logo
زيارة ترامب إلى الخليج: شراكات منفصلة لا تؤسس بالضرورة لمركز جيوسياسي دولي

زيارة ترامب إلى الخليج: شراكات منفصلة لا تؤسس بالضرورة لمركز جيوسياسي دولي

بوست عربيمنذ 7 أيام

لا تؤسس جولة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأخيرة إلى الخليج، والتي شملت السعودية وقطر والإمارات، لحقبة "إعادة الاندماج الأمريكي في الشرق الأوسط"، بل على العكس، أكدت أن أمريكا لا تخطط للعودة إلى المنطقة بوصفها ضامناً، بل كمزاول أعمال يبحث عن صفقات سريعة، ويقيس قيمة الشراكة بعدد الوظائف لا بدرجة الولاء، دون الحديث عن ضمانات أو أحلاف جديدة.
ووفق تقرير نشره موقع " أسباب" للدراسات الجيوسياسية، فقد أشارت الزيارة إلى رؤية واشنطن للخليج باعتباره "محطة مركزية" في النظام العالمي الجديد القائم على التكنولوجيا والمال.
وأتاحت الصفقات الكبيرة التي عقدها ترامب مع الدول الثلاث ربط الاقتصاد الخليجي بالمنظومة الأمريكية، ما يقيّد من انفتاح دول الخليج على بكين وموسكو. في المقابل، فإن دول الخليج أكدت أنها تستثمر استراتيجياً في تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة، وتراهن على تطويرها كخيار دولي أساسي، لكن كشراكات منفصلة، وليس باعتبار الخليج مركزاً جيوسياسياً متكاملاً أو موحداً.
وأضاف تقرير "أسباب" أن ترامب تجاهل زيارة تل أبيب خلال جولته الخليجية، وأرسل رسالة واضحة أن مصالح بلاده تقتضي منطقة أكثر استقراراً، وهو ما يتعارض مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مواصلة حرب غزة وشن هجوم عسكري على إيران وتقويض الحكم الجديد في سوريا.
ومع هذا، لا ينبغي المبالغة في تقدير التباينات بين ترامب ونتنياهو، إذ تظل الولايات المتحدة حليف إسرائيل الموثوق، ويظل دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل لا يقبل الشك.
في 13 مايو/أيار 2025، عاد ترامب إلى الشرق الأوسط رئيساً للولايات المتحدة في ولاية ثانية، وسط تحولات عالمية متسارعة، وصعود للتعددية القطبية، وتراجع نسبي في الثقة بالسياسات الأمريكية. وجاءت الزيارة تحت شعار التعاون الاقتصادي، وحملت في طياتها أبعاداً أعمق: إعادة صياغة موازين النفوذ الإقليمية، وتكريس نهج المعاملة التجارية، وتأكيد أولويات واشنطن الإقليمية.
وهيمنت الصفقات الاقتصادية والعسكرية على الزيارة، بما يشمل استثمارات وتعاقدات سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وفي الدوحة، بلغت قيمة الاستثمارات والتعاقدات 1.2 تريليون دولار، بينما التزمت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار على مدى العقد القادم، تركز على الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والطاقة، والتصنيع.
وعلى المستوى السياسي، شهدت الزيارة قرارات أبرزها رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ولقاءً تاريخياً مع رئيسها أحمد الشرع. كما برزت دعوة ترامب لإيران للقبول بعرض أمريكي جديد بشأن برنامجها النووي، مع تحذيره من عواقب الرفض.
الأرقام الرئيسية للصفقات مبالغ فيها، في ظل رغبة الجانبين في إظهار مدى تعاونهما، كما أن كثيراً من الاتفاقيات عبارة عن مذكرات تفاهم ما زالت غير ملزمة. ومع هذا، فإن هذه الخطط في مجملها تعكس توجهاً استراتيجياً أمريكياً واضحاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية مع دول الخليج في مواجهة التنافس مع الصين وروسيا.
ترامب رجل الصفقات
منذ أن دخل ترامب المشهد السياسي، وهو يقدم نفسه كرجل صفقات لا كرجل مبادئ أو قيم ومعتقدات. وفي السياسة الخارجية، هذا يترجم إلى نهج براغماتي قائم على مبدأ المقابل المادي المباشر، وليس التحالفات طويلة الأمد. ولذا تختلف رؤية ترامب للعلاقات الدولية عن تقاليد السياسة الأمريكية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تنظر إلى العالم من خلال عدسة "الدور القيادي الأمريكي"، والشراكات المؤسسية المتعددة الأطراف، ونشر "القيم الأمريكية". فترامب يرى أن العالم سوق مفتوح، وأن الدول الأخرى زبائن محتملون.
عاد ترامب إلى البيت الأبيض محملاً بوعود بإنهاء الحروب، وتركيز السياسة الخارجية على الصفقات بدلاً من الالتزامات طويلة الأجل. ويأتي الشرق الأوسط ضمن هذه المقاربة الترامبية: تأثير بلا احتلال، وتحالفات وظيفية لا مؤسساتية. وتجلى هذا المنطق في زيارة ترامب للخليج. فالمعارك التي تخوضها واشنطن لم تعد ترتكز إلى مفاهيم من نوعية الالتزام بالأمن الجماعي للخليج، بل ترتكز إلى الربح المباشر.
ولذا، كانت الزيارة في الأساس صفقات استثمارية، تؤكد على نهج ترامب بأن "أمريكا قوية حين تتحالف مع من يملك المال والطموح، لا من يستهلك أمنها"، كما أنها تتيح ربط الاقتصاد الخليجي بالمنظومة الأمريكية، ما يقيّد من انفتاح دول الخليج على بكين وموسكو، ويثبت واشنطن كمصدر أول للثقل المالي والتكنولوجي.
بدأت جولة ترامب من الرياض، في مواصلة لاتجاه بدأه في ولايته الأولى، حين اختار الرياض كمحطة لزيارته الخارجية الأولى عام 2017. وعلى الرغم من أن السعودية هذه المرة جاءت كمحطة ضمن جولة أوسع، فإن الرياض ظلّت محوراً لزيارة ترامب للمنطقة. وقد استُقبل ترامب بحفاوة بالغة، وشهدت الزيارة الإعلان عن اتفاقيات استثمارية بقيمة 600 مليار دولار، وبالأخص صفقات تسلّح وتعاون تكنولوجي بقيمة 142 مليار دولار، واستثمار 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، وصفقة محتملة لبناء مفاعلات نووية مدنية بإشراف أمريكي جزئي.
وتسعى السعودية لبناء سياسة خارجية أكثر توازناً ومتعددة الأقطاب، لا تهمل موسكو أو بكين. ولذلك، فإن الرياض التي تنظر إلى العلاقة مع واشنطن باعتبارها ضمانة استراتيجية، فإنها أيضاً تسعى للاستفادة من فرصة التفاوض مع شريك لم يعد وحده في الساحة. ولذا جاء الرد السعودي فيما يخص التطبيع حذراً ومشروطاً: لا تطبيع دون مكاسب ملموسة للفلسطينيين، وضمانات أمنية حقيقية للسعودية. وعلى الرغم من تمسك الرياض بتطوير الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلا أنها تواصل بالتوازي تنويع علاقاتها الدولية، خاصة مع الصين وروسيا والهند.
وأرسلت الزيارة رسالة واضحة حول موقع السعودية في استراتيجية ترامب في المنطقة، وربما على الصعيد الدولي أيضاً، إذ يراهن على المملكة في قيادة المنطقة العربية، وفي التأسيس لتوازن نفوذ إقليمي مع كل من تركيا وإسرائيل، وربما أيضاً إيران إذا توصل لاتفاق معها.
وتؤكد مشاركة الرئيس التركي افتراضياً، وعقد المباحثات الجديدة مع روسيا في إسطنبول، أن ترامب يحتفظ لأنقرة بدور إقليمي واسع أيضاً. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تريد من حلفائها الثلاثة (تركيا والسعودية وإسرائيل) التفاهم حول سوريا وتحمل عبء مستقبلها دون صدام. وللمفارقة، فإن الرئيس السوري أيضاً يتبنى نفس النهج؛ إذ يسعى لشراكة استراتيجية مع السعودية يوازن بها شراكته الضرورية مع تركيا، وعقد تفاهمات شاملة مع تل أبيب تجنّب النظام الجديد الصدام معها.
ويتضح من ذلك أن واشنطن تراهن على الرياض ليس اقتصادياً فحسب، بل استراتيجياً أيضاً. فبالنظر إلى تقلبات المنطقة، تبرز الحاجة إلى هيكل أمني جديد يُخفف العبء الذي تحملته واشنطن لما يقرب من قرن.
قطر: شراكة متعددة الأبعاد
كانت الدوحة ثاني محطات ترامب الخليجية، فزار قاعدة العديد العسكرية، كما شهد توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ضخمة، وتعهدات بتبادل اقتصادي بين الولايات المتحدة وقطر بقيمة تصل إلى 1.2 تريليون دولار، ومن ضمنها اتفاقية لشراء 210 طائرات من طراز بوينغ بقيمة 96 مليار دولار، تُعد الأكبر في تاريخ الشركة، وصفقات دفاعية تشمل طائرات مسيّرة وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار بقيمة إجمالية تتجاوز 3 مليارات دولار، واستثمار 200 مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية التكنولوجية.
وحرص ترامب على الإشارة إلى الدور القطري في التوسط بين واشنطن وطهران، مما أبرز أهمية دور الدوحة كشريك دبلوماسي يلعب دوراً حيوياً في القنوات الخلفية المعقدة، فهي وسيط رئيسي في ملف غزة، ولديها علاقات مرنة مع إيران وروسيا وأفغانستان ولبنان وسوريا.
وبالنسبة للدوحة، فإن رغبة الإدارة الأمريكية في احتواء أزمات المنطقة تمثل فرصة؛ إذ ستكون الحاجة لجهود الوساطة ضرورية ومستمرة، مما يزيد من فرص قطر لتعزيز نفوذها الدبلوماسي، ومواصلة العمل عن قرب مع الولايات المتحدة.
الإمارات: البيانات بدلاً من النفط
في الإمارات، لا تدور الشراكة مع واشنطن حول الأمن مقابل النفط، بل تُبنى على تفاعل معقد بين التموضع الاقتصادي والانخراط التكنولوجي والأدوار الأمنية. فالإمارات لا تسعى إلى قيادة إقليمية بالمفهوم التقليدي، بل إلى تميز وظيفي يمنحها موقعاً لا يمكن تجاوزه في خرائط واشنطن الجديدة. وتقدم أبوظبي لترامب نموذجاً براغماتياً، تتقاطع فيه المصالح بهدوء. فالإمارات في هذا السياق لا تمثل عبئاً جيوسياسياً، بل أصلاً قابلاً للتداول: دولة صغيرة بحجمها، لكنها كبيرة بوظيفتها في المنظومة.
ومنذ سنوات، تقوم استراتيجية أبوظبي على بناء شبكات لوجستية وإعلامية ومالية تتجاوز حجم الدولة، مما يجعلها شريكاً مثالياً لإدارة ترامب، التي تقدّر الكفاءة والموارد والانضباط السياسي.
ولذا، لم تركز زيارة ترامب على زيادة التمركز العسكري الأمريكي في الإمارات، بل على تعزيز البنية التحتية للتعاون، خاصة الذكاء الاصطناعي، أمن الموانئ، إدارة سلاسل الإمداد. وضمن هذا السياق، أعلن الرئيس الإماراتي أن بلاده ستستثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة، تشمل شراكة لبناء أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة في أبوظبي، لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي بقدرة 5 جيجاوات. وهو ما يبرهن أن القواعد العسكرية التقليدية لم تعد وحدها محور العلاقة.
كذلك برز ملف العلاقات مع إسرائيل خلال الزيارة باعتباره نموذجاً لنجاح السياسة الأمريكية في ولاية ترامب الأولى. وبدا أن إدارة ترامب تنظر إلى الإمارات كحجر زاوية في مساعيها لتوسيع اتفاقات إبراهام، لا بوصفها مجرد طرف موقّع، بل كحاضنة قادرة على تقديم تغطية ناعمة لدول عربية أخرى قد تدخل لاحقاً في حلبة التطبيع.
ورغم جاذبية العلاقة مع إدارة ترامب، فإن السياسة الأمريكية مؤخراً تفتقر إلى الاتساق المؤسسي، وقد يجرّ هذا الإمارات إلى مواقف مفاجئة لا تتسق مع سلوكها الحذر. فبحكم موقعها كمحور لوجستي، تحرص الإمارات على التعاون مع الصين في مشاريع كبرى كالموانئ والسكك الحديدية والطاقة، لكنها في الوقت نفسه ستتعرض لضغوط أمريكية مستمرة لفك الارتباط التقني مع بكين. هذا التوازن مرهق، ويجعل من الشراكة مع واشنطن عبئاً في بعض الأحيان، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تتجاوب حتى الآن مع مساعي الإمارات للتوصل إلى اتفاق شراكة دفاعية ملزمة مع الولايات المتحدة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول عربية وإفريقية
ترامب يحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول عربية وإفريقية

أخبار السياحة

timeمنذ يوم واحد

  • أخبار السياحة

ترامب يحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول عربية وإفريقية

أفادت وسائل إعلام أمريكية، بأن الرئيس دونالد ترامب وقع أمرا تنفيذيا يحظر السفر من عدة دول إلى الولايات المتحدة بينها 4 دول عربية، مشيرا إلى مخاطر أمنية. وذكرت شبكة 'سي إن إن' الأمريكية، فجر اليوم الخميس، أن الحظر يقيد دخول مواطني 12 دولة بشكل كامل، وهي: أفغانستان، بورما، تشاد، الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. وأشارت إلى أن الرئيس ترامب سيفرض حظرًا جزئيًا على مواطني 7 دول، وهي: بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توجو، تركمانستان، وفنزويلا. ويتضمن الإجراء استثناءات للمقيمين الدائمين الشرعيين، وحاملي التأشيرات الحالية، وفئات معينة من التأشيرات، والأفراد الذين يخدم دخولهم المصالح الوطنية الأمريكية.

'عدو النخب الجامعية'.. كيف يؤدي عناد ترامب إلى هروب العقول وتدمير التعليم الجامعي؟
'عدو النخب الجامعية'.. كيف يؤدي عناد ترامب إلى هروب العقول وتدمير التعليم الجامعي؟

بوست عربي

timeمنذ 3 أيام

  • بوست عربي

'عدو النخب الجامعية'.. كيف يؤدي عناد ترامب إلى هروب العقول وتدمير التعليم الجامعي؟

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أطلق الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ما عُرف بـ"الثورة الثقافية"، تحت ذريعة القضاء على البرجوازية داخل الحزب الشيوعي. فأطلق الحرس الأحمر ليُشنّ حملةً شرسةً ضد النخبة الصينية، اعتدى على الأساتذة، ووضع قبعاتٍ على رؤوسهم، وأرسلهم إلى المزارع والمصانع للقيام بأعمالٍ شاقة. وبعد مرور عقود وتغير وجه الصين، خرج "تشن شياولو"، أحد أعضاء الحرس الأحمر سابقًا، في عام 2013 ليعتذر علنًا عن مشاركته في تلك الحقبة، واصفًا إياها بأنها "فترة لا تُحتمل، لكنها ستظل تطاردنا مدى الحياة". اليوم، في أمريكا، يرى كثيرون أن الرئيس دونالد ترامب يسير على نهج مشابه، لكن بأسلوب أمريكي. إذ أطلق العنان لإدارته لتشن حملة ضد التعليم العالي والأبحاث العلمية، بدعوى محاربة شرور النخبوية، كما جاء في مشروع "2025" وشعارات مثل "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا". ضمن هذه الحملة، قلّصت إدارته 800 مليون دولار من التمويل المخصص لجامعة جونز هوبكنز، ووجهت ضربة أقوى وأعرق الجامعات الأمريكية هارفارد، بخفض 2.6 مليار دولار من المنح البحثية الفيدرالية، ومحاولة منعها من تسجيل الطلاب الأجانب – (وهو القرار الذي أوقفه القضاء لاحقًا.) فهل نحن أمام حملة تدمير لأحد مصادر قوة أمريكا: جامعاتها ونخبها العلمية؟ وما العواقب الحقيقية لذلك على التعليم العالي في أمريكا؟ الباحثون يغادرون والمنافسون يتحركون لطالما جذبت الجامعات الأمريكية، وعلى رأسها جامعة جونز هوبكنز، نخبة العقول من مختلف أنحاء العالم، بفضل حرية البحث والتنوع الأكاديمي. هذا المناخ الفريد خلق ثروات تقدّر بتريليونات الدولارات، كما يصفه أولي مولر، عالم الأعصاب الذي ترك ألمانيا وجاء إلى الولايات المتحدة قبل عقود، بحثًا عن فرص البحث والاكتشاف الفريدة التي كانت توفرها أمريكا آنذاك. إذ يحكي مولر عن تجربته الأولى في أمريكا قائلاً إنه لم يشعر بالغربة، بل وجد ترحيباً وفر له بيئة لم يشعر أنه أجنبي. فبعد حصوله على الدكتوراه وعمله في معهد سويسري لبضع سنوات، اختار العودة إلى الولايات المتحدة لمواصلة مسيرته العلمية، وأصبح مواطناً أمريكياً. إذ يقول: "لقد وفرت لي أمريكا بيئة ديناميكية مكنتني من القيام بأشياء لم أستطع القيام بها في أي مكان آخر". لكن لا شيء في هذا العالم يدوم. فمع خفض إدارة ترامب تمويل الأبحاث لجامعة جونز هوبكنز وغيرها من الجامعات العريقة، يقول مولر إن كبار الباحثين الأوروبيين في الجامعة بدأوا يتلقون عروضاً مغرية من مؤسسات أجنبية. "هل أنا مغرٍ؟ بالتأكيد"، يقول مولر. "وإذا لم أعد قادرًا على العمل هنا، سأبحث عن مكان آخر". وهذا ليس كلام مولر وحده، إذ ترى العديد من التقارير الصحفية الأمريكية، أن الرابح الأكبر حالياً هو الصين. إذ تُنفق الصين مبالغ طائلة على الأبحاث، لا سيما في مجالي الذكاء الاصطناعي والطب الحيوي، وتسعى لجذب العقول التي يضيق عليها ترامب، فجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، على سبيل المثال، أعلنت مؤخراً عروضاً غير مشروطة، وإجراءات قبول مبسطة، ودعماً أكاديمياً مخصصاً لاستقطاب طلاب هارفارد الدوليين الذين تقطعت بهم السبل بسبب قرارات الإدارة الأمريكية. أوروبا أيضاً بدأت التحرك لاستغلال ما وصف بـ" حماقة ترامب"، إذ خصص الاتحاد الأوروبي نصف مليار دولار لإعادة استقطاب العلماء من أمريكا، وأعلنت جامعة فرنسية نفسها "ملاذاً آمناً للعلم" فور بدء الحملة الأمريكية ضد النخب الأكاديمية، كما بدأت دول عدة بوضع برامج خاصة لاستقطاب العلماء من الولايات المتحدة، مستغلة التضييق الذي فرضته إدارة ترامب على البيئة الأكاديمية. وترى العديد من التقارير، أن ترامب لا يكتفي بمهاجمة الجامعات فحسب، بل يستهدف النظام البيئي العلمي بأكمله. ووفقاً لمجلة ساينس العلمية، فإن ميزانيته الجديدة تتضمن تخفيضات هائلة تطال المؤسسات الأساسية للبحث العلمي: 37% من تمويل المعاهد الوطنية للصحة، أكثر من 50% من المؤسسة الوطنية للعلوم، و39% من مراكز السيطرة على الأمراض. حتى وكالة ناسا ستخسر 53% من تمويلها العلمي، بينما تُخفض ميزانية الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بنسبة 24%. وعند إعلان هذه الميزانية، علّق السيناتور جون أوسوف (ديمقراطي من جورجيا) قائلاً: "سندفع ثمن هذا، ليس فقط بأرواح الناس وحياة الأطفال الآن، بل سوف ندفع ثمن هذا لمدة قرن من الزمان". مجلة الإيكونوميست و ثقت بالفعل مؤشرات الضرر الناتج عن هذا "التطهير العلمي". وبالاستناد إلى بيانات من سبرينغر نيتشر، أفادت المجلة بأن طلبات التوظيف المقدمة من باحثين أمريكيين للعمل في الخارج ارتفعت بنسبة 32% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالعام السابق. كما أظهر استطلاع شمل 1200 باحث أمريكي أن 75% منهم يفكرون جديًا في مغادرة وظائفهم داخل الولايات المتحدة. حرب ترامب على الطلاب الأجانب تهدد مستقبل كل الجامعات الأميريكية وفي مقال آخر لمجلة الإيكونوميست، أشارت إلى أن القرار الحكومي بإيقاف مقابلات التأشيرات الجديدة للطلاب الأجانب، بغض النظر عن مكان دراستهم، له تأثير أوسع نطاقاً على أمريكا نفسها. فإلى جانب الضرر الذي يُلحقه هذا القرار بسمعة أمريكا وبراعتها البحثية، قد يسفر عبث ترامب بالجامعات الأمريكية عن آثار أوسع بكثير مما كان يأمل، وتوضح المجلة الصورة من زاوية مختلفة، حيث توضح صورة أوسع لأزمة التعليم العالي في أمريكا، والتي بدأت قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فالجامعات – خاصةً الخاصة منها – كانت تواجه صعوبات مالية متراكمة نتيجة تراجع الإقبال على التعليم الجامعي. فقد انخفضت نسبة خريجي الثانوية الذين يلتحقون بالجامعات مباشرة من نحو 70% عام 2016 إلى 62% في 2022، فيما تشير بيانات وكالة "موديز" إلى أن ثلث الجامعات الخاصة وخُمس الجامعات الحكومية تعاني من عجز مالي. وترى المجلة أن التغيير الديموغرافي الوشيك سيزيد الطين بلة. فبحسب تقديرات، سينخفض عدد خريجي الثانوية في أمريكا بنسبة 6% بحلول 2030، و13% بحلول 2041، مع تركز الانخفاض في مناطق الشمال الشرقي والغرب الأوسط – حيث تكثر الجامعات. ويبلغ عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية نحو مليون طالب، وهو ما يعادل ضعف العدد المسجل في عام 2000 تقريباً. ورغم أنهم لا يشكلون حلاً جذرياً للأزمة، إلا أنهم يقدمون دعماً مالياً ملموساً، خصوصاً من خلال الرسوم المرتفعة التي يسددونها. ففي بعض الجامعات الحكومية، يدفع الطالب الأجنبي ما يصل إلى ثلاثة أضعاف ما يدفعه الطالب المحلي، مما يجعلهم مصدر دخل حيوي للعديد من المؤسسات التعليمية، خاصة تلك التي تعاني من تقلص التمويل الحكومي. ورغم ذلك، لا يشكلون سوى 6% من إجمالي طلاب الجامعات الأمريكية، مقارنةً بأكثر من 25% في بريطانيا وكندا وأستراليا. وبحسب المجلة، فالأسوأ أن التوقعات لا تشير إلى نمو قادم في أعدادهم، بل إلى احتمال تراجع حاد، خصوصاً مع القيود التي تفرضها السياسات الأمريكية الأخيرة وتزايد استغلال الفرص من باقي الدول. وتعكس تجربة بريطانيا جزءاً من هذا الخطر، حيث أدت تغييرات في قوانين التأشيرات مؤخراً إلى انخفاض كبير في أعداد الطلاب الأجانب، ما دفع نحو 40% من جامعاتها العام الماضي إلى توقع عجز في ميزانياتها التشغيلية. ويحذر التقرير من أن الجامعات الأقل شهرة – والتي تعتمد بشكل كبير على الطلاب الأجانب لتعويض ضعف الدعم الحكومي – ستكون الأكثر عرضة للضرر، خلافاً للمؤسسات المرموقة مثل هارفارد وكولومبيا التي تملك مصادر تمويل متنوعة وقدرة على التكيف، وربما زيادة إيراداتها من خلال جذب الأمريكيين ذوي الرواتب العالية من خارج الولاية. أما الجامعات المتوسطة والصغيرة، فقد تجد نفسها في وضع مالي حرج، خصوصاً إن استمرت الجامعات الكبرى في استقطاب النسبة الأكبر من الطلاب المحليين والدوليين على حد سواء.

'رشاوى' إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة
'رشاوى' إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة

بوست عربي

timeمنذ 3 أيام

  • بوست عربي

'رشاوى' إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة

بصورة لافتة، وتوقيت مثير، صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة جديدة قدمها وزيرا الخارجية غدعون ساعر، وشؤون القدس الحاخام مائير بوروش، تهدف إلى تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أو افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة فيها. تشمل الخطة تخصيص ميزانيات بملايين الدولارات، وتقديم سلة حوافز للدول المعنية، تتضمن مساعدات مالية لتغطية تكاليف بناء أو نقل السفارات، بجانب تسهيلات تخطيطية وسكنية، في محاولة لخلق بيئة دبلوماسية تشجع على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يأتي هذا في وقت تشهد فيه عدد من دول العالم، وخصوصاً الدول الأوروبية، انتقادات كبيرة وغير معتادة تجاه سياسات إسرائيل بشأن الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف. كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد أكد في معرض تقديم خطته للحكومة أنها "تمثل إضافة مهمة للجهود الدبلوماسية التي يقودها"، بينما اعتبر بوروش أنها "تأتي في إطار تعزيز مكانة القدس على الساحة الدولية"، ولذلك تضمنت خطتهما تشجيع اللقاءات السياسية واستقبال الوفود الدبلوماسية في القدس المحتلة. مع العلم أن الخطة تأتي ضمن عملية واسعة تتضمن تعبئة متعددة السنوات من جانب الحكومة وجميع الوزارات ذات الصلة، لدعم وتشجيع البلدان في جميع أنحاء العالم على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وتقديم المساعدة للمهتمة منها بتعزيز هذه العملية. وقد تم تخصيص ميزانية بستة ملايين شيكل، قرابة مليوني دولار، على مدى السنوات الثلاث المقبلة. تزامن الإعلان عن هذه الخطة مع تطورين لافتين: أولهما، اختيار الحكومة الإسرائيلية بلدة سلوان الفلسطينية في شرقي القدس المحتلة مكاناً لجلستها الأسبوعية قبل أيام، في الذكرى الـ58 لاحتلال المدينة، في خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرتها عليها، وعدم التفريق بين شقّيها الشرقي والغربي. وثانيهما، إعلان التشيك، أكثر أصدقاء إسرائيل في أوروبا، عن إرجاء نقل سفارتها إلى القدس المحتلة إلى ما اعتبرته "الوقت المناسب". تشارك في هذه الخطة الحكومية وزارات: الخارجية، القدس، المالية، التخطيط، وهيئات أخرى، بحيث تحظى أي دولة تبدي اهتمامها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس بدعم وثيق، وإزالة الحواجز اللوجستية والتخطيطية، وسط حديث عن تخصيص الحكومة قطعة أرض كبيرة لتشييد مقار السفارات وإقامة الدبلوماسيين الأجانب قرب قرية المالحة جنوب غربي القدس. أكثر من ذلك، فمن المقرّر أن يشهد مقر الكنيست في الأيام القليلة القادمة حفلاً لشكر الدول التي اعترفت بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، أو نقلت سفاراتها إليها، بمبادرة من مركز السياسات التطبيقية في القدس المحتلة، وعضو الكنيست دان إيلوز، رئيس "اللوبي البرلماني من أجل القدس"، وتُوُقِّع أن يشارك في الحفل عدد من السفراء والدبلوماسيين، وعلى رأسهم السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي، ورئيس الكنيست، ووزراء في الحكومة، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية استندت هذه الخطة الاسرائيلية لتعديل في القانون الأساسي بشأن القدس، ودخل حيّز التنفيذ في أكتوبر 2024، ونص على أن إسرائيل ستشجع إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس فقط، وبالتالي فقد جاءت الخطة الحكومية لاتخاذ القرارات، وترسيخ جهودها من منظور مالي ولوجستي، وتمكين الحكومة من مرافقة عمليات انتقال السفارات الأجنبية بشكل منهجي. مع العلم أن الكنيست أصدر قانوناً بضم القدس لإسرائيل بعد أسابيع على احتلالها عام 1967، وأتبعه في عام 1980 بقانون آخر يقضي بأن تكون القدس الموحدة ، بشقيها الشرقي والغربي، وبناءً عليه تم تحديدها مكاناً لإقامات رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، بزعم أنها عاصمة إسرائيل. لكن هذه الخطوة غير القانونية استدعت رفضاً واسعاً من معظم دول العالم، وأصدر مجلس الأمن الدولي بعد أسابيع قراره رقم 478 الرافض للقانون الإسرائيلي، باعتباره غير شرعي، وطالب الدول الـ13 التي لها سفارات في القدس بنقلها إلى تل أبيب، وقد استجابت له. مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيه اسرائيل عن خطط لتشجيع دول العالم على نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فقد سبق لوزير الخارجية السابق، وزير الحرب الحالي، يسرائيل كاتس، أن عرض خطته على الحكومة، بزعم أن هذه الهدف استراتيجي وسياسي ووطني، ورصد لها 50 مليون شاقل كدعم للدول التي ستوافق على هذه الخطة، حيث سيتم دفع هذه الأموال كتكاليف لنقل سفارة أي دولة، كما شملت الخطة السابقة مساعدة إسرائيل لهذه الدول بشتى المجالات. خارطة السفارات والممثليات الأجنبية في المدينة المقدسة تجدر الإشارة أن هناك ست دول فقط لديها سفارات في القدس المحتلة، وهي: الولايات المتحدة، غواتيمالا، كوسوفو، هندوراس، باراغواي، وبابوا غينيا الجديدة، فيما تُجري إسرائيل اتصالات سرية حاليا مع عدد من الدول بهذا الشأن استمرارا للجهود السياسية التي يقودها ساعر للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. في الوقت ذاته، هناك العديد من الممثليات القنصلية للعديد من الدول في القدس المحتلة، سواء في قسمها الشرقي لخدمة المصالح الفلسطينية مثل إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، وهذه يعارضها الاحتلال بزعم أنها تعترف بهذا القسم عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، أو الغربي مثل التشيك التي أنشأت سفارة فرعية فيها كخطوة تمهيدية لإنشاء سفارة كاملة، وتحتفظ المجر بمكتب تجاري، وكذلك يوجد لهولندا مكتب علمي يحظى بمكانة دبلوماسية، أما الإكوادور فقد افتتحت فرعا لوزارة الابتكار في القدس المحتلة. أما الدول التي أعلنت عن نيتها نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فهي أوكرانيا، بنما، رومانيا، سلوفاكيا، البرازيل أثناء حقبة الرئيس السابق إدواردو بولسونارو، الفلبين، أوغندا، مولدوفيا، جورجيا، صربيا، مالاوي، الدومينيكان، غينيا الاستوائية، سورينام، سيراليون، الكونغو الديمقراطية، الأرجنتين، فيجي. لعل نظرة فاحصة الى الدول التي أقامت سفاراتها في القدس المحتلة، أو أنشأت مكاتب فرعية لوزاراتها فيها، أو تلك التي تنوي القيام بذلك، تكشف أننا أمام دول هامشية من العالم، ليست ذات تأثير البتة على الخارطة السياسية والدبلوماسية، مما يكشف فشلا اسرائيليا في استقطاب دول وعواصم مؤثرة للانضمام إليها. لا يقتصر الأمر على نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة فقط، بل إن الأحزاب الصهيونية الشريكة في الائتلاف اليميني في تل أبيب، اعتزمت نقل عدد من مقار وزاراتها إلى شرقي القدس المحتلة، وهو الجزء ذو الأغلبية الفلسطينية، فيما بات الوزراء الـ32 يفكرون في النهج ذاته، في محاولة لتهويد ما تبقى من المدينة، وتشجيع باقي المؤسسات الدولية على إنشاء فروع لها فيها، باعتبار أنه اعتراف ضمني بها عاصمة لإسرائيل. إخفاقات دبلوماسية وانتكاسات سياسية لا تخفي اسرائيل أنها تلقي بثقلها الدبلوماسي لدى عدد من الدول الأجنبية "الصديقة" لها حول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، ومنها بريطانيا التي أعلنت رئيسة حكومتها السابقة ليز تراس إبان ولايتها القصيرة عن تفكيرها بهذه الخطوة في محاكاة لخطوة ترامب، لكن الأوساط الدبلوماسية الاسرائيلية حذرت في حينه من الفرح السابق لأوانه، لأن فرص نقل لندن لسفارتها إلى القدس ضئيلة للغاية، فلديها مصالح كبيرة في العالم العربي والإسلامي، ومثل هذه الخطوة قد تضر بها بشكل خطير، مما شكّل مصدر إحباط اسرائيلي. كما أن استراليا التي تحوز على علاقات دبلوماسية وثيقة مع اسرائيل، وجهت لها صفعة لم تستفق منها بعد تمثلت بقرارها المفاجئ بإلغاء اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لها، مما شكل انتكاسة سياسية ودبلوماسية مع من اعتبرتها الى عهد قريب أكثر الدول صداقة لها في جنوب شرق آسيا، ووضع علامات استفهام حول عدم تنبؤ المحافل السياسية الإسرائيلية لمثل هذا القرار قبل وقت كافي، رغم وجود سيل كبير من التساؤلات والشكوك حول هذا التغير الانقلابي في السياسة الأسترالية تجاه إسرائيل، بعد سنوات من صداقتهما تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون. ولم يتردد الإسرائيليون بوصف الخطوة الأسترالية بأنها "خيانة كاملة، وطعنة بالسكين في قلب الدولة اليهودية"، وتشكل إضرارا بشدة بالثقة بين ما كانا يعتبران حليفين تقليديين، بعد قرار الحكومة السابقة الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل. ورغم ما بين اسرائيل والتشيك من علاقات وثيقة، لكن الأوساط السياسية والدبلوماسية في تل أبيب شعرت بحالة من الإحباط عقب عدم نقلها لسفارتها للقدس المحتلة، بسبب صعوبات بتنفيذ هذه الخطوة تتعلق بقلّة الدعم في الائتلاف الحكومي، والضغط الذي تواجهه من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد عليها براغ كثيرا في السياسات ضد روسيا وأزمة الطاقة وقضايا أخرى، فضلا عن تعارض هذه الخطوة التي فشلت مع الرأي العام الأوروبي. أما ألمانيا ، أكثر الدول الأوروبية دفاعا عن اسرائيل، فقد تسبب موضوع القدس بتوتّر في علاقاتهما، حين رفض دبلوماسيوها مؤخرا أخذ صور تذكارية فيما تبدو خلفهم أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، باعتبارها أرضا محتلة، مما أثار غضب وزارة الخارجية الاسرائيلية، التي كشفت أن الآونة الأخيرة شهدت وقوع عدة حوادث محرجة تبين من خلالها أن هناك توصية ألمانية، بعدم إدراج المواقع الفلسطينية المحتلة في الصور الرسمية للعاملين في السلك الدبلوماسي. ونصحت السفارة الألمانية في تل أبيب الوفود الرسمية التي تزور القدس المحتلة باتباع موقف الحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بوضع شرقي القدس المستند للقانون الدولي، مما كشف عن قلق اسرائيلي حقيقي من عدم اعتراف دول العالم، بما فيها القريبة منها بالأمر الواقع الذي تسعى لفرضه في القدس المحتلة، الأمر الذي من شأنه إعاقة جهودها بإقناعها بنقل سفارتهم من تل أبيب الى القدس المحتلة، مما يشكل مصدر خيبة أمل كبيرة. الغريب أن اسرائيل، وبعد أن فشلت في تحشيد دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، لجأت الى أسلوب "رخيص" غير معهود في العلاقات الدولية ويتمثل في تقديم "رشاوى مالية" لهذه الدول، مما يكشف عن هبوط مدوّي في سلوكها السياسي والدبلوماسي، عقب الإخفاق القانوني والسياسي في هذه المطالبات، رغم علمها الأكيد ان رفض دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة ليس لأسباب مالية، بل لدوافع قانونية وسياسية، وبالتالي فلا تبدو هذه الدول مستعدة لمواجهة المجتمع الدولي مقابل عدة آلاف من الدولارات لتكاليف إدارية ولوجستية. على عكس المواقف الأوروبية الرسمية الرافضة لأي تغيير اسرائيلي في وضع القدس المحتلة، وعدم الاستجابة لأي دعوة لنقل سفاراتها اليها، لكن الموقف الشاذ الذي اتخذته المجر جاء لافتا، في ظل العلاقات الوثيقة بين رئيس حكومتها فيكتور أوربان ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب تردد معلومات مؤخرا حول إمكانية نقل سفارتها للقدس المحتلة، رغم أن الأوساط المجرية نفت هذا الاحتمال، دون استبعاده، مع استمرار المحادثات بشأن الخطوة. تدرك إسرائيل جيدا أن نقل السفارة المجرية الى القدس المحتلة، إن نُفِّذت، فستكون خطوة دراماتيكية، وستثير غضبًا كبيرًا في الاتحاد الأوروبي، مما زاد من إحباط تل أبيب التي قدرت أنه إذا تم التوصل لمثل هذا الاتفاق، فقد يتم نقل السفارة على مدى فترة زمنية طويلة، لأننا سنكون أمام أول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك، في خطوة ستسبب قدرًا كبيرًا من الغضب في بروكسل والدول الأوروبية الأخرى التي أعلنت عدم الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. مع العلم أن أوربان ونتنياهو لا يتوقفان أبدًا عن إغراق بعضهما بالمجاملات، وفي كل فرصة تساهم العلاقة الشخصية بزيادة علاقاتهما، وآخرها زيارة الأخير الى المجر في ظل المقاطعة الدولية له، ومزاعمه بأنها تقود توجهاً أوروبياً لتغيير الموقف من القدس المحتلة. في الوقت ذاته، بدا واضحا منذ استلام الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل أن لديها توجهاً بعقد الفعاليات الدولية في القدس المحتلة، بزعم تجسيد ادعاءاتها فيها، وآخرها المؤتمر السنوي لأعضاء تحالف الأحزاب اليمينية ECR الذي يمثل المحافظين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي، حيث يشغل حزب الليكود اليميني عضوية فيه. وخلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الرسمي الذي يقضي بأن القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، ولا ينبغي عقد مؤتمرات رسمية فيها، فقد قرر أعضاء التحالف اليميني القدوم إليها، والاعتراف بها عاصمة للاحتلال بحكم الأمر الواقع، رغم أن أي دولة أوروبية لم تنقل حتى الآن سفارتها للمدينة المقدسة. يدور الحديث عن تحالف يميني تترأسه رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، ويضم 66 عضوا من 14 حزبا حول العالم، ونجح أعضاؤه بدعم عدد غير قليل من القرارات لصالح إسرائيل في البرلمان الأوروبي، وتظهر البيانات أنهم صوّتوا في أغلب الأحيان لصالحها، وقد أرسل نتنياهو طلبًا لنظيرته في روما للنظر في نقل سفارتها للقدس المحتلة، دون تلقي رد إيجابي. عديدة هي المصالح السياسية التي تربط اسرائيل مع اليمين العالمي بشكل عام، وهي تسعى لاستغلال قواسمهما المشتركة في تعزيز مطالبها بنقل سفارات الحكومات اليمينية للقدس المحتلة، وهو ما حصل مثلا مع هندوراس في أمريكا الوسطى، حيث استغلت وصول رئيسها السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، ذو التوجهات اليمينية، وذو التاريخ الطويل في تأييد اسرائيل، لإقناعه بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما حصل فعلا، وقابلت إسرائيل هذه الخطوة بإعادة فتح سفارتها في تيغوسيغالبا العاصمة بعد إغلاقها عام 1995 بسبب التخفيضات المالية في وزارة الخارجية. استغلال حاجات الدول الفقيرة، وابتزازها غير الأخلاقي وفي الوقت الذي يتعارض فيه انعقاد هذا المؤتمر اليميني الاوروبي مع الموقف الرسمي للاتحاد الاوروبي الذي أدان ضم اسرائيل لمدينة القدس المحتلة، وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل الموحدة"، فقد كشف النقاب عن صدور تقرير سرّي كتبه 21 سفيرا ودبلوماسيا أوروبيا يعملون في الأراضي الفلسطينية، يعلنون فيه معارضتهم المطلقة للخطة الإسرائيلية لتغيير مكانة القدس المحتلة. يظهر التركيز الاسرائيلي في الخطة الحالية موجه بالأساس الى الدول الفقيرة، لاسيما الأفريقية منها، ذات الإمكانيات المالية المتواضعة، لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرائيل، وتبذل معها منذ سنوات جهودا لتحشيدها بجانبها عند التصويت في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مقابل ما تقدمه لها من مساعدات في العديد من القضايا، بما فيها الزراعة والسياحة ومواجهة الجفاف، والعمل على اختراق القارة من خلال مشاريعها الاقتصادية، والتنسيق الأمني مع دولها، وإمدادها بالأسلحة والوسائل القتالية. مع العلم أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تضع نصب عينيها هدفا مُفضّلا في بحثها عن تطوير علاقاتها مع العديد من دول العالم، لاسيما النائية، وذات الموارد المحدودة، يتمثل بتعزيز مكاتبها التمثيلية في القدس المحتلة، وصولا لإقامة السفارات الكاملة، من باب تثبيت الأمر الواقع، وترسيخ القرار الظالم الذي اتخذه ترامب في 2018، وحثّ الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاتباع النهج ذاته، حيث تستغل إسرائيل حاجتها المادية والاقتصادية لابتزازها في نقل سفاراتها للمدينة. رغم الهالة الدعائية التي أحاطت بالخطة الإسرائيلية لتحفيز نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة، لكن التقديرات الاسرائيلية لا ترى فيها نجاحا سياسيا أو دبلوماسيا، على العكس من ذلك، بل تشير الى حجم الأزمة الدولية التي تعيشها اسرائيل، عقب تصاعد الانتقادات العالمية لجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، وفي الوقت ذاته صدور العديد من قرارات مقاطعتها، وبدء إجراءات عزلها، وتجميد العديد من الاتفاقيات التي تربطها مع عشرات الدول حول العالم. لا تخفي محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية أن هذه الخطة إنما أتت عقب فتور العديد من أصدقاء اسرائيل من التفاعل مع خطوة ترامب السابقة بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مما يعني إخفاقا اسرائيليا لا تخطئه العين في ترجمة هذه الخطوة على أرض الواقع بانضمام المزيد من الدول اليها، بل إن ما تواجهه اسرائيل اليوم من نبذٍ لها، وإقصاءٍ من العديد من المحافل الدولية، يجعل أحاديثها عن تشجيع الدول لنقل سفارتها الى القدس المحتلة تعبير عن انفصال تام عن الواقع، وإنكار للحقائق السياسية الماثلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store