logo
حمدي رزق : موسم التحاريق السياسية

حمدي رزق : موسم التحاريق السياسية

البشاير٢٤-٠٧-٢٠٢٥
موسم التحاريق السياسية ؟!
بقلم : حمدي رزق
من المفاهيم الجغرافية، (التحاريق)، ومنها موسم التحاريق أو (شمون سيم) باللغة المصرية القديمة، وهي الفترة التي ينخفض فيها منسوب مياه النيل، وتمتد من نهاية فيضانه حتى بداية الفيضان التالي.. وذلك قبل التخزين الدائم ببحيرة السد.
اشتقاقا لغويا، في مواسم 'التحاريق السياسية'، ومع انخفاض منسوب الوطنية في نهر الوطن الجاري، تظهر الأشياء التي كانت مخفية تحت سطح الماء، ويدلل عليها المثل الشعبي البليغ 'إذا جفت البركة بانت ضفادعها' يُقال ليدل على أن الأشياء تتكشف وتظهر حقيقتها عندما تزول الأسباب التي كانت تخفيها.
وما أكثر الضفادع التي بانت في بلادنا هذه الأيام، تسمع نقيقها في الفضاء الإلكتروني تخلف ضجيجا، يسبب صمما في الأذان، طبيا الصوت العالي يمكن أن يسبب فقدانًا للسمع (صممًا) سيما عند التعرض المتكرر أو المطول لمستويات صوت مرتفعة، يمكن أن يؤدي إلى تلف الخلايا الحسية في الأذن الداخلية، مما يؤثر على قدرة الشخص على السمع.
لا يغادر مخيلتي هذه الأيام، مشهد محاكمة والي عكا الخائن، في فيلم 'الناصر'، يخاطب صلاح الدين ( أحمد مظهر)، والي عكا الخائن، (توفيق الدقن) في محاكمة تاريخية، باتهامات تترجمها كلمات كالسهام المصوبة تصيب القلب مباشرة..
' فأصبح قلبك كمدينة بلا أسوار منذ نسيت الحب، كرهت بلدك وعروبتك فهان عليك أن تسلم عكا، ودفعك حقدك إلى أن ترتمي بين أحضان الغزاة، ونسيت تقاليد الفروسية، ونسيت تقاليدنا المجيدة أن احبوا الناس يرحمكم الله '.
ويستطرد ؛ ' الحقد في حياتك طرد الحب فلعنت، لا.. ولكنك لا تعلم انه بقتلك للحب تودي بنفسك وبمن حولك إلى الهلاك ، لا تحرر بغير الحب ، ليمحو الحقد من العالم .. من أجل ذلك يا عدو الله نرى أن تنال عقاب المفسدين، وما عقاب الذين يخونون الأمانات ويكيدون لإخوانهم ويفسدون في الأرض إلا أن يقتلوا.. اقتلوا الخائن' ) .
كم ضفدع ذي نقيق أطل برأسه من تحت الماء الأسن، كم خائن لوطنه جاوزت خيانته خيانة والي عكا، تسمع نقيق الضفادع فضائيا وإلكترونيا تحدث جلبة في الأجواء، كريهه الضفادع على فطرتها، كريهه وجوه الخيانة على خيانتها.
لا نخون قط شريفا قال ربي الله ثم استقم وطنيا، صحيح أفة حارتنا التخوين، وسهام التخوين تشكل غيمة سوداء في سماء الوطن، ولكن خيانة هؤلاء الضفادع الناعقة جاوزت المدي ، الضفادع الناعقة مصطلح يستخدم لوصف أنواع معينة من الضفادع التي تصدر أصواتًا قبيحة!
الخيانة هي نقض العهد، أو الأمانة، أو الثقة ، يمكن أن تتخذ الخيانة أشكالًا مختلفة، مثل خيانة الأمانة، أو خيانة الصداقة، أو خيانة الزوجية، أو خيانة الوطن، وهذه لكبيرة الكبائر.. مثل والي عكا الخائن، مثل الذي خان وطنه وباع بلاده، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه، باء بغضب الوالد، ولم يرض عنه اللص، يحتقره لخيانته، ولا يأتمنه علي مال ولا عرض ولا نفس، من يخون يرسم خائنا لا تغسله من خطاياه مياه النهر الجاري.
في مواسم التحاريق السياسية، يرتسم الضفدع بطلا، ويسمع نقيقه الضفادع على شاكلته، يهللون ويصفقون، ويأنف نقيقه الطيبون الذين لا يرتضون عن الوطن بديلا..
لسان حال الشارع في مواجهة هؤلاء ' أنا الشعب .. أنا الشعب.. لا أعرف المستحيلا ولا أرتضي بالخلود بديلا'، (من كلمات قصيدة علي باب مصر لكامل الشناوي وألحان محمد عبّد الوهاب وغناء كوكب الشرق أم كلثوم).
لا عاش من خان الوطن ولا ارتفع له صوت، ويظل سلعة فاسدة في السوق لا تباع ولا تشتري، وهؤلاء سلعة بائرة في أسواق الخيانة، لا ثمن لهم، وإن ثمنوا ، فبثمن بخس، دولارات معدودة!
لماذا تنعق الضفادع، لماذا يخونون الوطن، لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم، وكما الأذية طبع، طبعه مؤذٍ، مفطور على الأذى، الخيانة طبع، مضروب بالخيانة، ويتباهى بخيانته في خيلاء، ويخون على رءوس الأشهاد، ويرتسم بخيانته على الناس، بت أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر!!
شيء من الخذلان يُلامس قلبي هذه الفترة، في مواسم التحاريق السياسية، ينبت شجر الحسك، أنواعًا مختلفة، أشهرها الحسك الأرضي (Tribulus terrestris) يُعرف باسم 'شوك الأرض' أو 'ضرس العجوز'. يُعرف بثماره الشائكة التي تشبه 'الحسك'، يعتبر سامًا للماشية، خاصةً أوراقه التي تحتوي على مركبات 'السابونين' كما أن ثماره الشائكة يمكن أن تسبب أضرارًا للجلد.. وعادة ما تداس بالأقدام فتجرحها، وهؤلاء ستدهسهم قافلة الوطن، الضفادع تنعق والقافلة تسير سيرا حسنا.
جبلوا علي الخيانة ، لأنهم كما قال صلاح الدين في محاكمة والي عكا الخائن، قلوبهم خاوية ، فأصبح قلبك (قلب الخائن) كمدينة بلا أسوار منذ نسيت الحب، كرهت بلدك فهان عليك أن تسلم وطنك للأعداء، ودفعك حقدك (حقد الخائن) إلى أن ترتمي بين أحضان الأعداء، ونسيت تقاليدنا الوطنية، ونسيت تقاليدنا الموروثة.. أن احبوا الناس يرحمكم الله.
Tags:
الضفادع
الكراهية
زمن التحاريق
قلب بلا أسوار
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإفتاء: فقدان قلادة السيدة عائشة كان سببًا في تشريع رخصة التيمم للمسلمين
الإفتاء: فقدان قلادة السيدة عائشة كان سببًا في تشريع رخصة التيمم للمسلمين

مصرس

timeمنذ ساعة واحدة

  • مصرس

الإفتاء: فقدان قلادة السيدة عائشة كان سببًا في تشريع رخصة التيمم للمسلمين

قالت الدكتورة زينب السعيد، أمينة الفتوى بدار الإفتاء، إن قصة فقدان قلادة السيدة عائشة رضي الله عنها كانت السبب المباشر لمشروعية التيمم في الإسلام، وهي قصة شهيرة وموثقة في كتب السيرة والسنن. خلال حوارها ببرنامج "حواء"، المذاع على قناة الناس، أشارت السعيد إلى أن هذه القصة وقعت أثناء إحدى الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، عندما توقف الركب كله للبحث عن قلادة السيدة عائشة، وذلك جبرًا لخاطرها.وأوضحت أمينة الفتوى أن الصحابة ظلوا يبحثون عن القلادة حتى أدركهم الصباح، وعندما حان وقت الصلاة لم يجدوا ماءً يتوضؤون به.وتابعت السعيد أن سيدنا أبو بكر الصديق جاء يلوم ابنته عائشة على تعطيل الركب، وكانت تجلس بجوار النبي الذي كان نائمًا.وأضافت أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ على نزول آية التيمم، فكان ذلك التشريع السماوي رخصة لمن لم يجد الماء ليتمكن من أداء الصلاة.وأكدت أن هذا الموقف فرج كربة الصحابة، ومكنهم من أداء صلاتهم دون الحاجة إلى الوضوء المائي، حيث قال أحد الصحابة للسيدة عائشة: "ما أصابك من أمر تكرهينه إلا جعل الله لك فيه خيرًا للمسلمين".

صحابة يستسقون.. وآخرون يشربون الخمر
صحابة يستسقون.. وآخرون يشربون الخمر

الدستور

timeمنذ 2 ساعات

  • الدستور

صحابة يستسقون.. وآخرون يشربون الخمر

اللجوء إلى الخالق العظيم ليرفع الشر والبلاء عن الفرد والجماعة لا بد أن يتوازى معه الأخذ بالأسباب الأرضية فى مواجهة المشكلات، وقد بادر عمر بن الخطاب إلى الاستعانة بالمسلمين فى الشام وغيرها من البلاد الإسلامية واستغاثهم وبدأوا فى إغاثته، لم ينسَ عمر الاستعانة بالله بالطبع، لأنه كان يستعين بخالقه حتى وهو يراسل الولاة بشتى الأمصار، ولكن يبدو أن البعض بدأ مع تواصل الأزمة- حتى بعد وصول المدد من الولايات الإسلامية- فى الاستسقاء وطلب المدد من السماء وخالق السماوات والأرض. ذهب واحد من أمة الإسلام، وهو الصحابى بلال بن الحارث، إلى قبر النبى، صلى الله عليه وسلم، ووقف أمامه وقال: يا رسول الله استسقِ الله لأمتك فإنهم قد هلكوا. نام «بلال» ليلته وهو غارق فى التفكير فى المأساة التى يعيشها المسلمون، فأُرى فى المنام أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول له: «أبشر بالحياة.. ائتِ عمر فأقرئه السلام وقل له: الكيس الكيس». ولما حكى «بلال» ذلك لعمر، نادى الأخير فى الناس: الصلاة جامعة، فصلى بهم ركعتين، ثم قام فقال: أيها الناس أُنشدكم الله هل تعلمون منى أمرًا غيره خير منه؟ فقالوا: اللهم لا! فقال: إن بلال بن الحارث يزعم «وحكى لهم ما قصه عليه»، قالوا: صدق بلال.. فاستغث بالله ثم بالمسلمين. جدل كبير أثارته هذه الواقعة التى حكاها «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»، وغيره من كتاب التراث، فقد احتج البعض بها فى تبرير الدعاء أمام القبور، والتوسل إلى الله برسوله الكريم، وقرروا أنه لو كان عمر قد وجد فى ذلك شيئًا لمنع الصحابى منه، وقد رفض آخرون ذلك. وتشير الواقعة السابقة أيضًا إلى أن المسلمين المعاصرين لها فسروا المنام الذى رآه بلال مشيرين إلى أنه دال على أن النبى استبطأ عمر فى الاستسقاء، وقالوا له: «إنما استبطأك فى الاستسقاء فاستسقِ بنا». بعدها نادى عمر فى الناس ليجتمعوا إليه فى المسجد، فخطب خطبة موجزة، ثم صلى ركعتين فأوجز، ثم دعا ربه بكلمات مؤثرة، من ضمن ما جاء فيها: اللهم عجزت عنا أنصارنا، وعجز عنا حولنا وقوتنا، وعجزت عنا أنفسنا، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم أسقنا وأحى العباد والبلاد». انطلق عمر بن الخطاب بعد ذلك إلى العباس عم النبى، واصطحبه معه إلى الصلاة وهو يقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا توسلنا إليك بنبينا.. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا. ويذكر «ابن كثير» أن عمر خرج يستسقى بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما نراك استسقيت! فقال: لقد طلبت المطر بما يستنزل به المطر، ثم قرأ: «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا».. ثم قرأ: «وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى ويؤتِ كل ذى فضل فضله». وتشير الواقعة التى حكاها «ابن كثير» إلى أن الاستغفار كان يمثل بالنسبة لصحابة النبى الأوائل مفتاحًا من مفاتيح مواجهة مشكلات الحياة، وهى تدلك على أن هذه الفئة المتميزة من المؤمنين كانت تتهم نفسها باستمرار، وتسارع إلى استغفار ربها. ومجمل الوقائع التى تتعلق بواقعة الجدب والاستسقاء تضع يدك على جانب مهم من جوانب شخصية عمر بن الخطاب، فقد كان، رضى الله عنه، من هذا النوع من الحكام الذين لا يرضون عن أدائهم بسهولة، ولم يكن يجد أى غضاضة فى أن يُوجّه له نقد، ويشهد أداؤه فى سياق الوقائع السابقة على إيمانه الكامل بالمقولة التى كان يؤمن بها ويقول فيها: «رحم الله امرأً أهدى إلىّ عيوبى». تجد هذا المعنى حاضرًا حين سمع مروية «بلال بن الحارث» فقال لمن حوله: أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون منى أمرًا غيره خير منه؟ فقالوا: اللهم لا؟. لقد سأل الناس عن تقييمهم لأدائه خلال أزمة المجاعة، وهل ترك تصرفًا أكثر جدوى أو إيجابية، واتجه إلى تصرفات أخرى لا تجدى نفعًا فى مواجهة الأزمة؟ فأكد له الجميع أنه أحسن إدارة الأزمة، وأنه كان يختار القرارات الأفضل من وجهة نظرهم. وفى واقعة الخروج إلى البرية والاستغفار لله تجد إشارة إلى إنسان يطارده إحساس بالتقصير، ويميل إلى اتهام أدائه، ويفر إلى ربه طالبًا منه المغفرة وأن يعينه ويجبر ضعفه وتقصيره. لقد تعاصر مع مجاعة عام الرمادة واقعة أخرى تدلك على أن عمر بن الخطاب لم يكن بالصورة الخشنة الجامدة التى يحكيها بعض الكُتّاب، بل كان يفضل مشورة من حوله والرجوع إليهم، ولم يكن مستفردًا بالحكم أو بالقرار، بل ميال إلى الجماعية فى صناعة القرار. فهناك فى الشام حيث كانت الأمور على ما يرام ولم يكن أهلها يعانون من المجاعة التى ضربت الحجاز وعصرت أهل مكة والمدينة، تورط نفر من المسلمين فى شرب الخمر، منهم اثنان من الصحابة: ضرار بن الأزور وأبوجندل بن سهل، وعندما نهرهم أبوعبيدة بن الجراح والى الشام قالوا: خُيّرنا فاخترنا، قال: «فهل أنتم منتهون» ولم يعزم، وحينما وصل الخبر إلى عمر جمع الناس وسألهم فى ذلك فأجمعوا على خلافهم وأن المعنى «فهل أنتم منتهون» أى انتهوا، وأجمعوا على جلدهم. وكانت آخر كلمات عمر بن الخطاب فى هذا العام العصيب، عام الرمادة، تلك الرسالة التى بعث بها إلى أبى جندل بعد أن تورط فى شرب الخمر وجادل فى ذلك وكتب له فيها: «من عمر إلى أبى جندل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فتُب وارفع رأسك وابرز ولا تقنط فإن الله تعالى يقول: (قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم)»، وكتب عمر إلى الناس: «أن عليكم أنفسكم ولا تعيّروا أحدًا فيفشى فيكم البلاء».

رسالة مفتوحة إلى الرئيس
رسالة مفتوحة إلى الرئيس

الأسبوع

timeمنذ 2 ساعات

  • الأسبوع

رسالة مفتوحة إلى الرئيس

الكاتب الصحفي مصطفى بكري بقلم - مصطفى بكري إليك أتحدث، أعرف تمامًا مَنْ أنت، ربما لا تتحدث عن نفسك كثيرًا، لا تجترَّ الذكريات، ولا تتباهى بالمواقف التي نجحت فيها من خلف ستار، لكنني قررت أن أوجه إليك خطابي في هذه اللحظة، التي يتكاثر فيها الخونة ليوجهوا سهامَهم المسمومة ضدك وضد الوطن ظلمًا وبهتانًا. أدركُ حجم الألم والظلم، الخلايا النائمة بدأت تصحو مجددًا، والرعاية الأمريكية الصهيونية أصبحت مصدرًا للتباهي. أحدثك في وقت تباع فيه المبادئ، ويعز فيه الشرف، تقسَّم فيه الدول، وتُرتهن المصائر، تتقلب فيه المواقف، تتراجع فيه النخوة، هذا زمن الغدر بلا جدال، زمن تباع فيه الكرامة، وتبدو فيه النذالة عنوانًا طبيعيًّا. أقولها لك، للإنسان قبل القائد، لابن الجمالية حيث الدفء الشعبي الإنساني، حيث البساطة والقيم الأسرية والدينية، حيث الأصالة والانتماء، نعرف مدى صلابتك وإنسانيتك، ندرك أنك واجهتَ الكثيرَ من الصعاب، وتحمَّلتَ الكثيرَ من المآسي. في يناير 2011 كنتَ العقل المدبر للخروج من الأزمات التي كانت تحاصر الوطن، كنتَ الأقرب إلى المشير طنطاوي (رحمة الله عليه)، وكنتَ محل إجماع من الكافة، لم يختلف أحد على شخصك أو إخلاصك أو قدراتك، لكنك كنت دومًا «حلَّال العُقد» في فترات الأزمة، كنتُ أعرف ذلك عن قرب من آخرين وليس منك، أيام طوال لم تكن تبرح فيها مكتبك وأنت تتابع وتتحاور. عندما توليتَ موقع القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربي لم تفرط في ثوابتك، كانت كلماتك حاسمة، لم تجادل ولم تناور، قلتها واضحة صريحة بعد أداء القَسَم في 12 أغسطس 2012 وفي مواجهة محمد مرسي: «أنا لا إخواني ولا سلفي، أنا ابن المؤسسة العسكرية التي لا تعرف أحزابًا، ولا تنتمي إلا إلى الوطن». أنقـــذت مصــــر من حــــرب أهليـــــة في 2013 مضتِ الأيام ثقيلة، تحمَّلتَ الكثير من المشكلات والادعاءات والأكاذيب، كنتَ حاسًما في الكثير من المواقف والقضايا، ويوم أن خرج الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013 حاولتَ كثيرًا إنهاء الأزمة سلميًّا، لكن الآخرين صمُّوا آذانهم، رفضتَ الإغراءات وحسمتَ قرارك وانحزت إلى جموع الشعب المصري، التي خرجت تهتف باسمك، فأنقذتَ البلاد من خطر الانقسام والحرب الأهلية. عندما طالبوك بأن تتولى مهام السلطة في هذا الوقت، رفضت ورشحت رئيس المحكمة الدستورية، لترسخ في الذهنية المصرية معنى احترام الدستور. أتذكر يا سيادة الرئيس في أحد لقاءاتنا معك، كنت وزيرًا للدفاع وكنا مجموعة من الصحفيين والإعلاميين تحدثتَ مطولًا عن المخطط الإخواني بعد ثورة الثلاثين من يونيو وانحياز الجيش لها في الثالث من يوليو وقلت حرفيًّا: الحملة الإعلامية في الخارج حملة منظمة وممنهجة وممولة، قلتَ: إنها لم تأتِ من فراغ، وإن هناك أجهزة مخابرات تخدم هذه الحملة، تحدثت معنا يومها عن ثلاثة سيناريوهات لمخطط الإخوان وبرعاية هذه الأجهزة: الأول: نخطط كيف نصمد باستخدام النَّفَس الطويل لاستنزاف قدرات الدولة المصرية وتعطيل المنشآت وإرباك الحكومة. وكان السيناريو الثاني الذي تحدثت عنه بالقول: إنه بدأ في تزامن مع السيناريو الأول وهو كيف نُحدث انشقاقًا داخل الجيش بكافة الوسائل إلا أن صلابة الجيش المصري ووعيه بهذا المخطط كانا الرد الطبيعي الذي أفشل هذا المخطط منذ بدايته. وكان السيناريو الثالث الذي تحدثتَ عنه في هذا الوقت هو عسكرة الصراع بعد تدمير ليبيا، حيث دخلت مصر كميات كبيرة من الأسلحة التي تم تخزينُها في سيناء والعديد من المناطق الأخرى، كما تسلل آلاف العناصر الإرهابية الذين سعوا إلى مواجهة الدولة ونشر الفوضى، وكان الهدف هو تكوين ما سُمِّي بـ«الجيش الحر» لمواجهة القوات المسلحة، مما دفع الجيش إلى استنفار قوته والقضاء على هذه الميليشيات. كنتَ تدرك المخطط وأبعادَه، حذرت كثيرًا، هل تتذكر يوم أن ذهبت إلى محمد مرسي في فبراير 2013 وقلت له بوضوح وبلا تردد: لقد سقط مشروعكم، ولم يكن هنالك ردٌّ قاطعٌ منه، وإنما أراد إلقاء اللوم على الجميع في وقتٍ كانت فيه البلاد تمضي نحو المجهول. عبرت بمصر من الفوضى إلى الأمن والاستقرار عبرتَ بمصر من الفوضى إلى الأمن والاستقرار، بدأتَ المشروعات القومية الكبرى جنبًا إلى جنب مع مطاردة الإرهاب والإرهابيين، أطلقتَ العملية العسكرية الشاملة 2018 لتحرير سيناء من الإرهاب، وبعدها بدأت عملية التنمية في تغيير ملامح هذا الجزء الغالي من تراب الوطن، الذي أُهمل كثيرًا. تحمَّلتَ الكثير من الرذالات والادعاءات والأباطيل، وسموت بنفسك ورفضت الرد، واحتكمت إلى البارئ الخالق في كل مواقفك. سيادة الرئيس، أدرك أنك لا تهتم كثيرًا بالشائعات والأكاذيب، التي تديرها جماعة الإخوان المتصهينين، لأنك تعرف كل التفاصيل، مَنْ وراءهم ومَنْ يدعمهم ومَنْ يحرضهم ومَنْ يمولهم. لسنا في حاجة إلى الدفاع عن أنفسنا أو عنك يا سيادة الرئيس، فمصر أكبر وأسمى من كل هؤلاء العملاء والخونة. سيادة الرئيس، في العاشر من أكتوبر 2023، أي بعد عملية طوفان الأقصى وبدء العدوان الإسرائيلي على غزة بثلاثة أيام، التقيتَ بنا على هامش حفل تخرج دفعة من أكاديمية الشرطة. طلبت منا الحديث، كلٌّ يدلي برأيه في أحداث غزة، تحدثنا، وطرحنا وجهات نظرنا، مسؤولين وصحفيين وإعلاميين، كنتَ صامتًا تستمع دون تعليق. مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية ولن تقبل أبدًا بتهجير الفلسطينيين وفي نهاية الحديث قلت لنا: تعمَّدتُ أن أسمع وجهات نظركم قبل أن أدلي بوجهة نظري، وكانت وجهة نظرك، محددة في كلمات لا تُنسى: مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية ولن تقبل أبدًا بتهجير الفلسطينيين، مصر مع قيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، مصر ستقدم كل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، ولن تتوقف عن المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة. لم تنتظر، ولم تتردد، ولم تحسبِ الأمر وردودَ فعله من قِبل البعض، كان موقفك واضحًا في وقتٍ كان الكثيرون يوجهون إدانتَهم إلى حماس ويدعمون حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد العزل في غزة. ما يحدث يا سيادة الرئيس مؤامرة مكشوفة لها أهدافها، تسعى إلى تحقيق أهداف إسرائيل في التهجير وإنهاء حلم قيام الدولة الفلسطينية، لأن المهم هو عودة الجماعة الإرهابية إلى الحكم مرة أخرى ولو على أنقاض الدولة المصرية. أدركُ أنك تعرف حجم المؤامرات وسيناريوهات الخطط القادمة التي تستهدف مصر وجيش مصر العظيم وقيادة مصر الوطنية الشريفة، أعرفُ أن اللحظة الراهنة لا تقبل أصحاب الألوان الرمادية، الذين يمارسون الأكاذيب دون مواقف حاسمة، لكن اللحظة يا سيادة الرئيس تحتاج إلى مقاتلين حقيقيين في الإعلام والصحافة، نحتاج إلى حكومة أزمة، نحتاج إلى رجال أقوياء، قلوبهم على الوطن، لا يعرفون سوى المواجهة والقدرة على التعامل مع الأزمات، نحتاج إلى مسؤولين قريبين من الشعب، مهمومين بهمومه، لديهم حس إنساني واجتماعي يشعر بنبض البشر، ميولهم للناس، وآمالهم هي آمال الوطن وقدرته على التحدي والصمود. تطورات خطيرة في المنطقة سيادة الرئيس، القادم أخطر، وخلال الأسابيع القادمة ستحدث تطورات خطيرة في المنطقة، لتصفية القضية الفلسطينية، إثارة الفتنة على أرض لبنان، إجبار سوريا على نزع سلاح العديد من المناطق السورية، حروب قد تندلع مجددًا مع إيران وغيرها.. سيادة الرئيس، 15 دولة أوروبية تعلن استعدادها الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية، لكن أحدًا فيهم لم يقل لنا، أين تقع هذه الدولة، وما حدودها، لم يلبسوا ثوب القديسين فجأة، لكنهم يدركون أن الأسابيع القادمة ستحمل ما هو أخطر، وعندما يأتي شهر سبتمبر المقبل في الأمم المتحدة ستكون الملفات قد اكتملت والأرض تهيأت والتهجير قد أخذ طريقه ليتبقى فقط عدد محدود فيما تبقى من الضفة وغزة، وهم العمالة الذين تحتاجهم إسرائيل للعمل في مصانعها ومزارعها. القادم في الخليج وإيران خطر، إيران مستهدفة، الهدف هذه المرة إسقاط النظام وتغيير الخريطة، إيران قد تندفع نحو الخليج، وقد تغلق مضيق هرمز وتوقف تدفق النفط، ولذلك تركز أمريكا على النفط الليبي حتى تستطيع أن تسد حاجة الغرب حال توقف تدفق النفط الخليجي. ليبيا والسودان سيمثلان صداعًا مزمنًا لمصر، السودان يجري تقسيمه، وهناك قوى معادية لمصر قد تُستخدم في أي لحظة لإثارة القلاقل.. التآمر على ليبيا، هناك إرهابيون يتدفقون إلى الجنوب الليبي وتحديدًا منطقة الكفرة، لإحداث اختراق في الأراضي المصرية وبمساعدة أجنبية، والهدف إشغال الجيش والشرطة بعيدًا عن الداخل، في وقت يجري فيه التهجير بكل السبل والطرق. أدركُ تمامًا أنك تضع كل هذه السيناريوهات نصب عينك، تعرف تفاصيلها، وتجيد التعامل معها، ولذلك فإن ثقة الشعب المصري في موقفك لا تتزعزع، لقد استعديت لهذا اليوم منذ توليك مهام القيادة العامة ووزارة الدفاع والإنتاج الحربي في 12 أغسطس 2012، بنيت جيشًا حديثًا، أسلحة متقدمة، تدريبات عالية، قدرة على القتال والمواجهة وتحقيق الانتصار، لذلك يترددون كثيرًا ويعيدون حساباتهم ألف مرة. سيادة الرئيس، إن جلسة الكنيست الإسرائيلي الأخيرة حوت هجومًا شديدًا على مصر، تهديدًا ووعيدًا، الصحافة الأمريكية والغربية، ظهور للوجوه الكالحة التي صدَّعتنا بحديثها عن الليبرالية الغربية وارتدت ثوب الوطنية، وهم في النهاية ليسوا أكثر من أبواق تردد خطاب الغرب وخطابات الصهاينة. إنهم المتصهينون، أصحاب المصالح، اللاعبون على كل الحبال، إلا حبل الدولة الوطنية ومؤسساتها، هؤلاء خطر، يجب حصارهم وكشفهم وفضحهم، يجب ألا نقبل المهادنة مع هؤلاء، لأن المتصهينين لا يقلون خطورة عن الصهاينة وحلفائهم. سيادة الرئيس، أدركُ أن العبء ثقيل وأن المهام الملقاة على عاتقك ليست هينة، فأنت تحمل هموم نحو 110 ملايين مصري، تحمل هموم أمة، تتعامل بحكمة وذكاء مع الكثير من أزماتها، لكنك بالقطع في حاجة إلى رجال تتصدى، قيادات تواجه وتحتوي الأزمات، أصوات قوية تكون مستعدة للتضحية بجهدها وعرقها وحياتها من أجل الوطن. ثقتنا في جيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة بلا حدود ثقتنا في جيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة بلا حدود، لكننا في الوقت ذاته نتساءل: أين الكثير من النخب والمؤسسات التي كان يجب أن تنضوي في خندق مواجهة هذه الحرب الضروس؟ الحياد في فترة الأزمات خيانة، المتفرجون لا مكان لهم في أوساطنا، المرتعدون أولى بهم أن يختفوا بعيدًا عن وجوهنا، المترددون عليهم أن يختاروا، اللحظة الحاسمة قد بدأت، ومَن هو على استعداد للوقوف بقوة وبلا خوف وبلا تردد إلى جانب الدولة ومؤسساتها وقيادتها، نعم وقيادتها الوطنية الشريفة، فلينفض عنه غباره، وليتوقف عن الديماجوجية والخوف من حروب السوشيال ميديا وليقف في خندق المعركة. سيادة الرئيس، ثق أن المصريين على قلب رجل واحد، لديهم إحساس بالأزمة ومستعدون للمواجهة بكل جسارة وشجاعة.. (ثوابتك من أجل حماية مصر ونهضتها هي مشروعنا). لن نكفر بالعروبة، ولا بالقضية الفلسطينية، لأننا نعرف أن الخونة ليسوا هم فلسطين، وليسوا هم هذه الأمة العظيمة، لكننا في حاجة إلى مراجعة الحسابات والقفز على الأزمات، وهذا عهدنا بك. دُمت قائدًا وطنيًّا عروبيًّا مدافعًا عن أمن وثوابت الوطن والأمة، شريفًا في وقتٍ عزَّ فيه الصدق والشرف.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store