
المشاط:الدول الأفريقية تعاني من ضيق الحيز المالي في تمويل التنمية
وفي مستهل كلمتها، وجهت الدكتورة رانيا المشاط ، الشكر لحكومة جنوب أفريقيا، استعرضت ملامح السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية التي تسعى الحكومة إلى إطلاقها قريبًا، موضحة أنها توفر إطارًا شاملًا لمواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادي، كما تعمل على تعزيز التحول الهيكلي في الاقتصاد المصري نحو القطاعات القابلة للتداول والتصدير. وذكرت أن مصر تعمل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشروعات البنية التحتية بما يحفز جهود جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ، أن هذه الفعالية تهدف إلى تقديم عرض تمهيدي للتقرير المرتقب 'ديناميكيات التنمية في أفريقيا 2025'، والذي يأتي في إطار الشراكة الممتدة بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ومركز التنمية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وبدعم من عدد من الشركاء الدوليين، موضحة أن هذا التقرير يقدم رؤى تحليلية وسياسية مهمة تركّز على قضايا التحول الإنتاجي وخلق فرص العمل باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للتنمية المستدامة في القارة الأفريقية، مع إبراز الدور الحيوي للاستثمار في البنية التحتية كوسيلة لتسريع هذا التحول.
وأشارت "المشاط" إلى موضوعات التقرير التي تتقاطع مع عدد من المبادرات القائمة في إطار مجموعة العشرين، لا سيما مبادرة 'دعم التصنيع في أفريقيا والدول الأقل نمواً'، التي أُطلقت في عام 2016 لتعزيز القدرات الإنتاجية، وتنويع الاقتصاد، وتشجيع الاستثمارات الصناعية في أفريقيا، كما يكمل هذا الجهد مبادرة الاتفاق مع أفريقيا (Compact with Africa)، التي تركّز على تعبئة استثمارات القطاع الخاص من خلال إصلاح السياسات وتعزيز الشراكات المؤسسية.
وأكدت «المشاط»، أن الدول الإفريقية واجهت تكاليف أكبر مقارنة بالدول المتقدمة، وبالرغم من أن مشهد تمويل العمل المناخي في إفريقيا لعام 2024 يشهد نموًا ملحوظًا، إلا أنه مازالت هناك فجوة في توفير احتياجات تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا ودعم جهود التنمية.
كما تطرقت إلى مشكلة الديون في قارة أفريقيا وتوقعات ارتفاع مدفوعات خدمة الدين وفقًا لتقارير المؤسسات الدولية، وأهمية تفعيل المبادرات الدولية الهادفة للتغلب على تلك الأزمة التي تحول دون تمكين العديد من دول القارة من القيام بدورها في تحقيق التنمية.
وأشارت إلى المنصات الوطنية بقيادة الدول وهي تعتبر أداة محورية للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، لافتة إلى منصة 'نُوَفِّي' في مصر، التي حصلت على دعم مؤسسي قوي من شركاء التنموية متعددي الأطراف والثنائيين، كما تتضمن المنصة آليات دعم فني متكاملة، تشمل التحضير للمشاريع، وبناء القدرات، والتنسيق بين الأطراف ذات الصلة، للانتقال من التعهدات المناخية للتنفيذ الفعلي.
وأكدت أنه في ضوء دورها الإقليمي والدولي المحوري، فإن مصر تسهم في النقاشات العالمية حول 'التمويل العادل' وبناء 'مؤسسات مالية عادلة'، من خلال دليل "شرم الشيخ للتمويل العادل" خلال رئاستها لمؤتمر COP27، الذي يُبرز الحاجة إلى تعزيز الاستثمارات في مشاريع التنمية المستدامة.
كما أشارت إلى أهمية التركيز على أدوات التمويل المبتكر التي تمكّن من حشد استثمارات واسعة النطاق، تتجاوز النُهج التقليدية في تمويل التنمية، مشيرة إلى تجربة مصر الرائدة في استخدام آلية مبادلة الديون كأداة لتعزيز التنمية المستدامة والعمل المناخي، وتُمثّل هذه الآلية وسيلة مزدوجة لتخفيف الضغط على المالية العامة، وفي الوقت نفسه تسريع التقدّم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة والالتزامات المناخية.
وأكدت حرص مصر على تطوير إطار مؤسسي شامل لضمان توافق تدفقات التمويل مع أولويات الدولة وأهدافها التنموية، حيث كانت مصر الدولة الأولى في المنطقة التي تُطلق 'الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية'، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التي تُحدد الفجوات التمويلية عبر سبعة قطاعات ذات أولوية، كما ترصد مصادر التمويل الحالية—سواء كانت عامة أو خاصة، محلية أو دولية، ثم تطوّر خارطة طريق لتوسيع هذه الموارد من خلال أدوات تمويل مبتكرة، كما تهدف إلى تحفيز مُشاركة القطاع الخاص ، وتعزيز كفاءة الإنفاق العام من خلال آليات حوكمة منسقة، وتوفير إطار موحد لحشد رؤوس الأموال الوطنية والدولية على نحو فعّال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 3 أيام
- نافذة على العالم
إقتصاد : مجلس الوزراء السعودي يقرر العودة لنظام الفصلين الدراسيين بمدارس التعليم العام
الأربعاء 6 أغسطس 2025 01:00 مساءً نافذة على العالم - الرياض – مباشر: ثمّنت وزارة التعليم صدور موافقة مجلس الوزراء على إقرار فصلين دراسيين لمدارس التعليم العام للعام الدراسي القادم 1447/ 1448هـ، مع الإبقاء على الإطار الزمني العام المعتمد مسبقاً للتقويم الدراسي للأعوام الأربعة القادمة، متضمناً الفترات التي تحدد بداية ونهاية العام الدراسي. وأكدت الوزارة، في بيان لها، أن إقرار الدراسة بنظام فصلين دراسيين يأتي في ضوء ما تحقق من مكتسبات نوعية خلال تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة، الذي شكّل خطوة تطويرية مهمة أسهمت في ترسيخ عدد أيام الدراسة عند حد أدنى يبلغ 180 يوماً سنوياً؛ وهو معيار يتوافق مع معدل الأيام الدراسية في الدول المتقدمة تعليمياً وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD"، ويتماشى كذلك مع أنظمة دول مجموعة العشرين التي يتراوح عدد أيام الدراسة فيها بين 180 و185 يوماً، ويصل في بعضها إلى 200 يوم دراسي. وأوضحت وزارة التعليم، أنها قامت بدراسة شاملة بمشاركة واسعة من المتخصصين والقيادات التربوية والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، هدفت إلى تقييم النماذج المطبقة وتعزيز التوجهات المستقبلية في ضوء مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية بوصفه أحد برامج تحقيق الرؤية. وتوصلت الدراسة؛ بحسب الوزارة، إلى أن تحسين جودة التعليم لا يرتبط بشكل مباشر بعدد الفصول الدراسية، وإنما بالعناصر الجوهرية للعملية التعليمية، وفي مقدمتها تأهيل وتحفيز المعلم، وتطوير المناهج، وتعزيز البيئة المدرسية، ورفع مستوى الحوكمة والتحول المؤسسي، ومراقبة الالتزام من خلال منح مزيدٍ من الصلاحيات والمرونة للمدارس وتمكينها نواةً حقيقية للتغيير، وهي الركائز التي تنتهجها الوزارة ضمن استراتيجيتها الشاملة، كما أبرزت الدراسة أهمية تعزيز المرونة في التقويم الدراسي بما يتناسب مع التنوع الجغرافي والثقافي وتنوع واستدامة الأنشطة الطلابية. وأشارت الوزارة إلى استمرارها في تعزيز التنوع والمرونة في بعض المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة، كمدارس التعليم الخاص والعالمية، والجامعات والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من حيث تحديد النظام الدراسي المناسب لها، إلى جانب الصلاحيات الممنوحة لإدارات التعليم بمنطقتي مكة المكرمة، والمدينة المنورة ومحافظتي الطائف وجدة؛ مراعاةً لاحتياجات ومتطلبات مواسم الحج والعمرة والزيارة، وتحقيق التكامل مع الجهات الحكومية الأخرى إلى جانب تنشيط الأعمال المجتمعية في هذه المناطق.

يمرس
منذ 4 أيام
- يمرس
اقتصاد الظل في الطيران المدني: المال الطائر... بلا رقيب التشخيص العالمي والحلول العربية
الملخص الجوهري بعيدًا عن الأضواء، يتنامى اقتصاد خفي على المستوى العالمي ينسج خيوطه داخل قطاع الطيران متجاوزًا القوانين ومهددًا لقواعد المنافسة والنزاهة. هذا هو "اقتصاد الظل" نظام موازٍ تتداخل فيه المصالح والنفوذ والفساد ويتخذ صورًا متعددة، منها تمرير الصفقات خلف الأبواب المغلقة دون مناقصات معلنة أو معايير شفافة مما يسبب خسائر بمليارات الدولارات سنويًا. رغم جهود مكافحة هذه الظاهرة في العالم العربي، لا تزال تحديات جسيمة تعيق التطور في بعض الدول، من بينها الفجوات التشريعية وتعدد سلطات القرار وضعف الشفافية المؤسسية. تطرح هذه الورقة رؤية رائدة لإنشاء "المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني" كهيئة مستقلة لتعزيز الحوكمة ودعم الإصلاح في القطاع. مقدمة: تحديات وفرص في الطيران المدني العربي يُعد الطيران المدني ركيزة حيوية للحداثة والتنمية، لكنه يواجه تحديات تتعلق بانتشار اقتصاد الظل وصفقات غير شفافة تهدد سلامة الأجواء وفرص النمو المستدام. رغم ذلك، يتصاعد الوعي بأهمية تعزيز الشفافية والحوكمة كركائز للإصلاح. يهدف هذا المقال إلى طرح رؤية عربية شاملة لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق حوكمة أفضل في قطاع الطيران المدني، مع الاعتراف بالإنجازات التي حققتها بعض الدول، والسعي نحو حلول عملية تعزز نزاهة القطاع وتدعم مكانة الطيران العربي عالميًا. تشخيص الظاهرة: قراءة في المؤشرات العالمية تشير البيانات الدولية إلى تصاعد ظاهرة الفساد واقتصاد الظل في قطاع الطيران، خصوصًا في الدول النامية فعلى الرغم من عدم توفّر بيانات رسمية تحدد النسب القطاعيّة للفساد، إلا أن تقارير الشفافية الدولية تؤكد أنّ قطاعات مثل النقل والطيران تُعد من بين القطاعات الحساسة التي تتعرض لممارسات فساد متكررة، حيث تبرز تقاطعات بين النفوذ السياسي والمصالح المالية وسط ضعف الشفافية التعاقدية. ولم تَسلم بعض الدول المتقدمة من هذه الظاهرة رغم الأطر القانونية الصارمة، إذ لا تزال تشهد تجاوزات في الصفقات واحتكارات السوق. وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن الفساد وسوء الإدارة في مشاريع البنية التحتية العامة، بما في ذلك قطاع النقل والطيران، يُمكن أن يتسبب بخسائر تعادل 10- 30% من الميزانية الإجمالية ، ويُقدّر نطاق الخسارة الأدنى من خلال بعض بيانات البنك الدولي وغيره عند 7-12% في بعض الدول، مما يُهدد كفاءة الإنفاق العام ويقوّض الثقة المؤسسية. ووفقًا لEnterprise Surveys التابعة للبنك الدولي، فإن حوالي 13% من الشركات تفوز بعقود حكومية دون منافسة شفافة، وهو مؤشر شائع في الدول ذات الشفافية المنخفضة حتى في قطاعات مثل الطيران المدني. ورغم هذه التحديات، تُسجّل تقارير دولية اتجاهًا إصلاحيًا متزايدًا، حيث تعمل العديد من الدول والمؤسسات الدولية على تطوير الأطر التشريعية، وتعزيز آليات الرقابة، وتبنّي حلول رقمية مبتكرة، في مسعى لتقليص اقتصاد الظل وتحسين حوكمة القطاع. ما هو مفهوم اقتصاد الظل في الطيران المدني يُقصد باقتصاد الظل في قطاع الطيران المدني مجموعة الأنشطة الاقتصادية والمالية التي تُمارس خارج الأطر القانونية والتنظيمية، بعيدًا عن أعين الرقابة المؤسسية والشفافية المفروضة على العمل الرسمي. ويتميز هذا الاقتصاد غير الرسمي بتشابكه مع البنية الرسمية للمؤسسات، حيث تختلط فيه الوظائف المشروعة مع صفقات خفية وغير معلنة، ما يفتح الباب أمام استغلال الثغرات الإدارية والتشريعية لخدمة مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة وسلامة المنظومة. وتكمن خطورة هذا الواقع في التداخل العضوي بين اقتصاد الظل ومظاهر الفساد الإداري وصفقات النفوذ، إذ لا يمكن فهم الظواهر الثلاث بمعزل عن بعضها، بل تتغذى وتتقاطع ضمن دائرة مغلقة تُقوّض قواعد الشفافية وتُفرغ المنظومة من كفاءتها. فالفساد الإداري يتمثل في إساءة استخدام السلطة لتحقيق منافع شخصية، ويأخذ أشكالًا متعددة مثل الرشاوى، التلاعب في التعيينات، أو تعطيل الإجراءات الرقابية. أما صفقات النفوذ، فهي صورة أكثر تعقيدًا من الفساد، حيث تُمنح الامتيازات والعقود بناءً على اعتبارات سياسية أو علاقات شخصية، لا على أساس الكفاءة أو النزاهة أو التنافس العادل. اقتصاد الظل في الطيران المدني: مظاهره وآلياته الخفية يُشكّل اقتصاد الظل تحديًا بنيويًا خطيرًا يُقوّض فعالية قطاع الطيران المدني في العديد من الدول، حيث ينمو داخل بيئة تنظيمية هشّة ويستند إلى شبكات نفوذ ومصالح تتجاوز الأطر القانونية. ويبدأ هذا الاقتصاد غير الرسمي من تغوّل الفساد في مراحل التعاقد والتوريد، إذ تُمنح العقود بطريقة غير شفافة دون مناقصات أو معايير معلنة، ويُجرى تحصيل رسوم وخدمات نقدًا خارج السجلات الرسمية وتهرب ضريبي، ما يُنتج منظومة مالية موازية تفتقر إلى المساءلة والرقابة. وتُعد صفقات شراء الطائرات أحد أبرز بؤر هذا الخلل، حيث تُبرم أحيانًا دون دراسات جدوى تشغيلية حقيقية، وتشهد تجاوزات تتضمن دفع عمولات غير مبررة لوسطاء، أو شراء طائرات مستخدمة بأسعار تفوق قيمتها الفعلية، بدوافع سياسية أو مصلحية. وتزداد خطورة الوضع عندما تُستخدم شركات واجهة لتضخيم عقود الصيانة أو شراء قطع غيار مغشوشة، أو تُمرّر صفقات ضخمة عبر مقاولين صوريين وبأسعار تفوق اسعار السوق، ولا تقتصر تداعيات الظاهرة على الجانب المالي ، بل تمتد لتُهدد السلامة الجوية، حيث قد تفتح الممارسات غير المشروعة الباب أمام تجاوزات خطيرة، تفتقر للكفاءة والمعايير. إن ترسّخ هذه الممارسات ضمن بيئة يغيب فيها التفتيش المؤسسي والحوكمة الرشيدة يُنتج اقتصادًا خفيًا متجذرًا يتقاطع مع الفساد الإداري والمالي ، ويجعل من معالجته تحديًا يتطلب إصلاحًا مؤسسيًا عميقًا، وبناء منظومة رقابة مستقلة، وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة على كافة المستويات ويقصد بالحوكمة الرشيدة الإدارة التي تضمن أن تُدار المؤسسات بطريقة شفافة، عادلة، ومسؤولة، لخدمة المصلحة العامة وليس المصالح الشخصية. غياب الشفافية: عوامل رئيسية في تفشي الاقتصاد غير الرسمي تُعد الشفافية والمساءلة الركيزة الأساسية لاستدامة القطاعات الحيوية، لكن غيابهما يحول تلك القطاعات إلى بيئات خصبة للفساد وسوء الإدارة، مما يهدد السلامة التشغيلية ويضعف جاذبية الاستثمار، ويُضعف سمعة الدولة على المستويين المحلي والدولي. يُعد ملف التعيينات أحد أبرز مظاهر الخلل البنيوي، وقد شرعت بعض الدول والهيئات في تعزيز كفاءة التوظيف والقرارات الإدارية. الا ان الحاجة تقتضي توسيع هذه الجهود بشكل مستدام، مع الالتزام الصارم بمبادئ النزاهة والتخصص، لضمان بيئة مؤسسية قادرة على تحقيق الأداء الأمثل وجذب الاستثمار. اقتصاديًا، يُسهم اقتصاد الظل في تسرب الإيرادات خارج القنوات الرسمية، مما يُقوّض قدرة الدولة على تطوير قطاع الطيران، ويُضعف ثقة المستثمرين في ظل بيئة تنافسية غير عادلة تهيمن عليها المصالح الضيقة على حساب الكفاءة والمصلحة العامة. ويُعزى انتشار اقتصاد الظل إلى عوامل هيكلية، أبرزها ضعف التشريعات، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وغياب الرقابة المستقلة، ونقص الإفصاح المالي ، مما يُقيد قدرة المؤسسات والمجتمع المدني على رصد المخالفات ومكافحة الفساد بفعالية. كيف يواجه العالم اقتصاد الظل؟ يُشكّل اقتصاد الظل تحديًا عالميًا يتسرب إلى القطاعات الحيوية، وعلى رأسها قطاع الطيران المدني، حيث تتداخل الأبعاد الأمنية والتقنية والمالية. وللتصدي لهذا الاقتصاد الموازي، طورت العديد من الدول والمنظمات الدولية نماذج استجابة متعددة الأبعاد، تقوم على تعزيز الحوكمة، الرقمنة، والتعاون الدولي، ويمكن تلخيص أبرز أدوات المواجهة في المحاور التالية: 1. تحديث التشريعات: سنّ قوانين مرنة تُجرّم النشاطات غير الرسمية وتواكب التطورات الرقمية. 2. تعزيز الرقابة والحوكمة: دعم هيئات مستقلة، وتطبيق أنظمة تدقيق ذكية. 3. التحول الرقمي: اعتماد المنصات الذكية وسلاسل الكتل (blockchain)لضبط المعاملات والحد من الفساد. 4. الشفافية والمساءلة: نشر البيانات المالية ، وتمكين الإعلام والمجتمع المدني. 5. تحفيز الاقتصاد النظامي: تبسيط التراخيص، وتقديم حوافز للمشغلين النظاميين. 6. التعاون الدولي: تبادل المعلومات، والمشاركة في مبادرات مكافحة الفساد العابرة للحدود. أثر الظاهرة على التحول الرقمي والحوكمة يُعد التحول الرقمي أحد أهم الأدوات في مواجهة اقتصاد الظل في قطاع الطيران. فاعتماد الأنظمة الرقمية المترابطة بين الجهات الحكومية والمطارات وشركات الطيران يسهم في تقليص هامش التلاعب، وفرض الشفافية، وتعزيز التتبع الفوري للعمليات. كما أن رقمنة عقود الخدمات، وربط التراخيص بمنصات موحدة، واعتماد الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأداء، يضعف البنية التحتية للفساد، ويدعم بيئة نزيهة وعادلة.. استجابات دولية ونماذج ناجحة لمكافحة الاقتصاد غير الرسمي أثبتت التجارب العالمية أن التصدي للاقتصاد غير الرسمي في قطاع الطيران لا تتحقق فقط عبر الأدوات القانونية أو التقنية، بل يتطلب إرادة سياسية، وتكاملًا مؤسسيًا، واعتماد الشفافية الرقمية على سبيل المثال :- سنغافورة: طبّقت نظامًا رقابيًا رقميًا متقدمًا يشمل تقنيات سلاسل الكتل لتتبع السجلات والتراخيص، مدعومًا بتشريعات صارمة. الدول الإسكندنافية: اعتمدت الشفافية المالية والبيانات المفتوحة، مع إشراك المجتمع المدني في الرقابة، ما قلّص الاقتصاد الموازي. الاتحاد الأوروبي: تبنّى إطارًا تنظيميًا موحدًا وتعاونًا عابرًا للحدود، مع منصات رقمية لتبادل البيانات والتحقق المالي. تشكل هذه النماذج مرجعًا عمليًا للدول العربية في مساعيها لإصلاح القطاع وضبطه ضمن منظومة حوكمة فعالة. نموذج لمعالجة الفساد في صفقات شراء الطائرات لمعالجة أحد أبرز أوجه الفساد المرتبطة في صفقات شراء الطائرات، يمكن اعتماد نموذج رقابي يقوم على ثلاث ركائز: لجنة فنية مستقلة تقيّم العروض بمعايير شفافة، منصة إلكترونية موحدة توثق مراحل الشراء وتخضع للتدقيق الفوري، وإلزام الموردين بالإفصاح عن العمولات والوسطاء وفق اتفاقيات النزاهة الدولية. يعزز هذا النموذج الشفافية ويحد من التلاعب في قطاع الطيران المدني. تشخيص الواقع العربي: فجوات الحوكمة وتحديات الشفافية في الطيران تشير الدراسات إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يُمثل جزءًا ملموسًا من النشاط الاقتصادي في بعض الدول العربية، مما يُعقّد جهود مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. في قطاع الطيران المدني، تُواجه بعض الدول تحديات في تطبيق تشريعات فعّالة، مما يؤدي إلى فجوات تنظيمية وضعف في الرقابة الفنية والإدارية، ويُسهم في تفشي ممارسات الفساد واقتصاد الظل.. هذه الثغرات تُفسح المجال لممارسات غير رسمية تؤثر على جودة الخدمات وسلامة الطيران، وتتعدى تداعياتها البُعد الاقتصادي لتشمل مخاطر أمنية وتنظيمية، خاصة مع محدودية التنسيق الإقليمي في مجالات التسجيل والرقابة، وتبادل المعلومات. ويُعد تعزيز الحوكمة المؤسسية وتحديث الأطر القانونية والرقابية من الركائز الأساسية لمعالجة هذه التحديات. البعد العربي – فجوة الحوكمة وضعف الإبلاغ تشير تقارير منظمة الشفافية الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (TI-MENA, 2023)، إلى أن العديد من الهيئات الرقابية في الطيران المدني تحتاج إلى تعزيز استقلاليتها وقدراتها لضمان تطبيق معايير الحوكمة والشفافية بشكل أكثر فاعلية." كما كشف تحقيق نشرته شبكة "Global Integrity" عام 2021 ان بعض المطارات العربية تواجه تحديات تتعلق بهيكلة الإدارة والشفافية في عقود التشغيل، مما يستدعي مراجعة السياسات لضمان وضوح المسؤوليات وتعزيز الرقابة." رغم تلك الفجوات في التشريعات والحوكمة بين الدول العربية، الا انه لا يمكن إغفال التقدم المحرز في عدد من مؤسسات الطيران المدنية. إن تعزيز التعاون الإقليمي ونقل الخبرات بين الدول يُعدان مفتاحين لتقليص الفجوات، ورفع كفاءة الرقابة، مما يسهم في بناء قطاع موحد يتمتع بمعايير عالية من النزاهة والشفافية. تجارب عربية واعدة في مكافحة الفساد بقطاع الطيران المدني: دروس ومقاربات إصلاحية رغم التحديات البنيوية والهيكلية التي تواجه قطاع الطيران المدني في عدد من الدول العربية، شهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة بروز مبادرات إصلاحية رائدة تعزز الشفافية ومكافحة الفساد. ففي الإمارات العربية المتحدة تم تفعيل منظومة المشتريات الرقمية الحكومية وربطها بمنصات تدقيق مستقلة، وتلتها قطر التي شهدت تطورًا ملحوظًا في نظم إدارة المشتريات والحوكمة عبر مطار حمد الدولي وشركة الخطوط الجوية القطرية. أما المملكة العربية السعودية فأدرجت قطاع الطيران ضمن الاستراتيجية الوطنية لحوكمة القطاع العام مع تفعيل دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة). وفي المغرب اعتمد المكتب الوطني للمطارات خطة إصلاحية شملت تدقيقًا دوريًا للعقود وإعادة هيكلة المسارات الإدارية والمالية للحد من تضارب المصالح. كما شهدت تونس والأردن ومصر واليمن تعزيز الرقابة المالية والإدارية، وتحديث التشريعات، وتفعيل آليات التدقيق الرقمي. فيما بذلت الكويت والبحرين وسلطنة عمان جهودًا ملموسة لتعزيز الحوكمة والشفافية من خلال تحديث التشريعات، وتفعيل الهيئات الرقابية، وتحسين عمليات المشتريات. تعكس هذه المبادرات إرادة سياسية قوية لبناء بيئة طيران عربية شفافة ومستقلة، تعزز ثقة المستثمرين والجمهور على حد سواء. إلى جانب ذلك، هناك العديد من الدول العربية الأخرى التي تبنت خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، ما يعكس توجهًا إقليميًا متزايدًا نحو تعزيز النزاهة والشفافية في قطاع الطيران المدني. مشروع المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني: رؤية إصلاحية مبتكرة (Air Integrity Arab Observatory – AIAO) انطلاقًا من الحاجة الملحة إلى آلية عربية تضمن المتابعة المؤسسية وتعزز الشفافية، وتوحيد المعايير تبرز مبادرة 'المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني " يُمثّل هذا المقترح آلية عربية مُتخصصة في رصد نزاهة قطاع الطيران المدني العربي، حيث تشير الأدلة إلى غياب أي آلية رقابية إقليمية متخصصة لرصد النزاهة والشفافية في قطاع الطيران المدني العربي، ما يبرز الفجوة الهيكلية في هذا القطاع. فالشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد (ACINET) - رغم دورها الرائد - تركّز على جهود عامة دون تخصيص قطاعي، كما أن مؤتمر نزاهة النقل العربي (عمّان 2025) اقتصر على التوصيات دون إنشاء هياكل عملية. يأتي هذا المرصد لسدّ هذه الفجوة عبر منهجية رقمية شاملة تُطبَّق لأول مرة على مستوى الإقليمي، مُستلهِمًا نجاحات بعض الدول العربية في هذا المجال، ومُبتكرًا آليات رصد غير مسبوقة في المحيط العربي." كأداة استراتيجية لرصد المخالفات، وتحفيز الإصلاح، وبناء منظومة حوكمة متكاملة على مستوى الوطن العربي. المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني (AIAO): هيئة رقابية عربية مستقلة، تهدف إلى كشف مظاهر اقتصاد الظل، وتعزيز الشفافية، وتحقيق الحوكمة المؤسسية في قطاع الطيران المدني، عبر آليات رقمية، وتقارير شفافية دورية، وشراكات دولية يخضع لولاية منظمة الطيران المدني العربية وجامعة الدول العربية، المهام المحورية للمرصد: 1. إعداد وإطلاق "المدونة العربية للنزاهة في الطيران المدني" كوثيقة مرجعية لأخلاقيات التعاقد والإفصاح وتضارب المصالح 2. رصد وتوثيق حالات الفساد والتشغيل غير القانوني، والممارسات الخفية في قطاع الطيران العربي. 3. تصنيف دوري للهيئات وفق مؤشرات النزاهة والحوكمة وإصدار تقارير شفافية دورية متاحة للرأي العام والجهات المختصة. 4. انشاء نظام تبليغ محمي وموثوق للمخالفات. 5. الرقابة على عقود الشراء والتراخيص وتصميم منصة إلكترونية عربية موحدة لإدارة المناقصات والعقود باستخدام تقنيات سلاسل الكتل لضمان الشفافية والتتبع. 6. بناء شراكات فنية مع منظمات دولية مثل منظمة الشفافية، بهدف نقل المعرفة وتطوير قدرات عربية في مجال الرقابة والوقاية من الفساد. 7. تنظيم مؤتمرات وورش تدريب إقليمية لرفع الوعي وبناء ثقافة مؤسسية قائمة على الشفافية والمساءلة. متطلبات النجاح: لضمان نجاح المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني، لا بد من توافر خمس ركائز رئيسية: دعم مؤسسي وسياسي قوي، استقلال مالي وإداري يضمن الحياد، شراكة رقابية مع المجتمع المدني والإعلام، اعتماد الرقمنة في التوثيق والمتابعة، وتوظيف كفاءات متخصصة. هذه المرتكزات تشكّل أساسًا لبناء بيئة طيران عربية شفافة ومحكومة بمعايير النزاهة والحوكمة الرشيدة. خطة تنفيذية لتفعيل المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني لضمان انطلاقة فعالة للمرصد، يمكن اعتماد خطة تنفيذية أولية تتضمن: 1. تشكيل لجنة عربية تمهيدية لإعداد الإطار التنظيمي. 2. تصميم منصة إلكترونية تجريبية للرصد والإبلاغ بالتعاون مع شركاء دوليين. 3. عقد مؤتمر إقليمي لإقرار "المدونة العربية للنزاهة" كمرجعية موحدة. 4. إطلاق مرحلة تجريبية في ثلاث دول عربية كنموذج أولي. 5. تقييم الأداء بعد عام تمهيدًا لتوسيع النطاق تدريجيًا. توصيات استراتيجية لمكافحة اقتصاد الظل وتعزيز النزاهة في قطاع الطيران المدني العربي 1. تضمين "مكافحة اقتصاد الظل" في سياسات وتشريعات الطيران العربي بآليات تنفيذ ورقابة فعالة. 2. تأسيس المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني كهيئة إقليمية مستقلة للتقييم والمساءلة. 3. إعداد المدونة العربية للنزاهة لتحديد معايير الشفافية وتضارب المصالح بشكل ملزم. 4. تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة في الطيران المدني – عبر الفصل الواضح بين الأدوار التنظيمية والتشغيلية، 5. ربط التمويل العربي والدولي بمستوى الالتزام بالحوكمة والشفافية. 6. إنشاء محاكم مختصة للفصل السريع في قضايا فساد الطيران وصفقات الظل. 7. تفعيل المرصد العربي الرقمي لمراقبة العمليات الجوية عبر منصة ذكية. 8. إطلاق صندوق إقليمي لدعم هذا المشروع. 9. تبني آليات صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبط بالقطاع. 10. سن قوانين لحماية المبلّغين عن الفساد وتوفير حوافز للإبلاغ. 11. تنفيذ حملات توعية لتعزيز ثقافة النزاهة ومخاطر اقتصاد الظل. خاتمة: الطيران بين اقتصاد الظل وأفق الإصلاح إن مستقبل الطيران المدني الدولي يتوقف على قدرتنا الجماعية في الحد من مظاهر الفساد وتعزيز الشفافية على كافة المستويات. ليس من المقبول أن يظل هذا القطاع رهينةً لاقتصاد موازٍ ينخر في أركانه من الداخل. وبالتالي يهدف هذا المقال إلى طرح رؤية عربية موحدة لتطوير قطاع الطيران المدني عبر تشريعات رادعة، ورقابة رقمية، وتعاون إقليمي فعّال. وفي هذا الإطار، يُقترح تأسيس "المرصد العربي للنزاهة في الطيران المدني" كهيئة مستقلة لرصد الشفافية وتعزيز التنافس في النزاهة، بما يدعم الثقة ويحدّ من الفساد واقتصاد الظل. بالنظر إلى ما تقدم، فإننا نثمِّن الجهود التي تبذلها المنظمة العربية للطيران المدني في دعم قضايا الطيران العربي ونوصي باعتماد هذه الورقة من قبل المنظمة ورفعها إلى مجلس وزراء النقل العرب كإطار مرجعي إصلاحي، يعزز السيادة العربية ويبني قطاعًا أكثر عدالة وكفاءة واستدامة. * مدير عام النقل الجوي - الجمهورية اليمنية دكتوراه في مجال اقتصاد وإدارة مؤسسات الطيران .


البورصة
منذ 4 أيام
- البورصة
الدكتورة ياسمين فؤاد.. رائدة الدبلوماسية البيئية وأول مصرية تقود اتفاقية أممية
بعد نحو سبع سنوات قضتها في منصبها وزيرة للبيئة، اختارت الدكتورة ياسمين فؤاد الانتقال من العمل البيئي الوطني إلى ساحة التأثير الدولي. وخلال أغسطس الحالي، تولت فؤاد منصب الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، لتصبح أول مصرية وعربية تتولى هذا المنصب الأممي الرفيع، خلفًا للموريتاني إبراهيم ثياو. بدأت فؤاد ، مسيرتها الوزارية في يونيو 2018، وظلت طوال السنوات السبع أحد أعمدة العمل البيئي في مصر والمنطقة، وقادت الوزارة خلال فترة شديدة الزخم، أبرزها تنظيم مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ، إذ لعبت دورًا تفاوضيًا حاسمًا في تأسيس 'صندوق الخسائر والأضرار' التاريخي. كما أطلقت مبادرة مصرية رائدة لدمج اتفاقيات ريو الثلاث: تغير المناخ، والتنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر. والشهر الماضي، تقدمت فؤاد باستقالتها من حكومة الدكتور مصطفى مدبولي ، بعد اختيارها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لتولي المنصب الجديد، في خطوة اعتبرها كثيرون تتويجًا طبيعيًا لدورها الفعّال في صياغة الاتفاقيات البيئية الدولية، وعلى رأسها الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020. وإلى جانب مناصبها الحكومية، جاءت فؤاد ضمن قائمة 'أكثر 10 قادة حكوميين تأثيرًا في تحقيق الاستدامة بالشرق الأوسط لعام 2024″، وفقًا لتصنيف 'فوربس الشرق الأوسط'، في إشارة إلى الثقة الإقليمية والدولية المتزايدة في قدراتها القيادية. وبينما تبدأ فؤاد مهمتها الجديدة على رأس 'اتفاقية مكافحة التصحر'، تواجه تحديات بيئية معقدة في ظل تصاعد وتيرة تدهور الأراضي ونُدرة الموارد، إلا أن خلفيتها العلمية ومهاراتها التفاوضية ومكانتها الدولية تجعلها مرشحة بقوة لقيادة مرحلة تحول نوعي في السياسات البيئية العالمية.