logo
مسؤول دولي: الواقع الإنساني يتدهور بأفغانستان وعودة اللاجئين تدق ناقوس الخطر

مسؤول دولي: الواقع الإنساني يتدهور بأفغانستان وعودة اللاجئين تدق ناقوس الخطر

الجزيرةمنذ 3 أيام
حذّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان ، وذلك بسبب عدم قدرة السلطات الأفغانية والمؤسسات الإنسانية على استيعاب الأعداد الضخمة من اللاجئين العائدين إلى بلادهم، والذين تجاوز عددهم مليونين خلال 18 شهرا.
ودعا إسكندر ميثيو مدير الاتحاد في منطقة آسيا والمحيط الهادي المنظمات الدولية والإنسانية إلى التعامل مع جذور المشكلة بتأهيل المناطق التي يعود إليها اللاجئون وتوفير فرص العمل والعيش الكريم لهم. وحذّر من هجرة جديدة بسبب القحط وانعدام الأمن الغذائي وضعف البنية الأساسية للبلاد.
الجزيرة نت التقت المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، للاطلاع على تداعيات العودة المفاجئة والضخمة للاجئين الأفغان.
ما تقييمكم للوضع الإنساني في أفغانستان؟
شكرا لاستضافتي، الوضع في أفغانستان عموما يتدهور من المنظور الإنساني، وذلك على الرغم من التقديرات التي تفيد بأن الوضع الأمني أفضل بكثير مما كان متوقعا، وأن معظم الأفغان يعيشون بأمن وسلام مقارنة بما كان عليه الحال خلال السنوات العشر أو العشرين الماضية.
أما فيما يتعلق بالحصول على الاحتياجات الأساسية من ماء وغذاء وفرص عمل فإن الوضع يتدهور إلى حد كبير، وعندما نقارن الواقع بما يتوقعه الناس وهم في طريق عودتهم من إيران وباكستان فإننا نجد أنفسنا نواجه وضعا حرجا للغاية.
السبب الرئيسي للأزمة الإنسانية هو الصراع المتواصل منذ أكثر من 40 عاما، والتهجير ونقص التنمية، بالإضافة إلى الظروف الطبيعية مثل الجفاف والقحط المتواصل، خاصة إذا علمنا أن الغالبية الساحقة من الأفغان يعتمدون في حياتهم على الزراعة، وأكثر من 80% من الأراضي الزراعية تعتمد على الري، ولا يمكن استمرار الاقتصاد مع نقص المياه وقلة الأمطار، وهو ما لم يحدث من قبل.
وعلى سبيل المثال، العائدون مؤخرا من إيران إلى ولاية هرات يتجهون إلى مناطق تلقت هذا العام أقل من 50% من كميات الأمطار المعتادة، وهذه حالة أصبحت مزمنة.
لذلك فإن قسما من الأزمة الإنسانية يعود لأسباب طبيعية والجزء الآخر من فعل الإنسان، بالإضافة إلى عوامل كثيرة أسهمت في هذه الأزمة، مع الأخذ بالاعتبار أن 40 سنة من الصراع وانعدام التنمية تسببا بتراجع وسائل الحياة والعيش الكريم.
هل أنتم راضون عن تفاعل المجتمع الدولي وتجاوبه، خاصة وكالات الإغاثة الإنسانية وتحمّلها مسؤوليتها؟
إذا اطلعتم على حجم التجاوب منذ تغيير الحكومة عام 2021، فلا يمكن إنكار وجود استثمار إنساني، وقد أُنفقت أموال كثيرة في أفغانستان، لكن السؤال: هل هذه الأموال مناسبة؟ لأن المعايير التي توضع للإنفاق الإنساني مخصصة للإغاثة العاجلة ولا تخدم التنمية المستدامة.
يمكن لطرود الطعام أن تساعد الناس على تجاوز احتياجاتهم العاجلة، وهناك عيادات كثيرة استمرت بالعمل رغم نقص التمويل، والمساعدات الإنسانية مفيدة مهما كان حجمها، لكن الاحتياجات الأساسية تتركز في المياه والعمل وبعث الأمل في المستقبل.
والاحتياجات الأساسية ليست لمجرد الحياة وإنما للعيش بكرامة، ولا يمكن أن يتحقق هذا من خلال الطرود الغذائية والمساعدات العاجلة فحسب، فقد صرفت 7 ملايين دولار على المساعدات الإنسانية خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا ليس مبلغا قليلا، وهناك مبالغ أقل لعام 2025 ونتوقع مبلغا أقل منه عام 2026.
ونتيجة لسياسة الاستثمار الإنساني في الطوارئ، فإننا لا نراه في مشاريع لري المزارع وتوفير فرص العمل والتعليم والعيش الكريم، وهي التي تجعل الناس يمكثون في مناطقهم وتمنحهم أملا في المستقبل، وهو ما تفتقد إليه سياسات الاستثمار الإنساني العاجلة.
والسبب في هذا النقص يتعلق بالشروط المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان حاليا، وقد يكون ذلك متفهما، لكن نتيجة هذه الاشتراطات تضر بشكل كبير بحياة الناس الأكثر احتياجا للدعم التنموي.
معالجة قضية اللاجئين الأفغان لم تعد تحتل الأولوية في سياسة الدول، ما الذي حدث؟
أعداد غير معهودة من اللاجئين تعود لأفغانستان، ومن المعلوم أن الهجرة من أفغانستان كانت بسبب الصراع، ومؤخرا بسبب التغير المناخي، وهذه العوامل تسببت في نزوح كثيرين إلى شتى بقاع العالم.
وما يزال ملايين الأفغان يعيشون في باكستان وإيران، وما رأيناه خلال 18 شهرا الأخيرة هو عودة سريعة وضخمة للأفغان الذين قضى بعضهم عقودا في دول الجوار، وكانوا قد لجؤوا إليها إما بحثا عن الأمان أو لظروف حياة أفضل، وقد طُلب منهم المغادرة، فتسبب ذلك بالعودة بأرقام ضخمة ومفاجئة.
ولكي نضع الأمر في سياقه، ارتفعت الأصوات في بريطانيا مثلا بشأن التحديات التي تفرضها أعداد القادمين إلى البلاد في القوارب، وقد وصل عددهم خلال 12 شهرا ماضية إلى 30 ألفا، لكننا نرى أن هذا العدد يصل إلى أفغانستان في يوم واحد فقط كما حدث في 3 و4 يوليو/تموز 2025 من إيران إلى أفغانستان، ومعدل العائدين يوميا في الوقت الحالي هو 20 ألفا.
وإذا ما رجعنا إلى عام 2017 فقد تسببت هجرة 750 ألفا من الروهينغيا من ميانمار إلى بنغلاديش بصدمة عالمية، وطبيعي أن يكون ذلك حدثا دراميا، لأنه يعني أن سكان مدينة صغيرة عبروا الحدود خلال أسابيع، ولكن في المقابل نرى أن 3 أضعاف هذا العدد عبر الحدود من باكستان وإيران خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، وهذه عملية تاريخية لإعادة التوطين.
هذا ليس التحدّي الوحيد، فهم يعودون إلى بلاد تنقصها الاحتياجات الأساسية للعيش، ولا أقول العيش بكرامة بل العيش فقط، فالناس غادروا قراهم بسبب نقص المياه التي تمكّنهم من العمل في الحقول، والآن يعودون إلى تلك القرى وهي تواجه نقصا حادا في الأساسيات، وهذا تحدّ خطير.
ما دور الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر؟
ليس أقل من أي دور يمكن أن تقوم به مؤسسة إنسانية، وما يمكنك مشاهدته في معبر "إسلام قلعة" على الحدود الإيرانية الأفغانية هو أناس يأتون بأعداد كبيرة على شاحنات وحافلات وعربات، يراوح عددهم بين 10 إلى 20 ألفا يوميا، وأحيانا أكثر، ويحملون معهم ما سمح لهم بحمله، في حقيبة واحدة أو اثنتين، يصلون جوعى وعطشى وغير واثقين بمستقبلهم، وكثير منهم بحاجة إلى علاج.
وفي هذه النقطة يقوم الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بتقديم وجبات غذائية، ونشرنا فرق دعم طبي واجتماعي، ومساعدات أخرى تتعلق بالاحتياجات الأساسية لإنقاذ الحياة، والحقيقة هي أن التحديات أكبر بكثير من الإمكانات، وعلينا أن نركز جهودنا على ما بعد الساعات 48 الأولى من وصولهم.
بالتأكيد لا يمكن للاتحاد القيام بجميع الأعباء ولا بد من تعاون دولي، أو لنقل تحالفا دوليا إنسانيا للتعامل مع تدفق اللاجئين العائدين من إيران وباكستان، ما قولكم؟
نتعاون مع عدد من الوكالات الدولية، ونتواصل مع الحكومات في مختلف أنحاء العالم للحصول على دعم، ولكن لا يوجد تجاوب جيد في التمويل. وما يقلقني ليس نقص التمويل، ولكن هو أن جميع ما لدينا ينفد على الحدود، والساعات الـ48 الأولى صعبة جدا حيث الحاجة ماسّة جدا.
فإذا ما غادرت مجموعة سكانية قرية في هرات قبل 4 سنوات باتجاه إيران بسبب القحط المستمر ونضوب الآبار الجوفية، فإنها تعود لتواجه المشكلة نفسها، وهذه ليست عودة مستقرة ما لم ينتفِ السبب الذي دفعهم إلى المغادرة.
وقد يتسبب ذلك بإجبار الناس على الرحيل ثانية، والسيناريو الأسوأ هو التوجه إلى المدن التي تواجه أيضا التحديات ذاتها؛ فنصف الآبار السطحية في كابل جفت، ويتوقع أن تجف الآبار المتبقية خلال 10 سنوات، ولذلك فمن دون الاستثمار في البنية الأساسية ومستوى المعيشة والتعليم لن تتمكن المدن من استيعاب المتضررين، ولا يوجد أمل في أن يعود الأفغان إلى بلادهم والاستقرار فيها.
إذا كان الانتقال داخل البلاد من الريف إلى المدن فإنهم لا يعتبرون لاجئين، ويمكن تصنيفهم نازحين بسبب التغيير المناخي، أما إذا غادروا البلاد بسبب اضطهاد فيصنفون لاجئين. وإذا غادروا البلاد بحثا عن العمل يمكن أن لا يصنفوا لاجئين كذلك، وهذه تفسيرات قانونية تتبناها المفوضية العليا.
أفغانستان حالة صعبة، فهي الآن لا تصنف بلد صراع، ولكن هناك أناس لا يشعرون بالأمن ويرحلون من أجل سلامتهم، وفي هذه الحالة يمكن أن لا يعتبروا لاجئين وفق اتفاقيات اللاجئين، ويمكنني تأييد هذه التصنيفات من أجل إدارة الناس الذين يرغبون بالعودة من باكستان وإيران ومساعدة الناس للوصول إلى أماكن عودتهم.
مسألة اللاجئين الأفغان قضية مزمنة، فهل ملّت الدول المانحة أو على الأقل تراجع اهتمامها؟
لا أظن أن أحدا من المانحين يمكنه التقاعس وهو ينظر إلى المعاناة الناجمة عن القحط، وعلينا أن نتحلى بالصبر وبمشاعر التعاطف، فهؤلاء الناس ليسوا سببا في المصائب التي حلت بهم على مدى أجيال، هم مثلنا، يريدون إرسال أبنائهم إلى المدارس ويحتاجون إلى المساعدة من أجل بعث الأمل بمستقبل أفضل.
وحتى لو أننا تعبنا من رؤية الأخبار الصعبة لا يمكننا أن نتخلى عن التعاطف والتضامن، وليس أقل من دعوة الحكومات إلى التفكير الإستراتيجي، وإلا فإن الكارثة قادمة لا محالة؛ خاصة في حال غياب استثمار يجعل الحياة ممكنة في القرى والبلدات الأفغانية، وعدم الحصول على رواتب تمكنهم من الاعتناء بأولادهم، وإذا أردنا أن نقنع الأفغان بأن يعيشوا في بلادهم فعلينا أن نستثمر في ذلك حتى لو كان الوضع السياسي صعبا.
الأعداد ضخمة، وهناك نحو مليون عبروا الحدود من إيران إلى أفغانستان هذا العام، ومليون و200 ألف أو أكثر من باكستان خلال 12 إلى 18 شهرا، ولذلك هناك أكثر من مليونين ونصف مليون عائد، وقد يتضاعف هذا الرقم إذا ما استمر الوضع على حاله.
وما المطلوب؟ إن وضع العائدين ليس واحدا بالتأكيد، حيث يمكن للبعض العودة إلى أسرهم التي يمكنها استقبالهم، ولكن أغلبية من نتعامل معهم غير قادرين على الاستمرار بالحياة، وهذا يتطلب استثمارا ضخما في بناء أنظمة ري، ومخازن وحفر آبار.
الاحتياجات الطارئة عند وصولهم هي الغذاء والماء والمأوى وبعض النقود من أجل الوصول إلى قراهم، وهناك أشخاص معدمون لديهم أسر وأطفال يحتاجون إلى الرعاية والحماية حتى لا يتعرضوا للاستغلال.
لقد أصدرنا مناشدة للبنوك السويسرية لتقديم 20 مليون فرنك سويسري، وهذه محاولة متواضعة لتقديم الخدمات على الحدود، ولكن يجب ألا ينظر إلى الأزمة على أنها قصيرة المدى وتقتصر على توفير الحافلات والشاحنات على الحدود، فهي أزمة عميقة لا يمكن مواجهتها إلا بخطط بعيدة المدى.
كيف يمكن لبلد مثل أفغانستان يعاني منذ عقود ويخضع لعقوبات دولية أن يستوعب هذه الأزمة، وأن تقوم الحكومة بواجبها في رعاية شعبها؟
أعتقد أن السلطات الأفغانية لا تملك حاليا الإمكانات لاستيعاب هذه الأعداد مع توفير الخدمات الصحية وضمان العيش بكرامة لأجيال، فالسلطات تحاول تقديم الأرض والمواصلات وتشجع الاستثمار الدولي ومساعدة الناس من الحدود حتى الوصول إلى أماكنهم، ولكن لا يوجد إمكانات كافية لمواجهة احتياجات مليوني شخص، ومساعدتهم على استعادة حياتهم الطبيعية.
النساء والبنات العائدات من إيران يواجهن تحدّيا خاصا، وهو أنهنّ كنّ يتعلمن في إيران، وينتابهن قلق من التعليم ونقص فرص العمل، وهو ما لا يمكنهن الحصول عليه في أفغانستان. قد يحصلن على التعليم التقليدي لكن ليس التعليم الشامل المطلوب، وفرص العمل للناس محدودة جدا، والفرص الواقعية تكمن في العمل الذاتي في مشاريع خاصة، وهذا أيضا يحتاج إلى تفكير ومال.
مفهوم ما الذي دفع اللاجئين إلى الخروج، فما الذي يدفعهم إلى العودة؟
هذا مرتبط بسياسات الدول المستضيفة وأعني هنا إيران وباكستان، لأسباب داخلية تخصهما ولا يمكنني التعليق على ذلك، وما يمكننا قوله إذا قررتم إعادة اللاجئين فليس أقل من أن يكون ذلك تدريجيا وبمراعاة القدرات الاستيعابية لأفغانستان، وأن يسمح للاجئين بحمل ما كسبوه من أموال من باكستان أو إيران إن توفرت، وإذا كان لديهم ممتلكات أن يعطوا الوقت المناسب لبيعها، حتى لا يكونوا عبئا على أقاربهم وأسرهم.
تواصلنا على مستوى السفارات، وكانوا متعاطفين، بل إن السلطات الأفغانية دعت السفراء إلى التوجه إلى الحدود والاطلاع بأنفسهم على حجم المشكلة، ولا أدري إذا كان ذلك سيؤثر بقرار الدول أم لا.
أعتقد أن المؤسسات العاملة على الحدود تقوم بعمل جيد، ويمكنك مشاهدة الخدمات الطبية والإيواء وتوزيع الطعام والمال، كما يمكنك مشاهدة فجوات خطيرة، أحدها عدم وجود خدمات صحية للنساء، وهذه قضية حساسة جدا يجب معالجتها على وجه السرعة.
إعلان
وأؤكد لجميع المعنيين: لا تنظروا إلى القضية على أنها طارئة، وأن الطريق الوحيد للتعامل مع الناس بكرامة هي مرافقتهم إلى حيث يعودون في قراهم فقط، بل التركيز على التنمية لأجيال قادمة وتمكينهم من التعليم والعيش في بيئة مناسبة، وهذا قد يقلل من تحول الأزمة الحالية إلى دائمة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قتلى ومصابون في تصعيد الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلند
قتلى ومصابون في تصعيد الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلند

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

قتلى ومصابون في تصعيد الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلند

أعلنت تايلند اليوم الخميس مقتل 9 مدنيين وإصابة 14 آخرين في هجمات كمبودية عبر الحدود بعد تصعيد الاشتباكات الحدودية بين البلدين الجارين وتبادلهما الاتهامات، وسط إعلان الصين قلقها البالغ إزاء بدء الاشتباك. وقال الجيش التايلندي -في بيان له- إن 6 أشخاص قُتلوا في غارةٍ كمبودية قرب محطة وقود في مقاطعة سيساكيت، بينما قُتل الـ3 الباقون، وبينهم طفل في الـ8 من عمره، في مقاطعتي سورين وأوبون راتشاثاني. وأفادت وزارة الدفاع التايلندية باستمرار الاشتباكات في 6 مناطق على الأقل على طول الحدود. ووقع الاشتباك الأول صباح اليوم الخميس في منطقة بالقرب من معبد "تا موين ثوم" القديم على طول حدود سورين ومقاطعة أودار مينشي الكمبودية. وقالت وزارة الخارجية التايلندية إن القوات الكمبودية أطلقت نيران مدفعية ثقيلة على قاعدة عسكرية تايلندية صباح اليوم، واستهدفت أيضا مناطق مدنية، ومن بينها مستشفى، مما أدى إلى حدوث خسائر في صفوف المدنيين. وقال الجيش التايلندي إن إحدى طائرات "إف-16" الـ6 التي جهزها لنشرها على طول الحدود المتنازع عليها أطلقت النار على كمبوديا ودمرت هدفا عسكريا. وقال ريشا سوكسوانون نائب المتحدث باسم الجيش التايلندي للصحفيين "استخدمنا القوة الجوية ضد أهداف عسكرية وفقا لما هو مخطط". وأغلقت تايلند حدودها مع كمبوديا. وأظهرت صور نشرتها الشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي دخانا أسود كثيفًا يتصاعد من محطة وقود. كما تعرض متجر صغي ومستشفى للهجوم. وقالت وزارة الدفاع التايلندية إن حكومة المملكة "مستعدة لتكثيف إجراءات الدفاع عن النفس إذا استمرت كمبوديا في هجومها المسلح وانتهاكاتها سيادة تايلند". تبادل الاتهامات من جانبها، ذكرت وزارة الدفاع الكمبودية أن طائرات تايلندية أسقطت قنبلتين على طريق، ونددت اليوم بما وصفته بـ"العدوان العسكري التايلندي المتهور والوحشي"، متهمة جارتها بفتح النار على قواتها وانتهاك اتفاق يهدف إلى خفض تصعيد التوتر بين الجانبين. وطلب رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت -اليوم الخميس- من مجلس الأمن الدولي عقد "اجتماع عاجل" مع اندلاع اشتباكات مع تايلند بسبب نزاع حدودي. ووجّه مانيت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن عاصم افتخار أحمد، جاء فيها "نظرا إلى الاعتداءات الخطيرة التي شنتها تايلند أخيرا، والتي هددت بشكل خطير السلام والاستقرار في المنطقة، أطلب منكم عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لوقف عدوان تايلند". كما أعلن رئيس الوزراء الكمبودي أن بلاده تقدمت بطلب إلى محكمة العدل الدولية لحل نزاعاتها الحدودية مع تايلند. ووصفت تايلند جارتها كمبوديا اليوم بأنها "غير إنسانية ووحشية ومتعطشة للحرب"، واتهمتها باستهداف منازل وبنى تحتية مدنية بالمدفعية خلال اشتباكات حول حدود متنازع عليها. ودعا الناطق باسم الحكومة جيرايو هونغسوب المجتمع الدولي إلى إدانة كمبوديا بسبب قصفها المدفعي الذي أدى إلى مقتل شخص على الأقل وإصابة آخرين. قلق صيني وفي ظل هذه الأجواء أعربت الصين عن "قلقها العميق" إزاء الاشتباكات الدامية بين كمبوديا وتايلند" واعتبرتها" تصعيدا خطيرا في نزاع حدودي طويل الأمد بين الجارتين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غوه جياكون: "نشعر بقلق بالغ إزاء التطورات الحالية، ونأمل أن يتمكن الجانبان من حل المشكلات بشكل سليم من خلال الحوار والتشاور". وأضاف أن "حسن الجوار والتعامل السليم مع الخلافات يتماشى مع المصالح الأساسية وطويلة الأمد لكلا الجانبين". يذكر أن كمبوديا تعد حليفا قويًا للصين، إذ تلقت استثمارات بمليارات الدولارات. لكن غوه أكد اليوم أن بلاده ستتخذ "موقفًا عادلًا ومحايدًا" في الاشتباكات. وأضاف غوه أن بكين "بذلت، وستواصل، بطريقتها الخاصة، قصارى جهدها لتعزيز السلام والحوار، ولعب دور بناء في تعزيز تهدئة الوضع". وتعد اشتباكات اليوم ثاني مواجهة مسلحة بين البلدين منذ مقتل جندي كمبودي بالرصاص في مايو/أيار الماضي، كما تأتي بعد ساعات من تخفيض البلدين مستوى العلاقات الدبلوماسية عقب انفجار لغم أرضي أدى إلى إصابة جنود تايلنديين. ويدور خلاف مرير بين الجارتين حول منطقة تُعرف باسم "المثلث الزمردي"، حيث تلتقي حدود البلدين ولاوس، وتضم عديدا من المعابد القديمة. واستمر هذا الخلاف لعقود، وتطور إلى اشتباكات عسكرية دامية قبل أكثر من 15 عامًا، وتجدد في مايو/أيار، عندما قُتل جندي كمبودي في تبادل لإطلاق النار.

إغناتيوس: حذارِ فعام 1914 يلوح في الأفق
إغناتيوس: حذارِ فعام 1914 يلوح في الأفق

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

إغناتيوس: حذارِ فعام 1914 يلوح في الأفق

لا تندلع الحروب الكارثية فجأة أو من غير إنذار. وغالبا ما نراها تقترب، لكننا نفشل في اتخاذ قرارات سريعة أو حاسمة لتجنبها. وبهذه المقدمة استهل الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس مقاله بصحيفة واشنطن بوست، تناول فيه ما دار في الاجتماع السنوي لمجموعة "آسبن" الإستراتيجية (Aspen Strategy Group) التي تجمع عددا متنوعا من الخبراء والمسؤولين الحكوميين لمناقشة التحديات الأمنية العالمية وتقديم توصيات بشأنها. وحضر الاجتماع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لمناقشة تفاقم خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان. وأعرب كاتب المقال عن أسفه لتغيب كبار المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب عن تلك المداولات، رغم الحاجة الماسة لمشاركتهم فيها. بل لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد أصدرت وزارة الدفاع (البنتاغون) بيانا اتهمت فيه الجهة المنظمة -وهي مجموعة آسبن الإستراتيجية- بأنها تروِّج "لشرور العولمة". ورغم هذا الهجوم الكاسح، فإن إغناتيوس يعتقد أن الحوارات في المنتدى كانت من بين الأكثر ثراءً وعمقا خلال سنوات انعقاد المؤتمر الــ15 الماضية، وشهدت حضور شخصيات رفيعة من الحزبين، بينهم وزراء خارجية ودفاع سابقون ومستشارون للأمن القومي وخبراء بالشأن الصيني. ووفق المقال، فقد أجمع المشاركون على ضرورة أن تتبع الولايات المتحدة نهجا يقوم على "الطمأنة والردع": أي طمأنة الصين بأن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان، مع تعزيز القدرات العسكرية والدبلوماسية الأميركية في آسيا لردع أي محاولة صينية للاستيلاء على الجزيرة بالقوة أو عبر وسائل قسرية غير عسكرية. وقارن آرني ويستاد المؤرخ في جامعة ييل التوترات بين واشنطن وبكين بالتطورات الجيوسياسية التي سبقت الحرب العالمية الأولى، موضحا أوجه الشبه بين تحالف الصين مع روسيا حاليا وتحالف ألمانيا مع النمسا عام 1914، وكذلك بين قلق بريطانيا من صعود ألمانيا وقلق أميركا الحالي من صعود الصين. وتزايدت المخاوف بعد فوز الرئيس التايواني المؤيد للاستقلال لاي تشينغ-تي، بالانتخابات التي جرت في يناير/كانون الثاني 2024. وإزاء هذا التطور، صعّدت بكين من لهجتها، حيث اعتبر عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي وانغ هونينغ أن إعادة الوحدة مع تايوان "أمر لا مفر منه" وهو تصريح -في نظر إغناتيوس- يتماشى مع توجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ للجيش بالاستعداد للحرب بحلول عام 2027. تحدي "المنطقة الرمادية" يتمثل التحدي الأصعب -برأي إغناتيوس- في ردع إستراتيجية "المنطقة الرمادية" التي تنتهجها الصين، وهي خطوات لا تصل إلى حد الحرب، لكنها تضغط على تايوان لإجبارها على الاستسلام. وإستراتيجية "المنطقة الرمادية" نهج في العلاقات الدولية تستخدمه الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية لتحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية من خلال أنشطة تقع بين السلم والحرب التقليدية دون دخول صراع عسكري واسع النطاق. وقال غراهام أليسون الأستاذ في جامعة هارفارد وأحد الأعضاء المؤسسين بالمجموعة إن "الخطر الحقيقي لا يكمن في الغزو، بل في الحصار وخنق جزيرة تايوان بحرمانها من استيراد الغذاء والطاقة ومنع تصدير الرقائق الإلكترونية وغيرها". ما يجعل تايوان مهمة جدا وخطيرة في آن معا كونها مركزا لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة في العالم عبر شركة "تي إس إم سي" التي تعد ضرورية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة. وقد رأى بعض المشاركين أن مجرد تحذير بكين من هذه الخطوات لا يكفي، داعين إلى استخدام وسائل هجومية مضادة في مجال المعلومات والقرصنة السيبرانية. وقد فسّر إغناتيوس ذلك بأنه يعني أن على الولايات المتحدة أن تتقن أيضا اللعب في "المنطقة الرمادية". ومن جانبه، حذر نيكولاس بيرنز مبعوث الرئيس السابق جو بايدن إلى الصين من أن التهديد الأكبر قد لا يكون هجوما عسكريا مفاجئا من قبل بكين، بل قد يكون خنقاً تدريجياً عبر الحصار أو القيود الجمركية أو وسائل غير عسكرية، مما قد يدفع الولايات المتحدة للرد ويدخل الطرفين في دوامة تصعيد. واقترح عدد من المشاركين أن تعديلا بسيطا في خطاب واشنطن يؤكد أنها "تعارض" استقلال تايوان، بدلا من القول إنها "لا تدعم استقلال تايوان" قد يبعث برسالة حاسمة إلى بكين دون تغيير السياسة الأساسية. حروب المستقبل لا يمكن تفاديها عبر تجاهلها إنما ينبغي مواجهتها بالتخطيط، وأنصح إدارة ترامب بأن تبتدر نقاشا جادا بشأنه إستراتيجيتها تجاه تايوان، تماما مثلما فعلت مجموعة آسبن وأشار إغناتيوس إلى أن آراء ترامب غير الواضحة بشأن تايوان كانت مصدر قلق للحاضرين. فقد عبّر بعضهم عن مخاوف من أن الرئيس الأميركي قد يُقايض بتايوان ضمن صفقة تجارية واسعة مع نظيره الصيني. وحذر بيرنز بلهجة -تعبِّر عن رأي معظم الحاضرين- من أن "قضية تايوان لا تحتمل صفقة كبرى، بل تتطلب قيادة صبورة وصارمة تعمل مع الحلفاء لردع الصين ومنع اندلاع حرب". يعتقد كاتب المقال أن ما يجعل تايوان بتلك الأهمية والخطورة في آن معا كونها مركزا لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة في العالم عبر شركة "تي إس إم سي" التي تعد ضرورية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة. ويرى البعض أن صراعا قد ينشب إذا شعرت إحدى الدولتين (الولايات المتحدة أو الصين) بأن وصولها إلى هذه المواد الحيوية مهدد. وخلص إغناتيوس إلى أن حروب المستقبل لا يمكن تفاديها عبر تجاهلها، إنما ينبغي مواجهتها بالتخطيط، ناصحا إدارة ترامب بأن تبتدر نقاشا جادا بشأن إستراتيجيتها تجاه تايوان، تماما مثلما فعلت مجموعة آسبن.

تجويع غزة فنٌّ يتقنه الاحتلال فما خيارات أهلها؟
تجويع غزة فنٌّ يتقنه الاحتلال فما خيارات أهلها؟

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

تجويع غزة فنٌّ يتقنه الاحتلال فما خيارات أهلها؟

قطاع غزّة، الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من فلسطين التاريخية، يُعدّ ذا مساحة صغيرة نسبيًا تُقدّر بنحو 365 كيلومترًا مربعًا فقط، ويسكنه أكثر من 2.3 مليون نسمة، منهم ما نسبته 75٪ لاجئون (أي ما يقارب المليونين)، منذ قيام دولة الاحتلال، يعيشون في ثلاثة عشر مخيمًا، تفتقر جميعها إلى مقومات الحياة الأساسية، ما يجعله من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. بسبب الاحتلال والحصار والحروب المتكررة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، يعاني القطاع من تهالك في البنية التحتية، وأزمات في المياه والكهرباء، وضعف في القطاعات الصحية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها من المجالات. تشديد الحصار بعد انتخابات حرة نزيهة بشهادات دولية، فازت فيها كتلة "الإصلاح والتغيير" في الانتخابات التشريعية (البرلمان)، لكن الديمقراطية التي يتغنّى بها العالم لم تُعجبه هذه المرة، ففرض الاحتلال حصارًا مشددًا على القطاع، بمشاركة وصمت دولي. تمثّل الحصار في إغلاق تدريجي لمعظم المعابر التجارية وتلك المخصصة للأفراد والمرضى، مع الإبقاء على معبر واحد تدخل من خلاله كميات محدودة من المساعدات، وفرض "قائمة سلع ممنوعة" شملت أكثر من ثلاثة آلاف مادة، منها مواد البناء والوقود والمواد الخام، ومواد أساسية كحليب الأطفال والقرطاسية! كما فرض الاحتلال حصارًا بحريًا، ومنع الصيادين من العمل، وأحرق وقصف معداتهم، فكان حصارًا بريًّا وجويًّا وبحريًّا، وصفه في حينها مسؤول في منظمة أممية بأنه "غير قانوني وغير أخلاقي وغير إنساني". تسبّب كل ذلك في آثار كارثية على مختلف القطاعات، وأدى إلى انهيار شبه تام في المنظومات الصحية، والصناعية، والتجارية، والزراعية، والتعليمية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. كسر الجدار بين غزة ومصر مع اشتداد الحصار ومنع إدخال الطعام لسكان غزة، اضطر السكان عام 2008 إلى خلع الأسلاك الشائكة بين غزة ومصر، وتدفّق مئات الآلاف نحو الأراضي المصرية، باعتبارها الجار الأقرب لإنقاذهم من المجاعة والموت، للخروج من كارثة إنسانية وتجويع قاتل كما يحدث اليوم. إعلان توجّه الناس إلى الأسواق والمحال التجارية لشراء المواد الغذائية والأدوية والوقود وكل ما ينقصهم، وعادوا بها إلى ذويهم في غزة لإنقاذ حياة من تبقى منهم على قيد الحياة. أنفاق التهريب لجأ الشعب المحاصر إلى فرض واقع جديد لكسر الحصار المفروض عليه (بلا إنسانية ولا قانونية ولا أخلاق)، وتجلى ذلك في خطة لمحاربة الجوع وإنقاذ أهالي القطاع الذين بات الموت والفناء يُهددهم. فحُفرت الأنفاق بين غزة ومصر، ما تسبّب بمقتل العديد ممن حفروا هذه الأنفاق بأيديهم العارية، إلا من القليل من المعدات، مثلهم في ذلك كمثل شعوب أوروبية وفيتنامية على طول الحدود، في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي وإدخال الوقود والغذاء والسلع الأخرى إلى غزة كممرات تجارية، يبدو أن لها توافقات دولية كبديل عن المعابر الحدودية. كانت الشقيقة مصر على علم بذلك، لكنها غضّت الطرف عنه. وقد قال الرئيس مبارك حينها، بعد إزالة السلك الشائك والعبور الفلسطيني السلمي للحدود: "دول ناس جعانة بتبحث عن الطعام"، وكانت تراقب وتدرك أن ما يدخل عبر تلك الأنفاق مخصص للجائعين والمحاصرين ويتم بطرق تجارية. لاحقًا، تم الاتفاق بين الطرف الفلسطيني في غزة والسلطات المصرية على إغلاق الأنفاق، واستبدالها بخط تجاري رسمي، وفتح معبر رفح لإدخال البضائع من مصر إلى غزة، مما خفّف من المجاعة وأوجد نوعًا من الاستقرار. وكل ذلك تم على مرأى من العالم، وسكت عنه حتى لا يكون شريكًا في جريمة الإبادة الجماعية، من خلال سياسة التجويع الإسرائيلي القاتلة وضمن سياسة العقاب الجماعي، التي تخالف القانون الدولي والأعراف الإنسانية. حرب 2023 والحصار مع بدء حرب الإبادة ضد غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعاد الاحتلال سياسة الحصار، لكن هذه المرّة بشكل أشد وأقسى، حيث أُغلقت المعابر بشكل تام، بما فيها معبر رفح، ومُنع إدخال أي شاحنة مساعدات، وأُغلق البحر والجو، وقُطعت الكهرباء والمياه. ومنذ قرابة عامين، يُفرض الحصار بشكل مستمر، ويُخفف أحيانًا بإدخال كميات محدودة من المساعدات لامتصاص الضغط الدولي المتواضع، في ظل بقاء سياسة الإغلاق والحصار نهجًا معلنًا للاحتلال. فن تعميق المجاعة يتفنّن الاحتلال الإسرائيلي، عبر أذرعه السياسية والعسكرية والإعلامية، في تعميق المجاعة في قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإغاثية أو البضائع، مع محاولة إيهام العالم بعكس الواقع من خلال روايات مفبركة وخطوات دعائية. فعليًا، لا يسمح الاحتلال بإدخال أي نوع من المساعدات، وهي بالأساس مقدمة من دول عربية وأجنبية ومؤسسات إنسانية، ولا تأتي من الاحتلال. دوره فقط هو السماح بدخولها، بحكم كونه قوة احتلال، وهو واجب قانوني لا مِنّة أو كرم. إستراتيجية عسكرية يعامل الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني إنسان في غزة كجزء من إستراتيجية عسكرية محكمة: حصار شامل، منع دخول شامل، ثم سماح محدود بشروط أمنية قاسية. مؤخرًا، أعلن الاحتلال عن إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" (Gaza Humanitarian Foundation) في 2025، وهي كيان خاص أُسّس بالتنسيق مع شخصيات أمنية أميركية، وبرعاية غير مباشرة من إدارة دونالد ترامب، وبدعم من شركات أمنية خاصة. وُكِلت إليها مهمة توزيع المساعدات خلال الحرب، وفقًا لتقرير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار". تعتمد هذه المؤسسة على عدد محدود من مراكز التوزيع المركزية، معظمها في وسط وجنوب القطاع، وتُدار من خلال مقاولين مسلحين، من دون إشراف مباشر من جيش الاحتلال. يروج الاحتلال للمؤسسة كبديل عن المؤسسات الأممية والدولية، لكن الواقع يكشف غير ذلك؛ فقد تسببت هذه الآلية في سقوط شهداء ومصابين من المجوّعين، ربما أكثر من عدد من تلقوا المساعدات فعليًا! مساعدات بخلفيات أمنية حاول الاحتلال أن يظهر توزيع المساعدات وكأنه يتماشى مع القانون الدولي، فأسس كيانًا جديدًا بعد تشويه صورة المؤسسات الأممية والخيرية واتهامها زورًا. لكن هذه المؤسسة الجديدة، والتي تحدثت تقارير إعلامية دولية عن خلفيات أمنية وعسكرية لمؤسسيها، واجهت انتقادات واسعة لما وُصف بأنه "موت محكم". أظهرت عشرات الفيديوهات أن المؤسسة كانت تعلن عبر "فيسبوك" عن فتح مركز توزيع الساعة 12 ظهرًا، فيتهافت الآلاف من المجوّعين، ثم تُعلن خلال 15 دقيقة انتهاء التوزيع لنفاد الكمية! وهل يُعقل أن يتم توزيع آلاف المساعدات في ربع ساعة فقط؟! وفيما الناس لا يعلمون أن "التوزيع الكاذب" انتهى قبل أن يبدأ، يُطلق النار عليهم من قِبل جنود الاحتلال وعناصر المؤسسة المسلحين. فهل يُعقل أن يحمل رجال العمل الخيري السلاح؟! وقد بلغ عدد الشهداء من منتظري المساعدات الغذائية أكثر من 550، إضافةً إلى أكثر من 3 آلاف و500 إصابة. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، فإن 80% من شهداء المساعدات هم من فئة الشباب، و14% من الأطفال، و3% من النساء، و3% من كبار السن. لذلك، رفضت المنظمات الأممية الكبرى، مثل الأمم المتحدة، والصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود، وأوكسفام، التعاون مع هذه المؤسسة، واعتبرتها خطرًا على مبادئ العمل الإنساني: السلامة، الحيادية، وعدم الانحياز. الضوابط الأممية والأخلاقية بموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة (المواد 59-61)، والقانون الدولي العرفي (القاعدة 55)، تقع على الاحتلال التزامات صارمة: تقديم المساعدات على أساس الحاجة فقط، دون تمييز. ضمان سلامة المساعدات والمنظمات الموزعة. عدم استخدام التوزيع بطريقة تمييزية أو مهينة أو خطرة. عدم استخدام التجويع كسلاح، باعتباره جريمة حرب وفق المحكمة الجنائية الدولية. مسؤوليات الاحتلال السلطة القائمة بالاحتلال مُلزمة قانونًا بتوفير الغذاء والماء والدواء والحماية للسكان تحت سلطتها، وقبول المساعدات وتنظيم توزيعها بدون تمييز. ويُعدّ حرمان السكان من الطعام أو فرض العقوبات الجماعية جريمة حرب، كما نصّت على ذلك محكمة روما. ينبغي تحديد أماكن توزيع آمنة، وعدم إجبار الناس على التجمع في مناطق خطرة، وتوفير وسائل نقل وتسهيلات ميدانية تضمن الأمان وتحفظ الكرامة. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث تُقام مراكز التوزيع في "مناطق عسكرية مغلقة"، من دون وسائل نقل، مما يعرّض المدنيين للإذلال والهلاك. آليات العمل الإنساني الصحيحة العمل الإنساني الدولي يقوم على تنسيق الجهود بين المنظمات الدولية والمحلية من خلال مجموعات عمل قطاعية (الصحة، المياه، المأوى…)؛ لضمان فاعلية الاستجابة الإنسانية. ورغم التعقيدات في مناطق النزاع كالسودان وسوريا، فإن هناك التزامًا واضحًا من المنظمات الإنسانية بتقديم مساعدات منقذة للحياة، بخلاف ما يحدث في غزة. تحظر اتفاقية جنيف الرابعة استخدام التجويع كسلاح، وتوفّر حماية خاصة للمدنيين تحت الاحتلال. وقد صدر قرار مجلس الأمن 2720 بتاريخ 22 ديسمبر/ كانون الأول 2023، يطالب بإيصال المساعدات وفتح المعابر فورًا. أما الادعاء بأن "الأونروا" تعمل لصالح الفصائل، فهو باطل، كما أكدت الوكالة، ويخالف القانون الدولي. ومن أبرز القوانين ذات الصلة: 1- تسهيل عبور المساعدات- اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 59. 2- حظر التجويع- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إعلان 3- حيادية وشفافية التوزيع- القانون الدولي العرفي. 4- توفير أماكن آمنة وعدم فرض التنقل القسري- ICRC. هل ستصمت غزة طويلًا؟ يبقى السؤال: هل ستصمت غزة طويلًا؟ أعتقد أن استمرار التجويع والحصار قد يدفع السكان إلى البحث عن عدة خيارات، منها العودة إلى المسيرات السلمية باتجاه الوطن المحتل، أو غير ذلك. فالمجوّع لن يصمت طويلًا. وعلى الجوار أن يدرك أن الغزيّ إذا وُضع بين خياري الموت جوعًا أو محاولة فرض واقع الحياة بجهده، فسيختار خيار الحياة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store