاقاتها مع شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة تأتي استجابة لحملة ضغط استمرت شهورا قادتها منظمات تضامن مع فلسطين، وعلى رأسها حركة الشباب الفلسطيني (بي واي إم). وقالت الشركة في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني في يونيو/حزيران 2025: "عقب مراجعة حديثة لعمليات النقل المرتبطة بالضفة الغربية، قمنا بتعزيز إجراءات الفحص الخاصة بنا فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك مواءمة هذه الإجراءات مع قاعدة بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان المتعلقة بالشركات المنخرطة في أنشطة ضمن المستوطنات". وتضم قاعدة بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان شركات تشارك في أنشطة داعمة للاستيطان، مثل تقديم خدمات أو معدات أو عمليات مالية تسهم في استمراره، وهو ما يُعد خرقًا للقانون الدولي حسب قرارات الأمم المتحدة. "رسالة واضحة لصناعة الشحن العالمية" وفي تصريح خاص لشبكة الجزيرة، قالت الناشطة في حركة الشباب الفلسطيني عائشة نزار: "هذه الخطوة تبعث رسالة واضحة لصناعة الشحن حول العالم: الالتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية ليس اختياريا. لم يعد بالإمكان غض الطرف عن العلاقات التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية". لكن عائشة نزار شددت في الوقت ذاته على أن الخطوة غير كافية، وأضافت: "لا تزال ميرسك تنقل معدات للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك مكونات طائرات إف-35 التي تُستخدم لقصف الفلسطينيين وارتكاب المجازر بحقهم. وسنواصل الضغط الشعبي حتى تقطع الشركة جميع علاقاتها بالإبادة وتنهي شحن الأسلحة ومكوناتها إلى إسرائيل". "سلسلة الموت" ونقطة ارتكازها في روتردام وكانت الجزيرة نت قد سلطت الضوء في تحقيق مفصّل بـعنوان "سلسلة شحنات الموت" في مايو/أيار 2025 على استخدام موانئ أوروبية، خاصة ميناء روتردام الهولندي، كنقطة وصل أساسية في سلسلة الإمداد الخاصة بمكونات الأسلحة المتوجهة لإسرائيل، وعلى رأسها أجزاء من طائرات إف-35. 🔗 إعلان وكان القضاء الهولندي قد أصدر قرارا يحظر تصدير أجزاء إف-35 إلى إسرائيل، إلا أن ميناء روتردام واصل عمليًا لعب دور لوجستي في هذه الشبكة، وفق ما كشفته الحركة. ميرسك: نرفض شحن الأسلحة.. ولكن وفي ردها على تلك الاتهامات، أكدت شركة ميرسك لقناة الجزيرة أنها تطبّق سياسة صارمة بعدم شحن الأسلحة أو الذخائر إلى مناطق النزاع النشط، وأنها تنفّذ إجراءات تدقيق مشددة، خاصة في مناطق النزاع، بما يشمل إسرائيل وقطاع غزة. غير أنها اعترفت بأن فرعها الأميركي "ميرسك لاين ليميتيد" لا يزال يشارك، إلى جانب شركات عديدة، في سلسلة التوريد العالمية لطائرات إف-35، التي تُعتبر من أبرز أدوات القصف الإسرائيلي في العدوان المتكرر على الفلسطينيين، بحسب منظمات حقوقية وتقارير أممية. ضغوط دولية متزايدة القرار يأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على الشركات المتورطة في دعم الاحتلال. وكانت إسبانيا قد حظرت العام الماضي رسو سفن "ميرسك" التي تنقل معدات عسكرية لإسرائيل في موانئها. وفي خضم الحرب الأخيرة، وُجهت اتهامات متعددة لشركات شحن دولية بلعب دور حاسم في استمرار الدعم اللوجستي للآلة العسكرية الإسرائيلية. كما أظهرت الحملة التي تقودها حركة الشباب الفلسطيني كيف باتت الإستراتيجيات الشعبية والمنظمات القاعدية قادرة على التأثير في كبرى الشركات العالمية، من خلال حملات مستمرة لكشف العلاقات غير الأخلاقية وربطها بالعنف الجاري ضد الفلسطينيين.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
قصف على إسرائيل بعد ساعات من سريان وقف إطلاق النار وإيران تنفي ضلوعها
تعرضت إسرائيل لهجوم صاورخي جديد بعد ساعات من سريان وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووافق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، فيما نفى التلفزيون الإيراني الرسمي الأنباء عن إطلاق صواريخ من إيران بعد وقف إطلاق النار واعتبرها عارية عن الصحة. وكانت القناة 12 ذكرت أن صاروخين أطلقا من إيران باتجاه شمال إسرائيل وتم اعتراضهما، وأكد الإسعاف الإسرائيلي عدم تسجيل أي إصابات باستثناء تعرض رجل لإصابة أثناء توجهه إلى الملجأ. وهذا أول هجوم بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في السابعة من صباح اليوم. وردا على الهجوم الإيراني الجديد، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه أمر الجيش "بالرد بقوة على انتهاك إيران لوقف إطلاق النار بضربات مكثفة ضد أهداف في قلب طهران". ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر سياسي بمكتب نتيناهو قوله إن "إيران انتهكت وقف إطلاق النار وستدفع الثمن". وهدد وزير المالية الإسرائيلي إيران بالرد، وقال إن "طهران سوف تهتز". بدوره قال زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان"بعد 3 ساعات من إعلان ترامب عن وقف إطلاق النار أطلقت صواريخ من إيران، لا يجوز التهاون ولا التغاضي ويجب الرد فورا". وقبل سريان اتفاق وقف إطلاق النار استهدفت إيران إسرائيل بسلسلة من 6 هجمات صاروخية تسببت في سقوط 4 قتلى على الأقل، وعدد من الجرحى، أغلبهم في منطقة بئر السبع جنوبي إسرائيل. وقالت وكالة أنباء فارس إن مدينة حيفا وقاعدة رامات ديفيد الجوية كانت بين المواقع التي استهدفتها صواريخ إيران.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مستوطنون يقحمون أنفسهم في أعمال ترميم بالأقصى
لم يكتفِ المستوطنون المقتحمون للأقصى في الأول والثاني من يونيو/حزيران الجاري بتدنيس المسجد الأقصى بطقوسهم وصلواتهم التي أدوها بمناسبة "عيد الأسابيع" اليهودي، بل تعمدوا إثارة الجدل بتصويرهم مقطع فيديو تظهر خلاله أرضية تخضع لعملية ترميم أمام باب القطّانين. وأرسل هؤلاء المقطع للصحفي الإسرائيلي أرنون سيغال الذي يعدُّ أحد أبرز نشطاء جماعات الهيكل ، والذي يقتحم الأقصى بشكل مستمر وينظم جولات إرشادية في ساحاته، ويتغنى بإنجازات المتطرفين فيها. سيغال نشر صورة للموقع الذي يخضع للترميم، وكتب خبرا على موقع "المصدر الأول" الإخباري الإسرائيلي وجاء فيه أن "اليهود الذين صعدوا إلى جبل الهيكل (المسمى التوراتي للمسجد الأقصى) دُهشوا لرؤية جصّ جديد يغطي أرضيات قديمة في الجانب الغربي، وهي الأرضية التي ينسبها لين ريتماير إلى عهد هيرودوس". تدخل سافر وتابع سيغال أنه توجّه لسلطة الآثار الإسرائيلية وسألها عما إذا كان الترميم الذي يتم في هذا الموقع قانونيا، "لأن أعمال الترميم التي تُجرى في موقع أثري يستخدم لأغراض دينية يحتاج إلى موافقة لجنة وزارية، وإشراف دقيق من سلطة الآثار الإسرائيلية". وجاء رد سلطة الآثار كالآتي "كان الجزء الذي تم ترميمه يُشكل خطرًا على السلامة، حيث نشأ انخفاض نتيجة لعدم وجود رصف حجري، وقد رُدم الانخفاض منذ زمن بعيد بالخرسانة الحديثة، مما تسبب في إتلاف الرصف الحجري القديم". وتابعت هذه الهيئة الإسرائيلية أن أعمال الترميم أُجريت بتنسيق كامل معها ومع الشرطة الإسرائيلية، اللتين زارتا الموقع عدة مرات وفحصتا الوضع بدقة وشمولية، وقررت سلطة الآثار وضع مادة ردم معينة لمنع المزيد من الضرر الذي قد تُلحقه الخرسانة العادية بالأحجار المجاورة، وأضافت أنه "في الأيام المقبلة، سيتم صنفرة هذه المواد، ووضع ألواح حجرية فوقها، بحيث يمتزج الترميم بشكل مثالي مع الرصف الموجود في الموقع". الجزيرة نت توجهت للباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد وسألته في البداية عن أسباب هبوط الأرضية في هذا الموقع من الأقصى تحديدا، وقال إن هذه المنطقة قريبة جدا من الحائط الغربي للمسجد والتي يمر أسفلها النفق الغربي ، وبالتالي فإن الحفريات كانت وما زالت دائما موجودة، وبالإضافة إلى تلك الحفريات التقليدية في منطقة الحائط الغربي التي نفذت في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي توجد حفريات أخرى أسفلها. وتتمثل هذه الحفريات وفقا للباحث المقدسي بالنفق السفلي، ويضاف إليها حفريات أسفل ساحة البراق ويريدون من خلالها رفع الساحة ليكون أسفلها قاعة، وهذا جلّه يؤثر بالتأكيد على الجهة الغربية بشكل عام. الأرضية إسلامية بحتة وبالنسبة للأرضية الحجرية الضخمة التي هبطت قرب باب القطّانين يؤكد الجلاد أنها من زمن الناصر محمد بن قلاوون في الفترة المملوكية وعمرها حوالي 700 عام، وبنيت عام 1321 للميلاد تقريبا. ويقول الجلاد إن "الزلازل والحفريات والضغط المتمثل بسير الناس على هذه الأرضيات لقرون طويلة، والمباني المحيطة بها وعدم وجود ترميمات مستمرة، كل ذلك يؤدي إلى إضعاف هذه الحجارة وتخلخل الطبقات الأرضية أسفلها". وأضاف أن عدم توقف الحفريات بالتزامن مع منع عمليات الترميم هما أهم العوامل التي أدت إلى هبوط هذه الأرضية. وأشار إلى الخبر السابق ذكره من موقع "المصدر الأول" يقر فيه الكاتب بصب الإسمنت في السابق وأنه كان سيئاً، مما أحدث عدم توازن في البلاط الكبير، ودفع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى تزويد الأوقاف الإسلامية بمادة خاصة تم سكبها ليوضع البلاط فوقها. وعند سؤاله عن المعلومة التي نسبها سيغال لعالم الآثار الإسرائيلي لين ريتماير ويدّعي فيها أن هذه الأرضية الحجرية هي من عهد هيرودوس، وأشار إليها الصحفي في عنوان الخبر بسؤال "كيف استُبدلت الحجارة التي وضعها عمال هيرودوس في جبل الهيكل قبل ألفي عام بصب الخرسانة؟"، أجاب الجلاد بوصف ريتماير بـ "مُدّعٍ وصولي" يسعى لكسب الأضواء والشهرة والقبول عند التيار المتنامي من الصهيونية الدينية، وبالتالي فإنه "يختلق ويُزوّر". ليس أول تزوير وهذه ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها الباحث وعالم الآثار هذا نسب معالم داخل الأقصى لفترة الهيكل، فقال عن أقواس البوابات الصغيرة المغلقة منذ فترة طويلة في الجهة الشرقية الواقعة بين الدرج الشرقي والزاوية الجنوبية الشرقية، إنها بوابات كان يخرج منها أصحاب المعازف الذين كانوا ينفخون البوق في عصر الهيكل. بينما ذكر هذه الأقواس -وفقا للجلاد- مجير الدين الحنبلي في أواخر القرن الـ15 الميلادي وقال إنها الزاوية "الصمادية" و" البسطامية"، وهي زوايا إسلامية شُيّدت أسفل الصخرة المشرفة. واخترع عالم الآثار ذاته قصة أخرى مدّعيا أن الحائط الشمالي الشرقي لصحن قبة الصخرة يضم حجارة تعود لزمن "هيرودوس" وهذا كله لا أصل له، وإنما هي حجارة من الفترة الإسلامية المبكّرة (الأموية) عند بناء دكّة قبة الصخرة. أما عن إقحام الشرطة وسلطة الآثار الإسرائيليتين نفسيهما بعمليات الترميم بالمسجد الأقصى، فأشار الجلاد إلى أنه لا يمكن للأوقاف أن تعمل حاليا على ترميم أي شيء في المسجد سوى بوجود هاتين الجهتين، وبالتالي إما أن تتعامل معهما أو لا يمكن للترميم أن يتم. هذه السياسة اتُّبعت بعد ترميم المصلى المرواني وفتح بواباته العملاقة عام 1999، مما دفع اليهود الأرثوذكس المتشددين إلى سنّ قانون بالكنيست (البرلمان الإسرائيلي) آنذاك أطلق عليه "منع تدمير آثار الهيكل"، وادّعوا في طرحهم أن الأتربة التي أُخرجت من المصلى المرواني وألقيت في الخارج تم من خلالها تدمير الآثار القديمة. هذا الادعاء تدحضه حقيقة أن التراب الذي أخرج من المصلى المرواني ليس ترابا أصليا وإنما أُحضر من الخارج قديما لتغطية وطمر هذا المصلى، وفق الجلاد. "الأوقاف مطالبة بدورها" وبالتالي بدأ التدخل الفعلي لسلطات الاحتلال في عمليات الترميم بالأقصى عام 2003 مع سيطرة إسرائيل على الدخول والخروج من المسجد، وتم التشديد الفعلي على عمليات الإعمار والترميم منذ عام 2015 مع حظر الرباط فيه، وفقا للجلاد. وختم الباحث المقدسي حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى تداعيات إعاقة أعمال الترميم بوصفها بالخطيرة، لأن أي بناء تاريخي -خاصة الأقصى الذي يقع بين أودية ومنطقة غير مستقرة بسبب بنائه على تسويات من الطبيعي أن تتحرك مع حدوث الزلازل-لا بد من ترميمه بشكل مستمر. وأضاف أنه يجب على دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس أن تطالب الجهات الدولية للضغط من أجل الترميم، وأن يكون لديها خطة لذلك بعد إجراء مسح شامل للمواقع وإصدار تقرير بجوانب الضعف والأماكن التي تحتاج إلى صيانة وترميم، حسب تدرج معين من الأخطر إلى الأقل خطورة حتى يعرف الناس وضع الأقصى الحقيقي ولا يتفاجؤوا عند وقوع أي شيء.